8- موت الحداثة وبؤس علي إسبر
السؤال هل كانت حداثة المقلدين هي حداثة الغرب؟
- مشكلة الحداثة العربية تبدأ من ترجمة المصطلح ،يستخدم الدكتور محمد عنانيعوضاً عنها مصطلح المودرنية modernism يقول :" أنا استخدم هذه الكلمة للتفريق بينها وبين الحداثة modernity التي يقتصر معناها على ما هو جديد new أو حديث العهد recent أو معاصر contemporary فالمودرنية ( وهي مصدر صناعي مثل المصدر المستخدمة في الإشارة إلى المذاهب الفنية المتعددة) لا تتضمن الدلالة على الزمنية فحسب ، بل تتعدى ذلك إلى خصائص حركة فكرية وفنية معاً إذ لم تقتصر على الفنون التشكيلية والأدب بل كانت تعبيراً عن روح العصر كله." ص142 قضايا الأدب الحديث – محمد عناني
ثم يتجاوز الموضوع مشكلة المصطلح ويصل للدلالة ،وينتقد الدكتور محمد عناني الكاتب جابر عصفور الذي شوه ترجمة المصطلح وأعطى للحداثة دلالات لا تتصل بذلك المفهوم الغربي بل تنصرف إلى بعض الدلالات الاجتماعية والنفسية والسياسية ، وربطها بالوعي والوعي البديل، أي إنه يربطها بالأصول والجذور والدوافع لا بالظواهر والملامح.
وهكذا تداخلت مفاهيم الحداثة وتعقيداتها ناهيك أنها معقدة التشكيل ، وصار كل ناقد يضيف لها مفهومه الخاصة ، فصارت الحداثة شكلاً من أشكال الأساطير والخرافات إنما هذه المرة في لا وعي نقادها ومترجميها.
ما بعد الحداثة
يقول المفكر عبد الوهاب المسيري رحمة الله عليه: إن كلمة " ما بعد " تعني"موت " في الفلسفة الغربية ، بمعنى أن ما بعد الحداثة يعني مرحلة موت الحداثة ، لا كما يظن البعض أنها مرحلة متممة.
يقول علي إسبر مؤخراً عن قصيدة النثر أنها مجرد فقاعة، فصار تراث الحداثيين مجرد فقاقيع وحبر أسود لطخ تراثهم.
ماذا صرح في جريدة الوحدة السورية العدد6229 :
س- وماذا عن الحركة الشعرية الحالية?
علي إسبر : - في العالم اليوم ما يسمى ) ما بعد الحداثة ( وهي العودة إلى الوزن والموسيقى والصوت .. فإذا قرأت قصيدة بصوت عال فإنها ستختلف عن قراءتها بصمت.
هذا النكوص في فكر الحداثة يعبر عن بؤس الحداثة ، بينما كان شعراء الحداثة ونقادها يتهمون أوزان القصائد على البحر العربي بأنها قاسية،يقول محمد النويهي الذي يدعو إلى ثورة في شكل القصيدة العربية ومضمونها, نراهلا يتردد في سبيل دعم فكرته في رفض الشكل العمودي الموروث ناظراً إليه نظرة استثقالوتخلف , لا يرقى إليه الذوق ولا تستسيغه الأذن .
- يقول النويهي :"فالبحر العربي المأثور ذوموسيقى حادة بارزة شديدة الجهر عنيفة الوقع على طبلة الأذن عظيمة الدرجة من التكراروالرتوب. وهذه طبيعية ينفر منها ذوقنا الحديث ولم تعد أذننا تحتملها وأصبحنا نراهاشيئاً بدائياً لا يعجب به إلا ذو الأذواق الفجة التي لم تنضج , وصرنا أميل إلى إيقاعأخف وقعاً على الأذن وموسيقىأخف أثرا وأقل بروزاً وحدةً وأحوج إلى الذكاء وإرهافالسمع لالتقطاها وتتبعها " الموقف الأدبي عدد 143
- وكان الناقد يقول بأن الشعر الحديث يقرأ ولا يسمع ، بمعنى ليس على الشاعر إلقاء القصيدة إنما نشرها، وذلك كان من صعوبة وصول الصور الذهنية المستغلقة حين التلقي فكان الحل الهروب للقراءة، وهم اليوم يعودون لقول الشاعر حسان بن ثابت:
تغنّ بالشعر إمّا كنت قائلـــه *** إن الغناء لهذا الشعر مضمــار
وحين كنا نسأل نقاد الحداثة بأننا أهل الاختصاص لا نفهم القصيدة ، كانوا يجيبون عليكم تثقيف أنفسكم أكثر، وعليكم فهم ما بداخل الشاعر، فإذا كان طالب الأدب العربي المختص لا يفهم هذا الشعر فكيف بالإنسان العادي.
