الشخصية المحمدية في الخطاب الاستشراقي البريطاني حتى نهاية القرن 18
إعداد: م.د حيدر مجيد حسين العليلي
كلية التربية للعلوم الإنسانية ـ جامعة المثنى
ملخص البحث :
يهدف البحث الى تتبع تبلور الخطاب الاستشراقي البريطاني بشأن الشخصية المحمدية منذ القرن السابع الميلادي حتى نهاية القرن الثامن عشر المتمثل بعصر الكاتب ادوارد جيبون (Edward Gibbon 1737-1794) وهي الحقبة التي سبقت عصر ظهور المؤلفات الاصلية للسيرة النبوية في القرن التاسع عشر الميلادي؛ التي عكفنا على تصنيفها وبيانها تبعا للملامح المنهجية والأيديولوجية لكل عصر مع الاخذ بالحسبان الفواعل المستحدثة لإنتاج الخطاب الاستشراقي ورصد التجليات المفاهيمية والتاريخية التي انتجها في نسق تاريخي تتابعي.
الخطاب المسيحي المعاصر لظهور الاسلام:
لعل الاشارة الاقدم عن الاسلام في الأدب الكنسي المسيحيّ وردت في كتابات القس آيسدور (Isidore 560-636م) رئيس اساقفة مدينة اشبيلية الذي يعد آخر باحث في تاريخ العالم القديم([1])، وكان معاصرا للرسول (ص)، واسهمت مدوناته في بلورة الصورة الاولية عن الاسلام في المخيال المسيحي عادّاً الاسلام عدواً للمسيحية وليس هرطقة وثنية ضد المسيح([2])، وقد ظلت كتاباته وآراؤه مصدر إلهام للكتّاب المسيحين لقرون طويلة ([3])، كما اورد المؤرخ الارمني سيبيوس (Sebeos) الذي كان معاصرا للرسول (ص) (326-661م): «أن رجلا اسمه مُحَمَّداً من اصول اسماعيلية، ادّعى النبوة وعلّم أبناء بلده العودة إلى ديانة إبراهيم»([4]).
ويبدو ان الكتابات المبكرة حملت بين طياتها رؤية عدائية ([5])، ومنها رسالة رجل يدعى جوستوس (Justus) الى شقيقه ابراهام (Abraham) في16 تموز634م، أي بعد سنتين من وفاة الرسول (ص)، يخبره أنّ نبياً مخادعاً ظهر وسط السراسنة، معرباً عن دهشته بقوله: «هل بُعث الانبياء بسيف وعربة حرب؟... انكم سوف لن تعرفوا أي شيء حقيقي عن هذا النبي سوى إراقة الدماء»([6]).
وفي المدة ما بين عامي 634-640م اعرب القس البيزنطي ماكسيموس (Maximus the Confessor) عن ذهوله من انتشار الاسلام في رسالة كان قد بعثها الى زميله القس بيتر(Peter the Illustrious)، واشار بقوله: «لا يوجد اسوأ من انتشار الشر بين سكان العالم»([7])، وفي نهاية القرن السابع الميلادي اشار القس اناستاتيويس (Anastasius) الى الاحوال العسكرية للمسلمين معربا عن مدى سعادة البيزنطيين باندلاع الحرب الأهلية بين صفوفهم([8]).
ولعل كتابات هذه الحقبة لم تكن تحمل بين دفتيها غاية لفهم الاسلام او التعرض لمضامينه بقدر تعلق المسألة بطبيعة الخطاب الديني للكنيسة والذي كان يتعارض مع كل عقيدة تظهر خارج حظيرة المسيحية الكاثوليكية([9]) .
ويبدو أنّ الاسلام قد شكل مشكلة لأوربا حال ظهوره ونظرت الى المسلمين على انهم أعداء يتسورون حدودها([10])، فقد كان العصر الوسيط حقبة الجهل المتأتي اما من ضيق الافق بالبعدين الفكري والجغرافي او الجهل الناجم عن اوهام مخيلة متسعة([11])، لقد كان الاسلام بالنسبة للكنيسة رقما في قائمة الاعداء الطويلة ولم يكن هؤلاء على استعداد للتمييز بين وثنية الأوربيين الشمالين وتوحيد الاسلام لقد انحصرت جهود المؤلفين اللاتين في الفترة من(700-1100م) باستنطاق الكتاب المقدس لمعرفة اصول السراسين او السراسنة([12]) ضمن مدارج السلالات في العهد القديم ومعرفة مكانتهم بين شعوب العالم وديانته لان الكتاب المقدس كان الاداة الفكرية الوحيدة الفعالة في اوربا في مطالع العصور الوسطى ([13]).
وفي هذه المرحلة عقد البطريرك سوفرونيوس (Sophronius) الصلة في كتاباته بين نصوص توراتية وبين ظهور الاسلام عادّاً هجمات العرب السراسنة عقاباً من الرب للمسيحيين على خطاياهم ونقضهم للمواثيق([14]).
ولعلّ مؤلفات يوحنا الدمشقي المـتوفى في سنة ٧٥٠م تعدّ أبكر الدراسات المـسيحية الشرقية عن الإسلام، ولا سيما في مؤلفه الجدلي «مناظرة بين ساراتي ومسيحي» والذي قدم حججاً ضد الطبيعة الإلهية للرسالة المحمدية كالقول إنه لم يبشر بها الأنبياء السابقون وأنّ محمداً لم يقم بأيّ معجزة شهيرة أو أعجوبة تثبت حقيقة نبوته وأنّه من غير المـمكن أن يغدو نبياً باعتبار أنّ سلسلة الرسالات النبوية ختمت بيوحنا المعمدان([15]) .
لقد انتشرت في المـسيحية الشرق أوسطية قصة خرافية مؤداها أن محمدا كان في البداية تلميذا للراهب النسطوري سرجيوس او «بَحِيرى الراهب في المصادر الاسلامية » زاعمين أنه تلقى منه بعض المـعلومات الأساسية عن التوراة والإنجيل وبعد ذلك أعلن نفسه نبيا وكوَّن عقيدة خاصة به، والواقع أن التصورات المـتكونة عن الإسلام كبدعة مسيحية مرتدة ومنشقة وعن محمد كنبي مزيف انتقلت من مسيحي سوريا إلى البيزنطيين ومنهم إلى الأوروبيين([16])، او أن الإسلام من اختراع محمد والذي بدوره كان يوحى إليه من الشيطان، ومن جملة الاباطيل التي افرزها هذا المخيال الجامح إظهار الرسول (ص) كانه «المسيح الدجال» وجرى التأكيد على أنه قد مات في عام 666 وليس في عام 632م وهذا العدد يطابق عدد الوحوش في التوراة او العهد القديم ([17]) بل ذهبت هذه الذهنية الى تصويره وكأنه كان كاردينالا منشقّاً عن الكنيسة هرب إلى شبه الجزيرة أسس هنالك كنيسته الخاصة به المستوحاة من التوراة والانجيل، ومن ثمّ جعل من يوم الجمعة يوم عبادة اسوة بيوم السبت لدى اليهود ويوم الأحد عند المسيحيين([18])، لقد كان للصيغ السورية وابرزها كتابات يوحنا الدمشقي أثر فاعل في بلورة الموقف السلبي الصريح إزاء الإسلام وصيرورة الإدراك الأوروبي في القرون الوسطى([19]).
الشخصية المحمدية وملامح التبلور المشوه في المخيال البريطاني:
تزامن ظهور الاسلام في شبه الجزيرة العربية مع وصول المسيحية الى بريطانيا في مطلع القرن السابع الميلادي، حين اعلن محمد9 نبوته في سنة 610 م في الوقت الذي بلغت فيه بعثة القديس اوغستين الى مدينة كينت kent البريطانية سنة 597م([20])، وهذا يحملنا على الاعتقاد بأنّ شخصية الرسول كانت مألوفة في بريطانيا منذ بزوغها على مسرح الاحداث العالمية، لقد شهد القرنان السابع والثامن الميلاديين توحيدا لمناطق شمال افريقيا وحوض البحر المتوسط تحت سلطة المسلمين ولم تكن تلك السيادة عسكرية بقدر ماكنت تمثل للعالم المسيحي خسارة لأهمّ مناطق الايمان المسيحي وهو أمر أدّى إلى أن باتت إحدى فواعل اندلاع الحروب الصليبية في العصور الوسطى ([21]).
لكن على الرغم من ان المسلمين كانوا يهدّدون نصف أوربا ويجتاحون أقاليم كثيرة فيها إلا أنّ المعاصرين لهذه الاحداث كانوا أقلّ عداء لهم من الاوربيين اللاحقين، فالمؤلفون البريطانيون كانوا بعيدين عن مواقع الخطر الإسلامية([22])، ويقف في طليعة هؤلاء المؤرخ الانكليزي «بيــد المبجل Venerable Bede 673 ـ 735م» الذي يعد اول كاتب بريطاني ينبري للكتابة عن الاسلام([23]). انصبّ اهتمام بيد المبجل في إيجاد الصلة بين ظهور الاسلام ونصوص الكتاب المقدس ولم تخرج من تحت عباءته سوى الخطابات الهجومية والعبارات القاسية بحق المسلمين، إذ نظر إليهم على أنّهم وثنيون برابرة وكسالى وقد ظلت طروحاته اساسا استندت عليه اوربا في كتاباتها حتى القرن الثاني عشر الميلادي ([24]).
كان بيد المبجل معاصرا ليوحنا الدمشقي وقد اشار في كتابه «التاريخ الكنسي للشعب الانكليزي Historia ecclesiastica gentis Anglorum الى ان اصل السراسين يرجع الى هاجر المصرية زوجة ابراهيم الواردة في العهد القديم([25]).
