* المقامة البخليليّــــــة
بقلم : البشير بوكثير / الجزائر
إهداء: إلى المذيع المتألق، والإعلاميّ المُحقّق ، والأديب المُدقّق "سليمان بخليلي" ، أرفع هذه المقامة التي جاءتك تَسعى، فضيّعتُ معها تِسعة .
حدّثنا شيخ الزّمان ، عن حفيده بخليلي سليمان قال:
هو رجلٌ من ذهب ، كلامه تبرُ الذهب، إنْ لم تقيّده فرّ وهرب، لأنّه فارس من خيرة قبائل العرب، "قبيلة سيدي مصمودي" ، التي فكّتْ قيودي، وحرّرتني من جُمودي . حسنُ السّمتِ ، كثيرُ التأمل والصّمت، بيْدَ أنّه إذا تحدّث أمتع، وإنْ حاور أقنع.
عانقَ الأثير، مُذْ شَبَّ عن الطوق وهو صغير، فكان المذيعَ النحرير، الذي بزّ كلّ متنطّعٍ غرير، ليس له في العير ولافي النفير .
طبقتْ شهرتُه الآفاق، وبلغ صيته بلاد الواق واق، لاسيما حين طاف بخاتمه الفتّان ، معظم البلدان، على أجنحة القول الصريح، دونما حاجة إلى بساط الريح، فنَثَرالمعارف والعلوم والبيان، كما نُثِر الدّرّ والعِقيان، على جيد الكواعب الحِسان ، فتلقّفه جمهورُه العريض بالأحضان، وأغلق عليه البآبىء والأجفان، مخافة َ حسد الحسّاد و"العديان"، وما أكثرهم في هذا الزّمان !
هو الحافظ للقرآن، والزاهد في محراب الإيمان، والمنافح عن بيضة الإسلام في كلّ آن، أليس هو واضع الأسس والأركان، لـ"فرسان القرآن" ؟
هوالآخذ بناصية اللغة والتبيان، والفصاحة والبيان، ولاغرو فقد نهل من معين قسّ وسحبان، ماجعله يسيل سلاسةً وعذوبةً حسدهما عليه الهزّار والكروان.
من " أبي سلمى زهير" ، أخذ حكمة الشيخ المتمرّس الخبير، ومن " أبي فراس"، تعلّم سجع حمائم الرّوم ورقّة الإحساس، ومن "ابن ذريح"، أشرِب نخب التشبيب المليح، بالتلميح لا بالتصريح، ومن جدّه "الشنفرى"، لُقِّن الصبر والجلَد على حيف الورى ، ومن "زرياب"، أخذ رهافة الحسّ ومتعة الإطراب، ومن الجدول الرقراق، نضَح بالصفاء والإشراق.
كيف أفي حقَّ مَن عشق الضاد، فكان للرطانة بالمرصاد، وتصدّى للفرانكوش الأوغاد، الذين عاثوا في الإعلام الفساد، وحيدا في الميدان، يصارع القرصان، ويقارع الأراجيف بالحجّة والبرهان، بعدما تخلّى الصحب والخِلان ، عن معركة الهويّة والشرف والإيمان ؟!
لم يسعَ يوما لقيادة أورئاسة، فهي في عُرفِ الصالحين الواصلين خساسة ونجاسة، وبيع للذّمم في سوق النّخاسة. وهل بربّكم تجتمع الأصالة واللطافة والظرافة والثقافة، بالرداءة والدناءة والسخافة ، الممزوجة بحنظل "برلمان الحفّافة" ؟!
وبعدما قطعتُ الوهاد والنجاد، وصلتُ جبل "توباد"، فأفرغتُ مافي الحشا والفؤاد، من لواعج النوى والضيم والبعاد، فردّد رجعُ الصدى، سجعا جميلا دعا و شدا:
بلّغْ يا حكيم الزمان، حفيدك سليمان، تحايا العاشقين المُتيّمين ، ونصيحة العارفين الواصلين، وقل له:
نقّلْ فؤادك ولو مرّة، إلى "بني عذرة"، فلن تعرف الضيم والحقرة، وانصب الخيام، قرب غدير ظبيات الغرام، ففي هذه المضارب، تصفو المشارب، وتتحوّل الأراقم والعقارب ، إلى أولياء وأقارب.
ولمّا أدركتُ أنّي لن أزيد للبدر نورا، أو أشعّ في صدر الجذلان حبورا ، أو أضيف للزّهر شذى وعطورا ، توكأتُ على عصاي ، آملا في تحقيق مُناي، وركبتُ قلوصي الحوراء، وجبتُ البيداء، بعدما سمعتُ هذا الحداء:
ياناق سيري عنقا فسيحا *** إلى سليمان فنستريحا.