هل مضى زمن الملاحم - يسري عبد الغني عبد الله
تقليص
-
أنشأ بواسطة:
طارق شفيق حقي
- نشرت: 05-18-2010, 12:20 AM
- 0 تعليقات
-
X
تقليص
-
هل مضى زمن الملاحم - يسري عبد الغني عبد الله
هل مضى زمن الملاحم .. ؟
( رؤية أدبية مقارنة )
بقلم
يسري عبد الغني عبد الله
باحث ومحاضر في الدراسات العربية
والإسلامية والمقارنية
محاولة للتعريف :-
تعتبر الملحمة من أهم الأنواع الشعرية ، وهي تعتمد على سرد قصة بطولية تقوم على الحكاية ، وتصدر من أبطالها أفعالاً عجيبة ، وحوادث خارقة للعادة ، وتشتمل على الوصف والحوار وتصوير الشخصيات والخطط ، وتجنح أحياناً إلى الاستطراد وعوارض الأحداث .
وفي تعريف آخر للشعر القصصي أو الملحمي : هو شعر موضوع يعبر فيه الشاعر عن موضوع قصصي مستمد من حياة الأبطال ، والبطولات ، والمعارك التاريخية ، مع مزج ذلك كله بهالة أسطورية ، مثيرة للمشاعر .
وهذا النوع المسمى بالملاحم الشعرية والمعتمد على الخيال والحكاية والتاريخ ، ينشأ عند الشعوب الفطرية إذ يسهل لديهم الاعتقاد في الأرواح والجن والأشباح والسحر ، وتدخل الملائكة والشياطين في شئون الناس .
وللملحمة في أبطالها وحوادثها أصول تاريخية ، ولكنها تختلط بالأساطير والخرافات مناسبة بذلك البيئة التي لا تفرق بين الحقائق والخيال .
وأبطال الملحمة أشخاص أسطوريين من الوطنيين أو من المصطفين من أبطال العقائد الدينية .
وهي تمثل العهود الإقطاعية ، وتتحدث عن الفرد لا عن المجتمع ، فتمثل بعضهم بمظهر البطل الفذ ، وتنسى أو تتناسى الشعب الذي لا يكون له أي اعتبار في هذه الملاحم الشعرية ، وكما قلنا فإن ذلك يتضح جلياً في الملاحم الأولى الفطرية .
أما الملاحم المسيحية فيبدو الشعب في صورته الطبيعية ، ولكن على أنه تابع يقوم برسالته الخاصة بعقيدته ، أو تجاه الأبطال من سادته .
هذا ، ومن المعروف لنا أن هذا النوع الأدبي بدأ ظهوره عند اليونان ، ثم انتقل منهم إلى الأدب اللاتيني في مرحلة التقليد أو المحاكاة في أوربا لكل ما هو يوناني أو روماني .
بين الإلياذة والأوديسا :-
ففي اليونان القديمة ظهرت (الأوديسا) و (الإلياذة) ، لشاعر اليوناني / هوميروس ، وقد قلده بعد ذلك الشاعر اللاتيني / فرجيل ، الذي عاش في الفترة من سنة 89 إلى 19 قبل الميلاد ، وذلك في ملحمته (الإنياذة) .
وهذه الملاحم تدور حول أحداث جرت بعد حرب طروادة ، صورها هوميروس اليوناني ، وسار على نهجه فرجيل اللاتيني .
نجد هوميروس في الأوديسا يتكلم عن عودة أودسيوس من هذه الحرب بعد نهايتها بعشر سنين ، وعن الحوادث التي نجمت عن غيابه من تنافس أمراء إحدى الجزر على الحظوة لدى زوجته ، وتدخل الآلهة إلى خيمته ، ثم يتم الإفراج عنه ، ويعود إلى زوجته ، متغلباً على خصومه .
وتقوم حوادث الإلياذة اليونانية على ذكر حصار طروادة ، وانقسام الآلهة بين مؤيد لليونانيين ، ومؤيد للطرواديين ، ففي بداية حوادثها يأسر (إجاممنون) بنت كاهن الإله (أبوللو) ، وبعد ذلك يتفشى وباء الطاعون في الجيش اليوناني ، وتتوالى هزائمه .
