من دروس السيرة النبوي
قصة إسلام ثمامة بن أثال
الذي ضرب الحصار على كفار قريش
************************
رجل واحد كان بإمكانه أن يهلك كفار قريش بالحصار ، وقطع الميرة عنهم وهم من سن هذه السنة بداية ، فهل قبل رسول الله صلى عليه وسلم ذلك ؟
ثمامة بن أثال :
========
هو صحابي وأول معتمر في الإسلام وأول مسلمٍ يدخل مكة ملبِّياً، وهو أول من فرض الحصار الاقتصادي في الإسلام نصرة لرسول الله.
كان أمير بني حنيفة، وأحد أشراف بكر بن وائل، وسيداً من ساداتهم.
يوصف ثمامة بن اثال بأنه حسن الوجه، طويل القامة، عريض المنكبين، نحيف الجسم، سريع الحركة، حاد الصوت، واضح الكلمات، قوي النظر، قال عبد الرحمن بن عوف (كان ثمامة رجلاً وسيماً، طوالاً، نحيفاً، أبيضَ البشرة)
(توفي الصحابي ثمامة رضي الله عنه بعد حروب الردة )
كيف تم أسره ؟
=========
كانت سرية محمد بن مسلمة هي أول عمل عسكري بعد غزوة الأحزاب وقريظة، وقد تحركت هذه السرية [ في المحرم من العام السادس للهجرة في مهمة عسكرية ضد بني القرطاء في أرض نجد، وفي طريق عودة السرية، تم أسر ثمامة بن أثال الحنفي سيد بني حنيفة، والصحابة لا يعرفونه، فقدموا به المدينة وربطوه بسارية من سواري المسجد، فلما خرج إليه الرسول قال:
«أَتَدْرُونَ مَنْ أَخَذْتُمْ؟ هَذَا ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ الْحَنَفِيّ، أُحْسِنُوا إسَارَهُ»
ورجع الرسول إلى أهله، فقال لهم:
«اجْمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَكُمْ مِنْ طَعَامٍ فَابْعَثُوا بِهِ إلَيْهِ».. وقد أمر النبي بِلِقْحَتِهِ – أي ناقته - أَنْ يشرب ثمامة من حليبها. ولازال الرسول يتودد إليه ويتردد عليه، ويدعوه إلى الإسلام، ثم أمر أصحابه بفك أسر ثمامة. فذهب ثمامة من تلقاء نفسه إلى نخل قريب من المسجد النبوي – ولم يذهب إلى أهله – ومن تلقاء نفسه .
لقد استرقت قلب ثمامة هذه السماحة الفائقة، وهذه المعاملة الكريمة، فذهب واغتسل، ثم عاد إلى النَّبِي صلى الله عليه وسلم مسلمًا مختارًا، وقال له:
(يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إِلَيَّ َّ) .
وقد سُر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه سرورًا عظيمًا، فقد أسلم بإسلامه كثير من قومه، ولم يقف أثر هذا التسامح في المعاملة عند إسلام ثمامة وقومه بل كانت له آثار بعيدة المدى في تاريخ الدعوة الإسلامية.
ذهابه لمكة
=======
استأذن ثمامة الرسول ان يؤدي العمرة فكان أول مسلمٍ على ظهر الأرض يدخل مكة ملبِّياً، وكانت لا تزال بيد الكفار، ولا يزال فيها الأصنام.
حتى إذا بلغ بطن مكة وقف يجلجل بصوته العالي، قائلاً:
لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمـد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، لا شريك لك
سمعت قريشٌ صوتَ التلبية، فهبَّت الجمع مستلين سيوفهم مِن أغمادها، واتجهت نحو الصوت لتبطش بهذا الذي اقتحم عليها عرينها، ولما أقبل القوم على ثمامة، رفع صوته بالتلبية رفع العيار، فهمَّ فتىً من فتيان قريش أن يرديه بسهمٍ، فأخذوا على يديه، وقالوا: ويحك أتعلم من هذا؟ إنه ثمامة بن أثال، ملك اليمامة، فقتْلُه يشعل علينا نارَ حربٍ كبيرةٍ، أخذوا على يديه، ومنعوه أن يناله بسهم، وقال الناصح: والله إن أصبتموه بسوءٍ لقطع قومه عنا الميرة، وأماتونا جوعاً، ثم أقبل القوم على ثمامة، بعد أن أعادوا السيوف إلى أغمادها، وقالوا: ما بك يا ثمامة، أصَبَوْتَ؟ يعني أسلمت، وتركتَ دينك ودين آبائك، قال: ما صبوت، ولكني اتبعتُ خير دينٍ، اتبعت دين محمد
الحصار الاقتصادي الذي ضربه ثمامة
====================
عندما انتهى ثمامة بن اثال من عمرته، قال لسادات قريش:
(أقسم برب هذا البيت إنه لا يصلكم بعد عودتي إلى اليمامة حبةٌ من قمحها أو شيء من خيراتها حتى تتبعوا دين محمد عن آخركم)
وعاد إلى بلاده فأمر قومه بأن يحبسوا الميرة عن قريش، فصدعوا بأمره واستجابوا له، مما جعل الأسعار ترتفع في مكة، ويفشو الجوع ويشتد الكرب حتى خافوا على أنفسهم وأبنائهم الهلاك.
عند ذلك كتبوا إلى الرسول ﷺ يقولون: إن عهدنا بك تصل الرحم وتحض على ذلك.. وإن ثمامة بن أثال قد قطع عنا ميرتنا وأضرَّ بنا.
فإن رأيت أن تكتب إليه أن يبعث بما نحتاج إليه فافعل. فكتب عليه الصلاة والسلام إلى ثمامة بأن يطلق لهم ميرتهم فأطلقها.
أعتقد لسنا بحاجة لأن نضيف شيئاً على سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم السيرة العطرة ، بل إننا بحاجة لأن نتعظ منها ونفهم خلق النبي صلى الله عليه وسلم.
واليوم والشام محاصرة من العرب قبل الغرب ، فإن أثر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أثر بليغ في قلوب السوريين خاصة فهل يتأثر عربي مسلم بها ؟، كيف وهي السيرة العطرة المعطرة بالرحمة حتى مع الأعداء.
لا يظننّ أحد أن هذا استجداء لقساة القلوب ، فالحصار لم يهلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل من سار بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ودافع عن الحق فإن الله كافيه ، ولقد تكفل لله بالشام وأهل الشام، لكنه تنبيه وشهادة لمن يدعي أنه يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والحمد لله رب العالمين
وصلّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين