مُتْ وأنتَ قاعد
في الشارع الطويل الفارغ، وقف شابٌ كسير النظرات، حزين البسمة ينتظر حافلة تقله إلى منزله وهو يحتضن الشارع بنظرات حيرى تلف على نفسها قسمات من السكون ... يشابه السكون الذي يتبع اتخاذ القرار الصعب، كذاك الذي ينازع المرء على إنسانيته .. أشلاء من الحزن بدت على مُحيَّاه، الغبش يجلل تفكيره، هموم أسرة ينوء كاهله بها تفرض نفسها على تفكيره، وينصرف عنها وكأن سيلاً قد داهمه، ليصابَ بشللٍ عقلي يشابه يداً خدرة ... كان مستعجلاً وحالما توقفت أمامه تلك الحافلة الرمادية الهرمة _ وكأنها قد فرَّت من متحف للآثار _ ركب فيها متشككاً لأنه لم يشاهد عليها أيَّ كتابة تدلُّ على وجهتها، وحالما أغلق الباب وجلس ظهره إلى
ظهر السائق على المقعد الصغير حيث لم يوجد مقعد فارغ .. ألقى التحية بحكم العادة .. لكنه لم يتلقَّ أيَّ ردٍّ ؟!!
رفعت عينيَّ وتأمّلْتُ الوجوه أمامي .. بهتُّ للوهلة الأولى .. يا لها من صدفةٍ غريبةٍ، كان جميع الركاب مسنين وقد نالت السنون منهم منالاً ليس بقليل .. وجوهٌ مضطربةُ النظراتِ، تعبةٌ كتعب مسافرٍ قادمٍ من أقصى البلاد .. والترهلات والتجاعيد عند العنق تزداد أكثر فتأخذ شكل حبلٍ خشنٍ ثخينٍ يلتفُّ ببطءٍ ورويَّةٍ ... ينظرون بكسل إلى الأمام وإلى الأمام فقط .. لا يعبؤون بما يحدث خارجاً على اليمين أو
اليسار .. سارت بنا الحافلة بسرعة وهي تجتاز كل السيارات ولا تقف عند أيِّ إشارةِ مرورٍ .. اندهشت من تلك السرعة المتواترة وغير المنسجمة مع كبر السائق والراكبين، فأدرت رأسي مخاطباً السائق: لِمَ العجلةُ يا عم ؟ فأطلت عليَّ من المرآة الأمامية عينا صقر هرم وقال: الزمن لا ينتظر أحداً يا ولدي ولعلي أوفق بتمكين أحدهم من النزول .. فاتخاذ القرار في هذه الأيام أصبح من أسهل الأمور .. ؟ دارت كلماته في رأسي واصطدمت بجدار قاسٍ وحين لم أفهم شيئاً هززت بكتفيَّ غير عابئ بكلام رجلٍ عجوزٍ بينما أخذت سرعة الحافلة تزداد أكثر .. ؟ .
أخذت يد السائق تعبث بإبرة المذياع فجاءنا صوت المذيع العتيق .. توفي اليوم الأستاذ أبو عمر المدير القديم لمدرسة الاتحاد العامة عن عمرٍ يناهز الثمانين وقد وُجِدَ في بيته بعد أن مضى على وفاته يومان دون أن يدري أحدٌ به، وفي الحيِّ الغربيِّ توفي الشيخ حسن عن عمرٍ يناهز الخامسة والسبعين، أما في وسط المدينة ... وتابع المذيع أخبار الوفيات، سرَتْ بي قشعريرة مرَّتْ كتيار كهربائيٍّ من هول هذه الأخبار، لم تحوِ نشرة الأخبار سوى أخبار الوفاة، لا حول ولا قوة إلا بالله .. رفعت رأسي وتأمَّلْتُ الراكبين أمامي الذين كانوا قد أنهوا قراءة الفاتحة لتوِّهِم والكل قد تلبَّسَتْهُ حالة خشوع غريبٍ، وشقَّتِ الرهبةُ طريقها نحو وجوهِهم فزادتها عمقاً، وسمعت أحدهم يقول لجاره: أتعرف أبا محمود _ رحمة الله عليه _ لقد تلقَّيْتُ منه رسالةً، اسمع ما قال فيها: حين حاصرتني عقارب الساعة وعلَتْ نيران الوقت في السماء تلتهب غضباً أسوداً ترمَّلتِ الأحلامُ بين دمعة ودقة ... عصَّر القلب في دورات الساعة الانتهازية وأصبحت العقارب سهاماً تنغرز في الخاصرة .. جاوزت نفسي حدَّ الوقت بعيداً عن غياهب الضمير والتفافاته وكُنه القرارات وامتعاض أصحابي ونعمت يومها بصرخة راحة دون رقابة .. دون رقابة ؟!! فقال له جاره: أهو أيضاً، لا حول ولا قوة إلا بالله ، يا لهذه الدنيا .. ؟ فتحت عينيَّ مستغرباً: رسالة من عالم الموت .. كيف هذا ؟ .. آه .. لعل العمر له دوره .. وأخذت سرعة الحافلة تزداد أكثر .. ؟ .
