قال الله تعالى حاكيا عن موسى عليه السلام: وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي 29
فلو كان السلطان يستغني عن الوزراء لكان أحق الناس بذلك كليم الله موسى بن عمران عليه السلام. ثم ذكر حكمة الوزارة، فقال: اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي 31 وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي 32
دلت هذه الآية على أن الوزارة تشد قواعد المملكة، وأن يفوض إليه السلطان إذا استكملت فيه الخصال المحمودة، ثم قال: كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً 33 وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً 34
. دلت هذه الآية على أن بصحبة العلماء والصالحين أهل الخبرة والمعرفة، تنتظم أمور الدنيا والآخرة، وكما يحتاج أشجع الناس إلى السلاح، وأفره الخيل إلى السوط، وأحدّ الشفار إلى المسن، كذلك يحتاج أجل الملوك وأعظمهم وأعلمهم إلى الوزير.
وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضّه عليه، والمعصوم من عصمه الله.
وقال وهب بن منبه، قال موسى لفرعون: آمن ولك الجنة ولك ملكك. قال: حتى أشاور هامان، فشاوره في ذلك، فقال له هامان: بينما أنت إله تعبد إذ صرت تعبد.
فأنف واستكبر، وكان من أمره ما كان.
وعلى هذا النمط كان وزير الحجاج يزيد بن مسلم لا يألوه خبالا. ولبئس القرناء شر قرين لشر خدين، وأشرف منازل الآدميين النبوة ثم الخلافة ثم الوزارة، وفي الأمثال: نعم الظهير الوزير. وأول ما يظهر نبل السلطان وقوة تمييزه وجودة عقله في انتخاب الوزراء واستنقاء الجلساء ومحادثة العقلاء، فهذه ثلاث خلال تدل على كماله، وبهذه الخلال يجمل في الخلق ذكره، وترسخ في النفوس عظمته، والمرء موسوم بقرينه، وكان يقال حلية الملوك وزينتهم وزراؤهم.
وفي كتاب كليلة ودمنة: لا يصلح السلطان إلا بالوزراء والأعوان. وقال شريح بن عبيد: لم يكن في بني إسرائيل ملك إلا معه رجل حكيم إذا رآه غضبان كتب إليه صحائف، وفي كل صحيفة: إرحم المسكين واخش الموت، واذكر الآخرة، فكلما غضب الملك ناوله الحكيم صحيفة حتى يسكن غضبه، ومثل الملك الخير والوزير السوء الذي يمنع الناس خيره ولا يمكنهم من الدنو منه، كالماء الصافي فيه التمساح، فلا يستطيع المرء دخوله، وإن كان سابحا وإلى الماء محتاجا، ومثل السلطان كمثل الطبيب، ومثل الرعية كمثل المرضى، ومثل الوزير كمثل السفير بين المرضى والأطباء، فإذا كذب السفير بطل التدبير. وكما أن السفير إذا أراد أن يقتل أحدا من المرضى وصف للطبيب نقيض دائه، فإذا سقاه الطبيب على صفة السفير هلك العليل، كذلك الوزير ينقل إلى الملك ما ليس في الرجل، فيقتله الملك، فمن ههنا شرط في الوزير أن يكون صدوقا في لسانه، عدلا في دينه، مأمونا في أخلاقه، بصيرا بأمور الرعية، وتكون بطانة الوزير أيضا من أهل الأمانة والبصيرة، وليحذر الملك أن يولّي الوزارة لئيما، فاللئيم إذا ارتفع جفا أقاربه وأنكر معارفه، واستخف بالأشراف وتكبر على ذوي الفضل.
--------
كتاب المستطرف
فلو كان السلطان يستغني عن الوزراء لكان أحق الناس بذلك كليم الله موسى بن عمران عليه السلام. ثم ذكر حكمة الوزارة، فقال: اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي 31 وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي 32
دلت هذه الآية على أن الوزارة تشد قواعد المملكة، وأن يفوض إليه السلطان إذا استكملت فيه الخصال المحمودة، ثم قال: كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً 33 وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً 34
. دلت هذه الآية على أن بصحبة العلماء والصالحين أهل الخبرة والمعرفة، تنتظم أمور الدنيا والآخرة، وكما يحتاج أشجع الناس إلى السلاح، وأفره الخيل إلى السوط، وأحدّ الشفار إلى المسن، كذلك يحتاج أجل الملوك وأعظمهم وأعلمهم إلى الوزير.
وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضّه عليه، والمعصوم من عصمه الله.
وقال وهب بن منبه، قال موسى لفرعون: آمن ولك الجنة ولك ملكك. قال: حتى أشاور هامان، فشاوره في ذلك، فقال له هامان: بينما أنت إله تعبد إذ صرت تعبد.
فأنف واستكبر، وكان من أمره ما كان.
وعلى هذا النمط كان وزير الحجاج يزيد بن مسلم لا يألوه خبالا. ولبئس القرناء شر قرين لشر خدين، وأشرف منازل الآدميين النبوة ثم الخلافة ثم الوزارة، وفي الأمثال: نعم الظهير الوزير. وأول ما يظهر نبل السلطان وقوة تمييزه وجودة عقله في انتخاب الوزراء واستنقاء الجلساء ومحادثة العقلاء، فهذه ثلاث خلال تدل على كماله، وبهذه الخلال يجمل في الخلق ذكره، وترسخ في النفوس عظمته، والمرء موسوم بقرينه، وكان يقال حلية الملوك وزينتهم وزراؤهم.
وفي كتاب كليلة ودمنة: لا يصلح السلطان إلا بالوزراء والأعوان. وقال شريح بن عبيد: لم يكن في بني إسرائيل ملك إلا معه رجل حكيم إذا رآه غضبان كتب إليه صحائف، وفي كل صحيفة: إرحم المسكين واخش الموت، واذكر الآخرة، فكلما غضب الملك ناوله الحكيم صحيفة حتى يسكن غضبه، ومثل الملك الخير والوزير السوء الذي يمنع الناس خيره ولا يمكنهم من الدنو منه، كالماء الصافي فيه التمساح، فلا يستطيع المرء دخوله، وإن كان سابحا وإلى الماء محتاجا، ومثل السلطان كمثل الطبيب، ومثل الرعية كمثل المرضى، ومثل الوزير كمثل السفير بين المرضى والأطباء، فإذا كذب السفير بطل التدبير. وكما أن السفير إذا أراد أن يقتل أحدا من المرضى وصف للطبيب نقيض دائه، فإذا سقاه الطبيب على صفة السفير هلك العليل، كذلك الوزير ينقل إلى الملك ما ليس في الرجل، فيقتله الملك، فمن ههنا شرط في الوزير أن يكون صدوقا في لسانه، عدلا في دينه، مأمونا في أخلاقه، بصيرا بأمور الرعية، وتكون بطانة الوزير أيضا من أهل الأمانة والبصيرة، وليحذر الملك أن يولّي الوزارة لئيما، فاللئيم إذا ارتفع جفا أقاربه وأنكر معارفه، واستخف بالأشراف وتكبر على ذوي الفضل.
--------
كتاب المستطرف