في سبيل الحقيقة
حول كتاب « الشخصية المحمدية» للرصافي: بقلم : التهامي الهاني
نشر في الشعب يوم 27 - 10 - 2007
بعد أن نشرت بجريدة الشعب (العدد 919) مقالا بعنوان « من يكون وراء هذا الكتاب المزور ؟ كتاب الشخصية المحمدية المنسوب ل «معروف الرصافي» وذلك بتاريخ 26 ماي 2007 ، قام الأستاذ فريد العليبي بلرّد .. نشر مقالا موسوما ب «ملاحظات حول الجدل بخصوص كتاب الرصافي «الشخصية المحمدية» وذلك بالعدد 924 من جريدة الشعب الصادرة بتاريخ 30 جوان.2007
في البداية توجبت الإشارة الى ما يلي:
أولا :إننا نحث عن الحقيقة والإضافة العلمية لذلك يكون السّباب والشتيمة في غير موضعه.
ثانيا: التكفيريون صنفان: أهل التكفير الإيماني الذين تعممو بكوفية الحجاج بن يوسف ،اتكؤوا على هراوة زياد بن أبيه وخطبوا بلسان قسّ بن ساعدة الأيادي وهؤلاء يختزلون التاريخ في الخلافة الرشيدية ولا يقبلون الرأي الآخر.
وهناك أهل التكفير الإيديولوجي، وهم رهط ممن وضعوا على رؤوسهم قبعة مار ****** وانجلز وقلنسوة ماوتسي تونغ، واختزلوا أحداث العالم في ركام البلشيفية الذي غمرته أحجار جدار برلين... وهؤلاء أيضا لا يقبلون الرأي الآخر ويعتبرون من خالفهم أنه «تكفيري» و «ظلامي» ولكن القارئ الذي عاشر بعض الأقلام لا زعتقد أن يقبل مثل هذا الكلام ...
وإشارة ثالثة، أردت أن تكون ضمن هذه الملاحظات، ما كنت لأتناولها لولا الإلحاح عليها من طرف السيد العليبي وهي عدد صفحات الكتاب .. إذ منحها من الأهمية أكثر مما يجب ..
يقول العليبي «غير أن ما نلاحظه منذ الوهلة الأولى ذلك الخطأ الذي وقع فيه الهاني عندما حدّد صفحات الكتاب بأنها 770 صفحة، والحال أنها 767 صفحة» ويؤكد أن الخطأ تكرر أكثر من مرة .. لهذا يقول مستنتجا : «تكرر الخطأ أكثر من مرة مما يلقي ظلالا من الشك حول عودته فعلا للكتاب وقراءته له إذ لا يعقل أن يتصدى أحدهم لتفنيد ما جاء في هذا الكتاب أو ذاك وهو بين يديه فلا يعوف حتى كيف يحصي صفحاته»..
نعم، يا سيدي، يتشكل كتاب (الشخصية المحمدية» من 770 صفحة (766 صفحة مكتوبة ومعها 4 صفحات بيضاء) كذلك نؤكد أن المطابع تصدر الكتب والمنشورات بصفحات عددها زوجي (نعم بعدد زوجي) ولا يكون العدد فرديا... أي لا يكون 767 صفحة كما ذكرت.. وإذا أردت التأكد مما نقول خذ الكتب الموجودة حذوك ستجد ما تقول صحيحا.. وإني أعتذر للقارئ عن الحديث الذي أجبرني صاحبنا على تناوله، رغم عدم أهميته .. وبعد ذلك نتجاوز للأهم .. وللرّد نقدم التوضيحات التالية حول بعض المسائل في الكتاب، وبها نبحث عن الحقيقة، أما الهمز واللمز والشتم فذاك لا يحذو إلا مستوى ضاحية.