نظرت من النافذة .. ما هذا الطريق الغريب .. لأول مرةٍ أشاهده .. دقَّقْتُ النَّظرَ وقلت في نفسي وكأن الناس لا يشاهدوننا .. ولا حتى شرطي المرور حين تجاوزنا الإشارة الماضية بسرعة جنونيَّةٍ، كذلك السيارات التي تجاوزناها، والمشاة أيضاً ... وفجأة توقَّفَتِ الحافلةُ وركب بها شخص مُسِنٌّ متهدِّل الكرش، أصلع الرأس بعينين خضراوتين جاحظتين وشفةٍ سفليَّةٍ متدلِّيةٍ وذقن أبيض .. أغلق الباب وراءه إلا أنه لم يجلس على المقعد الشاغر بجانبي بل جلس على أرض الحافلة .. استغربت فعلته وقلت له: تفضَّل يا عم، اجلس مكاني، تأمَّلني قليلاً وهو مستنِدٌ على فخذ معاون السائق المسنِّ وأجابني: إذا أنا جلست على المقعد هل سأعجِّلُ من وصولي فأجبته: لا ولكن سوف .. فقاطعني وهو يتأملني مليَّاً مما أدخل القشعريرة إلى جسدي وقال: هذا حال الدنيا .. هذا حال الدنيا، وانهار باكياً بكاءً مُرَّاً وهو يخفي وجهه بيده مخفضاً رأسه .. !! .
انهال ذلك الموقف عليَّ بفجائيَّتِهِ فصدمني وهزَّ ذاك الجدار المتعالي فما كان مني إلا أن اقتربت منه وقبل أن ألمس كتفه أمسك يدي ذاك العجوز الجالس أمامي وقال: أتركه يا ولدي .. أتركه في همِّه ..
- لكن ألا تراه ؟! ..
-
فقاطعني بلهجة صارمة: - هذا حال الدنيا يا أسفي على هذا الزمان وعلى أهل هذا الزمان .. وازدادت سرعة الحافلة أكثر ؟! .
بعد فترة تفكير عصيبةٍ مرَّت بي حانت مني التفاتةٌ إلى معاون السائق، كان رجلاً قصيراً مسنَّاً متهدِّل الثياب أشعث الشعر بيده لفة قد قضم منها قضمةً ولم يتابع لسبب كنت أجهله، انسلَّتْ الريبـة إلى قلبي .. يـا لهذه السيارة الغريبة لم يُنزلِ السائقُ لحدِّ الآن أيَّ شخص !
