أبو شامة المغربي
05/06/2006, 04:25 PM
قراءة ببليوجرافية في الأعداد الخاصة
بالقصة بمجلة الهلال
شوقي بدر يوسف
*******
(الجزء الأول)
حينما كاتب جرجى زيدان افتتاحية العدد الأول من مجلة الهلال فى سبتمبر عام 1892 لم يكن يدرى أن هذه المجلة سوف يكتب لها هذا الانتشار الكبير، وهذه الاستمرارية الدؤوبة قرابة أكثر من قرن من الزمان، وأن هذه المجلة سوف توطد أركان دار ثقافية إعلامية كبيرة سوف يكون لها شأن وتأثير عظيم على الثقافة العربية والأعلام العربى فى المنطقة.
حدد جرجى زيدان فى هذه الإفتتاحية دستور المجلة وبنيتها الأساسية التى سارت عليها بعد ذلك، ووضع فى هذه السطور الأولى الخطوط العريضة لسياسة المجلة وأبوابها والشكل الذى ظهرت به فى مرحلة من أهم مراحل تاريخ الصحافة فى مصر والشرق.
يقول جرجى زيدان فى هذه الإفتتاحية :
" أما موضوع مجلتنا فمقسوم إلى خمسة أبواب :
أولا – باب أشهر الحوادث وأعظم الرجال، فلا يخلو جزء من تاريخ حادثة شهيرة أو رجل عظيم مع ما يحتاج إيضاحه من الرسوم .
ثانيا – باب المقالات ويظهر فى كل جزء مقالة أوغير مقالة بقلمنا أوأقلام كتابنا المعاصرين .
ثالثا – " باب الروايات " وسندرج فيه من الروايات ما كان على مثال ما كتبناه مما هو تاريخى أدبى . ممثل لعوائد الشرقيين وحوادثهم، موافق لأذواقهم، خال من الحوادث الأجنبية والمسميات الأعجمية، فندرج فى كل جزء من الهلال جزءا من الرواية مع ما يحتاج إليه من الرسوم .
تلك كانت رؤية جرجى زيدان لما سوف تكون عليه مجلة " الهلال " التى صدرت فى هذا الوقت، حيث رسم لها سياستها من خلال هذه الخطوط، ووضع لها أهدافها وتوجهتها الخاصة من خلال أشهر الحوادث، وعموم السّير، وباب المقالات المتنوعة، وباب الروايات الذى حدده صراحة بأنه سوف يكون على شاكلة ما كتبه جرجى زيدان نفسه "تاريخى أدبى".
وقد اهتمت دار الهلال بفن القص اهتماما كبيرا، يبدو ذلك من حرص صاحبها على أن تضطلع بمسئولية الأشكال الحديثة من الأدب خاصة وأنه كان من أبرز روائيى عصره فى هذا المجال.
وقد احتلت القصة القصيرة والرواية فى اهتمامات مجلة الهلال مساحة متميزة فرضت نفسها بإلحاح شديد على خريطة المجلة منذ منتصف العشرينيات من القرن الماضى، بعد أن عاشت القصة مخاض ظهورها على يد المويلحى ومحمد عثمان جلال وجرجى زيدان وشوقى وحافظ وعائشة التيمورية وغيرهم . إلى أن بدأ ظهور أعمال المدرسة الحديثة على صفحات كثير من دوريات هذا العصر، وعرف الأدبى العربى القصة القصيرة والمترجمة والمعربة والمؤلفة، وظهرت أسماء كثيرة فى هذا الأدب مثل محمد ومحمود تيمور، وعيسى وشحاته عبيد لغزا القصة المصرية، ومحمود طاهر لاشين، وإبراهيم المصرى، وحسن محمود، ويحيى حقى، وحسين فوزى وغيرهم . كما عرف الناس تشيكوف وجوجول وبلزاك وجى دى موباسان وسومرست موم ومارك توين وبول روجيه وتورجنيف وغيرهم من كبار كتاب القصة فى العالم . واحتلت القصة مكانتها فى الهلال بجانب أبواب المجلة المختلفة . كما ظهر تلخيص الروايات العالمية على صفحات " كتاب الشهر " الذى كانت تحرره الكاتب المتميزة فى هذا المجال صوفى عبد الله والذى كان أحد الأبواب التى تجذب القراء، والذى أخذته كثير من الدوريات بعد ذلك عن مجلة الهلال .
وكما كان للدكتور هيكل فضل الريادة فى فن الرواية كان له أيضا فضل الريادة فى نشر أولى قصصه فى مجلة الهلال وهى قصة " حكم الهوى " التى نشرت فى عدد فبراير عام 1926، بل هى أول قصة بمعناها الفنى الحديث تنشر على صفحات الهلال فى ذلك الوقت . كما كانت أولى قصص محمود تيمور التى نشرت فى الهلال هى قصة " صابحة " وكان ذلك فى عدد مارس 1928 . كذلك كانت أولى قصص رائد القصة الرومانسية فى مصر محمود كامل المحامى التى ظهرت فى الهلال هى قصة " حبيبة " ونشرت فى عدد ديسمبر عام 1930 . كذلك نشر محمود طاهر لاشين أولى قصصه فى الهلال فى عدد يناير عام 1933 وهى قصة " تحت عجلة الحياة " . ونشر يوسف السباعى أولى قصصه أيضا وهى قصة " أريد الحياة " فى عدد مايو 1948 ثم أعقبها فى نفس العام بقصص " آه " فى عدد أغسطس، و " السقا مات " فى عدد أكتوبر، كذلك نجد أن الهلال قد أفسح المجال لكثير من الكتاب الذين كانت القصة بالنسبة لهم هواية محببة بجانب هوايات التمثيل والسينما . فنجد أن الفنان المخرج زكى طليمات قد نشر إحدى قصصه فى عدد سبتمبر 1949 وهى قصة " البطل "، ونشر الفنان الساخر سليمان نجيب قصة " زوجتى " فى عدد سبتمبر/اكتوبر 1945، وفى نفس العدد نشرت العديد من القصص للرائدة بنت الشاطئ وعباس علام وغيرهما من كتاب القصة
الذين أصبحوا بعد ذلك من أعلام هذا الفن .