1) الشك في نسبة الكتاب للرصافي:
يعتبر العليبي أن مسألة تزليف الرصافي لكتاب الشخصية المحمدية، قد تم حسمها، فيقول : «ختاما نقول ان الشخصية المحمدية من تأليف الرصافي وهو يندرج ضمن حقل معرفي يعني بنقد المقدس ومحاولة تحرير العقول من سطوته تمهيدا لتحرر فكري أوسع يحتاجه المضطهدون قبل غيرهم»...
وتعقيبا على ذلك نقول :
لم أكن الوحيد الذي شك في نسبة هذا الكتاب للرصافي، فهذا الدكتور محمد بن موسى باب عمي الذي تناول «منهجية تحقيق هذا الكتاب» 1) وبعد أن عرض «الخلل في المنهجية» قال : «.. وبالتالي فلا نثبت الكتاب للرصافي، ولا ننفيه عنه نترك المسألة للتحقيق العلمي، وهذا يحتاج الى تجميع للنسخ، ودراستها دراسة منهجية دقيقة ...»
لذلك أصدر بيت الشعر العراقي مقالا حول هذا الكتاب أمضاه حسين سميسم . 2) فورد ضمنه : فالكتاب تحوم حوله الشكوك حول مصداقية ما يحتوي نظرا لعدم وجود محقق للكتاب ، كما ان مصادر الكتاب تضيف عليه شكا آخر، فهي من وضع الناشر وليس من وضع المؤلف .. الخ «
السؤال الذي يطرح : لماذا نشك في صحة نسبة هذا الكتاب للرصافي ؟ نجيب لأسباب عديدة ، منها المنهجية:
في هذا الكتاب الشخصية المحمدية لا نعثر على زبسط قواعد التحقيق العلمي للمخطوط . 3) رذ لا وجود إسم أو أسماء المحققين للمخطوط ، ولا وجود لبيان الفهرسة في المكتبة « مع العلم أن الأمانة العلمية تقتضي ذكر جميع المواصفات الواردة في المخطوط المحقق حتى يتمكن الباحثون من الرجوع إليه في حال الضرورة الحكم على صحة ما جاء فيه» 4) كذلك نجد اضطرابا في الترقيم داخل المجلدات، وشمل المجلدات : الأول، والثالث والرابع والسادس والسابع .. أي لم يسلم إلا المجلد الثاني والخامس.
وزسقط المجلد الثامن الذي حوى (الفهرست بتنضيد موسع وفي آخره صفحة غير مرقمة فيها «خلاصة نصوص النظام الإجتماعي للدين اليهودي».
5) ورذا تصفحنا «الإجازة» التي منحها الرصافي في النقل، ونصها المسجل على الكتاب : «اطلعت على هذه النسخة .. من كتابي «الشخصية المحمدية» فرأيتها صحيحة كاملة خالية من الأغلاط في النسخ، فلذا أجيز ... روايتها والنقل عنها ... كتبت هذا إعلاما بذلك»..
وهنا نتساءل : لماذا لم تصور هذه الإجازة بخط يد الرصافي وتطبع في الكتاب، كما يكون عادة في تحقيق المخطوطات ومن هو الذي نسخ هذا المخطوط؟ ومتى ؟ وكيف ؟ ورذا كانت النسخة قد قدمت للرصافي حيّا، كما يظهر ذلك من خلال هذه الإجازة، الى أي جهة تم تسليمها ولماذا تم تأخير طبع هذا الكتاب الى سنة 2002؟ قبل في الصفحة الخامسة : «المجلدات ثمانية، وهي تحتوي على وثيقتين وعلى بعض المستندات المتعلقة بها» وهنا نسأل : أين هي المستندات المتعلقة بها؟
بالنسبة للآيات القرآنية والآحاديث النبوية، يتوجب على المحقق أو المحققين التثبت .. فالآيات القرآنية لا بد ان تكون مشكولة مع تحديد اسم السورة لآية كذلك تخريج الأحاديث، وفي ذلك يقول المعموري : «هي عملية أساسية في كل نصّ عربي مهما كان الفن الذي ينتمي اليه» 6) .