أخذ الكتاب البريطانيون على عاتقهم بين عام ١١٠٠ وعام ١١٤٠ توجيه اهتمامهم صوب حياة محمد (ص) من دون أيّ اعتبار للدقة فأطلقوا العنان لجهل الخيال المنتصر فكان محمد في عرفهم ساحرا هدم الكنيسة في أفريقيا وفي الشرق عن طريق السحر والخديعة وضمن نجاحه بأن أباح الاتصالات الجنسية. واستعملت أساطير من الفولكلور العالمي ومن الأدب الكلاسيكي ومن القصص البيزنطية عن الإسلام فقد اتهم المسلمون بعبادة الأوثان وهم الذين اتهموا المسيحي بتعدد الآلهة والشرك. محمد هو صنمهم الرئيسي وكان معظم الشعراء الجوالة يعتبرونه كبير آلهة السراسنة([26])، لكن بدرو دي ألفونسوPedro de Alfonso) ) طبيب الملك هنري الأول ملك إنجلترا يعد أول من صنف في بريطانيا كتابا يحتوي على معلومات لها بعض الموضوعية عن سيرة محمد 9 والإسلام في عام ١١٠٦م ([27]).
ويشير ساوثرن بقوله: «ان الحملات الصليبية لم تجلب للغرب معرفة عن الاسلام بل أحدث العكس، إذ أنّ الأثر الاول للصدامات العسكرية تجلى في تردد اسم النبي ودينه الاسلام على الالسن منذ السنوات الأولى للغزو وقد بحثت في المصادر الغربية عن اسم النبي قبل عام 1100م فلم اعثر عليه غير مرة واحدة خارج اسبانيا وايطاليا الجنوبية اما فيما بعد العام 1120م فقد كان كل غربي تقريبا يعرف من هو محمد، لكن لم تكن صحيحة كانت نتاج مخيلة مغرقة في التوهم وتسويغ الذات»([28]).
لقد برزت صورة الإسلام ليس كما قيل نتيجة الحروب الصليبية بقدر ما برزت نتيجة الوحدة الأيديولوجية التي تكونت ببطء في العالم المسيحي وقد أدت هذه إلى رؤية أوضح لمعالم العدو كما أدت إلى تضافر الجهود نحو الحروب الصليبية([29]).
لقد تكونت صورة الاسلام ونبيه لدى الغربيين في النصف الاول من القرن الثاني عشر الميلادي بعد ان اسهم في تركيبها الفرسان العائدون من الشرق والكهنة والرهبان وقد زودوا المخيال الاوربي بطرائف عن الاسلام ونبيه وصلت هذه الصورة الخيالية الى المدارس والاديرة بعد وضعها في قالب مدرسي يشجع على قبولها، ادى ذلك الى خلق انطباع شعبي مروع في قدرته على البقاء ومقاومته لكل المعارف الصحيحة ونصف الصحيحة التي توالت فيما بعد عن سيرة الرسول (ص) ([30]) واللافت في هذا الموضوع حالة التزامن بين ظهور الاقاصيص الخرافية عن حياة النبي محمد (ص) في العقود الزمنية نفسها التي ازدهر فيه المخيال الاوربي الشطاح الذي انتج القصة الشعبية الخيالية والتاريخ الاسطوري لبريطانيا بين(1100-1140م)، وجاء الشعر الشعبي ليردد الصورة الخيالية المتكونة عن الاسلام ([31]).
إنّ صورة الإسلام المـتكونة في العصور الوسطى ـ وهي مزيج متناقض لمعارف موضوعية مع تشويهات خطيرة ـ ضمّت في الوقت ذاته تصورات في منتهى الخيالية والتوهّم هيمنت بشكل ثابت لمدة تاريخية طويلة على عقل الإنسان الأوروبي ومنطقه ومداركه إزاء الإسلام ولهذا يمكن القول إن التصورات الغربية المـعاصرة حول دين المسلمين لم تتكون وترتسم في صفحة بيضاء خالية وإنما انعكست في مرآة قديمة مشوهة إذ إن سكان أوروبا المـعاصرة ورثوا عن أسلافهم من القرون الوسطى مجموعة عريضة وراسخة من الأفكار حول الإسلام التي كانت تتغير تدريجيا مظاهرها الخارجية فقط تبعا لتغير الظروف في أوروبا ذاتها، وتبعاً لطبيعة علاقاتها ومواقفها المـستجدة نسبياً مع البلدان الإسلامية وثقافاتها الحديثة([32]).
ويبدو أنّ التصور النمطي المـشوّه عن الرسول لم يتشكّل بسبب ضعف معرفة الاوربيين فحسب، بل يشير الدارسون إلى انّ تصورات القرون الوسطى عن الإسلام ترتد إلى ثلاثة عناصر بنيوية أسهمت في تشكيل هذه القوالب النمطية دون أن تتعارض فيما بينها بل إنها تعايشت وتداخلت من التأثر والتأثير وهي المـكونات المـيثولوجية واللاهوتية والعقلانية؛ لأنّ أدب أوروبا في القرون الوسطى حول الإسلام وضع في غالبيته العظمى من طرف رجال الدين المـسيحيين الذين استندوا إلى مصادر شديدة التمايز والتباين كالحكايات الشعبية وقصص الأبطال والحجاج والقديسين والمـؤلفات الجدلية اللاهوتية الدفاعية للمسيحيين الشرقيين وشهادات بعض المسلمين وترجمات مفكريهم وعلمائهم. ولكن كانت المـعلومة المـقدمة تنتزع في معظم الحالات من سياقها الأصلي ومن ثمَّ تقدم إلى القارئ الأوروبي، وبهذا الشكل شوهت الوقائع بصورة متعمدة وفي إطار البحث الحماسي عن حل سريع لمشكلة الإسلام ([33]).
ويبدو ان الكتّاب البريطانيون استقوا معلوماتهم في هذه المرحلة من مصدريْن هما الرِّوايات البيزنطيّة ؛ ومن التواصل الشّخصي مع المسلمين خلال الحملات الصّليبيّة ([34])، وتنمو دائرة التخيل في هذا المجال وصولاً إلى القول بأنّ الإسلام أخذ فكرة الثالوث المـقدس المـسيحية الأقاليم الثلاثة ولكن ضمن توجه وثني لا توحيدي ويزعم مروّجو هذه القصة أنّ مُحَمَّداً واحدٌ من ثلاثة معبودات: أبولّين Apollon، تيرغافان Trophonios، وماهومت Mahomet، الّتي كان يُعتقد على نطاق شعبي بأنّها معبودات المسلمين وهي كائنات جنية خفية أو ثلاثة أصنام كبرى، وهذا ما جاء في أغنية رولان Chanson de Rollandالتي ترجمت الى الانكليزية عام ١١٧٠([35])، وتعبيراً عن ازدراءهم قاموا بتحريف اسم الرسول 9 من محمد إلى أكثر من ثلاثين اشتقاقا محرفا وردت في قاموسTwentieth century dictionary وقاموس New English وتأتي جميعها بمعنى النبي المزيف بلغات أوربا المختلفة القروسطية أو بمعنى إله الظلام أو الإله المزيف أو الصنم أو الشيطان، أو للدلالة على الوثنية أو للدلالة على الاتراك في العصور الوسطى([36]).
كما شاع في العصور الوسطى ايضا كلمة باهومت Baphomet الذي يرمز لإله خيالي كان فرسان المعبد المقدس يبجلونه ويقيمون لاجله طقوس العبادة، هذه الكلمة مأخوذة من لفظ محمد المشوهة([37]).
إنّ تلك الأساطير اﻟﻤﺨتلقة تمثل سخرية مأساوية؛ لأنّ محمداً (ص) الذي حارب أكثر من أي شخص عبادة الأوثان والذي حطم جميع أصنام الكعبة بات في نظر المسيحين صنماً!، بل الأنكى من ذلك أنّ بعض الاعمال الادبية ذهبت الى اعتبار محمد إلهاً للعرب وباتت كلمة Mammet المـأخوذة بدورها من Mahomet لتدلّل على معنى الصنم في تصورات المخيال القروسطي من ثم تطورت دلالتها إلى معنى لعبة او العرائس ([38]).
وبهذا المـعنى استخدمها الكاتب البريطاني وليم شكسبير في مسرحيته روميو جوليت حيث يقول:
And then to have a Wretched puling fool,
A whining MAMMET, in her fortunes tender,
To answer I‘ll not wed, I cannot love».
ومعناها التقريبي: وما بالك إذا كانت لديك حمقاء تعسة كالطفلة مثل دمية باكية وهي في ظروف سعيدة وتجيبك: لن أتزوج أنا لا أستطيع أن أحب([39]) .
الارهاصات المبكرة لتشكل الهوية الاستشراقية البريطانية:
في منتصف القرن الثاني عشر الميلادي ظهرت ملامح مرحلة جديدة حملت بين طياتها نبرة من التعقل في طبيعة المواقف من الاسلام وشخصية نبيه فقد ظهرت في بدايته تباشير نظرة علمية شاملة كان من نتائجها انبثاق محاولات جديدة لرؤية الاسلام بدون احكام مسبقة، وقد حدث ذلك في دير كلوني clunyفي تموز 1143م([40])، عندما شرع بطرس المـبجل Petrus Vernailes (١٠٥٩- ١١٥٦م) رئيس دير كلوني برعاية اول ترجمة للقران الكريم من العربية الى اللاتينية على يد الانكليزي روبرت كيتون Robert ketton ولعلها تمثل أول ترجمة كاملة للقران الكريم([41]).
