المنظومة التربوية عند أرسطوبقلم/أ سعيدي الوناس
أ)- المنظومة التربوية عند أرسطو:
للتربية عند أرسطو - كما عند أفلاطون- مكانة خاصة،بحيث كرس الفصل الأخير من الباب السابع والباب الثامن كله من كتاب"السياسة"لعرض نظريته في فلسفة التربية ويبدو أن أرسطو أثار عدة تساؤلات حول المنظومة التربوية لا تزال في بعض جوانبها محل جدال بين المفكرين وعلماء التربية في العصر الحديث.
فقد تساءل عن ماهية التربية التي يجب أن تلقن للأطفال،هل ينبغي أن تكون واحدة أم متعددة؟ بمعنى هل من الضروري أن يتعلم الأطفال نفس التعليم أم يجب مراعاة ميول الأطفال و تعدد الأفكار فيتعدد بالتالي برنامج التعليم...ومن الأجدر على القيام بهذه الوظيفة،هل من المفيد أن تترك تربية الأطفال للآباء أم الأفضل أن تكون تحت إشراف الدولة؟ وماهو البرنامج التربوي الذي يجب أن يعتمد في التعليم؟و ما هي طرقه وأساليبه؟ وما هي الأهداف المرجوة من التربية، هل غايتها تنمية القدرات الفكرية أم تهذيب النفس أم تقوية الجسد؟.
تلك هي أهم التساؤلات التي طرحها أرسطو،وقد كان له فيها موقفا قد يقترب من الموقف أستاذه،لكن فيه ما يميزه عنه.ونكتفي هنا بأهم ما ورد فيه.

ب)- خصائص التربية و أهدافها:

يتفق أرسطو مع أستاذه أفلاطون على الدور الهام الذي تضطلع به التربية في بناء المدينة الفاضلة،لذا فهو يؤكد على ضرورة اهتمام المشرعين بتربية النشء[1] من خلال وضع برنامج تربوي يكفل للدولة تكوين مواطنين صالحين،يكون بمقدورهم تحمل أعباء تسيير شؤون دولتهم،ذلك لأن رسالة التربية الأولى تكمن في تكييف مواطني المستقبل مع مهامهم المدنية[2] ولأن الدولة التي تهمل العناية بهذه المهمة تؤدي بنفسها إلى الهلاك[3].
إن التربية عند أرسطو هي من المهام المنوط بالدولة، فلا ينبغي أن تترك للخواص[4] بحيث يوجهونها حسب أهوائهم وميولهم الشخصية وقد يدافع البعض عن التربية الخاصة - كما يرى أرسطو- من اجل تبرير الممارسة الأثينية التي كانت تخول للآباء مهمة السهر على تربية أطفالهم بحيث توفر لهم برنامجا تعليميا يتفق و أفكارهم الشخصية، مستندين إلى شعار " المواطن يملك نفسه" بمعنى انه حر في اختيار ماذا يتعلم و كيف يتعلم و متى يتعلم، اعتقادا منهم أن ذلك من الأمور الخاصة التي لا يجب على الدولة أن تتدخل فيه . وهذا في الواقع اعتقا د مزعوم- في نظر أرسطو- لأنه من الخطأ أن يظن الفرد انه مستقل بذاته عن الدولة بل الجميع ملك للدولة، وكل مواطن هو جزء من الدولة، والعناية بكل جزء يهدف بطبيعة الحال إلى العناية بالكل وبما أن غاية الدولة واحدة فينبغي بالضرورة أن تكون التربية واحدة ومتشابهة بالنسبة للجميع[5].
ولا يجب أن نفهم من هذا أن أرسطو يقلل من شأن الأسرة في تأديتها لهذه الوظيفة،فلنتذكر النقد اللاذع الذي وجهه لأستاذه الذي دعا إلى إزالة الأسرة[6].
إن أرسطو يشدد على ضرورة الأسرة و يعترف لها بالدور الذي تقوم به في هذا المجال- مجال التربية- حيث يقوم اللآباء برعاية الأطفال صحيا و نفسيا بحيث يهيئونهم للاندماج في الوسط المدرسي،لكن" شريطة مراقبة رسمية تحد من تعسفهم المحتمل،وتؤمن وحدة الرؤى،وتضافر الجهود المدنية"[7].
فمهما كان للتربية الأسرية من مزايا فهي لا تبلغ منزلة التربية التي تقوم بها الدولة ،لأن لقوانين الدولة من القوة الرادعة ما لا يتوفر لدى أفراد الأسرة[8].
وينبغي أن نشير إلى أن إلحاح أرسطو على إلحاق التربية بالدولة وعلى ضرورة أن تكون إلزامية وتحت رقابة الدولة ليس الغرض منه تجنب الفوضى في النظام التربوي فقط،،بل يرتبط أيضا بهدف سياسي،هو تدريب النشء على الامتثال للقانون والخضوع له(....) وينبغي على المشرع أن يتأكد من أن التربية في دولته موجهة أساسا لخدمة الدستور[9] لأن بقاء الدستور مرهون بتكييف التعليم حسب شكل الحكومة[10] ويتفق تصور أرسطو في هذا الشأن مع تصور أفلاطون فالتربية عندهما لابد أن يكون لها بعدا سياسيا،لأن هدفها الأساسي هو إنشاء وإعداد مواطنين أحرار أفاضل يعيشون من أجل الدولة ولخدمتها. وباختصار،أن هدف التربية عند أرسطو، هي أن تجعل الإنسان إنسانا، يأتم معنى الكلمة،وبدونها لن يعد الإنسان إنسانا أبدا. وهذا ما قصده أرسطو حين رأى أن الإنسان أفضل الحيوانات إذا تمت تربيته وإعداده وتعليمه جيدا،لكنه يكون أسوأها إذا ما نحن أغفلنا أمره وأهملنا تربيته و تجاهلنا تعليمه[11].




[1] - المصدر نفسه ،1337 ا 11-12 ص419.

[2] - جان جاك شوفالييه ،مرجع سبق ذكره،ص 95 .

[3] - أرسطو ،السياسة،1337،12-13،ص 419 .

[4] - المصدر نفسه،1337 أ 24- 25 ص 420 .

[5] - المصدر نفسه،1337 أ 27 - 34 ص420 .

[6] - أنظر: أفلاطون ،الجمهورية ،الكتاب الخامس ،الترجمة العربية ،لفؤاد زكريا

[7] - جان جاك شوفاليية ،مرجع سبق ذكره ،ص 95.

[8] - يوسف كرم ،مرجع سبق ذكره ،ص 184 .

[9] - ألفريد ادوارد تايلور ،مرجع سبق ذكره ص 128 .

[10] - ولديورانت ،مرجع سبق ذكره ،ص 99 .

[11] - أرسطو،السياسة،1253 أ 31 – 32 ص 10 .