في غرفة النوم
صادفتها أول مرة بجانب الطريق وكأنها تنتظر أحدا وعدها باللقاء و أخلف الموعد ، مسندة ظهرها على جذع شجرة مائلة ، تتنهد و ترتعش من شدة البرد القارص ،اقتربت منها مددت لها يدي ، تمنعت أول الأمر ولكن بعد تكرار المحاولة رغبت في مرافقتي ، اقتربت مني و استقبلتني بالأحضان و العناق .
نظرت إليها راقني منظرها ، شقراء اللون على رأسها خصلة شعر حريري أسود ، عيناها براقتان مكحلتان بدون كحل ، أنفها صغير بالكاد تميزه بين قسمات وجهها الدائري ، وفمها الوردي الفاتح بدون أصباغ و لا مساحيق ، و أسنانها المرصوصة اللامعة بدون معجون أسنان و لا مسواك ، رسمت على جيدها الطويل سلسلة ذهبية يغري الناظرين بريقها .
حملتها بين يدي ، استوت وأخذت مكانا بين ذراعي و كأنها عروس تستعد لملاقاة عريسها ليلة الدخلة ، كانت نحيلة الجسم أتلمس ضلوعها أكاد أحسبها ، شعرت بالدفئ و الحنان غطيتها بمعطفي الأسود الطويل ، أغمضت عينيها وكأنها مرهقة من شدة السفر ومعاناة الطريق .
جلست على الأريكة في المقعد الخلفي للسيارة ، انظر إليها خلسة عبر المرآة كانت تتابع حركاتي و سكناتي ، تحسب أنفاسي و تقرأ أفكاري ، شعرت بها و كأنها تعرفني من زمن بعيد لم أر أنثى مثلها مختلفة عن باقي المخلوقات .
أعاود الكرة مرة أخرى و أريد مباغتتها و أسرق منها نظرة و أتمعن في جمالها أجدها تثبت النظر في عيني وتستبق التأمل في ملامحي ، لقد تماهت مشاعرها بشاعري و أحست بحبي وعشقي لها .
اقتربت من باب البيت ارتمت بجانبي ، توقفت السيارة نزلت ، و نزلت معي بحشمة واستحياء ، رفعت رأسها تنظر إلى النوافذ المفتوحة ، تراقب نظرات الفضوليين و الفضوليات .
فتحت لها باب البيت تسللت إلى الغرفة دون استئذان تتمايل في مشيتها ، كانت حافية ، ارتمت على السرير ومدت رجليها النحيلتين.
عادت زوجتي فجأة من عملها بعد تعب و عناء ، سمعتني أكلمها و أسمع صمتها ، شكت في الأمر ، قطبت جبينها ظهرت ملامح الشر على محياها ، مشت على أصابعها تريد أن تضبطني متلبسا بتهمة الخيانة الزوجية ، ثم اختلست نظرة إلى غرفة النوم وجدتها ممددة على فراشها مطت فمها ولطمت وجهها وقالت بعصبية : أخرج كلبتك من غرفة نومي .
محمد يوب 27-02-10
---------------------------------------------------------------------
شقة للبيع
على دراجتي النارية أتنقل من حي لحي أسير بين الدروب كانت أحلامي رديفتي أكلمها تسمعني لا تنبس ببنت كلمة ، أطير في السماء أبني قصرا في الفضاء ، أركب سيارة الشبح لا تلتقطها أعين الرادارات ، كثرت المتطلبات ، انتشر الصمت في المكان التفت ورائي تفقدت أحلامي وجدتها قد وقعت على الأرض ، وكانت نفسي تحدث نفسي ضحكت بصوت مرتفع وقلت مر مجنون من هنا .
أتحايل على الحياة أقتصد درهما من هنا و درهمان من هناك ، انبهرت بإعلانات القروض السكنية اشتريت شقة اقتصادية ، أسمع جاري من وراء الجدار يغازل زوجته ، أدخل الحمام أتمالك نفسي لا آخذ راحتي ، قل الحياء بيني وبين أبنائي ........
في صبيحة يوم ممطر توجهت للعمل رفعت رأسي قرأت إعلانا مكتوبا على ورق الكارتون (الشركة تعتذر عن إغلاق أبوابها بسبب الأزمة العالمية) ، قلت لزميلي في العمل : نحن نعيش في المغرب ما دخل العالم في تشريدنا وضياع لقمة عيشنا ؟ رد علي بطريقة هستيرية قائلا : لقد خربوا بيتي وبدأ ينذب ويشتكي وكأني صاحب الشركة .
