وقد يأتيك اليوم من يصحح لول ديورنت ويقول بأنها مجرد صدفة
وللكلام تتمة دقيقة عن دور الغزالي في نهضة أوربا
ماذا قال ول ديورنت عن الغزالي :
كان رد الفعل الذي نتج من هذه الحركة المتشككة هو ظهور أبي حامد الغزالي أعظم علماء الدين المسلمين، الذي جمع بين الفلسفة والدين، فكان بذلك عند المسلمين، كما كان أوغسطين وكانت الأوربيين
أحس الغزالي بأنه قد عثر على هذا النوع من المعرفة في تأمل الصوفية الباطني: فالصوفي يقترب من سر الحقيقة المكنون أكثر مما يقترب منه الفيلسوف؛ وأرقى أنواع المعرفة هو التأمل في معجزة العقل حتى يظهر الله للمتأمل من داخل نفسه، وحتى تختفي النفس ذاتها في رؤية الواحد(78).
وبهذه النزعة وهذا الزاج كتب الغزالي أعظم كتبه كلها تأثيراً ونعني به كتاب تهافت الفلاسفة واستعان فيه على العقل بجميع فنون العقل، فاستخدم الصوفي المسلم الجدل الفلسفي الذي لا يقل دقة عن جدل كانت Kant ليثبت أن العقل يؤدي بالإنسان إلى التشكك في كل شيء، وإلى الإفلاس الذهني، والانحطاط الخلقي، والتدهور الاجتماعي. وأنزل الغزالي العقل-قبل أن ينزله هيوم Hume بسبعة قرون-إلى مبدأ العلية، وأنزل مبدأ العلية نفسه إلى مجرد التتابع إذ قال إن كل ما ندركه هو أن ب تتبع أ على الدوام ولا ندرك أن أ هي علة ب. ومن أقواله أن الفلسفة، والمنطق، والعلوم لا تستطيع قط أن تثبت وجود الله، أو خلود الروح بل إن الإلهام المباشر هو وحده الذي يؤكد لنا هاتين العقيدتين اللتين لا قيام بغيرهما لأي نظام أخلاقي، وهو النظام الذي لا قيام لأية حضارة إلا به
في معرض كلام ول ديورنت عن الغزالي يشرح مصادر النهضة الغربية :
سنشرح فيما بعد بالتفصيل السبل التي جاء منها هذا التأثير الإسلامي إلى بلاد الغرب، غير أننا نقول هنا بإيجاز إنه قد جاء عن طريق التجارة، والحروب الصليبية؛ وعن آلاف الكتب التي ترجمت من اللغة العربية إلى اللاتينية؛ وعن الزيارات التي قام بها العلماء أمثال جربرت Gerbert، وميخائيل أسكت Michael Scot وأدلارد Adelard من أهل باث Bath إلى الأندلس الإسلامية؛ ومن الشبان المسيحيين الذين أرسلهم آباؤهم الأسبان إلى بلاط الأمراء المسلمين ليربوا فيها ويتعلموا الفروسية(126)-ذلك أن بعض الأشراف المسلمين كانوا يعدون "فرساناً وسادة مهذبين كاملين وإن كانوا مسلمين"(127)، ومن الاتصال الدائم بين المسيحيين والمسلمين في بلاد الشام، ومصر، وصقلية،وأسبانيا. وكان كل تقدم للمسيحيين في أسبانيا تتبعه موجة من آداب المسلمين، وعلومهم، وفلسفتهم، وفنونهم تنتقل إلى البلاد المسيحية، وحسبنا أن نذكر على سبيل المثال أن استيلاء المسيحيين على طليطلة في عام 1085 قد زاد معلومات المسيحيين الفلكية، وأبقى على الاعتقاد بكروية الأرض