الصور

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

مشاركات قسم القصة

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • إبتهال
    كاتب مسجل
    • Mar 2010
    • 4

    #16
    بسم الله الرحمن الرحيم


    قصة قصيرة
    هكذا خلقتْ
    ابتهال الجنوب / مصر
    .. ومضى الوقت .. وأغمضَ الكون عيونه , والتحفَ بظلام ليله الثقيل , فأقبلتْ روحي رفرافة وسكنتْ إلىِّ وادعة هانئة .
    عُــدنا ..
    وعلى صفحة وجهي ترتسم زهوة ثرية من ضياء ..
    هكذا استشعرتُ ذاتي .. وتلهيتُ راجعا , إلى أن وجدتني على عتبات بيتي أناشد مفتاح مسكني كعادتي أن يفصح بالرنين عن موضعه و مكانه من جيوب سترتي .. هنا ببيتي أشعر جبالا تسكن صدري وحنينا يغرق قلبي وصراعات تتملك روحي .. هنا أنا هو ( عليِّ ) الذي تعرفه الأيام بعلاماتها , التي طبعتها عليه كوشم عتيد .
    وكأن نور السعادة , هبّات ذكريات الماضي سرعان ما تطفئه ..
    وترحلُ به إلي العدم .. وانسكبتْ أفكاري متناثرة , في غير هدى وتجاذبتني .. وخلخلَ صوتُ من الماضي مسامعي , وتضاربتْ الصورُ أمام عيني , وتحشرجتْ الحروف بحلقي .. واخترقَ صوتي السكون , وأحتلّ المكان : " سلوى أنتِ طالق طالق طالق ، ولترحلي عني " تردادها ينتصرُ لمشاعري و أيام عمري ويرضي علياءَ روحي , ولكنه لمَّا يزل يُبكي القلب .. بالله كيف أمحو الذكرى عني ؟! فقد سكنَ إليها قلبي , و لفظتها روحي بعنفوان .. هي بعثتْ صراع الفتنة في دروب ذاتي بين روح تنكرها وقلب يعشقها , جعلتني سائحا غريبا شريدا في دخيلتي , روحي كانت تهتاج لقسوة أفعالها وتَهدُّج نبرات صوتها الذي كانت ترسله في جنبات البيت كهدير الأمواج الثائرة , وعذرا لكِ يا أمواج البحر ..
    عرفتُ سلوى فتاة طموحة , تتفوق على أندادها خلقاً وأدبا . لا أنكر عليها جمالها فهو أول من أرشدني و أخذني إليها من بين الوجوه في مدرج الحرم الجامعي حيث الأستاذ بمواجهة الطالبة .. وما التمحتْ عيني وما كان لها أن ترى مُبصرةً صلابة قلبِها , وصرامة حسّها في كل حين وموضع دونما تفرقة ولا أدنى تمييز , حتى أنها فاقت و تعالتْ على أكثر الرجال حدّة في ردود أفعالها , فذاب وذهب عن عيني جمالها . غاب قرابة العام من تاريخ زواجنا , وباتت روحي نافرة آبقة عن بيتنا الذي اصطنعت فيه زوجتي هيكلا حجريا أصما للحب .. لترضي قلبي وتسكته عن النحيب والبكاء .. رؤياه كانت تهصرني , تنتزع قلبي عني وتهزمني , فقد كانت عاجزة حبيبتي . قاصر قلبها عن الرحمة والحنان و الحب
    وهكذا هي خلقت .
    بقلم : إبتهال الجنوب

    تعليق

    • إبتهال
      كاتب مسجل
      • Mar 2010
      • 4

      #17
      بسم الله الرحمن الرحيم

      إعصار من الماضي

      قصة قصيرة


      بقلم :إبتهال الجنوب

      وجلستُ أرتشف قهوتي الصباحية , وحيدا كعادتي في شرفة منزلي المطلة على فناء وسيع .. وغبت ذاهلا وعرجتْ بي الأفكار, إلي حيث دروب الماضي البعيد ..
      هادئة هي حياتي خاوية إلا من نجاحات مادية وقد بلغت , العقد الخامس من العمر تسير بإنتظام مطرد مليل
      ألهذا توانيت عن إحكام توصيد أبوابي , عسى أنْ رياح من الماضي تجتاحني ؛ فتشيع شيئا من الحياة في سكون دربي المرير .. ؟!!
      سحقا فعلت أنا .. ومن جراء فعلتي تكسّرت أعصاب قلبي وتشتت أنفاسي ..
      يبدو أنه الماضي يُقبر حيّا , وأبدا لا يموت ومتى تنسم فرصة يعود ..
      كنت في مطلع شبابي بهي الملمح , ينضح من هيأتي رونق رجولي مهيب , يعلو بي عن أقراني .. فتناست هي من تكون .. وراحت تسبح حتى سكنت أعماق أعماقي , أو أنها شدتني فأسكنتني في رياش نعيمها السرمدي الوثير
      ما شعرت أبدا أنها سبقتني في الوجود بعشرين عاما , فقلبها المجبول على الرقة كان ينسيني بل ويغريني بالقوة .. تلك القوة الحانية الحامية لهذا الكائن , الذي قد ولد في شغاف القلب وبات يحيا في شراييني
      .. فمن يوم أن ألتقيتها كموظف جديد , في مكتب للمحاسبة هي ترأسه وأسلمتني لأحد موظفيها برفق ليعني بمراني و تدريبي , وأنا قد رحلت عن ذاك عمري لأسجل تاريخ ميلاد جديد .. وطوتني الأيام وأياها طيات الهناء والنعيم , ما بين لقاءاتنا في العمل المقننة المحكومة بالجديّة وبين تهاتفنا الصباحي لدقائق , والمسائي لوقت وإن طال أحسبه قليل وأنا أجتر الحكايا كعازف ينتشي طربا من هيام سامعيه .. متقيا حدودا لم تشأ هي الحديث عنها , ترامت إلي مسامعي (بأنها سيدتي كان لها حبيبا غدرته الأيام راحلا في ريعان الشباب فأدارت وجهها من بعده عن الدنيا غافلة شبابها وجمالها وفاءً للحبيب) وحين غدت الأشواق تلفحني وتحرقني بسياط من لهيب , قرّرت أن أشحذ طاقاتي لأقول لها أنا هو ذا عوضا عن معاناة السنين ..
      وحدث .. لأسجل لذات نفسي تاريخ إعصار أطاح فما أبقى ..
      جردتني .. أوهنتني .. ذلذلتني .. بعثرتني ..
      آه منك وما فعلت ِ ..
      قالتْ :
      ماذا !!
      من أنتَ؟ !!
      ما أنتَ غير رسم قد ذكّرني
      أين أنت من تاريخ وجودي؟ !!
      أين أنت من علائي من شموخي ؟!!
      واستلّت من حقيبة يدها صورة فوتوغرافية قد خلّت إلا من لونين الأبيض والأسود لشاب كأنه أنا ..

      تعليق

      • محمد يوب
        مشرف
        • Nov 2009
        • 928

        #18
        في غرفة النوم
        صادفتها أول مرة بجانب الطريق وكأنها تنتظر أحدا وعدها باللقاء و أخلف الموعد ، مسندة ظهرها على جذع شجرة مائلة ، تتنهد و ترتعش من شدة البرد القارص ،اقتربت منها مددت لها يدي ، تمنعت أول الأمر ولكن بعد تكرار المحاولة رغبت في مرافقتي ، اقتربت مني و استقبلتني بالأحضان و العناق .
        نظرت إليها راقني منظرها ، شقراء اللون على رأسها خصلة شعر حريري أسود ، عيناها براقتان مكحلتان بدون كحل ، أنفها صغير بالكاد تميزه بين قسمات وجهها الدائري ، وفمها الوردي الفاتح بدون أصباغ و لا مساحيق ، و أسنانها المرصوصة اللامعة بدون معجون أسنان و لا مسواك ، رسمت على جيدها الطويل سلسلة ذهبية يغري الناظرين بريقها .
        حملتها بين يدي ، استوت وأخذت مكانا بين ذراعي و كأنها عروس تستعد لملاقاة عريسها ليلة الدخلة ، كانت نحيلة الجسم أتلمس ضلوعها أكاد أحسبها ، شعرت بالدفئ و الحنان غطيتها بمعطفي الأسود الطويل ، أغمضت عينيها وكأنها مرهقة من شدة السفر ومعاناة الطريق .
        جلست على الأريكة في المقعد الخلفي للسيارة ، انظر إليها خلسة عبر المرآة كانت تتابع حركاتي و سكناتي ، تحسب أنفاسي و تقرأ أفكاري ، شعرت بها و كأنها تعرفني من زمن بعيد لم أر أنثى مثلها مختلفة عن باقي المخلوقات .
        أعاود الكرة مرة أخرى و أريد مباغتتها و أسرق منها نظرة و أتمعن في جمالها أجدها تثبت النظر في عيني وتستبق التأمل في ملامحي ، لقد تماهت مشاعرها بشاعري و أحست بحبي وعشقي لها .
        اقتربت من باب البيت ارتمت بجانبي ، توقفت السيارة نزلت ، و نزلت معي بحشمة واستحياء ، رفعت رأسها تنظر إلى النوافذ المفتوحة ، تراقب نظرات الفضوليين و الفضوليات .
        فتحت لها باب البيت تسللت إلى الغرفة دون استئذان تتمايل في مشيتها ، كانت حافية ، ارتمت على السرير ومدت رجليها النحيلتين.
        عادت زوجتي فجأة من عملها بعد تعب و عناء ، سمعتني أكلمها و أسمع صمتها ، شكت في الأمر ، قطبت جبينها ظهرت ملامح الشر على محياها ، مشت على أصابعها تريد أن تضبطني متلبسا بتهمة الخيانة الزوجية ، ثم اختلست نظرة إلى غرفة النوم وجدتها ممددة على فراشها مطت فمها ولطمت وجهها وقالت بعصبية : أخرج كلبتك من غرفة نومي .
        محمد يوب 27-02-10

        ---------------------------------------------------------------------
        شقة للبيع

        على دراجتي النارية أتنقل من حي لحي أسير بين الدروب كانت أحلامي رديفتي أكلمها تسمعني لا تنبس ببنت كلمة ، أطير في السماء أبني قصرا في الفضاء ، أركب سيارة الشبح لا تلتقطها أعين الرادارات ، كثرت المتطلبات ، انتشر الصمت في المكان التفت ورائي تفقدت أحلامي وجدتها قد وقعت على الأرض ، وكانت نفسي تحدث نفسي ضحكت بصوت مرتفع وقلت مر مجنون من هنا .
        أتحايل على الحياة أقتصد درهما من هنا و درهمان من هناك ، انبهرت بإعلانات القروض السكنية اشتريت شقة اقتصادية ، أسمع جاري من وراء الجدار يغازل زوجته ، أدخل الحمام أتمالك نفسي لا آخذ راحتي ، قل الحياء بيني وبين أبنائي ........
        في صبيحة يوم ممطر توجهت للعمل رفعت رأسي قرأت إعلانا مكتوبا على ورق الكارتون (الشركة تعتذر عن إغلاق أبوابها بسبب الأزمة العالمية) ، قلت لزميلي في العمل : نحن نعيش في المغرب ما دخل العالم في تشريدنا وضياع لقمة عيشنا ؟ رد علي بطريقة هستيرية قائلا : لقد خربوا بيتي وبدأ ينذب ويشتكي وكأني صاحب الشركة .
        جلست على كرسي المقهى طلبت فنجان قهوة ، أكلم نفسي أحاورها ، ما بك سيدتي ؟ لقد كنت من زمن قريب تغازلينني وتكشفين لي عن جمال الدنيا وعيونها البراقة ، لماذا كشرت عن أنيابها وغرست مخالبها في ظهري ، غدرتني بحلو كلامها ، كيف أسدد هذه الديون المتراكمة ؟ كيف أوفر لقمة العيش للأفواه المفتوحة ؟
        شقتي تتكون من غرفتين ، أقنعت زوجتي وقلت لها : تكفينا غرفة واحدة نقسمها بستار ، نأوي إلى ركن مع طفلنا الصغير و أطفالنا الكبار يزدحمون في الركن المقابل ، وقلت لها : إن الرحابة في الصدر وليس في المكان ، و الغرفة الثانية سنؤجرها و نسدد الأقساط الشهرية .
        عند دورة المياه أنتظر دوري ، ابني بجانبي محصور يترنح ، قدماه ترتعشان وفجأة سمعت شرشرة وقال لي : لقد حاولت حصر البول لكنه خرج عن طاعتي ، وبعد وقت طويل فتح باب الحمام وخرج منه شاب إفريقي قادم من الأحراش و الأدغال ، يستعرض عضلاته بنخوة و نرجسية ثم تحرك إلى غرفته وهو يمسح وجهه دون اعتذار، حينها أصابني الذل و الخزي و العار، وعلقت إعلانا على نافذتي مكتوب عليه شقة للبيع .
        محمد يوب 13-02-10
        ------------------------------------------------------
        ندم و هم وغم