ويمكن اعتبار بطرس المبجل مؤسساً للدراسات الإسلامية لدى مسيحيي القرون الوسطى، انطلق بطرس المـبجل من مسلمة حتمية الصراع مع الإسلام ولكن ليس بالسيف وانما بالكلمة والإقناع والحجة، فهو يرى المسلمين كهراطقة بالإمكان إعادتهم إلى فلك الكنيسة وذلك إذا تمكن اللاهوتيون والمـبشرون المـسيحيون من أن يظهروا لهم بشكل مقنع أين تكمن انحرافاتهم وضلالاتهم ([42])، وقامت مجموعة كلوني ايضا بترجمة بعض الأحاديث المـنسوبة إلى الرسول (ص) وقامت بترجمة رسالتين جدليتين بعنوان: »رسالة المسلم عبدالله بن إسماعيل الهاشمي وجواب المـسيحي عبدالمـسيح بن إسحق الكندي «، بيد ان ظهورها شكل ايضا نهاية لحقبة التعقل هذه فالمعاصرون لبطرس المبجل لم يروا في الاسلام موضوعا حقيقيا للدراسة المتأنية وعلى أساس تلك الترجمات صنف بطرس المبجل ما أسماه بدحض العقيدة الإسلامية:
Liber Contra sect am sieve heroism Saracen rum
إنّ المادة التي تضمنتها المجموعة لم تستخدم أساساً لمزيد من الدراسة المعمقة عن الاسلام اذ لم يكن احد يهتم بمثل هذه الدراسة فلم يظهر لها فائدة في الصراعات الجارية لاسيما وان الجدل الديني كان يستهدف مسلمين خرافيين كانوا يبادون بسهولة الورق، ويبدو انّ الهدف انما كان لتزويد المسيحين بحجج سليمة لتثبيت ايمانهم ثم ان الحالة العقلية للغرب اللاتيني لم تكن مشجعة على الاهتمام بمذاهب دينية بحد ذاتها كتلك التي كانت موجودة في الشرق([43]) رغم ذلك فان هذه المجموعة صارت بالنسبة للأوروبيين المـصدر الرئيس للمعلومات عن الدين الإسلامي على مدى خمسمائة عام تقريبا([44]).
وجاء ظهور المغول الى المسرح التاريخي الاوسع ليكون الفاعل الاول لتغير اوربا من نظرتها المتحاملة إزاء الاسلام في العصور الوسطى، فالمغول لم يكن لعقائدهم وزن فكري كما ادرك الاوربيون بوضوح كثرة المشتركات بين المسيحية والاسلام في المجالين العقدي والاخلاقي وان غرابة وثنيات المغول في القرن الثالث عشر وضعت القواسم المشتركة بين المسيحية والاسلام ورغم ان هذه المعرفة المفاجئة سرعان ما ضاعت بين الحقيقة ومبالغات الخيال فإنها كانت حاسمة في تغيير نظرة أوربا الى الخارج، وفي منتصف القرن الثالث عشر شعر كثيرون انّ الحملات الصليبية لا تملك حظا في النجاح وانه لابد من وسيلة جديدة وقد ادرك اعداء الاسلام ان الصراع العسكري معه لا يكفي لإسقاطه وانه لابد من الاشتغال اعمق لفهم مضامينه وضرب ارادة الخصم عن طريق تشكيكه بصحة عقيدته([45]) .
وقد لمع في هذه المرحلة اسم الفيلسوف البريطاني روجر بيكون Roger Bacon
(1214 ـ 1294) الذي استطاع وللمرّة الأُولى أن يضع المسيحية في موقعها الحقيقي جغرافيا وبشريا وهو مالم يكن ممكننا بقوله: «هنالك مسيحيون قليلون في العالم اليوم، اما سائر الارض المعمورة فيغص بالكفار الذين لا يجدون احدا يهديهم الى طريق الحق ويرى ان المسيحية لن تنتشر وتنتصر بغير التبشير السلمي بعد الحروب الصليبية الفاشلة، غير ان المسيحية عاجزة في نظره عن القيام بهذه المهمة لأسباب ثلاثة: لا أحد يعرف لغات الشعوب التي يراد التبشير بينها، ولا احد يعرف ماهية عقائد الكفار الذين يراد تبشيرهم، ولا أحد يملك حججا مؤسسة على المعرفة لدعوة غير المسيحين الى الكاثوليكية»، لذلك تجده يورد ضد الاسلام حججا وتشكيكات يراها كفيلة بنقضه وهي في الحقيقة غير كافية لاستمالة المسلمين نحو المسيحية لكنها كانت جديدة، لقد كانت نظرة الغرب الى الاسلام قبل بيكون تقوم على انه دين ذو دور سلبي في التاريخ فهو قد حال دون اعتناق الناس للمسيحية وهو امارة ظهور المسيح الدجال في سياق نهاية العالم وقيام القيامة، أمّا بيكون فإنّه رأى خلاف ذلك وذهب الى انّ الحركة الاسلامية ليس لها أيّ دور تخريبي في العالم وليست امارة للدجال أو القيامة وله وظيفة يقوم بها قبل نهاية العالم قد تجاوز الكتاب المقدس في مجال فهم الاسلام الذي رأى فيه ديناً ذا صلة بالفلسفة، وكانت مصادره عن الإسلام من ترجمات الفلاسفة المسلمين وتقارير الرحالة متجاوزا الافكار المغلوطة عند اللاهوتيين منذ القرن التاسع الميلادي([46]) .
وفي القرن الرابع عشر سرعان ما تبدلت المواقف من الاسلام ضمن سخرية العملية التاريخية فاستطاعت أن توقف حركات فكرية كبرى عن التأثير في المجرى الحضاري في اللحظة التي تبدا فيها الحصول على الشرعية المعقولة والدعم في ضمن المجتمع، فمدارس اللغة الحية التي دعا لإنشائها بيكون وسواه من عام 1250م بدأت تدخل في ضمن البرنامج الرسمي للكنيسة الغربية منذ مجمع فينا عام 1312م الذي قرر تأسيسها في اكسفورد وباريس وسلامنكا، لتعلم العربية والعبرية والاغريقية ولم تتوافر العناصر البشرية والمادية، ومات كل شيء دون أن يلحظ أحد حقيقة ما يجري، لقد كانت السنوات التي اعقبت مجمع فينا حقبة حبلى بالخيبة في تاريخ اوربا وسط هذا الاضطراب المتفاقم لم تعد هناك قوة ثقافية فاعلة مهتمة بتحديد الموقف من الاسلام، اما عن الانفتاح المعجب الذي لقيته الفلسفة الاسلامية ابان القرن الثاني عشر حتى منتصف القرن الثالث عشر فقد حل محله عداء اصم بنحو تدريجي، ويبدو ان اوربا لم تعد آمنة على مصيرها مما شجع على اعادة نصب أشرعة الخيال من جديد، ويظهر ذلك جلياً في تراجم الرسول التي انبعثت فيها الحياة من جديد ([47]).
لكن ربّما يكون الكاتب البريطاني جون ويكلف John Wycliffe 1320-1384 الاوضح في بيان موضوع الربح والخسارة التي جلبها القرن الرابع عشر وكان القسم الاكبر من معلوماته عن الاسلام مستمدة من دائرة معارف vinzenz، ودائرة معارف von beaunais، ودائرة معارف Ranulf Higden والذي رسم صورة شاملة للإسلام الصاعد في العالم والساعي للسيطرة على الدنيا والممتلئ بشهوة التملك والسلطة بخلاف المسيحية التي هي عقيدة الالم والفقر، من ثم حاول ان يدلل على وجهة نظره في طريقة اصلاح الكنيسة لتحقيق الانتصار على الاسلام، فشريعة النبي من وجهة نظره تميزت بالاستيلاء على اشياء من نصوص العهدين القديم والجديد تدعم توجها دنيويا ثم مهاجمة بقية الانجيل المخالفة لمقاصدها، ثم ان النبي اضاف لتلك المستلات مبتدعات من عنده واستطاع ان يضع كل خصومه جانبا عندما حرم مناقشة اي من آرائه، لكن لم يكن ذلك ما زعمته الكنيسة عندما حرمت مناقشة عصمة البابا وسلطته المطلقة واشار الى ان اخطاء الاسلام لا يمكن ان تصحح الا بالتبشير الناجح المقترن بإصلاح الكنيسة([48]).
أظهر تطور الاحداث في القرن الخامس عشر ان على اوربا المسيحية القيام بعمل ما لمواجهة الاسلام فعندما كتب «ويكلف Wycliffe» أعماله كان ما يزال ممكناً النظر الى الاسلام باعتباره خطرا اخلاقيا فقط وليس عامل تهديد مادي للوجود الغربي؛ ولهذا استطاع ان يزعم عدم وجود فرق بين رجال الكنيسة والمسلمين اذ لم يكن قد مضى على وفاة ويكلف خمس سنوات عندما انهار الصربيون امام الزحف العثماني([49]).
لقد ترك العثمانيون أثراً كبيراً في توسيع هوة البون التي تفصل بين الاسلام والمسيحية لاسيما بعد الهزائم التي أوقعوها بالأوربيين مما جعل أوربا تعمق من كراهيتها لتاريخ الاسلام معتبرة ان محمداً كان معتاداً على غزو الآمنين وسبي النساء([50])، لقد شهد القرن السادس عشر ظهور مصنفات تُعنى بتاريخ الاسلام من خلال قراءة لتاريخ الاتراك ففي العام 1575م صدر في لندن كتاب التاريخ البارز للسراسنة A Notable History of the Saracens لتوماس نيوتن Thomas Newton، ومن المصنفات الاخرى يندرج عمل الكاتب الانكليزي جون فوكس John Foxe (1515-1587) الذي افرد 100 صفحة من الفصل الرابع من كتابه تاريخ الاتراك History of the Turks وجه خلالها نقدا عنيفا للإسلام والنبوة([51]).
وفي منتصف القرن السادس عشر بدأت تشيع لهجة التخوين والاتهام المـتبادل بين الأطراف المـسيحية المـتخاصمة والمـتنافسة ففي اواخر القرن السادس عشر الميلادي صنف الاديب الانكليزي وليم رينولدWilliam Rainolds ديوانا شعريا Calvino-Turcismus نظر فيه الى ان كلا من الكالفينية والاسلام يجتمعان على نية تحطيم المسيحية فكلا هما ينكر الوهية المسيح وان انجيل كالفن ليس افضل من القران لكنه أكثر بغضاً([52])، انّ هذه النظرة تعدّ تطوراً في الخطاب الديني إزاء الاسلام، فقد اضحى الاسلام عقيدة توازي عقيدة مسيحية منشقة بعد ان كان في الماضي عبادة شيطانية او وثنية، لاسيما وان مارتن لوثر معاصر رينولد Rainolds، قد وضع المسلمين والبابا في سلة واحدة معتبرا ان الاتراك هم الشيطان الاسود بالنسبة للشرق اما البابا المنافق فهو شيطان الغرب، وعلى الرغم من عبارته القروسطية السمجة (المحتال) التي وردت بحق الرسول (ص) الا انه اعترف بصلاح منظومة المسلمين القيمية المتمثلة باعتزالهم لشرب الخمور وحياة التكلف واحترامهم لامبراطورهم([53]).
