PDA

View Full Version : قراءة ببليوجرافية في الأعداد الخاصة بالقصة بمجلة الهلال



أبو شامة المغربي
05/06/2006, 04:25 PM
قراءة ببليوجرافية في الأعداد الخاصة

بالقصة بمجلة الهلال

شوقي بدر يوسف

*******

(الجزء الأول)
حينما كاتب جرجى زيدان افتتاحية العدد الأول من مجلة الهلال فى سبتمبر عام 1892 لم يكن يدرى أن هذه المجلة سوف يكتب لها هذا الانتشار الكبير، وهذه الاستمرارية الدؤوبة قرابة أكثر من قرن من الزمان، وأن هذه المجلة سوف توطد أركان دار ثقافية إعلامية كبيرة سوف يكون لها شأن وتأثير عظيم على الثقافة العربية والأعلام العربى فى المنطقة.
حدد جرجى زيدان فى هذه الإفتتاحية دستور المجلة وبنيتها الأساسية التى سارت عليها بعد ذلك، ووضع فى هذه السطور الأولى الخطوط العريضة لسياسة المجلة وأبوابها والشكل الذى ظهرت به فى مرحلة من أهم مراحل تاريخ الصحافة فى مصر والشرق.
يقول جرجى زيدان فى هذه الإفتتاحية :
" أما موضوع مجلتنا فمقسوم إلى خمسة أبواب :
أولا – باب أشهر الحوادث وأعظم الرجال، فلا يخلو جزء من تاريخ حادثة شهيرة أو رجل عظيم مع ما يحتاج إيضاحه من الرسوم .
ثانيا – باب المقالات ويظهر فى كل جزء مقالة أوغير مقالة بقلمنا أوأقلام كتابنا المعاصرين .
ثالثا – " باب الروايات " وسندرج فيه من الروايات ما كان على مثال ما كتبناه مما هو تاريخى أدبى . ممثل لعوائد الشرقيين وحوادثهم، موافق لأذواقهم، خال من الحوادث الأجنبية والمسميات الأعجمية، فندرج فى كل جزء من الهلال جزءا من الرواية مع ما يحتاج إليه من الرسوم .
تلك كانت رؤية جرجى زيدان لما سوف تكون عليه مجلة " الهلال " التى صدرت فى هذا الوقت، حيث رسم لها سياستها من خلال هذه الخطوط، ووضع لها أهدافها وتوجهتها الخاصة من خلال أشهر الحوادث، وعموم السّير، وباب المقالات المتنوعة، وباب الروايات الذى حدده صراحة بأنه سوف يكون على شاكلة ما كتبه جرجى زيدان نفسه "تاريخى أدبى".
وقد اهتمت دار الهلال بفن القص اهتماما كبيرا، يبدو ذلك من حرص صاحبها على أن تضطلع بمسئولية الأشكال الحديثة من الأدب خاصة وأنه كان من أبرز روائيى عصره فى هذا المجال.
وقد احتلت القصة القصيرة والرواية فى اهتمامات مجلة الهلال مساحة متميزة فرضت نفسها بإلحاح شديد على خريطة المجلة منذ منتصف العشرينيات من القرن الماضى، بعد أن عاشت القصة مخاض ظهورها على يد المويلحى ومحمد عثمان جلال وجرجى زيدان وشوقى وحافظ وعائشة التيمورية وغيرهم . إلى أن بدأ ظهور أعمال المدرسة الحديثة على صفحات كثير من دوريات هذا العصر، وعرف الأدبى العربى القصة القصيرة والمترجمة والمعربة والمؤلفة، وظهرت أسماء كثيرة فى هذا الأدب مثل محمد ومحمود تيمور، وعيسى وشحاته عبيد لغزا القصة المصرية، ومحمود طاهر لاشين، وإبراهيم المصرى، وحسن محمود، ويحيى حقى، وحسين فوزى وغيرهم . كما عرف الناس تشيكوف وجوجول وبلزاك وجى دى موباسان وسومرست موم ومارك توين وبول روجيه وتورجنيف وغيرهم من كبار كتاب القصة فى العالم . واحتلت القصة مكانتها فى الهلال بجانب أبواب المجلة المختلفة . كما ظهر تلخيص الروايات العالمية على صفحات " كتاب الشهر " الذى كانت تحرره الكاتب المتميزة فى هذا المجال صوفى عبد الله والذى كان أحد الأبواب التى تجذب القراء، والذى أخذته كثير من الدوريات بعد ذلك عن مجلة الهلال .
وكما كان للدكتور هيكل فضل الريادة فى فن الرواية كان له أيضا فضل الريادة فى نشر أولى قصصه فى مجلة الهلال وهى قصة " حكم الهوى " التى نشرت فى عدد فبراير عام 1926، بل هى أول قصة بمعناها الفنى الحديث تنشر على صفحات الهلال فى ذلك الوقت . كما كانت أولى قصص محمود تيمور التى نشرت فى الهلال هى قصة " صابحة " وكان ذلك فى عدد مارس 1928 . كذلك كانت أولى قصص رائد القصة الرومانسية فى مصر محمود كامل المحامى التى ظهرت فى الهلال هى قصة " حبيبة " ونشرت فى عدد ديسمبر عام 1930 . كذلك نشر محمود طاهر لاشين أولى قصصه فى الهلال فى عدد يناير عام 1933 وهى قصة " تحت عجلة الحياة " . ونشر يوسف السباعى أولى قصصه أيضا وهى قصة " أريد الحياة " فى عدد مايو 1948 ثم أعقبها فى نفس العام بقصص " آه " فى عدد أغسطس، و " السقا مات " فى عدد أكتوبر، كذلك نجد أن الهلال قد أفسح المجال لكثير من الكتاب الذين كانت القصة بالنسبة لهم هواية محببة بجانب هوايات التمثيل والسينما . فنجد أن الفنان المخرج زكى طليمات قد نشر إحدى قصصه فى عدد سبتمبر 1949 وهى قصة " البطل "، ونشر الفنان الساخر سليمان نجيب قصة " زوجتى " فى عدد سبتمبر/اكتوبر 1945، وفى نفس العدد نشرت العديد من القصص للرائدة بنت الشاطئ وعباس علام وغيرهما من كتاب القصة
الذين أصبحوا بعد ذلك من أعلام هذا الفن .
وقد أفردت الهلال للقصة القصيرة أعدادا خاصة مختلفة ومتباينة تراوحت أوقات صدورها ما بين شهور يوليو وأغسطس و سبتمبر من كل عام، وهو وقت يوافق العطلة الصيفية لكثير من الطلبة الذين يمثلون الجانب الأكبر من قراء ومتلقى فن القصة . كما احتفت المجلة كثيرا بمدعى هذا الفن بيوجرافيا وذاتيا وإبداعيا ومتابعة ولقاء . وقد حذا حذو الهلال كثير من الدوريات الثقافية فى اهتمامها بالقصة، قضاياها وتطورها وإبداعها وكتابها وغير ذلك من الأمور المتعلقة بهذا الفن الحكائى المبهر المدهش .
ومن الأعداد الممتازة التى أفردتها المجلة لفن القصة القصيرة : عدد أغسطس 1948، وكتب إفتتاحية هذا العدد الكاتب الكبير عباس محمود العقاد وكانت تحت عنوان " قصة القصة " . وقد لخص فيها العقاد القصة المصرية منذ أقدم العصور، حين قال : " لم يعرف التاريخ قصة أقدم من القصة المصرية، السبب ظاهر هو أن المجتمع المصرى كان أقدم مجتمع عرفه التاريخ " . " وكان للشرقيين السبق فى ميدان القصة بعد زوال دولة الفراعنة، فظهرت القصة فى الإسكندرية وسوريا قبل أن تظهر فى آسيا الصغرى وسائر بلاد الأغريق " . " واستمع الناس فى مصر وسوريا وفارس إلى الرواية والمحدث قبل أن تقرأ القصة فى أوروبا ببضعة قرون . وكان للقصة فى شأنها الأولى من أقدم العصور، كبرياؤها التى تلازم كل شاب . فكانت لا تتنزل إلى الحكاية عن حادث غير حوادث العجائب والغرائب وقلما عنيت بحديث فى الحب إلا أن يكون حبا بين أمير وأميرة أو بين شموس وأقمار ".