وقد أفردت الهلال للقصة القصيرة أعدادا خاصة مختلفة ومتباينة تراوحت أوقات صدورها ما بين شهور يوليو وأغسطس و سبتمبر من كل عام، وهو وقت يوافق العطلة الصيفية لكثير من الطلبة الذين يمثلون الجانب الأكبر من قراء ومتلقى فن القصة . كما احتفت المجلة كثيرا بمدعى هذا الفن بيوجرافيا وذاتيا وإبداعيا ومتابعة ولقاء . وقد حذا حذو الهلال كثير من الدوريات الثقافية فى اهتمامها بالقصة، قضاياها وتطورها وإبداعها وكتابها وغير ذلك من الأمور المتعلقة بهذا الفن الحكائى المبهر المدهش .
ومن الأعداد الممتازة التى أفردتها المجلة لفن القصة القصيرة : عدد أغسطس 1948، وكتب إفتتاحية هذا العدد الكاتب الكبير عباس محمود العقاد وكانت تحت عنوان " قصة القصة " . وقد لخص فيها العقاد القصة المصرية منذ أقدم العصور، حين قال : " لم يعرف التاريخ قصة أقدم من القصة المصرية، السبب ظاهر هو أن المجتمع المصرى كان أقدم مجتمع عرفه التاريخ " . " وكان للشرقيين السبق فى ميدان القصة بعد زوال دولة الفراعنة، فظهرت القصة فى الإسكندرية وسوريا قبل أن تظهر فى آسيا الصغرى وسائر بلاد الأغريق " . " واستمع الناس فى مصر وسوريا وفارس إلى الرواية والمحدث قبل أن تقرأ القصة فى أوروبا ببضعة قرون . وكان للقصة فى شأنها الأولى من أقدم العصور، كبرياؤها التى تلازم كل شاب . فكانت لا تتنزل إلى الحكاية عن حادث غير حوادث العجائب والغرائب وقلما عنيت بحديث فى الحب إلا أن يكون حبا بين أمير وأميرة أو بين شموس وأقمار ".
كذلك كتب الدكتور محمد حسين هيكل مقالة تحت عنوان " رأى فى القصة العربية " حدد فيه أسلوب التجديد والتقليد فى القصة العربية: " وإذا كان التقليد فى أغلب الأحيان هو مقدمة البعث، وكان تقليد الأدب اليونانى والرومانى فى مقدمة البعث الأوروبى فى القرن السادس عشر، فإن البعث الصحيح هو الذى يقوم على فكرة ويلهم مثلا أعلى . والتأليف القصصى قائم على غير هذا الأساس يستوحى التقليد، ويصعب لذلك أن يسمى بعثا . وإنما يكون البعث يوم تستقل القصة بنفسها وتستمد كل مقومات حياتها من البيئة المحيطة بالكاتب ومن القومية والوراثة التى يخضع الكاتب لأثرهما " .
وفى هذا العدد نشرت قصص "زهر المرقص" لمحمود تيمور، "القميص الأسود" للدكتور محمد عوض محمد، "شهرزاد " للدكتورة سهير القلماوى، "قلامة ظفر" لميخائيل نعيمة، "على شط النيل "لبنت الشاطئ، "صراع الروح والجسد" لعباس علام، وقصة " آه"ليوسف السباعى، و "حياتنا لها بقية " لإبراهيم الوردانى.
كما نشر فى هذا العدد نتيجة مسابقة الأقصوصة التى كانت قد أقامتها المجلة تشجيعا للقصاصين على إظهار مواهبهم الفنية . وكانت لجنة التحكيم مكونة من الأستاذ عباس العقاد والدكتور طه حسين والسيدة أمينة السعيد والأستاذ محمود تيمور والسيدة بنت الشاطئ والدكتور أحمد زكى والأستاذ طاهر الطناحى . وقد فاز بالجائزة الأولى وقيمتها خمسون جنيها الأديب محمد عبد الحليم عبد الله الذى أصبح فيما بعد علما من أعلام القصة والرواية المصرية وذلك عن قصته " أبن العمدة "، وفاز بالجائزة الثانية وقيمتها ثلاثون جنيها الأديب سليم اللوزى عن قصته " البطل " والذى أصبح فيما بعد رئيسا لتحرير مجلة الحوادث اللبنانية، وأحد أعلام الصحافة والأدب فى العالم العربى .
من الأعداد الممتازة أيضا للقصة ذلك العدد الذى ظهر فى يوليو 1949 وأحتوى على مقالة قيمة للأستاذ عباس محمود العقاد بعنوان " القصة والخرافة " وضح فيها العقاد الفرق اللغوى بين تسمية القصة فى اللغة العربية ومعناها المأخوذ من قص الأثر، كما وضح المعنى اللغوى فى الآداب الأخرى لكلمة الخرافة والتى أطلق عليها " فكشن "، كما أحتوى هذا العدد على قصص عربية وأخرى مترجمة، ومقالات عن فن القصة، فقد كتب أمير بقطر مقالة تحت عنوان " هل قراءة القصة إضاعة للوقت؟ " حيث بين فيها أهمية فن القصة بين الفنون والآداب الأخرى، وكتب طاهر الطناحى قصة القصة المصرية منذ الفراعنة وحتى العصر الحديث تحت عنوان " يحكى أن .. فى مصر " كما نشر الهلال استطلاعا بعنوان " حيث يرقد طبيب الرواية " عن بلدة شكسبير، سترتفورد " كما أقامت المجلة ندوة وضحت فيها الأثر الذى ينعكس على القصة من الفنون المرأية والمسموعة جاءت تحت عنوان " أثر السينما والأذاعة فى القصة " حضرها كل من الدكتور محمد حسين هيكل، والأستاذ عباس محمود العقاد، والأستاذ محمود تيمور، والأستاذ توفيق الحكيم . تحدث فيها الحاضرون عن بعض قضايا القصة واتجاهاتها مثل " متى ولدت القصة العربية الحديثة؟ "، " أغراض القصة واتجاهاتها "، " أثر السينما والأذاعة فى القصة "، " عناصر إنتاج الأدب القصصى "، " لغة التأليف المسرحى " . كما نشر فى هذا العدد أيضا العديد من القصص المترجمة والعربية، قصة " أصفر الناب " لميخائيل نعيمة "، الدير المهجور " للقصصى الفرنسى بول بورجيه، " أنقذنى الكلب " للكاتب الأمريكى الساخر مارك توين، " عقد اللؤلؤ الوردى " وهى قصة هندية لم يذكر اسم مؤلفها، " المطلقة " للدكتور أحمد زكى، كما نشرت فى هذا العدد من أعمال الشاعر على الجارم القصصية وهى قصة " الفارس الملثم " وكان قد أعدها خصيصا للهلال، ولكن المنية وافته قبل نشرها . كما كتب لهذا العدد الأستاذ حلمى مراد قصة " يوميات كيوبيد "، وقصة " سر الشاطئ " للدكتورة بنت الشاطئ، و" صائدة الرجال " للكاتب الفرنسى جورج فيدال، و" حياتى من أجلك " للأستاذ يوسف السباعى، كما استحدث الهلال باب من روائع القصص على الستار الفضى، وفى هذا العدد قدمت قصة " قيصر وكليوباترا " للكاتب الأنجليزى الشهير برنارد شو مع بعض المشاهد السينمائية لهذه القصة الرائعة .