الخطاب التخصصي و عصر الصراعات السياسية والأيديولوجية:
يمثل بداية القرن 17 الميلادي فجر الكتابة البريطانية الحديثة وذلك من خلال تبني العالم المسيحي للروح العلمانية في قراءة تاريخ العالم والتي جعلت من الانسان محوراً لأحداث العالم بدلا عن القوة الالهية حينها تصبح البراهين التاريخية بوتقة تتشكل من انصهار الفواعل مع التجارب وسرعان ما بات الاهتمام واسعا بالمصادر والدراسات اللغوية([54])، لقد رسم الإسلام على هيئة نموذج قبيح يتعارض ويتناقض كلية مع النموذج المـثالي للمسيحية بوصفها ديانة الحقيقة التي تتميز بالأخلاق الصارمة وروح السلام وبأنها عقيدة تنتشر بالإقناع وليس بقوة السلاح، وفي الوقت ذاته وضمن هذا المـنحى أيضا نسبت إلى الإسلام بعض الرموز المـسيحية التقليدية، ولكن بدلالات سلبية جديدة مثلاً: صورة الحمامة رمزٌ لروح القدس في المـسيحية([55])، وقد أشار واتر رالي Walter Raleigh في كتابه تاريخ العالم The History of the World عام 1618م الى حكاية اسطورية شاعت في بريطانيا مفادها ان الرسول (ص) درب حمامة لتنقر حبوب القمح من أُذنه بغية إقناع العرب أن تلك الحمامة هي رسول الروح القدس الذي كان يبلغه الوحي الإلهي([56])، وقد انتشرت هذه الحكاية لدرجة انها ظهرت في مسرحية هنري السادس Henry VI لوليم شكسبير:
CHARLES: Was Mahomet inspired with a dove
Thou with an eagle art inspired then
«كيف أن المـلك كارل الثاني يتوجه إلى جان دارك صارخا: ألم تلهم الحمامة محمداً أما أنت فإن النسر ربما ألهمك .([57])«
وفي مسرحية «محمد المنتحل» للكاتب جيمس ميلر في العام 1753م اشار الى ان الرسول (ص) لم يكن لديه وحي الهي ولم يبعث من السماء وانما دعوته هذه جاءت لرغبة جامحة وطموح شديد لطلب الرئاسة والمال تحت ستار الدين مصوراً الرسول (ص) بأنّه زعيم لجماعة من قطاع الطرق من خلال محاورة بين شخصية محمد المزعومة في مسرحيته و شخصية فرعون([58]).
ويمكننا الاشارة الى مبلغ التهكم بشخصية الرسول في الادب الانكليزي في المثل الشائع اذا لم يأت الجبل الى محمد فإنّ محمداً يذهب الى الجبل،
"If the mountain won't come to Muhammad then Muhammad must go to the mountain " .
وهي عبارة مجازية ظهرت لأول مرة في كتابات فرانسيس بيكونFrancis Bacon التي نشرها في عام 1597م، ومضمون هذه الفرية ان محمدا (ص) لما دعي الناس الى الايمان به طلب من التلة ان تتقدم نحوه فلما لم تتحرك التلة نحوه تحرك هو باتجاهها([59]).
لكن أشدّ ما قيل عن الرسول (ص) ما جاء على لسان الشاعر الاسكتلندي وليام دينبار William Dunbar المولود1460 في قصيدته السبع الموبقات التي اشتمل عليها وصف الأشخاص الراقصين في الجحيم الذين خرجوا عن سلطة الكنيسة، وقد اشار الى ان السراسنة الذين يعبدون الها للشر كان يدعى ماهون([60])
اما عن وفاته (ص) فقد كثر الحديث عن ذلك في الموروث البريطاني ولاسيما قصة ضريحه المعلق بين السقف والارض في المدينة بواسطة احجار مغناطيسية والتي باتت مثلا للتعبير ان اي امر مشكوك فيه يعبر عنه بتابوت محمد المعلق([61])
لكن هذا الامر لا يبدو جليا في كتابات الفترة الاولى من القرن السابع عشر، حينما طبع في لندن عام 1610 كتاب «علاقات الرحلة «A Relation of a Journey للشاعر والرحالة البريطاني السير جورج سيدني George Sandys (1577-1644) الذي اشتمل على اربعة اقسام قدم فيه وصفا عاما للدولة العثمانية ومصر والاراضي المقدسة والجزر الايطالية البعيدة وبسط فيه الحديث عن سيرة المصطفى (ص) بنحو مجحف باعتباره شخصاً تظاهر بانه اختير بفضل العناية الالهية لتبليغ شريعة جديده لأبناء الجنس البشري وان يخضع العالم لطاعته بواسطة استخدام السلاح([62])
لقد شهد القرن السابع عشر تزايدا في عدد المصنفات البريطانية المختصة بتاريخ الاتراك وحيثيات الاسلام([63])، كما رددت الأفكار الشائعة القديمة مِن قِبل أكثر الكُتّابِ البريطانيين في هذه الحقبة، برؤية تتماشى مع التصورات الجديدة عن الاسلام كما ورد في كتاب «التاريخ العام للاتراك HistorieGenrral Turkes»عام 1603م لمؤلفه ريتشاردنولدز Knolles Richard (1545-1610م) الذي يعد سجلاً حافلاً لأعمال القسوةِ والتعذيبِ الوحشية العُثمانيةِ، وقد اقتفى نولدز اثر الكُتّابِ السابقينِ، في نظرتهم للإمبراطوريةِ العُثمانيةِ على انها الارهاب الاعظم في العالمِ، وان الإسلام عمل شيطاني ومحمد نبي مزيّف ([64])، كما صدر في عام 1656لفرانسيس اوسبورن Francis Osborn’s «كتاب العلاقات السياسية لحكومة الاتراك Political Reflections on the Government of theTurks » وصدر كذلك في عام 1668م في لندن كتاب «اوضاع الامبراطورية العثمانية «Present State of the Ottoman Empire لـ بول ريكوتس Paul Rycaut’s (1629-1700)، وقد ظهر في هذين الكتابين نقد عنيف للسيرة النبوية والاسلام ([65]).
ويبدو ان الخطاب الاستشراقي البريطاني في هذه المرحلة اخذ بعدا سياسيا نتيجة ظهور العثمانيين الاتراك بوصفه خطراً حقيقياً يحدق بأوروبا منذ القرن الخامس عشر، قبل هذه المرحلة نظر الأوروبيون الى الاسلام والنبوة من منظار ديني لاهوتي ذي طابع خيالي متعسف، بيد ان ظهور المارد العثماني جسد هذه الصورة الكلاسيكية المشوهة عن الرسول والاسلام على ارض الواقع وباتت طموحات السلاطين الاتراك وسياستهم التوسعية هي التمثل الجديد لصورة محمد (ص) ودينه في الخطاب البريطاني لذلك قلما نجد مصنفا في القرن الخامس عشر وما تلاه لا يحمل بين دفتيه اسلوب المزامنة المفاهيمية المتمثلة «صورة محمد (ص) = صورة الاتراك التوسعين» على الرغم من الاختلافات العرقية و الزمكانية بين محمد (ص) والعثمانيين ومن ثمّ أمست صورة النبوة المشوهة في اوربا اداة للتعبئة العسكرية والمفاهيمية ضد العثمانيين، بعد ان كان يروج لها من اجل حماية اوربا من استشراء الاسلام، وفي ذلك يشير برنارد لويس:« ان مسيحية العصور الوسطى انكبت لدراسة الاسلام بغية التشكيك به وحماية المسيحيين من إلحاد المسلمين وحمل المسلمين على اعتناق المسيحية لذاك تجد ان اغلب الباحثين هم من طبقة الكهنة ورجال الدين خلقوا اطارا ادبيا يتعلق بالدين ونبيه وكتابه، وقد حملت الجدالات الدينية نبرة بذيئة ترمي الى تشويه صورة الاسلام وحماية المسيحية بدلاً عن التبليغ وعلى الرغم من ظهور بعض الابحاث المتناثرة الا انّ سمة التعصب والتحيز ظلت طاغية عليها، وقد لعب التجديد دوراً في التقليل من حدة النظرة التقليدية للإسلام حينما عكف الكتاب الكاثوليك الى تشبيه البروتستانتيين بمحمد»([66]).
ويبدو انّ الاسلام اضحى جزءا من حالة الجدل الديني المحتدم بين الكاثوليكية والبروتستانتية في القرن السابع عشر لاسيما حول مسألة أصل المسيحية وطبيعتها، إذ أصبح الاسلام دلالة تنكيل يستخدمها كل معسكر في تقريع غريمه وتشبيه بأنّه يحوز على نفس مبادئ الاسلام واتباع وثنيين على شاكلة الاتراك([67]).
لكن سرعان ما ظهرت سمة جديدة في الكتابة عن الاسلام جلبتها بواكير عصر التنوير، فأصبحت الدراسات الأكاديمية مهتمة بمقارنة الأديان، لاسيما بعد ان لفت الفيلسوف البريطاني روبرت بويل Robert Boyle (1727-1691) الى ضرورة النظر بجدية الى مقارنة محتويات كلا من اليهودية والاسلام مؤسسا بذلك روحاً نقدية جديدة ([68])، على اثرها تأسس في جامعة كامبردج كرسي اللغة العربية في عام 1632من قبل تاجر اقمشة من لندن يدعى ثوماس ادم Thomas Adams ومن ثم شرع وليم لويودWilliam Laud(1573-1645) بتأسيس كراس العربية في جامعة اكسفورد، الذي تمكن من ان يحرر رسالة ملكية الى شركة الهند الشرقية المتواجدة في الشرق يحثهم فيها على ارسال المخطوطات العربية والفارسية، وبذلك تمكن من حيـازة اكثر من ستة مائـة مخطوطة وعـدد من صناديق العمـلات الشرقية([69]).
