حفل افتتاح غير مسبوق في الثامن عشر من آذار 2006 وآخر في اليوم الثاني للفنان صباح فخري
10ندوات و200 محاضرة لكبـار الخبراء في العالم
اقترب الموعد كثيراً إنه في الثامن عشر من آذار الجاري، في ذاك اليوم سيقام حفل افتتاح كبير يعلن «حلب» عاصمة للثقافة الاسلامية.
ترى مامعنى ذلك..؟ وكيف تم اختيار حلب ولماذا..؟
وهل انجزت حلب الرسمية والشعبية التحضير الملائم لهذا الحدث الكبير..؟
ذهبنا الى حلب وتجولنا في شوارعها قبل أيام، رأينا اعلانات طرقية تشير الى هذا الموضوع،أغلبها صغير وخجول وشاهدنا حفريات في شارع شكري القوتلي وفي بعض الشوارع الفرعية ولفت انتباهنا وجود قشط وتزفيت لعدد من الشوارع في أنحاء مختلفة من المدينة. واستفسرت من سائق نقلني من موقف البولمانات المحاذي للملعب البلدي الى وسط المدينة عما يحدث في حلب الآن فيقول: بات عمال النظافة يعملون في الليل وغدت حلب أنظف.
وهذا الكلام سمعته من عدد من السائقين كلما انتقلت من مكان الى آخر في حلب ذاتها. الكل يؤكدون أنه قد تم تنظيف حلب وجرى ترحيل الكثير من أكوام القمامة التي كانت متروكة على قارعة الطريق وفي منصفات الشوارع.
تقصير دعائي
قصدت عيادة الدكتور عبد الله خوري اختصاصي في الأمراض الصدرية وأستاذ في جامعة حلب و باحث مهم ومتابع، وريثما كنت في الانتظار تحدثت الى زوجه الدكتورة فاتن حصري الاختصاصية بالأمراض النسائية والتوليد فسألتها عن حلب كعاصمة للثقافة الاسلامية فأوضحت أنها سمعت عن هذا الأمر لكنها لم تلمس له أي حضور قوي بين الناس والفكرة عنه مشوشة بسبب التقصير الدعائي له سواء في التلفاز أو الطرقات إذ لازينة ولا لافتات كبيرة ولاشيء تقريباً يدل على أن حلب في احتفالية كبيرة على مستوى العالم الاسلامي.
اعتقد أنه كان يجب اجراء الكثير من المقابلات التلفزيونية حول هذا الموضوع واقامة ندوات بشأنه في الجامعات والمدارس والنقابات
ويضم د.خوري صوته الى صوت زوجه د.حصري ويؤكد وجود تقصير إعلامي واضح في التعريف بحلب كعاصمة للثقافة الاسلامية ويرى أن مشاغل الناس كثيرة في هذه الايام.
ولهذا يجب بذل جهد كبير لجذبهم للمشاركة في هذه الاحتفالية ويقترح أن تعمم النقابات المهنية والعلمية على اعضائها إبراز ماعندهم من ابداعات والدلالة على من يعرفون من مبدعين وباحثين لإحياء هذه الاحتفالية بأقدم مدينة مأهولة في العالم، على الرغم من تعرضها لسبعة زلازل مدمرة.
ويشدد الدكتور عبد الله خوري على ضرورة ألا يقتصر الأمر على حفل الافتتاح وضرورة اغتنام هذه الفرصة للوصول الى الأحياء الشعبية الكبيرة في حلب ولاسيما أن جمهورنا غائب على الأغلب عن المراكز الثقافية والمنتديات بل لابد من أن تبعث الجهات المعنية برسائل للمناطق الشعبية التي لايصل أحد اليها للتواصل مع الثقافة. إذ تشير إحدى الدراسات العلمية الى أنه من بين ثلاثمئة الف انسان في الوطن العربي ثمة انسان واحد فقط يشتري كتباً..!!
واعتقد أنهم تأخروا في الاحتفال إذ من المعروف أن الناس في حزيران وتموز يهتمون بالامتحانات وفي آب وايلول يذهبون الى المصايف ولهذا يجب التركيز على نيسان وايار.
