وصلت للمربد الرسالة التالية :
إن شاء الله
بقلم : يوسف فضل
كثيرا ما نستخدم في حديثنا اليومي قول : " إن شاء الله "على نحو خاطىء في التعبير والمعنى وذلك حين نضع هذا القول في سياق اصطلاحي تبريري ظاهره الإيمان لكن استخدامه الفعلي والعملي يعني السلبية أو التسويف أو استثناء بل نفي الفعل أو كما نقول بالعامية " اقلب وجهك " . وقصتي مع "أن شاء الله" تعني لي السلبية في الواقع العملي وليس من واقع تفسيرها القرآني . فعندما اسمعها من احدهم فهي تعني لي القول الصريح بالنطق بالكذب المبرر مع أن معناها مفعم بالتفاؤل ( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) لكن القائل يضمر في نفسه الكذب قبل النطق به . وعندما تسأله لماذا لا ولم يفعل المعنى الايجابي في فهم قوله "إن شاء الله" يرد عليك أن الله لم يشأ له الفعل .
يأتي الموظف ويطلب إجازة اضطرارية من مديره فيقول له :" أن شاء الله " فيفهم الموظف أن المدير موافق على الإجازة . ثم يعاتبه مديره على غيابة : " عندما قلت لك "إن شاء الله" لا يعني أنني موافق " . تطلب المرأة شيء من زوجها فيرد عليها :" إن شاء الله " ولا يحضر لها ما طلبت . الجدة تخاطب حفيدها :" يا ستي غدا نذهب إلى الملاهي " ولا يذهبون طوال الشهر أو طوال العام . يقول الصديق لصديقة : " غدا موعدنا اللقاء الساعة التاسعة صباحا " يأتي الموعد حتى الساعة التاسعة مساءا ولا يحضر الصديق اللقاء .
تكرر التنبية تلو التنبية على الموظف بالالتزام بمواعيد دوام العمل فتسمعه يكرر له قول " إن شاء الله " ويكرر غيابة .يتصل مندوب المبيعات ويسأل عن موعد استلام الشيك . " غدا إن شاء الله " يأتي الغد وبعد الغد وبعد بعد الغد والشيك لم يصدر . تقول : "يا فلان قامت الصلاة صلي" يرد : " إن شاء الله " ولا يصلي . تقول لابنك :" ادرس يا بني " . يرفع عتبه وعينه عنك :" إن شاء الله " ولا يدرس . تأخذ السيارة أو الثلاجة أو الغسالة أو أي جهاز كهربائي لورشة الصيانة تسأله :" متى موعد التسليم " يرد بثقة عليك المهندس العارف :" غدا الساعة الخامسة مساءا " فتشغل خط الهاتف طوال أسبوع تسأله متى يأتي غدا مساء . أصبحنا نستخدم " إن شاء الله " بمفهوم مقلوب مثل حياتنا فعكسنا انكسارات حياتنا في كافة النواحي على استخدامنا " إن شاء الله " وكأن الله يريد ويطلب منا الفشل .
حتى الأطفال نقلنا لهم هذا الفهم والاستخدام الديني الخاطيء لمعنى "إن شاء الله" . والحقيقة ما دعاني لكتابة هذا الموضوع أن ابنتي البارحة ونحن في السيارة طلبت منى أن اشتري لها حلوى . فقلت لها ولأول مرة انطق لها :" إن شاء الله " لأنني أقود السيارة وكان مقصدي أن اشتري لها الحلوى من اقرب دكان . فكان جوابها المفاجئ لي :" أنا ما بدي إن شاء الله . أنا بدي الحلوى " . مع أنني وطدت نفسي على الصدق وإذا وعدت أن أفي بالوعد أو أن يكون جوابي الإشعار بالرفض . أما لماذا يرفض الطفل " إن شاء الله " لأنه فطن ويعتبر " إن شاء الله " تهربا من الموقف ورفضا لتحقيق رغبته .
وجدت مقالا بعنوان " إن شاء الله" لكاتبه اليهودي أوري أفنيري يختمه (ولكن إذا دفع بوش من جهة، والملك السعودي من جهة أخرى، لربما سنتمكن من التقدم بضع خطوات. ولا يسعنا إلا أن نقول: "إن شاء الله" . فهل يعكس الكاتب المعني السلبي ويتهكم علينا أم أنه يضعنا في حالة أقل تفاؤلا في دائرة لعل وعسى أم أنه يخجل أن يقول بصريح العبارة " ما في حل " .
