الحوار عبر الأسلاك الشائكة

في لقاء مع فيلسوف التقسيم الثاني للمنطقة برنار لويس تعرض مهندس الحروب لسياق الحرب العربي الغربي عبر تاريخه منذ الحروب الصليبية حتى شكله الحديث.
تعرض لويس لأشكال الفشل الحديث للدولة العربية كالتغريب والحداثة والصناعة و العلمنة لكنه حتماً لن يذكر لنا عوامل النجاح .

في الوقت الذي حاول المذيع التهكم من حضارتنا ،كان لويس على عكسه يحترم الحضارة العربية الإسلامية ويحترم نبيها محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنه لا يمكنك اختراق عدوك دون تفهم دوافعه والتعاطف معه وفهمه بشكل موضوعي بعيداً عن ذاتك وما تهوى وما تختلق من أوهام عن عدوها.

لويس الذي درس تاريخ السلطنة العثمانية وأدرك حضور التاريخ في عقل الإنسان العربي المعاصر، ومن هنا بات الصراع مع الغرب يتمحور حول الإدراك والوعي أكثر منه في العتاد والتسلح.

في الحدث الأخير لهروب ستة من السجناء الفلسطينيين من أعتى السجون في العالم ، طفت للسطح معركة مختلفة عن معركة الماديات، فالروح العربية هي التي هزمت أعتى وسائل الحماية والمراقبة والعزل والإسمنت والحديد.

لقد طالعت بعض الردود الساخرة التي ترفض إمكانية حفر خندق بملعقة، هذا العقل الرافض يمثل شكلاً من أشكال التفكير المادي الذي يبث لنا يومياً عبر الإعلام الغربي ، وهذا العقل عاجز عن النصر على العدو مهما امتلك من عتاد.

ذلك أن علينا أن نحدد شكل معركتنا مع عدونا ، أهي مجرد معركة دبابة ضد الكورنيت ؟
أهي معركة طائرة ضد سام 6 ؟
وليست هي حتماً سهام السحر ودعاء الشيوخ الركع فحسب.

إن الإنسان الذي يدخل هذه الحرب ولا يعيها فهو معرض لأن يخرج منها كما دخل ، والأمثلة واضحة عن حركات تحرر وأحزاب مقاومة دخلت حروب ضروس بشكلها المادي وارتمت في أحضان الصهاينة في النهاية ، أو تم تحييدها بالمعنى الإعلامي المعاصر.
لماذا تسلح المقدسيون بالضحكات أثناء اعتقالهم على يد الصهاينة ؟
القضية ليست مجرد حرب نفسية وهزيمة عدو أراد كسر إرادة شعب .
القضية هنا تدخل ضمن فكرتنا حول وعي الذاتي ووعي أبعاد الصراع مع عدونا.
على فرض أن الأسرى في السجون تمكنوا من حفر النفق بمعدات متطورة أو مساعدة من الخارج، لكن رمزية الملعقة هنا تدخل في شكل من أشكال بناء الأسطورة لهزيمة أسطورة.
الملعقة تعبر عن رمزية قديمة جديدة ، وهي إشارة موحية للعقل العربي ليلتقطها ويوظفها ، لكن بعض العقول الذكية تعاملت مع الملعقة في ميزان صراع القوى والميزان الذي دأب الإعلام الغربي تلقينه للوجدان العربي وسخرت منها.
يوم هزم داوود بمجلاعه جالوت ، أين كان توازن القوى ؟

يوم هزم النبي محمد صلى الله عليه وسلم كفار قريش في بدر الكبرى أين كان توازن القوى ؟
يوم هزم خالد بن الوليد الروم في معركة اليرموك أين كانت توازن القوى؟
يوم هزم قطز المغول أين كان توازن القوى؟
وفي الحرب المضادة وتوظيف الرمزيات والحرب النفسية، استخدم العدو الصهيوني حنكته ليعبث بصفنا فأطلق عبر إعلانه عن القبض عن الأسيرين خبر صغير مفاده أنه أسرة عربية قامت بالتبليغ عن الأسيرين بعد طلبهم طعاماً من الأسرة.