سألتهما عن الطب الاسلامي، اجاب د.خوري: لدى معهد التراث ارشيف ضخم وفي نقابة الاطباء مكتبة هامة وارى أن الحدث فرصة مناسبة لاستخراج هذه الكنوز وفي التاريخ الحديث تفخر حلب بالدكتور جبجيان طبيب العيون الشهير وهو أول من أنجز عملية ترقيع قرنية والدكتور زهير براق وهو طبيب موسوعي وأحد رموز المهارة الطبية في الوطن العربي والعالم الاسلامي. وتتحدث الدكتورة فاتن في هذا المجال عن جدها الدكتور ابراهيم توفيق حصري المختص في المانيا بطب العيون وكانت عيادته في الجلوم منذ العام 1920. أما والدها فهو الطبيب الجراح فهر الحصري وقد عمل في اللاذقية في المشافي العسكرية ثم افتتح عيادة في حلب في العام 1960 وتشير الى الدكتورة نجوى الرفاعي كطبيبة نسائية ممتازة في حلب وهي من اوائل النساء والى الدكتور محمود برمدا الاستاذ الجامعي واختصاصي النسائية الشهير بمعالجة حالات العقم على مستوى الوطن العربي.
وسألتها: كيف تعبّر المرأة العاملة عن نفسها في هذه الاحتفالية
أجابت: لم أطلع على برنامج الاحتفالية وعما اذا كان هناك محاضرات اوندوات بهذا الشأن كعمل المرأة في الاسلام لكنني اهتم بسؤالك لجهة التأكيد على ان المرأة اليوم ولاسيما في بلدنا هي عماد المجتمع وارى التركيز عليها ودعمها للانطلاق بقوة اكبر وارى انها ضحية نظرة ظالمة ولايفسح لها مجال العمل بشكل جيد إذ غالبا ماتعد مقصرة في عملها أوأنها تصادر حق الرجل من العمل.
ويوافق د. خوري على هذا الرأي ويؤكد ان من حق المرأة كانسانه ان تعمل وتكسب معيشتها فالمجتمع بابنائه، وليس شرطا ان كل الرجال فعّالون وقادرون وجيدون وأن كل النساء ضعيفات ومفتقرات الى الكفاءة.
يجب ان نستفيد من هذه الاحتفالية للتأكيد على هذه المعاني وعلى حق المرأة في العمل والتخلص من التقويمات الجائرة.
جولة ميدانية
قمنا بجولة ميدانية في شوارع حلب وبعض حاراتها ومقاهيها ومحالها التجارية وقال لنا بائع العصير في شارع شكري القوتلي /وهو أهم شوارع حلب واكثرها ازدحاما/: سمعنا مثلكم ولكن لم نفهم شيئا إذ حفروا أمام محلنا حفرة كبيرة منذ عدة أيام وقالوا انهم سيضعون اعمدة جديدة للإنارة مما سيجعل الرصيف ضيقا وهو ضيق في الاساس وقلنا لهم يوجد اعمدة علقوا عليها المصابيح فلم يأخذوا برأينا ولم نشعر بأي تغيير على صعيد حركة السياحة أو الناس.
وقال السيد قانصو الغوري/مزارع/:كان يجب استباق هذا الحدث بترتيب المدينة كفصل محافظة الريف عن المدينة وانجاز ميترو وجسور وانفاق والانتهاء من المجلس البلدي ونقل القصر العدلي. إن ضيوف هذه الاحتفالية سيأخذون فكرة سيئة عن حلب ذات الحفر والمطبات والازدحام الرهيب والاستخدام الأرعن للابواق، وهنا تدخّل في الحديث صديقه على طاولة الزهر في المقهى السيد لؤي جاسر وقال: لدينا عادة سيئة فكل مئة سيارة تستخدم الابواق دفعة واحدة ويكاد المرء يقع على الأرض وهو يسمع هذه الابواق. ولفت إلى ان المعاناة الكبرى لمدينة حلب هي نهر قويق وفرح كثيرا عندما اخبرناه انه ستضخ المياه اليه في تموز القادم من خلال مشروع احياء قويق الذي تنفذه مؤسسة الانشاءات العسكرية /متاع/ حاليا بهمة عالية إذ وصلت نسبة التنفيذ حسب الجهة المشرفة وهي المؤسسة العامة لاستصلاح الأراضي إلى 70٪.