        تكاثرت علي الديون فهي هم بالليل وفي النهار اختباء من رصد العيون ، كبر الأولاد ازدادت المصاريف ، شكلي لا يسعد العدو ولا يسر الصديق ، لا أتذكر في أي سنة اشتريت حذائي الوحيد وسروالي الذي انكشف لونه من كثرة الغسيل بالماء و الصابون ، أنتظر الزيادات ، لا الرتب تجدي ولا السلالم ولا العلاوات .
        أذهب إلى المقهى أطلب قهوتي السادة المعتقة، يقف النادل على رأسي يطلب مني واجب القهوة قبل إحضارها يخاف من إشارة يدي اللولبية .... إلى الغد ، أصدقائي يتهربون مني أسلم عليهم يكشرون في وجهي حتى لا أطلب منهم مزيدا من المال .
        زملائي في العمل في راحة تامة يعيشون حياة هنيئة يلبسون البدل السوداء والأقمصة البيضاء و الأحذية اللامعة ، يركبون السيارات الجديدة ، ويسافرون مع أولادهم في الإجازات الربيعية و الصيفية.
        أشعر بضيق في صدري ، اسودت الحياة في عيني، الدنيا برحابتها و شساعتها أصبحت بالنسبة لي كعلبة كبريت تقذفني من مكان للآخر ، لا أشعر بآدميتي ماذا فعلت في حياتي ؟ ،لماذا أعاقب هكذا؟ تساؤلات أطرحها على نفسي أبحث عن إجابة تشفي غليلي .
        إني أغالط نفسي، أنا أعرف السبب لكنني أتغاضى و أريد أن أنسى أو أتناسى ، لأن أمي ماتت وهي غاضبة مني، كانت تتألم من شدة المرض ، كانت وحيدة لا تجد من يرعاها و يشتري لها الدواء ، تحبوا على ركبيها من أجل قضاء حاجتها ، كانت أبية عفيفة لا ترضى الذل و الهوان .
        كانت أمي امرأة عجوز هدها الشغل في بيوت أعيان القرية ،تكنس الأرض وتغسل الملابس والزرابي الثقيلة، وفي الصيف تذهب للحصاد ، تكسب قوت يومها من عرق جبينها ، كانت صغيرة جميلة رفضت الزواج ضحت من أجل سعادتي ، خافت من نظرة زوج الأم وسوء معاملته لي .
        في المساء أجلس في بهو الدار على أريكتي الحديدية أراجع دروسي ، تحضر لي أمي كأس الشاي المنعنع الممزوج بالشيبة وقطعة الحلوى التي أحبها ، تحط يدها على ظهري تدلك عنقي أشعر بخشونة في كفها من كثرة العمل في الحقل ، وكانت في الليل تشتكي من شدة التعب و الإرهاق وتقول لي كل هذا يهون من أجل راحتك ومتابعة دراستك ،وأتمنى اليوم الذي أراك فيه قاضيا أو أستاذا وتريحني من هم الزمان .
        انتقلت إلى المدينة انشغلت ببريقها الزائل ، تزوجت امرأة تعرفت عليها في المقهى المجاور للعمل كانت أنانية تحب نفسها وتحب أهلها ، كانت تربطني بها علاقة سيئة كنا على خلاف دائم ، في كثير من الأحيان كنا نريد الطلاق ولكني كنت أفكر في الأولاد كنت لا أريد تكرار نفس مأساتي .
        مرت الأيام كلمح البصر ماتت أمي ولم أحضنها ولم أحضر جنازتها ، تبرع الجيران كل واحد بما استطاع ، غسلوها كفنوها ودفنوها حاولوا الاتصال بي لكن الخط كان دائما مشغولا ، أخبروني أنها كانت تسأل عني وتنتظرني ، قالت لهم قولوا له : ماتت التي كان الله يرزقك من أجلها .
        محمد يوب
        23-01-10

        تعليق

        • إبتهال
          كاتب مسجل
          • Mar 2010
          • 4

          #19
          الصديقـــان

          قصة قصيرة ..

          إبتهال الجنوب

          وعيتُ الحياة وهو يتعشق خلجات ذاتي .. فلا أدري لوجوده بعمري من تاريخ .. وانسكبنا وامتزجنا فما كان لي أبدا صديق بل أخ حبيب يعتلي شعاف القلب .. يرتع في الوريد ..
          ولكن يبدو أن ذا جميعا غير كاف ٍ, وإن تعانقتْ الأرواح وتضامّت ْ.. يبقى هناك مسافات ودروب وأذقة لا يعلمها إلا الخالق تنطوي عليها الأنفس وإن امتزجت وتوحدت على مرالأيام والسنين .
          وتهادتْ بنا الأيام وبلغنا ميقات الرجولة ؛ فحملنا تبعاتها في غير ما ضجر وارتوينا من سعة الحياة هانئين وتزوجتُ أنا قبل عام من زواج صديقي وقد كان زواجه حدثا عظيم.. فما كان ينتوي أبدا أن يقرَ ساكنا ؛ لولا لجاجة مني , وإعراضا عنه وقتا من الوقت ليستشعر فراغا ووحدة تجعله يتلوَّى اختناقا ومللا وإن تعددت فنونه في صرف الوقت , وذات مساء على حين غفلة انطلق عقلي مفصحا مذكّرا أيّاي بعائشة تلك الفتاة الجميلة المحتشمة التي كانت بالفرقة الثالثة كلية الهندسة , ونحن في السنة النهائية من نفس الكلية وقد أخذتْ عيني وقلبي من أول مرآها و حين التمحتها على إعجاب صامت حيّي بصديقي الحميم .. هو ما يدريه فما كانت تلك الأمور لتشغله و تعنيه .. صرفتُ القلب عنها رادعا.. في ذلك الوقت البعيد ولمّا ذُكر اسمها عرضافي أحد المشروعات تعرفت السبيل إليها ..فتشجعت متزرعا سببا يتفق وإطار عملنا وتبين لي بلسان حالها بعد أن ألتقيتها أنها أبتْ أن ترتبط بغير ما إنسان على شاكلة رسم بقلبها كالوشم الفريد وسألتني عن توأمي الحبيب , وعدت من لقائي جزلانا فرحا سعيد ؛ لأ ُذكّر صديقي بها ؛ فما تذكَّر غير نثرات من حكي لي مضى عنها منذ زمن بعيد , وعن قناعة منه التقاها و تعددت بينهما اللقاءات تشهد بالعشق والهيام وتمت الخطبة , فالزواج في حفل بهيج لكن ما برح العام إلا وعاد ,عزبا مطلقا بنت الأكرمين أمّ ولده ؛ متعللا بصغائر ما خلا منها بيت راسخ قرير ( لمَ تأخرتَ ؟ أين كنتَ ؟ متى تعود ؟ ) , وأنا من يعلم فداحة فقد امرأة كالجوهرالثمين , ناهيك عن ولده الصغير فقلت في نفسي والعين ترمقه في غضب عظيم ( أيا سوء ما آل إليه حالك فقد عميت بعد أن كنت بصير) وأنطويت على صمتي تاركه راجعا بيتي .. عازما العزوف عنه والرحيل
          ولكن بعد أيام قلائل انثال من القلب هطول حنان عليه دفيق ؛ فعمدت إلى هاتفي لأجد هاتفه الشخصي مغلقا فاشتعلت قلقا , فأخذت أسأل صحبه في العمل ؛ فعلمت أنه منقطعا عن الدوام من وقت ليس بالقصير؛ فطارعقلي محمّلا نفسي مغبّة أي حدث خطير .
          ومن بعد جهد حيرة أيام وليال , جاءت زوجتي راثية لحالي ؛ تقترح السؤال عن طليقة صديقي , والطفل الصغير, فقد يتبين لنا من الأمرشيئا جديد .. و التقينا وأياهم وقد كانوا في كرب , ومن بعد الحفاوة والترحاب استأذنني والدها لنكونا على إنفراد وعيونه تبدو خجلى والحرج يكاد يلفه يُخفيه .. :
          ـ كيف حالك بُني وصديقك الحميم أكيد ما عدت أبدا لتلتقيه ؟ فأجبته والدهشة تغشاني
          ـ لم َلا يلقاني وألتقيه ؟!!
          ـ أراك تجهل ما آل إليه حالك والصديق , وأنت جوهر التطليق ..
          ( وكأنّ جلاّد أفزعني ؛ يلوح لي بسياط من لهيب وعينيِّ تبرق من لهف تنتظر من الحكي المزيد)
          " أنت وابنتي قد اتخذتما منه جسرا للحلم القديم .. " قال الأب .. ناقلا بتمام اللفظ والحرف قول صديقي .. بشيئ من الخرس المتلعثم فإذا الكلمات وقعها كأسياخ من حديد ؛ تبقر بطني , تنتزع كبدي ؛ ولكأنّها غامت عينايَّ ..
          لأرى صديقي ميتا , على الأعناق محمولا وإذ بالمعاول ضرباتها تحتّفر صدري , تصطكّ بعظامي ُتوجعني .. الآه .. لا أقوى أرددها .. حتّى بَان القلبُ مشقوقا عن الصدر فكان هو ذا له, موضع الـقـبـــر .
          ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

          وهي القصة الثالثة التي أرغب المشاركة بها بإذن الله

          شكرا لكم

          مع

          تحيتي و تقديري

          إبتهال الجنوب

          تعليق

          • إيهاب رضوان
            كاتب مسجل
            • Sep 2007
            • 7

            #20
            ثلاث قصص إيهاب رضوان

            1 - ( انفلات الروح ) إيهاب رضوان

            فى الغربة يصبح المرض جحيما ، يشتد فتشف الروح ويصفو الذهن .. هذه المرة كانت نوبة البرد الأسيوية قاسية ، والشفافية فى أوجها حتى صارت الروح غيمة شتوية رقراقة ، تحلق بى بين خيالات بعيدة ، تدمع لها العين وتنز منها كل جراح القلب القديمة .. الدموع لا تنهمر لتغسل الروح وينتهى الأمر ، إنما تنحبس ليطول الألم وتتشابك خيوط الذكريات أكثر ، محاوِلةً أن تكبل الروح المحلقة ، لكنها تنفلت ..
            فى المساء أصبح عاجزا عن الحركة ، فأضطر للاتصال بأحد الزملاء ليحضر لى بعض الأقراص .. أجاهد لأفتح له الباب وما إن أرتمى على السرير مرة أخرى حتى أشير إلى جيب البنطلون ليأخذ نقود الدواء .. يأخذها ببساطة قاتلة قبل أن يسأل عما بى ويجلس ..
            – ما تجيب يا أخى حاجة نشربها .
            هو الذى قالها ، فلم أكن قادرا على الكلام .. أشرت إلى الثلاجة فأخذ منها علبة العصير وناولنى مشكورا زجاجة المياه والأقراص ..
            الروح الآن تشف أكثر وأكثر ، تصعد حتى تتجاوز عنان السماء .. ماذا لو أموت الآن ؟ .. نعم فى هذه اللحظة بالذات.. سوف يقلبنى مرتين يمينا ويسارا ثم يتصل بالشرطة بهدوئه المثير ، أثق أنه لن يستخدم تليفونه المحمول وإنما ستكون أنامله قادرة على أن تتحرك على أزرار تليفونى برقة مفزعة وهو يحوقل ويترحم علىّ ..
            بعدها سيتصلون بخالى الذى أنعم علىّ بعقد العمل ، سيأتى سريعا وينتشر الخبر بين الأقارب هنا ، سيتعاون الجميع لوصول الجثمان سالما إلى مصر بأقصى سرعة ..
            فى المطار سيكون أخى الأكبر دامعا .. سيكتمون الخبر عن أمى وزوجتى والأولاد حتى يصل الجثمان إلى البيت.. عندئذ يبدأ الكابوس الحقيقى ..
            أفقت على صوت زميلى وهو يمسك الريموت قائلا :
            - فين قنوات اللحمة الحمرا ؟
            أخذ يتنقل بين الكليبات العارية وهو يهز ركبته اليمنى مع الصراخ المتصاعد .. هذه الميتة البائسة لا تليق بى .. أحد أصدقاء العمر فجرته قنبلة وحبيبتى الأولى ماتت مقتولة فى إيطاليا بعد هربها من زوجها إلى هناك .. أخذت أفكر فى أحلى طريقة للموت .. ستمهلنى الأيام حتى آخر العام .. أستقل الطائرة حالما باللحظة التى سيرتمى فيها طفلاى وزوجتى بأحضانى المستعدة لالتقامهم .. فجأة تنفجر الطائرة .. لا تكن سوداويا .. سيرتمون بأحضانى بالفعل وسيفلت ( عمر ) من أمه كالمعتاد ومن رجال أمن المطار ليكون أول الواصلين إلىّ داخل صالة الوصول ..
            فى السيارة العائدة بنا سأضع رأسى المكدود على كتف زوجتى وتلفنى بذراعيها غير عابئة بالسائق ، سوف أسلم الروح عندئذ بهدوء .. نعم .. ذلك الشريان الضيق بالقلب الذى أهمله منذ سنوات والضغط المرتفع ، يؤهلاننى بجدارة لذلك .. ستظن هى أننى نائم ولن تكتشف الأمر إلا حين نصل إلى المنزل .. ياه .. أوحشونى كثيرا .. أوحشونى مووووت .. مرة أخرى موت ؟! .. أيها الأحمق لن تمنحك الدنيا البخيلة هذه الميتة الرومانتيكية أبدا ..
            بدأت دموعى تنهمر ، فشددت الغطاء على رأسى متخفيا عن عينيه اللتين تحدقان فى الشاشة الجهنمية بشراهة .. من سيتولى تسديد ديونى من بعدى ؟ .. ديونى هناك لإخوتى ، سيتنازلون عنها ، لكن ديونى هنا لابد من ترتيب أمرها .. سأترك لخالى تفاصيلها لتصل الحقوق لأصحابها من الورثة ..
            ماذا لو أموت فى المدرسة ؟ .. نعم .. أفضل وقت أثناء طابور الصباح والفناء ممتلئ .. لتكن اللحظة التى تسبق تحية العلم مباشرة .. السكون يسربل المكان والعيون تتطلع إلى سارية العلم التى سأقترب منها ويطاوعنى شريانى اللعين لينفجر وأنا أحتضن السارية ، ساقطا ليلفنى العلم.. ليس علم بلدى ، أعرف ، نحن أمة عربية واحدة كما تقول إذاعاتنا على أية حال .. ستحملنى سيارة الإسعاف سريعا ويكملون يومهم الدراسى بكل رتابته ولا جدواه ..
            أنا متعب هكذا حتى فى الموت .. فلتدهسنى إذن سيارة يابانية فارهة .. ليكن قائدها أحد تلاميذى فى الصف مثلا ، دون العشرين من عمره ، يطير بها مخمورا كعادته .. ربما يلحظ بعد فوات الأوان أننى أستاذه فيحاول كبحها ، لكنها لن تأبه لأمثالى من الوافدين الأجانب كما يقولون .. غلبنى النوم وأفقت فلم أجد من زميلى سوى صوت التليفزيون المرتفع الذى لم يهتم بإغلاقه ..
            فى الصباح بينما أرتدى ملابسى بصعوبة بالغة وأشنق رقبتى برباط العنق الذى يفرضونه علينا فى المدرسة ؛ أكون قد عرفت الميتة البشعة التى تدخرها الأيام لى .. ستتركنى لأحيا هنا – وحيدا – مزيدا من السنوات .. المدهش أننى فى هذه اللحظة بالذات ، مع تحطم الجسد وتصاعد اليأس إلى الحلق والروح ؛ وجدتها – روحى – تشف وتشف ولا تزال قادرة على التحليق بعيدا .. وجدتنى أتلمس يد زوجتى لنطيرعاليا ، عاليا جدا .. كعادتنا صرنا غيمتين شتويتين مترعتين بالدمع ، راحتا تمطران .. تمطران بغزارة حتى أوسعتا العالم كله مطرا .
            - تمت -
            ----------------------------------------------------------------------------------------------
            2 - ( التوت المحروق ) إيهاب رضوان