وفي الملحمة صورة وافية لحياة الطرواديين في الحصار ، وما يسود المحاربين من روح الفروسية ، ومن المناظر الرائعة فيها ، منظر (كنور) وهو يودع زوجته (أندروماك) ، ويداعب طفله قبيل ذهابه إلى الحرب ذهاباً لا رجعة منه .
كذلك صورة (هيلين) اليونانية وهي نادمة أشد الندم على هروبها مع (باريس) الطروادي ، وما جره ذلك على قومها من ويلات ، إلى آخر الأحداث العديدة التي ترويها تلك الملحمة .
فرجيل يكتب الإنياذة :-
أما حوادث ملحمة (الإنياذة) التي كتبها (فرجيل) اللاتيني فتبدأ من نجاة (إبنياس) الطروادي من طروادة ، ومعه بعض أتباعه ، وذلك عقب تدميرها على يد اليونانيين ، وفيها أيضاً تتدخل الآلهة بعد سفر ومغامرات في البحار استغرقت ست سنوات ، في صورة حلم رآه (إبنياس) ، لتتشكل بذلك قصة خيالية تحكيها هذه الملحمة ، كما أنها تتحدث عن العالمالآخر ، وتحتوي على ذكر الأرواح التي ستهبط لدار الدنيا ، ومنهم العظماء اليونانيين ، كما أنها تحتوي على تفصيلات خيالية مثيرة .
والإنياذة في مجملها تتكلم عن أسفار البطل (إبنياس) حتى وصوله إلى إيطاليا ، وهي محاكاة فنية دقيقة لأوديسا هوميروس اليونانية ، هذا في القسم الأول منها ، أما في القسم الثاني نجده يتحدث عن حروب (إبنياس) وتغلبه على مناوئيه في منطقة (لاسيوم) وتأسيسه لإمبراطورية الرومان ، وهي على الإجمال محاكاة للإلياذة .
وإذا كان الأديب العربي / سليم البستاني قد ترجم الإلياذة لهوميروس اليوناني ، سنة 1904 م ، فإنه في سنة 2004 م ، قام الدكتور / أحمد عتمان بالاشتراك مع مجموعة من المترجمين ، بترجمة الإلياذة مرة أخرى ، وصدرت عن لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة لوزارة الثقافة المصرية .
وبالنسبة للإنياذة للشاعر الروماني / فيرجيل أو فيرجيلوس ، فقد ترجمها الدكاترة / عبد المعطي شعراوي ، ومحمد حمدي إبراهيم ، وأحمد فؤاد السمان ، وصدر الجزء الأول منها أوائل سنة 1971 م ، والجزء الثاني سنة 1977 م ، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة ، أي بعد ست سنوات من إصدار الجزء الأول .
ولكن جاء في مقدمة ترجمة الجزء الثاني ، أن هذا الجزء صدر بعد مضي أربع سنوات ، أي في سنة 1975 م . !!
وقد حاز الجزء الأول على جائزة الدولة التشجيعية في الترجمة إلى العربية لعام 1973 م ، تلك الجائزة التي يمنحها المجلس الأعلى للعلوم والفنون والآداب (المجلس الأعلى للثقافة حالياً) لأحسن ترجمة صدرت على مستوى جمهورية مصر العربية .
ولعل ذلك يجعلنا نؤكد حاجة المكتبة العربية إلى مزيد من تلك الترجمات الدقيقة التي تضع الأعمال الإبداعية العالمية الخالدة بين يدي القارئ العربي ، وتأخذ مكانها في المكتبة العربية ، كما أننا في حاجة ماسة إلى تشجيع الباحثين والمتخصصين من أجل مضاعفة الجهد في العمل من أجل القيام بالترجمات الأدبية والعلمية الجادة التي تعود بالنفع والفائدة على جمهور القراء العرب .
كوميديا دانتي :-
أما الملحمة الدينية فخير ممثل لها (الكوميديا الإلهية) التي كتبها الشاعر الإيطالي / دانتي إليجيري ، الذي عاش من سنة 1265 م إلى سنة 1331 م ، وهي تتسم بسمة دينية ، وتتناول الحديث عن الرحلة إلى العالم الآخر ، وهي بالطبع تختلف عن ملحمتي (الإلياذة) و (الأوديسا) .