لكن أقدم كتاب صنف بإنكليزية يحمل على غلافه اسم الرسول (ص) ظهر في هذه المرحلة بريشة لوليم بيدويل William Bedwell(1562-1632م) والموسوم «الكشف عن محمد المنتحل والقران A Discovery of the Impostures of Mahomet and of the Koran.» الصادر في لندن في 1615م هذا المصنف عكس عنوان غلافه ما ينطوي عليه محتواه من التعصب والاجترار لنفس الافكار القديمة، وقد نظر بيدويل الى مقام الرسول9على انّه شخص مغرّر به وان القران في تصوره كتاب للزندقة، اسس بيدويل اراءه بناءا على ترجمته للقران الكريم التي تعدّ أول ترجمة الى اللغة الانكليزية من اللغة اللاتينية ([70])، كما تمكن بيدويل من الاطلاع على بعض المخطوطات العربية والمعاجم اللغوية المترجمة الى اللاتينية([71]).
وقد اقتفى تلميذه ادوارد بوكوك Edward Pococke (1604-1690) اثره وصب اهتماماته على دراسة اللغتين العبرية والعربية فهو الكاتب الوحيد في عصره الذي حاز على فرصة الاطلاع على المصادر الاسلامية الاصلية وقد اصدر في عام 1650 كتابه «لمع من تاريخ العرب Specimen Historiae Arabum»([72]) وهو ترجمة لكتابات ابن العبري وكتابات أبو الفدا واضاف عليها تعليقات باللغة اللاتينية ([73])، كما قام بوكوك ايضا بترجمة حياة محمد من العربية الى الانكليزية([74])، ولم تخلُ هذه الترجمة من المغالطات القديمة والمتمثلة بدعوى ان الاسلام دين زائف([75]).
ويشير ارثر جفري الى ان كتاب عصر النهضة اعتمدوا في كتاباتهم عن السيرة على المصادر العربية الاصلية التي باتت متاحة في الترجمات اللاتينية وأغلب هذه الأعمال كانت معادية بشكل مرير وذات احكام تعسفية مسبقة الحُكْمِ([76]).
وجدير بالإشارة ان الخطاب الانجليزي حمل بين دفتيه نبرة عنصرية عند الحديث عن قضايا الاسلام والمسلمين فكان النعت المفضل لدى الكتاب البريطانيين عند حديثهم عن المسلمين في القرون الوسطى هو Moorsهذه الكلمة تحمل بين طياتها دلالات متعددة لكنها كانت تستعمل للدلالة على العرب البدو البرابرة او العرب الافارقة ([77]) كما يرد لها دلالة في قاموسDictionary of Phrase and Fable بمعنى ابناء هاجر زوجة ابراهيم([78]) وهذا المعنى يوازي المدلول السابق لمصطلح «سراسنة Saracens»اوعبيد سارة، ويمكننا ان نلمس ذلك في كتابات الشاعر روبرت بارون Robert Baron (1630-1658) في الفصل الثالث من مسرحية ميرزا Mirza التي عرضت في لندن عام 1655في معرض حديثه عن القران في الفصل الثالث بقوله:
“Al Coran is a history of Mahomet authentique among the Moores as the gospel among us Christians”.
«ان القرآن هو التاريخ الموثق لمحمد بين اتباعه كما يمثل الانجيل بالنسبة لنا نحن المسيحيون([79])»، وقد اشار بارون ايضا الى ان الرسول (ص) قد استعان في نظمه للقران بطبقة العبيد المسيحين في مكة الذين احاطوا بمعرفة مشوشة عن العهد الجديد([80]).
وفي العام 1637م/1047هـ، صدر في لندن كتاب حياة محمد ووفاتهThe Life and Death of Mahomet لولتر رالي Walter Raleigh (1552-1618)، والذي اعتقد بان محمدا (ص) ذهب الى المدينة غازيا واخذها بعنوة السيف، ثم لم يلبث ان يناقض نفسه بعد صفحات قلائل من كتابه ليقول ان محمدا دخل المدينة سلما([81]) .
اما الكسندر روز(1592-1654م) Alexander Ross فقد فرغ من ترجمة نسخة القران الكريم من الفرنسية الى الانكليزية في العام 1649 هذه الترجمة التي عمد روز من خلالها الى تشويه العبارات وتحريفها بنحو فظ وبنوايا عدائية ([82])، كما تمكن روز ايضا من تصنيف كتاب «بانسيبيا او عرض لتاريخ اديان العالمPansebeia, or View of all the Religions in the World » في العام 1652والذي افرد القسم السادس منه للحديث عن السيرة النبوية وتاريخ المسلمين من العرب والفرس والاتراك، وقد اشتمل كتابه على جانب من الموضوعية مقارنة بمعاصريه في عرضه لشخصية الرسول (ص) وقد انكر الاعتقاد السائد بان محمدا هو المسيح الدجال مشيرا الى انه لم يكن يوما عدو المسيح الذي ورد في سفر الرؤيا ([83]) خلافا لما ذهب له بيتر هيلين Peter Heylyn (1599-1662)في كتاب الكوزموغرافيا Cosmographie الذي صدر في عام 1652والذي اعتقد بأن محمدا (ص) تمكن من بناء امبراطورية بفعل ما استحوذ عليه من مبادئ شيطانية([84]).
وفي عام 1671 انبلج الى حيز الدراسات الاستشراقية اول فجر لعمل موضوعي منصف من سيرة الرسول في التاريخ البريطاني حمل عنوان «الاعتبار في نهوض وتنامي المحمدية والدفاع عن محمد ودينه من مطاعن المسيحيين»:
An Account of the Rise and Progress of Mahometanism, and a Vindication of Him and His Religion from the Calumnies of Christians.
للفيزيائي والكاتب البريطاني هنري ستوب Henry Stubbe )1632–1676م) والغريب في الامر ان هذا الكتاب لم يرَ النور الا في عام 1911م، وقد بسط ستوب من خلاله الى عمل مماثلة بين الاسلام والمسيحية مقرا بحقيقة دين الاسلام منكرا جميع الاتهامات القديمة معتبرا محمداً (ص) اعظم مشرع عرفته البشرية ([85]) لقد مثل ستوب جزءا من تقليد فكري متنامٍ آنذاك قائم على نقد التناقضات الفكرية التي تحملها مسألة التثليث المسيحية، هذا التقليد رجع فيه اصحابه للتفتيش عن جذور التوحيد الاصلية في تاريخ الشرق الاوسط ([86]).
ولم تلبث حتى ظهر في العام 1670 كتاب لم يخل من التهكمات القديمة جاء عنوانه «عقوق الوثنية والمحمدية of the Impiety and Imposture of Paganism and Mahometanism للراهب البريطاني اسحاق بارو Isaac Barrow 1630-1677»([87]).
انّ السمة الابرز في الخطاب الاستشراقي البريطاني ابان هذه المرحلة من عصر التنوير التأكيد على الصورة التقليدية المشوهة عن الرسول 9 على الرغم من المحاولات النقدية الخجولة التي شرع بها بعض الباحثين والتي لم تأت اكلها لان العقلية البريطانية لم تبلغ يومها حد الانسلاخ الفعلي عن الموروث الكلاسيكي المثيولوجي كما يبدو لنا، وهذا ما دلت عليه عنوانات المصنفات التي كانت تحمل على اغلفتها عبارة (imposter المنتحل او الدجال) للدلالة على سيرة الرسول (ص) التي اضحت في هذا العصر مادة للادب والفن والمسرح والدراما فضلا عن الخطاب المسيحي الكلاسيكي. وقد اتسمت كتابات هذه المرحلة بأنها قدمت للقارئ أحكاماً مسبقةً قبل أن تشرع بسرد تفاصيل السيرة النبوية بين ثنايا متونها لتحاكي ما استهل عليه عنوان المصنف في المقام الاول، وبذلك يخيل لنا ان المنهج العكسي كان الملمح الاول في تطور منهج كتابة السيرة النبوية في بريطانيا.
ويشير الموند Almond ان عبارة المنتحل Imposter ظلت التعبير العلمي الملازم لاسم محمد (ص) لتميزه عن اسماء من لديهم التسمية نفسها حتى وقت قريب من العهد الفيكتوري، ومن امثلة ذلك ما ورد في دائرة المعارف الانكليزيةEnglish Encyclopedia لعام1802، ودائرة المعارف البريطانية Britannica للأعوام 1817و1832([88])، لكن اعنف نقد تعرضت له سيرة الرسول (ص) ظهر في عام 1697 على يد الكاتب البريطاني همفري برديوHumphrey Prideaux(1648-1720) في كتاب كان عنوانه يحمل دلالة واضحة «طبيعة الانتحال الصادقة تظهر كاملة في حياة محمد The True Nature of Imposture Fully Displayed in the Life of Mahomet » وصف بريدو رسول الله 9 بعبارات قاسية متعصبة ومنها:«خلق محمد ديناً ظن بانه بات مستساغا لكنه لا يعدو ان يكون مزيجا مضطربا من اليهودية وهرطقة مسيحية كانت منتشرة في الشرق آنذاك وطقوس وثنية قديمة عند العرب من ثم شرع بإباحة كل اصناف الغرائز الشهوانية بشتى أشكالها بغية اجتذاب اصناف البشر لاعتناق دينه...ولما كانت تعصف به نوبات المرض فتسقطه صريعا لكنه كان يدعي بانها غشية الملك جبريل عندما يقبل عليه بوحي من الرب»([89]).
عصر الانفتاح على التراث الاسلامي (المرحلة الاحترافية) :
في مطلع القرن الثامن عشر برز اسم سيمون اوكلي Simon Ockley (1679-1720) قس مدينة كامبرج الذي درس العربية واصدر في العام 1708كتابه «غزو السراسنة لسوريا وفارس ومصر The Conquest of Syria, Persia, and Aegypt by the Saracens»، وفي العام 1718 اصدر كتابه «تاريخ السراسنة«The History of the Saracens وقد اعتمد اوكلي في تصنيفهما على كتاب فتوح الشام للواقدي، وتعدّ مصنفات اوكلي اول محاولة شاملة للكتابة عن تاريخ العرب والمسلمين باللغة الانكليزية([90]) ويبدو ان صورة الرسول بدت مشوهة في كتاباته لانه سار في اثر برديو في تصويره لطبيعة الاسلام وسيرة الرسول (ص) ([91]).