            والله لم أقصد يا أمى.. أنا أحبك.. والله العظيم أحبك رغم كل ما كان.. صدقينى إننى حتى نسيت.. ورحمة جدى الذى كنت تحبينه نسيت كل شئ.. بالذات المرة الأولى حين قمت أشرب فسمعت ذلك الصوت من حجرتك المغلقة.. آهات عجيبة جعلتنى أشب على أصابعى لأدس عينى المزروعتين بالرمد فى "خرم" الباب..من ذلك البغل الذى كان يأكلك؟ كيف تركته يعب لحمك الكثير ..الكثير هكذا.. الذى كنت تمنعيننى من رؤيته عاريا كأننى لست ولدا مفعوصا كما تقولين دائما.. تذكرت العلقة التى أخذتها منك لما أخرجتنى أنا وبهية من تحت سريرك وقلت لى:
            ـ يخيبك.. بتعمل إيه انت وهى؟
            حلفت لك أننا فقط نختبئ من باقى العيال.. لكنك لم تصدقينى.. من أسبوعين قلت إننى أصبحت رجلا وطردتنى من حضنك لأنام على الكنبة وسط كل العفاريت الذين تعرفين أننى أموت منهم.. وأنهم يبللون جلبابى الوحيد لتضربينى أنت كل صباح.. تذكرت كلامك وكلام الشيخ "عبد العزيز" عن النار التى سيرمينا الله فيها لو خالفنا ثلاثة: الله والشيخ "عبد العزيز" وأمهاتنا.. جعلنى كل هذا أعرف أن ذلك الرجل كان يفعل بك ما يفعله غصبا عنك.. دفعت الباب وهجمت عليه.. لكنه كان بغلا فعلا.. فلم يمكننى إلا أن أعض يده الكافرة التى تنبش صدرك.. بعد أن زعقت فيه:
            ـ سيب أمى يا راجل انت .
            ياه.. كانت عضة يا أمى.. ليس أقوى منها إلا القلم الذى أعطاه لى.. فطرت.. طرتُ مثل الكرة الشراب حين يشوطها الولد "سيد" الذى أكرهه.. لابد أنك كنت تخافين منه كثيرا.. لأنك لممت صدرك كأنك تخفينه عنى أنا وأخرجتنى بقسوة زاعقة فىّ:
            ـ إنجر نام يا مقصوف الرقبة .
            ونمت.. نمت كالكلب أمام بابك المغلق بعد أن بكيت وارتعشت مثل نور لمبة الجاز فوق سريرك.. لكنك فى الصباح كنت طيبة معى.. لم تضربينى وأنا أقف أمامك عاريا لتغسلى جلبابى المبلول.. لم تشتمينى وتدعى علىّ لما تأخرت فى الذهاب مع العيال للشيخ "عبد العزيز" فى الجامع.. هل تعرفين.. لو كنت ضربتنى ساعتها لم أكن سأبكى أبدا.. هل خفتِ منى يا أمى؟ ..
            فى الليالى التالية لم ألعب مع العيال فى الجرن.. كنت أقعد على الكنبة بعد أذان العشاء بكثير.. أراقبك وأنت تسرحين شعرك الجميل الطويل الذى أحبه.. حين كان الرجل يدخل كنت أطاوع نفسى وأفكر فى منظرك وشعرك هذا ملفوف على رقبتك وأنا أشده بقوة.. سامحينى يا أمى.. إننى لم أكرهك والله.. كرهت فقط ذلك البغل الذى وضع يده على رأسى مرة فأحسست أنه سيخنقنى ولما حاول أن يعطينى ريالا كاملا رفضت.. هل كان يعطيكِ ريالات أنت أيضا لينام فى حضنك بدلا منى؟ .. فكرت أن الريالات هى السبب فقلت لك فى الصباح إننى سأعمل من اليوم لأحضر لك ريالات كثيرة بشرط أن تأخذينى فى حضنك كل ليلة.. مصمصت شفتيك ونظرت لى باستهتار قائلة:
            ـ عيال آخر زمن!
            هل أبى هو السبب؟ جريت إلى داره الجديدة العالية.. زوجته سدت الباب وهى تكذب وتقول إنه ليس هنا.. ناديت عليه وأنا أفلت من يديها.. لكنها أمسكتنى وضربتنى.. لم أبكِ إلا حين شتمتكِ وقالت:
            ـ أمك "....."
            هل كانت تعرف من ينام فى حضنك كل ليلة؟ ..هل كان أبى يعرف ولهذا طلقك؟ كثيرون يضربوننى فى هذه الدنيا يا أمى.. زوجة أبى تضربنى لأنها تكرهنى وأبى نفسه يضربنى وهو لا يرانى إلا صدفة.. الشيخ "عبد العزيز" يسلخ لى رجلىَّ لأننى أتأخر عليه بالفلوس.. الولد "سيد" ينام فوقى على الأرض ويكتم نفسى أمام العيال لأن "بهية" لا تلعب "عريس وعروسة" إلا معى.. أنت أيضا تضربيننى وتركت ذلك الرجل يضربنى أول مرة.. خرج أبى زاعقا فحاولت أن أغطس فى حضنه الذى لم يفتحه لى.. انخرس لسانى فأخذت أبكى وأشد فيه ليجئ معى.. لكنه ترك زوجته ترمينى على عتبة الدار.. صحيح أن فمى امتلأ بالدم والطين.. لكنى فكرت ساعتها كيف سأقطع إذن رِجل ذلك البغل من دارنا.. جاءت "بهية" تسألنى لماذا لم أعد ألعب معهم فى الجرن.. فجريت معها وقلت للعيال إننا سنلعب أمام دارنا كل ليلة.. قالوا كيف نترك الجرن الواسع وأكوام التبن والقش والترعة التى نستحم ونسابق السمك فيها.. فوعدتهم أن أسرق لهم كل السكر الذى فى دارنا.. سرقته من ورائك وأنت تستحمين فى انتظار رجلك الذى تأكدت أنه لن يجئ هذه الليلة لأننا سنلعب أمام الدار طول الليل.. تركتهم يغلبوننى كل المرات.. ولكن لما لعبنا "عريس وعروسة" لم أترك "بهية" للولد "سيد".. كله إلا "بهية" يا أمى.. هل تعرفين أنها جميلة مثلك ولها عينان واسعتان أختبئ فيهما ونحن نلعب "استغماية".. وأنها رفضت أن تأخذ منى نصيبها فى السكر لأنه حرام!! .. الشيخ "عبد العزيز" أذن للعشاء بسرعة لينام.. فقال العيال كفاية لعب.. أرادوا أن يذهبوا كلهم فقلت إننى فى الصباح سأعطى كل من يبقى ليلعب معى حفنة توت مثل العسل من التوتة العجوزة التى عينها الله على ترعتنا قبل تعيين جد العمدة الكبير.. لم يصدقونى.. والولد "سيد" الله يلعنه قال:
            ـ لو كنت راجل صحيح هات لنا التوت الليلة ...
            نسيت أننا بالليل وجريت أسرع من طيارة الرش.. التوتة لم تكن طيبة معى.. قطعت يدىّ ورجلىّ الحافيتين.. وجذعها طال .. طال حتى خرم السماء.. والعفاريت بللت جلبابى كثيرا حتى أنه لن ينشف لو نشرته فى نِنِّ عين الشمس.. لكنها لم تسخطنى قردا كما تقولين.. جمعت توتا يكفى العيال المفاجيع لأسبوع.. ولما نزلت لممت كل التوت الواقع على الأرض.. هذا التوت كان غاليا جدا.. سيأكله الملاعين صحيح.. لكنه من أجل عيونك أنت.. التوت يا أمى جعلنى لم أعد مفعوصا.. فلما ألصقت كتفى بالتوتة وجدتنى أنظر لها من فوق..
            قابلتنى "بهية" وقالت إن العيال أولاد الكلب ضحكوا علىّ وغاروا من زمان.. حلفت لها أننى سأكبس بطونهم طينا بدلا من التوت الذى لففته فى صرة كبيرة قبل أن أجرى للدار.. بابك المغلق خلعته برجلى مثل "طرزان" الذى يحلف الولد "سيد" أنه قريبه.. ارتعشت كالفرخة المذبوحة وأنا أجدكما تأكلان بعضا مثل.. مثل الكلاب المسعورة يا أمى.. سامحينى.. لا أعرف هل وجدتنى بينكما على السرير.. أم أننى رميت صرة التوت فى وجه رجلك.. المهم أننى رأيت التوت يفرش السرير كله ولمبة الجاز تسقط فوقه لترش الحجرة بالنار.. هل عرفت أن رجلك جرى مع أول صرخة لك.. وأننى لم أعد مفعوصا تبلل العفاريت جلبابه.. وأننى واللهِ.. واللهِ العظيم لم أقصد ذلك.. هل عرفت كل هذا يا أمى قبل أن تبلعك النار مع التوت المحروق؟.
            - تمت -
            -----------------------------------------------------------------------------------------------------

