الحلية النبويّة الشّريفة
*****
رَفَّ الحَمَامُ ، على ثَنِيّاتِ الحِمَى
فَتَأَوَّدَتْ ، رَمْلِيَّةَ الأَعْطَافِ
وذَكرْتُ بعضَ الحيِّ ، في حَيٍّ بِمَنْـ
ـبِجَ ، لَفَّنا ، بِمَشاعِرٍ وعفافِ
خلَّفْتُ بعضَ النَّفسِ في أحنائھِ
وكغيمةٍ ، بِرِدائھا الشَّفَّافِ
بَيْضَاءَ ، بينَ الياسمينِ ، ومِثْلِھِ
خَضْراءَ تَحكي لھْفَةَ الصَّفْصافِ
تھفو ، إلى النَّھْرِ النَّوارِ ، كأنَّما
أسَرَ الفؤادَ ، بِخصْرِهِ الھفْھافِ
ويقولُ لي أھلُ الْمَودَّةِ ، ھاتفاً
والنَّفْسُ ، بينَ شواطئٍ وضِفافِ
: ( متِّعْ بھاتيكَ الرّبُوعِ نواظراً
واھنأْ بسعْيٍ ، عندھا ، وطَوافِ )
فَبَرِئْتُ ، من كلِّ المفاتِحِ دُفْعَةً
ولبسْتُ أبْيَضَ ، دونَما أفْوافِ
وشقَقْتُ أطباقَ العَنانِ محلِّقاً
فإذا أنا ، في ھالةٍ الأضيافِ
أُمَمٌ مَعي تَصِلُ الْمَدارَ الْمُبْتَغى
مَجْذُوبَةً ، بِحَنِينِھا اللفَّافِ
بالحمْدِ والتَّوحيدِ ، تَلھَجُ كلھا
مَوْجٌ يُدافعُ مَوجةً ، بعفافِ
وبكلِّ لَوْنٍ ، كلِّ لَحْنٍ طارِفٍ
بَحْرٌ يُفيضُ ، بأدمُعِ الأُلاّفِ
شفَّ الْحنينُ العذْبُ كلَّ مُشَوَّقٍ
فمضى يطوفُ ، بخافقٍ وَجَّافِ
ومُشوَّقٍ كانَ اطمأنَّ ، على الرِّضا
يدعو الإلھَ ، بِدَمْعِھِ الْمِسْعافِ
ھابَ الْجلالَ ، وشفَّھُ حُسْنٌ بھا
فانْسابَ رُوحاً في الْجمالِ الصّافي
إنَّ انْعِدامَ الذّاتِ ، عنْد جنابھا
لَھُوَ الوِصالُ ، ورَوْعةُ الإزْلافِ
( يا ربِّ لا تَحْرِمْ فُؤادَ مُتَيَّمٍ )
مِنْ نُورِھا ، الْمُتلأْلئِ ، الرَّفَّافِ
يا رَبِّ وارْحَمْ ضَعْفَنا ، بحبيبكمْ
والْطُفْ بِنا يَوْمَ الوغى الرَّسَّافِ
* * *
ولقدْ سَكِرْتُ ، بغيرِ خمرةِ ماجنٍ
ھيمانَ أنشُدُ عَن خُطى الأسْلافِ
والبدْرُ مِنْ خَلْفِ الغُيُومِ يُمِيطُ عَنْ
آيِ البَھاءِ ، ورَوْعَةِ الألطافِ
سُبْحانَ مَنْ خَلاّهُ يَجري ، دائباً
وعلى مَدارِ النُّورِ ، أيَّ طوافِ
فإذا النَّصيفُ انزاحَ أسفرَ ضاحكاً
ياليت شعراً ، جادَ بالإنصافِ
ولَكَمْ تَحَيَّرَ شاعِرٌ ، في وصفِھِ
ياحُسْنَھُ ، من كاملِ الأوصافِ
إنْ قُلْتُ ھذا بعضُ نُورِ المُصطفى
أبْديْتُ عُذْرَ مَطالِعٍ ، وقوافِ