عدد آخر من أعداد الهلال الممتازة عن فن القصة صدر فى أغسطس عام 1950 . وقد حوى هذا العدد بين دفته لونا جديدا من ألوان القصة وهو القديم الذى يحكى أمثلة البطولة والنبالة فى الأساطير وقصص التاريخ . والحديث الذى يصور المجتمع بمحسانه وعيوبه، ويعنى بالتحليل النفسى وعناصر الحكى المختلفة . ففى هذا العدد مواقف مصورة من ألف ليلة وليلة منقولة من الطبعة الألمانية لهذه القصص المتميزة . كما تضمن العدد مقالة للأستاذ عباس محمود العقاد عن قصة " الأخوة كرامازوف " للأديب الروسى ديستويفسكى . وتضمن أيضا قصة مصورة للأطفال هى القصة الخالدة " سندريلا " . كما تضمن العدد مقالة طريفة بعنوان " سماع القصة خير من قراءتها " تبين أن القصة الشعبية فى كل أمة ظلت تروى وتتداولها المجالس قبل أن تكتب وتدون بأعوام وأجيال مثل " ميثولوجيا الأغريق، وحكايات ألف ليلة وليلة، وأحاجى لافونتين، وكليلة ودمنه، والجنيات فى قصص الأطفال فى أوربا "، كما تضمن العدد أيضا قصص " السهم المسموم " لعلى الجارم، و" حبل الفضة " للكاتبة السويدية سلما لاجرنوف، وقصة " غالية " للدكتورة بنت الشاطئ، و" الشوق العائد " ليوسف السباعى، و " صراع الحب " لديستويفسكى من تلخيص الأستاذ حلمى مراد، و قصة " الأعمى " للروائى النمساوى ستيفان زفايج .
وفى سلسلة الأعداد المتميزة للقصة التى أصدرتها مجلة الهلال العدد الصادر فى أبريل 1951 تحت عنوان " قصص الربيع " وفيه يطالعنا العقاد كعادته فى مثل هذه الأعداد بإحدى مقالاته الرائعة بعنوان " قصة الربيع " أوضح فيها المفارقة الكبرى فى الطبيعة والوجود، وكيف كان الأقدمون يتعاملون مع الربيع من خلال النماء والحصاد والنبات والفيضان، وكيف يستقبل المحدثون الربيع حين يطل عليهم من تقويم العام مزهرا متفتحا ملؤه التفاؤل والبشر . كذلك يعرض الدكتور أحمد موسى موضوع " لوحات فى قصص " مثل لوحة " أول قصة " للفنان الألمانى " فراوند ووفر "، ولوحة " قصة شمشون " للفنان " سولومون "، ولوحة " قصة القط والفأر " للفنان الفرنسى " أ . ريتشى "، ولوحة " قصة ميدوسا " للفنان " و . كوتارينسكى " . كذلك كتب فى هذا العدد الدكتور محمود أحمد الحفنى قصة أحد ألحان الموسيقار العبقرى " موتسارت " وهى افتتاحية أوبرا " دون جوان " بعنوان " فى ربيع العمر " وهى الافتتاحية التى كتبها موتسارت فى ثلاث ساعات فقط فى أحد أيام الربيع الساحرة . كما كتب الأستاذ السيد حسن جمعة فى هذا العدد قصص " عذارى الربيع .. آذار ابنة الطبيعة البكر، فلورا ربة الربيع والزهور، تانا عذراء الغابة، قربان الربيع وهى أسطورة روسية " . كذلك كتب طاهر الطناحى فى سلسلة مقالاته " حديقة الأدباء " عن " أبو الربيع محمود تيمور " كما عبر عن ذلك . كذلك احتوى عدد قصص الربيع على قصص من ألف ليلة وليلة بريشة عباقرة الفن . ومن الإبداع القصصى الذى نشر فى هذا العدد وكان مضمونه واهتمامه ينصب على الربيع، قصص " الربيع الضائع " لميخائيل نعيمة الذى كان قاسما فى معظم أعداد الهلال بقصصه الرمزية ومقالاته الضافية، و " كنا أربعة " للأستاذ محمود تيمور، " ربيعها الموؤد " للدكتورة بنت الشاطئ، و " رأى الجنة " للدكتور أحمد زكى، و" الشاعر والربيع " وهى تمثيلية من فصل واحد للأستاذ على أحمد باكثير، و" يوم فى حياة امرأة " للأستاذ حلمى مراد، و" الزهرة الجامحة " للكاتب الأمريكى " أ . ب . جلبير "، و" على فراش الموت " للروائى الروسى إيفان تورجنيف .
وفى العام نفسه صدر فى أغسطس 1951 عدد خاص آخر عن القصة بعنوان " أعجب القصص " ويتميز هذا العدد بأنه يأخذ من القصص أغربها وأعجبها . وهو فى ذلك يحتفى بالأساطير وقصص الخيال . ويبدأ العقاد كعادته مقالات هذا العدد الخاص بمقالة بعنوان " أعجب قصة فى رأيى " وهى تتحدث عن قصة القارة المفقودة " أطلنتس " التى غاصت فى حوت الماء . ويقول عنها العقاد " إنها قصة أحسبها عجيبة لأنها تشبه الواقع وتشبه الخيال فى آن واحد " .