وهذا الموضوع الذي تناوله دانتي رمز به إلى الإنسان بما فيه من فضائل ورذائل بوصفه خاضعاً للعدل الإلهي ، المسبب ، المعاقب ، ولكن دانتي إقتفى أثر فرجيل في الإنياذة وذلك عندما تحدث عن الصلة بالعالم الآخر ومع ذلك فإن لدانتي أصالته في الصور الفنية ، وفي وصفه لعصره ، وفي الرمزية التي لجأ إليها .
تأثر دانتي بقصة الإسراء :-
ويؤكد بعض الباحثين من الغربيين تأثر دانتي الإيطالي في ملحمته الكوميديا الإلهية بحادثة الإسراء والمعراج التي وقعت للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) في التراث الإسلامي ، وذلك عن طريق اطلاع دانتي على مخطوطة أصلها عربي وموضوعها أو عنوانها (معراج الرسول) ، وقد ترجمت هذه المخطوطة إلى اللغة الأسبانية ، ثم إلى اللغة الفرنسية ، وبعد ذلك إلى اللغة اللاتينية .
وتوجد نسخة من هذه المخطوطة ضمن محفوظات المكتبة الأهلية بالعاصمة الفرنسية باريس ، وهي المخطوطة اللاتينية ، ولعل هذا يفيدنا في مسألة تأكيد تأثر دانتي الإيطالي بالأدب الإسلامي ، تأثراً لا مجال لأدنى شك فيه .
ففي ملحمة دانتي ما يشبه الحديث عن الملائكة الذين كانوا يشرحون للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم ) في رحلته السماوية ما يراه ، ويريد تفسيراً له .
وكذلك فإن دانتي يذكر في ملحمته الدينية حديثاً عن رؤية الله سبحانه وتعالى ، وأنها حدثت في السماء الثامنة حيث يوجد العرش ، ويصف دانتي ما بهر به من الألوان والأنوار والجوانب الروحية ، مما يعد أخذاً مباشراً من قصة المعراج في التراث الإسلامي .
ويذهب عدد من الباحثين إلى أن دانتي قد تأثر في ملحمته برسالة الغفران لأبي العلاء المعري الشاعر العباسي ، ورغم أن هؤلاء الباحثين لم يقدموا أدلة ثبوتية قاطعة في هذا المجال ، إلا أننا نؤكد على تأثر دانتي بالأصل ألا وهو قصة المعراج التي اطلع عليها ، والمعري نفسه تأثر بهذه القصة ، وعليه فالأصل كما يقولون يجب الفرع .
وهنا لابد أن نشير إلى الترجمة القيمة التي قام بها الدكتور / حسن عثمان لكوميديا دانتي الإلهية ، حيث بذل فيها جهداً كبيراً استغرق حياته كلها ، فعليه رحمة الله .
ومما سلف يتضح لنا أن الملاحم الشعرية ، كانت ونوعين : أحدهما ، الملاحم الوطنية أو التاريخية ، كما رأينا عند هوميروس اليوناني ، وفرجيل الروماني .
والنوع الثاني ، الملاحم الدينية والتي تمثلها ملحمة الكوميديا الإلهية لدانتي الإيطالي .. ولا تخرج أشهر الملاحم العالمية عن هذين النوعين .
وقد ظهرت بعض ملامح الشعر الملحمي في الشعر العربي القديم وذلك في قصائد الحماسة ، وأشعار المعارك الحربية .
الملحمة في الأدب العربي الحديث :-
وبعد أن قوي اتصال العرب بتيار الثقافة الغربية ، وتم ترجمة الإلياذة والأوديسا إلى اللغة العربية ، حيث قام بترجمة الإلياذة إلى العربية ولأول مرة سليمان البستاني ، في المرة الأولى ترجمها شعراً ، وفي الثانية ترجمها نثراً .
كذلك تم ترجمة الشاهنامة للشاعر الفارسي / الفردوسي إلى العربية ، عند ذلك ظهرت الملحمة أو شبه الملحمة في الشعر العربي الحديث ، وذلك بمعناها الفني المتعارف عليه .