الحقيقة كلام النقاد عن التثقيف كان خاطئاً حتى من وجهة نظر الحداثة الغربية، وموضوع ترك الوزن في القصيدة لا يعد شرطاً أساسياً للشاعر الحداثي، لكن المقلد أصر أن يزايد على الحداثة الغربية، لنقرأ البند الثاني من مبادئ الحداثة التي وردت في كتاب" مختارات من الشعر التصويري" عام 1915 :
" 2- خلق أوزان جديدة – أي إيقاعات " موسيقية جديدة تعبر عن حالات نفسية جديدة. كما يجب ألا ننقل الأوزان القديمة إذ إنها لا تعبر عن الأحاسيس القديمة. ونحن لا نصر على استعمال " الشعر الحر" باعتباره الطريقة الوحيدة لكتابة الشعر..." ص 515 من قضايا الأدب الحديث – د محمد عناني
أما ما كان يقال عن التثقيف لنقرأ كلام النقاد ريتشاردز عن الصورة المستغلقة ومثاله الشاعر إليوت :
" وجهت إلى شعر إليوت في العشرينات تهمتان: الأولى هي الإفراط في العقلانية ، والثانية الإفراط في الغموض والتهمة الأولى سببها كما يرى ريجادرز، استخدام الإشارة التضمينية . ففي الأرض اليباب نجد إشارات تضمّنت خمسة وثلاثين كتاباً وكاتباً، أغلبها لا يقع في حدود معرفة وثقافة متوسط القراء، وبست لغات غير انكليزية. أما تهمة الغموض فسببها كما يرى ريجاردز كذلك اعتقاد بعض القراء وحتى بعض النقاد مثل مدلتن مري بأن القارئ مرغم لمحض محاولة الفهم أن يتخذ موقف الشك العقلي ، الذي يجعل توصيل الشعور أمراً مستحيلاً" ص 25 الأرض اليباب– عبد الواحد لؤلؤة.
ومن ناحية ثانية مفهوم الحداثة عن الصورة، لا كونها تحتاج لثقافة تصل لستة لغات حتى تفهمها ، لكن الحقيقة أنالشاعر الحداثي كان يستخدم اللغة والصور المجانية لا لإيصال المعنى ولكن لإخراج الأصوات فحسب وتجميع ظلال المعاني. وستجد في قصيدة أناشيد بيزا للشاعر عزار باوند إشارات ومقبوسات بلغات عديدة مثل الإيطالية والألمانية واللاتينية والصينية واليونانية بل العبرية والعربية، وباوند يستخدم هذه اللغات الأجنبية - التي بعضها مفهوم وبعضها غير مفهوم– ويستخدم عبارات مقطعة يوظفها في شكل تكعيبي بقصد استخدام جرسها وموسيقى الكلمات لا معناها. انظر ص 156 من قضايا الأدب الحديث – محمد عناني
أما عن توظيف الأسطورة:
فصار اليوم كل من يريد أن يدعي الحداثة يتلاعب بكلمات من أساطير مختلفة، بل إنك ترى العديد من الأطروحات أغرقت في الأساطير ،ربما لإدعاء أن هذا الطرح طرح حداثوي.
لنر ماذا تعني الأسطورة في الحداثة الغربية وكيف لم يفهم الحداثويون المقلدون مرامها:
" إذا كان استخدام السلف للأسطورة قد وهب شعرهم بعداً أو أبعاداً زمنية لا شك فيها فإن الأساطير قد أصبحت على مدى الزمن صوراً ثابتة، أي أن قدرة الأسطورة على الإيحاء أصبحت محدودة لأنها جمدت معرفياً، ومن ثم اقتربت من الكليشهات" ص 152 من قضايا الأدب الحديث.
بينما الحداثة الغربية كانت ترمي لوضع الشخصيات الأسطورية في المواقف الحديثة أي الدمج بين الزمنين .
وبذلك يمكننا إخراج طوابير طويلة من أدعياء الحداثة من مسمى الحداثة ، بل ربما كانوا بتوظيفهم الأساطير ينتمون لسلف الكلاسيكيين .