هل لديكم فكرة عن برنامج الاحتفال في حلب عاصمة للثقافة الاسلامية؟
اجاب قصي جاسر شقيق لؤي وصديق الغوري: لانعرف شيئا لكننا نغتنم هذه المناسبة لاستنكار الجور والحفريات ونقص الانفاق والجسور في حلب ونطالب ببناء الفنادق خارج المدينة لتقليص الازدحام.
ولفت الانتباه الى ان سكان حلب يخرجون الى طريق حلب دمشق في الصيف ويجلسون تحت اشجاره ويتركون بقايا الطعام مما يستدعي إقامة منتزهات شعبية لحماية البيئة كما ان حلب بهذه المناسبة كانت بحاجة الى مسرح كبير ونصح بالزيارات الميدانية للمسؤولين للاطلاع على الواقع وتطويره والتقيت ثلاث نساء على مقربة من القلعة سألتهن عن سبب اختيار حلب.. فأجبن: لانها اكثر المدن الاسلامية تديناً والتزاما بتعليمات الدين الاسلامي الحنيف.
وقال احمد صارجي: لااعرف لماذا اختاروها عاصمة للثقافة الاسلامية لكنني اتمنى ان نبذل جهدا اكبر لجذب المزيد من السياح الى حلب.
أما المعلم محمد أبو جوهر- متقاعد- فاجابنا: إن اختيارها كان بهدف اظهار الثقافة الاسلامية ويعتقد عبد المنعم حنيفة انها امتداد للخلافة الاموية، ومن امنياته بهذه المناسبة ان تتحسن الحالة الاقتصادية في حلب وان تغض البلدية النظر من الباعة الجوالين وان/تفك/ عنهم وبالشامي العامي أن/تحل عن/ هؤلاء الغلابة الذين ملوا فعلا هذه اللعبة اليومية المقيتة /كروفرومصادرة/
اما عثمان عبد الباري/متقاعد/ وكنا التقيناه وسط الباعة الجوالين على مقربة من الجامع الأموي فقد تمنى ان تساهم هذه الاحتفالية في تبني نهجا اسلاميا صحيحا ويرى السيد جهاد دهنه العامل في احدى المؤسسات الحكومية ان هذا الاختيار يعني ازدهار السياحة ومجيء وفود وقد لمس ان حلب في احتفالية عندما رأى المحال التجارية وقد طليت باللون الاخضر ووضع عليها شعار حلب عاصمة الثقافة الاسلامية وان عدد الباعة الجوالين قد تقلص وان المدينة قد غدت نظيفة.
الجهات الرسمية
من خلال اللقاء بعدد من مديري المؤسسات علمت انه قد جرى تقسيم حلب إلى قطاعات وأعطيت كل مؤسسة قطاعاً أو قطاعين لتنظيفهما من الأوراق على الجدران أو الترميم والعناية بالمنصفات والحدائق وطباعة اللوحات الإعلانية.
وفي فرع المؤسسة العامة للطيران السورية التقينا السيدة حزامة جحا وسألناها عن التحضيرات أجابت: لدينا ثلاثة مكاتب في حلب وقد طُلب منا أن نقوم بتنظيف المناطق القريبة من هذه المكاتب، سألتها: ألم تتبنوا برنامجاً يساهم في تخديم المناسبة: تخفيض على البطاقات أو تعاون مع الفنادق أو تفعيل محطاتكم في العالم لعلها تسوق زيارات لسورية في هذه المناسبة بأسعار زهيدة؟
أجابت: لم تزودنا المحافظة بعد بالبرامج المعتمدة لحلب كعاصمة للثقافة الإسلامية كي نعمل في ضوئها ونهيىء بعض النشاطات.
وخرجنا من مكتبها في ذهول: إن محطة حلب للسورية للطيران تدير عملياً الجزء الأكبر من أعمال مطار حلب إذ تخدم رحلات السورية وشركات الطيران العربية والأجنبية التي تتعامل مع مطار حلب، علماً أن مجموع مغادري مطار حلب في العام 2005 قد بلغ 139942 راكباً ومجموع القادمين 150459 راكباً وتقوم السورية بتأمين الصيانة للطائرات ولديها 250 عاملاً يساعدون في أعمال الوزن ونقل الحقائب والبضائع وصيانة الطائرات والآليات على الأرض في حين أن المؤسسة العامة للطيران المدني تقدم البناء والبرج والموازين.