انبرى صوت أحد الركاب قاطعاً أفكاري وقال: أنزلني عند البناية التالية، فردَّدَ معاون السائق الكلمات وراء الراكب وهو يذكرني بذلك الشخص الذي يعيد الكلام وراء إمام الجامع أثناء الصلاة .. فأجابه السائق: عند البناية التالية ممنوع الوقوف، فيقول الرجل المسنُّ بأسًى واضحٍ: إيه .. لربما يحالفني الحظُّ في الدورة القادمة، وبعد قليل صاح آخر: أنزلني عند البيت الكبير، فيجيب السائق: عند البيت الكبير ممنوع الوقوف، فيردِّدُ المسنُّ: لعلي أتمكن من النزول في المرة التالية قالها وهو يتنهَّدُ بحسرة مُرَّةٍ. أرسلت سهماً هدفه ذاك الجدار المتعالي الذي أخذ يرتج شيئاً فشيئاً ... ؟ ولكن كيف هذا، متى سننزل ؟ قلت ذلك محدِّقاً في العجوز الذي أمامي بعد أن استغربت كلامهم العجيب فاستنفرت كلماتي اهتمام الحاضرين ونظروا إليَّ جميعاً باستغراب واضح .. تأملني ذاك العجوز برهة وقال بصوت حزين .. لا تستعجل يا ولدي فقد مضى من عمري ثلاث سنين وأنا أدور بهذه السيارة ..
- أتقصد أنكم تركبون بها كلَّ يومٍ أي متفقون مع السائق ..
ارتفع صوت عجوز وراءه وهو يلفظ كلماته هازئاً: لقد مضى من عمري ثماني سنين وأنا ألفُّ بهذه السيارة ولم يحالفني الحظُّ في النزول منها لأن عبارة ممنوع الوقوف ما زالت مكانها واليوم قد تغيَّرت وأصبحت الوقوف ممنوع .. ؟؟ .
شلَّ تفكيري وكأنَّ شلالاً من الماء البارد قد انهال فيه وأخذت لبناتُ الجدار تتزعزع واحدة تلو الأخرى وفجأة توقَّفتِ السيارة أمام مبنى كتب عليه دائرة المحالين على التقاعد فجاء الموظَّفُ وأعطى كلاً راتبه فنزلت مسرعاً من تلك السيارة التي عاودت مسيرها من جديد فقلت في نفسي متخلصاً من كلِّ شعور بالحيرة أو الحزن: آن الأوان لأن أرجع والدي للمنزل فهو أيضاً متـ..قاعد .
في الشارع الطويل الفارغ، وقف شابٌ كسير النظرات، حزين البسمة ينتظر حافلة تقله إلى منزله وهو يحتضن الشارع بنظرات حيرى تلف على نفسها قسمات من السكون ... يشابه السكون الذي يتبع اتخاذ القرار الصعب، كذاك الذي ينازع المرء على إنسانيته .. أشلاء من الحزن بدت على مُحيَّاه، الغبش يجلل تفكيره، هموم أسرة ينوء كاهله بها تفرض نفسها على تفكيره، وينصرف عنها وكأن سيلاً قد داهمه، ليصابَ بشللٍ عقلي يشابه يداً خدرة ... كان مستعجلاً وحالما توقفت أمامه تلك الحافلة الرمادية الهرمة _ وكأنها قد فرَّت من متحف للآثار _ ركب فيها متشككاً لأنه لم يشاهد عليها أيَّ كتابة تدلُّ على وجهتها، وحالما أغلق الباب وجلس ظهره إلى
ظهر السائق على المقعد الصغير حيث لم يوجد مقعد فارغ .. ألقى التحية بحكم العادة .. لكنه لم يتلقَّ أيَّ ردٍّ ؟!!