وهذا الأمر، ليس عسيرا على المحقق المعاصر لأن المراجع والفهارس تكاثرت حتى أنها لا تسبب عناءا للمحقق .. وللإشارة فقط ، نذكر المعجم المفهرس لألفاظ الحديث الذي وضعه «ونسنك» والذي فهرس فيه تسعة كتب ، وهي الصحيحان والسنن الأربعة والدرامي و «موظأ مالك ومسند أحمد بن حنبل أما القرآن ، فكتب التفسير والمصاحف كثيرة، بالاضافة الى المعجم المفهرس لألفاظ القرآن ولكن للزسف نجد الآيات غير مشكولة وبها أخطاء كثيرة ، من ذلك على سبيل المثال ، لا الحصر ، الآية 31 من سورة «النور» بالصفحة 367 من كتاب الشخصية المحمدية وغيرها كثير ..
فالإخلال بقواعد التحقيق العلمي لهذا المخطوط ينم عن إخفاء الحقيقة التي تكشف المستور ، ويظهر الهدف من تأليف هذا الكتاب أو نشره ونسبة تزليفه نتيجة لذلك ... فهذا ما يجعل الشك أمرا ضروريا في نسبة المؤلف للرصافي.
1 2 حول المخطوط ونسخة:
هناك ما يشبه التوضيح حول حول المخطوط ، ظهر فيما نشره بيت الشعر العراقي سنة 2006 ، في المقال الموسوم ب «الشخصية المحمدية بين العقل والنقل» وأمضاه حسين سميسم، إذا ورد ما يلي:
أن الرصافي اشتعل بتأليف كتاب الشخصية المحمدية من سنة 1932 أو 1933 حتى سنة 1941 ، ولما وقعت الحرب بين العراق وانقلترا اضطرّ الى العودة الى بغداد حسب ما ذكره د. يوسف عزالدين.
يذكر الرصافي في حوار، قيل أنه أجرى معه يوم 29 سبتمبر 1944 ، فكان كالتالي
هل أكملتم كتابكم المذكور؟ (يعني الشخصية المحمدية) .
لم نكمل هذا الكتاب ، لأن الكتاب كما تعلمون هو عبارة عن ملاحظات كنت أدونها كلما خطر لي خاطر لي خاطر حول الموضوع».
فهذا الحوار الذي ورد في كتاب الدكتور يوسف عزالدين «الرصافي يروي سيرة حياته» الصادر عن دار المدى سنة 2004 ، يعمق الشك في نسبة الكتاب (الشخصية المحمديدة) لمعروف الرصافي لسببين:
أولا : لأن الحوار يثبت أن الرصافي بقي المدة بين 1933 و1941 ولم يدوّن من كتاب الشخصية المحمدية إلا بعض الملاحظات التي يمكن أن تكون متفرقة ، ولم ينتبه من تأليفه حسب ما أقرّه بنفسه.. فكيف سينهي الكتاب في سنوات 1942 1945 أي حين انقطع عن تدوين ملاحظاته ، بعد أن بقي ما يقارب 9 سنوات ولم ينهه.؟
كذلك أن الكتاب الذي ألفه د. يوسف عزالدين ظهر بعد صدور كتاب (الشخصية المحمدية) فهذا أيضا يزيد الحيرة ويجعل الشكّ يقينا أن الكتاب انبنى على بعض الشذرات التي سجلها الرصافي وتم تأليف هذا الكتاب الضخم .. فمساهمة الرصافي لا تتجاوز بعض الملاحظات، وتم الزج باسمه في هذا الخضم...
وما ذكره توضيحا، بيت الشعر العراقي يأتي مبهما، ولا يزيد إلا حيرة...
