د. شحرور: أنكر الحديث النبوي.. والجنس بين العزّاب "حلال"
مفكّر سوري يراهن بأن أفكاره "ستحكم العرب يوما"
دبي- حيان نيوف
في مجتمع معروف بالالتزام بالمذاهب الفقهية الأربعة، يظهر الأكاديمي والمفكر السوري محمد شحرور كشخصية مثيرة للجدل الحاد حول آرائه التي تبدو صادمة وغير مألوفة بما في ذلك على سبيل المثال ما قاله في حديث لـ"العربية.نت" من إباحته للمساكنة (العلاقات الجنسية بين الشباب والشابات دون زواج)، وإنكار الحديث النبوي والدخول إلى الإيمان من منطلق رياضي، واعتباره "المحرمات أُغلقت بالرسالة المحمدية وكل إفتاءات التحريم لاقيمة لها".
"العربية.نت" التقت د. محمد شحرور، الذي تصفه وسائل إعلام عديدة بـ"المفكر الإسلامي" أو "الباحث الاسلامي"، على هامش زيارته إلى دولة الإمارات العربية المتحدة هذه الأيام، وسألته عما إذا كانت أفكاره تلقى أي صدى في أوساط الشباب، وعلاقته بجماعة "القرآنيين"، وما طرحه من أفكار حول زواجي المتعة والمسيار، وقضية المساكنة.
وقال المفكر السوري الذي تثير مؤلفاته وآراؤه حول الاسلام والقرآن جدلا واسعا منذ أواسط التسعينيات وحتى اليوم، إن نظرياته وأفكاره لا تتبع أي مدرسة أو مفكر آخر مثل رشاد خليفة مدعي النبوة في أمريكا، وإنما هي وليدة هزيمة حرب الـ"67" وذلك "عندما أرجع خطباء المساجد الهزيمة (لتعرّي نساء العرب) فيما أرجعها الشيوعيون لصوم الناس شهر رمضان، فكان لا بد من تجديد الفكر العربي والاسلامي"، على حد قوله.
وأشار في هذا السياق إلى أن لديه جمهورا واسعا من مناصري أفكاره في سوريا ودول عربية أخرى.
وأكد شحرور لـ"العربية.نت" إنكاره للحديث النبوي "بسبب الغيبيات التي فيه" وانه لا يؤمن الا بالغيبيات التي وردت في القرآن. كما علّق على ما أثير مؤخرا في العربية.نت عن موضوع المساكنة في سوريا، وقال إن المساكنة وزواج المسيار والمتعة كلها "ملك يمين"، وقال إن ممارسة شباب وشابات عزاب للجنس بإرادتهم ودون عقود أو حضور شيخ أو مأذون، هو حلال، على حد تعبيره.
وفي التسعينيات كانت بداية "ظاهرة" محمد شحرور عندما أصدر كتاب "الكتاب والقرآن- قراءة معاصرة"، وخلال فترة قصيرة صدر في دمشق نحو 15 كتابا يرد عليه. وكانت ضجة أخرى أيضا عندما أصدر كتابه "نحو أصول جديدة للفقه الاسلامي- فقه المرأة "، والذي تناول فيه بشكل مكثف حجاب المرأة. ومن الافكار التي يرددها في كتبه ويذكرها على موقعه، والتي رفضت من قبل منتقديه: "الأساس في الحياة هو الإباحة، وصاحب الحق الوحيد في التحريم هو الله فقط، وهو أيضاً يأمر وينهى، لذا فإن المحرمات أُغلقت بالرسالة المحمدية، وكل إفتاءات التحريم لاقيمة لها".
ومحمد شحرور هو أستاذ الهندسة المدنية في جامعة دمشق، وبدأ في دراسة القرآن معتمدا المنطق الرياضي في هذه الدراسة. ويصفه مراقبون بأنه من "المفكرين المجددين"،
وقد أثارت كتابات شحرور في مطلع التسعينيات نقاشات حادة في الأوساط الإسلامية خصوصاً فيما يتعلق بمسألة حجاب المرأة، التي ذكرت في كتابه "الكتاب والقرآن"، واتهمه البعض بأنه ماركسي وهذا نفاه في حديث للعربية.نت معتبرا أن الماركسيين وأنصار أسامة بن لادن وجهان لعملة واحدة.
