عدم الثقة في النفس،
السلام عليكم و رحمة الله؛
أنا شاب في مقتبل العمر (23) أعاني من الخجل الشديد و الخوف و عدم الثقة في النفس في العمل و أيضا في حياتي الاجتماعية. مع أني أحمل شهادة عليا و خبرة جيدة في العمل, و أيضا ذكي و وسيم في نفس الوقت و الكل يشهد على ذلك, تلازمني هذه المشكلة من أيام الدراسة الثانوية, كلي أمل بأن تزول هذه المشكلة بعد الدراسة ولكنها باقية و تزداد يوم بعد يوم.
من أعراض هذه المشكلة تجنب الاختلاط مع زملائي في العمل وعدم الثقة في النفس والتأثر الشديد بالنقد واجتنابه عادة, وأيضا عدم القدرة في التمعن في عين من يناقشونني وعدم القدرة على المناقشة الإيجابية, مع إيماني بقدرتي على المناقشة في قرارة نفسي وإقناع الطرف الآخر برأي.
المشكلة تحول بيني وبين تحقيق أهم أهدافي الدراسية والمهنية، صراع نفسي شديد يعصرني عندما أكون وحدي….أرجو المساعدة والإرشاد وشكرا.
26/08/2003
الأخ السائل
أهلا بك في موقعنا مجانين نقطة كوم وأهلا ومرحبا بك على صفحتنا استشارات مجانين، واضح من رسالتك أن ما تعاني منه هو اضطراب الرهاب الاجتماعي، وهو حالة مرضية تحدث عند بعض الأفراد حينما يكونون محط أنظار وتركيز الآخرين مثل عدم القدرة على التحدث في المناسبات الاجتماعية أو أمام المسئولين أو في أي مناسبة يكون الفرد فيها محط تركيز ونظر الآخرين، ولكن لهذه الحالات علاج جيد وفعال، ودعني أعطك فكرة عن أعراض هذا الاضطراب النفسي لكي تكون على ثقة بأن ما تعاني منه مرض معروف وله علاج بفضل الله.
تبدأ عادة حالة الرهاب الاجتماعي أثناء فترة المراهقة، وإذا لم تعالَج فقد تستمر طوال الحياة، وهو ما تشير إليه في إفادتك بقولك(تلازمني هذه المشكلة من أيام الدراسة الثانوية, كلي أمل بأن تزول هذه المشكلة بعد الدراسة ولكنها باقية و تزداد يوم بعد يوم)،
وهناك بعض الأشخاص الذين يعانون من هذا النوع من الخوف في بداية مراهقتهم ولكنهم يقاومونه ولا يستسلمون له بتجنب التعرض للمواقف الاجتماعية، وهؤلاء الأشخاص كثيرًا ما يشفون من تلقاء أنفسهم ولا نستطيع اعتبار حالاتهم واصلة إلى الحد الذي يسمح بتشخيص اضطراب الرهاب الاجتماعي، فهم يتحملون المستوى العالي من القلق الاجتماعي رغم ما يؤدي إليه من زيادة التوتر الشد العصبي لديهم، ويصرون على مواجهة كل ما تتطلبه الحياة الطبيعية من مواقف فتكون النتيجة هي الشفاء.
وهناك بعض الأشخاص الذين تكون الأعراض شديدة الوطأة لديهم، ومن أمثلتها الأعراض الجسمانية التالية: الرعشة، والشعور بالعرق أو العرق الفعلي، واحمرار الوجه (البيَغ أو الاحتقان نتيجة لزيادة تدفق الدم في الشرايين، وهو ما تصاحبه أيضًا سخونة البشرة)، وزيادة التوتر في العضلات، زيادة ضربات القلب (الخفقان)، وجفاف الحلق أو ارتعاش الصوت،
وحدوث هذه الأعراض بالطبع، وإدراك الشخص لحدوثها يؤدي إلى مزيد الأعراض المعرفية الشعورية مثل القلق والتوتر، وتصبح المواقف العادية لمعظم الناس مواقف محرجة للشخص، ومعظم هؤلاء الأشخاص لا يستطيعون إلا الاستسلام بتجنب المواقف الاجتماعية التي تتسبب في حدوثها، وهذا ما تشير إليه في إفادتك بقولك(تجنب الاختلاط مع زملائي في العمل و عدم الثقة في النفس و التأثر الشديد بالنقد و اجتنابه عادة , وأيضا عدم القدرة في التمعن في عين من يناقشونني و عدم القدرة على المناقشة الإيجابية ,مع إيماني بقدرتي على المناقشة في قرارة نفسي و إقناع الطرف الآخر برأي. المشكلة تحول بيني وبين تحقيق أهم أهدافي الدراسية و المهنية) وهنا تكمن المشكلة، لأن التجنب بقدر ما يعطيك الراحة الظاهرة في البداية، بقدر ما يتسبب أولاً في وضع قيود متزايدة على حياتك الاجتماعية، وثانيا في تضخيم الخوف لديك بشكل يجعل العلاج أصعب خاصة في البداية، ونسمع من مرضى اضطراب الرهاب الاجتماعي شكاوى من قبيل:
0 أحس أن وجهي تتغير معالمه حينما ينظر إليّ الآخرون.