وأنا لا أنتقد الكلاسيكية بل أنتقد من عاب على الآخرين التقليد ووقع في ما هو أبشع منه ؛ سوء الفهم.
بل إنني اليوم أعطي لكلمة" تقليد" قيمة جمالية كأحد المذهب من مذاهب الأدب المعاصر، وإننا لو تبصرنا فإن كل شيء تقليدي في حياتنا يأخذ مكانة مرموقة كالبيت الشامي التقليدي.
لكن مشكلة الحداثة أنها تحولت لعصابة أدبية منفرة لا تقبل النقد كما هو حال علي إسبر،يقول الدكتور عبد الله الغذامي بأن علي إسبر يمثل الرجعية بصيغة الحداثة، وأنه صار أبا لمجموعة من المريدين والأتباع الذين لا يقبلون بأي نقد يوجه إليه، وأن ذلك نوع من العبودية والتصنيم الثقافي، الذي ينتج في النهاية أشخاصاً ديكتاتوريين وطغاة.
الاتجاه الميتافيزيقي وشذوذ التوجه ( الفن للفن)
- ينتقد الكاتب امطانيوس ميخائيل الاتجاه الميتافيزيقيوالوجودي والفني ( الفن للفن ) الذي تبنته مجلة شعر اللبنانية وتعملق على يدها شعراءمثل أدونيس ويوسف الخال وأنس الحاج وشوقي أبو شقرا ويؤكد على شذوذ التوجه الذي غاصفي اللامعقول وفي طيات المجهول هرباً من الواقع وما النتائج التي وصل إليها إلى دليلعلى شذوذه يقول " وكثيرا ما اصطدمت تجارب أولئك الشعراء بالمطلق ......"
ومن هؤلاء الشعراء توفيق حايقويوسف الخال الذي وضعوا الحرية مقابل المطلق فأصبحوا عبيدا ً لكلمة اسمها الحريةفرغت من معناها وتحولت إلى معنى مناقض لها تماما ً.(دراسات في الشعر العربي الحديث وهي دراسة وفق المنهج النقدي الديالكتيكي)
نشأة الحداثة
إذا تتبعنا جذور الحداثة سنعيدها إلى العقد الأخير من القرن التاسع عشر – وبعض الكتب يحدد تاريخها من 1890-1930 مثل برادبري وماكفارلين.
يرجع بعض المفكرين نشأة الحداثة الأدبية للشاعر اليهودي عزرا باوند صاحب المذهب التصويري -أستاذ الشاعر إليوت- ، لكن بعضهم يرجعها في الميدان الفلسفي إلىالفيسلوف كنتKant،وبالرغم من أن بعض الباحثين المسلمين قد تمكنوا من إثبات تورّط "أبو الفلسفةالحديثة" في سرقة منهجه المذكور من منهج الإمام الغزالي الذي سبقه بخمسة قرون، ولعلأشهرهم الدكتور محمود حمدي زقزوق في كتابه "المنهج الفلسفي بين الغزالي وديكارت"،والدكتور نجيب محمد البهبيتي في كتابه "المدخل إلى دراسة التاريخ والأدب العربيين"،وكذلك المفاجأة التي أطلقها الباحث التونسي الراحل عثمان الكعاك في الملتقى العاشرللفكر الإسلامي في مدينة عنتابة بالجزائر (1976) وهي عثوره على ترجمة لكتاب المنقذمن الضلال للإمام الغزالي في مكتبة ديكارت الخاصة بمتحفه في باريس، وفي إحدىصفحاتها إشارة بالخط الأحمر وضعها ديكارت بنفسه تحت عبارة الغزالي الشهيرة "الشكأولى مراتب اليقين" وحشّى عليها بعبارة "تنقل إلى منهجنا".
أخيراً من أين جاءت كلمة فلسفة:
تذكر كتب الفلسفة المتداولة في الشرق : الفلسفة كلمة يونانية الأصل ومركبة من مقطعين : فيلو أيمحب وسوفيا : الحكمة .
لكن الفيلسوف الألماني Immanuel Kant يقول حرفياً : “كلمة فلسفة Philosophia مصطلح فينيقي وتفلسف الفينيقيون والمصريون وبقية المشرق في عهد كان فيهاليونانيون يأكلون أشجار السنديان بأرض لم يطرأ عليها تعديل أو تغيير في تكوينها “.18
أخيراً أعتقد أن الفلسفة قد خربت الشعر،وربما نحن بحاجة قوية لتعلم الفلسفة حتى نتخلص منها .