كما يتضمن العدد عجائب ألف ليلة وليلة مزينة برسوم كبار المصورين الألمان والإنجليز . وعجائب الدنيا السبع وهى مقالة موجزة عن هذه العجائب وما صاحبها من قصص أسطورية خيالية .
وقد أحتفى هذا العدد المتميز من الهلال بكّم من القصص الذى طغى على مقالات العدد، فنجد قصة " الحلم العجيب " لميخائيل نعيمة، " قلم أحمر " لمحمود تيمور، " السرير الجهنمى " للروائى الإنجليزى " ويلكى كولينز "، " نداء الشاطئ الصخرى " وقد علتها عبارة " قصة واقعية أغرب من الخيال " وهى بقلم " آرثر كويلر كوتس "، و" سارقة الأكفان " للأستاذ حسين القبانى، و" آمنة " للدكتورة بنت الشاطئ، " والموتى لا يكذبون " للقصصى الفرنسى الشهير جى دى موباسان، و" توتة " للسيدة صوفى عبد الله، و" عودة المشتاق " للأستاذ على أحمد باكثير .
ومثل ما صدر فى أغسطس 1951 عدد من الهلال بعنوان " أعجب القصص "، صدر فى أكتوبر 1952 عدد آخر تحت عنوان " أغرب القصص " . وأشتمل هذا العدد ** على مقالة ضافية عن قصة غريبة استحضرها من تاريخ الشعب المصرى وهى تتحدث عن شجاعة عالم مصرى كبيرة أشتهر بالشجاعة النادرة فى زمن كان الجبن فيه سائدا . هذا العالم الجليل هو " الشيخ العدوى " الذى أفتى بعزل الخديوى توفيق . والذى وقف فى ساحة المحكمة وهو الشيخ الهرم الهزيل يتلقى اتهام قاضى محاكمته إسماعيل أيوب باشا بكل شجاعة وهو يقول له : " ألم تجترئ على توقيع منشور تعلن فيه أن الخديو توفيقا مستحق للعزل؟
وكأنما عاد الشيخ العدوى إلى عنفوان شبابه حين سمع هذا السؤال . فيصيح بأعلى صوته : أسمع يا باشا .. بغير حاجة إلى مراجعة المنشور لأرى هل وقعته أم لم أوقعه، أعلنك الساعة إنك إذا جئتنى بمنشور فى هذا المعنى وقعته الآن بغير تردد " .
وفى عالم الفن التشكيلى الممتزج بعالم القصص يواصل الدكتور أحمد موسى تقديمه للوحات التى تتحدث عن أغرب القصص وأعجبها فيقدم فى هذا العدد عدة لوحات تمثل هذا النمط من الفن .. فنجده يقدم لوحة للفنان ( أدمون دولاك ) عن بلقيس ملكة سبأ، ولوحة للفنان ( دافيد ) بعنوان " باريس وهيلانة "، ولوحة أخرى للفنان ( أدمون دولاك ) بعنوان " الساحرة كيركه "، ولوحة للفنان ( فرديناند كيللر ) بعنوان " موسى يدخل قصر فرعون "، ولوحة للفنان ( هانس ماكارت ) بعنوان " كيلوباطره فى طريقها لاستقبال أنطونيو " .
كما تضمن العدد أغرب قصص حدثت لأبطالنا الذين استشهدوا فى حرب فلسطين، مثل قصة استشهاد البطل " أحمد عبد العزيز "، واليوزباشى " بيومى على الشافعى "، وصياد الطائرات اليوزباشى " محمد رفعت على "، والصاغ " صبحى إبراهيم فهمى "، والصاغ " محمد جمال خليفة " الذين سطروا بدمائهم أروع وأغرب قصص البطولة على أرض فلسطين العربية .
كما تضمن العدد أيضا قصة غريبة لسيدة ظلت عمياء لمدة إحدى عشرة سنة ثم ابصرت النور وهى تروى المعجزة التى حار الأطباء فى تعليلها . كما قدم العدد باب الحياة قصص متضمنا اغرب القصص الواقعية التى تفوق الخيال فى نسيجها وغرابتها .
وفى هذا العدد نشرت المجلة قصص " اللعبة الخطرة " للقصصى النمسوى " ستيفان زفايج "، و" الشيخ المجذوب " للأستاذ فريد أبو حديد، و" مفاجأة " للكاتب الفرنسى " بيير هامور "، و" الوصية " للدكتورة بنت الشاطئ، و" المرأة المحترقة " للكاتب الفرنسى " كاتول ميدريس "، و" بنت السلطان " للأستاذ محمود تيمور .
ومن الأعداد المتميزة التى أصدرها الهلال لفن القصة القصيرة عدد أغسطس 1954 .
ففى هذا العدد الذى صدر بعنوان "الحياة قصص" يستهل طاهر الطناحى العدد بإفتتاحية لخص فيها مغزى مقولة "الحياة قصص" بقوله: "الحياة الإنسانية منذ نشأة الأرض سلسلة من القصص القصيرة والطويلة، الضاحكة والباكية، والغريبة ذات الخطر والعجيبة ذات العبر، ولقد بدأ حياة آدم وحواء بقصة الشجرة التى أخرجتهما من الجنة وأصيبا بمأساة هابيل وقابيل، بل كان وجودهما قصة البشرية الكبرى.
وما من عصر من العصور إلا كان زاخرا بالقصص، وما من كتاب مقدس إلا جمع ألوانا كثيرة من قصص الحياة، وما من تاريخ إلا كان مجموعة من قصص الأفراد والجماعات، وما من خيالات قصصية أو مؤلفات روائية إلا كانت مستمدة مما يعيش الناس فيه من أحداث وطباع وأخلاق وعادات ومسرات وأحزان"، "ولعل القصة هى أقدم ألوان الأدب، لأنها تصور حياة الناس وأسلوب معيشتهم وتكشف ميولهم، وما يقدسون من مبادئ ويسيرون عليه من عادات".
http://www.amwague.net/amwague/26/derasat.asp (http://www.amwague.net/amwague/26/derasat.asp)
*******
د. أبو شامة المغربي
kalimates@maktoob.com
بالقصة بمجلة الهلال
شوقي بدر يوسف
*******
(الجزء الأول)
حينما كاتب جرجى زيدان افتتاحية العدد الأول من مجلة الهلال فى سبتمبر عام 1892 لم يكن يدرى أن هذه المجلة سوف يكتب لها هذا الانتشار الكبير، وهذه الاستمرارية الدؤوبة قرابة أكثر من قرن من الزمان، وأن هذه المجلة سوف توطد أركان دار ثقافية إعلامية كبيرة سوف يكون لها شأن وتأثير عظيم على الثقافة العربية والأعلام العربى فى المنطقة.