شحرور: فكري ابن هزيمة الـ67
وخلال حواره مع "العربية.نت" تمسك د. شحرور باستقلالية ما يدعو إليه من أفكار يعتبرها تجديدية في الاسلام، نافيا بشدة أن يكون من جماعة "القرآنيين" أو من أتباع رشاد خليفة صاحب نظرية دراسة القرآن من خلال المنطق الرياضي، والذي ادعى النبوة في نهاية حياته.
وقال شحرور: أفكاري جاءت بعد هزيمة الـ 67 . آنذاك دخلت المسجد فسمعت الخطيب يرجع الهزيمة لأن النساء عاريات. وفي مكان أخر سمعت شيوعيا يرجع الهزيمة لصوم الناس شهر رمضان. وبسبب هذين الفكرين، نشأ فكري والناس كانت في أزمة ولذلك أقبلوا على أفكاري، ولدي الآن كثير من المؤيدين لما أدعو إليه من سوريا ودول عربية أخرى وهذا ما اكتشفه من من خلال المراسلات التي تصلني يوميا وكلها تبحث عن جواب عندي.. وملخص أحدث 5 كتب لي سيصدر باللغة الانجليزية تحت عنوان (الاسلام دين عقلاني)، وحاليا أنا في الإمارات في إطار نشاطي البحثي والدراسي.
وتابع: "وضعت على موقعي المنهج والمصطلحات الخاصة بي، ولم اتأثر بفكر رشاد خليفة ومنطقه الرياضي في القرآن، وأنا اعتمدت نظرية المجموعات والتحليل الرياضي وطبقتها على آيات المواريث (الميراث) وظهر معي علم مواريث جديد، بينما رشاد خليفة اعتمد على الارقام فقط. في الماضي نظروا إلى آيات المواريث من خلال العمليات الحسابية الأربع التي لم يكن هناك غيرها، واليوم تقدمت علوم الرياضيات فطبقتها على آيات المواريث، وأضفت للعمليات الحسابية الأربع التحليل الرياضي والهندسة التحليلية ونظرية الاحتمالات ونظرية المجموعات أي الرياضيات الحديثة".
وعن رشاد خليفة، قال "كل من يدعي النبوة والرسالة بعد محمد(ص) فهو دجال، وادعاء رشاد خليفة النبوة من خلال تقدمه بالمنطق الرياضي كلام فارغ".
"إنكاره" الحديث النبوي
وإذ نفى صلته بجماعة "القرآنيين"، يصل شحرور بآرائه الصادمة والغريبة على المجتمع الاسلامي إلى حد القول: "كتاب الله مكتف ذاتيا أي لا يحتاج لإضافة من خارجه لتفهمه، ومفاتيح فهمه داخله وليس خارجه، ولكي نفهمه لسنا بحاجة إلى أبي هريرة ولا إلى ابن عباس، على حد قوله.
ويتابع في آرائه هذه "لا أؤمن بالحديث النبوي، الله تعالى قال "وأطيعوا الرسول"، الطاعة إذن هي للرسول وليس للنبي، والاحاديث النبوية هي الغيبيات مثل عذاب القبر ومشاهد الساعة وعذاب البرزخ وهذه هي النبوة، والرسول لا يعلم الغيبيات، ويكفي لنا أن نؤمن بالغيبيات التي وردت في المصحف".
وقال "وأما أحاديث الرسول فهي التي لها علاقة بالشعائر وأنا أؤمن بما أمرنا الله أي طاعة الرسول في الصلاة والزكاة. كما أن النبي لا يحرم وإنما ينهى، وإنما التحريم لله، يعني إذا اجتمع الأنبياء لا يحق لهم أن يحرموا التدخين".
