خاطرة قصصية :رشوة
اليومَ بانتظار مكالمةٍ مهمّـــة ، بينما كنتُ مردّدًا بين الفينة و الأخرى حكمــة ً قديمــــة ً راودتني طيلة هذا الشّهر دونَ سابق خاطـر، لمْ أعِرِ الهاجسَ اهتمامًا ، ربّما كان مجرّدَ سلوى.. ولكنّ الهواجسَ أحيانا تكونُ إرهاصًا لغيبٍ آت ٍ، لا تجدُ له تفسيرًا حينها ، و لكنها تفسّرُ نفسَها بعد أنْ تتحقــّق بقولـك " سبحان الله .. ! " .
و".. بلغ السّيلُ الزّبَــى.. ! " هذا ما تردّدَ بخاطري، ولمْ تنفـَــكّ شفرتُهُ إلا بعْد لحظاتٍ من سماع هذه المكالمة..
- رنْ.. ! رنْ.. !
- ألو.. ! ألو.. ! أهلا صديقيَ العزيز ..
أخذ تنهيدة ً بطول " صور الصّين العظيم "، و بارتفاع " برج إيفل " وبأنين " بيغ بونغ "
..إذ لم يسْعفــْهُ الحظ في أنْ يتمالـكَ نفسَهُ، المنفلتَ منه كهـِرٍّ هاربة ٍ من مصيدة ٍ كلبْ..
-الرّشوة .. ! الرّشوة.. ! يا "... ! " ..و لمْ يكملْ..
- علمتُ لحظتها أنهُ خسرَ المسابقة َ، ولكنه ما كانَ ليَخسرَ نفـْسَه و علْمَه و مبدَأهُ..و أغلقَ السّماعة َدونَ سلامْ..
ما عاد لِطعم النـّجاح و الكفاح منْ لذةٍ ، وها أنا أرَى عَلَمًا يهْوى أسفـًا على حقٍّ له..ابتزّهُ إيّاهُ مُتواكلٌ صغيرٌ أحمقُ ، سعى بهِ مالـُه و جاهُه لنيل منصبٍ أكبرُ منه..
حكمة ٌحصدَتْ أنوفَ الرّجال ِ، بينما يقفونَ كالنساءٍ مقهورينَ أمامَ سطوةِ مُسْترْجل ٍ أخرقَ..أو طوعًـا لأنهم لا يجدون في أنفسهم ما يُبرّرُ رجولتـَهمْ..
ورنَّ الهاتفُ مجدّدًا.. كان.. هو..! و بصوتٍ أثقلتهُ الآلامُ..قال :
-" يا صاحبي .. ما عاد لي أنْ أعيش في هذه البلدة الجحُودِ.. سوف أتغرّبُ عَلـِّيَ أحبُّ وطني بشكل ٍ..لمْ أعْهَدْهُ.. فــ" مَنْ أحبَّ وطنـَه تغرّبَ في سبيله " ..و الرّشوة ُ هنا لها طعمٌ مميّزٌ.. لا تجده في مكان ٍآخرَ.. بلْ مازالتْ هناك بعيدًا عن الوطن.. ضمائرٌ حيّة تقيـِّمُ ما تحمله في رأسكَ.. من علم ٍ..لا ما تحمله في جيبك من فلس ٍو قيمة..
و العلمُ هو الآخر هناك لهُ طعمٌ لا أتحسّسُه هنا..و القائمة لا أثرَ لاسْميَ بها ، لقد عُلـّقتِ الكفاءة ُو الاجتهادُ و التـّشريفُ ، أغلالَ على صدر الدُّعاةِ لها.. و العاملين بها.
مادامَ هناك آخرُ يرعاني ..فسوفَ أذهبُ زحفا إليه..
فهل سترتـّبُ حقيبتـَك .ونذهبُ..سويًّـا.
الجزائر / 2007