وتأتي مؤلفات جين كانيه Jean Gagnier 1670-1740 البريطاني ذي الاصول الفرنسية واستاذ اللسانيات الشرقية في جامعة اكسفورد والذي شرع بتصنيف سيرة لمحمد في ثلاثة أجزاء بالاعتماد على أبي الفداء، علاوة عن ترجمته لكتاب أبي الفداء «المختصر في تاريخ البشر» عام 1723 الى اللغة اللاتينية، وباتت سيرة النبي المكتوبة باللغة العربية متاحة لأول مرة في اوربا، كما شرع جانيه بتصنيف سيرة للرسول سنة 1732م، اشار في مطلعها إلى انّه لم يرغب من تصنيف كتاب يستعرض فيه حقيقة حياة محمد بقدر تعلق الموضوع بإظهار البواعث التي أدّت إلى ايمان العرب به، وقد أصبح كتابه عن حياة محمد مرجعاً اساساً في تاريخ السيرة في اوربا حتى ظهور كتاب فايل Weil «Mohammed der Prophet محمد النبي» في عام 1843 ليعلن بداية مرحلة جديدة في دراسات السيرة ([92]).
خصّص جانييه مقدمة كتابه بصفة رئيسة لتفنيد الآراء المتحاملة للكاتب الفرنسي هنري بونافلييه Henri de Boulainvilliers (1658-1722) الذي صنف في باريس عام 1731كتابه «تاريخ العرب مع حياة محمد Histoire des Arabes avec la Vie de Mahomet»، لقد تمتع جانيه في هذا العمل بكثير من المهارة والذوق لدرجة انّ كتابه عدّ من افضل ما كتب عن سيرة محمد وقد اغترف منه كثير من المؤرخين، لكن رغم ذلك لم يكن جانيه منصفا للرسول انصافا تاما فقد وصفه بانه اكثر الناس شرا، وقد علق بفانمولر على ذلك بقوله «من هذا يتبين لنا انّ الامر هنا ليس له الا تفسير واحد هو توجيه القارئ من بادئ الامر لقراءة الكتاب في ضوء هذه الاحكام وبهذا يؤثر جانيه على القارئ ويقيد حريته ويقلده بذلك نظارة سوداء تلون كل ما تقع عليه عينه بهذا اللون القاتم وهذا ليس من العلم والانصاف ولا يمت الى الامانة العلمية بسبب»([93])
وفي عام 1734 وبعد خمس وثمانين عاما من ترجمة روسRose ظهرت ترجمة جديدة للقران على يد البريطاني جورج سيل (George Sale) 1697- 1736 اشتملت على حواشي وتعليقات مقتبسة من نسخة القران اللاتينية الجدلية المضادة للإسلام والتي صدرت في روما عام 1698 لـلدوفيشيو ماراشيLodovico Marracci (1612-1700)، قدم سيل نبذة عن حياة محمد، لم يخرج فيها عن النظرة التقليدية السلبية إزاء النبوة لكنه اختلف عمن سبقه بانه اشاد بالقيم الاخلاقية التي يحملها محمد وهذا يعد تطورا في نظرة البريطانيين الى شخصية محمد، حتى ان ادوارد جيبون ذهب الى عده نصف مسلم([94])وفي ذلك نورد اقتباسا من اقوال سيل في حق الرسول (ص):
“ Mahomet …he was a man of at least tolerable morals, and not such a monster of wickedness as he is usually represented…”([95]).
«محمد... رجل ذو أخلاق رفيعة وليس وحشاً أو شراً كما ينظر إليه في العادة».
لقد جلب القرن الثامن عشر مع تحولات في طبيعة الخطاب الاستشراقي إزاء السيرة النبوية حيث يشير برنارد لويس «لقد ظهرت في كتابات عصر التنوير شهادات ايجابية بحق محمد على انه الحكيم والمتسامح والمشرع والحاكم والمجدد ...على الرغم من ادانتهم واتهاماتهم له بالتعصب والتلفيق»([96]) ويبدو ان ظهور نزعة التناقض في الموروث السلبي واعتماد وجهات نظر جديدة تتسم بالموضوعية في كتابات القرن الثامن عشر ادت الى تغير النظرة تجاه الاسلام لكن بنحو بطيء ([97]).
شهد القرن الثامن عشر ولادة مفكرين نظروا الى الرسول والاسلام من زاوية مغايرة للموروث السائد، وهذا ما نلمسه عند الشاعر الانكليزي صمويل تايلور Samuel Taylor Coleridge (1722-1834) الفيلسوف الانكليزي ومؤسس الحركة الرومانسية الانكليزية، الذي قدم في عام 1799قصيدة عن الرسول (ص) عنوانها «محمد Mahomet» وهي من الاعمال الادبية المنسية([98]) وتعدّ أروع ما كتب عن الرسول (ص) في الادب الانكليزي وتقع في اربعة عشر بيتاً، دافع فيها عن الرسول واصفاً إياه بانّه النبي الواعظ والثائر البروتستانتي والمحارب المتحمس الذي سحق طقوس الكفر عند وثنيي مكة وعند وثنيي المسيحية ناشرا بذلك تعاليم الانجيل الحقيقية للمسيح ([99]).
لكن الكاتب المسرحي ولتر سافج لاندروز Walter Savage Landor (1775-1864م) ذهب الى ان محمدا (ص) والقديس سيرجيس كلاهما يطلبان الشهرة فالقديس سيرجيس كان يطمع ان يظهر في القسطنطينية بينما اراد محمد ان يظهر في سوريا فمحمد ليس بنبي بل حرم الخمر على نفسه لما يصيبه من صرع واغماء فادعى ان ذلك وحي من السماء وانه حرام على المسلمين»([100]). لكن النزعة الجديدة لم تبلغ اوجها الا في طروحات المؤرخ الانجليزي ادوارد جيبون Edward Gibbon (1737-1794م) في مصنفـه «تاريخ انحدار وسقـوط الامبراطورية الرومانية «The History of the Decline and Fall of the Roman Empire بين عامي 1776-1788 الذي افرد في القسم الخمسين من المجلد التاسع لطبعة 1789 للحديث عن تاريخ الجزيرة العربية وسيرة الرسول (ص)، إذ استهلّ هذا القسم بعبارته الشهيرة « استطاع محمد باستخدام السيف في يد والقرآن باليد الأُخرى أن يقيم عرشه على انقاض المسيحية وانقاض روما»([101]) واشار في موضع آخر إلى «انّ عقيدة محمد خالية من الخرافات، والقرآن شهادة مجيدة على وحدانية الرب»([102]) كما ذهب الى ان محمداً تفادى ان يقع فريسة لطموحه حتى بلوغه سن الاربعين، ويرى انّ طموحه السياسي جرفه لتبني منهجاً مغايراً في المدينة خلافاً لما كان عليه في مكة وسرعان ما ذهبت عنه ملامح شخصيته المكية المتسامحة بفعل هذا الطموح([103])، ويمكن ان نحكم على مبلغ التناقض والحيرة التي بلغها كتاب هذه العصر من خلال النص التالي:
«ان الخلاصة من حياة محمد توجب علينا ان نقيم توازناً بين فضائله وأخطائه وان نقرّر عنواناً لهذا الرجل الاستثنائي هل كان متحمساً ام منتحلاً؟...كيف يمكن لرجل حكيم أن يخدع نفسه، وهل يمكن لرجل صالح أن يخدع الآخرين؟ هل يهجع الضمير في خليط مضطرب من خداع الذات والاحتيال الاختياري ؟هذا الرجل الذي يشهد له صهره علي: بانه جمع كل الفضائل فهو الشاعر والمحارب والقديس، الذي لازالت حكمته تَشْهقُ الأقوال الأخلاقيةِ والدينيةِ؛ الذي وقف بفصاحته وشجاعته بمنازلات السيف واللسان منذ ان صدح بدعوته حتى اخر طقس في جنازته الذي لم يُخذل من صاحبه الكريم واخيه ونائبه الذي اخلص له وكان له بمنزله هارون من موسى»([104]).
ان الاشارة الى شخصية الامام علي (ع) في هذه المرحلة يدلل بنحو لا يرقى إليه الشك على تطور جديد في قراءة سيرة الرسول (ص) ليشمل آفاقاً أوسع تستوعب شهادة الاعلام المقربين من الرسول (ص) هذا التطور يبدو انه اضفى حالة من التوازن النسبي على الصورة الكلاسيكية المشوهة وهو يرتدّ الى تجليات النزعة العقلية التي برزت في هذه المرحلة، زد على ذلك فان اختيار جيبون لشهادة الامام علي (ع) تحديدا في صياغة خلاصته عن حياة محمد (ص) يقطع بان الكتاب البريطانيين كانت لهم احكام وتصورات عن علاقات النبي بأصحابه ومبلغ منازلهم الفكرية وهذا يدلل على ظهور النزعة التحليلية ذات الطابع الشمولي في قراءة تفصيلات السيرة في هذه المرحلة النقدية المبكرة.
وفي أواخر القرن الثامن عشر والتي تعد مرحلة انتقال الى ما يعرف بالتاريخ الاستعماري او الكولنيالي فرضت شركة الهند الشرقية هيمنتها على الهند واستحوذت على القوة من الحكام المسلمين، صاحب التوسع الاستعماري البريطاني إذ شهدت تبدلاً في المواقف حيال الشرق وفي هذه المدة ظهرت طائفة من رجالات الشركة من المنبهرين بالثقافة المحلية في الهند والمنجز الحضاري للشرق، هؤلاء كان لهم أثر بالغ في تغيير نبرة الخطاب التاريخي عن الشرق فباتت النبرة اقل حدة وتهديدا من السابق، لكن السمة البارزة التي كانت عليها كتابات هذه المرحلة هي الابقاء على حالة الابوية من قضايا الشرق بشكل يسهم في تعزيز السيادة البريطانية وتسويغ الحكم الاستعماري([105]).