وبدأ شعراء العرب يكتبون الشعر الملحمي مثل قصة (فتاة الجبل الأسود) لخليل مطران ، والتي لا يختلف النقاد في أنها من الشعر الملحمي ، ولمطران قصيدة أخرى عنوانها (نيرون) التي اختلف النقاد حول اعتبارها من الشعر الملحمي .
ونذكر كذلك قصيدة (على بساط الريح ) للشاعر المهجري / فوزي المعلوف ، ومن المحاولات التي ظهرت في نظم الملاحم الشعرية ملحمة (شاطئ الاعتراف ) للهمشري .
ونرى هنا أن نشير إلى الشعر القصصي أو الملحمي عند شعراء المهاجر ، فقد اتخذ شعراء المهاجر العرب من القصة الشعرية وسيلة إلى التحليل النفسي للعواطف والمشاعر ، وتجسيد الدلالات والمواقف والمعاني ، وتقابل الآراء والأفكار وتصارعها .
ومن ذلك ما كتبه جبران خليل جبران متأثراً بخليل مطران ، الذي كتب بعض نماذج من الشعر القصصي منذ سنة 1894 م .
ومن ذلك ما كتبه إيليا أبو ماضي مثل قصائده : (الشاعر والأمة) الذي رمز فيها لأهمية أن يحكم الشعب نفسه بنفسه ، و (الشاعر والملك الحائر) ، و (حكاية حال) .
على أن قصص جبران تنوعت بين النثر والشعر ، ففي النثر نجد قصته (ورد الهانئ) في مجموعة (الأرواح المتمردة) ، وكذلك قصته (البنفسجه الطموح) ، وقصته (الشيطان) .. وإن كانت هذه القصص النثرية تميل إلى الشاعرية ، ويمكن أن نسميها شعر منثور ، أو نثر مشعور .
وتتنوع هذه القصص بين الواقعية والرمزية والأسطورية ، وعلى سبيل المثال نذكر قصيدة إيليا أبو ماضي القصصية (الغدير الطموح) ، وقصيدته (التينة الحمقاء) .
كما وجدنا نماذج للحوار القصصي في أشعارهم وبخاصة المطولات الشعرية ، ومن أمثلتها في شعر المهاجر (على طريق إرم) لنسيبة عريضه ، وفيها نجد تعبيراً عن الصراع بين العقل والقلب على قيادة النفس الإنسانية .
وكذلك مطولة إيليا أبو ماضي (الطلاسم أو لست أدري) ، ونجد فيها البحث عن الحقيقة في علاقة الإنسان بالطبيعة ، ونذكر مطولته (الأسطورة) ، ومطولة جبران خليل جبران (المواكب أو أعطني الناي وغني) ، ومطولة (أحلام الراعي) لإلياس فرحات ، ومطولة (على بساط الريح) ومطولة (شعلة العذاب) وهما لفوزي معلوف ، ومطولة (الأحلام) ومطولة(عبقر) وهما لشفيق معلوف .
ونشير إلى (الإلياذة الإسلامية ) أو ديوان مجد الإسلام ، للشاعر / أحمد محرم ، وهي تدور حول غزوات الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) ، ويؤخذ على الإلياذة الإسلامية بعدها عن الجو الأسطوري للملاحم ، والاتجاه إلى الناحية الغنائية الذاتية ، وبعض التفكك ، وعدم الترابط .
ونذكر الشاعر / كامل أمين ، الذي تخصص تقريباً في شعر الملاحم ، لذلك كان يحلو له أن نطلق عليه (شاعر الملاحم) ، ومن أشهر ملاحمه الشعرية (القادسية) و (عين جالوت) ، وإن أخذ عليه الميل إلى الغنائية ، والبعد عن الجو الأسطوري المتعارف عليه في الملاحم .
