جاسم الرصيف
ـــــــــــــــــــــــــــ
عكاظ " ذات الاحتلالين " :
مقايضة ( المصالحة الوطنية )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المبدع الراحل الشاعر ( امل دنقل ) قال في مستهل قصيدته الشهيرة ( لاتصالح ) في معرض تسويق ( المصالحات ) بين قالعي عيون العرب و ذويهم المدعويين لإستبدال عيونهم بجواهر ( المقايضة ) :
لا تصالحْ
.. ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك،
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى.. !!
+ + +
في اطار سعيها لتسويق لنفسها في سوق النخاسة المحلية والأقليمية والدولية ، اعلنت الرئاسات الثلاث ( العراقية ) إستعارة انها : ( توصلت الى آلية لإصدار عفو عام يشمل آلاف المعتقلين العراقيين في السجون الأمريكية والعراقية ) ، نسخا رديئا عمّا يفعله الحليف الثاني للحكومة العراقية : إسرائيل في فلسطين !! . واوّل هذه رداءات النسخ ان حكومة ( المالكي ) لاتعلن ان هؤلاء من مذهب معين ، ومن محافظات معينة دون غيرها ،، وثاني الرداءات انها ( تعترف ) بدون حياء بوجود ابرياء بينهم حسب مفهومها هي ، وليس حسب مفاهيم المواطنة الصحيحة وقيم الإنسانية التي طلّقتها الرئاسات الثلاث بالثلاث .
وتأتي هذه الخطوة إستعدادا لفتح سوق ، بارت بضاعته ، لمقايضة اسرى الحرب هؤلاء مع ذويهم العرب السنة في العراق ، وعلى بيضة قبّان للقيم الأخلاقية والدينية والوطنية تخيّر العرب السنّة بين : الرضا والقبول بقتل وتشريد واعتقال على الهوية ، أو القبول بوجود احتلالين : امريكي وايراني ، و (كانتونات ) تجار حروب جاءوا مع دبابات الاحتلال ، على خوذة ( مارينز ) ونعال ايراني باركه ( أبو لؤلؤة ) الفارسي ، ( نجحوا ؟! ) الى حين في اسقاط المذاهب الى حضيض الطائفية السياسية وتمريغ القيم الوطنية بوحول العنصرية .
وقيّد قانون العفو العام شرط التنفيذ ، الذي ( سيصدر !! ) بعد تمام الدعاية الاعلامية : ( بإطلاق سراح كل من لم تثبت ادانته بجرم مشهود أو اعمال إرهابية ) !! وعلى معنى لايقل رداءة عن رداءة عن أعتى النوازع النازية التي وثقتها كل وسائل الاعلام ، غير العربية قبل العربية ، في حكومة طائفية عنصرية بامتياز ، وعلى مذبح ( الجرم المشهود ) و( الارهاب المعدود ) الذي تمارسه قوات الاحتلال بكل اجنحتها الأمريكية والأيرانية وذيولها التي إستظلّت قبعات(سنية وشيعية وكردية ) من خلال مغالطة الرأي العام المحلي والأقليمي والدولي على مفردة ( إرهاب ) صار يصف كل حركة مقاومة وطنية مناهضة للاحتلال .
والعفو العام ، الذي ( سيصدر !؟ ) ، سيوضع على طاولة المقايضة ، التي اعدّت في ( القاهرة ) وعلى جدول شهر يناير 2008 القادم ، بين قوى آزرت ومازالت تؤازر الاحتلالين ، وقوى رفضتهما جملة وتفصيلا قبل وبعد حصولهما ، تقاتل الأولى للبقاء في العراق حتى آخر قطرة نفط من آخر بئر نفط عراقي ، وتصمد الثانية بوجه الاحتلالين وكل الضغوط حتى تحرير آخر شبر من العراق من كل جيوب السرطان الطائفي العنصري التي زرعها الاحتلالان عن حقد ضد عرب العراق شيعة وسنة .
واذا كانت دعوة الدبلوماسية المصرية قد جاءت وفقا لرؤى الاحتلالين في تقسيم الشعب العراقي الى طوائف وقوميات عنصرية ، كما يلمس المتابع من وضع ( هيئة علماء المسلمين ) و ( الحزب الاسلامي ) المعدل وراثيا لصاحبه ( طارق الهاشمي ) و ( جبهة التوافق ) التي لم تتوقف عن ( توافقها ) مع الاحتلال لصاحبها ( عدنان الدليمي ) ، على ان هذه الأطراف تمثل : العرب السنة !! فقد ارتكبت الدبلوماسية المصرية خطأ مزدوجا في قبول ( الأمر الطائفي الواقع ) والتعاطي معه وفق مارسمته اميركا وايران .
الجمع بين نقيضين في ( قارورة واحدة ) ، على ذات اللون والطعم والرائحة كما ( يتمناها ) الاحتلال شكلا ، وتنافرالجهتين مضمونا ومكونات ، قد يرتقي بخطأ عد ّ الأحزاب ( السنية ) الموالية للاحتلالين : ( ممثلة ) للسنة ، الى مستوى خطيئة دبلوماسية واعلامية عربية لانتمناها ولانريدها لدولة عربية مثل مصر ، ولانريد لمصر ان تنخدع بأكاذيب الاحتلال كما حصل في بعض المرّات سابقا ، وفي هذا الشأن بالذات ،، وما يأملة عرب العراق من اكبر دولة عربية هو ان تتبنى صراحة وبوضوح حق الشعب العراقي بكل مكوناته في المقاومة حتى زوال الاحتلال ، لا بتهيئة مؤتمرات تكرس الفجيعة للعراقيين .
