يحيى حقي وجهاده في الفن:

بقلم: أحمد فضل شبلول

"جهاد في الفن" أحدث كتاب صدر من المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، عن الراحل الكبير يحيى حقي (1905 ـ 1992) إعداد الكاتب الصحفي مصطفى عبد الله الذي استثمر إحدى رحلاته مع يحيى حقي إلى روما، وقام بإعداد حوار مطول معه عن أعماله الإبداعية وآرائه النقدية ونظرته للكون والفن والحياة والناس والمجتمع، فضلا عن ملامح من سيرته الذاتية التي تضمنها هذا الكتاب الممتع حقا.
ولعل الأسئلة الذكية التي سألها مصطفى عبد الله، فتحت شهية كاتبنا الكبير للإجابة والاسترسال والتذكر والخوض في بعض قضايا الأدب والفن والترجمة التي ربما لم تكن بهذا الاتساع والعمق في كتبه الأخرى.
لقد تحدث حقي في هذا الحوار/الكتاب عن أسراره القصصية، وجهاده مع اللغة، وقاهرته، وتجربته مع الحياة، وذكرياته عندما كان رئيس تحرير مجلة "المجلة"، وعن الكتابة همسا، وصراع الكاتب مع اللغة، ونعمة الشعر، وبيضة الديك ويقصد بها "قنديل أم هاشم"، وغيرها من الموضوعات التي يمارس فيها يحيى حقي ثورته على كل لفظة أضيفت للمعنى بلا سبب، وفي هذا يقول للكتاب: "حينما تكتبون اقفلوا أفواهكم، واربطوا ألسنتكم، ولا تحركونها، لأن هناك كثيرا من الألفاظ ستخدعكم بموسيقاها".
وعن أسراره أثناء الكتابة، يقول حقي: "لا أستطيع أن أكتب بقلم رصاص".
وعن جهاده مع اللغة يقول: "إذا كان الزمن سيُنسي البعضَ آثاري ككاتب قصة وروائي، فلا أتصور أن يجور على جهادي مع اللغة، فقد خدمت العربية كثيرا، بمعنى أنني أخرجتها عن الميوعة والتشتت، واحترمتها أشد الاحترام، وقبلت يديها، وكأنها سيدتي الأولى، فهي صاحبة الفضل عليَّ".
إن يحيى حقي يذهب إلى أن الفن فوق النظريات، وأن الشعر دائما هو الأبقى، لأن الرواية أو القصة في أحيان كثيرة تختلطان بدراسات اجتماعية، فتزول الرواية إذا ما تغير المجتمع. وأن وظيفة الأدب الأولى هي الإمتاع عن طريق إحداث نشوة روحية تنتقل من الكاتب إلى القارئ.
ويعترف باعتزازه أنه قدم أربعة من شباب الأدباء في الإسكندرية، منهم محمد حافظ رجب الذي قدم له أولى مجموعاته القصصية "الكرة ورأس الرجل"، وفي الوقت نفسه يعترف أن نجيب محفوظ يعد من معالم مصر الأثرية، ويرى أنه مؤرخ الحياة المصرية في زمنه من خلال الثلاثية، واللص والكلاب وثرثرة فوق النيل.
وعند إحالة يحيى حقي الكتَّاب (ص 103) إلى بعض أمهات كتب التراث العربي مثل "المخصَّص" ذكر أنه للمبرد، وفي الحقيقة فإن المخصص بأجزائه العشرين لابن سيده الأندلسي، وليس للمبرد، وإنما كتاب "الكامل" هو الذي للمبرد.
إلى جانب ذلك ضمَّ الكتاب مجموعة مهمة من الشهادات لعدد كبير من المبدعين الذين عاصروا يحيى حقي من أمثال: نجيب محفوظ الذي يرى يحيى حقي أنه من شوامخ نهضتنا الأدبية، وفؤاد دواره الذي كان له الفضل الكبير في إعداد الكثير من أعمال حقي وإخراجها إلى النور، ود .لويس عوض، وإدوار الخراط، وفتحي غانم، وصبرى موسي الذي كتب سيناريو وحوار فيلم "البوسطجي" عن قصة "دماء وطين"، وجمال الغيطاني، وسعيد الكفراوي، وإبراهيم عبد المجيد، وعلاء الديب، وأشرف أبو اليزيد، ود. عبد الله عبد البديع، ومحمود عوض عبد العال، ومحمد روميش، إلى جانب قصيدة للشاعر د. أحمد تيمور كتبها عن يحيى حقي.
بدأ الكتاب بمقدمة مصطفى عبد الله "من روما .. إلى روما"، وكتبت كلمته الأخيرة نهى يحيى حقي التي أوضحت أن الكاتب مصطفى عبد الله كان في مقدمة من قربهم والدها إليه في سنواته الأخيرة، ومن ثم فقد أفاض إليه بالكثير من أسراره الفنية والذاتية.
وعلى ذلك فالكتاب يستعرض أهم وجوه يحيى حقي الإبداعية الثرية.
أحمد فضل شبلول ـ الإسكندرية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
*المصدر: موقع ميدل إيست أون لاين