فما ورد في وثيقة هذا التوضيح 9) أثناء الحديث عن الاجازة «فهذه الإجازة لا تخصّ النسخة المكتوبة بخط الرصافي المودعة عند المرحوم محمود السنوي ، بل أنها كتبت اجازة النسخة استسخها الأستاذ كامل الجادرجي في 15 آب 1994 «...وهنا نتساءل : ؛يف كان الرصافي مقرا بعدم انتهائه من الكتاب ثم يجيز استنساخ المخطوط سنة 1944؟. إلا يترآى التناقض واضحا؟
وواصلت الوثيقة : «وقد ذكر د. وليد محمود خالص نصها، أي الاجازة نقلا عن الاستاذ المدقق : ميخاذيل عواد وهي (اطلعت على هذه النسخة التي استنسخها صديقي الفاضل كامل الخيام الجادرجي على النسخة التي كتبها بيدي عن كتاب الشخصية المحمدية، فلذا زجيز له روايتها، والنقل عنها والاعتماد على ما هو مكتوب فيها قبل طبع نسخة الكتاب الأصلية، ونشرها، وبما أني أثق بثقافة كامل الخيام وبصدقه وإخلاصه في مسائل العلم والأدب، كتبت هذا إعلاما بذلك»..
وهذا مثبت في كتاب «مخطوطا المجمع العلمي العراقي فالكتاب الذي نشرته دار الجمل لم تعتمد، على نسخة «كامل الجادرجي» التي هي عند نصسر الجادرجي.
كما أن توضيحا آخر، ذكره قاسم علوان، 10) وحصره في النقاط التالية:
أ ان النسخة الزصلية المكتوبة بخط الرصافي والمودعة عند المرحوم محمود السنوي هي لحدّ الآن مجهولة المصير.
ب كتب الأستاذ كامل الجادرجي نسخة بخطة في بداية عام 1944 ، وطابقها محام معروف (؟) 11) ، وكتب الرصافي في صدرها الإجازة المذكورة آنفا، والنسخة هذه موجودة عند الاستاذة نصير الجادرجي.
ج توجد نسخة أخرى كتبها الأستاذ مصطفى علي، وهي غير معروفة المصير.
د قام الأستاذ كامل الجادرجي بتصوير صورة فوتوعرافية للنسخة التي كتبها بيده، وأهدى النسخة المصورة للمجمع العلمي العراقي.
ه قام السفير العراقي باهر فائق، سفير النظام البعثي باستنساخ عدد من النسخ بأجهزة الاستنساخ الحديثة، من الصور المودعة لدى المجمع العلمي العراقي : وباعها لمن يرغب، وكأنها ميراث من زبيه، والنسخة التي اعتمدها الناشر هي على الأكثر من مبيعات السفير المذكور، وهذا سرّ عدم نشر الإجازة كاملة، ودار النشر مطالبة بتوضيح ذلك.
و وفي الملاحظة الأخيرة يتساءل صاحب الوثيقة / البيان، عن الاسباب التي جعلت المستندات لم تطبع، فيقول 12) «هل كانت الوصية هي بيت القصيد ؟ أم سبب آخر منع دار النشر من طبع جزء من الكتاب كما جرى ذلك من قبل باقتطاع نصوص من الاجازة ؟ إن ذكر وصية الرصافي يستوجب الإقرار بأحقية من أوصى لهم الرصافي من حصة بيع الكتاب، لأن الوصية نصت على ذلك إن نص الوصية مذكور في كتاب د. يوسف عزالدين عن الرصافي 13) وهي «كل ما عندي من الكتب المخطوطة التي كتبتها أن تباع لمن يرغب في شرائها على أن له حقّ الطبع والنشر، ولا يكون لي فيها سوى الإسم ويدفع المال الحاصل من بيعها الى بنات عبد».
خلاصة القول في هذا الجانب، أن كتاب الشخصية المحمدية تأليف صاغه الناشر ومن شجعه على ذلك من أوساط بعيدة عن الثقافة والفكر والعلم والأدب. أما مساهمة الرصافي فيه، فلا تتجاوز الشذرات والملاحظات التي دونها في فترات متقطعة زيعقل أن يبقي الرصافي أكثر من 10 سنوات ، ولم يزد جهده على تسجيل ملاحظات ثم أوقف تدوينها بسبب الحرب سنة 1941 ، ولما اشتد هول الحرب العالمية الثانية بين 1942 و 1945 يعمد الى تأليف هذا الكتاب الضخم ؟ هذا لا يقبله إلا من جانب الحقيقة وتوهم أن الناس سوف يصدقونه ...
