رقصة الساعة الواحدة
الساعة الواحدة ليلاً . هدوء مخيف يرصد الأنفاس تسرب إلى غرفتي في الطابق الرابع التي تطل على مدينة حلب , المدينة تظهر بأضوائها المرهقة في مظهر يثير الاشمئزاز والخمول وكأنها فتاة بشعة قد ألقي عليها أجمل الثياب ذات الألوان اللافتة للانتباه .
كنت أرى أسطح المنازل وقد تلونت بلون واحد اللون الأبيض , يا للهزل , هذا اللون الطاهر تحمله صحون تملأ الأسطحة , وبعد أن ينتصف الليل وفي لحظة و احدة تراها تتحرك يميناً يساراً أرى النوافذ مقفلة الستائر مسدلة تنتشر الضحكات المفعمة برائحة هستيرية لكنها ضحكات مخنوقة الأخرى صحن آخر يتحرك , في الأسفل كنت أرى صحناً قد ثبت على الشرفة وهو بالكاد قد أمسك نفسه في وضعية عجبت كيف استطاع جاري تثبيته فيها , الصحون
تحاصرني من كل مكان . أفق أسود يرجع البصر حسيراً . لم يكن بمقدوري سوى متابعة الأضواء المرهقة التي ترسلها المنازل في حوض المدينة كان لا بد لي أن أقف عند القصر البلدي الشاهق الذي وقف كنابليون على رأسه قبعت قبعته الشهية وهو يحجب شيئاً من رؤية قلعة حلب . كان القصر البلدي يرتفع أكثر من عشرين طابقاً ولم تشير إلى فيالق المنازل التي أحاطت بالقلعة من الميمنة والميسرة أن تقدموا فتتقدم المنازل لتحاصر القلعة من كل صوب وتنتهك محارمها وفي النهاية تتكسر على أسوارها خائبة ذليلة وتستمر المعركة .
في الصباح لم تكن لتستمع سوى أذان الفجر وتختفي المدينة بأكملها في سديم كبير , مدينة حلب تختفي تحت ضباب ثقيل لم يكن بمقدوري أن أرى سوى القلعة وبعد أن تدور الساعة قليلاً تتكشف الحقائق وتفضح جزيئات هذه اللوحة وتنير كل شيء تظهر المدينة عارية أعود لأتذكر ذلك الضباب ضباب ضباب من أين يأتي كل هذا الضباب ؟ بالكاد تميز الأضواء الخضراء الصابرة متناثرة على المدى البعيد وكل شيء واضح أمامي كل ما يجري في المدينة , من هذه الشرفة أطل على كل نافة كل شارع كل حديقة وكل ما يجري في وضح النهار أما ما يجري هنا فتحت أستار الضباب , تعودت تلك الحافلة فبعد الساعات الأولى يزول الضباب وكعادتي فتحت النافذة لأخذ رشفات من هذه المدينة آه ضباب كثيف اليوم و حتى في هذه الساعة لم يمنعني ذلك من الفطور المعتاد وبالرتابة ذاتها مدت بي قدماي إلى الكلية وبالكاد أجد الطريق وجدت شاباً يمشي في الضباب كان الضباب كثيفاً لم يتح لي أن أراه جيداً نادى : مرحباً أحمد ما بك لا تسلم , أهلاًَ أنور لا تؤاخذني فالضباب كثيف لم يتح لي التعرف عليك ملامحك في الضباب مختلفة مد يده بين أوراقه وقال : خذ هذه قصيدة كتبتها حدثاً أعطني رأيك فيها , أمسك القصيدة تأملها لم أفهم منها شيئاً وكأن الضباب تسرب إلى القصيدة لا أرى سوى كلمات مبعثرة لا رابط بينها رددتها له قلت : اعذرني يا صاحبي فالضباب كثيف لكن أخبرني ماذا سميتها ؟ قال لي : هي بلا عنوان , حسن ما بحرها ؟ بحر ؟ أي بحر يا رجل أو ما تسمع بأزمة المياه هذه الأيام السماء لا تمطر وضحك طويلاً ضحكات رنت في الضباب لا أعرف لحظتها .