كذلك كتب الدكتور محمد حسين هيكل مقالة تحت عنوان " رأى فى القصة العربية " حدد فيه أسلوب التجديد والتقليد فى القصة العربية: " وإذا كان التقليد فى أغلب الأحيان هو مقدمة البعث، وكان تقليد الأدب اليونانى والرومانى فى مقدمة البعث الأوروبى فى القرن السادس عشر، فإن البعث الصحيح هو الذى يقوم على فكرة ويلهم مثلا أعلى . والتأليف القصصى قائم على غير هذا الأساس يستوحى التقليد، ويصعب لذلك أن يسمى بعثا . وإنما يكون البعث يوم تستقل القصة بنفسها وتستمد كل مقومات حياتها من البيئة المحيطة بالكاتب ومن القومية والوراثة التى يخضع الكاتب لأثرهما " .
وفى هذا العدد نشرت قصص "زهر المرقص" لمحمود تيمور، "القميص الأسود" للدكتور محمد عوض محمد، "شهرزاد " للدكتورة سهير القلماوى، "قلامة ظفر" لميخائيل نعيمة، "على شط النيل "لبنت الشاطئ، "صراع الروح والجسد" لعباس علام، وقصة " آه"ليوسف السباعى، و "حياتنا لها بقية " لإبراهيم الوردانى.
كما نشر فى هذا العدد نتيجة مسابقة الأقصوصة التى كانت قد أقامتها المجلة تشجيعا للقصاصين على إظهار مواهبهم الفنية . وكانت لجنة التحكيم مكونة من الأستاذ عباس العقاد والدكتور طه حسين والسيدة أمينة السعيد والأستاذ محمود تيمور والسيدة بنت الشاطئ والدكتور أحمد زكى والأستاذ طاهر الطناحى . وقد فاز بالجائزة الأولى وقيمتها خمسون جنيها الأديب محمد عبد الحليم عبد الله الذى أصبح فيما بعد علما من أعلام القصة والرواية المصرية وذلك عن قصته " أبن العمدة "، وفاز بالجائزة الثانية وقيمتها ثلاثون جنيها الأديب سليم اللوزى عن قصته " البطل " والذى أصبح فيما بعد رئيسا لتحرير مجلة الحوادث اللبنانية، وأحد أعلام الصحافة والأدب فى العالم العربى .
من الأعداد الممتازة أيضا للقصة ذلك العدد الذى ظهر فى يوليو 1949 وأحتوى على مقالة قيمة للأستاذ عباس محمود العقاد بعنوان " القصة والخرافة " وضح فيها العقاد الفرق اللغوى بين تسمية القصة فى اللغة العربية ومعناها المأخوذ من قص الأثر، كما وضح المعنى اللغوى فى الآداب الأخرى لكلمة الخرافة والتى أطلق عليها " فكشن "، كما أحتوى هذا العدد على قصص عربية وأخرى مترجمة، ومقالات عن فن القصة، فقد كتب أمير بقطر مقالة تحت عنوان " هل قراءة القصة إضاعة للوقت؟ " حيث بين فيها أهمية فن القصة بين الفنون والآداب الأخرى، وكتب طاهر الطناحى قصة القصة المصرية منذ الفراعنة وحتى العصر الحديث تحت عنوان " يحكى أن .. فى مصر " كما نشر الهلال استطلاعا بعنوان " حيث يرقد طبيب الرواية " عن بلدة شكسبير، سترتفورد " كما أقامت المجلة ندوة وضحت فيها الأثر الذى ينعكس على القصة من الفنون المرأية والمسموعة جاءت تحت عنوان " أثر السينما والأذاعة فى القصة " حضرها كل من الدكتور محمد حسين هيكل، والأستاذ عباس محمود العقاد، والأستاذ محمود تيمور، والأستاذ توفيق الحكيم . تحدث فيها الحاضرون عن بعض قضايا القصة واتجاهاتها مثل " متى ولدت القصة العربية الحديثة؟ "، " أغراض القصة واتجاهاتها "، " أثر السينما والأذاعة فى القصة "، " عناصر إنتاج الأدب القصصى "، " لغة التأليف المسرحى " . كما نشر فى هذا العدد أيضا العديد من القصص المترجمة والعربية، قصة " أصفر الناب " لميخائيل نعيمة "، الدير المهجور " للقصصى الفرنسى بول بورجيه، " أنقذنى الكلب " للكاتب الأمريكى الساخر مارك توين، " عقد اللؤلؤ الوردى " وهى قصة هندية لم يذكر اسم مؤلفها، " المطلقة " للدكتور أحمد زكى، كما نشرت فى هذا العدد من أعمال الشاعر على الجارم القصصية وهى قصة " الفارس الملثم " وكان قد أعدها خصيصا للهلال، ولكن المنية وافته قبل نشرها . كما كتب لهذا العدد الأستاذ حلمى مراد قصة " يوميات كيوبيد "، وقصة " سر الشاطئ " للدكتورة بنت الشاطئ، و" صائدة الرجال " للكاتب الفرنسى جورج فيدال، و" حياتى من أجلك " للأستاذ يوسف السباعى، كما استحدث الهلال باب من روائع القصص على الستار الفضى، وفى هذا العدد قدمت قصة " قيصر وكليوباترا " للكاتب الأنجليزى الشهير برنارد شو مع بعض المشاهد السينمائية لهذه القصة الرائعة .
عدد آخر من أعداد الهلال الممتازة عن فن القصة صدر فى أغسطس عام 1950 . وقد حوى هذا العدد بين دفته لونا جديدا من ألوان القصة وهو القديم الذى يحكى أمثلة البطولة والنبالة فى الأساطير وقصص التاريخ . والحديث الذى يصور المجتمع بمحسانه وعيوبه، ويعنى بالتحليل النفسى وعناصر الحكى المختلفة . ففى هذا العدد مواقف مصورة من ألف ليلة وليلة منقولة من الطبعة الألمانية لهذه القصص المتميزة . كما تضمن العدد مقالة للأستاذ عباس محمود العقاد عن قصة " الأخوة كرامازوف " للأديب الروسى ديستويفسكى . وتضمن أيضا قصة مصورة للأطفال هى القصة الخالدة " سندريلا " . كما تضمن العدد مقالة طريفة بعنوان " سماع القصة خير من قراءتها " تبين أن القصة الشعبية فى كل أمة ظلت تروى وتتداولها المجالس قبل أن تكتب وتدون بأعوام وأجيال مثل " ميثولوجيا الأغريق، وحكايات ألف ليلة وليلة، وأحاجى لافونتين، وكليلة ودمنه، والجنيات فى قصص الأطفال فى أوربا "، كما تضمن العدد أيضا قصص " السهم المسموم " لعلى الجارم، و" حبل الفضة " للكاتبة السويدية سلما لاجرنوف، وقصة " غالية " للدكتورة بنت الشاطئ، و" الشوق العائد " ليوسف السباعى، و " صراع الحب " لديستويفسكى من تلخيص الأستاذ حلمى مراد، و قصة " الأعمى " للروائى النمساوى ستيفان زفايج .