لم يتعامل العقل العربي كما يجب أن يتعامل مع الحدث في فهم العدو وفهم الصراع معه، بل تعامل مع خبره وانتشرت منشورات كثيرة تسب وتشتم العرب والعروبة والخيانة وإلصاقها بتاريخ العرب.
نقول لقد نجح العدو في تحطيم ما بنته أسطورة الملعقة من رفع معنويات الإنسان في كل العالم أمام قوى الظلم والطغيان.

وعوض أن نتعامل مع حرب العدو النفسية و المعرفية ، دخلنا في عراك وصراع مع الخبر وإمكانية الخيانة من عدمها وضرب الأمثلة بينما كان أفخاي أدرعي يتلذذ بما حققه من كسب معنوي.
لا يمكن اختزال المعركة عبر العقول المنهزمة، فلقد تابع الشباب العربي سخريتهم من الصهيوني ، فتم نسج أغاني تتغنى بالملعقة ، وتم رمي دزينة معالق أمام السفارة الصهيونية في أمريكا ، كرسالة تحدي وسخرية.

إنها الحرب المعنوية وحرب العقول والإرادة والأهم من ذلك حرب الحق ضد الباطل.
استطاع العقل الفلسطيني ابتكار أدوات تواجه الأدوات الحداثية للعدو الصهيوني ، فاستخدام المعلقة هو ذاته استخدام الحجر.
ومهما تطورت وسائل المقاومة لا بد أن يبقى للحجر رمزيته وقدرته على السخرية من أعتى أداوت الجبروت والقتل في التاريخ البشري.
الرمزية الصهيونية هنا ليست مجرد كتيبة متقدمة للناتو، بل هي تمثل مثالاً لنجاح الصراع الدارويني الذي يتبناه الغرب ويعجب بنجاحه في الحرب المستمرة في شرقنا.

البقاء للأقوى والبقاء لما تراه الطبيعة هو الأصلح ، وليس كما ينظر العرب والمسلمون بعواطفهم الساذجة وما يدعونه من أحقيتهم امتلاك أرضهم وأن هناك قوى غيبية ستنصرهم.
إنه صراع الخير والشر ، صراع الكتلة المادية المتوحشة والتي تريد انتهاك الإنسان المشرقي وتفكيكه كما تفكك المادة في المخابر.

لقد وعى العقل المقاوم في لحظات من الصراع أبعاد الصراع، وتجاوز خطاب العدو عن نفسه ، وفي اللحظة التي آمن بقضيته وعاد لهويته استطاع ضرب العدو في مقتل متجاوزاً أسوار الأساطير التي نسجها الصهيوني عن نفسه، والعجيب أن نسمع خطبة من ثلة ضعيفة مادية تقول بأن بيت العدو أوهن من بيت العنكبوت ، إنه النصر المعنوي بدون ريب.

نعم هذه هي الحقيقة لكن ليس للعقول التي تؤمن بتوازن القوى والمنبهرة بأنوار الغرب الحداثية.
الملعقة البدائية تحاول أن تدلنا على طريق لهزيمة العدو عبر العودة عن الحداثة ، والخروج من ملعبه وألا نستخدم وسائله وخططه وأدواته ،
إن حجم السخرية كبير لو وضعنا معلقة أمام كتلة مادية كالتي يمتلكها الصهيوني ، هي ذاتها موجودة في نفق يقهر أعتى القنابل الذكية المتفجرة.
إنها عبقرية دماغ المقاومة في هزيمة سلاح حداثي بسلاح تقليدي.