في تحديد مصادر الكتاب يتحدث الرصافي فيقول 19) «إذا كان عملي ناقصا فسببه قلة المصادر التي التي لدي فأنا ألفت هذا الكتاب وليس لدي من أمهات المصادر سوى أربعة وهي : السيرة النبوية للحلبي ، وسيرة ابن هشام، والتفسير للزمخشري ، ومعجم البلدان ، وهذه الكتب الأربعة هي أيضا ليست ملكي، وإنما استعرتها من السيد مصطفى علي»..
فالمصادر قد حددها الرصافي ، وهي بينة ولا يمكن الزيادة فيها إلا أن المتصفح لقائمة هذه المصادر في آخر المكتبات نجد ما يلي:
سجل ناشر الكتاب : 31 مصدرا ومرجعا منها الرقم 17 قد وضعت نقاط متتالية في موضع العنوان والمؤلف وتم تسجيل دار النشر وهي : دار الكتاب العربي بيروت كل المصادر والمراجع التي تم ذكرها أهمل تاريخ النشر، باستثناء كتابين : (الزمخشري، جار الله (؟) الكشاف في حقائق التنزيل مطبعة الحلبي بمصر 1966)
والكتاب الثاني (الساجستاني، أبو حاتم : كتاب المصاحف المطبعة الرحمانية مصر 1936).
والكتابان تم طبعهما سنتي 1966 و 1936 أي بعد تأليف كتاب الشخصية المحمدية الذي هو سنة 1933 حسب ما ذكرته دار النشر في بداية الكتاب ..
هناك خطأ في ذكر المصادر والمراجع مثل : جار الله الزمخشري صاحب كتاب الكشاف ...والصواب هو الكشاف عن حقائق التنزيل (وليست «في حقائق التنزيل) ، والمؤلف هو أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري 15) الذي عاش ما بين 1075 م و1144 م وكنّا أشرنا الى حياته ومؤلفاته في مقال سابق.
هناك خطأ أيضا في أصل عنوان « السيرة الجلبية» إذ ورد في كتاب الشخصية المحمدية انسان العيون في سيرة المأمون ، والصواب هو : «إنسان العيون في سيرة النبي بأمين المزمون « أما مؤلف هذه السيرة حسب قائمة المصادر والمراجع هو : علي بن برهان الدين الحلبي وهذا أيضا خطأ والصواب هو علي بن براهيم بن أحمد الحلبي المتوفي سنة 1044 ه / 1624 ه
أما قيمة «السيرة الحلبية» في مقاونة مع كتب السيرة فتتمثل في ثنائه على كتاب «عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسّير « لصاحبه : الإمام الحافظ فتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد المعروف بابن سيّد الناس المتوفي سنة 734 ه / 1333 م وأيضا كتاب : «سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد» لمؤلفه : محمد بن يوسف الدمشقي الشامي المتوفي سنة 942 ه / 1535 م ويعتبر أن سيرته (الحلبية) هي تخليص للكتابين 16) علما أن كتب السيرة النبوية التي ظهرت في القرون الوسطى كانت في العموم لجمع كل المعلومات دون اعمال العقل والروية .. وعوضا ان تدعم السيرة النبوية أساءت إليها .. وهذه السيز زبرزت مستوى التزليف في تلك الحقبة من التاريخ العربي الإسلامي فالسيرة الحلبية خليط من علوم وأخبار وقصص شعبية وأخيرا نقول أن الاسطراد جعلها تبتعد عن « السيرة المحمدية» وفي ذلك يقول محمد عزة دروزه 17) «والحاصل ان كتاب اليسرة المتأخرين ومنهم الحلبي قد سردوا ما في متفرقا أو ما كان ضعيفا أو مشتبها فيه من الاحاديث والروايات، فبدت كتبهم، وعليها طابع من الاغراق العجيب وخرجت بذلك من صفة الكتاب التاريخي الى صفة الكتاب التعبدي».