وتُعتبر الأحاديث النبوية الصحيحة المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم طبقا لما توافقت عليه أغلب المذاهب الفقهية الإسلامية، ويؤدي القول بإنكارها إلى إسقاط الكثير من الأحكام الشرعية التي لم ترد في القرآن، كما أن من شأن المطالبة بإلغاء الاجتهاد والقياس وقصر الحق في التحريم على فترة الرسالة النبوية فحسب إسقاط مصدرين أساسيين آخرين من مصادر التشريع الإسلامي.
وفي سياق آخر من حواره مع العربية.نت، رأى د. شحرور أن "المساكنة" بين شباب وشابات اتخذوها بديلا للزواج، ودون عقد مكتوب، هي "حلال شرعا" طالما "تمت بقبول من الطرفين"، وذلك في إطار تعليقه على ما أثاره محام سوري دعا عبر "العربية.نت" منذ أيام الشباب الذين يلجأون للمساكنة لتوثيق علاقتهم بعقد قانوني.
وخاطب في حديثه للعربية.نت الشباب والشابات ممن اتخذوا "المساكنة" بديلا للزواج قائلا: اقرأوا كتاب الله لا تخافوا منه ولا تخافوا عليه، ويمكنكم ذلك بدون وسيط وبدون شيخ، والمساكنة حلال شرط موافقة الطرفين وبدون إشراك الانثى لشخص آخر مع الرجل، أو إشراكه هو لواحدة أخرى معها.
شحرور: المسيار والمتعة ملك يمين
وقال د. شحرور للعربية.نت: ورد نوعان من العلاقة الجنسية في القرآن وهما الزواج وملك اليمين. الزواج هو صهر ونسب وأسرة، ويوجد فيه مساكنة ونفقة وشراكة وأولاد واسرة. هناك حالة ثانية لا تنطبق عليها كل هذه الشروط، مثلا عندما ينام شخص مع فتاة في الفراش ويمارس الجنس معها لكن دون شروط الزواج أعلاه، وبرضا الطرفين، فهذا ملك يمين.
وأضاف "زواج المسيار ليس زواجا وإنما ملك يمين لأن الزوجة أعفت الزوج من النفقة والمصروف والمساكنة. وفي هذه الحالة الرجل هو ملك يمين المرأة لأنها تنفق على نفسها ويأتي إليها بناء على طلبها".
وتابع "زواج المتعة أيضا ليس زواجا وهو ملك يمين حيث تكون المرأة ملك يمين الرجل لأنه يعطيها الأولاد والنفقة. زواج المصياف ملك يمين متبادل لأن الاثنين ينفقان على بعضهما".
ورفض الدكتور شحرور الربط بين ملك اليمين وموضوع الرق والعبودية، وقال إن ملك اليمين كما جاء في القرآن 15 مرة لم يكن له علاقة بالرق الذي ذكر ليعبر عن "فك الرقاب، معتمدا على قوله تعالى: "والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برآدي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون".
وأضاف: "الآية الكريمة (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) تتحدث عن أن الجنس إما زوجة أو ملك يمين، والفروج هنا تشير للذكور والاناث".
وتساءل "كيف أنه في الرق تؤخذ المرأة سبية بالإكراه وتذهب لسوق النخاسة بالإكراه، وتباع بالإكراه وينامون معها بالاكراه والعملية في النهاية يقولون عنها حلال ويطلقون عليها ملك يمين. بينما تنام فتاة مع شخص برضاها ويقولون هذا حرام".
"المساكنة حلال"
وزاد "أرى أن المساكنة حلال وليست زنا، وخلال عصر الرسول (ص) لم تكن هناك عقود وكان الزواج شفهيا".
وتابع "المهم هو الايجاب والقبول وبالتالي يصبح الجنس حلالا، وأما الحقوق فهي شئ آخر ينظمه المجتمع. زواج المسيار هو ملك يمين وهو حلال والدولة نظمته وحلّّ مشكلة كبيرة.
وأضاف رأيه في قضية الزنا قائلا: قال تعالي (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين). كما قال سبحانه ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين).