لماذا حلب..؟
كان الصديق الدكتور عبد الله خوري أستاذ أمراض الصدر والحساسية في كلية الطب في جامعة حلب قد نصحني أن أقابل الدكتور بشير الكاتب الرئيس السابق للجمعية السورية لتاريخ العلوم في حلب وعميد كلية الطب سابقاً فهو مثقف موسوعي ومتابع جاد لتراث حلب التقاني، وقلت ذلك للدكتور الكاتب فقال لي: إن الدكتور عبد الله خوري نِعْمَ الطالب لقد تفوق وأبدع وهذا يبهجنا لأن الحياة- تستمر على نحو أفضل .
ووجدت لدى الدكتور الكاتب عندما قابلته في عيادته في حلب كنوزاً معرفية فلقد أوضح في سياق إجابته عن سؤال مثل، لماذا اختيرت حلب عاصمة للثقافة الإسلامية إن حلب تتميز أنها ظلت مدينة مزدهرة منذ تأسيسها قبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة وحتى الآن.
وقد عثر على كتابات هيروغليفية في أحد الأحياء السكنية المسمى حي العقبة في منطقة باب جنين ان رمسيس الثاني فرعون مصر كان قد زارها.
وتعاقب عليها الآراميون والحثيون والآشوريون والروم والفتح الإسلامي ثم تعاقب الأمويون والعباسيون والسلجوقيون والزنكيون والأيوبيون والعثمانيون كل هذه الأمم أبقت على حلب مدينة مزدهرة وهي لاتزال تنبض بالحياة والفعالية وهذا ما يميزها عن كل مدن العالم.
ففي دمشق مثلاً القليل من الآثار الأموية والزنكية وفي بغداد القليل من أثار العباسيين وعلى الرغم من أن حلب تعرضت للدمار والمجازر على يد تيمور لنك وهولاكو ظلت مزدهرة وصورة عن التنوع الحضاري الذي أشرت إليه، ثانياً: كانت حلب الطريق الرئيسي لتجارة الحرير بين الشرق الأقصى وأوروبا وظلت محافظة على قيمتها التجارية بعد افتتاح قناة السويس على الرغم من أن هذه القناة كان من الممكن أن تنهي دور حلب التجاري على هذا الصعيد!!
ثالثاً: لاتزال حلب عاصمة للثقافة الإسلامية نظراً لكثرة المساجد والمكتبات فيها: مسجد القيقان عند نقطة دخول أبو عبيدة الجراح إلى حلب من باب انطاكية لا يزال موجوداً.
رابعاً: تتميز بشيء فريد لا مثيل له إنه السوق المغلق وطوله 15كم جانب الجامع الأموي.
خامساً: قلعة حلب وهي أقدم قلعة في العالم إنها من أيام سلوكس نيكاتو قبل الفتح الإسلامي بستمئة سنة.
إذاً، حلب عاصمة تجارية وعلمية وثقافية «بلاط سيف الدولة الحمداني» المتنبي، الفارابي، أبو الفرج الأصفهاني كلهم كانوا يجلسون في قاعة العرش في القلعة، النسمي الصوفي كان يأتي من أفغانستان والسهروردي من سهرورد.
طموح
سألته عن طموحاته في هذه السنة وكيف يمكن الاستفادة من اعتبار حلب عاصمة للثقافة الإسلامية.
أجاب: طموحي أن نُعيد إحياء وترميم الآثار النادرة مثل المدارس الدينية وجوامعها: المدرسة العثمانية، المدرسة الحلوية، الكواكبية، أما الجوامع فهي جامع الشعلانية وجامع العثمانية وجامع الأطروش.
وأخيراً هناك كتب تتحدث عن حلب يجب أن نعيد طباعتها وتحقيق المخطوطات ونشرها في مجلدتها.
إنها فرصة لإحياء القديم وبعثه بحلة جديدة.
العربة على السكة
وختام جولتنا في أفق حلب كعاصمة للثقافة الإسلامية كان مسكاً إذ تحدثنا إلى الأستاذ محمد قجة رئيس جمعية العاديات المسؤول التنفيذي في حلب عن الاحتفالية الكبرى خلال هذه السنة.
ويؤكد الأستاذ قجة ان المنظمة الإسلامية للثقافة والتربية والعلوم قد اختارت حلب عاصمة للثقافة الإسلامية لاظهار أن الحضارة الإسلامية لم تكن في يوم من الأيام حضارة إرهاب وقمع وقتل للآخرين وانما كانت حضارة تسامح واعتزاز بالآخر وقبول بالآخر.