أغليْتُ حُسْنَ الحُسْنِ ، في أنوارِهِِ
حتَّى أضاءَ مَحابري ، وشغافي
( فَھتفْتُ من فَرْطِ السُّرُورِ ) ملبِّياً
دعواكَ أدْخُلُ لائذاً ، بھُتافي :
إنَّ الرّسولَ ولو جميعُ الخلقِ أنْـ
ـكَرَهُ ، سيبقى سيِّدَ الأشرافِ
كلُّ الرَّسائلِ ، قَدْ تكامَلَ عِنْدَهُ
وھو الْمُتَمِّمُ ، شِرْعةَ الأحنافِ
وھو الْمُحَمَّدُ في السّمواتِ العُلى
ما ضَرَّهُ التَّصويرُ ، باستخْفافِ
لكنَّ مَوقِفَنا : دِفاعُ نُفُوسِنا
إذْ قُوبِلَ الإيمانُ ، بالإرْجافِ
وحضارةٍ ! كشفتْ حظيرةَ أھلھا
فانْظُرْ لَھمْ ، في رِبْقةِ الأعلافِ
لو كان قوم شنّعوا ، في رسْمِھِ
عَرَفُوهُ ، لَمْ يَتَفَنَّنُوا ، بِخلافِ
إنّي رضيت الدّرب موصولاً
بِمَنْ أسر القلوب ، مكرِّمِ الأضيافِ
الصحب كم حلاّه ، في وصفٍ
لنا يا طيبھا , من حلية الأوصافِ
فعليّ كم قد قال ، في أوصافِھِ
والكل أجْمَعَ ، دون أي خِلافِ
البدر يَحْكي , في البھاء جبينَھُ
والشّمس تحكي ، بالسّنا الرّفّافِ
من ليس يعرفھ ، يھاب جنابَھُ
فإذا تَعَرَّفَ قَرَّ ، بالأكنافِ
قد كان ألينَھم ، وأكْرَمَ عِشْرَةً
سھلَ العريكةِ ، لم يكنْ بالجافي
ھو سيِّدُ الكرماءِ ، لَم يقبضْ يداً
كَمْ كان يُعطي ، دونَما إسرافِ
سَكَنَتْ جَوارِحُھُ ، فإن رغب التلفْـ
ـفُتَ كان مشتملَ الْحيا ، بعِطافِ
قد كان ينقل خطوه ، متقلِّعاً
كالسّيل في صبب , وفي استئناف
فَخْمٌ ، عَظِيمٌ ، خَلْقُھُ ، ومقصَّدٌ
وكذاك قالوا : لَيِّنَ الأطراف
وإذا تعرّق فھو مسكٌ مائزٌ
أنّى تَمشّى ، فاغمَ الآنافِ
ختم النُّبُوَّةِ ، بين كتْفيھ انْجَلَى
وكذاك قولُ ( بَحيرةَ ) المِنصافِ
وجَميع من وصفوه قالوا :لنْ و لَم
نر مثْلھ , في حُسْنِھِ الْمُتَوافي
حاز الْمَحاسِنَ ، في الشمائل كلھا
حَسَنُ الخصائل ليس بالخِصْلافِ
لِمكارم الأخلاقِ كم أعلى ، ومن
أھدى لَھا ثوبَ الكمالِ الضّافي
أَسَفُ القَصيدِ ، فكم يظلُّ مقصّراً
في حقّھِ ، وھَلِ الكلامُ ، بكافِ
يا رَبِّ صَلِّ , على الحبيبِ ، وآلھِ
ما شئتَ مِن عددٍ ، ومِنْ أضعافِ
وارْضَ السَّلامَ على الصَّحابةِ كُلِّھِمْ
والْمُسلمينَ ، أعِزَّةٍ ، وضِعافِ
* * *
عبد الجليل عليان
سورية ، منبج ، ربيع الأنور 1427