            3 - ( العزف على أوتار مقطوعة ) إيهاب رضوان

            المذهل أنك حين عدت فجراً لأخذ حقيبتك وجدتها أعدت لك طعام إفطارك رغم فعلتك منذ ساعات .. تندفع إلى باب حجرتها وتكاد تدخل لتنحنى على يدها فى صمت وتبكي لكن يدك اليمنى تتجمد على مقبض الباب فتدرك أنها لم تعد جزءا منك .. تتمنى لو ينفرج الباب قليلا لتلقى فقط نظرة خجلى عليها وعلى إخوتك المتناثرين حولها بلا غطاء ..
            فى طريقك إلى محطة القطار تعجز أن تركل كل حصاة تقابلك ولا تتجاهل الرصيف لتمشى فى منتصف الطريق الخالى ، رافعاً صوتك بأغنية مليئة بالشجن لأم كلثوم .. تسرع بإغلاق نافذة الدرجة الثالثة تفادياً لطلقات البرد المتوالية .. تحاول أن تفعل ما تفعله كل مرة ، فتكثف أنفاسك الثلجية على الزجاج وترسم بسبابتك نفس العينين الواسعتين الخائنتين وتكتب حولهما أسماء قصصك التى لم تكتمل بعد .. هذه المرة قطرات الكلمات كلها تهرب من أماكنها وتندمج أسفل العينين المرسومتين ، فى نقطة كبيرة تسقط كدمعة ثلجية ملتهبة فوق ركبتك حيث تلتقى بأخريات تنهمر من عينيك ... تمسح الزجاج بسرعة وتحدق فى أصابعك التى تبدو لك الآن طويلة .. طويلة ..
            لماذا تركتها صامتاً تسترسل فى اتهاماتها لك بالتخاذل وتنعى حظ إخوتك اليتامى مكسورى الجناح كما قالت .. صمتك ظنته لا مبالاة ونظراتك الميتة من الأسى تخيلتها استسلاما ، فأخذت تشتمك وتهزك بعنف طالبة منك أن تنطق .. عذاباتك كلها تجمعت فى يدك وهى ترتفع إلى وجهها دون وعى لم يرتد إليك إلا حين تعلقت أصابعك الآثمة فى الهواء ، بعد أن حفرت تلك الخطوط الدامية البشعة على وجهها المتغضن بصورة لم تلحظها سوى الآن .. شهقتها المفزوعة انتزعت قلبك وعصرت روحك بضراوة .. وعيناها المتلاشى نورهما شيئاً فشيئاً فوق ماكينة الخياطة المتهالكة ، لم تبخلا بضخ دموعهما بصمت قاتل .. تمنيت أن ترد على فعلتك بأية طريقة .. تصفعك آلاف الصفعات أو يتصل حبل شتائمها الطويل ويلتف حول عنقك ليزهق روحك .. لكنها صمتت .. أنت أيضا لم تستطع أن تنبس بحرف .. لم تحكِ لها ولا لأحد عن عذاباتك المستمرة .. نسيت حتى أن تخرج لها جيوبك الخاوية قبل أن تصفق الباب وراءك ..
            على رصيف محطة الوصول تنتبه إلى أنك ، لأول مرة لم تعد المحطات العشرين التى يقف بها القطار خشية أن تزداد واحدة .. حين يسألك شيطانك متشفياً سؤاله الخبيث المعتاد: " لماذا تخدع نفسك وتتوهم أنك سعيد ؟ " ، تعجز أن تشد أذنيه هذه المرة وأن تقول بصوت يسمعه الجميع: (طظ) .. تعترف بفشلك فى عزف لحن السعادة على أوتار أيامك ..
            فى الظلام الدامس على سلم الاستراحة المتآكل ، تلعن الوزارة التى لم يتبقَ من كيانها سوى اسم يثير السخرية ، والتى قذفت بك إلى هذا المنفى بعد تخرجك .. تلقى السلام على زملائك الخمسة فى نفس الحجرة ، ثم تنكمش أطراف جسدك تلقائياً لتستلقى بملابسك على سريرك السجن فى انتظار نوم تعلم أنه لن يجئ .. تنقضى الليلة بعد كابوس مقيت يجعلك تتصبب عرقاً رغم لذعات البرد .. ترى رجلاً مجهول الملامح يخطو نحوك خطوات بطيئة وبيده سكين طويلة .. بسهولة يقيد حركتك ويأخذ فى قطع ذراعك اليمنى .. العجيب أنك لا تقاومه .. فقط تتألم بصمت وتستعذب الألم لتفيق بإحساس أن مخدراً ما يسرى بذراعك ..
            تفقد استمتاعك بعملك الذى تحبه رغم دورانك المستمر فى ساقية الضغوط .. فى الفصل تهتز يدك على السبورة وتفلت منك أعصابك عده مرات ، وتنفى البنت الجالسة أمامك فى الصف الأول إلى آخر الفصل لمجرد أنها تمتلك عينين واسعتين تديران الشريط الطويل لخيانات من كانت حبيبتك وخيانات بعض مَن ادعوا أنهم أصدقاؤك .. تتشاجر مع زملائك ونفسك لأتفه الأسباب والرجل ذو الملامح المجهولة يظل يقطع ذراعك كل ليلة .. المأساة أن ملامحه تنكشف أمامك فجأة ، فتجده – مصعوقاً – أباك الراحل .. يزداد المخدر المنتشر فى عروقك حتى توقن أنك ستفقد ذراعك قريباً .. الخميس وزملاؤك يستعدون للسفر ، تكابر فتخبرهم أنك لن تغادر المعتقل هذا الأسبوع .. ليلتها تقاوم النوم خوفاً من براثن نفس الكابوس لكنه يهزمك .. تستقل أول قطار فى الصباح لتكون هناك .. من آثار السهر المحتلة ملامحها تعلم أنها لم تنم ليلة أمس قلقاً عليك .. تختبئ بأحضانها ، تنهنه وتغمر يدها بلثماتك فى تبتل .. تلقف كلمة "يا بني" من بين غمغماتها الباكية فتدرك أنها غفرت لك وأنه سيكون باستطاعتك غدا فى الفجر أن تركل كل حصاة تقابلك وتتجاهل الرصيف لتمشى فى منتصف الطريق الخالى ، رافعا صوتك بأغنية مليئة بالشجن لأم كلثوم.
            - تمت -
            -----------------------------------------------------------------------------

            تعليق

            • خالد محمد
              كاتب مسجل
              • Mar 2010
              • 16

              #21
              إسم الكاتب : خالد محمد محمد .
              نوع العمل : قصة قصيرة .
              عنوان العمل : عصفور الجنة .


              عصفور الجنة – بقلم خالد محمد محمد .



              قضى الشيخ إبراهيم صلاة المغرب في مسجد العزيز بالله بحي المندرة ثم إتجه مسرعاً إلى الشاطيء في لهفة وقلق ؛ ولولا رعاية الرب لكان من ضحايا السيارات ؛ وما أن وصل حتى وجد القارب بانتظاره ، فانطلق به داخل البحر حتى اختفى الشاطيء ؛ وأخذت الشمس في الغرق ، مع سكون أصاب كل شيء من حوله ، وضوء أخذ ينطفيء ، ونسيم هاديء يداعب قسماته ، لوحة ربانية تخطّت حد الإعجاز ؛ نظر الشيخ إلى وجه الماء فوجد ابنه يوسف يبتسم له من تحت الموج ؛ إبتسامة طفل له من العمر سبع سنين ، رد الشيخ على إبنه بإبتسامة يملؤها الحنين ؛ وكان ختامها دموعه ، حتى ارتسم الشفق على سطح مقلتيه ، وحَلَّ الغروب على سماء وجهه ؛ وأخذت الذكريات في الفوران ! .



              تذكَّر يوم ابتاع لإبنه عصفوراً بديع الألوان ، رقيق الملامح ، حلو الصفير ، عصفور مُبهِج ؛ ديدنه اللعب والغناء ، المرح والسعادة ، الحرية والطلاقة ، الحب والسلام ؛ عصفور الجنة الذي ملء حياة الطفل ، وفاز بصداقته ، وأصبح جليسه الدائم .



              أول يوم تعارفا فيه وعد العصفورُ الطفل أنه لن يتركه أبداً ، لن يتركه وحيداً ، لن يتركه لحظة حزيناً ، لن يتركه ساعة جائعاً ، لن يتركه دقيقة خائب الظن ، لن يتركه محتاجاً لأي شيء ، لن يتركه أبداً ؛ ابتهج الطفل بهذه الوعود ؛ وأراد أن يصنع لصديقه العصفور أمر مماثل يكون بمثابة هدية ، فقال له : اسمع يا صديقي .. إنني أعشق البحر .. ولا يفوت يوماً إلا وأنتظر لأشاهد منظر الغروب .. أنتظر غرق الشمس .. فما رأيك أن تذهب معي ؟ .. هل تحب البحر ؟ .

              فانتفض العصفور من سعادته ؛ وأخذ يزقزق طرباً ، ويتراقص كأنه درويش ؛ فحمله الطفل بين كفيه برقة واتجه به إلى الشاطيء ؛ وكان الوقت قبيل موعد غرق الشمس ؛ فراح يترنح به في مشيه ، يمنة ويسرة ؛ ويسأل عصفوره – معجباً بنفسه - ما رأيك .. هل أنت خائف ؟ ، تبسم العصفور له وقال : يا يوسف نقف على الشجر ونحلِّق في السماء ولا نهاب السقوط ؛ يا يوسف أنني أعيش في السماء ، هي عالمي ..كما أنك تعيش على الأرض ؛ لكنك يا عزيزي لا تزال صغيراً .. أنت لم تبلغ بعد طول جذعٍ ! .
              ضحكا الإثنان ؛ ثم قال يوسف للعصفور : غداً سأصير طول الشجرة .. سأكون طويلاً وقوياً مثل أبي ؛ فرد العصفور بنظرة اشفاق : نعم يا صديقي غداً ستكون كذلك ؛ وظل الطفل يغني والعصفور يزقزق له .


              عندما اقتربا من الشاطيء ، وشارفا على خوض طريق السيارات ؛ حذَّره العصفور ، ونبهه إلى خطورة الأمر ؛ وطلب منه أن يسأل أحد المارة كي يساعده على العبور ؛ فضحك منه الطفل بثقة ، ثقة بريئة ؛ وقال له : أيها العصفور الجبان ، أتخشى على نفسك ؟ .. لا تَخَف .. فأنا كبير ولست بحاجة لأحد كي يأخذ بيدي .. لا تقلق .. أنت في حمايتي !



              هَمَّ الطفل على اجتياز الطريق ؛ فاستوقفه العصفور ، وقال له : نسيت أن أخبرك بشيء .. أنا لا أحب البحر .. عُد بنا إلى البيت . ؛ فنظر الطفل له نظرة تفقُّد فيها حدّة ؛ كأنه يختبر صدقه ؛ ثم قال : أنت تكذب يا صديقي ! .. ألا تثق بي ؟ . ؛ فرد العصفور : بلى ، أثق بك ، لكني لا أثق بالظروف ؛ فابتسم له الطفل ثم تحرّك نحو الشاطيء ؛ وبعد بِضع خطوات جاءت سيارة تطير على الأرض فتفاجيء بها يوسف ؛ أراد أن يتصرف فلم يقدر ؛ أصابه هلع وتردد ؛ فلم يستطع أن يحمل قدمه خطوة واحدة إلى الأمام ، فتصلَّب مكانه ؛ والعصفور يصرخ : تَحرَّك يا يوسف .. أَسْرِع يا يوسف ؛ لكن السيارة لم تنتظر يوسف فخلعته من الدنيا على الفور ؛ وطار العصفور أيضاً على الفور ؛ وراح ينظر إلى صديقه ، تغطيه الدماء ، منظر كئيب ؛ ثم أدار نفسه ونظر نحو البحر فوجد الشمس تغرق ؛ فبكى ثم انطلق .



              كل هذا دار في خُلد الشيخ ؛ ولم يشعر بالوقت الذي مَر ، ولا بالليل الذي حَل ؛ أفاق على صوت ينادي ؛ نداء قوي لكن ذيله الذي يصل ، يصل ضعيفاً ؛ فتحرَّك بقاربه نحو الشاطيء ؛ فوجد زوجته واقفة منتظرة قلقة عليه ؛ فنظر إليها بإبتسامة حزينة على شفتيه وآثار دموع في عينيه ؛ ثم مسك بيدها بشدة ثم اجتازا الطريق .


              سبق وقمت بإضافة قصة قصيرة بعنوان (عصفور الجنة) ، لكن احتراماً لشروط المسابقة ها أنا ألحق بها قصتين قصيرتين .. واحدة بعنوان ( حصار ) والأخرى بعنوان ( كربليس ) .. مع اعتمادي للقصة الأولى للمشاركة بها وعنوانها (عصفور الجنة) .. وشكراً لأستاذ طارق



              إسم الكاتب : خالد محمد محمد

              عنوان العمل : حصار



              دقت الساعة في مُنتصف الليل دقة مذبذبة ؛ معترضة على أحوالها الميكانيكية ، معلنة عصيانها الدائم عن قلة الشحنات بالبطارية ؛ وتقدمت بشكوى إلى قسم الأحوال الاجتماعية طاعنة في سوء المعاملة ، وإهمال لوائح العملاء ؛ و تنذر بالتوقف تحت لواء التمرد ؛ وذلك لانتهاك حقوقها الفيزيائية بقرضها والضغط عليها بأسنان البشر لجعلها تعمل لمدة أطول من المدة المحددة والمشروعة وفقاً للمادة....كذا.. من قانون....كذا.. والذي ينص على....كذا .

              بعد تلك "السخافات" التي اعتدت عليها من تلك الساعة السخيفة آويتُ إلى فراشي الضئيل بشكله ومضمونه ؛ المرتكز على أرضية الحجرة ؛ لكني لم أستطع النوم ؛ فالأرض رطبة ، وأجزاء منها مبتلة تتسلل إليها المياه من "عتبة الحمام" وهو بذات الغرفة ؛ كما تتسرب البرودة من جدران الحائط متجهة إلى قدميّ الحافيتين فتخترق كالقراصنة و تتفاشى في أنحاء الجسد كالسرطان ؛ ترتكز عند رُكبتيّ ، وتُعسكر كالجنود المرتزقة التي لا مفر من مصائبها ، أضرارها قادمة لا محالة ؛ فكنت كالفأر الهزيل الذي يلجأ مهرولاً إلى جحره يقي نفسه برد الشتاء .

              ظلت الرطوبة تتحسسني ؛ لكني رفضت الاستسلام ، و تغلبت على هواجسي الشتوية ؛ و تذوقت رائحة المطر ، وبدأت أصوات الجليد المتساقط تُمرر ألحانها إلى قلبي حتى نامت عيني .