الخاتمة:
ان السمة الغالبة على الخطاب الاستشراقي البريطاني الكلاسيكي بشكله العام كان تحامليا معبأ بالموروثات المثيلوجية للكنيسة بنحو غير مبرر على الرغم من التحولات الإيديولوجية والمفاهيمية والمنهجية التي تمخضت عنها الانشقاقات البروتستانتية او التي افرزتها الحقبة الكولنيالية على الرغم من ظهور محاولات متواضعة لتقديم صورة موضوعية عن الشخصية المحمدية تصل الى حد الندرة؛ تمثل من وجهة نظرنا حالات فردية انسلخت من موروثاتها الفكرية لتمعن النظر في الشخصية المحمدية كظاهرة انسانية مستقلة في اطارها الزمكاني بمعزل عن الموروثات الدينية او الصراعات السياسية بين اوربا وتركيا العثمانية؛ اذ لم تجد صورة الرسول البراقة طريقها الى المخيال الشعبي البريطاني بفعل التشويه التي جعلت صورته توازي صورة الشيطان ليكون الاسلام عقابا بدلا عن كونه تحديثاً قيمياً قائماً على الوحدانية، كما نلحظ ان التطورات التي شهدتها العقلية البريطانية من المرحلة القروسطية ذات الصبغة المثيولجية الاعتباطية ومرورا الى المرحلة الكولنيالية العلمانية لم تؤدِّ الى حدوث تغير موضوعي عن الشخصية المحمدية في الخطاب الاستشراقي بل لمسنا ان ارهاصات هذه التطورات قد تم توظيفها لتعزيز الخطاب التقليدي التحاملي من خلال تشذيبه من الموروثات المثيولجية المسيحية والتشديد على الابعاد التقويضية للمنظومة الاسلامية من خلال نبرة اقل حدة وخطاب متطور اشد وقعا.
كما ظهر لنا ان هذا الخطاب اتخذ شكلا بانوراميا شموليا كانت افرازاته واضحة على التدوين و الفلكلور والادب والفن والتأليف واقتناء المخطوطات والترجمة والقصيدة والمسرح، ونلمس انه ليس من شخصية في تاريخ بريطانيا حازت على مثل هذا القدر من الاهتمام والتأليف بقدر ما حازت عليه الشخصية المحمدية؛ ولعل كل ملمح من ملامح الفن والاحساس والرقي الإنساني سخرت بنحو منظم لتجعل من الاسلام عدوا مخيفا يتسور بريطانيا التي يفصلها عن الاسلام بحار بعيدة لكن ما يلوح في الافق ان الشخصية المحمدية المشوهة في الخطاب الاستشراقي البريطاني قد تم انتاجها لتغدو مستحثا من مستحثات التطور.
* هوامش البحث *
([1]) Melrose, Robin, The Druids and King Arthur A New View.
of Early Britain ,British library,UK,2011,p53.
([2]) Quinn ,Frederick, the sum of all heresies the image of Islam in western thought oxford University press , 2008,p38 .
([3]) Ibid.
([4]) Arthur, Jeffery The Quest of the Historical Muhammad The Muslim World, vol. xvi, Issue 4 (October 1926) p330,,Thomson R. W. Historical, commentary by James Howard-Johnston Assistance The Armenian History,attributed to Sebeos,translated, with notes, Liverpool,University Press,Oxford,1998,pp 49-53.
([5]) Walter ,Emil Kaegi, Initial Byzantine Reactions to the Arab Conquest Cambridge University Press on behalf of the American Society of Church History, Church History, Vol. 38, No. 2 (Jun. 1969), pp 142-145 .
([6]) Ibid.
([7]) Ibid .
([8]) Ibid.
([9]) Quinn , Op. cit., p38 .
([10]) Hourani,Albert,Islam in European Thought, Cambridge University,Uk 1989,p 225.
([11]) سوذرن، ريتشارد صورة الاسلام في القرون الوسطى ترجمة رضوان السيد، دار المدار الاسلامي، بيروت، 2006، 49-53.
([12]) السراسنة او السراقين Saracens او saraceni كما تترجم من اليونانية و "saracenes"، عبارة استعملها اللاتين على هذه الصورة "saracenus"، وذلك في معنى العرب وأطلقوها على قبائل عربية كانت تقيم في بادية الشام وفي طور سيناء، وقد توسع مدلولها بعد الميلاد، فأطلقت على العرب عامة قد أطلق بعض المؤرخين من أمثال "يوسبيوس" "أويسبيوس" "eusebius" و"هيرونيموس""Hieronymus هذه اللفظة على "الإسماعيليين" وبعضهم يرجعها الى الاغريق الذين اطلقوا على العرب عبيد سارة زوجة ابراهيم 7 وما يؤكد هذا الراي اشارة بعض الباحثين الى ان الكلمة تتألف من مركب «سرا» و«قين» التي تعني عبيد ـ سارة، يعلق ستروب Stubbeعلى هذه العبارة بقوله «لا يمكن ان يدعى العرب بالسراسنة نسبة الى سارة او عبيد سارة بل الصحيح ان يطلق عليهم الهاجريين نسبة الى هاجر او الإسماعيليين نسبة الى اسماعيل بن ابراهيم »للمزيد ينظر: علي، جواد، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، دار الساقي، ط 4، ، د.م، 2001م 1/26-29.
Stubbe,Henry, account of the rise and progress of Mahometanism، London، 1911، p106 Mansour, Atallah,Narrow Gate Churches,The Christian Presence in the Holy Land Under Muslim,USA,2004, p31 .
([13])سوذرن، الاسلام في القرون الوسطى.
([14]) Walter. Op. cit., p 142.
([15]) شاخت، جوزيف، كليفوردبوزورث، تراث الإسلام، ترجمة وتعليق محمد زهير السمهوري واخرون، تحقيق، شاكر مصطفى، سلسلة عالم المعرفة، الكويت 1978،1/61.
([16])جورافسكي، أليسكي، الإسلام والمسيحية، عالم المعرفة، الكويت، 1997، 63.
([17]) سوذرن، الاسلام في القرون الوسطى، 62.
([18]) Setton ,Kenneth M,Western Hostility to Islam and Prophecies of Turkish doom, American philosophical Society , Phiadilifia.1992 p5 .
([19]) جورافسكي، الإسلام والمسيحية، 63.
([20]) Beckett ,Katharine scarf, Anglo-Saxon perceptions of the Islamic world ,Cambridge University Press,UK,2003,p.
([21]) Elzain Elgamri, Islam In The British Broadsheets The Impact of Orientalism on Representations of Islam in the British Press ,Ithaca Press,UK, 2008 p3
([22])سوذرن، الاسلام في القرون الوسطى، 54.
([23]) Quinn , Op. cit., p 38.
([24]) Beckett, Op. cit., p18.
([25]) Shihab, Alwi Examining Islam in the West, Addressing Accusations and Correcting,indonisia.2011,p 63.
([26]) شاخت، تراث الاسلام، 1/34.
([27]) شاخت، تراث الاسلام، 1/35.
([28]) سوذرن، الاسلام في القرون الوسطى 65- 66.
([29]) المصدر نفسه 1/31.
([30]) سوذرن، الاسلام في القرون الوسطى 65- 66.
([31]) المصدر نفسه.
([32]) المصدر نفسه، 59.
([33]) المصدر نفسه .
([34]) Arthur , Op. cit.,331 .
([35]) أغنية رولان ( Chanson de Rolland ) قصيدة غنائية فرنسية ظهرت في القرون الوسطى طورت وعدلت مرات كثيرة فكان شكلها أكثر اكتمالاً من تحرير أكسفورد حوالي ١١٧٠ م. موضوعاتها التاريخية تقوم على سرد الحكايات البطولية حول حروب كارل العظيم أو الكبير بكل هذه الملحمة الغنائية، جورافسكي، الإسلام والمسيحية، 66 .
([36]) “Mahomet Mahoniery, Mahound, Macamethe, Machamete. Makomete, Makaniete, Machomete, Machomet, Machamyte, Macomite,Mahomette, Mahometite, Mahumet, Mahoved, Mumet Machometus, Mahumctus Mahometits, Maumet, Mahum, Mahun, Mahoune, Mahoun, Mahone, Mawhown, Machoun, Mahowne, Macon; Mahount, Mahowrde. Machound, Mauhound, MahutiMahont, Baphomet Mahomite" Murray” James A. H,A New English Dictionary on Historical Principles: Founded Mainly on the Materials Collected by the Philological Society,Oxford,vol M,1928,37-39, Davidson Thomas chambers’ twentieth century dictionary of the English language pronouncing, London edinburgh,1903 p545 .
([37]) Brewer's Dictionary of Phrase And Fable,Harper & Brothers publisher, newyork,1890 p73
([38])المصدر نفسه 66.
([39]) Shakespeare, William, and others, The plays of William Shakespeare, Romeo and Juliet, London 1813, Vol 20,p 184.
([40]) سوذرن، الاسلام في القرون الوسطى 80.
([41]) جورافسكي، الإسلام والمسيحية، 70
([42]) المصدر نفسه.
([43]) المصدر نفسه 70-73.
([44]) المصدر نفسه 73.
([45]) سوذرن، الاسلام في القرون الوسطى 87.
([46]) المصدر نفسه 95-105.
([47]) المصدر نفسه 122.
([48]) المصدر نفسه 122.
([49]) المصدر نفسه 130.
([50]) Quinn , Op. cit., p 45.
([51]) Ibid p45 .
([52]) Ibid,p 46.
([53]) Ibid p45.
([54]) Netton,Ian Richard, orientalism revisited: Art, Land And Voyage, USA,2013,pp5-10.
([55]) David R. Blanks and Michael Frassetto,Western Views of Islam in Medieval and Early Modern Europe,Newyork,1999,p66.
([56]) Raleigh, Walter,The history of the world, London,1614,first book p 178 .
([57]) ShakespeareOp. cit., Henry VI, London 1813, Vol 13,p 27 .
([58]) Dibdin, Thomas, the London theatre, collection of the most celebrated and dramatic pieces, vol.xvi,London 1816,176-218 .