ماذا تذكرت ثم نظرت إليه أنور أنور أين أنت ؟ أنور ناديت طويلاً لا أعرف أين اختفى صديقي كيف اختفى كان بجانبي تسللت الريبة إلى قلبي.
بعد قليل التقيت صديقاً من الجزيرة حسن مرحباً هل رأيت أنور ؟
أهلاً أحمد لا لم أر أحداً حسنا ً أخبرني كيف حال الأمطار عندكم تنهد طويلاً وقال : الأمطار لا تسألني عن الأمطار الحال تسير نحو الأسوأ والتشاؤم يملأ المنطقة المطر ضعيف والأرض أجدبت , في الجنوب لم يجن الناس ولا حتى سنبلة واحدة . والناس ما يزالون يتداولون الأقاويل والأحاديث جارنا يقول إن الله يعاقب الناس وأخذ الزكاة لم يدفعوها لسنوات , وإن اكتملت فسيعود المطر من جديد عمي ما يزال يؤكد أن الغرب هو السبب وهو يطلق أقماره الصناعية التي تبث ما هب ودب والذي له تاثير على الغيوم في السماء خالي قول : إن حرب الخليج لها تأثير بالغ على المنطقة وما يزال يذكرنا بالمطر النفطي الذي هطل منذ سنوات . أستاذ المدرسة يردد أنها حالة طبيعية فالمناخ يتقلب كل سبع سنوات جدي فرح وهو يقول الحمد لله فقد عاد الناس إلى الإسلام بسبب انقطاع المطر شيخ الجامع يؤكد على العدالة التي هي سبب البركة في أي مكان تابعنا الحديث حتى وصلنا الكلية وجلسنا في القاعة جاء المحاضر وبدء محاضرته بمقدمة حادة النبرة وهو يلعن ويسب الغرب وينظر إلينا وينهال لوماً بأننا جيل نائم جيل فاسد جيل الصحن والنوادي .وبعدها بدء المحاضرة في أصول النقد عند العرب من كتابه الذي ألفه بعد أن عاش ثماني سنوات في فرنسا .
انتهت المحاضرة وتوجهت إلى مكتبة لأسأله بعض الأسئلة متجاهلاً تحذيراته بعد مراجعته في المكتب بقيت أنتظره أكثر من نصف ساعة وهو يضاحك زميلات لي لم أكن لأراه فالجميلات قد أحطن بالمكتب من كل صوب لكن ذلك لم يمنعني من استراق السمع فسمعته يقول يا الله أنا سأدق على الطاولة وسأرى صوت من منكن أجمل وبعد أن خرجن والضحكات تملأ المكان دخلت فقال مسرعاً لقد تأخر الوقت راجعني في وقت آخر تذكرت في تلك اللحظة كلماته في بداية المحاضرة عن جيلنا من جيلنا خيبة أمل جيلهم .
كنت تائهاً بعدها أحسست بحاجة إلى رجل كبير أبوح له همومي ومشاكلي لكن أين ذلك الرجل تذكرة دكتور الأدب القديم شعرت بنور أضيء أمام أسرعت لأراه في مكتبه لام يكن موجوداً سألت عنه المستخدم فقال لا أعرفه أجبته كيف لا تعرفه إنه رجل طويل المهابة تظهر في وجهه يهز الأرض بخطواته ويهزك بكلماته استغرب هذه الأوصاف وتركني وحيداً بحثت عنه دون فائدة أين اختفى لا أعرف . عدت إلى المنزل فوجئت بصيحات والدتي وهي تقول أخوك الأصغر قد اختفى جن جنوني بحثت عنه طويلاً سألت الجيران الدكاكين المشافي الشرطة بلا نتيجة في غرفتي فتحت النافذة وبدأت أتأمل هذه المدينة الضبابية ضوء الغاز في الشارع يصدر أزيزاً وكأنه جرس يرن تذكرة جرس صالات السينما في شارع بارون والرجل القصير السمين ذو اللحية الخشنة والرأس الأصلع يصيح وهو لا يكف عن هرش ذقنه بدأ العرض بدأ العرض عنف بنات إثارة فتيان قد تجمعوا حول الصور الخليعة المعروضة ورائحة الفلافل تعبق في ذلك الشارع الذي يراه العساكر عرضاً سخياً .