              في صباح يوم جديد أطلقت الشمس نهارها في عيني كالسهام حتى أيقظتني منزعجاً عابساً لا أتذكر شيئاً من الليلة الفائتة ؛ إلا إنني أشعر بإرهاق شديد ، خاصة بعيني ؛ فلم أعد أقوى على الرؤية بوضوح ؛كل يوم تزداد سوءً ؛ فكان لا بد من الذهاب إلى دكتور أخصائي طب وجراحة عيون ؛ فلا أستطيع قراءة الجريدة ؛ وكلما حاولت لاحقني ضعف بصري ؛ فقمت بادخار مصروف المعاش من أجل مصاريف العيادة ؛ وبعد اكتمال "مبلغ وقدره" قررت الذهاب ؛ وبالفعل ذهبت إلى تلك الصالة المكتظة ؛ وتفقدت المكان تارة أحملق يميناً وتارة أحملق يساراً ؛ وقد هالني المنظر الذي أكاد لا أراه ؛ حتى نادني رجل يمكث على كرسي ويرتدي بالطو أبيض ؛ منادياً :"أنت يا أستاذ" ؛ فالتفت واتجهت نحوه،ودفعت له رسوم الحجز ؛ وقال لي بهدوء : انتظر دورك ؛ فجلست على أنتريه بيتي – حيث لا توجد كراسي- مُنحشراً وسط جموع من الكتل اللحمية ؛ والروائح الغريبة تعج المكان ؛ ومن جملة ما أذهلني رجلاً كان يجلس بجوار إمرأة لا ملامح لها ؛ وجهها ورقة بيضاء ؛ ومع ذلك ظل يتمسح في قدميها تارة ، ويطلق الدعابات السمجة تارة أخرى ؛ وكانت تبدو مستلذة بذلك ! .
              وبعد انتظار طال ساعات ؛ دخلت إلى الدكتور ؛ ومبدئياً قال لي : يتعين عليك إجراء فحص الأشعة المقطعية ؛ فترددت في ذلك ؛ ولكن سرعان ما أجريت الأشعة ، وعاودت أدراجي إليه ؛ فتبين له أن هناك تكوُّن لمياه بيضاء في عيني ويستلزم الأمر فحص قاع العين للاطمئنان على الشبكية قبل إجراء العملية ؛ بالفعل لم أتردد ، و خضعت للفحص ؛ لكن للأسف أوضح الفحص ضرورة مراجعة طبيب الأمراض الباطنية للاطمئنان على الكليتين ؛ وبعد مراجعة الطبيب وإجراء العديد من الفحوصات والعديد من التحاليل قال الطبيب لي إنني أشكو من قصور في وظائف الكليتين ولابد من إجراء فحص بالأشعة المقطعية ؛ فلم أنطق بكلمة أو نصف ؛ واستقت نفسي إلى الطبيب المختص لإجراء الأشعة ؛ وبينما أنا مستلق على سرير الأشعة بدأ الملل والضيق يتسربان إلى نفسي ؛ فانتفضت من لحظتها واندفعت عائداً لغرفتي .
              شعرت بالحزن ؛ فالمال ينفد والعمر ينفد والصحة تنفد ؛ وأشعر إنني سأموت ، وهذه الغرفة ستصبح قبري.

              الظروف البغيضة تحاصرني حتى أفقدتني السيطرة ؛ أوصال جسدي انسابت ، ضلوع صدري ضاقت ، ساقيّ تتأرجحان في حوضي الأعوج الآهل للسقوط ، الذراعان مرتميان متدليتان ؛ فأصبحت كالأُضحية بين يدي الجزار يقطِّعني حسب الأصول ، والطاهي يقف بجانبه ليتلقى الأعضاء المختلفة ويتلقى "بيت الكلاوي" ويطبخها حسب الطلب ؛ والمرض هو الذي يطلب ويأكل!

              بعد خوض ملحمة علاجية بدون جدوى لم يبق لي غير ضريح الأمل ؛ وبعد أن سقطت الانتفاضة وسقطت جذوع الأشجار ، وجاءت البلدوزرات لتقتلع كل حظ يبتسم أصبح فراشي معسكر للآجئين العزّل .

              كلما أشعر بالإرهاق أتناول إسبرينتين فيزول الألم ثم ما يلبث أن يعودني!

              هذه هي مملكتي الحزينة المحاصرة دائماً، التي تكشف عورتها أمام الجميع ، و تنسى سروالها في دورات المياه ، و تُحدث نشازاً كلما تكلمت ، وترتدي وشم من الجوع على حدود السرة ، وشهوتها للحياة البسيطة أصبحت فكراً زنديقاً يستدعي الجحيم .

              ليس هناك غارة أو حظر تجوال أو مدافع أو نيران ؛ ومع ذلك تأوهاتي لا تسكت ، ليس إعتراضاً بل عوضاً عنه .

              دائماً يتوه عقلي في الفردوس والحورعين .
              الحبيبتان تطلان من شرفات قصري ، تتهامسان ، تركضان نحوي ، وتداعبان خدى البستانيّ .
              و وسط الأحلام الطائرة يتحول القصر إلى مقبرة ؛ ويصطدم النور بالظلام ؛ وتتصدر معاني الحزن والبؤس صفحات قلبي و تقضي على كل شئ ؛ وتُعيدني مرة أخرى لغرفتي ، صندوق اعترافاتي ، حيث أجلس مع قلبي نبوح بخطايانا .
              لا أريد غير ما حُرمت منه ؛ لذا أجدني أريد كل شيء حيث حُرمت كل شيء .
              كل شيء ؛ حتى الأحلام ، مجرد الأحلام ، لا أستطيع ؛ فأنا محاصر.





              .................................................. ............................


              إسم الكاتب : خالد محمد محمد

              عنوان العمل : (كربليس)



              كربليس
              صديق عورتي

              كربليس..مخلوق من طينة حمراء ..طينة شهوانية.. طينة من قاع جهنم

              صاحب هذه الطينة ..ما تعلم شيئا قط في حياته .. ما عدا الجنس
              الجنس بألوانه.. الخضراء والحمراء والسوداء

              الجنس من قعره إلى قمته .. من حلاله إلى حرامه.. من أوله إلى آخره
              من شاذه إلى أصله

              كربليس يتمنى .. كربليس يحلم.. الذباب يتعاظم لحجم يتسنى له فيه مضاجعته
              كربليس يتضاءل ليصل إلى ذبابته
              الذبابة .. هي وحيدة الكون التي آمنت له .. هي الفريدة التي بقيت معه في حجرة مغلقة
              ولكنها لم تلبث أن فرت منه .. لما أحست منه نظراته الدنيئة.. وملامحه المهتاجة

              هكذا تركته عندما توجهت للقاهرة كي ألتحق بجامعتها .. على مراد أبي.. وكنت من قبل أقطن الكفر القبيح
              آكل من جوده التصعلق.. وأشرب من فيضه التبذل.. وأتعلم فقه الشارع.. على سنة أصدقائي
              أصدقائي .. لا أعرف لهم مأوى ولا مرسى .. بالكاد أتذكر وجوههم .. والمواقف التي جمعتنا
              لكن التذكر لا يشفي آلام شوقي.. ولا يسد فراغ قلبي
              لكني لم أدع لليأس محلا.. كنت أتتبع أخبارهم .. من صديقي "شاديما" .. فكان ينقل لي الأخبار
              ويصف لي الأحداث مفصلا معللا

              وكان من جملة ما أدهشني .. وأصابني بالوجم.. هذا الخبر.. عن كربليس

              خطف واغتصب

              من؟ .. كربليس؟ .. خطف من؟

              فتاة من عمرنا .. من كفرنا

              لماذا .. أقصد ، كيف هي؟

              فاتنة .. فائرة الجسم ..بكر.. هكذا قيل

              أمر.. أمر غريب

              لم يظهر لهما ظل في الكفر مذ أربعة أيام

              هل هو في الكفر أم في الأسكندرية؟.. هل خطفها حقا؟
              وهل يعقل ذلك في زماننا هذا؟ ولم لا ؟ إنه زمان الفتن .. إنه زمان القيامة .. لا لا ..إنها فقط طبيعته
              إنها معنى من معاني الشر والفساد وضياع الأمانة.. ولكن .. كيف خطفها .. أقصد هل خطفها على الطريقة الامريكية .. طريقة شيكاغو والعصابات

              لا أحد يعلم .. الخوف ، كل الخوف أن يكون فضّ شبكها

              هذا النذل !.. لابد إنه فعل.. هذه صنعته.. ألم أقل لكم إنه من الطينة الحمراء

              لابد إنه ذهب بها عند قريبه "باسموا" بالأسكندرية؟

              لكن.. كيف وأمه تمكث معه؟

              إذن يستأجر حجرة في نزل ما أيضا بالأسكندرية

              ومن أين يأتي بالمال؟ فأنا عليم بحاله وبظروفه

              ولكن هذه الفتاة الغامضة .. لماذا لم تصرخ؟ لم َ لم تش به لأحد؟.. أين حيل النساء وتدبيرهن؟!.. أين كيدهن العظيم؟!

              لابد إنها كانت معه برغبتها وارادتها.. ونحن نعلم أن شهوة المرأة اذا استشاطت فلا مرد لكوراثها.. ولا مصد لعواقبها

              أهلها يهددون ويتوعدون.. وأخوها أقسم إنه لو ظفر بكربليس .. سيجعله من فصيلة أحمد عدوية .. سيذبح عصفوره

              كربليس .. أجبني.. ماذا تفعل الآن؟

              أنكح.. أنكح.. أنكح.. أضاجع.. أضاجع..أضاجع

              ومتى تنتهي يا حقير؟

              أنتهي! .. هل أنا أحمق لأتركها؟! .. أنت لا تعرف كم عانيت.. كم انتظرت .. هذه لحظتي
              سأنتهي عندما تخبو نيراني.. وتختل أعصابي.. وتنحلّ مفاصلي..وتتحلل عظامي

              أيها الدنيء.. إذن لن تنتهي أبداّ!
              ولكن أيها المتحذلق.. المتهور.. لا تنس أمر أهلها.. هذه ما لم تحسب له حسابا.. لتعلم كم أنت غبي
              أقل ما يأخذونه منك جراء فعلتك الشنيعة هو حياتك .. هل ترتعد الآن؟ أشعر بك يا غبي.. ولكن كيف ظننت انك ستفر بفعلتك الحقيرة هذه دون عقاب؟! المصائب ستأتيك كالسيل منذر بالهلاك.. قضية خطف.. قضية اغتصاب.. وهلم جرا

              أيها المثرثر.. هل انتهيت من مقالتك ؟.. دعني أريك كيف ستجري الأمور.. وستتابع الأحداث
              عندما أتركها- في المستقبل البعيد طبعا- ستخبرهم إنها كانت معي بمحض ارادتها..كما انها التي أصرت على مرافقتي لها مع رفضي الشديد.. أنت لا تعرف رفيقتي .. إنها متبجحة!

              حسنا .. أنت لا تخشى عاقبة الأمور.. اذن .. أخبرني أيها الشجاع أين أنتما الآن؟

              لازلت أستمتع بها .. لازلت أزاول واجبي.. لم تنفد حلاوتها بعد.. ولكن أعدك انني سأخبرك وقتما أنتهي منها
              أما اذا أخبرتك الآن .. فستضيع هرتي مني.. وسأعود لقصتي مع الذبابة .. أنت تعرفها

              اذن أخبرني كم مرة ضاجعتها؟ لكي أطمئن على حالتها.. أخشى أن تكون ماتت.. وأنت لا تزال تضاجعها.. أعرفك تفعلها!

              حقا .. تريد أن تعرف.. فأنا لا أرهق نفسي بالعد.. ولكن .. كل ساعة مرة ..منذ أربعة أيام .. هذا أمر يطول حسابه.. لا وقت لدي.. والآن دعني.. لدي عمل

              كربليس.. انتظر.. كربليس.. اليوم أجازة.. اليوم الجمعة.. أقصد لا عمل..كربليس
              .................................................. ........................زز

              القصة التي أشارك بها هي (عصفور الجنة)
              التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي; 03-13-2010, 01:26 AM.

              تعليق

              • طارق شفيق حقي
                المدير العام
                • Dec 2003
                • 11929

                #22
                أخي الكريم خالد محمد
                عليك التقدم بثلاثة أعمال للمسابقة وتحدد المشاركة التي تتقدم بها يفعل بقية المتسابقين
                تعتبر المشاركة الأولى هي المختارة في حال لم يحدد المشارك ذلك

                تعليق

                • إسماعيل ابوبكر
                  كاتب مسجل
                  • Mar 2010
                  • 5

                  #23
                  إسماعيل أبوبكر..

                  الأسطورة

                  جاء صوت صارخ من المذياع يقول: "أيها الناس اتقوا الله، اتقوا الله كي تُسقى الأرض، فقد حلّت علينا لعنة السماء"، فأطفأ خالد المذياع. فالأسطورة القديمة تقول أن أخر حكيم الأرض حذرهم من أن لعنة عظيمة ستحل عليهم بسبب سوء قلوبهم، ولن تزول حتى يجدوا لها حلا يرتضيه رب السماء وطوبى لمن يزيلها. أدار خالد محرك سيارته، ومضى يشق مسيره في تلك البلاد.

                  فهو مهندس زراعي كان قد تخرج منذ سنوات طويلة، ويعمل موظفا في البلدية. يعاني مثلما يعاني الجميع، لكنه كان رجلا صالحاً، عادلا، أمينا صادقاً، لم يقبل في حياته رشوة قط. وما دفعه للخروج بعد الدوام هو رغبته في جمع بعض المال كي يتسنى لأبنائه إكمال دراستهم ليصبحوا شيئا عظيما في المستقبل، فكم امن بهم وأحبهم ولم يدخر جهدا في إسعادهم.

                  لم يكن اليوم جيدا بالنسبة له، فهو قحط ككل الأيام في هذه البلاد، يرى فيها نفس المشاهد طوال سنوات عمره. رأى في الطريق رجالا يذبحون أناساً من بلاد أخرى بطرق وحشية لغرض إزالة اللعنة، ومن حولهم يصفقون. ورأى فيها نساء مستضعفات يلوكون في شرف أخريات بأنهن سر اللعنة. ورأى أناسا أوباشا يسجدون لآخرين -يعلمون الحل بنظرهم- فيصدقونهم ويتعلمون منهم الكره والبغضاء، فيسمعون ويبكون.