وفى سلسلة الأعداد المتميزة للقصة التى أصدرتها مجلة الهلال العدد الصادر فى أبريل 1951 تحت عنوان " قصص الربيع " وفيه يطالعنا العقاد كعادته فى مثل هذه الأعداد بإحدى مقالاته الرائعة بعنوان " قصة الربيع " أوضح فيها المفارقة الكبرى فى الطبيعة والوجود، وكيف كان الأقدمون يتعاملون مع الربيع من خلال النماء والحصاد والنبات والفيضان، وكيف يستقبل المحدثون الربيع حين يطل عليهم من تقويم العام مزهرا متفتحا ملؤه التفاؤل والبشر . كذلك يعرض الدكتور أحمد موسى موضوع " لوحات فى قصص " مثل لوحة " أول قصة " للفنان الألمانى " فراوند ووفر "، ولوحة " قصة شمشون " للفنان " سولومون "، ولوحة " قصة القط والفأر " للفنان الفرنسى " أ . ريتشى "، ولوحة " قصة ميدوسا " للفنان " و . كوتارينسكى " . كذلك كتب فى هذا العدد الدكتور محمود أحمد الحفنى قصة أحد ألحان الموسيقار العبقرى " موتسارت " وهى افتتاحية أوبرا " دون جوان " بعنوان " فى ربيع العمر " وهى الافتتاحية التى كتبها موتسارت فى ثلاث ساعات فقط فى أحد أيام الربيع الساحرة . كما كتب الأستاذ السيد حسن جمعة فى هذا العدد قصص " عذارى الربيع .. آذار ابنة الطبيعة البكر، فلورا ربة الربيع والزهور، تانا عذراء الغابة، قربان الربيع وهى أسطورة روسية " . كذلك كتب طاهر الطناحى فى سلسلة مقالاته " حديقة الأدباء " عن " أبو الربيع محمود تيمور " كما عبر عن ذلك . كذلك احتوى عدد قصص الربيع على قصص من ألف ليلة وليلة بريشة عباقرة الفن . ومن الإبداع القصصى الذى نشر فى هذا العدد وكان مضمونه واهتمامه ينصب على الربيع، قصص " الربيع الضائع " لميخائيل نعيمة الذى كان قاسما فى معظم أعداد الهلال بقصصه الرمزية ومقالاته الضافية، و " كنا أربعة " للأستاذ محمود تيمور، " ربيعها الموؤد " للدكتورة بنت الشاطئ، و " رأى الجنة " للدكتور أحمد زكى، و" الشاعر والربيع " وهى تمثيلية من فصل واحد للأستاذ على أحمد باكثير، و" يوم فى حياة امرأة " للأستاذ حلمى مراد، و" الزهرة الجامحة " للكاتب الأمريكى " أ . ب . جلبير "، و" على فراش الموت " للروائى الروسى إيفان تورجنيف .
وفى العام نفسه صدر فى أغسطس 1951 عدد خاص آخر عن القصة بعنوان " أعجب القصص " ويتميز هذا العدد بأنه يأخذ من القصص أغربها وأعجبها . وهو فى ذلك يحتفى بالأساطير وقصص الخيال . ويبدأ العقاد كعادته مقالات هذا العدد الخاص بمقالة بعنوان " أعجب قصة فى رأيى " وهى تتحدث عن قصة القارة المفقودة " أطلنتس " التى غاصت فى حوت الماء . ويقول عنها العقاد " إنها قصة أحسبها عجيبة لأنها تشبه الواقع وتشبه الخيال فى آن واحد " .
كما يتضمن العدد عجائب ألف ليلة وليلة مزينة برسوم كبار المصورين الألمان والإنجليز . وعجائب الدنيا السبع وهى مقالة موجزة عن هذه العجائب وما صاحبها من قصص أسطورية خيالية .
وقد أحتفى هذا العدد المتميز من الهلال بكّم من القصص الذى طغى على مقالات العدد، فنجد قصة " الحلم العجيب " لميخائيل نعيمة، " قلم أحمر " لمحمود تيمور، " السرير الجهنمى " للروائى الإنجليزى " ويلكى كولينز "، " نداء الشاطئ الصخرى " وقد علتها عبارة " قصة واقعية أغرب من الخيال " وهى بقلم " آرثر كويلر كوتس "، و" سارقة الأكفان " للأستاذ حسين القبانى، و" آمنة " للدكتورة بنت الشاطئ، " والموتى لا يكذبون " للقصصى الفرنسى الشهير جى دى موباسان، و" توتة " للسيدة صوفى عبد الله، و" عودة المشتاق " للأستاذ على أحمد باكثير .
ومثل ما صدر فى أغسطس 1951 عدد من الهلال بعنوان " أعجب القصص "، صدر فى أكتوبر 1952 عدد آخر تحت عنوان " أغرب القصص " . وأشتمل هذا العدد ** على مقالة ضافية عن قصة غريبة استحضرها من تاريخ الشعب المصرى وهى تتحدث عن شجاعة عالم مصرى كبيرة أشتهر بالشجاعة النادرة فى زمن كان الجبن فيه سائدا . هذا العالم الجليل هو " الشيخ العدوى " الذى أفتى بعزل الخديوى توفيق . والذى وقف فى ساحة المحكمة وهو الشيخ الهرم الهزيل يتلقى اتهام قاضى محاكمته إسماعيل أيوب باشا بكل شجاعة وهو يقول له : " ألم تجترئ على توقيع منشور تعلن فيه أن الخديو توفيقا مستحق للعزل؟
وكأنما عاد الشيخ العدوى إلى عنفوان شبابه حين سمع هذا السؤال . فيصيح بأعلى صوته : أسمع يا باشا .. بغير حاجة إلى مراجعة المنشور لأرى هل وقعته أم لم أوقعه، أعلنك الساعة إنك إذا جئتنى بمنشور فى هذا المعنى وقعته الآن بغير تردد " .
وفى عالم الفن التشكيلى الممتزج بعالم القصص يواصل الدكتور أحمد موسى تقديمه للوحات التى تتحدث عن أغرب القصص وأعجبها فيقدم فى هذا العدد عدة لوحات تمثل هذا النمط من الفن .. فنجده يقدم لوحة للفنان ( أدمون دولاك ) عن بلقيس ملكة سبأ، ولوحة للفنان ( دافيد ) بعنوان " باريس وهيلانة "، ولوحة أخرى للفنان ( أدمون دولاك ) بعنوان " الساحرة كيركه "، ولوحة للفنان ( فرديناند كيللر ) بعنوان " موسى يدخل قصر فرعون "، ولوحة للفنان ( هانس ماكارت ) بعنوان " كيلوباطره فى طريقها لاستقبال أنطونيو " .
كما تضمن العدد أغرب قصص حدثت لأبطالنا الذين استشهدوا فى حرب فلسطين، مثل قصة استشهاد البطل " أحمد عبد العزيز "، واليوزباشى " بيومى على الشافعى "، وصياد الطائرات اليوزباشى " محمد رفعت على "، والصاغ " صبحى إبراهيم فهمى "، والصاغ " محمد جمال خليفة " الذين سطروا بدمائهم أروع وأغرب قصص البطولة على أرض فلسطين العربية .
كما تضمن العدد أيضا قصة غريبة لسيدة ظلت عمياء لمدة إحدى عشرة سنة ثم ابصرت النور وهى تروى المعجزة التى حار الأطباء فى تعليلها . كما قدم العدد باب الحياة قصص متضمنا اغرب القصص الواقعية التى تفوق الخيال فى نسيجها وغرابتها .
وفى هذا العدد نشرت المجلة قصص " اللعبة الخطرة " للقصصى النمسوى " ستيفان زفايج "، و" الشيخ المجذوب " للأستاذ فريد أبو حديد، و" مفاجأة " للكاتب الفرنسى " بيير هامور "، و" الوصية " للدكتورة بنت الشاطئ، و" المرأة المحترقة " للكاتب الفرنسى " كاتول ميدريس "، و" بنت السلطان " للأستاذ محمود تيمور .
ومن الأعداد المتميزة التى أصدرها الهلال لفن القصة القصيرة عدد أغسطس 1954 .
ففى هذا العدد الذى صدر بعنوان "الحياة قصص" يستهل طاهر الطناحى العدد بإفتتاحية لخص فيها مغزى مقولة "الحياة قصص" بقوله: "الحياة الإنسانية منذ نشأة الأرض سلسلة من القصص القصيرة والطويلة، الضاحكة والباكية، والغريبة ذات الخطر والعجيبة ذات العبر، ولقد بدأ حياة آدم وحواء بقصة الشجرة التى أخرجتهما من الجنة وأصيبا بمأساة هابيل وقابيل، بل كان وجودهما قصة البشرية الكبرى.
وما من عصر من العصور إلا كان زاخرا بالقصص، وما من كتاب مقدس إلا جمع ألوانا كثيرة من قصص الحياة، وما من تاريخ إلا كان مجموعة من قصص الأفراد والجماعات، وما من خيالات قصصية أو مؤلفات روائية إلا كانت مستمدة مما يعيش الناس فيه من أحداث وطباع وأخلاق وعادات ومسرات وأحزان"، "ولعل القصة هى أقدم ألوان الأدب، لأنها تصور حياة الناس وأسلوب معيشتهم وتكشف ميولهم، وما يقدسون من مبادئ ويسيرون عليه من عادات".