0 أحس حينما أكون محط أنظار الآخرين كأنني أقف على إسفنج.
0 أحس حينما أتحدث أمام الآخرين أنني سأخلط الكلام ببعضه.
0 أتمنى أن تبتلعني الأرض، ولا أضطر للحديث أمام الجمع من الناس ولو كان عددهم لا يتجاوز عشرة أفراد.
0 لا أدري لماذا لا يمكنني الحديث، وينتابني الخوف من الخطأ، وأحس أنني سأتلعثم في الكلام حينما يسألني الأستاذ في الفصل، رغم أنني أعرف الإجابة بل أحفظها عن ظهر قلب.
0 لاحظت أنني لا أستطيع في الآونة الأخيرة إمامة الناس حينما تفوتني الصلاة في الجماعة الأولى.
شبح مواجهة الناس هو الكابوس المفزع الذي يقلق تلك الفئة من المرضى، وهو ما يجعل بعضهم يرفض الترقية الوظيفية إذا كانت ستجعله في مواجهة أكثر من الجمهور.. يقول أحدهم: "لعدة مرات رفضت الترقية في عملي، وذلك لأنني سأضطر أن أقود الناس وأواجههم، وذلك ما لا أستطيعه" وقد تجر هذه الحالة في حال عدم علاجها إلى حالات أخرى كالاكتئاب والخوف من الأماكن العامة والواسعة.
وليس كل قلق عند مواجهة الآخرين اضطراب رهاب اجتماعي بالطبع، فالخوف البسيط قبل أي لقاء اجتماعي يُعتبر أمرا طبيعيا ومقبولا، إلا أنه يصبح خوفا مرضيا إذا تعدى حدَّه، وبدأت تظهر على الفرد أعراض مثل احمرار الوجه ورعشة في اليدين والغثيان والعرق الشديد والحاجة المفاجأة للذهاب للحمام، ولكي أعود إلى حالتك أنت فأنا أقول لك بأن أمر هذا الاضطراب إنما يتعلق في جوهره بمدى قدرة الشخص على توكيد ذاته، أي قدرته على التعبير عن مشاعره تجاه الآخرين، ومدى ما يعطيه من أهمية متضخمة لتقييم الناس له ورأيهم فيه وهو ما تشير إليه أيضًا بقولك (عدم الثقة في النفس والتأثر الشديد بالنقد واجتنابه عادة).
هذا النوع من الاضطرابات النفسية يحتاج إلى مساعدة سريعة من طبيب نفسي متخصص، حيث يتم فيه وضع برنامج علاج سلوكي ومعرفي يناسب حالتك، إضافة إلى الاستعانة ببعض الأدوية من مضادات الاكتئاب، ولكن العلاج السلوكي المعرفي أهم، فعليك باللجوء إلى أقرب طبيب نفسي.
ولعل اللَّبْسَ بين الحياء الشرعي المحمود في الإسلام هو السبب في تأخرك في طلب العلاج وفي قدرة مجتمعاتنا العالية على تقبل الأشخاص الذين يعانون من هذا المرض ربما دونَ إشعارهم بضرورة العلاج، ولعل هذا أحد أهم أسباب انتشار الرهاب الاجتماعي في بلادنا فضلاً عن أننا أصبحنا مجتمعاتٍ ضد توكيد الذات دون أن ندري.
ورغم أن من مفسري الحديث من بينوا الفرق بين الحياء الشرعي السوي وبين ما هو ضعف مذموم فإن معظم الناس لا يدركون الفرق، فمثلاً قال الحافظ ابن حجر في شرحه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:{قوله:"والحياء شعبة من الإيمان" الحياء في اللغة تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به، وفي الشرع خلق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق، لهذا جاء في الحديث الآخر: "الحياء خير كله"، ولكن استعماله وفق الشرع يحتاج إلى اكتساب علم ونية، فهو من الإيمان لهذا، ولكونه باعثًا على فعل الطاعة، وحاجزًا عن فعل المعصية،ولا يقال:رب حياء يمنع عن القول الحق أو فعل الخير، لأن ذلك ليس شرعيًّا.
