، يقول كارليل في كتاب الأبطال :
... (( و إنما من شرف بئر زمزم و قدسية الحجر الأسود، و من حج القبائل إلى ذياك المكان، كان منشأ مدينة مكة. و لقد كانت هذه المدينة وقتاً ما ذات بال و شأن، و أن كانت الآن فقدت كثيراً من أهميتها. و موقعها من حيث هي مدينة سيء جداً. إذ هي واقعة في بطن من الأرض كثير الرمال ، وسط هضاب قفرة و تلال مجدبة، على مسافة بعيدة من البحر، ثم يمتاز لها جميع ذخائرها من جهات أخرى، حتى الخبز. و لكن الذي اضطر إلى إيجاد هذه المدينة هو أن كثيرا من الحجيج كان يطلبون المأوى، ثم أن أماكن الحج ما زالت من قديم الزمان تستدعي التجارة، فأول يوم يلتقي فيه الحجيج يلتقي فيه كذلك التجار و الباعة. و الناس حتى وجدوا أنفسهم مجتمعين لغرض من الأغراض رأوا انه لا بأس عليهم أن يقضوا كل ما يعرض لهم من منافع و أن لم يكن ذلك في الحسبان، لذلك صارت مكة سوق بلاد العرب باجمعها، و المركز لكل من كان من التجار بين الهند و بين الشام و مصر و بين إيطالية، و قد بلغ سكانها في حين من الأحيان مائة ألف نسمة بين بائعين و مشترين و موردين لبضائع الشرق و الغرب و باعة للمأكولات و الغلال، و كانت حكومتها ضربا من الجمهورية الأرستقراطية عليها صبغة دينية، و ذلك أنهم كانوا ينتخبون لها عشرة رجال من قبيلة عظمى، فيكون هؤلاء حكام مكة و حراس الكعبة.


... و كانت الكعبة لقريش في عهد محمد ، و أسرة محمد من قبيلة قريش، و كان سائر الأمة مبدداً في أنحاء تلك الرمال قبائل تفصلها بين الواحدة و الأخرى البيد و القفار، و على كل قبيلة أمير أو أمراء، و ربما كان الأمير راعيا أو ناقل أمتعة، و يكون في الغالب غازيا. و كانت الحرب لا تخمد بين بعض هذه القبائل و بعضها الأخر. و لم يك يؤلف بينهم حلف علني إلا التقائهم بالكعبة، حيث كان يجمعهم على اختلاف و ثنياتهم مذهب واحد، و هي رابطة الدم و اللغة))