http://www.amwague.net/amwague/26/derasat.asp (http://www.amwague.net/amwague/26/derasat.asp)



*******

د. أبو شامة المغربي


kalimates@maktoob.com

أبو شامة المغربي
05/06/2006, 04:39 PM
قراءة ببليوجرافية في الأعداد الخاصة
بالقصة بمجلة الهلال
شوقي بدر يوسف
*******
(الجزء الثاني)

كما يقدم حبيب جاماتى الذى اشتهر فى هذا الوقت بقصصه التاريخية وبتاريخ ما أهمله التاريخ مقالة بعنوان "5 نساء فى حياة ديستويفسكي" يبين فيها كيف أن هذا الكاتب العظيم الذى يعتبر زعيم كتاب القصة الروسية خلال القرن الثامن عشر قد عاشر خمس نساء، ولكنه لم يعرف السعادة إلا فى أواخر أيامه، كما قدم العدد استفتاء لكبار كتاب القصة عن أحب قصصهم إلى أنفسهم.
فقال عزيز أباظة هي "قيس ولبنى"، وقال محمود تيمور إن أحب قصصه هي التي ينأى عنها الناس ويعرضون عنها لأنها تثير شفقته وعطفه، ويقول الأستاذ بديع خيرى إن قصة الوفاء هي أجمل القصص التي أعشقها، ويقول الأستاذ صالح جودت إن خير قصة في حياته هي التي لم يكتبها بعد، ويقول الأستاذ يوسف جوهر إن أحب قصصه هي أولى قصصه "المعلم لوقا كمساري الترام"، ويقول الأستاذ يوسف السباعى إن أحب قصصه إليه هي "أم رتيبة" لأنها أضحكته وهو يكتبها.
وفي هذا العدد نشرت قصص .. "شهد الشهيد" لميخائيل نعيمة، "حليمة" لبنت الشاطئ، "الشيخ حسن" للدكتور محمد حسين هيكل، "الشيطان الأحمر "لوليم نويمان هيو، "زوج وزوجة " للأستاذ أحمد عبد القادر المازنى، "رجع إلى قواعده" لمحمود تيمور، "الشيخ المنبوذ "لبرتراند راسل، "الأبكم البليغ" للكاتب الأمريكى ستيفن كيلين، "مشروع صلح" للسيدة أمينة السعيد، "الذئبة" للسيدة وداد سكاكينى، "العقد المزيف" للأديب الفرنسي جي دي موباسان، "الشجرة القاتلة " للروائية الأمريكية ميريام آلين ديفورد، "بيت الأحزان" للسيدة صوفى عبد الله، "جريزلدا الصابرة" للكاتب الإيطالى بترارك.
وفى سلسلة أعداد القصة التى تصدرها دار الهلال صدر عدد سبتمبر 1955 بعنوان "بدائع القصص" والذى يقدم له طاهرالطناحى بقوله: "في هذا العدد الخاص بالقصص تروى قصص من الحياة العربية، فطالما اتهم الأدب العربي واللغة العربية بالقصور في فن القصص على الرغم مما مر بالغرب من أدوار اجتماعية وسياسية وقعت فيها من الأحداث ما دونه قصاصوهم فى أعجب القصص، وحسبك ما ورد في ألف ليلة وليلة ما ينسب إلى الشخصيات العربية وما جمعه الجهشياري، وابن العطار، والجاحظ، وصاحب الأغاني وغيرهم من قصص ممتعة تصور حياة الأمة العربية، وما كانت عليه من عادات وأخلاق وحياة"
كما تصور مقالة الأستاذ عباس محمود العقاد التى تضمنها العدد وهى بعنوان "القصص الديني بين العلم والتاريخ" موقف العلماء من القصص الدينى التى وردت بالكتب الدينية، وكيف أنهم ينكرونها ويشككون فى مجريات أحداثها لأنهم لا يصدقون الأسباب التى وراء هذه القصص التى يقترب كثير منها إلى حد المعجزات.
كما يتضمن العدد أيضا قصة بعنوان "الملك القديس بوذا" نقلت من كتاب بوذا، وقصة أخرى مقتبسة عن أحد القصص الدينية المعروفة التى صورت سينمائيا وهي قصة بعنوان "الأبن الضال"، كما كتب حبيب جاماتى فى سلسلة قصصه التاريخية الشيقة قصة الفتاة "شارلوت كوردين" التي قتلت مارا صاد وخصلت فرنسا من شروره ومباذله.
وقد تضمن العدد علاوة على هذه القصص المتميزة قصصا أخرى مصرية وأجنبية منها " مصرع ستوت " لميخائيل نعيمة، " سر المناسك " للروائى الفرنسى بلزاك، "رجل البيت" للكاتب الأيرلندى المعاصر فرانك أكونور، "وراء السراب" للدكتورة بنت الشاطئ، "ونطق القدر" للسيدة صوفي عبد الله، "الرهان العجيب" لأنطون تشيكوف، "الشعاع الغارب" للأستاذ حسين القبانى، "القلب الجريح" لأحمد عبد القادر المازنى، "المذنبة" للكاتب الأمريكى "جون هنرى".
وفي سبتمبر 1956 صدر عدد جديد من أعداد الهلال بعنوان "أروع القصص"، وكعهد دار الهلال دائما بأعداد القصة الخاصة، فقد صدر هذا العدد وهو يحوى مقالة ضافية للأستاذ العقاد التى تتصدر مثل هذه الأعداد.
وكانت المقالة فى هذا العدد عن "قصص القرآن دروس وعبر"، يقول العقاد فى هذه المقالة: "إذا روجعت قصص القرآن الكريم مراجعة دقيقة تبين للناظر في مضامينها أن عبرتها الأولى دروس ينتفع بها الهداة ودعاة الإصلاح، إذ كان من فرائض الإسلام الإجتماعية أن يندب من الأمة طائفة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر". كما برزت من قصص الأنبياء قصتان مسهبتان فى أجزاء الكتاب لأنهما ترويان نبأ الرسالة بين أعرق أمم الحضارة الإسلامية، وهي أمة وادي النهرين وأمة وادى النيل، وكانت قصة إبراهيم وموسى عليهما السلام من أجل ذلك أوفى القصص بين جميع قصص الأنبياء.
وإن في القرآن الكريم لقصصا شتى من غير قصص الدعوة أو قصص الجهاد في تبليغ الرسالة، ولكنها تراد كذلك لعبرتها ولا تراد لأخبارها التاريخية، ومنها قصة يوسف، ويصح أن تحسب منها قصة إسماعيل عليهما السلام".
كما تضمن العدد قصصا التقط كتّابها أحداثها من التاريخ كقصة "ريحانة الفارسة العربية" للأستاذ حبيب جاماتى، وهى تحكى بطولة فارسة عربية حاربت فى صفوف قانصوه الغورى ضد السلطان سليم الأول عند فتحه مصر والشام.
وقصة "مولاي الضحوك" للقائمقام عباس حافظ وهي تحكي قصة سعيد باشا وعلاقة ديلسبس به، وقصة "ثمن الوطنية" للأستاذ محمد أمين حسونة، وهي تحكي قصة الخيانة التي تعرضت لها مصر من جواسيس بريطانيا أثناء محاولتها دخول مصر عام 1882. وقصة مقتل المستشرق الأنجليزى بالمر فى صحراء سيناء. وقصة أبن الفلاح الذى أصبح وزيرا للمعارف وهو "علي باشا مبارك" الذى كتبها محمد فريد أبو حديد.
ومن قصص هذا العدد أيضا "السر الرهيب" للروائي الأمريكي إرنست هيمنجواى، "أم الأحرار" للكاتب المجرى يوكاي، و"الشبح" للروائي ريتشارد هيوز، و"الذكرى الأولى" للأستاذ أحمد عبد القادر المازنى، و"حواء" للدكتورة بنت الشاطئ، و"المجرم" للأديب فرانسوا كوبيه، و" العذراء والسكير" للكاتب الأنجليزى سومرست موم، و"الزوج الغامض" للكاتبة الأمريكية أجاثا كريستى.