  • من قال أنه ينبغي هزيمة سجن مدجج بأحدث التكنولوجيا والأسلحة و التحصينات بفرقة مداهمة تهاجم البوابة الرئيسية له، بل سأحفر نفقاً من تحت البوابة الرئيسية بملعقة.
  • تذكرنا هذه الملعقة بالوسائل البدائية ، لكنها تثير فينا الدهشة من ذكاء توظيفها وقدرتها على هزيمة حصن بأكمله.
  • ألم تهزم حمامة وبيت عنكبوت كتيبة كفار قريش وهم يقفون أمام غار ثور حيث النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق ؟
  • قد تظن القوة المادية الباطشة أنها بتراكم المال والعتاد فإنها لن تهزم ، فيكون الرد بطرق بسيطة جداً تدل على تغلب عبقرية الروح على تراكم المادة، فالروح نفخة خالق يدهشنا بمعجزاته التي لا تنقضي طالما بقي صراع الحق والباطل.
  • من قال أنه ينبغي أن أهزم أحدث أنواع الطائرات بأحدث أنواع الصواريخ فقط؟ يمكنني أن أهزمها في إخفاء الهدف عنها فيتم تحييدها من المعركة وتعتبر كل الأموال التي صرفت مهدورة وسيتحسرون عليها.


ألم يقل الله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)

لاحظوا أن الحسرة سبقت الهزيمة الحقيقية للكفار، فالهزيمة المعنوية لا بد أن تقع قبل الهزيمة المادية وما الحسرة إلا هزيمة حقيقة سبقت الهزيمة المادية الشكلية النهائية.

الله لم يقل سينفقون أموالهم ثم يغلبون ويتحسرون على هزيمتهم ،لا بل قال ستلحق بهم الحسرة ومن ثم يغلبون بعدها.

فكل الوسائل المادية التي يتوسل بها الكفار لهزيمة المؤمنين ستلحق بهم الحسرة والهزيمة المعنوية وإذا هزم العدو معنوياً فالهزيمة المادية شكلية .

  • هذه ليست دعوة لنبذ الوسائل الحديثة كما يتوهم البعض، بالعكس نحن مطالبون بأخذ الوسائل العلمية والمتطورة لنصر قضيتنا، بما فيها الوسائل غير التقليدية والتي ليس من السهولة تقبلها والعثور عليها إلا بالخروج من معادلة عدونا التي يريد فرضها علينا فينتصر هو.
  • إن عملية التحديث التي تقوم بها قطر لقطاع غزة وعملية التدمير التي يقوم بها الصهاينة ما هي إلا لعبة متكاملة ، هي بمثابة فتح بوابة للحياة الحديثة ورغدها ليكون للغزاوي ما يخاف أن يخسره ويساوم عليه وينشغل به ، وبين فترة وأخرى لا بد من إعادة الحياة قليلاً إلى الخلف وليس كثيراً ، ليتمكن العقل ويتقبل قدرته على تعويض الخسائر، فإن هاله حجم الخسارة ظهر المخلص القطري والمتكفل بالتعويض لكل الخسائر وهكذا ولذلك فالحروب القصيرة ستكون وسيلة العدو في قابل الأيام.

هي ذاتها اللعبة التي يلعبها الأمريكي اليوم بعد حصار قيصر مع الشعب السوري ليظهر لنا المخلص فنتعلق به ونرضى بشروطه وهكذا.

إنها لعبة بين الهزيمة النفسية والمعنوية وبين الأمل ،يتعاقب دور المخلص ودور الوحش لمزيد من كسب الوقت وتحوير عقلية المقاوم في غزة للبحث عن كسب الوقت والزمن للبناء وتطوير الأدوات الحداثية.

لكن إن كانت أدوات المقاومة الحداثية فحسب تتطور بمعدل سرعة الصوت فأدوات الغرب الحداثية تتطور بمعدل سرعة الضوء.

وهزيمة المقاومة بذلك منطقية ، لكن من قال بأن العدو يريد تحطيم المقاومة كلياً إنه يبقي لها ما يدفعها للتمسك بأدوات لعبته، عوض البحث عن أدوات من خارج اللعبة.

