مدينتناإيه يا أخي ... من أين أبدأ حكايتي ؟ و كيف أنهيها إذا بدأتها ؟ تلك أيام لا تنسى ... جذبتني مدينتكم ... تسألني كيف ؟ لا أدري ... المهم أني كنت مبحرا في بداية تعلمي ... مارا من طرق العالم السيارة فحططت رحالي لأتفرج على أبوابها ... أستمتع بمقاهيها و أتجول بميادينها و نواديها فوجدتها تغص بكل أصناف البشر ... لا أعرف أحدا من سكانها و لا من مسؤوليها ... لكن كل من التقيته يرحب بي ترحيب من يعرفني ... الكل يبتسم في وجهي و يعانقني أينما مررت ... كلما ولجت مقهى قدم لي بعض رواده ورودا ... كلما مررت بشارع إلا وجدتني مدعوا لوليمة هنا أو هناك ... عندما أرجع لسيارتي المنهوكة أجد رسائل تنتظرني مرحبة بي أو مشاركة لي في اكتشافاتي لهذا العالم الافتراضي الذي يشبه عالم رحلة "ابن فطومة" لأحد سكان العالم الآخر ... لم تسعفني الذاكرة المهترئة في تذكر اسمه محفوظ أم محظوظ ... أدمنت يا أخي المرور بمدينتكم و جعلتها محطة في كل رحلاتي القادمة ... هذه المرة لا كسائح ... لكن كساكن من سكانها أقاسمهم همومي و بضائعي على قلتها ... لا أغادرها إلا لأرجع إليها من جديد ... أصبحت مهووسا بمدينتكم ... في يقظتي و حلمي ... حتى في زياراتي للمدن البعيدة لا أتبضع إلا لأعرض في مدينتكم و لا أقرأ إلا لكي أكتب على جدران مدينتكم ... كانت يا أخي تلك أيام لا تنسى .
لكن ... ما الذي أصابها هذه الأيام ؟ أي لعنة هذه ؟ سكانها أصابهم الخرس ... لا يمرون إلا ورؤوسهم إلى الأرض لا يتكلمون إلا همسا ... الكل منزو على نفسه ... لا ترحيب و ابتسام ... الكل يعرض بضاعته لوحده و لا من يساومه ... و إن وجدت حوارا فبين مجموعات منزوية تحت شجيرات حدائقها الحزينة يتكلمون في همس خيفة أن يسمعهم الآخرون ... ما الذي أصاب دار الإمارة بمدينتكم ؟ انقسمت على نفسها فرقتين ... كل فرقة تريد أن تعبئ السكان ضد الأخرى ... و ما دخل السكان و السياح في مشاكل الإمارة ؟
نعم يا أخي ... حتى هذا المقهى الذي تضمنا جدرانه الآن " مقهى صنعة الكلام " أصاب رواده الخرس ... الكل واجم على نفسه منفرد بطاولته يتأمل ذاته لا يتكلم إلا لماما لأفراد محدودين يهمس لمهم في آذانهم ... كم زائر له ليس من رواده عارضا فيه الشيح و الحناء ناسيا أن "رحبتها" قريبة من سكناه في المدخل الخلفي للمدينة ... بل و ابتليت المدينة بنوع آخر من السياح لا يدخلونها من أبوابها و إنما يتسورون حيطانها من بعيد ناظرين عبر مكبراتهم لساحاتها و مقاهيها من غير ان يدفع مليما واحدا للجمارك و لا يعرض بضاعة ... إنما يتجسس من بعيد حتى أصبح عددهم أكبر من رواد مدينتكم ...
ما الذي اصاب مدينتكم أخي ؟ خبرني ...