درس علي إسبر الفلسفة في الجامعة اليسوعية
وكان عزرا باوند وصل للدكتوارة في الفلسفة
وكان ت س إليوت كذلك قد حاز على الدكتوارة في الفلسفة
نكوص إليوت:
" في عام 1964 وقبل وفاة إليوت بعام نشرت أطروحته ( المعرفة والخبرة) وقال في مقدمتها " بعد مرور ستة وأربعين عاماً على دراستي الفلسفة الأكاديمية ، لا أجد نفسي قادراً على التفكير بمصطلحات هذه الدراسة، وفي الواقع إنني لا أستطيع التظاهر بأني أفهمها" ص 19 الأرض اليباب
أخيراً من المسؤول عن تخريب الذائقة الجمالية لدى شعراء الحداثة العرب لأكثر من خمسين سنة، ومن المسؤول عن خطف الشعر العربي كل هذه المدة وحجبه عن تطوره الطبيعي ليواكب قضايا عصره وأدواته الفنية المتجددة،من المسؤول عن تصنيمهم في الإعلام واقتصاره عليهم،من المسؤول عن حالة الضياع لدى الكاتب الحداثي بعد هذا النكوص، ومن المسؤول عن الإحراج العميق الذي سيشعر به كل كاتب شريف نتيجة توهمه بصدق هذا المشروع واتباعه شعراء ثبت تورطهم .
إن أقسى العقوبات الجنائية بحق هؤلاء تعد تساهلاً أمام تخريب الذوق الجمالي الإنساني لدى –بعض - العرب،واختطاف الشعر لسنوات طويلة والانقطاع عن التراث الفكري والأدب للحضارة العربية الإسلامية، وإن كانت القوانين قاصرة عن البحث عن عقوبة مناسبة لهذا السطو الموجه في المجال الأدبي والفكري، فإن وجدان كل مبدع عربي حر سيجد لهم العقوبة المناسبة.
- إن المشروع الأدبي العربي المعاصر لا يحتاج للجعجة وللنزاعات الضوضائية،إن المشروع الحقيقي قائم في قلب كل مبدع حقيقي،لو استمع كل مبدع لصوت الإبداع الخفي الهادئ في ذاته لعرف مشروعه الحقيقي.
إن المشروع الأدبي لكل مبدع يتمثل في أدب الامتداد المعاصر الذي يمتد من التراث كما يمتد الغصن من الشجرة.
الحواشي
الأدب العربي الحديث في1-
3- لا بدّ لنا أن نميز بين الحداثة الغربية والحداثة العربية ، ورغم أني أتقبل الحداثة الغربية من قبل أهلها وفي موطنها، لكني لا أتقبلها من قبل مقلديها، كذلك لا بدَّ أن نميز بين مصطلح الحداثة، وبين كلمة الحداثة الرائجة في وجدان المبدع العربي.
5- أدونيس في جامعة كولومبيا
http://www.al-akhbar.com/ar/node/96407
6-أدونيس في الجزائر
http://www.jehat.com/Jehaat/ar/Mahrajanat/4-11-2008.htm
7-أدونيس في شمال العراق
http://www.al-jazirah.com.sa/93235/ms3d.htm
8- مراكز الأبحاث والمؤسّسات العاملة في خدمة التطبيع والاستراتيجية الصهيونية – د .خلف محمد الجراد
http://awu-dam.net/index.php?mode=booksview&catId=1&id=10447
9- Who Paid the Piper
http://findarticles.com/p/articles/mi_m1132/is_6_51/ai_57815254/
10-
مثقفو المخابرات الأمريكية العرب- بقلم / يحي أبوزكريا
13- http://awu-dam.net/index.php?mode=booksview&catId=1&id=10447
14- http://www.almotamar.net/news/print.php?id=18323
15- عبد السلام زيان- كلمة Philosophie مشرقية وليست بيونانية
http://www.merbad.net/vb/showthread.php?t=13397
أما الكتب فقد تم الإشارة إليها في موضع الشاهد.
الصور المرفقة:
أدونيس
http://images.alarabiya.net/large_73587_71486.jpg
من يدفع أجرة الزمار غلاف الكتاب
http://images.alibris.com/isbn/9781862073272.gif
مؤلفة كتاب من يدفع أجرة الزمار(Frances Stonor Saunders)
http://www.lajiribilla.cubaweb.cu/2003/n091_01/dia5/feria1.jpg
مسرح العرائس
الأدب العربي الحديث في1-