حدد جرجى زيدان فى هذه الإفتتاحية دستور المجلة وبنيتها الأساسية التى سارت عليها بعد ذلك، ووضع فى هذه السطور الأولى الخطوط العريضة لسياسة المجلة وأبوابها والشكل الذى ظهرت به فى مرحلة من أهم مراحل تاريخ الصحافة فى مصر والشرق.
يقول جرجى زيدان فى هذه الإفتتاحية :
" أما موضوع مجلتنا فمقسوم إلى خمسة أبواب :
أولا – باب أشهر الحوادث وأعظم الرجال، فلا يخلو جزء من تاريخ حادثة شهيرة أو رجل عظيم مع ما يحتاج إيضاحه من الرسوم .
ثانيا – باب المقالات ويظهر فى كل جزء مقالة أوغير مقالة بقلمنا أوأقلام كتابنا المعاصرين .
ثالثا – " باب الروايات " وسندرج فيه من الروايات ما كان على مثال ما كتبناه مما هو تاريخى أدبى . ممثل لعوائد الشرقيين وحوادثهم، موافق لأذواقهم، خال من الحوادث الأجنبية والمسميات الأعجمية، فندرج فى كل جزء من الهلال جزءا من الرواية مع ما يحتاج إليه من الرسوم .
تلك كانت رؤية جرجى زيدان لما سوف تكون عليه مجلة " الهلال " التى صدرت فى هذا الوقت، حيث رسم لها سياستها من خلال هذه الخطوط، ووضع لها أهدافها وتوجهتها الخاصة من خلال أشهر الحوادث، وعموم السّير، وباب المقالات المتنوعة، وباب الروايات الذى حدده صراحة بأنه سوف يكون على شاكلة ما كتبه جرجى زيدان نفسه "تاريخى أدبى".
وقد اهتمت دار الهلال بفن القص اهتماما كبيرا، يبدو ذلك من حرص صاحبها على أن تضطلع بمسئولية الأشكال الحديثة من الأدب خاصة وأنه كان من أبرز روائيى عصره فى هذا المجال.
وقد احتلت القصة القصيرة والرواية فى اهتمامات مجلة الهلال مساحة متميزة فرضت نفسها بإلحاح شديد على خريطة المجلة منذ منتصف العشرينيات من القرن الماضى، بعد أن عاشت القصة مخاض ظهورها على يد المويلحى ومحمد عثمان جلال وجرجى زيدان وشوقى وحافظ وعائشة التيمورية وغيرهم . إلى أن بدأ ظهور أعمال المدرسة الحديثة على صفحات كثير من دوريات هذا العصر، وعرف الأدبى العربى القصة القصيرة والمترجمة والمعربة والمؤلفة، وظهرت أسماء كثيرة فى هذا الأدب مثل محمد ومحمود تيمور، وعيسى وشحاته عبيد لغزا القصة المصرية، ومحمود طاهر لاشين، وإبراهيم المصرى، وحسن محمود، ويحيى حقى، وحسين فوزى وغيرهم . كما عرف الناس تشيكوف وجوجول وبلزاك وجى دى موباسان وسومرست موم ومارك توين وبول روجيه وتورجنيف وغيرهم من كبار كتاب القصة فى العالم . واحتلت القصة مكانتها فى الهلال بجانب أبواب المجلة المختلفة . كما ظهر تلخيص الروايات العالمية على صفحات " كتاب الشهر " الذى كانت تحرره الكاتب المتميزة فى هذا المجال صوفى عبد الله والذى كان أحد الأبواب التى تجذب القراء، والذى أخذته كثير من الدوريات بعد ذلك عن مجلة الهلال .
وكما كان للدكتور هيكل فضل الريادة فى فن الرواية كان له أيضا فضل الريادة فى نشر أولى قصصه فى مجلة الهلال وهى قصة " حكم الهوى " التى نشرت فى عدد فبراير عام 1926، بل هى أول قصة بمعناها الفنى الحديث تنشر على صفحات الهلال فى ذلك الوقت . كما كانت أولى قصص محمود تيمور التى نشرت فى الهلال هى قصة " صابحة " وكان ذلك فى عدد مارس 1928 . كذلك كانت أولى قصص رائد القصة الرومانسية فى مصر محمود كامل المحامى التى ظهرت فى الهلال هى قصة " حبيبة " ونشرت فى عدد ديسمبر عام 1930 . كذلك نشر محمود طاهر لاشين أولى قصصه فى الهلال فى عدد يناير عام 1933 وهى قصة " تحت عجلة الحياة " . ونشر يوسف السباعى أولى قصصه أيضا وهى قصة " أريد الحياة " فى عدد مايو 1948 ثم أعقبها فى نفس العام بقصص " آه " فى عدد أغسطس، و " السقا مات " فى عدد أكتوبر، كذلك نجد أن الهلال قد أفسح المجال لكثير من الكتاب الذين كانت القصة بالنسبة لهم هواية محببة بجانب هوايات التمثيل والسينما . فنجد أن الفنان المخرج زكى طليمات قد نشر إحدى قصصه فى عدد سبتمبر 1949 وهى قصة " البطل "، ونشر الفنان الساخر سليمان نجيب قصة " زوجتى " فى عدد سبتمبر/اكتوبر 1945، وفى نفس العدد نشرت العديد من القصص للرائدة بنت الشاطئ وعباس علام وغيرهما من كتاب القصة
الذين أصبحوا بعد ذلك من أعلام هذا الفن .