أقدم ملحمة صينية :-
وتحت عنوان (اكتمال أقدم ملحمة صينية) نقلت وكالات الأنباء العالمية يوم 31 ديسمبر 2004 م : أن الصين أعلنت عن اكتمال أطول وأقدم ملحمة شعرية على مستوى العالم ، والمعروفة باسم (ملحمة الملك قصار) إثر العثور على أجزائها الناقصة ، وهي عبارة عن ألف كلمة منقوشة على الأحجار والتماثيل الكائنة بمعبد السمكة الذهبية جنوب الصين ، وتعتبر هذه الملحمة أطول ملحمة شعبية ثقافية عرفها العالم حيث تقع في 36 مجلداً ، وتضم قرابة مليوني بيت شعر ، وتضاهي في قيمتها الأدبية أشهر الملاحم الغربية ، حتى أنه يطلق عليها (الإلياذة الشرقية) ، وهذه الملحمة تدرس في حوالي 40 معهداً وكليةً في أنحاء العالم .
هل إنتهى عصر الملاحم ؟
وغني عن البيان أن أهم ما يتميز به الشعر الملحمي عدم إظهار شخصية الشاعر ولا ذاتيته الخاصة ، وإنما تهتم الملحمة بإظهار حياة الجماعة ، وحركة التاريخ ، فالملاحم في التحليل الأخير شعر موضوعي ، يصور البطولات والمعارك الحربية الممتزجة بالأساطير المثيرة للمشاعر .
وقصائد الملاحم تطول حتى تصل إلى آلاف الأبيات الشعرية ، التي تتجه بأسلوبها إلى العرض القصصي الأسطوري ، مراعية السير في مستوى واحد ، لأنها أسلوب المؤلف الذي يرويه بطريقة الحكاية .
على كل حال فقد قضي على هذه النوعية من الملاحم الشعرية في عصرنا الراهن ، لأن المدنية والتقدم العلمي وتقدم الفكر الإنساني بوجه عام ، وظهور النظم الديمقراطية الحديثة ، كل ذلك كفيل بأن يقضي على ظهور هذه الملاحم التي تنبني على الأساطير والخيال ، وتعود بنا إلى عهود الفطرة الإنسانية الأولى ، حيث لا مجال لها الآن .
على أننا نجد هذه الملاحم مازالت تشكل نبعاً ثرياً ينهل منه بعض صانعي المسلسلات التليفزيونية ، والأفلام السينمائية ، ويعجب بها الكثير من المشاهدين على كافة المستويات .
الملاحم عند العرب :-
ويكتب بعض الباحثين زاعماً أن الملاحم الشعرية لم توجد عند العرب بالمرة ، والواقع أن لهذا الشعر نواة في التراث العربي القديم نجدها ـ كما ذكرنا من قبل ـ في الشعر الحماسي الذي يصف المعارك ن ويصور اقتحام الأبطال في ميادين القتال ، وهو قديم في الشعر الجاهلي ، وقد ازدهر وراج في المعارك الكبرى بين الوثنية والتوحيد إثر ظهور الإسلام ، ثم في المعارك التي جرت بين العرب والفرس ، أو بين العرب والروم ، وكذلك في الحروب الصليبية .
على أن هذا الشعر الملحمي التي ظهرت نواته في بعض أشعار الحروب العربية ، ظل في نطاق العقيدة الحماسية ، ولم يتجاوزها إلى القصة الملحمية بمعناها الفني المتكامل .
وعندما اتصل الشعراء العرب في العصر الحديث بالملاحم الغربية ، سواء أكان ذلك في اللغات الأوربية ، أو عن طريق ما تم ترجمته إلى العربية ، هنا يمكن لنا القول أن أدباء العرب تجاوزوا مرحلة الشعر الحماسي القديم، إلى مرحلة صنع ملحمة شعرية بالمعنى الفني .
الملاحم في المأثور الشعبي :-
ولا يصح للباحث أن يتجاهل الملاحم الشعبية باللغة العامية ، التي تتناول بعض سير وأخبار العرب في القديم ، وتتحدث عن بعض أبطالهم ، وهذه الملاحم بلغتها العامية أو المازجة في بعض الأحيان بين العامية والفصحى عرفت وظهرت منذ العصور الوسيطة ،ومن ذلك ملحمة (الزير سالم ) وهي مأخوذة عن قصة مهلهل بن ربيعة في حرب البسوس، وملحمة (أبي زيد الهلالي) ، و ملحمة (الأميرة ذات الهمة) ، وملحمة (عنترة بن شداد العبسي ) ، وملحمة (الظاهر بيبرس) ، وغيرها من الملاحم الشعبية التي لها قيمة اجتماعية وتاريخية وشعبية ، ويقوم بدراستها الأدب الشعبي بمناهجه العلمية المقننة ، والتي تطورت بشكل كبير.