وبما أن الإجازة لا تكفي لأن يذهبوا إلى مدنهم وقراهم البعيدة فيه عشر من الساعات يقضونها في هذه السينما وبعدها عدة أقراص من الفلافل تسكن في المعدة ثم تنتفخ مشعرة الإنسان بالنعاس والعطش فينطلق الأصحاب يقلبون بأعينهم كل الأشياء الصغيرة والغريبة التي تملأ شوارع مركز المدينة . وما أن تمر بهم فتاة قد لبست ثياب أختها الصغرى حتى تراهم يصعقون ويتابعونها وأعينهم تأكلها أكلاً , ثم ينظرون بعضهم إلى بعضهم الآخر ويضحكون طويلاً متذكرين أحد المواقف قبل الإجازة .
تمتد يد أحدهم لتعبث بتلك الأغراض الصغيرة والكبيرة التي تملأ الأرصفة والشوارع والبائع غير مكترث بوجودهم فهو يهتم برجل غريب أو فلاح قادم من الجزيرة فيبيعه المنتج وقد ضربه بعشرة أضعاف وذلك المسكين يظن البائع طيباً إذ حسم له بعض الليرات . وما أن يخبره أحدثهم بحقيقة السعر ويتذكر صاحبنا كيف دار به صاحب سيارة الأجرة أكثر من ساعة في نفس المنطقة وهو يبحث عن طبيب القلب المعروف ثم يأخذ منه العديد من الورقات النقدية مشيراً إلى العداد فينهال الرجل المسكين شباباًَ عليهم وعلى الساعة التي جاء بها إلى هنا وقد يتوقف قلبه قبل مراجعة الطبيب . تذكرت أخي الذي اختفى في ضباب هذه المدينة ثم دكتور النقد القديم ثم صديقي , ما الذي يجري في هذه المدينة ؟
استمر الضباب بالتكاثر , الأضواء خافتة . لم أكن أستطيع أن أرى سوى الضوء الأخضر المتاصبر من أعلى المآذن . كنا في الأساطير نقرأ عن المدينة التي تظهر مرة واحدة في العام ثم تختفي وهذه المدينة التي لا تنام تختفي وتظهر في نفس اليوم وبعد أن تسهر حتى الهزيع الأخير من الليل وقبيل الفجر بقليل تنام بأسرها ساعة نوم الكلاب والقطط .
وهي تعج بالضباب وتختفي شيئاًَ فشيئاًَ وساعة دخول الدنيا في الضحى تنكشف الأستار قليلاً لتظهر قلعة حلب واضحة للعيان وقد استيقظت في الصباح الباكر لكن المدينة لا تزال غافلة والضباب يملؤها ويلتف حول المباني الضخمة لتراها أشبه بمدينة الأشباح .
رقصة الساعة الواحدة
تقليص
X
تقليص
نابليون غاضب هذه الأيام وهو يحرك بيده واضح من اليمن إلى اليسار وكأنه ملك متجبر أذلته عقبة عسيرة الأحتلال . وكانت العقبة هي القلعة التي ثبتت على الرقعة والملك الغاضب أمامها , لعبة طويلة ليس في ( كش ملك ) لأنه ملك فارغ من الداخل عظيم من الخارج كما هو حال جميع الملوك .
أخذ الضباب بالتكاثف أكثر فأكثر .. ساد المدينة بأرجائها الواسعة . كل شخص قد أضاع منزله , لم تكن تستطيع أن ترى أكثر من متر واحد أمامك .. وضوء السيارات بالكاد يرى في الشارع , تصطدم بأشخاص كثيرين في المنزل وإن كان منزلك ذا نوافذ كبيرة فغن النظر كان أشبه بفلم من أفلام الرعب . أشخاص غريبون من منزلك ينظرون إلى الداخل ثم يهمون بالانصراف .. الباب يفتح في اليوم أكثر من الف مرة يدخل أحدهم ووجهه مليء بالدماء وثيابه مغبرة ممزقة يلهث قليلاً يتأمل المنزل ثم ينصرف . جرس الهاتف لا يتوقف , التلفاز لا يزال يذيع أخبار الوفيات... كثير من الطيور قد اصطدمت بنوافذ المنزل تحطمت بعضها وامتلأ بعضها الآخر بالدماء والريش ...