هذه هي أبعاد المعركة المعرفية ، ففي الوقت الذي لا نفهم لعبة العدو نكون قد خسرنا سلفاً، ناهيكم عن الأبعاد الأخلاقية لاستعانة المقاومة في غزة بأموال الحرام في قطر والتي تم عبر قناتها الجزيرة تهديم البيوت العربية ودولها وسرقة أموالهم وقتل أطفالهم.

إن شعارات المقاومة والتكبير وتلاوة آيات القرآن لن تجدي في معركة يفقد فيها المقاوم أخلاقه كأن يحارب أخيه السوري ويدخل في خندق واحد مع الصهيوني ويتفق مع أهدافه في تحطيم الدولة السورية وجيشها .

الغريب هنا حجم السطحية العربية لدى النخب العربية المثقفة العلمانية أو المتدينة أو التي تدعي ذلك، وقبولها بسقطات المقاومة في غزة.

حتماً ليس كل المقاومة حماس ، وليس كل الأفراد في حماس يرضون بفكر هنية ومشعل وهؤلاء الذي سقطوا أخلاقياً.
لكن من الواجب على النخب العربي مصارحة ونقد المقاومة في غزة لو أرادوا النصر في حربهم ضد الصهاينة.

يقول الله تعالى : (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)
فهل الجنود الذين ينسبون للحق لهم سقطات هنية ومشعل ؟
حتماً لا
إن المعركة في النهاية هي معركة حق وباطل ، وإن الإنسان الذي كتب الله له أن يعيش ضمن المشرق في سنوات الصراع ،لهو مخلوق في ظروف لم يصنعها ، لكنه قادر على أن ينتصر حين تكون بوصلته متفقة مع الحق وحين تحيد عن الحق فليبشر بالهزيمة.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز في سورة الإسراء : (فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولا)
من الذي بعث ؟ الله هو الذي بعث .


ويقول : " ( ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا )
فمن الذي أمد بني إسرائيل بالأموال والإعلام والقدرة على استنفار القوى العالمية ؟
نعم هو الله الذي أمدهم لينتقم منهم بأموالهم ونفيرهم ، فهؤلاء سيظنون أن حصونهم الحداثية ستمكنهم من الاستغناء عن الله ولقد استغنوا وطغوا في العالم بأسره.
ولسوف يمتحن الله المؤمنين في العالم والمشرق خاصة بهؤلاء المجرمين ، ولن يهزمهم إلا من يستعين بالله ويكون عبداً خالصاً لله.


وهذا تاريخ الصراع مع الصهاينة فهل هزمهم فاسد أو ملحد أو مسلم شكلاني ؟
لقد فشلت كل القوى في حربها ضد الصهاينة الذين يزدادون بطشاً وقوة واختراقاً للساحة العربية أكثر فأكثر ويوماُ فيوماً.

ولذلك فإن سر النصر على العدو هو بالعودة لله، العودة للحق ، العودة للعدل , العودة لاصلاح الذات وتنقيتها، ألم يخاطب الإمام البوطي الشعب السوري وقيادته وضباطه بالعودة لله سبيلاً للخلاص والنصر.

إن النصر قادم لا محال لأن الحق منتصر في النهاية على الباطل، لكن ما دورنا في هذه الحرب ؟ ما الكلفة التي سندفعها حتى نصل للحقيقة ؟
إن ذلك مرهون بعودتنا لله عودة حقيقة لا شكلية لإرساء العدالة في مجتمعنا .


