|
ـ هــــل ستمضي وتتركني أواجـــه محنة الهجــر ...
لم أعـــــد أقوى على المضي قدما .. أخبــــارك انقطعت وأسرارك مزقت كبدي ..لم أعـــد أبـارح نافذتي التــي تعبت مني وعيناي توغـــــــــــــلان في الأفق تنتظـر ظلك .
آه ..
سئمت تكاليف الحياة ..
و آه ..
فلم يبقى إلا صورة اللحم والدم ..
لقد أصبحت سجينة أحلامي المصادرة، و سجينــة حسـرتي على عمري الذي يمضي ويذبل ..سجينـــة أحلام الصغيرة بشــــرى التي لم تعرف وجهها الملائكي ولم تكتحل عيناك بملامحـه .
بشـــرى تفتقد للطمأنينة والسكينــة ..تفتقـد إلى الهمسات الحنونة واللمسات الوديعة ..تفتقــد إلى كلمة بابا التي تسرقها من أفواه زميلاتها في المدرسة ..تؤلمها في اليوم ألف مرة ..سائلة :
ـ لماذا أبي لم يعد بعد؟
ـ ألم يعـد يشتاق إلينا ؟
ـ هل يعلم أنني ولدت بعد غيابه ؟
إذن لماذا لم يعد، وهل أنا ابنتــه فعلا؟
آه ..
آه يا بنيتي أخشى من قول الحقيقة التي تلوح خيوطها في الأفق .. أخشى أن أكون قد ظلمتك وظلمت نفسي معه طوال هذا العمر .
الحقيقـــة المرة التي أرسلها لي بين طيات ورقة بيضاء .. ذات ليلة ماطرة ..لم تهجع فيها العاصفــــة ولم تهدأ فيها الريح المأمورة .. فتهزني رعشاتي من شدة البرد .. برد الليلة الظلماء .. برد الحقيقة التي أفزعـــــــت خاطـــــــري وشتت حياتي كلها .
الحقيقـــــــة التي تلونــت كالحربـــــاء بألف لـون ولـــون، هي اليوم تشهد على وحـــدتي وألمـــي وغصتــي ..
الحقيقــــــــة التي تقول أننــي ..........
ـ
وارتجفت الطفلة كزهرة نوار سقطت في براثن العاصفة الهوجاء ،
وقد فقدت جذعها القويّ الذي كان يحملها ويحميها .. وارتمت بأعماق
حضن الأم المرتعشة التي جهدت في خنق أنفاس عبراتها الملتهبة .
في ذلك الظلام الدامس البهيم ، كان الأسود المخيف ذي الأنياب الحادة
والمخالب الجارحة ، يجرجر الأب المخطوف كفريسة ثمينة ، صيدت
بعد ترصّد طويل ، وذبحت على النُصب ، وتناثر لحمها الحيّ فوق خارطة
الطريق الملعونة .
ايهاب هديب
كانت المسافة التي تفصلها عن جرة الماء ليست بعيدة ، لكن الظلمة والخوف والوحدة والأجواء المعتمة ، التي تولدت بسبب الحلم المفزع ، الذي اجتاح وليدتها ، جعلها في حالة نفسية متردية ، وبعث فيها القلق والتوتر.. وبالكاد رفعت طفلتها ، مشجعة نفسها لبلوغ الجرة .. وبيد مرتعشة سكبت قليلا من الماء في كفها ، رشقت بها وجه ابنتها وروتها منه ، وفعلت هي الأخرى .
عادت الى سريرها ووضعتها الى جانبها وهي تهمس لها : لا تخافي يا مريم ، إنها أحلام عابرة ، لقد تنادى الى مسمعي : أن الغيمة السوداء ستنقشع ، و سوف يعود والدك الذي يحبك كثيرا عما قريب ، ويجلب لك لعبك المفضلة ، وعرائسك الضاحكة ، نعم أنا واثقة من ذلك .. سيملأ البيت علينا حبا وحبورا كما عودنا سابقا .
ثم احتضنتها وألقت عليها فيض من حنانها، و قبلتها في جبينها ، و مسحت على رأسها وجسدها الطري ، هدأت الطفلة ، وغطت في نوم عميق ، بينما راحت الأم ساهمة بنظراتها الى ظلمة باحة البيت ، يتراءى لها خطوط الظلمة شبحا طويلا يدنو منها ويقترب ، ولكنه سرعان ما يختفي عبر جدران البيت ،
« سيرة ذاتية تخييلية مشتركة بين أهل المربد ... | الأَوَانُ » |