العديد من الحيوانات تدخل المنزل , لا تعرف كيف دخلت , قد تفاجأ في الصباح بوجود كلب ضخم أسود قابع بجانبك , أو قطة تعبث بشعر زوجتك , أو فأر اندس بين طيات لحافك . والجرذان أصبح منظرها مألوفاً , وإن رأيتها تتسكع في المنزل لا يثير فيك أكثر من أن تتمنى لو أنك تستطيع قتلها .
الحشرات تملأ المكان أصبح أمراً اعتياداً إن رأيت صرصاراً مقلوباً وأرجله إلى السماء في وسط صحن طعامك فترميه جانباً وتتابع الطعام, كنت أحسب أن الضفادع والقمل ستغزونا أيضاً وستنفجر صنابير المياه بالدماء .
أحسست بالجوع صحت أمي أنا جائع .. إذ كانت تقفل الثلاجة خوفاً من الحشرات والفئران .. لعلها نائمة .. توجهت إلى المطبخ رأيت مفتاح الثلاجة وما إن فتحتها حتى قفز على وجهي جرز أسود وخرجت آلاف الحشرات منه .. صرخت عالياً . وركضت . صدمت الباب . وقعت.. أمي .. أبي .. أين أنتم .. رنت نداءاتي في المنزل فتشت المنزل كله لم أر أي أحد .. شعرت بخوف عظيم والأبواب تقفل في وجهي . الضباب يملأ المكان يا إلهي ماذا أفعل ؟ خرجت من المنزل أنادي أمي .. أبي .. أين ذهبتم ؟ سمعت أناساً كثيرين يصيحون وصوت ضحكات ترون في الضباب .. تعبت بعده . جلست على الرصيف . وإذ بصوت أحدهم .. ناديت أبي .. أمي صاح الرجل : من أنت .. أين نحن ؟ فأجبته : لا أعرف أنا مثلك قد أضعت الطريق .. احذر من التقدم فالطريق الذي تتوجه إليه مملوء بالرجال الذي يسدون الطريق ثم ظهر أمامي وانهار على الأرض لا حراك به والدماء تنزف من كل جسده صرخت عالياً .. وركضت . لا أعرف إلى أين .. أثناء ذلك كنت أسمع كثيراً من الأصوات تستنجد , فتيات تصيح بصوت ذليل . أصوات تأتي , بيتي سرق , نقودي , سيارتي , أولادي , شرفي , كان الوضع مخيفاً , وبوجود الضباب الذي هو الجو المثالي لبعضهم .. كثرت حوادث السيارات . والقتل , والسرقة , والاغتصاب . . . والمشافي ملأى بالجرحى . وحامت طيور الموت حول المدينة التي أمست أشبه بمدينة الرعب .
اختفى الضباب بعد ذلك . كانت المدينة كمقبرة جماعية . . كل شيء متكسر .. الدماء في كل مكان الخراب يعم أرجاءها , مناظر مثيرة للرعب , لكن الناس عادوا لأعمالهم وكأن شيئاً لم يكن .
بعد ثلاثة أيام حدث أمر آخر إذ ارتفع الغبار وملأ المدينة وكأنه سحابة عظيمة .. فتحت النافذة مجدداً حائراً , من أين أتى كل هذا الغبار ؟ أمعنت النظر في المدينة لعلي أرى سبباً لذلك ... هل يا ترى هي أحدى النساء أرادت أن تنظف بيتها فتركت النوافذ مفتوحة ؟ أم تراه أحدهم قد ألقى قصيدة في إحدى الأمسيات وهو يسميها شعراً ففعلت ما فعلت ؟ لكني أشك بأحدهم . إذ رأيته يستمع إلى المذياع القديم إلى أخبار القصف على أنباء العراق فارتعدت أوصاله وشهق شهقة مما أخرج كل تلك الأتربة فملأت المدينة .