رفعت عينيَّ وتأمّلْتُ الوجوه أمامي .. بهتُّ للوهلة الأولى .. يا لها من صدفةٍ غريبةٍ، كان جميع الركاب مسنين وقد نالت السنون منهم منالاً ليس بقليل .. وجوهٌ مضطربةُ النظراتِ، تعبةٌ كتعب مسافرٍ قادمٍ من أقصى البلاد .. والترهلات والتجاعيد عند العنق تزداد أكثر فتأخذ شكل حبلٍ خشنٍ ثخينٍ يلتفُّ ببطءٍ ورويَّةٍ ... ينظرون بكسل إلى الأمام وإلى الأمام فقط .. لا يعبؤون بما يحدث خارجاً على اليمين أو
اليسار .. سارت بنا الحافلة بسرعة وهي تجتاز كل السيارات ولا تقف عند أيِّ إشارةِ مرورٍ .. اندهشت من تلك السرعة المتواترة وغير المنسجمة مع كبر السائق والراكبين، فأدرت رأسي مخاطباً السائق: لِمَ العجلةُ يا عم ؟ فأطلت عليَّ من المرآة الأمامية عينا صقر هرم وقال: الزمن لا ينتظر أحداً يا ولدي ولعلي أوفق بتمكين أحدهم من النزول .. فاتخاذ القرار في هذه الأيام أصبح من أسهل الأمور .. ؟ دارت كلماته في رأسي واصطدمت بجدار قاسٍ وحين لم أفهم شيئاً هززت بكتفيَّ غير عابئ بكلام رجلٍ عجوزٍ بينما أخذت سرعة الحافلة تزداد أكثر .. ؟ .
أخذت يد السائق تعبث بإبرة المذياع فجاءنا صوت المذيع العتيق .. توفي اليوم الأستاذ أبو عمر المدير القديم لمدرسة الاتحاد العامة عن عمرٍ يناهز الثمانين وقد وُجِدَ في بيته بعد أن مضى على وفاته يومان دون أن يدري أحدٌ به، وفي الحيِّ الغربيِّ توفي الشيخ حسن عن عمرٍ يناهز الخامسة والسبعين، أما في وسط المدينة ... وتابع المذيع أخبار الوفيات، سرَتْ بي قشعريرة مرَّتْ كتيار كهربائيٍّ من هول هذه الأخبار، لم تحوِ نشرة الأخبار سوى أخبار الوفاة، لا حول ولا قوة إلا بالله .. رفعت رأسي وتأمَّلْتُ الراكبين أمامي الذين كانوا قد أنهوا قراءة الفاتحة لتوِّهِم والكل قد تلبَّسَتْهُ حالة خشوع غريبٍ، وشقَّتِ الرهبةُ طريقها نحو وجوهِهم فزادتها عمقاً، وسمعت أحدهم يقول لجاره: أتعرف أبا محمود _ رحمة الله عليه _ لقد تلقَّيْتُ منه رسالةً، اسمع ما قال فيها: حين حاصرتني عقارب الساعة وعلَتْ نيران الوقت في السماء تلتهب غضباً أسوداً ترمَّلتِ الأحلامُ بين دمعة ودقة ... عصَّر القلب في دورات الساعة الانتهازية وأصبحت العقارب سهاماً تنغرز في الخاصرة .. جاوزت نفسي حدَّ الوقت بعيداً عن غياهب الضمير والتفافاته وكُنه القرارات وامتعاض أصحابي ونعمت يومها بصرخة راحة دون رقابة .. دون رقابة ؟!! فقال له جاره: أهو أيضاً، لا حول ولا قوة إلا بالله ، يا لهذه الدنيا .. ؟ فتحت عينيَّ مستغرباً: رسالة من عالم الموت .. كيف هذا ؟ .. آه .. لعل العمر له دوره .. وأخذت سرعة الحافلة تزداد أكثر .. ؟ .
نظرت من النافذة .. ما هذا الطريق الغريب .. لأول مرةٍ أشاهده .. دقَّقْتُ النَّظرَ وقلت في نفسي وكأن الناس لا يشاهدوننا .. ولا حتى شرطي المرور حين تجاوزنا الإشارة الماضية بسرعة جنونيَّةٍ، كذلك السيارات التي تجاوزناها، والمشاة أيضاً ... وفجأة توقَّفَتِ الحافلةُ وركب بها شخص مُسِنٌّ متهدِّل الكرش، أصلع الرأس بعينين خضراوتين جاحظتين وشفةٍ سفليَّةٍ متدلِّيةٍ وذقن أبيض .. أغلق الباب وراءه إلا أنه لم يجلس على المقعد الشاغر بجانبي بل جلس على أرض الحافلة .. استغربت فعلته وقلت له: تفضَّل يا عم، اجلس مكاني، تأمَّلني قليلاً وهو مستنِدٌ على فخذ معاون السائق المسنِّ وأجابني: إذا أنا جلست على المقعد هل سأعجِّلُ من وصولي فأجبته: لا ولكن سوف .. فقاطعني وهو يتأملني مليَّاً مما أدخل القشعريرة إلى جسدي وقال: هذا حال الدنيا .. هذا حال الدنيا، وانهار باكياً بكاءً مُرَّاً وهو يخفي وجهه بيده مخفضاً رأسه .. !! .