لقد وعى علماء الأمة عبر تاريخها أن أسرار النصر لا تكمن فقط في السلاح
فهذا العز بن عبد السلام قبيل معركة عين جالوت ، حيث كان هولاكو على الأبواب وبيت مال المسلمين فارغ ، فعزم قطز على فرض الضرائب على الشعب دون بيت السلطان والأمراء ، فتقدم العز بن عبد السلام وكان عمره ثمانين عاماً فقال بحزم وجرأة ناصحاً قطز:
«إذا طَرَقَ العدوُّ بلادَ الإسلام وجب على العالَم قتالُهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم، بشرط أن لا يبقى في بيت المال شيء من السلاح والسروج الذهبية والفضية والكبابيس المزركشة وأسْقاط السيوف والفضة وغير ذلك، وأن تبيعوا مالكم من الحوائص الذهبية والآلات النفيسة، ويقتصرَ كلُّ الجند على سلاحه ومركوبه، ويتساووا هم والعامة، وأما أخذ الأموال من العامة مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا»
وكانت الطرق التي أخذوا بها المال ، أن دفع الناس آجار الأراضي مقدماً لسنة أو سنتين ، ودفع بعضهم ما عليه من ضريبة سلفاً قبل استحقاقا، ولقد جهز قطز جيشاً من أعظم الجيوش تدريباً وتجهيزاً ولباساً أدهشت جيش المغول بتنظيمها .


وللعز بن عبد السلام مواقف قد لا يفهمها البعض خاصة في زمن فساد الأمراء
كدعوته للدعاء للملك الأشرف ، فأن يسمع العامة عالماً يدعو للملك فهو عالم بلاط يفتي بأمر الملك.
" فلما مرض الملك الأشرف موسى بدمشق مرض الموت، طلب من العز بن عبد السلام أن يعودَه ويدعو له وينصحه، فلبى العز واجب عيادة المريض، وقال للملك: «وأما دعائي للسلطان، فإني أدعو له في كثير من الأحيان، لما في صلاحه من صلاح المسلمين والإسلام... وأما وصيتي ونصيحتي للسلطان فقد وجبت وتعينت لقبوله وتقاضيه"
وهذا حال العلماء فمواقفهم تسبق زمانهم، ومن ضمن هذه الموقف الملتبسة على العوام موقف الإمام الشعراوي حين سجد لله بعد النكسة فهل كان الشعراوي عميلاً لليهود مثلاً وكيف يجاهر بذلك ويفضح نفسه للناس.

إن شرح هذا الموقف يتطلب شرح مسألتين ، الأولى شرح عبودية العلماء الحقة من آيات الله في الكون وفي القرآن الكريم وتصديق الحقائق والوقائع لها.

في قصة يوسف حين رأى في رؤيته التي بدأت بها سورة يوسف ، قال الله تعالى :
" إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ"
وانتهت قصته بسجود إخوته حين علموا بقصته وشاهدوا آية من آيات الله تتحقق أمام أعينهم
"وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا "
كذلك في قصة نبي الله موسى مع فرعون
" فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى"
يقول الله تعالى في صفة العلماء :
" أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا)

ويقول لله تعالى في سورة الإسراء:

قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا 107 وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً 108 وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا 109
ولنذكر موقف الفيزيائي البرفسور باسل الطائي وما حدث له بعد أن قرأ القرآن بعقل العلماء يقول باسل الدكتور باسل الطائي حين بدأت تدبر القرآن لم أكن أصلي ولم أكن أقرأ القرآن تعبداً بل تدبراً.

ولقد آمنت بعد قراءة القرآن بعلم وكنت أسجد كلما عرفت آية تتفق مع العلم وفيها إشارة علمية واضحة دون أي علم بوصف الله لسجود العلماء لآياته.
فلما وصلت لسورة الإسراء وقرأت قوله تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا"
فقمت وسجدت لله وبكيت ، لأنه وجد أن القرآن الكريم وصف حالته وحالة العلماء لكن الأغرب لديه والذي أصابه بذهول أنه حين قام من سجدته بعد أن بكى وأكمل قراءة الآية وإذ بها تقول :" وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا"
فأصيب بحالة من الذهول والخشوع وكأن ألف كاميرا قد رصدته.


لأنه حين يقول الله تعالى :" ذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا"
فهل يقصد هنا سماع العلماء لصوت قارىء للقرآن يتلو آيات الله ؟
لا بالطبع، بل هي رؤيتهم العقلية لآيات الله ومعجزاته في الكون وتصديق الواقع والحقائق لها وكان وعد الله لآياته مفعولاً ولا راد له.