خرجت إلى شوارع المدينة , كانت ثيابي مملوءة بالغبار كذلك شعري , حواجبي و أنفي , عيناي أحسست بحبيباته بين أسناني , داومت على البصق دون فائدة . كل شيء تراب . حتى داخل المنزل , كيف يدخل لا أعرف , انتابني صداع فظيع . فقدت ابي , أمي أختي , أصدقائي , معلمي , حبيبتي , كلهم اختفوا .. تذكرت مشهداً في أحد المسلسلات , كان كبير القرية يمسك برأس أحد الفلاحين ويضعه في التراب أمام الجمع الغفير , وها أنا الآن أنظف أنفي من أكوام التراب التي فيه وأشعر بشيء حاد يحرقني و لعل كل هذه المدينة تشعر بنفس الشعور .
شاهدت فتاتين تمشيان في الشارع وهما تأكلان البوظة , لمحت شاباً سحب الكيس الذي تحمله أحداهما وركض سريعاً , صرخت الفتاة وطمرت رأسها في صدر رفيقتها التي حضنتها بيديها , نظرت إلى الشاب وللحظة فكرة أن ألحق به , لكن بينما أنا أتابع التفكير كان قد اجتاز عشرات الأمتار , رميت بنظري إلى الفتاة الباكية ورفيقتها تهدأ من روعها وتابعت المسير .. أحسست بشعور غريب , بخفة ملأت جوفي , من هذا الذي يمشي , من أنا , ومن أين أتى هذا الشعور , هو نفس الشعور الذي أحسست به في رمضان الفائت حين رفض سائق الحافلة صعود رجل عجوز إلى حافلته لأنه يحمل أغراضاً كثيرة واكتفيت ومن كان في الحافلة بتحريك رؤوسنا , وهو نفس الشعور حين رأيت ثلاثة من الرجال يركلون كيساً كبيراً اتضح فيما بعد أنه شاب مسكين واكتفيت أنا وأصدقائي بزم شفاهنا . وهو نفس الشعور حين علا صوت فتاة في شارع بارون بينما أحدهم يقترب منها ورائحة الخمر تفروح منه ولا أحد يساند هذه الفتاة وسمعت صوت أحدهم يقول بعد أن أمسك شرطي المرور بالسكير : اتركوه , ما خربت الدينا ! وآخر : كل الحق عليها , ليش تطلع بهذا المنظر ؟ وهو نفس الشعور حين صدمت سيارة مجنونة طفلاً وهربت السيارة تتجنبه ولم يحاول أحدهم حمله إلى المشفى خشية الوقوع في مشكلة لها أول وليس لها آخر , مكتفين بالقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ! الحق عليه ليش بيعبر الشارع المزدحم ؟ إلى أن هدأت أنفاس الطفل واستكانت .
خفيفاً كنت أسير . أحسست بأني أبتعد عن الأرض , يا لهذه الخفة , أين الجاذبية , نيوتن يقول إن الجاذبية هي التي تشدنا إلى الأرض , أولا تجذبني إلى الأرض الآن ؟ يا للخفة , وبدأت قدماي تبتعدان عن الأرض , كانت القلعة أمامي بجدارها الزماني العتيق وأنا أحلق فوقها , وما إن أصبحت فوق السور حتى وجدت أبي , وأمي وأخي وأصدقائي , ومعلمي داخلها , وشاهدت نفسي بينهم , كانوا يلوحون لي , كنت قاب قوسين أو أدنى منهم , وما إن لوحت لهم حتى سقطت أرضاً وقفت ونفضت كل الأتربة وركضت أجوب الشوارع بخطوات قوية وأنا أصيح : كذب نيوتن .. كذب نيوتن ...
نظرت إلى ساعة يدي , كانت ما تزال تشير إلى الواحدة ليلاً .
محزن ان نعيشه مرتين
شكرا