جلست على كرسي المقهى طلبت فنجان قهوة ، أكلم نفسي أحاورها ، ما بك سيدتي ؟ لقد كنت من زمن قريب تغازلينني وتكشفين لي عن جمال الدنيا وعيونها البراقة ، لماذا كشرت عن أنيابها وغرست مخالبها في ظهري ، غدرتني بحلو كلامها ، كيف أسدد هذه الديون المتراكمة ؟ كيف أوفر لقمة العيش للأفواه المفتوحة ؟
شقتي تتكون من غرفتين ، أقنعت زوجتي وقلت لها : تكفينا غرفة واحدة نقسمها بستار ، نأوي إلى ركن مع طفلنا الصغير و أطفالنا الكبار يزدحمون في الركن المقابل ، وقلت لها : إن الرحابة في الصدر وليس في المكان ، و الغرفة الثانية سنؤجرها و نسدد الأقساط الشهرية .
عند دورة المياه أنتظر دوري ، ابني بجانبي محصور يترنح ، قدماه ترتعشان وفجأة سمعت شرشرة وقال لي : لقد حاولت حصر البول لكنه خرج عن طاعتي ، وبعد وقت طويل فتح باب الحمام وخرج منه شاب إفريقي قادم من الأحراش و الأدغال ، يستعرض عضلاته بنخوة و نرجسية ثم تحرك إلى غرفته وهو يمسح وجهه دون اعتذار، حينها أصابني الذل و الخزي و العار، وعلقت إعلانا على نافذتي مكتوب عليه شقة للبيع .
محمد يوب 13-02-10
------------------------------------------------------
تكاثرت علي الديون فهي هم بالليل وفي النهار اختباء من رصد العيون ، كبر الأولاد ازدادت المصاريف ، شكلي لا يسعد العدو ولا يسر الصديق ، لا أتذكر في أي سنة اشتريت حذائي الوحيد وسروالي الذي انكشف لونه من كثرة الغسيل بالماء و الصابون ، أنتظر الزيادات ، لا الرتب تجدي ولا السلالم ولا العلاوات .
أذهب إلى المقهى أطلب قهوتي السادة المعتقة، يقف النادل على رأسي يطلب مني واجب القهوة قبل إحضارها يخاف من إشارة يدي اللولبية .... إلى الغد ، أصدقائي يتهربون مني أسلم عليهم يكشرون في وجهي حتى لا أطلب منهم مزيدا من المال .
زملائي في العمل في راحة تامة يعيشون حياة هنيئة يلبسون البدل السوداء والأقمصة البيضاء و الأحذية اللامعة ، يركبون السيارات الجديدة ، ويسافرون مع أولادهم في الإجازات الربيعية و الصيفية.
أشعر بضيق في صدري ، اسودت الحياة في عيني، الدنيا برحابتها و شساعتها أصبحت بالنسبة لي كعلبة كبريت تقذفني من مكان للآخر ، لا أشعر بآدميتي ماذا فعلت في حياتي ؟ ،لماذا أعاقب هكذا؟ تساؤلات أطرحها على نفسي أبحث عن إجابة تشفي غليلي .
إني أغالط نفسي، أنا أعرف السبب لكنني أتغاضى و أريد أن أنسى أو أتناسى ، لأن أمي ماتت وهي غاضبة مني، كانت تتألم من شدة المرض ، كانت وحيدة لا تجد من يرعاها و يشتري لها الدواء ، تحبوا على ركبيها من أجل قضاء حاجتها ، كانت أبية عفيفة لا ترضى الذل و الهوان .
كانت أمي امرأة عجوز هدها الشغل في بيوت أعيان القرية ،تكنس الأرض وتغسل الملابس والزرابي الثقيلة، وفي الصيف تذهب للحصاد ، تكسب قوت يومها من عرق جبينها ، كانت صغيرة جميلة رفضت الزواج ضحت من أجل سعادتي ، خافت من نظرة زوج الأم وسوء معاملته لي .
في المساء أجلس في بهو الدار على أريكتي الحديدية أراجع دروسي ، تحضر لي أمي كأس الشاي المنعنع الممزوج بالشيبة وقطعة الحلوى التي أحبها ، تحط يدها على ظهري تدلك عنقي أشعر بخشونة في كفها من كثرة العمل في الحقل ، وكانت في الليل تشتكي من شدة التعب و الإرهاق وتقول لي كل هذا يهون من أجل راحتك ومتابعة دراستك ،وأتمنى اليوم الذي أراك فيه قاضيا أو أستاذا وتريحني من هم الزمان .
انتقلت إلى المدينة انشغلت ببريقها الزائل ، تزوجت امرأة تعرفت عليها في المقهى المجاور للعمل كانت أنانية تحب نفسها وتحب أهلها ، كانت تربطني بها علاقة سيئة كنا على خلاف دائم ، في كثير من الأحيان كنا نريد الطلاق ولكني كنت أفكر في الأولاد كنت لا أريد تكرار نفس مأساتي .
مرت الأيام كلمح البصر ماتت أمي ولم أحضنها ولم أحضر جنازتها ، تبرع الجيران كل واحد بما استطاع ، غسلوها كفنوها ودفنوها حاولوا الاتصال بي لكن الخط كان دائما مشغولا ، أخبروني أنها كانت تسأل عني وتنتظرني ، قالت لهم قولوا له : ماتت التي كان الله يرزقك من أجلها .
محمد يوب
23-01-10