وفيى أغسطس 1960 أصدر الهلال عددا جديدا بعنوان "أحسن القصص" حوى هذا العدد دراسة هامة عن القصة للأستاذ طاهر الطناحى بعنوان "القصة فى أدبنا القومي" تعرض فيها الكاتب لأقدم القصص الإنسانية بدءا من قصة خلق آدم وعصيان إبليس، ومرورا بقصص الجماعات البدائية ثم العثور على وثيقة أدبية فى عهد الملك مينا وهى دراما شعرية تؤكد ريادة الفراعنة لفن القصة، ثم قصة " الغريق " الذى تحطمت سفينته بالقرب من سيناء، ثم قصة الفلاح الفصيح وساكن الحقل، ثم قصص الدولة الحديثة " قصة الأخوين "، و" يوسف وزليخا "، وأيضا الملاحم الشعبية التى تشبه الإلياذة عند اليونان، والشاهناماه عند الفرس، والملاحم القومية فى مصر مثل "أنشودة الإله الوزير"، و"أنشودة الإله آمون"، ثم قصص ديوان العرب وأساطير الأمم الذى أقبل عليها استماعا ورواية العرب فى شتى بقاع الدولة الإسلامية ثم حرفة القصصيين فى المقاهى المعروفين بالشعراء، يقصون قصص عنترة وسيف بن ذى يزن، والزير سالم، وأبى زيد الهلالى، وغيرهم من القصص الشعبية . ثم التطور الذى لحق بالقصة من خلال أسلوب المقامة ثم ظهور القصة الفنية إلى أن تطورت إلى الأشكال الحديثة للقصة.
كما حوى العدد وقائع ندوة الهلال والذى جاء تحت عنوان "فلنتحدث عن القصة"، وقد أشترك فى هذه الندوة كل من الأساتذة محمود تيمور، ويحيى حقى، وزكى طليمات . وقد مثل الهلال فى هذه الندوة الأستاذ أحمد أبو كف المحرر بالمجلة . ودار الحوار حول بعض التسؤلات عن مكانة وصدارة القصة فى عالم الأدب، وكانت الأسئلة التي طرحت فى هذه الندوة:
- ما هى عناصر القصة الفنية كما تراها فى العصر الحديث؟
- هل عندنا اليوم قصة تتوافر لها أصول القصة العصرية عند الغربيين؟
- مدى نجاح القصة المسرحية. وهل السينما قد أخرت الرواية المسرحية؟
- أيهما أولى بالرعاية المسرحية النثرية أم المسرحية الشعرية؟
كماحوى العدد مقالة للأستاذ حبيب جاماتى بعنوان " ديستويفسكى .. "، ومقالة للأستاذ محمد شوقى أمين بعنوان "بين الجاحظ وتوفيق الحكيم"، وقد تميز هذا العدد بغلبة القصص الغربية المترجمة كقصة " الأم " لسومرست موم، و" برهان الحب " لفولتير، و" لقاء " للكاتب الروسى تورجنيف، و" المختال البارع " لجون درو، و" الذئب " للروائى الفرنسى جى دى موباسان، و" اللحظة الرهيبة " لأنطون تشيكوف، و" الأبن البكر " للكاتب ماريون فالنس، و " الضمير الصحفى " لأندريه موروا، و" فتاة أحلامى " للكاتب المسرحى بول جيرالدى، و " الوصية المخبوءة " للكاتبة البوليسية أجاثا كريستى، و" الفجر " للكاتب الفرنسى أناتول فرانس . أما القصة العربية الوحيدة فى هذا العدد فقد كانت قصة " انتقام شاعر " للأستاذ محمد رجب البيومى .
وفى أبريل 1961 صدر عن الهلال عدد قصصى جديد استهل افتتاحيته الأستاذ طاهر الطناحى بمقالة جديدة عن القصة جاءت تحت عنوان " حواء بين الفن والأساطير " يقول فيها : " لم تخلق القصة فى هذا الوجود قبل أن يخلق الله حواء .. وما كادت حواء تنعم بالحياة ونعيم الجنة مع زوجها والدنا الكبير السيد آدم، حتى وجدت القصة، ووجدنا لها أشخاصا من البشر ومن الشياطين ومن الحيوان أيضا، فكانت هى بطلتها الأولى، وكان الشيطان بطلها الثانى، وكانت الحية وكان آدم بطلها الأخير، ولم يكن بطلا إلا بفضل السيدة حواء التى وجدها بجواره أنسا بعد وحشة، وأملا بعد يأس، وسرورا بعد كآبة، وحبا بعد حرمان " .
وقد غلب على قصص هذا العدد أيضا أنها من القصص الغربى المترجمة، كقصة " بائعة البنفسج " للروائى هنرى بوردو، و" أشباح الغيرة " للروائى بول بورجيه، و" سر الفتاة " لفرنسوا كوبيه، أما القصص العربية فكانت قصص " إيزابيلا الحسناء " للأستاذ محمد فريد أبو حديد، و" قلب الأم " للسيدة صوفى عبد الله، و" بعد عشر سنوات " للأستاذ إبراهيم المصرى . كما احتوى العدد على مقالة بعنوان " إدجار آلن بو بين 4 نساء "، كما أحتوى أيضا على قصتين للروائى الفرنسى جى دى موباسان هما " ذات السر الغامض "، و" المجنونة " . كما أحتوى على مقالة للأستاذ محرم كمال وكيل مصلحة الآثار عن " الخائنة فى القصص المصرى القديم " .
وفى ديسمبر من العام نفسه عام 1961 أصدر الهلال عددا خاصا عن القصص بعنوان " المغامرات " غلبت عليه سمة قصص المغامرات والحكايات البوليسية، وقد استهله الكاتب الكبير عباس محمود العقاد بمقالة بعنوان " القصة بين المؤلف القصصى وشخوص أبطاله "، يقول العقاد : " من مسائل النقد المتجددة مسألة العلاقة بين شخص المؤلف القصصى والشخوص التى يخلقها فى قصصه . هل من شروط التأليف الحسن أن يودع المؤلف الشخوص أفكاره، ويخلع عليها صوره، ويمزج بها حوادث حياته؟ وهل يعجبنا المؤلف لأننا نستشف أخباره وآراءه ومواقع هواه مما يقوله على ألسنة أبطاله وبطلاته . وما يمثله فى طبائعهم وعاداتهم وحوادث معيشتهم وعقائدهم التى يدينون بها أو مقاصدهم التى يدعون إليها؟ أو هو يعجنا إذا كان على نقيض ذلك ينعزل عنها ويعطيها حقوقها من الأستقلال عن شخصه والإنفراد بوجودها عن وجوده وبالعلاقات التى بينها وبين سائر الأبطال والبطلات عن علاقاته بمن حوله؟ " .
كما يعرض الهلال فى هذا العدد لآراء ثلاثة من رجال الأدب والقصة عن " قصة أجنبية أعجبتنى " وقد أجاب على هذا السؤال كل من الأساتذة عزيز أباظة وفريد أبو حديد والدكتور رشاد رشدى . قال الشاعر عزيز أباظة إن أحب مسرحية أجنبية إليه هى مسرحية " بوليوكت " لكورنّى، وهى التى استمد منها مسرحيته " قافلة النور "، ويقول الأستاذ فريد أبو حديد إن أروع القصص الأجنبية التى كان لها تأثير كبير عليه هى رواية " دافيد كوبرفيلد " لشارلز ديكنز . ويقول الدكتور رشاد رشدى إن إعجابه الأدب الأجنبى كبير خاصة مؤلفات الكاتب الأنجليزى د . ه . لورانس، وفرجينيا وولف، والروائى الفرنسى جوستاف فلوبير، والكاتب الروسى تشيكوف والأمريكى إرنست هيمنجواى وغيرهم كثيرون " .
كما عرض الهلال أيضا فى هذا العدد آراء ثلاثة من رجال الأدب فى القصة التى يريدون مشاهدتها على المسرح، وهم الأساتذة عبد الرحمن صدقى ومحمود تيمور ونبيل الألفى . يقول عبد الرحمن صدقى إن المسرحية التى يتوق إلى رؤيتها على خشبة المسرح هى " فاوست " لجوته . أما الأستاذ محمود تيمور فهو يتمنى أن يرى قصته " شمروخ " على خشبة المسرح، أما الأستاذ نبيل الألفى فهو يفضل كثيرا من المسرحيات الكلاسيكية والمعاصرة وعلى الأخص أعمال ألبير كامى ليشاهدها تمثل على خشبة المسرح .
وقد تضمن هذا العدد من الهلال عددا كبيرا من قصص المغامرات والمخاطر منها " الأبنة الضالة " للكاتب الروسى " بوشكين "، و" المبارزة " لإسكندر ديماس الكبير "، و" الجريمة البيضاء " لفرانسوا كوبيه، و" الغرام القاتل " لجى دى موباسان، و" المنبوذ " لشاعر الهند الأكبر رابندرانانت تاجور، و" مصاصة الدماء " لدافيد هربرت لورانس، و " فترة أختبار" للكاتب الأنجليزى نوبل كوراد، و" الإيطالى المغامر " للكاتبة الأمريكية أجاثا كريستى .
ولعل العدد الصادر فى مايو عام 1972 من مجلة الهلال يعتبر من أهم الأعداد الخاصة التى أصدرتها دار الهلال عن فن القصة . وقد جاء تحت عنوان " رواد القصة الأوائل " . وقد تعرض العدد للرواد الأوائل لفن القصة والرواية فى مصر والشرق . كما حوى على عدد من الدراسات فى مجال ريادة فن القصة التى تعتبر مرجعا مهما للباحثين والمتخصصين حول خصوصية هذه الريادة .
وقد بدأ العدد بدراسة عن جرجى زيدان مؤسس دارالهلال وصاحب الروايات التاريخية الأدبية الشهيرة، كتب هذه الدراسة الأستاذ محمد حسن أظهر فيها طموح جرجى زيدان وإيمانه العميق برسالته التى اضطلع بها فى مطلع حياته الصحفية والأدبية. كما كتب على أدهم دراسة قيمة عن محمد المويلحى منشئ عيسى بن هشام الذى تاثر فى هذا العمل الفذ بأسلوب المقامات، كما تأثر أيضا مما أطلع عليه من أدب الغرب خاصة الأدب الروائى وبرواية " علم الدين " لعلى مبارك وكتاب " أميل " لجان جاك روسو.
كما كتب الدكتور سيد نوفل مقالا عن صاحب " زينب " الدكتور هيكل كأحد رواد فن الرواية، وقد تعرض فى هذا المقال لقصة بطل القصة وللبعد الأساسى والإجتماعى للقصة والرواية بين الواقع والخيال، والأسلوب، والكاتب، ولهيكل أو حامد أو المصرى الفلاح كما سمى نفسه فى أولى طبعات القصة. كما كتب الأستاذ أنور أحمد مقالا عن رائد القصة " محمد تيمور " كظاهرة فريدة فى زمانه بما تهيأ له من مواهب شعرية وقصصية ومسرحية رائدة. كما تعرض الدكتور عبد العزيز الدسوقى فى هذا العدد المتميز من أعداد القصة لحركة الإقتباس والترجمة فى القصة الحديثة .. بداية من الطهطاوى ووقائع تليماك، ورواد هذا الفن مثل محمد عثمان جلال والتيارات التى صاحبت حركة الترجمة والتمصير لفن القصة، وتطور حركة الترجمة الذى كان سببا فى انتقال كثير من الأعمال العالمية إلى الساحة الأدبية العربية .
كما كتب فى هذا العدد الدكتور أحمد هيكل مقالا تحت عنوان " طه حسين مبدع الأيام " ورائد فن الترجمة الذاتية من خلال حياته وكفاحه الذى كان جزءا من تاريخ مصر التعليمى والأدبى. كما كتب الأستاذ فؤاد دواره مقالا بعنوان " توفيق الحكيم روائيا " تعرض فيه لأعمال توفيق الحكيم الروائية التى كانت مؤثرا كبيرا لمبدعى أجيال جاءت من بعده وحذت حذوه وتأثرت بأعماله وكانت بصمات الحكيم الروائية والقصصية على قلتها واضحة المعالم فى الأدب الروائى والقصصى المصرى. كما كتب الأستاذ فتحى الإبيارى مقالة بعنوان " عالم محمود تيمور " زعيم الأقصوصة الأكبر وشيخ كتّاب القصة القصيرة فى مصر بلا منازع. وكتب الأستاذ عبد الرحمن صدقى عن رواية " سارة " رواية العقاد الوحيدة، مولدها، وقضاياها، ومكانها من فن القصة. وكتب يوسف الشارونى عن يحيى حقى فنان الصورة القصصية. وكتب نصر الدين عبد اللطيف عن المازنى ساخرا وصاحب الإبتسامة الحلوة على وجه القصة المصرية الحديثة وصاحب إبراهيم الكاتب وإبراهيم الثانى وصندوق الدنيا وغيرها من الأعمال القصصية الرائعة. كما تضمن هذا العدد المتميز عن رواد القصة، قصتين هما " حديث فى الظلام " لغبريال وهبة، و" الحقيقة الصغرى " للأديب السورى عدنان الداعوق .
وفى أغسطس 1975 صدر عدد جديد من أعداد الهلال متضمنا جزءا خاصا عن أجمل قصص الحب. يحتوى هذا الجزء على مجموعة من المقالات القيمة التى تبحث فى أجمل وأروع قصص الحب التى ظهرت فى الأدب العربى والأجنبى. فكتب الدكتور أحمد الشرباصى عن " قصص الحب فى القرآن "، وكتب الدكتور سيد نوفل عن " أجمل قصص الحب فى الأدب العربى القديم "، وكتب الأستاذ محمد عبد الغنى حسن عن " أجمل قصص الحب فى الأدب العربى الحديث "، وكتب الدكتور سيد كريم عن " أجمل قصص الحب فى الأدب الفرعونى "، وكتب الدكتور محمد أبو الأنوار عن " أجمل قصص الحب فى الأدب الأندلسى "، وكتب الدكتور أمين العيوطى عن " أجمل قصص الحب فى الأدب الإنجليزى "، وكتبت الدكتورة سامية أحمد الأسعد عن " أجمل قصص الحب فى الأدب الفرنسى "، وكتب الدكتور مصطفى ماهر عن " أجمل قصص الحب فى الأدب الألمانى ". فكانت هذه الباقة من قصص الحب التى ظهرت فى هذا العدد المتميز من مجلة الهلال إضافة جديدة لسلسلة الأعداد الخاصة التى صدرت عن القصة المضمون والصيغة منذ وقت طويل .