وعلى هذا الأساس قررت المنظمة اختيار مدينة اسلامية كل سنة لتكون مناسبة للاحتفال بهذه المدينة من خلال ابراز تراثها والجوانب المشرقة في التاريخ الإسلامي. ومن خلال ذلك يتبين للعالم ان حضارتنا ليست حضارة الارهاب.
وبعد مناقشة دامت سنتين من عام 2002 إلى عام 2004 اتفق على ان تكون مكة المكرمة أول مدينة.
أما السنة الثانية التي تلي احتفالية مكة المكرمة فقد وضعت معايير كي لا يحدث خلاف . معايير موضوعية يتم الالتزام بها بشكل صارم لاختيار المدينة التي ستكون عاصمة للثقافة الإسلامية وهذه المعايير هي:
1 - تحديد حجم العمارة التي تحتفظ بها مدينة من المدن ونسبة ما هدم منها وما بقي والوثائق التي تثبت ذلك.
2- التراث الفكري والعلمي الذي قدمته هذه المدينة خلال العصور الاسلامية المتتالية.
3- ماذا قدمت من تراث فني غير مادي وهل كان لها دور اقتصادي في ضوء هذه المعايير رشحت مدن من قبل الدول الاسلامية: فاس- القاهرة- المدينة المنورة- اصفهان- تونس- تلمسان- سمرقند.
وسورية رشحت حلب.
إن مدينة حلب تمتاز بالمقاييس الدولية لدى اليونيسكو انها الآن من أهم المدن في العالم الاسلامي التي تحتفظ بعمارة منذ العام 16 للهجرة وحتى الآن وبشتى الفترات الاسلامية بينما ستجد ان استنبول هي لون واحد عثماني والقاهرة يغلب عليها اللون المملوكي والفاطمي تجد كل العصور في حلب التي تحتفظ بـ 80 ٪ من عمارتها ونسيجها القديم. ولم يهدم فالمدينة القديمة تدخلها وكأنك تدخل متحفاً كبيراً مفتوحاً وهنا ستجد كل الوظائف المعمارية من أبواب وقلاع وخانات وحمامات وجوامع وكنائس تحتفظ حلب داخل السور بمساحة 418 هكتاراً وتعد من أكبر المساحات في المدن الاسلامية المسوّرة.
ثانياً: قدمت حلب اسماء كبيرة صحيح أن بغداد تتفوق عليها في هذا المجال لانها عاصمة الخلافة الاسلامية لخمسة قرون لكن حلب تتميز بمرحلتين هامتين.
أ- المرحلة الحمدانية وهي على الرغم من قصرها (25 سنة) لكنها عرفت اعلاماً كباراً انفردت بهم هذه البلاد امثال الفارابي الفيلسوف الأول والمتنبي الشاعر الأول والخوارزمي عالم المنطق الأول إلى جانب عدد كبير من علماء النحو الكبار جداً «أبو علي الفارسي وابن جني وابو الطيب الخلوي والصنوبري شاعر الطبيعة الأول هذا كله جعل الثعالبي يقول في يتيمة الدهر: إن من اجتمع في بلاط سيف الدولة لم يجتمع ما يماثله في بلاط أي خليفة أو سلطان .
2- المرحلة الثانية الفترة الأيوبية 90 سنة وهي تتميز بالعمارة الباذخة نتيجة الاستقرار السياسي: القلعة -المدارس- الجوامع.
ويبقى ان حلب في مجال آخر خلال السنوات الألف الأخيرة كانت عاصمة الموسيقى الشرقية من خلال وراثتها للموشح الاندلسي وتطويرها للقدود والازجال والمولويات وتطور الانشاد الديني من خلال الزوايا والتكايا ولانزال نحتفظ بزوايا من هذا النوع، إذ لدينا الزاوية الهلالية في حي الجلوم.
ضمن هذه المعايير قررت المنظمة الاسلامية للتربية والثقافة والعلوم ان حلب تستحق أن تكون العاصمة الثقافية بعد مكة المكرمة وأن تحتل مكان الصدارة ولكن بقيت مشكلة ألا وهي أن الاخوة الايرانيين اصروا ان تكون اصفهان هي عاصمة الثقافة الاسلامية بعد مكة المكرمة وليس حلب . طبعاً اصفهان تحتفظ بعمارة ولكن ليس في قدم حلب، العمارة في اصفهان تعود إلى الفترة السلجوقية والصفوية أي إلى 500 سنة فقط وترتبط اسماء اعلام كبار بها مثل ابو الفرج الاصفهاني والعماد الاصفهاني والحافظ الاصفهاني.