أيضا وجدت كتاب بعنوان " إن شاء الله " وهو عبارة عن تفاصيل المعاناة اليومية الفلسطينية موثقة بالصور والقلم كاتبه دونالد بوستروم ومترجمة الكتاب أمل كسواني . الناشر دونالد بوستروم ميديا آبي. ستوكهولم/السويد
عندما كنت اعمل مترجما لدى شركة أجنبية لاحظ احد المستشارين أن العربي إذا أراد الكذب أو التسويف أو عدم الفعل يستخدم في رده :" إن شاء الله " أو يقول له " بكره " أو " ممكن " فرسخت في ذهنه انه كلما سمع إحدى هذه الكلمات فانه يريح نفسه بان الجواب " لا " لأنه في النهاية يدرك أن تعليماته لن تنفذ . وقد كانت له لطيفه على هذا الموقف إذ اخترع مصطلح خاص به وبلغته يجيب بدوره على السائل العربي ومعاملته بالمثل وهو " I.B.M "
I : إن شاء الله .
B: بكره .
M : ممكن . وممكن ان نجتهد ونضيف معنى معلش
وذلك حتى يغمر المتلقي بالفأل الحسن ويأولها إما أن ينفذ طلبه أو لا ينفذ ويتركك في حالة من التردد. وإذا نوقش بالموضوع يشير إلى السماء ويقول :" الله ما شاء " .
ووجدت أن كثيرا منا لا يعرف الفرق في الكتابة بين " إن شاء الله " و " إنشاء الله " . فقد جاء في كتاب شذور الذهب لابن هشام أن معنى الفعل إنشاء أي إيجاد ومنه قوله تعالى " إِنَّآ أَنشَأنَهُنَّ إِنشَآءً " أي أوجدناها إيجادا . لكن عند كتابة " إنشاء الله " يعني كأننا نقول أننا أوجدنا الله تعالى عز وجل . أما الصحيح هو أن نكتب " إن شاء الله " لأن هذا اللفظ يعني تحقيق إرادة الله عز وجل فقد جاء في معجم لسانا العرب معنى الفعل شاء ، أي أراد ..فالمشيئة هي الإرادة فعندما نكتب "إن شاء الله " كأننا نقول بإرادة الله نفعل كذا..
لو طبقنا هذا القول "إن شاء الله " على كافة مسارات حياتنا كما هي في واقع حياتنا الفوضوية فإنها تعني الخلل ووقوف عقارب الساعة أي أن لا تسير القطارات التي تنطلق بمواعيد ثابتة وان لا تمخر السفن عباب البحر حسب البرامج الوقتية المعدة لها وان لا تطير الطائرات حسب الجداول الزمنية وأن لا يذهب الموظف والعامل إلى مواقع عملهما وان لا نذهب للمدارس والجامعات وأن لا نقاتل المحتل لأرضنا وأن لا نخترع ونبتكر الجديد ولا نضع الخطط التطويرية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية أي أن نفسر كل حياتنا السلبية بأنها مشيئة الله لأننا نحب أن نريح أنفسنا من السعي في الحياة وتطويرها والتفاعل مع القوانين التي سخرها الله لنا . لماذا لا نتبع الفعل بعد قولنا "إن شاء الله "؟ ببساطة لماذا لا نحقق النجاحات في حياتنا (أو نحاول ) ونقول إنها مشيئة الله . أي أن لا نقول " إن شاء الله " إلا إذا كان الإنسان واثقا أنه سيقوم بالعمل وليس العكس مع الإدراك أن هناك عاملا غيبيا قد يمنع من الوصول للغاية مما يحدث التوازن بين الهمة والثقة بالنفس من ناحية وتقوى الله من ناحية أخرى .إذا علينا أن ننظم حياتنا حسب مشيئة الله الذي خلق كل شيء بقدر بذلك نتسلح بإرادة قوية فلا تخذلنا النتائج طالما أننا أخذنا بالأسباب التي هي قوانين الله .
editor@grenc.com
nfys001@yahoo.com