2) زشكال الحروب الصليبية الحديثة :
ورد في مقال العليبي تعليقا على رفضنا لبعض ما ورد في كتاب الشخصية المحمدية المنسوب للرصافي ما يلي وكان حريّا بالهاني عوض اللجوء الى هذا الاسلوب الممجوج في مناقشة الأفكار بإسنادها الى أعداء الأمة، ان يبين خطأها بالبرهام فقد ولى ذلك الزمان الذي نسمي فيه كل فكرة لا تعجبنا بأنها مستوردة من أعدائنا.
لست أدوي، إن كان العليبي، يعيش معنا في هذا الكوكب أم أنه غير مطلع على يجري حوله، أو أنه يعيش في كوكب آخر...
نعم يا سيدي، إن أعداء هذه الأمة قد جددوا حروبهم ألا يذكر الاستاذ العزيز ما كتبته «مارغريت تاتشر» رئيسة حكومة بريطانيا السابقة وما قالته عن الحضارة العربية الاسلامية؟
ألا يذكر الأستاذ الكريم ما كتبه رئيس حكومة إيطاليا الأسبق «سلفيو برلسكوني» عن دين هذه الأمة ومضارتها؟
هل اطلع صاحبنا العليبي على «القمة الإسلامية الإصلاحية» 18) التي عقدت بمدينة «سانت بتسبيرغ، بولاية «فلوريدا يومي 4 و5 مارس 2007 والتي حضرها عدد من خبراء الرستخبارات الصهاينة والمحافظين الجدد .. وكان الهدف هو «إعادة تفسير القرآن».
و»علمنة الإسلام» وبحث أسباب تحول «ثقافات الشرق الأوسط من الانتفاح خلال الغصور الوسطى الى مجتمعات دينية في الوقت الحالي».. وهذا موضوع طويل سوف نرجع اليه في وقت لاحق .. ونضيف : هل نسى العليبي كتابات المستشرقين أمثال : «غولزيهير Goldzeher « و «ماسينيون» و «ماكسيم رود نسن» و «شاخت «Shachet» و «مونتيغمري وات Montgamry Watt» و «بلاشير Blachere» و «باتريسيا كرون» و «مايكل كول» ولا نتحدث عن برنارد لويس» وغيره ..
يحوصل أحد الباحثين وهو : «علي الدهواري السراواني» أشكال الحروب الصليبية الحديثية في محاربة الاسلام وبيان أن الحروب الصليبية لم تنته» 19) في : الاستشراق والتبشير ومحاربة اللغة العربية، والحطّ من شأن العرب، وإغراق المسلمين بالتيارات الفكرية المضللة .. ونحن نضيف : التشكيك في القرآن وتخريب السنّة النبوية، وخلط السيرة النبوية بأوهام خيالية لا تمت للواقع بصلة .. وبلغ الأمر الى محاولة تحوير القرآن بالحذف و الزيادة وفي النهاية نورد رزيا واحدا لهؤلاء المستشرفين.إذ قال 20) : «إن الإسلام ليس إلا تلفيقا بين دين يهودي وسياسة سامرية «:
فهل مازال لصحبنا شك في ما يضمره الغرب للأمة العربية والإسلامية يا ترى ؟؟ ونختم القول في هذا الصدد بالتذكير بالمواقف الأصولية للرئيس بوش (النسخة الثانية) الذي صرح في عديد المرات بأنه يخوض «حربا صليبية» وأن الحرب على الإرهاب؟ « هي «حرب الربّ على الشرّ» حسب قوله.. ويذكر الجميع ما صرح به هذا الرئيس الأمريكي من أن الرّب أتاه ليلا في الحلم وأمره باحتلال العراق وأمره باحتلال أفغانستان (ولكن هذا الرّب لم يأمره بمنح الاستقلال لفلسطين ؟).