من ثوابت ( هيئة علماء المسلمين ) رفضها للاحتلالين جملة وتفصيلا ، ومن ثوابت حزبي ( طارق الهاشمي ) و ( عدنان الدليمي ) و ( اياد علاوي ) وحزب ( الحكيم ) و ( الدعوة ) و( جلال الطالباني ) و ( مسعود البرزاني ) بيع العراق بالجملة والمفرد لأميركا وايران معا، ووظف الأوّلان ( الهاشمي ) و ( الدليمي ) جهودهما للمتاجرة ( بالعرب السنة ) لضرب المقاومة العراقية ، فيما وظفت بقية الوان قارورة الاحتلال جهودها لتفتيت العراقيين وفق حصص عنصرية لتجار الحروب وفرق الموت على مأساة صار من عار هذا العالم ، ومنه العالم العربي بشكل خاص ، ان يتجاهلها على مقبرة مليون شهيد وخيام خمسة ملايين من عرب العراق .
وتزامن هذا السعي ، في الوقت الضائع للمصالحة الوطنية ، مع تصريح صدفة طريف من ( السيناتور الديمقراطي جيم ويب ) عن ولاية ( فرجينيا ) ، الذي كان صحفيا في لبنان عام 1983 ، قال فيه لفضائية ( إن بي سي ) الأمريكية عن حكومة ( المالكي ) مالم يقله ( مالك ) في الخمرة : ( حين انظر الى العراق ارى الكثير مما رأيته في بيروت عام 1983 .. هناك حكومة ضعيفة محاصرة بفصائل قبلية مسلحة قوية كل منها له برنامجه ، والسؤال : هل يمكن ان تفرض هذه الحكومة بعض الاجراءات ؟! ) ، واعلن السيناتور شكه الصريح والواضح في قدرة ( المالكي ) ورئاساته الثلاث على فرض او فعل اي شئ يذكر !! .
اذن علام إصدار ( قوانين ) لا اثر ولا تأثير لها من حكومة ( عاجزة عن حماية نفسها ) من فصائل متعددة الأجندات محسوبة عليها ولاتخضع لأوامرها ؟! . ومالذي يعنيه ان تحاول حكومة بهذا المستوى ( مقايضة ) الطرف الذي تتعامل معه على انه ( الأضعف ) من قوى مجايليها على الأرض ، ولكنه الأقوى والأكثر فاعلية في مالايقل عن ( 8-9 ) محافظات عراقية ، منها ( بغداد ) العاصمة ؟! . الإجابة عن السؤالين معا هي : فشل قوات الاحتلالين بفرض سيطرتها على العراق ، وشعورها الموثق بأن الهزيمة الكبرى قادمة اذا استمر الحال على ما هو عليه الآن .
وثمة إجابة فرعية ، مضحكة حقا ، نجدها في استطراد ( السيناتور جيم ويب ) لفضائية ( إن بي سي ) الأمريكية الذي نقل ــ مشكورا ــ عن الكردي ( برهم صالح ) نائب رئيس الوزراء العراقي وقد قال هذا ــ مشكورا هو الآخر ــ : ( كل بلد في هذه المنطقة ــ يعني الشرق الأوسط ــ لديه كلبه في هذا الصراع ) !! ، وصدق الرجل في كلامه ولكن ( برهم صالح ) لم يقل لنا :
ايها تمارس دور كلاب ( الجواوا ) الصغيرة جدا المدلّلة التي لاتجيد غير عض اطفال اهلها ؟!
وايها كلاب ( الوولف دوك ) القاتلة الشرسة التي تعض الجميع بناء على اوامر ( الستلايتات ) الأمريكية والأيرانية ؟! .
ويبدو ان الدبلوماسية المصرية قد ضيعت، وستضيع ، وقتها في جهودها المبذولة لعقد ( حوارات مع قوى اقليمية وعربية ) لتهيئة ( فراش دافئ ) للمصالحة ( الوطنية !؟ ) الموعودة ، التي باتت من النكات العراقية المملّة ، من حيث أن كل الحقائق على الأرض العراقية التي تزداد سخونة تشير الى أن :
+ + لا القوى ذات الحسب والنسب الأيراني التي غزت العراق بالتزامن والتجايل مع غزو اميركا سترضى بوجود فاعل عربي ، عراقي او من غير العراق ، يحدّد لها اجنداتها القادمة ،،
+ + ولا اميركا ستقبل بوجود فاعل عراقي تبنى المقاومة طريقا لتحرير العراق منها ومن ايران قادرا على تغيير خارطة طمعها بثروات العراق ،،
+ + ولا الفاعل العراقي ، الأول والأخير ، في كل خارطات الطريق المستقبلية : المقاومة العراقية ، سيرضى بالجلوس الى مائدة ( مقايضة ) : حرية أسرى الحرب العراقيين مقابل احتلال دائم ايراني امريكي !! . ولكنه قد يجالس قوات الاحتلال لجدولة هزيمتها مع ( خفي حنين العراقي ) . لأن المقاومة العراقية التي اعلنت مرارا عن شروطها ، وهي غير شروط ( المصالحة ) التي يرديها الاحتلالان ، ربّما تثق بمقولة المرحوم الشاعر ( امل دنقل ) :
لا تصالحْ
.. ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك،
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى.. !!
وفروا الطعام لجياعكم يا عرب بدلا من تبذيره على بطون لاتشبع لتجار حروب تعددت جنسياتهم وولاءاتهم!! .
واتقوا شرّ كلاب ( الجواوا ) و( الوولف دوك ) بعدم مجالستها في ذات القاعة ( المفتوحة على كل ّ الإتجاهات ) .
jarraseef@yahoo.com
http://www.akhbar-alkhaleej.com/Arti...215127&Sn=CASE