وحسماً للخلاف تقرر ان يكون هناك عاصمتان للثقافة الاسلامية واحدة في المنطقة العربية والثانية في المنطقة الاسلامية غير العربية، وهذا وضعنا في موقع تنافسي كبير، وعلى الرغم من أنهم رصدوا أموالاً أكبر بكثير لأصفهان إلا أننا نملك طاقات بشرية وعملاً طوعياً، والتحدي الأكبر أن الفترة المتاحة كانت قصيرة جداً مطلع 2004 علماً أن هذا الموضوع يحتاج الى سنوات وليس أشهراً.
ماذا فعلنا على دروب النجاح؟!
تشكّلت اللجان في منتصف العام 2004: لجنة عليا برئاسة رئيس مجلس الوزراء وأمانة عامة في حلب وبدأنا العمل وتمكنا الآن من وضع القطار على السكة ولم يعد هنالك عودة ولدينا عمل متشعب، تمكنا من تجاوز تحدي الزمن ورصدت اللجنة العليا الأموال سواء من صندوق الاحتفالية في حلب أو مساهمات خارجية وكان جهد أهل حلب كبير وموزّع على عدة مجالات حيث حددنا 20موقعاً تاريخياً لترميمها وسنقيم 10 ندوات دولية كل ندوة 4 أيام يشارك فيها من 50-60باحثاً على مستوى العالم وفي كل شهر ندوة وستكون الندوة الأولى حول الإسلام وحقوق الإنسان تلي حفل الافتتاح لدينا ما يقرب من 200 محاضرة من هذه الندوات.
وسنطبع 100 كتاب بعضها مطبوع سابقاً أو مؤلف حديثاً أو مترجم ولدينا مشروع موسوعة عن تاريخ حلب ضخمة جداً ستصدر في آخر هذا العام.
وهناك 20 معرضاً متنوعاً للكتب والأزياء التاريخية والوثائق والمخطوطات والفن التشكيلي والتصوير الضوئي وثمة محور فني كحفل الافتتاح وسيكون حدثاً كبيراً سيقدم فيه بانوراما من خلال اوبريت غنائي عن تاريخ مدينة حلب، ثم في اليوم التالي حفل فني ضخم جداً يؤديه الفنان صباح فخري في صالة الأسد التي حُوّلت الى مسرح يتسع لألفي مشاهد وهناك ما يقرب من عشرين حفلاً فنياً ضخماً ترافقه حفلات تتصل بالانشاد الديني والصوفي وحلقات الذكر من الدول الإسلامية، وسنقيم مهرجاناً سينمائياً ضخماً تحت عنوان مصطفى العقاد سنعرض فيلميه الشهيرين وثمة عروض مسرحية من الوطن العربي والدول الإسلامية.
نصيحة!!
قلنا للاستاذ قجة: ماذا تنصح من أجل نجاح الاحتفالية؟
أجاب: الموضوع وطني بامتياز وهو لايقف على حلب وحدها، ونحن سنحاول أن نقدّم صورتنا الحقيقية كبلد عريق وذي حضارة وساهم في الحضارة الإنسانية على مر العصور.
من هنا تكمن الأهمية من هذه المناسبة وهي بذلك تتجاوز حلب وسورية والوطن العربي لذا ادعو الناس ان يساهموا في كل الاعمال التي ذكرتها: طبع كتاب-جهد إعلامي-تواصل مع العالم-حفل فني. والدعوة ليست لابناء حلب فقط لكل العرب والمسلمين فهذا حدث حضاري يحدث مرة في التاريخ وهو ليس حفلاً فنياً أو مباراة رياضية وما يبهج حقاً هو التجاوب.
لقد رصد لنا 100 مليون من البداية ثم اصبح المبلغ مفتوحاً وقدمت وزارة الاوقاف 50 مليوناً لترميم المساجد، واضافة لمبالغ مجلس مدينة حلب تلقينا تبرعات من المواطنين عينية ونقدية وقد تبرع احد المواطنين بترميم يُكلف 50 مليون ل.س.