http://www.amwague.net/amwague/26/derasat.asp (http://www.amwague.net/amwague/26/derasat.asp)


*******
د. أبو شامة المغربي
kalimates@maktoob.com

أبو شامة المغربي
05/06/2006, 04:45 PM
قراءة ببليوجرافية في الأعداد الخاصة
بالقصة بمجلة الهلال
شوقي بدر يوسف
*******
(الجزء الثالث)
ومن الأعداد المهمة أيضا التي أصدرها الهلال في أدب القصة الأعداد التي صدرت في أغسطس 1969، أغسطس 1970، مارس 1977 وهي أعداد وثائقية حوت كل ما يتصل بالقصة تقريبا من كافة الوجوه قضاياها ودراسات بحثية عن حالتها الراهنة.
ومن عدد أغسطس 1969 نقتطف من إفتتاحية رئيس التحرير الأستاذ رجاء النقاش جزءا منها التي تعد مرآة صادقة للقصة القصيرة في هذه المرحلة: "وهذا العدد الذي يصدر اليوم عن الهلال خاصا بالقصة القصيرة هو تحية لهذا الفن القديم العريق المحبوب ومحاولة من ناحية أخرى لتقديم الجديد فى فن القصة عندنا، هذا الجديد الذى يولد اليوم على يد بعض فنانينا الشبان الموهوبين، الذين يشاركون فى هذا العدد .. وقد حرصت "الهلال" على أن تقدم أسماء جديدة تنشر لأول مرة مثل : محمد مستجاب، وبعضهم ينشر للمرة الأولى فى مجلة ثقافية مثل حسنى عبد الفضيل وجمال عبد المقصود، كما حرصت أيضا على أن يتضمن العدد بعض قصص كبار الكتّاب المعروفين الذين ارتبطوا بالقارئ من قل على نطاق واسع فى مجموعات قصصية عديدة مثل محمد عبد الحليم عبد الله، ومحمود البدوى، ومحمد أبو المعاطى أبو النجا وهو شاب جديد فى ذلك الوقت، ولكنه قديم فى عمره الأدبى، حيث إنه يكتب القصة القصيرة منذ أكثر من خمسة عشر عاما .. كما حرصنا على تقديم نموذجين من ألمع النماذج لكتاب القصة العربية وهما زكريا تامر من سوريا والطيب صالح من السودان . وقدمنا كذلك النص الكامل لقصة عالمية كتبها رائد من رواد هذا الفن فى أدب العالم وهو د . ه . لورانس، وقد اخترنا لورانس بالذات لأنه رغم مكانته العالمية وتأثيرة الكبير فى فن القصة لم يحظ بإهتمام كاف من حياتنا الأدبية سواء فى مجال الترجمة أو القراءة أو الدراسة.
وأخيرا حرصنا على تقديم بعض الدراسات عن القصة العربية بالإضافة إلى دراسة عن شباب هيمنجواي، كما ضم العدد أيضا استفتاء شاملا للأدباء والنقاد عندنا حول الوضع الراهن فى القصة القصيرة " .
وفى عدد أغسطس 1970 كتبت الدكتورة سهير القلماوى دراسة عن مستقبل القصة القصيرة فى المرحلة المقبلة، وهى تعتبر من أهم الدراسات التى ظهرت خلال تلك الفترة عن هذا الفن. تناولت فيه الكاتبة أثر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة على الفن القصصى، وأثر الصحافة على هذا الفن شكلا ومضمونا : " وتقف القصة القصيرة وحدها حائرة المصير، الشعر يتأقلم وصوت الشاعر حبيب حتى ولو خيب ظن القارئين المعجبين بشعره أن يعتادوه ليحبوه. والقصيدة بطبيعتها قصيرة يمكن أن تتعدد حتى فى اللقاء الواحد. أما الرواية فترفض أن تتأقلم نهائيا على المذياع. والتمثيلية لها تاريخ آخر وإمكانات أخرى ولكنها تفرض نفسها فرضا على الإذاعة، ومهما اختلفت عن تمثيلية المسرح فهى آخر الأمر تمثيلية لها فنية المسرح المعروفة، والخطبة لها كل المكانة فى الإذاعة وسائر أنواع الفن القولى إلا القصة القصيرة فهى وليدة الصحافة وأحدث الأشكال الأدبية فإنها تقف وحدها مارة بتاريخ يجعلها فى حالة مخاض لا يدرى أحد ماذا ستلد؟ هل ستكون هناك قصة قصيرة مقروءة غير المسموعة مختلفة كل الإختلاف؟ هل توجد المسموعة والمقروءة باختلاف محدود مثلما نجد فى التمثيلية؟ هل تندمج نهائيا فى التمثيلية الإذاعية فلا يعود لها كيان مستقل يلغى فيها الحوار حوارا ويكيف السرد فيصبح حوارا أيضا صرفا أو إلى حد؟ .
هذا هو موقف القصة القصيرة حائر بين صورة جديدة لا يدرى كيف ستتبلور فى الإذاعة بينما القصة القصيرة المقروءة تشق طريقا بسرعة وتحد عجيبين فى عالم الكتابة وكأنما هى تقول لم أعد فنا جماهيريا إذن لأصبح أكثر فنون الكتابة تعاليا وتعقيدا وعمقا. لا شك أن هناك عوامل كثيرة جانبية ستدخل فى أتون التفاعلات التى سينتج عنها الشكل النهائى أو المرحلى الأخير للقصة القصيرة. عوامل الارتقاء بالجماهير العريضة كما ارتقت الصحافة بهم على مدى أكثر من قرنين ونصف قرن. كذلك عوامل انتشار اللغات الأجنبية مما سيوسع أكثر وأكثر دائرة المستمعين من نوعية أفضل، ثم إلتقاء الحضارات على مسرح التقاء اللغات فى آذان المستمعين " .
فى الأعداد الثلاثة الخاصة من الهلال نستطيع أن نشعر بالتطور الحقيقى للقصة القصيرة عما ظهرت به خلال مراحل مخاضها منذ أعداد الأربعينات والخمسينات. فقد اختفت أسماء كانت تكتب القصة القصيرة على صفحات الهلال بصفة مستديمة مثل أحمد عبد القادر المازنى، حبيب جاماتى، صوفى عبد الله، د . أمير بقطر، الدكتور أحمد زكى الذى رأس تحرير مجلة العربى الكويتية بعد أن ترك " الهلال " فى أواخر عام 1958، بنت الشاطئ، ميخائيل نعيمة، حسين القبانى، فريد أبو حديد، على أحمد باكثير وغيرهم. وظهرت بدلا منها أسماء شابة فى عالم القصة بدأ الهلال يفتح لهم الأبواب والنوافذ ليطلوا منها بإبداعاتهم إلى القراء مثل " جمال الغيطانى، محمد حافظ رجب، يوسف القعيد، محمد مستجاب، عبد الحكيم قاسم، غالب هلسا، بهاء طاهر، يحيى الطاهر عبدالله، ضياء الشرقاوى، مجيد طوبيا، إبراهيم أصلان، أحمد هاشم الشريف، محمد البساطى، خيرى شلبى وغيرهم . وكان لكل من هؤلاء الكتّاب مذاقه الخاص وعالمه الإبداعى المتميز وخصوصيته فى الكتابة لذا فقد تنوعت القصة القصيرة على صفحات الهلال وبدأ عهد جديد فى الكتابة القصصية أثرت الساحة والمجال بهذا الفن الماكر المراوغ الواسع الإنتشار .
كما كانت الدراسات والمقالات التى حوتها الإعداد الثلاثة الخاصة الأخيرة من " الهلال " عن القصة القصيرة هى المحك الرئيسى لتطور هذا الفن نقديا ومتابعة وإبداعا. فنجد عبد الرحمن أبو عوف يكتب عن " البحث عن طريق جديد للقصة القصيرة "، ويكتب محمد بركات " القصة القصيرة بين جيلين "، ويكتب الدكتور على الراعى عن تاريخ القصة القصيرة والمقامة بعنوان " قصة حديثة فى عمل قديم "، ويكتب جمال النجمى " الجاحظ يكتب قصة حديثة "، ويكتب كل من سليمان فياض، وجمال الغيطانى عن " تجربتهم فى الإبداع القصصى "، ويكتب فؤاد دوّاره عن " ندوة فى موسكو عن القصة القصيرة "، ويكتب د . سيد نوفل عن " الدكتور هيكل فى تاريخ القصة العربية "، ويكتب الدكتور أحمد الشرباصى عن " القصة فى القرآن الكريم هل هى قصة خيالية أو قصة واقعية "، ويكتب الدكتور الطاهر مكى عن " الرواية الجديدة فى فرنسا "، وتتوالى الدراسات والمتابعات والمقالات عن فن القصة لتحيل أعداد الهلال الخاصة بهذا الفن وكأنها عيد أو كرنفال للقصة القصيرة المعاصرة .