وقال الحافظ أيضًا:"قال عياض وغيره: إنما جعل الحياء من الإيمان وإن كان غريزة، لأن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى قصد واكتساب علم، وأما كونه خيرًا كله ولا يأتي إلا بخير فأشكل حمله على العموم، لأنه قد يصد صاحبه عن مواجهة من يرتكب المنكرات ويحمله على الإخلال ببعض الحقوق، والجواب أن المراد بالحياء في هذه الأحاديث ما يكون شرعيًّا، والحياء الذي ينشأ عنه الإخلال بالحقوق ليس شرعيًّا بل هو عجز ومهانة".
وخلافًا لكل أنواع الرهابات التي تكون أكثر شيوعًا في النساء فإن المخاوف الاجتماعية تتساوى في شيوعها بين الرجال والنساء، وقد تكون محدودة بمواقف معينة مثل الأكل في مكان عام أو إلقاء خطبة في جمع من الناس أو مقابلة مع أحد أعضاء الجنس الآخر مثلاً أو قد تكون حالة الرهاب الاجتماعي معممة فتتضمن كل المواقف الاجتماعية تقريبًا خارج الأسرة.
وهناك كثير من المتخصصين في الطب النفسي وعلم النفس يؤكدون أن كثيرًا من الأشخاص يعانون من هذه المشكلة في صمت لأعوام طويلة، ولكنهم يبدءون في طلب المساعدة في حالة تزايد الحالة لدرجة أنها قد تسبب بعض المشاكل الكثيرة والأزمات في الحياة.
واضطراب الرهاب الاجتماعي هو حالة مزمنة تحتاج لعلاج معرفي سلوكي طويل نوعًا ما. كما أن حوالي نصف المرضى الذين يعانون من هذه المشكلة يعانون أيضًا من بعض المشاكل النفسية(الأخرى)، مثل اضطراب نوبات الهلع أو اضطراب الاكتئاب الجسيم، ونستطيع تصنيف مرضى الرهاب الاجتماعي إلى صنفين بناء على نوعية المواقف التي يتجنبونها أو التي تحدث فيها أعراضهم، وإن كان لب أو جوهر معاناة المريض في كل الأحوال هو كيف سيقيمني الآخرون؟
النوع الأول: هم الأشخاص الذين يحدث لهم توتر شديد لفكرة أنهم يقومون ببعض الأعمال أمام الناس أو في وجود بعض الأفراد. وهذه الأعمال تتضمن العمل أو إلقاء خطبة على سبيل المثال، ونستطيع تسميتهم بمرضى الرهاب الاجتماعي التنفيذي.
أما النوع الثاني: فهم الأشخاص الذين يخشون أي مواقف يمكن أن تكون سببا في تفاعلهم مع المجتمع أو مع الأشخاص الآخرين، مثل الاجتماع أو التعرف بأشخاص جديدة، ونستطيع تسميتهم بمرضى الرهاب الاجتماعي التفاعلي.
وأحيلك من أجل مزيدٍ من الفائدة إلى قراءة إجابة سابقة لنا على صفحتنا استشارات نفسية بعنوان: الحياء الشرعي ، والرهاب المرضي!
0وفي النهاية أقول لك بأن من الممكن الاستعانة ببعض العقاقير التي تقلل من الأعراض الجسدية للقلق، وغالبًا ما يكون هذا العقار أحد مثبطات البيتا، كما أن من الممكن الاستعانة ببعض عقاقير الاكتئاب خاصة عقار الماس أو الماسا وأيضا عقارات الممامين(مثبطات مؤكسد أحادي الأمين) وهي عقاراتُ اكتئابٍ وقلقٍ أيضًا، لكن أنجح طرق العلاج وهو ما أنصحك به هي البرنامج السلوكي المسمى بالتعرض مع منع الاستجابة إضافةً إلى برنامج علاج معرفي تتم فيه مراجعة وتصحيح مفاهيم مغلوطة لديك، وكل ذلك أمر سيحدده لك الطبيب النفسي المختص بعد تقييم شامل لحالتك، عليك إذن أن تسارع باستشارة الطبيب النفسي، والله معك وتابعنا بأخبارك