انهال ذلك الموقف عليَّ بفجائيَّتِهِ فصدمني وهزَّ ذاك الجدار المتعالي فما كان مني إلا أن اقتربت منه وقبل أن ألمس كتفه أمسك يدي ذاك العجوز الجالس أمامي وقال: أتركه يا ولدي .. أتركه في همِّه ..
- لكن ألا تراه ؟! ..
-
فقاطعني بلهجة صارمة: - هذا حال الدنيا يا أسفي على هذا الزمان وعلى أهل هذا الزمان .. وازدادت سرعة الحافلة أكثر ؟! .
بعد فترة تفكير عصيبةٍ مرَّت بي حانت مني التفاتةٌ إلى معاون السائق، كان رجلاً قصيراً مسنَّاً متهدِّل الثياب أشعث الشعر بيده لفة قد قضم منها قضمةً ولم يتابع لسبب كنت أجهله، انسلَّتْ الريبـة إلى قلبي .. يـا لهذه السيارة الغريبة لم يُنزلِ السائقُ لحدِّ الآن أيَّ شخص !
انبرى صوت أحد الركاب قاطعاً أفكاري وقال: أنزلني عند البناية التالية، فردَّدَ معاون السائق الكلمات وراء الراكب وهو يذكرني بذلك الشخص الذي يعيد الكلام وراء إمام الجامع أثناء الصلاة .. فأجابه السائق: عند البناية التالية ممنوع الوقوف، فيقول الرجل المسنُّ بأسًى واضحٍ: إيه .. لربما يحالفني الحظُّ في الدورة القادمة، وبعد قليل صاح آخر: أنزلني عند البيت الكبير، فيجيب السائق: عند البيت الكبير ممنوع الوقوف، فيردِّدُ المسنُّ: لعلي أتمكن من النزول في المرة التالية قالها وهو يتنهَّدُ بحسرة مُرَّةٍ. أرسلت سهماً هدفه ذاك الجدار المتعالي الذي أخذ يرتج شيئاً فشيئاً ... ؟ ولكن كيف هذا، متى سننزل ؟ قلت ذلك محدِّقاً في العجوز الذي أمامي بعد أن استغربت كلامهم العجيب فاستنفرت كلماتي اهتمام الحاضرين ونظروا إليَّ جميعاً باستغراب واضح .. تأملني ذاك العجوز برهة وقال بصوت حزين .. لا تستعجل يا ولدي فقد مضى من عمري ثلاث سنين وأنا أدور بهذه السيارة ..
- أتقصد أنكم تركبون بها كلَّ يومٍ أي متفقون مع السائق ..
ارتفع صوت عجوز وراءه وهو يلفظ كلماته هازئاً: لقد مضى من عمري ثماني سنين وأنا ألفُّ بهذه السيارة ولم يحالفني الحظُّ في النزول منها لأن عبارة ممنوع الوقوف ما زالت مكانها واليوم قد تغيَّرت وأصبحت الوقوف ممنوع .. ؟؟ .
شلَّ تفكيري وكأنَّ شلالاً من الماء البارد قد انهال فيه وأخذت لبناتُ الجدار تتزعزع واحدة تلو الأخرى وفجأة توقَّفتِ السيارة أمام مبنى كتب عليه دائرة المحالين على التقاعد فجاء الموظَّفُ وأعطى كلاً راتبه فنزلت مسرعاً من تلك السيارة التي عاودت مسيرها من جديد فقلت في نفسي متخلصاً من كلِّ شعور بالحيرة أو الحزن: آن الأوان لأن أرجع والدي للمنزل فهو أيضاً متـ..قاعد .
تعليق