لنقرأ قصة الحضارة ونتعلم منها
تعلمت من تحليل ول ديورنت في كتابه " قصة الحضارة " أكثر ما وقفت عند الكم الهائل من المعلومات التاريخية، هذا الفهم العميق لجوهر الإنسان وعاداته هو ما يحتاجه المتعلم والمثقف ، لا الكم الكبير من المعلومات
يكشف ول ديورنت بين الخصال المشتركة للإنسان أكان في مجتمع همجي أو بدائي أو مجتمع مدني، لن تراه يقلل من شأن المجتمع البدائي بل يعد مزاياه ويقارنها مع المجتمع المدني
هذا الفهم العميق للتاريخ يجعلنا نتجاوز جوهر الأشياء ونصل للجوهر ويكشف عن بريق ما نتمسك به أنه مدنية أو تحضر
لنقف عند عينة من هذا التحليل يقول ديرونت :
"أخذت المدنية على نفسها فيما أخذت أن تحول الجشع عند الإنسان إلى اقتصاد، والاعتداء إلى حجاج، والاغتيال إلى مقاضاة، والانتحار إلى فلسفة؛ وما كان أعظمه من تقدم للإنسان حين رضى القوي أن يأكل الضعيف بوساطة القانون؛ وأن الجماعة لتفنى إذا ما سمحت لأبنائها أن يقف بعضهم من بعض نفس الموقف الذي يشجعهم أن يقفوه جماعةً إزاء غيرها من الجماعات، فالتعاون الداخلي هو أول قانون للتنافس الخارجي، وتنازع البقاء لا ينتهي بتعاون الأفراد بعضهم مع بعض، إنما هو ينتقل إلى الجماعة بعد أن كان للفرد، ولو تساوت الظروف في جماعتين إلا في أن إحداهما يستطيع أعضاؤها من أسر وأفراد أن يتحد بعضهم مع بعض، فهي التي تستطيع أن تسبق الأخرى في ميدان لم يكن - أو كاد ألا يكون - توليد العواطف الاجتماعية في نفس "الهمجي" بأصعب من إثارة هذه العواطف اليوم في قلب الإنسان الحديث، فلئن كان تنازع الحياة قد شجع على قيام الشيوعية، فقد عزز تنازع الملك الشعور بالفردية؛ وربما كان الإنسان البدائي أسرع من الإنسان المعاصر استعداداً للتعاون مع زملائه فقد كان أيسر عليه من الإنسان المعاصر أن يتماسك اجتماعياً مع زملائه لأن الأخطار والمصالح التي كانت تربط بالجماعة كانت أقوى منها الآن، كما كانت أملاكه أقل من أن تجعله يتفَّرد بمصالح من دون زملائه؛ لقد كان الإنسان البدائي عنيفاً جشعاً، لكنه كان كذلك رحيما كريما، مستعداً لاقتسام ما معه حتى مع الغرباء، ولتقديم الهدايا لأضيافه"
طارق شفيق حقي
لنقرأ قصة الحضارة ونتعلم منها
تقليص
X
تقليص