ولذلك فإن العلماء منذ نزل القرآن الكريم والعارفين منهم كانوا يقفون موقف المذهول من قوله تعالى : " (وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا)
وخاصة العلماء الذين عاصروا احتلال فلسطين ودخول اليهود لها.
فقبيل هذه اللحظات كانوا يقرؤون هذه الآية يستغربون منها ولا ينكرونها، فكيف يمكن جمع شتات اليهود في كل دول العالم وما هي القوة التي ستجمعهم ، وما هي الوسائل والإطار السياسي.
فحين جاء الوعد نفذ الغرب من حيث لا يظن إرادة الله
وتجمع اليهود في فلسطين بل وأغدقت عليهم الأموال وعمروا فلسطين المحتلة بالحصون والمستوطنات وأصبحوا أكثر قدرة على استنفار الأحلاف الغربية لنصرتهم.
وما جمعهم الله إلا ليمتحنهم ويمتحن المؤمنين وأغدق عليهم الأموال ليهلكهم بها ويعلمهم عظمة قدرة المؤمن على هزيمة حضارتهم المادية ولو بأضعف الوسائل كالملعقة التي أصبحت أيقونة إعلامية وأوقعت هزيمة نفسية مدوية بالمؤمنين بقوة المادة.
حين شاهد العلماء العارفون السفن تنقل اليهود ، وسمعوا وعد بلفور وهجرة اليهود بقدرة عجيبة من كل بقاع العالم، خروا لله سجداً.


ولقد أنكر الإمام الشعراوي عليهم ذلك ، فهل أنتم مرحبون باليهود ومرحبون بالاحتلال ؟
بالطبع لا ،لكنهم يسجدون لآية من آيات الله تحققت أمام أعينهم ، وإن إعادة الكرة لليهود ونصرهم كان بأمر الله ، لانغماس المسلمين بقشور الحضارة الغربية وتعلقهم بأنوارها المظلمة، فكان لا بد من إعادتهم لرشدهم وصوابهم على يد أعداء الله وأعداء الإنسانية، ليظل مثال الجبروت المادي وطغيانه أمثولة للعالم بأسره ، وليظل المسلمون في المشرق العربي دعاة حق لا دعاة قشور.
العوام ينظرون للفعل ، والعلماء ينظرون للفاعل
الناس تقف عند الحدث والعلماء يقفون عند المحدث.

الإنسان المادي يقف عند الطبيعة والمؤمن يقف عند من طبعها.
أما وقد تحقق الوعد الأول ، وتحققت إساءة اليهود المحتلين لأهل فلسطين ونشرهم الفساد والقتل والدمار في كل البلاد العربية فلقد اقترب إذن وعد الآخرة ونحن في فترة فاصلة بين وعدين ، وعلى مقربة من استحقاق على كل عربي أن يتحضر له ، وأن يكون جندياً شرفه الله بتنفيذ وعد الآخرة والانتقام من قتلة الأطفال ، لكن ذلك مشروط بالعودة لله.


يقول الله تعالى :
(.ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)} [الإسراء
صدق الله العظيم


وبعد فإن تعلقنا بالنصر يجب أن يصرفنا عن آليات النصر ووسائله ، لا يمكن أن ننتصر بوسائل مثلومة وهذه هي التجارب أمامنا في تاريخ الصراع مع الصهاينة فهل سنفهم العبرة ونستفيد من أخطاء من سبقنا ؟ وإلا سيمر زمن آخر يطول أو يقصر حتى يأتي جيل يحقق مواصفات جند الله الذين يحق لهم أن يحرروا القدس ويحرروا الإنسانية جمعاء من ربقة الظلم والشيطان، لأن ما سيحدث في القدس سيصل صداه لكل بقعة في العالم.

والحمد لله رب العالمين