لهذا ، هذا الغرب يمكن أن يفعل كل شيء من أجل تحقيق إرادته ، لذلك تم تزوير هذا الكتاب «الشخصية المحمدية» من أجل أهداف عنصرية وصليبية تم التخطيط لها، حسب ما تظهره التصريحات والمواقف من الأحداث وخاتمة هذا ما ورد في كتاب : «أوروبا والاسلام : صدام الثقافة والحداثة» لهشام جعيط 21) «الوعي العامي الغربي أكثر عداذية للعرب من الاسلام أو على ردانة العروبة حسب المخاطر التي يتصورها لكل من العنصرين ، ورذا حسب الظروف (مد قومي أو مد إسلامي وضرب هذا بذاك)».
3) هل كان كتاب الشخصية المحمدية العقلانية؟ دزب الرفاق الذين يفكرون بالجانب الأيسر من زدمغتهم على اعتبار أنفسهم «أهل عقل « وغيرهم «أهل نقل» واعتاد هذا الرهط من الكتاب كيل التهم والنعوت لمن خالفهم الرأي .. والأستاذ العليبي يرى أن «مضمون كتاب الشخصية المحمدية» المنسوب للرصافي، هو «أقرب الى الماركسية» ويتساءل ألا يندرج كتاب الرصافي ضمن الصراع بين خطّين متضادين في الثقافة العربية : الخطّ الإيماني النقلي والخطّ العقلاني النقدي ؟ وردّا على ذلك نؤكد أن كتاب الشخصية المحمدية المنسوب للرصافي هو بعيد عن العقلانية، ول اصلة له بالتفكير العلمي .. فهو الى النقل أكثر إلتصاقا، ولكم الدلائل.
بدءا من الفهرست، يتبين للقارئ اضطراب التفكير لدى من يقف وراء تأليف هذا الكتاب ... فهناك 245 عنوانا ... تتشابه هذه العناوين وتتكرر، وتعيد نفس الموضوع.
رذا أردنا تقسيم هذا الكتاب وتفصيله، وجدنا كالاتي من الصفحة 15 الى ص 101 يتحدث المؤلف عن آخر حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم)
من الصفحة :102 الى الصفحة يتحدث المؤلف عن جوانب من طفولة الرسول (صلى الله عليه وسلم).
من الصفحة : 123 الى الصفحة 166 : الحديث عن النبوّة.
من الصفحة 167 الى الصفحة 266 ك عودة للحديث عن طفولة الرسول (صلى الله عليه وسلم).
من الصفحة 267 الى الصفحة 347 : في المدينة (الحروب .. المال ).
من الصفحة 348 الى الصفحة 424 زوجات الرسول (صلى الله عليه وسلم).
من الصفحة 425 الى الصفحة 491 : الصلاة والقرآن.
من الصفحة 492 الى الصفحة 507 قصص (بني التضير وبعض الرموز في ذلك العهد...).
من الصفحة 508 الى الصفحة 526 جواسيس الرسول (صلي الله عليه وسلم).
من الصفحة 527 الى الصفحة 550 قصصص والحديث من جديد عن الجواسيس.
من الصفحة 551 الى الصفحة 736 الحديث عن القرآن .
من الصفحة 551 الى الصفحة 736 : الحديث عن القرآن.
من الصفحة 737 الى الصفحة 743 هل الرسول )صلى الله عليه وسلم) معجزات .
من الصفحة 743 الى الصفحة 747 الرجوع الى أول البحث.