([59]) Martin H. Manser, the facts on file dictionary of proverbs, the facts on file,USA,2007,p135.
([60]) David Laing ,The Poems of William Dunbar , Edinburgh ,Vol 2,p254.
([61])The British Controversialist, And Literary Magazine, publisher Houlston and Stonemen vol3,London 1860, p206 .
([62]) George ,Sandy’s, relation of a journey begun An: Dom Fovre bookes. Containing a description of the Turkish Empire, of Ægypt, of the Holy Land, of the remote parts of Italy, and islands adjoining Printed for W. Arrett, London, 1610,pp52-53 .
([63]) Curtis, Michael Orientalism and Islam European Thinkers on Oriental Despotism in the Middle East and India, Cambridge university press Cambridge,2009,p34 .
([64]) Netton, Op. cit.,pp5-7.
([65]) Op. cit.,p34.
([66]) Lewis, Op. cit.,pp85-86 .
([67]) Curtis, Op. cit.,p34.
([68]) Quinn , Op. cit., p 56.
([69]) Ibid, p 64.
([70]) Hamilton, Alastair ,William Bedwell the Arabist 1563-1632,advansment pure research, Leiden Netherland,1985,pp39,67.
([71]) Quinn , Op. cit., p 65.
([72]) Lewis, Bernard, Islam and west , Oxford university press, Oxford,1993 p 90.
([73]) Edward Pococke, Specimen Historiae Arabum Oxford, 1806 ,pp ii-xiv.
([74]) Quinn , Op. cit., p 65.
([75]) Netton, Op. cit.,pp5-7.
([76]) Arthur , Op. cit.,332 .
([77]) Society for the Diffusion of Useful Knowledge The Penny Cyclopaedia,London.1833,vol1 p328.
([78]) Brewer's Dictionary of Phrase And Fable,Harper & Brothers publisher,newyork,1890 p430.
([79]) Birchwood,Matthew,Staging Islam in England Drama and Culture,Cambridg,2007,p88.
([80]) Ibid.
([81]) وزان، محمد عدنان، صورة الاسلام في الادب الانجليزي دراسة تاريخية نقدية مقارنة، دار اشبيلية للطباعةوالنشر، ط1، الرياظ، 1998، 1\743 .
([82]) Quinn , Op. cit., p 66.
([83]) Ross, Alexander,Pansebeia, or, A view of all religions in the world...London ,1669,p 116-128.
([84]) Almond, C, Philip, Heretic and Hero: Muhammad and the Victorians, Netherland, 1989, p9.
([85]) Curtis, Op. cit.,p35.
([86])Force, James E. &others Newton and Religion: Context, Nature, and Influence Kluwer academic publisher, Netherlands, 1999 p. 156.
([87]) Quinn , Op. cit., p 68.
([88])Almond, Op. cit, p11.
([89]) Humphrey Prideaux, The True Nature of Imposture ,Oxford,1723.p10-13
([90]) Quinn , Op. cit., p 69.
([91]) Ockley, Simone, History of the Saracens ,Cambridge, 1757,vol2 p,xxxv
([92]) Lewis, Op. cit.,90.
([93])سيرة الرسول في تصورات الغربين فصول مختارة من كتابات المستشرق الالماني جوستاف بفانمولر ترجمها وقدم لها محمود حمدي زقزوقجامعة الازهر، مجلة مركز البحوث السنة والسيرة، العدد الثاني، 1987 12083، ، 171.
([94]) Quinn , Op. cit., p 67.
([95]) Sale, George The Koran, Commonly Called the Alcoran of Mohammed,London,1795, Vol1,p54.
([96]) Lewis, Op. cit.,90.
([97]) Quinn , Op. cit., p 57-58.
([98]) Garcia Humberto ,Islam and the English Enlightenment 1670-1840, Johns Hopkins University press,USA,2012,p2 .
([99]) Taylor, Samuel The Poetical Works of S.T. Coleridge, Vol 2,London 1836,p68.
([100]) وزان، صورة الاسلام 743.
([101]) Gibbon, Edward The history of the decline and fall of the Roman Empire, vol9 London,1789,p115.
([102]) Ibid,p122.
([103]) Ibid,p 167-173 .
([104]) Gibbon, Op. cit.,p 171.
([105]) Netton, Op. cit.,pp5-6.
* المصادر والمراجع *
ـ أولاً المصادر العربية والمعربة:
1 ـ جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، دار الساقي، ط 4، د.م، 2001م.
2 ـ جورافسكي، أليسكي، الإسلام والمسيحية، عالم المعرفة، الكويت، 1997
3 ـ زقزوق، محمود حمدي سيرة الرسول في تصورات الغربين فصول مختارة من كتابات المستشرق الالماني جوستاف بفانمولر ترجمها وقدم لها جامعة الازهر، مجلة مركز البحوث السنة والسيرة، العدد الثاني، القاهرة، 1987
4 ـ سوذرن، ريتشارد صورة الاسلام في القرون الوسطى ترجمة رضوان السيد، دار المدار الاسلامي، بيروت، 2006، 49-53
5 ـ شاخت، جوزيف، كليفوردبوزورث، تراث الإسلام، ترجمة وتعليق محمد زهير السمهوري واخرون، تحقيق، شاكر مصطفى، سلسلة عالم المعرفة، الكويت 1978
6 ـ وزان، محمد عدنان، صورة الاسلام في الادب الانجليزي دراسة تاريخية نقدية مقارنة، دار اشبيلية للطباعةوالنشر، ط1، الرياظ، 1998
ـ ثانياً: المصادر الاجنبية:
Almond,C,Philip,Heretic and Hero: Muhammad and the Victorians,Netherland,1989.
Arthur, Jeffery The Quest of the Historical Muhammad The Muslim World, vol. xvi, Issue 4 (October 1926) .
Beckett ,Katharine scarf, Anglo-Saxon perceptions of the Islamic world ,Cambridge University Press,UK,2003
Birchwood,Matthew,Staging Islam in England Drama and Culture,Cambridg,2007.
Brewer's Dictionary of Phrase And Fable,Harper & Brothers publisher,newyork,1890
Brewer's Dictionary of Phrase And Fable,Harper & Brothers publisher,newyork,1890.
Curtis,Michael Orientalism and Islam European Thinkers on Oriental Despotism in the Middle East and India, Cambridge university press Cambridge,2009.
David Laing ,The Poems of William Dunbar , Vol 2,Edinburgh, 1893.
David R. Blanks and Michael Frassetto,Western Views of Islam in Medieval and Early Modern Europe,Newyork,1999.
Davidson Thomas chambers’ twentieth century dictionary of the English language pronouncing, London edinburgh,1903.
Dibdin,Thomas,the London theatre, collection of the most celebrated and dramatic pieces,vol.xvi,London 1816.
Edward Pococke, Specimen Historiae Arabum Oxford, 1806.
Elzain Elgamri, Islam In The British Broadsheets The Impact of Orientalism on Representations of Islam in the British Press ,Ithaca Press,UK, 2008
Force, James E. &others Newton and Religion: Context, Nature, and Influence Kluwer academic publisher,Netherlands,1999 .
GarciaHumberto ,Islam and the English Enlightenment 1670-1840, Johns Hopkins University press,USA,2012.
George ,Sandy’s, relation of a journey begun An: Dom Fovre bookes. Containing a description of the Turkish Empire, of Ægypt, of the Holy Land, of the remote parts of Italy, and islands adjoining Printed for W. Arrett,London, 1610.
Gibbon, Edward The history of the decline and fall of the Roman Empire, vol 9 London,1789.
Hamilton, Alastair ,William Bedwell the Arabist 1563-1632,advansment pure research, Leiden Netherland,1985.
Hourani,Albert,Islam in European Thought, Cambridge University,Uk 1989.
Humphrey Prideaux, The True Nature of Imposture ,Oxford,1723.
James A. H,A New English Dictionary on Historical Principles: Founded Mainly on the Materials Collected by the Philological Society,Oxford,vol M,1928
Lewis, Bernard, Islam and west , Oxford university press, Oxford,1993.
Mansour,Atallah,Narrow Gate Churches,The Christian Presence in the Holy Land Under Muslim,USA,2004
Martin H. Manser,the facts on file dictionary of proverbs, the facts on file,USA,2007.
Melrose, Robin, The Druids and King Arthur A New View of Early Britain ,British library,UK,2011.
Netton,Ian Richard, orientalism revisited: Art, Land And Voyage,USA,2013.
Ockley,Simone, History of the Saracens, vol2 ,Cambridge, 1757.
Quinn ,Frederick, the sum of all heresies the image of Islam in western thought oxford University press , 2008.
Raleigh, Walter,The history of the world, first book, London,1614.
Ross, Alexander,Pansebeia, or, A view of all religions in the world...London ,1669.
Sale,George The Koran,Commonly Called the Alcoran of Mohammed Vol1,London,1795,
Setton ,Kenneth M,Western Hostility to Islam and Prophecies of Turkish doom, American philosophical Society , Phiadilifia.1992
ShakespeareWilliam, and others, The plays of William Shakespeare., Henry VI, London 1813, Vol 13,
Shakespeare, William, and others, The plays of William Shakespeare, Romeo and Juliet, London 1813, Vol 20.
Shihab,Alwi Examining Islam in the West, Addressing Accusations and Correcting,indonisia.2011.
Society for the Diffusion of Useful Knowledge The Penny Cyclopaedia,London.1833,vol1.
Stubbe,Henry, account of the rise and progress of Mahometanism,London,1911
Taylor,Samuel The Poetical Works of S.T. Coleridge, Vol 2,London 1836.
The British Controversialist, And Literary Magazine, publisher Houlston and Stonemen vol3,London 1860.
Thomson R. W. Historical, commentary by James Howard-Johnston Assistance The Armenian History,attributed to Sebeos,translated, with notes, Liverpool,University Press,Oxford,1998
Walter ,Emil Kaegi, Initial Byzantine Reactions to the Arab Conquest Cambridge University Press on behalf of the American Society of Church History, Church History, Vol. 38, No. 2 (Jun. 1969).
**