وقد أفردت الهلال للقصة القصيرة أعدادا خاصة مختلفة ومتباينة تراوحت أوقات صدورها ما بين شهور يوليو وأغسطس و سبتمبر من كل عام، وهو وقت يوافق العطلة الصيفية لكثير من الطلبة الذين يمثلون الجانب الأكبر من قراء ومتلقى فن القصة . كما احتفت المجلة كثيرا بمدعى هذا الفن بيوجرافيا وذاتيا وإبداعيا ومتابعة ولقاء . وقد حذا حذو الهلال كثير من الدوريات الثقافية فى اهتمامها بالقصة، قضاياها وتطورها وإبداعها وكتابها وغير ذلك من الأمور المتعلقة بهذا الفن الحكائى المبهر المدهش .
ومن الأعداد الممتازة التى أفردتها المجلة لفن القصة القصيرة : عدد أغسطس 1948، وكتب إفتتاحية هذا العدد الكاتب الكبير عباس محمود العقاد وكانت تحت عنوان " قصة القصة " . وقد لخص فيها العقاد القصة المصرية منذ أقدم العصور، حين قال : " لم يعرف التاريخ قصة أقدم من القصة المصرية، السبب ظاهر هو أن المجتمع المصرى كان أقدم مجتمع عرفه التاريخ " . " وكان للشرقيين السبق فى ميدان القصة بعد زوال دولة الفراعنة، فظهرت القصة فى الإسكندرية وسوريا قبل أن تظهر فى آسيا الصغرى وسائر بلاد الأغريق " . " واستمع الناس فى مصر وسوريا وفارس إلى الرواية والمحدث قبل أن تقرأ القصة فى أوروبا ببضعة قرون . وكان للقصة فى شأنها الأولى من أقدم العصور، كبرياؤها التى تلازم كل شاب . فكانت لا تتنزل إلى الحكاية عن حادث غير حوادث العجائب والغرائب وقلما عنيت بحديث فى الحب إلا أن يكون حبا بين أمير وأميرة أو بين شموس وأقمار ".
كذلك كتب الدكتور محمد حسين هيكل مقالة تحت عنوان " رأى فى القصة العربية " حدد فيه أسلوب التجديد والتقليد فى القصة العربية: " وإذا كان التقليد فى أغلب الأحيان هو مقدمة البعث، وكان تقليد الأدب اليونانى والرومانى فى مقدمة البعث الأوروبى فى القرن السادس عشر، فإن البعث الصحيح هو الذى يقوم على فكرة ويلهم مثلا أعلى . والتأليف القصصى قائم على غير هذا الأساس يستوحى التقليد، ويصعب لذلك أن يسمى بعثا . وإنما يكون البعث يوم تستقل القصة بنفسها وتستمد كل مقومات حياتها من البيئة المحيطة بالكاتب ومن القومية والوراثة التى يخضع الكاتب لأثرهما " .
وفى هذا العدد نشرت قصص "زهر المرقص" لمحمود تيمور، "القميص الأسود" للدكتور محمد عوض محمد، "شهرزاد " للدكتورة سهير القلماوى، "قلامة ظفر" لميخائيل نعيمة، "على شط النيل "لبنت الشاطئ، "صراع الروح والجسد" لعباس علام، وقصة " آه"ليوسف السباعى، و "حياتنا لها بقية " لإبراهيم الوردانى.
كما نشر فى هذا العدد نتيجة مسابقة الأقصوصة التى كانت قد أقامتها المجلة تشجيعا للقصاصين على إظهار مواهبهم الفنية . وكانت لجنة التحكيم مكونة من الأستاذ عباس العقاد والدكتور طه حسين والسيدة أمينة السعيد والأستاذ محمود تيمور والسيدة بنت الشاطئ والدكتور أحمد زكى والأستاذ طاهر الطناحى . وقد فاز بالجائزة الأولى وقيمتها خمسون جنيها الأديب محمد عبد الحليم عبد الله الذى أصبح فيما بعد علما من أعلام القصة والرواية المصرية وذلك عن قصته " أبن العمدة "، وفاز بالجائزة الثانية وقيمتها ثلاثون جنيها الأديب سليم اللوزى عن قصته " البطل " والذى أصبح فيما بعد رئيسا لتحرير مجلة الحوادث اللبنانية، وأحد أعلام الصحافة والأدب فى العالم العربى .
من الأعداد الممتازة أيضا للقصة ذلك العدد الذى ظهر فى يوليو 1949 وأحتوى على مقالة قيمة للأستاذ عباس محمود العقاد بعنوان " القصة والخرافة " وضح فيها العقاد الفرق اللغوى بين تسمية القصة فى اللغة العربية ومعناها المأخوذ من قص الأثر، كما وضح المعنى اللغوى فى الآداب الأخرى لكلمة الخرافة والتى أطلق عليها " فكشن "، كما أحتوى هذا العدد على قصص عربية وأخرى مترجمة، ومقالات عن فن القصة، فقد كتب أمير بقطر مقالة تحت عنوان " هل قراءة القصة إضاعة للوقت؟ " حيث بين فيها أهمية فن القصة بين الفنون والآداب الأخرى، وكتب طاهر الطناحى قصة القصة المصرية منذ الفراعنة وحتى العصر الحديث تحت عنوان " يحكى أن .. فى مصر " كما نشر الهلال استطلاعا بعنوان " حيث يرقد طبيب الرواية " عن بلدة شكسبير، سترتفورد " كما أقامت المجلة ندوة وضحت فيها الأثر الذى ينعكس على القصة من الفنون المرأية والمسموعة جاءت تحت عنوان " أثر السينما والأذاعة فى القصة " حضرها كل من الدكتور محمد حسين هيكل، والأستاذ عباس محمود العقاد، والأستاذ محمود تيمور، والأستاذ توفيق الحكيم . تحدث فيها الحاضرون عن بعض قضايا القصة واتجاهاتها مثل " متى ولدت القصة العربية الحديثة؟ "، " أغراض القصة واتجاهاتها "، " أثر السينما والأذاعة فى القصة "، " عناصر إنتاج الأدب القصصى "، " لغة التأليف المسرحى " . كما نشر فى هذا العدد أيضا العديد من القصص المترجمة والعربية، قصة " أصفر الناب " لميخائيل نعيمة "، الدير المهجور " للقصصى الفرنسى بول بورجيه، " أنقذنى الكلب " للكاتب الأمريكى الساخر مارك توين، " عقد اللؤلؤ الوردى " وهى قصة هندية لم يذكر اسم مؤلفها، " المطلقة " للدكتور أحمد زكى، كما نشرت فى هذا العدد من أعمال الشاعر على الجارم القصصية وهى قصة " الفارس الملثم " وكان قد أعدها خصيصا للهلال، ولكن المنية وافته قبل نشرها . كما كتب لهذا العدد الأستاذ حلمى مراد قصة " يوميات كيوبيد "، وقصة " سر الشاطئ " للدكتورة بنت الشاطئ، و" صائدة الرجال " للكاتب الفرنسى جورج فيدال، و" حياتى من أجلك " للأستاذ يوسف السباعى، كما استحدث الهلال باب من روائع القصص على الستار الفضى، وفى هذا العدد قدمت قصة " قيصر وكليوباترا " للكاتب الأنجليزى الشهير برنارد شو مع بعض المشاهد السينمائية لهذه القصة الرائعة .