كما يتضمن عدد مارس 1977 قصة بقلم الناقد المرحوم أنور المعداوى بعنوان " الشقاء المقدس " وهو جانب إبداعى خفى عند المعداوى لم يظهر إلا على صفحات الهلال، وهذه القصة تحكى عن " مدام ريكامييه " التى كان جمالها وحيا لأمير النثر الفرنسى " شاتوبريان " وأمير الشعراء الفرنسى " لامارتين "، وسيد كتاب الذاتية " بنجامان كونستان ". كما وقف جمالها صامدا لم يخضع لنابليون وهو قاهم الأمم. فلقيت وزوجها أعنت ألوان الإضطهاد والتشريد وعانت قصة وفاء لزوجها الذى كان يكبرها بخمسة وعشرين عاما فكان شقاؤها وجمالها وحيا لأعمال فنية وأدبية كثيرة .
وفى آخر أعداد القصة الذى صدر فى مارس 1977 نجد بجانب الأسماء التى تربعت على عرش القصة القصيرة فى مصر أسماء أخرى ظهرت ووضحت بصماتها ووجدت على الساحة مبدعة ومؤصلة لهذا الفن. نجد شمس الدين موسى وأحمد الشيخ وزينب صادق ومحمد سالم وعبد الوهاب الأسوانى وعلية سيف النصر وفاروق منيب وإبراهيم عبد المجيد وغيرهم . وكما قال الأستاذ رجاء النقاش فى عدد أغسطس 1970 لقد انهالت على الهلال ما يزيد على مائة قصة جميعها فى مستوى طيب ولكن الإختيار الصعب حال دون ظهور جميع هذه القصص فى أعداد الهلال القصصية .
وفى وسط هذا الزخم الكبير للإبداع القصصى. ووسط حركة أدبية نشطة كان محورها عدد كبير من الدوريات الثقافية والأدبية وعلى رأسها المجلة العريقة " الهلال " قفز إلى ساحة الأدب فى مرحلة الستينيات وما بعدها، سؤال ظل يتردد على الشفاه يتحدث عن أزمة المسرح وأزمة الشعر وأزمة الرواية وأزمة النقد وغيره ذلك من الأزمات التى طالت كل أنواع الإبداع. وفى مجال القصة طرح ( الهلال ) السؤال على عدد من كبار كتّاب القصة والنقاد " هل هناك أزمة فى القصة القصيرة؟ " . فقال توفيق الحكيم : عندى أن الأزمة الحقيقية ليست هى أزمة القصة ولكنها أزمة الفنان ..، وعلى الفنان أن يتجاوز ما يعترضه من مضايقات عصره ليفرغ لأزمته. وأجاب نجيب محفوظ على هذا السؤال بقوله : ماذا يمكن أن يفهم من معنى كلمة أزمة القصة القصيرة؟ هناك فى ظنى ثلاثة مستويات أو إحتمالات لهذا المعنى. الأول : أن تكون أزمة مباشرة تصيب القصة نفسها كأن ينصرف عنها الكتّاب أو القراء إلى أشكال تعبيرية أخرى. الثانى : أن تنشأ أزمة فى التعبير لعدم وضوح الرؤية لإعتبارات خاصة تتصل بالقصة. الثالث : أن تكون الأزمة فيما يتعلق بالقصة وما يحيط بها من ظروف، كأن يكون هناك أزمة نشر أو أزمة نقد أو أزمة عدد .. الخ، وأجاب إحسان عبد القدوس بقوله : أنا لا أوافق على أن هناك ما يمكن أن يسمى بأزمة القصة القصيرة .. ولكننا قبل هذا وحتى نصل معا إلى الحقيقة يجب أن نسأل : ماذا نقصد بالأزمة؟ هل هى أزمة كمّ تتصل بالنشر والتوزيع أو أزمة كيف تتصل بالإنتاج القصصى؟ وأعتقد أن الأزمة الواقعية هى أزمة انتشار القصة القصيرة ومدى هذا الإنتشار عند القارئ إذا قيس بمدى انتشار الرواية الطويلة. وأجاب يوسف السباعى بقوله : ليس هناك ما يسمى بأزمة القصة القصيرة ولم يكن هناك أزمة فى نوعها. وأجاب الدكتور يوسف إدريس على سؤال الهلال بقوله : أنا لا أعتقد بوجود أزمة فى القصة القصيرة بشكل خاص. ولكننى أوافق على وجود أزمة فى التعبير بشكل عام .. أى أن هناك أزمة قائمة بين الأدب كمعّبر عن مجتمعه فى ظرفنا الراهن وبين قدرة هذا المجتمع على استيعاب هذا التعبير. وأجاب يوسف الشارونى بقوله : لقد انحسرت أزمة بداية الستينيات .. وتحقق القصة اليوم ثورة على الواقعية وإن أزمة القصة تتحدد فى مستويات انتشارها على المستويات العالمية والعربية والمحلية. وأجاب الدكتور رشاد رشدى على هذا السؤال بقوله : لا بد أن نعترف أن القصة القصيرة فى بلادنا تمر منذ سنوات بأزمة حادة، وجوهر هذه الأزمة وسببها الأول هو إمكانيات النشر المحدودة أمام الشبان فى الصحف والمجلات. وفى جميع بلدان العالم المتمدين لا تعرف القصة لها طريقا غير الصحيفة أو المجلة الأسبوعية أو المجلة المتخصصة. ويقول بدر الديب عن أزمة القصة : إن اختلال المعايير يجعل القصة والأدب فى حالة أزمة وازدهار معا. فعلى مستوى النشر يمكن القول بأن الإحساس بوجود أزمة يعنى فى الحقيقة وجود كثرة فى التأليف. وعلى مستوى التأليف فإن القصاصين حقيقة فى حاجة إلى درجة من النقد المتخصص الذى أعتقد أنه لا يمكن أن ينشأ على مستوى جيد إلا من داخل القصاصين أنفسهم لأن نقاد كل حركة جديدة ينشأون من داخلها. وعلى الفنانين قدر كبير من مسئولية التنظير .
وهكذا كان " الهلال " مفجرا للعديد من القضايا التنظيرية والفكرية نحو فن القصة القصيرة فى أعداده التى كان يصدرها لهذا الغرض .
وقد أصدر " الهلال " أعدادا كثيرة بخلاف الأعداد الخاصة بالقصة فى شتى المجالات والقضايا الفكرية والأدبية والثقافية فى مناسبات عديدة " العدد الذى صدر بمناسبة مرور 75 عاما على إنشاء الهلال. العددين التذكاريين اللذين صدرا فى أكتوبر 1975، وأكتوبر 1976 فى مناسبة نصر أكتوبر المجيد ". كذلك اختص " الهلال " خمسة كبار الأدباء المعاصرين بأعداد خاصة هم " طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم وأحمد شوقى ونجيب محفوظ ". وقد أبرزت هذه الأعداد الجوانب المضيئة فى حياة هؤلاء الأعلام من وجهة النظر النقدية والتنظيرية والتأريخية . ففى عدد الدكتور طه حسين الذى صدر فى فبراير 1966 كتب عبد الرحمن صدقى عن " عميد الأدب العربى ومعجزة الأيام "، وفى عدد العقاد الذى صدر فى أبريل 1967، كتبت الدكتورة سهير القلماوى عن " سارة أو عبقرية الشك "، وفى عدد توفيق الحكيم الذى صدر فى فبراير 1968، كتبت الدكتورة لطيفة الزيات عن " قصص الحكيم " . أما العدد الخاص الذى صدر فى فبراير 1970 عن نجيب محفوظ فقد كان حافلا بفن القصة والرواية عند هذا العلم الكبير، وقد شارك فيه عدد كبير من الدارسين والباحثين المتخصصين والنقاد تناولوا عالم نجيب محفوظ من كافة جوانبه الشخصية والإبداعية . كما نشر فى هذا العدد قصة جديدة لنجيب محفوظ لم تنشر من قبل وهى قصة " روح طبيب القلوب "، ولا يسعنا فى هذا المقام إلا أن نقتطف هذا الجزء من إفتتاحية رئيس التحرير الأستاذ رجاء النقاش الذى استهل هذا العدد بمقالة تعتبر من المقالات الوثائقية عن أديبنا الكبير نجيب محفوظ، حيث أجاب رجاء النقاش عن سر إختيار " الهلال " لنجيب محفوظ ليكون خامس العمالقة الذين صدرت لهم أعداد خاصة، يقول رجاء النقاش : " قدمت الهلال فى السنوات الأخيرة أربعة أعداد خاصة عن أربع شخصيات تعتبر كل منها ركنا أساسيا فى الحركة الأدبية والفكرية العربية المعاصرة . وهذه الشخصيات هى : طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم وأحمد شوقى .. واليوم تقدم الهلال هذا العدد الخاص عن نجيب محفوظ . فلماذا نجيب بالذات ؟ يبدو لى أنك يا عزيزى القارئ لن تسأل هذا السؤال، فنجيب محفوظ نال تقدير القراء قبل أن ينال تقدير النقاد وقبل أن ينال تقدير الصحافة . إن أول من اكتشف نجيب محفوظ هم قراؤه الذين أحبوه وتعلقوا بما فيه من صدق وعمق وأصالة فنية عالية . وهم الذين وضعوه إلى جانب طه حسين والعقاد والحكيم فى الصف الأول من رواد أدبنا وأعلامه . إن نجيب محفوظ أصبح " بديهية أدبية " لا مجال للإختلاف عليها أو إنكار دورها البارز فى حياتنا الأدبية المعاصرة . مهما كان هناك من اختلاف فى تقييم هذا الدور " .
وهكذا كان لمجلة " الهلال " دور بارز فى إضاءة الطريق لفن القصة والرواية فى مصر والعالم العربى عن طريق هذه الإعداد الخاصة التى أصبحت تمثل الآن فى تاريخ الأدب القصصى علامة متميزة ووثيقة أدبية خاصة يرجع إليها كل حين .
كما أن المتتبع لهذه الأعداد يجد أن تتابع الأجيال يظهر بوضوح على صفحاتها، وأن فن القصة منذ حداثة عهده فى مصر ظهر أول ما ظهر على صفحات الهلال . بل إن دار الهلال قد أفردت سلسلة خاصة لفن القصة هى سلسلة روايات الهلال، بدأت فيها بالروايات التاريخية لمؤسس الدار جرجى زيدان عام 1949، 1950 ثم تتابعت أعمال كبار الكتّاب العالميين اعتبارا من عام 1951 فظهرت أعمال روجيه رجيس، شكسبير، أميل لودفيج، جون فيرن، أجاثا كريستى، ليو تولستوى، استيفان زفايج، شارلز ديكنز، اسكندر دوماس، إيفان تورجنييف، ديستويفسكى، اميل زولا، جرهام جرين، بلزاك وغيرهم من عمالقة الرواية العالمية . وفى يونيو 1963 على وجه التحديد بدأت دار الهلال فى نشر بعض الأعمال الإبداعية فى هذه السلسلة لكتّاب مصريين، وهى السلسلة التى أصبحت مركزا مهما لإشعاع فنون القصة والرواية فى الشرق والغرب فظهرت رواية " سيف بن ذى يزن " للأستاذ فاروق خورشيد فى جزأين متتابعين، ثم ظهرت " الحرام " ليوسف إدريس، و" الجبل " لفتحى غانم، ومسرحية " سليمان الحلبى " لألفريد فرج، وتدفق إنتاج المبدعين المصريين بجانب الأعمال العالمية، فظهرت أعمال كل صلاح حافظ ومحمود تيمور وفتحى رضوان ومحمد عفيفى ونعمان عاشور وأبو المعاطى أبو النجا وزينب صادق والطيب صالح وثلاثية الكاتب الجزائرى محمد ديب " الدار الكبيرة "، " الحريق "، " النول "، وهكذا تتابعت الأعمال المصرية والعربية والعالمية فى سلسلة روايات الهلال وأثرت الحركة الأدبية بكثير من الإبداعات القصصية والروائية والمسرحية والتى ما زالت تصدر حتى الآن بصفة شهرية منتظمة .
وفى سلسلة " كتاب الهلال " .. اهتمت دار الهلال أيضا بفن القصة حين اهتمت بسير العظماء وتراجمهم بجانب الأعمال الإبداعية والدراسات التى تتناول الفن القصصى بالتحليل والمتابعة والتى صدرت موازية لسلسلة روايات الهلال الإبداعية . فظهرت طبعة جديدة لرواية " زينب " لهيكل فى يناير 1953، و" البؤساء " لفيكتور هوجو، و" زهرة العمر " لتوفيق الحكيم، و" غادة النيل " لأميل لودفيج، و" يوميات نائب فى الأرياف " لتوفيق الحكيم، كما ظهرت مجلدات ألف ليلة وليلة مزينة ومنقحة . كما ظهرت تجربة مهمة فى التأليف المشترك حين صدرت قصة الدكتور طه حسين وتوفيق الحكيم " القصر المسحور " فى سلسلة " كتاب الهلال "، كما ظهرت أيضا روائع شكسبير فى ترجمة حديثة، ورواية " آخر الطريق " لأمينة السعيد . كما ظهرت بعض الأعمال الرائدة فى فنون القصة والرواية مثل " حديث عيسى بن هشام " للمويلحى، و" ليالى سطيح " لحافظ إبراهيم . وظهرت قصص أحمد حسن الزيات صاحب الرسالة فى طبعة جديدة فى كتاب الهلال . كما اهتم كتاب الهلال أيضا بالدراسات الأدبية فى مجال القصة والرواية . فظهرت " الرواية المصرية المعاصرة " ليوسف الشارونى، و" نماذج من الرواية العالمية " لمحمد الحديدى، و" القصة القصيرة نظريا وتطبيقيا " ليوسف الشارونى، و" الرؤية الإبداعية فى أدب يوسف السباعى " للدكتور عبد العزيز شرف ورجاء شعير، و" القصة القرآنية " لفتحى رضوان، و" أعلام الفن القصصى فى الغرب " لهنرى وانالى توماس، وأعمال أخرى كثيرا ظهرت فى نطاق هذه السلسلة المتميزة كانت لها صدى كبير فى نفوس القراء والمتخصصين فى نقد ودراسة فنون القصة والرواية العربية .
كما نجد أن " الهلال " حينما عزم على أن يصدر بعض الأعداد الخاصة التى تتناول موضوعات معينة أو قضايا تشغل المهتمين بالفن والأدب وضع فى خطته ألا يغفل الجانب الإبداعى شعرا كان أم قصة أم نقدا . فأصدر ملحق " الزهور " ابتداء من يناير 1973 واحتل هذا الملحق مركز الصدارة فى سلسلة الدوريات التى تهتم بالإبداع خلال سنوات 1973، 1973، 1975، 1976 وحفلت هذه الفترة بنشاط إبداعى كبير تميز بالحرارة والصدق والعمق فى الأداء والتحرير والعطاء . وكان للقصة نصيب كبير بجانب الشعر والمتابعات النقدية، حتى إن ملحق الزهور قد أفرد عدد نوفمبر 1975 خاصا بالقصة القصيرة تتمة لما صدر من الأعداد الخاصة للمجلة الأم " الهلال " وفى هذا العدد كتب محمد الحديدى عن " القصة التأملية من افلاطون إلى جرهام جرين " وكتب الدكتور يوسف نوفل عن " القصة الكويتية القصيرة من أين؟ وإلى أين؟ " . وقصص أخرى أبى أصحابها إلا أن يشاركوا فى هذا الملحق المتميز الصادر مع المجلة الأم والذى كان يشارك فى تحريره كبار الكتّاب مع المواهب الصاعدة من المبدعين.
وهكذا لم تأل "الهلال" جهدا فى سبيل العناية بفن القصة والرواية، انطلاقا من إيمانها العميق بأن هذا الفن هو فن الحياة بعينها وأن الحياة هي المعبر الحقيقي عن تواجهاته، وإذا كانت الفنون والعلوم والثقافة والآداب هي محور اهتمامها وصلب صفحاتها، فإن الشعر والمسرح والنقد والرواية هي الصفحات المضيئة والعلامة البارزة في سطورها.

http://www.amwague.net/amwague/26/derasat.asp (http://www.amwague.net/amwague/26/derasat.asp)

*******
د. أبو شامة المغربي
kalimates@maktoob.com