والقارئ لملحمة الفارس العربي / عنترة بن شداد يلمس منذ البداية تشابهاً أو تطابقاً بين حلقات هذه السيرة ، وبين ملحمة السيد الأسبانية ، وأغنية أو ملحمة الرولان الفرنسية .
كما أننا لا نستطيع أن نغفل إعجاب ناقد أدبي كبير مثل (هيبوليت تن) بهذه السيرة العربية ، ووضعها بين الروائع الملحمية العالمية ، مثل : سيكفريد ، ورولان ، والسيد ، و رستم ، أوديسيوس ، وإخيل .
كما أن الشاعر الفرنسي / لامارتين ، كانت تأخذه النشوة ، ويستبد به الطرب ، كلما ذكر هذا البطل العربي عنترة بن شداد ، أو اطلع على جانب من ملحمته الرائعة .
Email: ayusri_a@hotmail.com
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجدلا يمكن إضافة تعليقات.
Categories
تقليص
Latest Articles
تقليص
-
بواسطة طارق شفيق حقيقلب المعطوف في القرآن الكريمإما بأن تجعل المعطوف عليه معطوفاً والمعطوف معطوفاً عليه كقوله تعالى: {فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} حقيقته فانظر ماذا
-
المنتدى: دراسات
05-06-2024, 12:38 AM -
-
بواسطة طارق شفيق حقيعبد الوهاب المسيري .. الباحث الموسوعي -محمد علي فقيه
يعتقد المفكر عبد الوهاب المسيري أن مصير الاحتلال الإسرائيلي هو الزوال كما زال الاحتلال الفرنسي للجزائر والاحتلال الأميركي لفيتنام وسقوط نظام الأبارتيد في جنوب إفريقيا.
ولد المفكر وعالم الاجتماع المصري عبد الوهاب المسيري في دمنهور عام 1938، حيث تلقى تعليمه الإبتدائي والثانوي.
التحق عام 1955 بقسم اللغة الإنكليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية،...-
المنتدى: دراسات
11-02-2023, 01:36 AM -
-
بواسطة طارق شفيق حقيلنقرأ هذا الكلام عن موسوعة قصة الحضارة عن القرن الثامن عشر والحياة في فرنسا ولنقارنه بنقد ديفيد هارفي لفلسفة التنوير في كتابه حالة ما بعد الحداثة.
يقول ول ديورنت
" استمر أسلوب الحياة هذا سائداً في نبلاء الحاشية، حتى ارتقاء السادس عشر عرش فرنسا في وكشف هذا الأسلوب، من جهة فقدان الإيمان بالدين عند الطبقات العليا. وتخلى الناس تماماً عن مفهوم الزواج في المسيحية، مثله ذلك مثل مفهوم الفروسية في العصور الوسطى. وأصبح الجري والمتعة "وثنياً " بشكل أشد سفوراً منه في أي وقت منذ الإمبراطورية...-
المنتدى: نقد
08-12-2022, 01:29 AM -
-
بواسطة طارق شفيق حقيخاص- ثقافات
د. عبد النبي مخوخ (*)
انشغل بوبر Karl Popper كثيرا بمشكلة الاستقراء، في علاقتها الوطيدة بمشكلة الفصل، طوال حياته العلمية. ففي كتابه المعرفة الموضوعية، اعترف بأن هذه المشكلة استقطبت اهتمامه، بل ووجد لها حلا، منذ فترة متقدمة من حياته العلمية. فبهذا الصدد كتب: «سبق لي، خلال شتاء 1920-1919، أن
...-
المنتدى: نقد
04-07-2022, 01:05 AM -
-
بواسطة طارق شفيق حقيمولانا جلال الدين الرومي والمغول
خالد محمد عبده
...-
المنتدى: نقد
09-19-2021, 01:49 AM -