بسم الله الرحمن الرحيميفترض المتكلم في أدب الكلمة حضور الحاضرين أمامه، وكأن هذا الجنس الأدبي خلق للمحافل الجهرية، لذا تراني أقول إذ أبدأ ما نويت الابتداء به بقولي :
أيها الأخوة الكرام
وقد وقر في علمكم أن الذوق العربي يُغلب الرجال في المخاطبة، وما دخول هذه الصيغ الغريبة على الأساليب العربية إلا جراء المترجمات المضطربة، وبقايا تأثير المستعمر من مثل ( سيداتي سادتي ) وهي مترجمة حرفياً من (Ladies and gentlemen)، وإن التخلص من هذه الرواسب لا شك أنه يحتاج لمدة من الزمن ، كما إنه يحتاج لأسلوب وعلاج، وإننا في شهر رمضان الكريم، حيث انضمت جوارحنا لمعسكر الانضباط والإصلاح، فجدير أن تنضم أفكارنا ومناجمنا المعنوية لهذا الصوم،وإن قولنا "صوم" يعني أن له بداية كما أن له نهاية.
إن صومنا عن الأفكار الرثة المترجمة هو أهم من صومنا عن الصيغ والتراكيب، وبذلك فأنتم مدعون إخواني إلى حمية فكرية ننقى فيها فكرنا من الرواسب اللغوية والفكرية المترجمة، لا شك أن هذه الحمية الفكرية هي حمية افتراضية ، ولا شك أن قد يصعب الانفكاك عما تداخل مع وجداننا وقبله جهازنا العصبي الأدبي أو تغافل عنه، لكنها حمية يجب أن يستقيم نصابها حتى تؤتى أكلها، إن السليقة إذ فسدت لن تفيدها كل قواعد اللغة ، ما لم تعود لتنهل من ينبوعها الأم ، كما يعود الطفل لحضن أمه، إن عودتنا لحضن التراث لن تجدي نفعاً ما لم نحتم فكرياً ونصوم عن غيره حقاً، حتى يعود جهاز المناعة الأدبي لعمله السليم ، ويتزن دماغ السليقة في الحكم والأخذ والترك، إني أضع بين أيديكم هذه الطريقة التي جربت وخبرت ، وإنها تحمل عودة البناء لأصله ، فكيف تنمو الأغصان عالياً ما لم تستقر جذورها في عمق الأرض، وكيف تسافر الأنهار ما لم تمدها المنابع بالماء، وإن انقطاع النهر عن منبعه يعني موته وجفافه.
إن هذه الصلة الجديدة مع المنابع هي دورة من دورات الإصلاح الوجداني، وإن هذه الحمية الفكرية التي ندعو إليها هي دورة من دورات النماء في أدب جديد نسميه أدب الامتداد العربي المعاصر.
وصلّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
طارق شفيق حقي
30/8/2009