                  ورأى منهم من يفجّر نفسه على قارعة طريق فيها طفل ورجل عجوز ودار عبادة، راجيا إله السماء أن يقبل قربانه ويخلصهم. ورأى أناسا يضربون آخرين بالهراوات والعصي ومن خلفهم تمثال كبير، ومجموعة من الكسالى يتابعون أخبارا، وبها يتخاصمون. ورأى في بعض أزقتها أناس يترنحون ويرقصون، وبينهم نساء عاريات. وشاهد أطفالا جوعى ملابسهم ممزقة يستجدون الناس. لم يستطع رؤية ذلك كله أو حتى سماعه، فأغلق نافذته ومضى في طريقه يبحث عن زبون.

                  وبينما هو في مسيرته، إذ استوقفه رجل يبدو من شاكلته انه من البلاد الأخرى التي طالما سمع أنها سر البلاء واللعنات في أرضه وسبب نكبته. لكن حاجته أوقفته كيلا يعود خالي الوفاض إلى بيته. فركب الغريب وكان يتوق إلى التحدث معه، لكن خالدا لا زال يتملص من الحديث معه، لبغضه إياهم. وكان الغريب يتحدث عن انه سيذهب أخيرا لرؤية أبنائه بعد سنتين كاملتين، وكم يشتاق إليهم. وفي حركة ودية عرض بعض الصور لخالد الذي لم يبد اهتمامه.

                  توقف خالد وابلغه بالوصول، فلم يخف الرجل دهشته وقال: "أتعرف؟، هذه هي المرة الأولى التي يوصلني فيها سائق أجرة إلى العنوان من طريق مختصرة، مع أني اعرف الطريق جيدا". رد خالد بابتسامة باهتة وهز رأسه في أدب، واخذ المبلغ ورد الباقي للرجل الغريب الذي بدا مصدوما مرة أخرى من المبلغ الزائد المتبقي.

                  وبينما خالد ماض في طريقه، لاحظ حقيبة. وجد فيها مبلغا كبيرا من المال، ومضى يفكر في تلك الفرحة التي سيراها في وجه زوجته الحبيبة سلوى وابنيه خليل وزياد. لكنها لم تلبث أن تلاشت وحل محلها صورة أبناء ذلك الرجل، ليرى الحسرة في وجههم والألم. أحس بضيق، فأدار مقود سيارته.

                  شاهد رجلا مذعورا، طمأنه بابتسامة صادقة في وجهه، وقال له: "أنسيت شيئاً مهما قبل سفرك؟". بكى الرجل وتناول محفظته لأخذ بعض المال، لكن خالداً تركه ومضى في سبيله.

                  سالت قطرات دمع على خد خالد فتحسس وجهه فإذا عيناه تذرفان، ولم يدر لماذا، فمسحها بأطراف أصابعه، وإذا به يرى قطرات أخرى متتابعة، لكنها لم تكن من عينيه هذه المرة، بل كانت من قطر السماء.

                  تمت..

                  تعليق

                  • إسماعيل ابوبكر
                    كاتب مسجل
                    • Mar 2010
                    • 5

                    #24
                    إسماعيل ابوبكر..

                    إجابة العم رمزي..

                    فكرة: إسماعيل أبوبكر وبكر رواشده.

                    عدت مسرعا إلى البيت وأنا الهث من السعي، ودموع تنساب من عيني حال تذكّري لما قاله ذلك الرجل الطيب. وأخرجت ذلك الصندوق من خزانتي، وأوقدت نار تلك المدفأة وبدأت ارمي بتلك الأوراق وأرقبها وهي تحترق شيئا فشيئا، فلم تكن يوما ما حقيقة، ومع احتراقها شعرت براحة نفسية بعد انقضاء تلك الأعوام التي ظل فيها قلبي خاويا.

                    كنت أراه جالسا في تلك المكتبة كلما توجهت إلى اقتناء كتاب معين، بمنظره الهادئ، وبسمته المتواضعة، واضعا نظارته على انفه وهو عاكف يقرأ ذلك الكتاب. كنت آتيه فور رجوعي من الجامعة لأخبره عن مغامراتي وما رأيت وما سمعت. كان نعم الموجه بالنسبة إلي، فقد كان يستمع إلى همومي ويتعاطف معي ويرشدني بخبرته. أخبرته ذلك اليوم عن "سلمى"، عن تلكم الساحرة الجميلة التي أحبتني، فاقتربت مني وطلبت مني أن أكون كاتبا لها في مجلتها الالكترونية.

                    لم أكن اقترب من الفتيات، لكني شعرت أنها مختلفة عنهن جميعا، فقد كنا نتشارك نفس الاهتمامات والأفكار، وشعرت أن روحنا واحدة وان القدر قد كتب مصيرنا سوية في لوح واحد. أحببتها من كل قلبي وصارحتها بمشاعري حال تلاقينا. واذكر أنها قالت لي في المرة الأولى التي تحدثنا فيها، أني ما أن تركت مجلسها حتى تبعتني بدموع فاضت من عينيها، وسُكبت على خدودها، وأنها شعرت بروحي تلامس روحها وأنها أخيرا وجدت فيّ توأم روحها.

                    مضت الأيام ونحن نزداد محبة لبعضنا، وتقوى أواصرنا. كانت تشاركني خلالها مشاعرها وآلامها ومخاوفها وكنت أراني بطلا ينتشلها من ذلك كله، وكم كان شعورا جميلا. وبعد أيام وشهور، لا ادري ما حدث فيما بيننا، فقد كثر خصامنا وجدالنا وهجرنا، وأخبرتني أنها تشعر بفتور العلاقة، وحينما سألتها عن سبب ذلك، ذكرت لي أن الوضع قد أصبح صعبا بالنسبة لها، وأنها ما عادت تشعر بمشاعر الحب مثلما كانت تشعر من قبل.

                    أصبحت حائرا ومشتتا، وتمردت على ظروفي المعيشية وكرهتها، وكنت احكي كل ذلك للعم "رمزي" والذي كان يبتسم لي كالعادة، ويسألني: "كيف شعورك تجاهها؟"، فأجيب: "إني اعشقها واعشق تربتها وكل ما يتعلق بها". فيسألني مرة أخرى: "وما شعورها تجاهك؟؟"، فأجيبه: "هي كذلك". فيصمت قليلا ويقول: "إذن كل شيء على ما يرام".

                    وفارقتني "سلمى" ذلك اليوم، واذكر تلك اللحظة التي قالت لي فيها أن علاقتنا صعبة وان الظروف والأوضاع لا تسمح بارتباطنا. فثرت عليها وقلت لها: "أين كلام الحب والتضحية والصبر؟ أين التوأمة الروحية والأحلام والآمال". وتركتني وحيدا أسائل نفسي عما جرى، حتى أني كنت ألوم نفسي أحيانا، بأنه كان علي أن ابذل مجهودا اكبر كي أحافظ عليها.

                    تحطمت بعد ذلك وتبلدت مشاعري وكفرت بالحب وحقيقته وتملكني اليأس، ومع هذا كله والعم رمزي يقول لي كلما ذكرنا الموضوع: "أن الحب الحقيقي لا يموت". وطلب مني أمرا عجيبا، وهو أن اجمع كل رسائل الحب واضعها في صندوق، وانتظر حتى تأتيني الإجابة يوما ما عما حدث وفرّق بيننا. وتُوفي العم رمزي.

                    وبعد أعوام رأيتها في إحدى الحفلات، ورأيت معها رجلا لا اذكر أني رأيته من قبل، وعرفتني به كخطيبها، واقتربت مني وسألتني عن حالي. فأخبرتها أن الأمور على خير ما يرام، وتحسّنت ظروفي، وحققت كل آمالي وطموحاتي. وهنا تبسّمت ومالت برأسها وهمست في أذني: "أتذكر تلك الأيام؟ لقد كانت أيام مراهقة وتجربة جميلة". تبسمت لها مجيبا: "لكنها كانت حقيقية بالنسبة لي، ولازلت احبك، لكني أخيرا تلقيت إجابة العم رمزي".

                    تمت..

                    تعليق

                    • إسماعيل ابوبكر
                      كاتب مسجل
                      • Mar 2010
                      • 5

                      #25
                      إسماعيل ابوبكر

                      الزهرة..

                      إنها زهرة ولا كأي زهرة.. بهذه العبارة بدأ المدرس يشرح لطلابه قصة الزهرة التي أقلقت كبير العلماء وسببت له تلك الحادثة التي ربما أودت بحياته.. اسماها علماء النبات بالزهرة القاتلة، ولم تكن يوما كذلك.. كم كان يوما رائعا حين قص علينا قصتها..
                      توسط المدرس الصف بشعره المشيب ووقفته المستقيمة التي تشبه وقفة الجندي المعتز بوسامه وعلى وجهه رُسمت خطوط الزمان.. حكى لنا تلكم الحكاية الغريبة عن احد العلماء الذين نذورا أنفسهم للبحث عن تلكم الزهرة العجيبة.. تلكم الزهرة التي تفوح منها روائح زكية، ولها منظر بديع، وينساب على جنبات أوراقها الندى بصورة رائعة.. زهرة تذكرك بكل ما هو جميل في هذه الحياة..

                      لم يعرف الجميع سبب هوس هذا العالم بها بحيث انه كرّس كل حياته للبحث عنها.. كم ارتحل من مدينة لأخرى، ومن بلد لأخر، وعانى الضياع جامعا للمعلومات ومتحملا أعباء الغربة.. تسلق الجبال وهبط الوديان وعكس مسار الشمس بحثا عنها.. كان يرتدي ذلك القفاز الأسود وهو يتفحص الزهرة تلو الزهرة حتى يتأكد من أنها هي الزهرة التي يريد.. كان قد وعد نفسه بعدم مس أي زهرة ما لم يتأكد من أنها هي لا غيرها..

                      لم تكن هذه الزهرة مختلفة عن غيرها من ناحية الشكل، لكنها كما تذكر الروايات: متينة الأوراق، وشذاها يملأ الآفاق، صحراوية تعيش في أحلك الظروف، الزهور التي تحتفظ برونقها ونضارتها على مدى الزمان وكأنها تفتحت بالأمس..

                      وهنالك من يذكر كأسطورة أن جد هذا العالِم هو من غرس تلكم الزهرة بنفسه، وسقاها من ماء إناءه الذي شرب منه ذلك العالم حينما كان صغيراً، ولذلك نشئت تلكم العلاقة الغريبة بين الزهرة والعالِم.. ولم يترك أي إشارة إلى مكان وجودها، وان القدر وحده هو الكفيل بنقلها إلى حفيده..

                      بعد البحث في أمهات الكتب والاستنتاجات منها استطاع أخيرا أن يصل إلى تلك الزهرة العجيبة.. وجدها على سفح جبل شاهق تسلقه على فترات من شدة ارتفاعه، حتى كادت رئته إن تتفجر من ضغط الهواء وقلّته، وكلما اقترب كلما اشتد خفقان قلبه من شدة الفرح، وشعر بدنو الوصول.. فكم هو جميل أن تحقق أمالك، فما بالك بحلم حياتك..

                      وجد تلكم الزهرة كما هو موصوف عنها: وحيدة ذات بهجة، منفردة عن بقية الزهور.. اقترب منها، ولم يرتد قفازاته هذه المرة.. وكانت الإشارات والمصادر تقول أن من اقترب منها أسكرته رائحتها فيتهاوى متى ما هزّها، فقام بهزها فانتشى بتلكم الرائحة حتى كاد أن يفقد وعيه.. لمس أوراقها فكانت كالحرير على يديه ومالت على أنامله وكأنها تخطب ودّه..

                      أزاح التراب من حولها وانزاحت معه كل آلامه ومعاناته في طلب تلك الزهرة، وصار يحفر ويحفر كي يصل إلى جذورها.. أحس بلحظة سكينة وراحة لم يعهدها من قبل في حياته.. امتلأت عيناه بالدموع وانسابت على خديه لتسقي تلكم الزهرة.. إنها لحظة اجتماع محبوب بمحبوبته بعد فراق طويل..

                      امسك بساق الزهرة وشدّها لأنه أراد أن ينقلها إلى مكان مناسب لها لطالما سهر على تنظيمه، لتعيش الزهرة في كنفه حتى يفارق الحياة.. لم يرد أبدا أن يستخدم عطرها، أو أن يقتلع جذورها للأبد، أو تجفيفها ووضعها في متحف كما يفعل بقية العلماء ومروجو العطور.. كل ما أراده هو أن تظل بجانبه ويأنس بها ما تبقى من عمره..

                      جذب الوردة برفق فأبت التحرك معه فأعاد الكرة ولم تفلح محاولاته.. شدها مرة أخرى فقطف جزء منها عن طريق الخطأ، ويا ليته لم يفعل، فقد أحس بقلبه يتفطر حزنا على ذلك الجزء، وكأنه اقتطع جزءا من جسده.. وبرزت تلكم الأشواك التي لم تكن في الحسبان ووخزت ذلك العالم في يديه.. إنها طريقة حماية لم يكن يتوقعها، ولم يقرأها قط في أي كتاب بأنها من صفات تلكم الزهرة.. كانت تساوره الشكوك والآلام، إن كان يتوجب عليه ارتداء قفازه المتين هذه المرة وإعادة الكرّة..

                      لكنه اختار عدم ارتداء القفاز وحاول السحب مجددا وازدادت معه كل آلامه، وفي كل الم هنالك الم في داخله وخوف من أن يكرر قطع جزء منها.. ولم تكن تلك نهاية القصة.. فقد وُجد ذلك العالم مغشيا عليه على سفح ذلك الجبل وعلى يديه أثار تلكم الأشواك، وجسده متجمد كالثلج بجانب الزهرة.. لم يعلم العالِم المسكين أن أشواك تلكم الزهرة كانت مسمومة، وان سمّها كان قد انتشر في أنحاءها لوجودها في تلك المنطقة التي لم يكن لها أن تعيش هناك..

                      رفعت يدي وأنا أتساءل كالمجنون عن مصير العالِم ومصير تلكم النبتة، وهل عاش أم مات؟.. لكن المدرس نظر إلي وفي عينيه حيرة كحيرتي، فهو أيضا لم يعرف نهاية تلك القصة.. ورن جرس نهاية الحصة وطُلب من الطلاب الانصراف إلى منازلهم، وألا ينسوا رسم تلكم الزهرة كواجب مدرسي، وودعنا بابتسامة..

                      وها أنا ذا بعد سنواتي الدراسية لا زلت انظر إلى الآن إلى صورة الزهرة التي رسمتها على كراستي، واسأل نفسي عن نهاية ذلك العالم وتلك الزهرة وهل سأجدها يوما ما ..

                      تمت ..

                      تعليق

                      • إسماعيل ابوبكر
                        كاتب مسجل
                        • Mar 2010
                        • 5

                        #26
                        القصة التي ارغب في المشاركة بها:

                        إجابة العم رمزي..

                        إسماعيل ابوبكر

                        بالتوفيق للجميع

                        تعليق

                        • عبير الشاوي
                          كاتب مسجل
                          • Mar 2010
                          • 2

                          #27
                          قصص قصيرة جداً

                          السلام عليكم
                          هده القصص التي اود المشاركه بها في المسابقة

                          1. الأحشاء تبكي
                          وهو وسط النار
                          غارق في دموعه
                          يصرخ:
                          انقدوني سأغرق

                          2. وباء
                          يبحث بين الكتب ، يحضر عقاراً للوباء..
                          يرفع رأسه الضخم، ينتشر الجهل.

                          3. تسمم
                          نشر روايته الأخيرة
                          مات ..مات أفراد عائلته.. مات جيرانه و القرى المجاورة
                          أشارت التقارير الطبية أن سبب الوفاة تسمم حاد

                          4. فراسة
                          تزوجت من عاق لمن حوله..
                          تتفرس ملامحه..
                          تحسست بطنها المنتفخة.. بقرت بطنها.! رمت جنينها و صلت ركعتين.

                          5.قرار
                          قرر أن يصبح رجل..
                          أشتري شارب و ذقن
                          أخبر أباه عن رغبته في الزواجمن أجمل بنت
                          جلس أمامها يحرك سبحته .. ينتظر الإحساس بالرجولة.

                          6. أمام المرآة
                          ينظر في المرآة ُيردد " قزم"..
                          أخذ جرعة زائدة من هرمون النمو..
                          ينظر في المرآة ُيردد " قزم في صورة عملاق "..




                          السيرة الذاتية



                          الاسم: عبير محمد الشاوي
                          محلالميلاد:الاحساء
                          التعليم:ماجستير صيدلة سريرية
                          الإصدارات: كتابان باللغةالانجليزية تم طباعة الكتاب الأول بعنوان أقصي جرعات الأدوية للبالغين
                          (Maximum Dose for adult)
                          و الكتاب الثاني تحت الطبع بعنوان
                          (monographs on dosageof essential drugs in hospitals)
                          قصة أطفال بعنوان رحلة قمور
                          الاهتمامات: القراءة و المطالعة
                          الاهتمام ببرامج الكمبيوتر و لغة الإشارة ,تثقيف المجتمع عن الأدوية والاستخدام الأمثل للدواء
                          الاهتماماتالبحثية:
                          الحصول على درجة الدكتوراه في قسم الصيدلةوالإدارة

                          تعليق

                          • طارق شفيق حقي
                            المدير العام
                            • Dec 2003
                            • 11929

                            #28
                            الأخت الكريمة عبير الشاوي

                            نقبل القصص التي أرسلت كمشاركة واحدة
                            حيث شرط القصة القصيرة جدا أن يتقدم القاص ب 5 أعمال
                            ويمكنه إرسال قصتين قصيرتين تكملة للشروط
                            أو 10 قصص قصيرة جداً أخرى
                            التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي; 03-13-2010, 01:27 AM.

                            تعليق

                            • تركي ناصر الحربي
                              كاتب مسجل
                              • Oct 2008
                              • 10
                              • Romeo

                              #29



                              لقـــاء السحــــاب




                              ذات ليل دثرني بعباءته الحزينة ليغزو الظلام مشاعل مدينتي المطوقة بمرتزقة الفراق , ولتتيه قوافل الشوق في بيداء الفقد تعصف بها رمال التنائي.
                              في زمهرير الوجع ,استوقدت ناراً من لهيب زفراتي , علــّي أفزع تساؤلات الصقيع وأُخيـــف بها رؤوس الوحشة المتجهمة حولي , فأنجم السماء أمسكت عن الهدايـــة والقمر حُفـــرت له كوة من عدم ليسقط فيها.
                              مكثت ردحاً من زمن الضعف ابتلعُ عروق نبتة مسكنة لأزيز الذكرى المتناثرة دماملها على صفحة القلب ولما أشفى بعد.
                              ما عاد يجدي ضّرس أشواك الملح وحتى ينابيع الجبل ضيعتها غيوم الحزن فتقطعت عروق الجريان.
                              لينبلج في هزيع الليل عامود نوراني تحفه أصداء صوت أوقظ َ الروح..!!
                              تناهى الصوت أكثر فـأكثر مردداً
                              (أود رؤيتك قبيل سفرك ....هــلم إلــّـيَ أرجوك!)
                              كفرحة الأسير بتحريره استنطقت جوارحي لتصدع بالقبول.
                              توكأت على منسأة الحلم الأجمل ميماً قبـــلة الهيــــام للذة الموعد , مطهراًً من طريقي قبائل الشك البربرية حائلاً بنحري رؤوس حرابها المتوثبة عن يقين اللقاء .
                              فما أسقطه بروعي عن أنباء آياته الكبرى عصمني من غياهب صدع حفرته معاول السراب .
                              هاهو القدر أخيراً يجلب مقعد النجاة فوق ركام سحابة ستقلني الجانب الغربي من أفاق الهداية لجنان العشق.
                              امتطينا و روح الوله أخر راحلة لـــّدي _ مزن الغرام_ من حسن حظي لم تنفق كمثيلاتها عطشى لــ أنجلاء العذاب , ممتثلاً لدعوة تمنحني فرصة البعث لأطياف الوجد النافض عنه رماد بيات الجمود.
                              قبيل الميقات المعلوم في يوم التجسد الكبير حُوصرت بدوامة الأفكار وحلت بروحي الهشة زلازل الحيرة , إذ ستبصرها عيني بعد انقشاع حجب التخيل وانسدال ستــر التشبيه
                              كيف سأبدو لمن بادلني العطـــاء ولم نبرز حقاً حتى في أصدق أحلامــــنا.
                              أو سنصدم بيقين الرؤيــــــا وإنعتاقنا من مجهر أوغل في تصوير أيقونـــات لربما ستُــفجع من حقيقة أصول قشورها .!!
                              والسؤال المحال ... هل سنوفق......؟
                              استكت أوداج العشق ولبست حـــلة الربيع وغمست روحي في عطــــر زنابق البراري حتى فـــــــــر مني الوقت سريعـــاً ولمـــا أعقد العــزم على اختيار أضحية الرؤيـــــا العظيمـــة .ربما أعددت نفسي لتكون كذلك.
                              هززتُ منسئتي فاستحالت قلمـــاً سطّــــرَ ملاحم فؤادي مخضبة بماء الروح مسومــة بأوجاع المغيب ,ثم قطفتُ من حدائق اللهفة وروداً يقطر شوقــــــاً شـــذاهـــا .في غمرة انشغالي جاءني صوتها من بعيد
                              _( هل وصلت من مهاجرك ؟)
                              قلت مرتبكاً ( أنني قريب جداً أحانت ساعة اللقاء؟)
                              _(نعم , أني أنتظرك في الدور الثاني من البناية الزجاجية
                              ستجدني عند أول منضدة على اليمين )
                              ( حسنــــاً)
                              ويــــلي لم أفرغ بعـــــــــــــد!

                              ***



                              في البقعة المباركة صوبت بصري لشاهق الملاذ الأخير تحيطه هالات النور. هاأنذا على مرمى خطوات من تعديل مسار كيــــــــاني وإعادة رســـم خطــــى أفـــــلاكي بعيد ما سامتني مدائن الرماد سوء العذاب .
                              على بعد كبسة ( زر) انزلقت أمامي لجـــــــة إضــــــــاءات خافتــــة تتهادى في جوف ممر طويـــــــــل ترتمي على جنباته منضدات بيضـــــــــاء. بالكاد تحملني قدماي وأنا القابض على ( بوكيه الورد) يتفصد جبيني عرقاً قبل لحظة النشوة.
                              _(من هنـــــــــــا)
                              فجأة انداحت موسيقى نــــاعمة تسكبها أوتار قيثارة ديــــانا الأوليمبوس لأجد ضالتي المنشودة تعتمر وشاحها الأسود المطرز بالنجوم , تخبئ عينيها خلف نظارات سوداء, تجلس بركنها الركين .
                              صافحتني قائلة ( وأخيـــــــــــــراً. حمدلله على سلامتك)
                              أطبقت على يديها وأنــــا مســـافر في وجهها تضربني صواعق الدهشة! حتى نطـــق ( بوكيه الورد) بأن لــــــــــه علــــي حــــــــق التقديــــم.
                              جلسنــــــــــــا والصمــــــت عقد على ألسنتنا مستبدلها بحـــواريات الأعين بعدما أزاحت نظارتها جانب كأس العصير الاستوائي.
                              ( ممممممم ... تفضل أشرب العصير) بحياء يقطر
                              ( هـــا ؟ أي عصير؟أوووه شكراً)
                              ربـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاه. ....ماهذا؟
                              يـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا ألهـــي أحقاً ما أرى؟
                              لوجهها قدرة على إعادة توقيت الزمن.... ولعينيها القوة في تجميده!
                              وجنتيها المكتنزة قليلاً تجري من تحتها أنهار من دم وردي , والأنف الأقني يتعالى بشموخ الأنثــــى.
                              شفتيها تفرج عن صفوف من اللآلئ تغتسل دوما في بحر لجي من الشهد المصفى.
                              يخرج من بينها صوت ملائكي رخيم يضفي على الصورة ألق حورية بحر ساحرة.
                              ماذا عن شعرها.... حتى ملحمة هــوميروس لا تقارع طوله . خروبي اللون يضوع منه رائحة اللافندر
                              رباه... ربـــــــــاه رحمــــــــــــــاك!!!
                              بذكائها لمحت ضياعي فحاولت إنقاذي من دوائر ذهولي .
                              ( عساك ما تعبت بالسفر؟)
                              ( ......................)
                              ( مممم كـــم يوم بتجلس قبل سفرتك للخارج؟)
                              ( ......................)
                              ( بربك هل أنت بخير؟)
                              ( أنا؟ أجل أجل )
                              ( رح توحشني كثير )
                              ( وأنتي أكثر)
                              ( أ حبــــــــــك جداً) قالتها وتعللت بانهزام الوقت المصلوب من أجلنا في صومعة الوله...
                              ( أذن لـــــــــي حبيبي بالمغادرة , بودي المكوث لكن.... تعرف)
                              ( لا عليــــــــــــــــك , سعدت برؤيتك )
                              ***
                              ذهبت تتهادى خطانا وكل منا يلتفت عقب كل مــــــــــتر يفصلنا أكثر وهانحن نغرق بطود الفراق مجدداً.
                              خرجت مسرعاً ولم أعقب , أحمل قلبها بين جناحي , أسلكه في روحي لتتوهج بيضاء من دون مرض , أتلقف ألواح العشـــــــــــق بشرائع سأنسخ بها عقيدة اليأس والموت وستنبجس من قلبي أثنتا عشر عيناً لكل أسباط الاشتياق .
                              وداعـــــــــــــــاً مهوى الفؤاد مسطورة كتبتها فوق جوانح السلوى.......

