باب في مطل الحروف:
والحروف الممطولة هي الحروف الثلاثة اللينة المصوتة. وهي الألف والياء والواو. اعلم أن هذه الحروف أين وقعت وكيف وجدت" بعد أن تكون سواكن يتبعن بعضهن غير مدغمات" ففيها امتداد ولين؛ نحو قام، وسير به، وحوتٍ، وكوز، وكتاب، وسعيد، وعجوز. إلا أن الأماكن التي يطول فيها صوتها، وتتمكن مدتها ثلاثة. وهي أن تقع بعدها -وهي سواكن توابع لما "هو منهن" وهو الحركات من جنسهن- الهمزة، أو الحرف المشدد، أو أن يوقف عليها عند التذكر.
فالهمزة نحو كساء ورداء، و"خطيئة ورزيئة"، ومقروءة، و مخبوءة.
وإنما تمكن المد فيهن مع الهمز أن الهمزة حرف نأى نشؤه وتراخى مخرجه فإذا أنت نطقت بهذه الأحرف المصوتة قبله، ثم تماديت بهن نحوه طلن وشعن في الصوت فوفين له، وزدن "في بيانه" ومكانه وليس كذلك إذا و قع بعدهن غيرها وغير المشدد، ألا تراك إذا قلت: كتاب، وحساب، وسعيد، وعمود ،و ضروب، وركوب لم تجدهن لدنات ولا ناعمات ولا وافيات مستطيلات؛ كما تجدهن كذلك إذا تلاهن الهمز أو الحرف المشدد.
وأما سبب نعمتهن ووفائهن وتماديهن إذا وقع المشدد بعدهن فلأنهن -كما ترى- سواكن وأول المثلين مع التشديد ساكن فيجفو عليهم أن يتلقى الساكنان حشوا في كلامهم، فحينئذ ما ينهضون بالألف بقوة الاعتماد عليها، فيجعلون طولها ووفاء الصوت بها عوضًا مما كان يجب لالتقاء الساكنين: من تحريكها إذا لم يجدوا عليه تطرقًا، ولا بالاستراحة إليه تعلقًا. وذلك نحو شابة، ودابة، و هذا قضيب بكر في قضيب بكر وقد تمود الثوب وقد قوص بما عليه. وإذا كان كذلك فكلما رسخ الحرف في المد كان حينئذ محفوظًا بتمامه، وتمادى الصوت به، وذلك الألف، ثم الياء ثم الواو. فشابة إذًا أوفى صوتًا وأنعم جرسا من أختيها وقضيب بكر أنعم وأتم من قوص به.
وتمود ثوبه لبعد الواو من أعرق الثلاث في المد -وهي الألف- وقرب الياء إليها.نعم وربما لم يكتف من تقوى لغته، ويتعالى تمكينه وجهارته بما تجشمه من مد الألف فيهذا الموضع، دون أن يطغى به طبعه ويتخطى به اعتماده ووطؤه، إلى أن يبدل من هذه الألف همزة فيحملها الحركة التي كان كلفا بها، و" مصانعًا بطول" المدة عنها، فيقول: شأبة و دأبة وسنأتي بنحو هذا في بابه؛ قال كثير.
إذا ما العوالي بالعبيط احمأرت