عدد آخر من أعداد الهلال الممتازة عن فن القصة صدر فى أغسطس عام 1950 . وقد حوى هذا العدد بين دفته لونا جديدا من ألوان القصة وهو القديم الذى يحكى أمثلة البطولة والنبالة فى الأساطير وقصص التاريخ . والحديث الذى يصور المجتمع بمحسانه وعيوبه، ويعنى بالتحليل النفسى وعناصر الحكى المختلفة . ففى هذا العدد مواقف مصورة من ألف ليلة وليلة منقولة من الطبعة الألمانية لهذه القصص المتميزة . كما تضمن العدد مقالة للأستاذ عباس محمود العقاد عن قصة " الأخوة كرامازوف " للأديب الروسى ديستويفسكى . وتضمن أيضا قصة مصورة للأطفال هى القصة الخالدة " سندريلا " . كما تضمن العدد مقالة طريفة بعنوان " سماع القصة خير من قراءتها " تبين أن القصة الشعبية فى كل أمة ظلت تروى وتتداولها المجالس قبل أن تكتب وتدون بأعوام وأجيال مثل " ميثولوجيا الأغريق، وحكايات ألف ليلة وليلة، وأحاجى لافونتين، وكليلة ودمنه، والجنيات فى قصص الأطفال فى أوربا "، كما تضمن العدد أيضا قصص " السهم المسموم " لعلى الجارم، و" حبل الفضة " للكاتبة السويدية سلما لاجرنوف، وقصة " غالية " للدكتورة بنت الشاطئ، و" الشوق العائد " ليوسف السباعى، و " صراع الحب " لديستويفسكى من تلخيص الأستاذ حلمى مراد، و قصة " الأعمى " للروائى النمساوى ستيفان زفايج .
وفى سلسلة الأعداد المتميزة للقصة التى أصدرتها مجلة الهلال العدد الصادر فى أبريل 1951 تحت عنوان " قصص الربيع " وفيه يطالعنا العقاد كعادته فى مثل هذه الأعداد بإحدى مقالاته الرائعة بعنوان " قصة الربيع " أوضح فيها المفارقة الكبرى فى الطبيعة والوجود، وكيف كان الأقدمون يتعاملون مع الربيع من خلال النماء والحصاد والنبات والفيضان، وكيف يستقبل المحدثون الربيع حين يطل عليهم من تقويم العام مزهرا متفتحا ملؤه التفاؤل والبشر . كذلك يعرض الدكتور أحمد موسى موضوع " لوحات فى قصص " مثل لوحة " أول قصة " للفنان الألمانى " فراوند ووفر "، ولوحة " قصة شمشون " للفنان " سولومون "، ولوحة " قصة القط والفأر " للفنان الفرنسى " أ . ريتشى "، ولوحة " قصة ميدوسا " للفنان " و . كوتارينسكى " . كذلك كتب فى هذا العدد الدكتور محمود أحمد الحفنى قصة أحد ألحان الموسيقار العبقرى " موتسارت " وهى افتتاحية أوبرا " دون جوان " بعنوان " فى ربيع العمر " وهى الافتتاحية التى كتبها موتسارت فى ثلاث ساعات فقط فى أحد أيام الربيع الساحرة . كما كتب الأستاذ السيد حسن جمعة فى هذا العدد قصص " عذارى الربيع .. آذار ابنة الطبيعة البكر، فلورا ربة الربيع والزهور، تانا عذراء الغابة، قربان الربيع وهى أسطورة روسية " . كذلك كتب طاهر الطناحى فى سلسلة مقالاته " حديقة الأدباء " عن " أبو الربيع محمود تيمور " كما عبر عن ذلك . كذلك احتوى عدد قصص الربيع على قصص من ألف ليلة وليلة بريشة عباقرة الفن . ومن الإبداع القصصى الذى نشر فى هذا العدد وكان مضمونه واهتمامه ينصب على الربيع، قصص " الربيع الضائع " لميخائيل نعيمة الذى كان قاسما فى معظم أعداد الهلال بقصصه الرمزية ومقالاته الضافية، و " كنا أربعة " للأستاذ محمود تيمور، " ربيعها الموؤد " للدكتورة بنت الشاطئ، و " رأى الجنة " للدكتور أحمد زكى، و" الشاعر والربيع " وهى تمثيلية من فصل واحد للأستاذ على أحمد باكثير، و" يوم فى حياة امرأة " للأستاذ حلمى مراد، و" الزهرة الجامحة " للكاتب الأمريكى " أ . ب . جلبير "، و" على فراش الموت " للروائى الروسى إيفان تورجنيف .
وفى العام نفسه صدر فى أغسطس 1951 عدد خاص آخر عن القصة بعنوان " أعجب القصص " ويتميز هذا العدد بأنه يأخذ من القصص أغربها وأعجبها . وهو فى ذلك يحتفى بالأساطير وقصص الخيال . ويبدأ العقاد كعادته مقالات هذا العدد الخاص بمقالة بعنوان " أعجب قصة فى رأيى " وهى تتحدث عن قصة القارة المفقودة " أطلنتس " التى غاصت فى حوت الماء . ويقول عنها العقاد " إنها قصة أحسبها عجيبة لأنها تشبه الواقع وتشبه الخيال فى آن واحد " .