الزنا هو نكاح علني ويحتاج أربعة شهود، والفاحشة غير العلنية لا تكون زنا. والمتزوجة التي تشرك شخصا آخر في فرجها غير زوجها تكون قد أشركت، ولهذا نقول للشباب إياكم والاقتراب من المتزوجات حتى لو لم يركم أحد.
شحرور: كتبي ستحكم العالم العربي
وبخصوص الانتقادات التي توجه له بأنه يفتي وهو لا يحتل منصبا شرعيا، رد الدكتور شحرور: لو كنت أحتل منصبا شرعيا لم أكن لأفتي، هذه المناصب صارت مهزأة، وأنا ضد افتاءات التحريم التي تطلق هذه الأيام واشكو أصحابها لله.
وبخصوص اتهامه بأنه ماركسي، يجيب "الهجوم ضدي يعني أن عملت شيئا مهما. أنا لست ماركسيا، وبرأيي الاسلاميون وحماس وبن لادن مثل الماركسيين".
وتابع "عملي ليس إصدار فتاوى وإنما البحث عن حالة بديلة لما هو قائم اليوم.. وأنا واثق أنه في نهاية هذا القرن ومن خلال كتبي سأحكم العالم العربي من قبري لأني أقدم البديل للحالة القائمة الآن".
كفتارو يرد على شحرور
إلا أنه أحد أبرز علماء الدين السوريين، الشيخ صلاح كفتارو، رفض ما ذهب إليه الدكتور شحرور، وقال إن المساكنة حرام شرعا.
وأضاف لـ"العربية.نت": المساكنة دون عقد زواج لا تجوز، وهي التي تحصل في الغرب، ولا علاقة لها بالشرع وهي حرام شرعا، ولابد أن يكون هناك عقد شرعي وموافقة ولي الأمر إن كانت الفتاة بكرا ، وحضور شاهدي عدل، وزواج بمهر مقدم ومؤخر من أجل عدم هدر حقوقها. وأما مسألة المساكنة من خلال القبول والرضا فقط فهذا لا يمت للشرع بصلة وليس عقد نكاح وإنما عقد سفاح.
وتابع "لايصح عقد النكاح إلا بقبول الطرفين مع شاهدين وموافقة ولي أمر الفتاة إلا إذا كانت سبية فتزوج نفسها أي كانت مطلقة أو أرملة وبحضور شاهدين أيضا".
وحذّر الشيخ كفتارو النساء من زواجي المتعة والمسيار، داعيا لتوثيق أي عقد في المحاكم الشرعية المختصة.
وبخصوص موضوع ملك اليمين، قال الشيخ كفتاور: نص عليه في القرآن (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون). ومعنى ذلك الذي يبتغي المتعة بغير الزواج أو ملك يمين فقد تجاوز حدود الله.
وأضاف "لكن مع تقادم العصور أجمع علماء الأمة الاسلامية بالتعاون مع الهيئات الدولية لحقوق الإنسان على إنهاء ملك اليمين من خلال توجيه الشارع لاحترام السنة وإنهاء العبودية لغير الله، وحصل ذلك مع بداية القرن الماضي، حيث نشأت مناهضة الرق والعبودية والاتجار بالإنسان".
وتابع "وقد يسأل سائل لماذا لم يمنع الاسلام منذ شروق شمسه قضية المتعة وأنا أقول إن الاسلام اتخذ من سنة التدرج في الاحكام وسيلة لتقبل الناس لهذه الشريعة، كما حصل في تحريم الربا والخمر على مراحل، لذلك كان التحريم بالنسبة للتمتع على مراحل".
وزاد: ملك اليمين كانت في الماضي أيام الحصول على النساء كسبايا في الحروب فتكون ملك يمين الرجال ويتم استرقاقها، وأما فصل موضوع ملك اليمين عن موضوع الرق واعتبار مجرد نوع آخر للنكاح، فهذا لا نتفق فيه مع الدكتور شحرور، ونقول له نحترم وجهة نظرك لكن مصادرنا الشرعية المستمدة من فقهاء الأمة المعتمدين تقول غير ذلك".