                              انتهـــى


                              بقلم تركي ناصرالحربي



                              تعليق

                              • ابومحمدالسوداني
                                كاتب مسجل
                                • Mar 2008
                                • 44

                                #30
                                قصة قصيرة
                                عبدالرضا صالح




                                القادم من المنفى



                                مثلما تاتي الطيور المهاجرة ، السابحة في ظلمة الليل وسكونه 00لتستقر في واحات الدفء والأمان 00تجد مكامنها في الفجر السافر بين ألأعشاب وأعواد القصب والبردي 0
                                يفاجئك الصباح بكل جديد 00بكل غريب , وفي احضان ألأهل والأحبة بعد عناء الغربة وكلل الترحال 00تضع رحالها 0
                                الفجر ياتي 0، ويأتي نكرة 00يحمل انباء00بعضها أتراحا وأخرى مسرات 00انه ياتي من المجهول 00من خلف ألأسوار ونهايات العالم السحيق 00لم يكن في الحسبان 00يفاجئك بالحضور 0
                                الخروج في الصباح الباكر 00الى طرقات المدينة الناعسة ، وأطيافها الحالمة 00تنبئك بمفاجئات00لم تكن في يوم على البال00
                                أعمدة النور الغافية تواً ، ومناقل الشاي التي بدأ دخانها يتصاعد ، ورشقات الماء من صانع المقهى لترطيب الجادة ، وعلى الرصيف شيخ ملتحف بالسواد 00راسه الحاسر ،وشعره ألأبيض الذي يشبه نتف القطن ، وحاجباه الراقدتان على جفنيه لتستريح من تعب الغربة ، وتضاريس وجهه تعلمك بان الدهر قد ترك بصماته بوضوح0
                                - مددت يدي في جيبي لأستخرج قطعة نقود –حسبته محتاج – وقبل ان اخرج القطعة اشار لي بالرفض 00وضع يده على صدره واشار لي بسبابته الى السماء 00عرفت انه محتاج لله لا لغيره 00نظرت في وجهه00تمليت فيه 00لاح لي وميض من بريق عينيه00اني اعرفه لاشك في ذلك 00مضيت الى عملي وانا افكر فيه 0
                                - انني اعرفه 00نعم انه قابع في زاوية من زوايا الذاكرة 00في ركن مجهول من اركانها 00حفزتها لكني لم افلح 00قلت لعلي على خطأ ، اوشبه لي 0
                                عدت الى البيت منهكاً بعد انهاء عملي 00جلست على اريكة الخشب القديمة ، خلعت حذائي واستلقيت عليها وانا سارح افكر برجل الرصيف 0
                                - قالت امي : اراك متعباً , هائما هذا اليوم !
                                - قلت : نعم 00اني احاول ان اتذكر ذلك الرجل الجالس على الرصيف 0
                                - قالت : لعلك تقصد ( العم نعمة ) ؟ 00 لقد عاد !
                                - العم نعمة !!
                                - العم نعمة !!
                                فترة من الصمت 00ثم بدات ذاكرتي تنشط 00تخرج ما اكتنزته في السنين القاحلة00 من وجهه الممتلئ بالدم ، ونظراته الحادة ، وضحكته المدوية التي كانت تملأ الشارع 0
                                وانا صغير كنت امر امام محله وهو واقف في الحفرة المربعة ، والى جانبه الكورة الحجرية ، ومنفاخ الجلد ( الكير ) ومن خلفه كومة الحديد ، وامامه كتلة ضخمة من الحديد يدعونها ( السندان ) ، ويقف امامه ابنه الذي كان يخلع قميصه اثناءالعمل فتظهر عضلاته المفتولة 0
                                كنت اتسلى حينما انظر اليه وهو يدس حفنة من الفحم الحجري في الكورة المشتعلة ثم يداعبها بدفقات من الهواء الذي ينفثه منفاخ الجلد ( الكير ) وهو يضغط فيه ؛ ثم يدس قطعا صغيرة من الحديد في الكورة 00يخرج واحدة منها وهي تتلظى ، صفراء تتوهج ، تكاد تضيء المكان 00يضعها على السندان ، ويبدآن الضرب عليها بصورة متتالية ، كأنه إيقاع منظم ، ثم يعيدها في الكورة ويخرج غيرها ، وبين الحين والآخر يأخذ استراحة قصيرة ليحتسي قدح الشاي الذي كان ينتظره 0
                                سمعت الكثير عن ابنه البكر , ذلك البطل الذي كنت أتصوره وكأنه عملاق أسطوري ، عرفت عن بطولاته الكثير ، لقد قضى معظم حياته في السجون ليس لشئ سوى انه (من المعارضة )0
                                في المساء كان يجتمع عنده عدد من الفلاحين من المزارع القريبة ومن بينهم ابي يشترون المناجل ، وسكاكين التكريب ، والفدادين ، وكانوا يتبادلون الأحاديث والقصص الشعبية ، ويضحكون 0
                                أغلق دكان العم نعمة ، ولم اكن اعرف سبب ذلك 00بقيت أراقبه ايام طويلة وهو مغلق وهكذا بقي حتى غاب في عالم النسيان ورقد بين طيات الذاكرة 0
                                في اليوم التالي ،وجدته كما كان في ألأمس جالسا على الرصيف0
                                سلمت عليه وسألته :
                                هل تعرفني يا عم ؟ رفع رأسه ونظر في عيني وقال :
                                لا00من تكون ؟
                                قلت انا احمد ، وابي ( العراف ) 0
                                استبشر الرجل وقال :
                                رحم الله اباك كان صديقي ، وانا اول ما وضعت قدمي على ارض الوطن ، سالت عنه 0
                                بادرته : واين كنت يا عم ؟
                                قال : خمس وعشرون سنة في المنفى 00غائبون عن ألأهل ولأحبه 00كانوا يخافون من افكارنا ان تفسد الناس !!
                                - وماذا ستفعل ألان ؟
                                - سأفتح محلي واعمل فيه 0
                                - حقاً !! أولك قوة على ذلك ؟ !
                                - نعم00ولدي وأحفادي 0
                                - آه ومن سيشتري منك ؟
                                - أصدقائي القدامى 0
                                - كلهم ماتوا0
                                - حتى أبنائهم وأحفادهم ؟
                                غمرتني نشوة من الفرح والأمل الآتي وأنا أودعه

                                قصة قصيرة

                                عبدالرضا صالح






                                أطياف المــوتى


                                انه00لا يخيفه الموت ان أتى مرة، قد يكون الموت بلسماَ 00تكرار هو الذي يخيف 0
                                والعاصفة عندما تمر واحدة لا تدمر 00قد تمر برعونة فتستقطب ما خلفها ،ولكن تعددها يعني 00الدمار 00الخراب
                                انها قتلته مرات بعد رحيلها الأخير أقبلت كقبسه ضوء 00زهرة طافية 00اقبلت وتوارت كحــلم ضبابي دافئ في ثنايا ذاكرته الخرقة 0
                                ليس هناك أدنى شئ ينسيه احباطاته سوى التأسي بأوراقه القديمة وقصاصاته المتعفنة / المتناثرة في زوايا غرفته الصدئة ليحصل على تميمة يطفئ بها شغفه0
                                يقتفي أثرها على هاوية النهر الساكن ومائه الآسن 00يلقي حجرا فيخط النهر دوائر صغيرة ، تتوالد وتتسع شيئا فشئ وهو ينظر إليها 00يتأملها 00يرى وجهها الدائري فيها 00يكبر الوجه كلما كبرت الدوائر ، ثم يختفي باختفائها0
                                وفي المساء كانت تاتي مع النسيم ، تمد يدها ، تمس قميصه الذي تلاعبه نسمات الهواء البنفسجية 00يحاول احتوائها لكنها تمضي مسرعة ًلتتلاشى خلف الظلام 00 خلف الأسوار0
                                في المحطة - محطة التيه الممل - ينتظر سنين ضوئية لا يعرف مداها المحبط 00نثات من المطر00تخفي الرؤيا تجعلها بلون رمادي قاتم وهو ينظر الى نهاية السكة في نقطة التلاشي من تحت المظلة 0
                                انه قادم00يتوهم
                                أشباح تظهر وتختفي مع اختفاء السكة في هاوية الضباب خلف التلال
                                - واحدة منها هي00قد يكون ذلك 00ولم لا ؟
                                - نعم أنها هناك 00غير إنها تذوب مع نثات المطر والرمل المتطاير و أوراق الشجر ودخان القطار0
                                - انه قادم 00ارى لهاثه المنهك يتطاير مع الريح
                                - انه قادم 00يحمل زهرتي في احد المقاعد قرب النافذة 00تنظر الى النوارس اللاعبة ، وأعمدة النور والمارة ومساحات المزارع الشاسعة
                                - انه يقترب 00يقترب 00يقف
                                يقف متعبا ً، يلفظ أنفاسه 00يمسح العرق عن جبينه من عناء المسافات البعيدة ، يتعالى الصياح والضجيج وأصوات الباعة 00ببسي بارد00سندويتش00سكاير,سكاير00جرائدمجلات00مئات من الوجوه تترجل ، حاملة أفراحها وأحزانها ، ولكن الجميع متساوون في لحظة اللقاء 00كل الوجوه تتشابه الا هي فقط طليت عينيها بلون العشب 0
                                تلك هي!!
                                يهرع إليها , لكنها تضيع في الزحمة كبلورة سكر في قدح شاي 0
                                عاد متعبا يلملم خيبته ، ويجر حظه ، خرج منذ انفلاق الفجر 00 لم يحتس شيئا، والطريق إلى البيت يمتد بعيدا ً ، ولا بد من الوصول في الزقاق تراءى له صبية يلعبون لعبهم الساذجة وصفقاتهم المختلة وأهازيج عبثية 00لا يدركها0
                                وقبل ان يلج البيت سمع من خلفه صريرا ً 00لم يشك لحظة ً انه بابها ، تنتظره كما اعتادت 00 يلتفت إليها 00 يراها ، هي كما هي ، بلونها البرونزي ، وبهجتها الطافحة ، تلوح له – ولكن هذه المرة – بإصبعها المطوق بحلقة – حلقة الموت – موته المتعدد0
                                قصة قصيرة
                                عبدالرضا صالح




                                ســخط الرذيــلة


                                ( الفضيلة ) : وعاء صفته النقاء , وانبعاث في نبوءات الخير , وسفر نحو الخلود 00 ترقى الى المقامات العالية , وتتنزه من براثن ألآثام 0 نقيضها هاوية في العوالم السفلية , وخوض في وحول الخطايا , وسقوط في شباك ( الرذيلة ) 0
                                منذ زمن طويل وهي تأتي بثيابها الرثة , ووجهها الحالك وعينيها الغائرتين 00 تجلس على حافة الشاطئ قرب القمامة 00 تجلب معها وعاء فارغا فيه قليل من الماء00 تهذي بكلام لا يفقهه الناس 00 تنتظر وليدها يخرج من النهر الذي لفظه00 تضمه إليها وتعود به إلى البيت0
                                كانت على قدر كبير من الجمال 00تمتلك من الحسن ما لم تمتلك غيرها 00 تتغزل بها النساء قبل الرجال00 ممشوقة القامة 00 باسقة 00 مضيئة الوجه 0 الكل يحب ان يراها ويتمتع بحسنها 0 وهي على هذا الوصف تتصف بالحشمة والرزانة مما زادها تألقا . لم يشاهدوا عليها يوما خلة 0 رفضت كل من تقدم لخطبتها 00 من أشراف المدينة وتجارها ووجهائها 0 حتى انقطعوا عنها ووصفوها ( بالمتعففة )0
                                تبنت ابن أختها وأشرفت على تربيته حتى كبر وأصبح صبيا 00 لم تشأ ان ترسله للمدرسة كأقرانه , ولم تدعه يخرج الى الشارع كي يلعب مع الصبيان , حتى صار بدين مترهل لا يعرف غيرها 00 تحبه وتدلله وتكنيه ب ( الدمية ) 0
                                ليلة ظلماء , فيها من الغيوم ما يشبه الدخان , والبرد شديد , والريح عاصفة 00 طائف يجتاح الدار , وشبح يجوب البيت 00 رائحته نتنة وشعره أشعث وثيابه وسخة 00 اعتلى سريرها 00 تغشاها وهي ساكنة لا تمانع ولا تتحرك0
                                تكرر الموقف مرات 0
                                رأى الدمية ذلك ,لكنه لم يصدق عينيه وحواسه في البدء 00 تراءى له انه حلم 00كابوس 00 لكنه وبعد أيام تكرر ذلك المشهد 0
                                كانت الصدمة كبيرة على نفسه وهو يراها وهي تخرج خلفه وتقبل يده , وتهمس له أن لا يتأخر 00 في المرة ألأخيرة خرج خلفه ولم يرجع إلا عند الفجر 0
                                بعد ايام شوهد الرجل قتيلا في قمامة المدينة قرب الشاطئ 0
                                ساءت حالة الصبي وقطع علاقته بها , ولم يعد يكلمها 0
                                حاولت إرضاءه 00
                                - لقد اشتريت لعبتك التي تحبها
                                - لا حاجة لي بها 0
                                - تعال 00 تعال انظر اليها كم هي جميلة 0
                                - قلت لا أريدها 0
                                - وهذه تفاحتك التي تحبها 0
                                ليس بي شهية 0
                                اخذ يخرج من البيت ولا يعود الا متأخرا ويسلك سلوكا شاذا 0
                                خرج ( الدمية ) يوما , وتوجه الى النهر 00 وبقرب القمامة وقف على الشاطئ وهو يهمهم ويقول : أنها تقر فني 00انها تخيفني 00 اني اكرهها 00 سأحطمها 00 سأنتقم منها , ثم مزق ثيابه وبدا عاريا ثم تقدم نحو النهر 00 وضع قدميه في الشاطئ ولما لامسها الماء صاح : اه يا للراحة 00 اخذ يتقدم في أعماق النهر وهو يردد : لقد بدأت ارتاح 00 ارتاح 00 وصل الماء الى رقبته 00
                                - اني الآن ارتاح 00 ارتااااااح0
                                - لفظه النهر بين طياته 00واغشاه وانقطع خبره0

                                تعليق

                                يعمل...