من الصفحة 747 الى نهاية الكتاب : الشخصيات المريبة فهذا التقسيم الذي يشكل 15جزءا يختزل 245 عنوانا .. وكان التقسيم حسب المحاور والمضامين .. ويلحظ المرء الإضطراب والإرباك وعدم الترتيب في التفكير فهل هذا هو نموذج «العقلانية» يا أستاذ؟ فكتاب الشخصية المحمدية يمثل:
الخلط الواضح بين المحاور، والإضطراب البين في نسق التفكير، والإرتكاز على «السيرة الحلبية التي تعتبر من التآليف التي أنجزت في مرحلة «الإنحطاط» الفكري والحضاري الذي شهده التاريخ العربي الاسلامي فهذه السيرة التي كرع منها الكتاب كانت أسوأ تزليف في تاريخ السيرة النبوية .. كما ان مؤلف كتاب الشخصية المحمدية تعمّد، أو لم يكلف نفسه عناء لا التثبت والتدقيق « عرض الآيات القرآنية بأخطاء، كان قادرا على تقويمها، .. إن هذا الكتاب هو النموذج الأمثل لسوء التأليف والشاهد الحقيقي لمنهجية النقل والتي تجاوزتها الأحداث.
كما ان الرّد هو جزء ضذيل وسريع لردّ أشمل على هذا الكتاب، هو في طور الإنجاز.
1 محمد بن موسى باباعمي : الأخطاد المنهجية في كتاب الشخصية المحمدية» ضمن رحلة الرصافي من المغالطة الى الالحاد : تزليف جماعي طبع الأوائل للنشر والتوزيع ، سورية : 2006 ص 111 .
2 حسين سميسم : «الشخصية المحمدية بين العقل والنقل» بتاريخ 20 6 2006 على الموقع w.w.w. iraqi culture بيت الشعر العراقي.
3) الطاهر المعموري : منهج إعداد البحوث في الدراسات والبحوث سلسلة : ما يجب أن تعرف طبع دار سراس تونس 1999 ص 75 وما بعدها.
4) محمد موسى : م سابق ص : 109 .
5) معروف الرصافي «كتاب الشخصية المحمدية، أو حلّ اللغز المقدس» طبع دار الجمل كولن / ألمانيا ط 1 : 2002 ص : ص .6
6) الطاهر المعموري : مرجع سابق ص .81
7) د. يوسف عزالدين : الرصافي يروي سيرة حياته دار المدى سنة 2004 ص : .244
المرجع السابق كذلك نص بيت الشعر العراقي.
9) المرجع السابق ، بيت الشعر العراقي.
10) قاسم علوان حول كتاب الشخصية المحمدية . نصوص عراقية العدد 25 كذلك عن ، سميسم .
11) هذا كلام مبهم لا يعيد التوضيح، ولا يرفع الشكوك التي تحوم الموضوع.
12) الشخصية المحمدية بين العقل والنقل ، م س .
13) د. يوسف عزالدين : م سابق ص 314 .
14) د. يوسف عزالدين : مرجع سابق ص : 110 .
15) المنجد في اللغة والاعلام : دار الشرق بيروت ط: 34 1994 ص : 280 من قسم الاعلام.
16) علي العريبي : أضواء على كتب السيرة النبوية قراءة نقدية الدار التونسية للنشر ط 1 سنة 1991 ص : 124 125 .
17) محمد عزة دروزة : سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) مقتبسة من القرآن الكريم وتحليلات ودراسات قرآنية ج 1 ص 8 9 ط 1965 عن علي العريبي : أضواء على كتب السيرة النبوية ص 128 .
18) جريدة «الشروق» : 28 فيفري 2007 ص 10 .
19) ورقة قدمها الباحث في المؤتمر العالمي الثالث عشر الذي اعقده «مجمع التقريب بين المذاهب الاسلامية» بمناسبة زسبوع الوحدة سنة 1421 ه بطهران .
20) آمنة الجبلاوي : الاستشراق الأنجلوسكسوني الجديدي دار المعرفة للنشر ط 1 : 2007 ص : 45 .
21) هشام جعيط : أوروبا والإسلام : صدام الثقافة والحداثة دار الطليعة بيروت . ط : 1995 ص 43