كما يتضمن العدد عجائب ألف ليلة وليلة مزينة برسوم كبار المصورين الألمان والإنجليز . وعجائب الدنيا السبع وهى مقالة موجزة عن هذه العجائب وما صاحبها من قصص أسطورية خيالية .
وقد أحتفى هذا العدد المتميز من الهلال بكّم من القصص الذى طغى على مقالات العدد، فنجد قصة " الحلم العجيب " لميخائيل نعيمة، " قلم أحمر " لمحمود تيمور، " السرير الجهنمى " للروائى الإنجليزى " ويلكى كولينز "، " نداء الشاطئ الصخرى " وقد علتها عبارة " قصة واقعية أغرب من الخيال " وهى بقلم " آرثر كويلر كوتس "، و" سارقة الأكفان " للأستاذ حسين القبانى، و" آمنة " للدكتورة بنت الشاطئ، " والموتى لا يكذبون " للقصصى الفرنسى الشهير جى دى موباسان، و" توتة " للسيدة صوفى عبد الله، و" عودة المشتاق " للأستاذ على أحمد باكثير .
ومثل ما صدر فى أغسطس 1951 عدد من الهلال بعنوان " أعجب القصص "، صدر فى أكتوبر 1952 عدد آخر تحت عنوان " أغرب القصص " . وأشتمل هذا العدد ** على مقالة ضافية عن قصة غريبة استحضرها من تاريخ الشعب المصرى وهى تتحدث عن شجاعة عالم مصرى كبيرة أشتهر بالشجاعة النادرة فى زمن كان الجبن فيه سائدا . هذا العالم الجليل هو " الشيخ العدوى " الذى أفتى بعزل الخديوى توفيق . والذى وقف فى ساحة المحكمة وهو الشيخ الهرم الهزيل يتلقى اتهام قاضى محاكمته إسماعيل أيوب باشا بكل شجاعة وهو يقول له : " ألم تجترئ على توقيع منشور تعلن فيه أن الخديو توفيقا مستحق للعزل؟
وكأنما عاد الشيخ العدوى إلى عنفوان شبابه حين سمع هذا السؤال . فيصيح بأعلى صوته : أسمع يا باشا .. بغير حاجة إلى مراجعة المنشور لأرى هل وقعته أم لم أوقعه، أعلنك الساعة إنك إذا جئتنى بمنشور فى هذا المعنى وقعته الآن بغير تردد " .
وفى عالم الفن التشكيلى الممتزج بعالم القصص يواصل الدكتور أحمد موسى تقديمه للوحات التى تتحدث عن أغرب القصص وأعجبها فيقدم فى هذا العدد عدة لوحات تمثل هذا النمط من الفن .. فنجده يقدم لوحة للفنان ( أدمون دولاك ) عن بلقيس ملكة سبأ، ولوحة للفنان ( دافيد ) بعنوان " باريس وهيلانة "، ولوحة أخرى للفنان ( أدمون دولاك ) بعنوان " الساحرة كيركه "، ولوحة للفنان ( فرديناند كيللر ) بعنوان " موسى يدخل قصر فرعون "، ولوحة للفنان ( هانس ماكارت ) بعنوان " كيلوباطره فى طريقها لاستقبال أنطونيو " .
كما تضمن العدد أغرب قصص حدثت لأبطالنا الذين استشهدوا فى حرب فلسطين، مثل قصة استشهاد البطل " أحمد عبد العزيز "، واليوزباشى " بيومى على الشافعى "، وصياد الطائرات اليوزباشى " محمد رفعت على "، والصاغ " صبحى إبراهيم فهمى "، والصاغ " محمد جمال خليفة " الذين سطروا بدمائهم أروع وأغرب قصص البطولة على أرض فلسطين العربية .
كما تضمن العدد أيضا قصة غريبة لسيدة ظلت عمياء لمدة إحدى عشرة سنة ثم ابصرت النور وهى تروى المعجزة التى حار الأطباء فى تعليلها . كما قدم العدد باب الحياة قصص متضمنا اغرب القصص الواقعية التى تفوق الخيال فى نسيجها وغرابتها .
وفى هذا العدد نشرت المجلة قصص " اللعبة الخطرة " للقصصى النمسوى " ستيفان زفايج "، و" الشيخ المجذوب " للأستاذ فريد أبو حديد، و" مفاجأة " للكاتب الفرنسى " بيير هامور "، و" الوصية " للدكتورة بنت الشاطئ، و" المرأة المحترقة " للكاتب الفرنسى " كاتول ميدريس "، و" بنت السلطان " للأستاذ محمود تيمور .
ومن الأعداد المتميزة التى أصدرها الهلال لفن القصة القصيرة عدد أغسطس 1954 .
ففى هذا العدد الذى صدر بعنوان "الحياة قصص" يستهل طاهر الطناحى العدد بإفتتاحية لخص فيها مغزى مقولة "الحياة قصص" بقوله: "الحياة الإنسانية منذ نشأة الأرض سلسلة من القصص القصيرة والطويلة، الضاحكة والباكية، والغريبة ذات الخطر والعجيبة ذات العبر، ولقد بدأ حياة آدم وحواء بقصة الشجرة التى أخرجتهما من الجنة وأصيبا بمأساة هابيل وقابيل، بل كان وجودهما قصة البشرية الكبرى.
وما من عصر من العصور إلا كان زاخرا بالقصص، وما من كتاب مقدس إلا جمع ألوانا كثيرة من قصص الحياة، وما من تاريخ إلا كان مجموعة من قصص الأفراد والجماعات، وما من خيالات قصصية أو مؤلفات روائية إلا كانت مستمدة مما يعيش الناس فيه من أحداث وطباع وأخلاق وعادات ومسرات وأحزان"، "ولعل القصة هى أقدم ألوان الأدب، لأنها تصور حياة الناس وأسلوب معيشتهم وتكشف ميولهم، وما يقدسون من مبادئ ويسيرون عليه من عادات".
http://www.amwague.net/amwague/26/derasat.asp (http://www.amwague.net/amwague/26/derasat.asp)
*******
د. أبو شامة المغربي
kalimates@maktoob.com