المعادلات المحيرة

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • طارق شفيق حقي
    المدير العام
    • Dec 2003
    • 13242

    المعادلات المحيرة

    المعادلات المحيرة

    الوردة النضرة تتمايلُ بين أصابعي، وأنا أتأمّلُها مليّاً: الآنَ أحسستُ بشعورِكَ أيّها الحوت؛ كانت أحاسيسي تفيضُ وتدفعُني إلى شيءٍ أجهلُهُ، وغالباً لا أعرفُ منبعه، كانت أجوبة كل الأسئلة تطرقُ ذهني غير جواب واحد، وأشعر بأني حوتٌ أزرق.
    تحت الأمواج المتلاطمة كان الحوت الأزرق يخترقُ عبابَ الماء ضارباً بزعانفه كُتلاً ضخمةً من مياه البحر مطوّحاً بها بعيداً... كان مضطرباً.. تتدفّقُ منه ينابيع الحيوية إلا أنّ عينيهِ كانتا حائرتين وهما ترقبان شيئاً ما أمامَهُ وهو يلاحقه.. ينعطفُ من أقصى البحار إلى أقصاها.. يغوص إلى الأعماق وكل جوارحه تدفعه إلى البحث عن شيء ما، لكنه ما كان ليعرفه، فما يحسّ بأنّ شيئاً ما يظهر أمامَه حتى يلاحِقَهُ.. تشكّل أمامه مرةً فتركَ أشغاله وبدأ بملاحقته وراح يعبر الأعماق والحوت خلفه يكاد يلاصقه.. تجاوزَ سطح الماء واندفع الحوت خلفَهُ بكل قواه وقفزَ خارجاً من البحر وقطرات الماء تلمع تحت أشعة الشمس الذهبية وتحوّلَ إلى مجموعة من النوارس البيضاء الجميلة



    الرشيقة... خطف كلُّ واحد بجناحه وأطلقَ صوتاً رفيعاً وشق طريقه إلى العُلا.. كان قرصُ الشمس يلتمع في عيونهم.. وأخذ كل نورس طريقاً له.. من بين العديد من النوارس شق نورسٌ طريقه نحو الشاطئ... طار هنا وهناك.. جاب الأصقاع والبقاع.. ما




    ترك مكاناً إلا وحلّق في سمائه، كان حائراً وكل جوارحه تدفعه للبحث عن شيء ما.. صاد الأسماكَ.. بنى عشاً.. تشاجر مع أقرانه.. علا.. ابتعد، لحقه طير جارح.. هرب.. نجا.. أوشك على الموت من جرح أصابه.. شفي.. عاد للطيران والبحث عن ذلك الشيء وملاحقته وهو لا يعرف لماذا يلاحقه. في وسط السماء ظهر فجأة أمامَه فانعطف سريعاً ومال بجناحيه تاركاً الرياح لتدفعه بقوة عبر الشاطئ.. الجبال.. وظهر أمامه سهل فسيح.. لفحته رائحة عطرٍ حملها نسيم عليل.. كان سهلاً مليئاً بالورود والرياحين ومن كل الأصناف والألوان... سرعته ازدادت.. كذلك شوقه.. اندفع نحو السهل اقترب ذلك الشيء من الأزهار.. اقترب السنونو.. احتفى الشيء بين طيّات الأزهار وغاص النورس في الأزهار وارتفعت في الهواء أوراق الورود.. تطاولتها أيدي الرياح ونثرَتْها في المكان.. واندفعت من نفس المكان عشرات الفراشات وطارت متجولة في السهل الفسيح.. من بين الفراشات فتحت فراشة جميلة لجناحيها حرية الاختيار فراحت تحط على الأزهار فهذه حمراء جذابة وتلك صفراء رقيقة تلتمع على أوراقها حبات الندى وتهف وريقاتُها مع هبوب النسيم.. ما تركت الفراشة زهرةً إلا وحطت عليها كانت تطير وتترك الأزهار وتلاحق شيئاً ما كان يظهر أمامها وتبقى حائرة فكلما شعرت بأنها وجدت ضالّتَها في إحدى الزهرات اليانعة حتى ما تشعر بظهور ذلك الشيء مرة أخرى.. فتلاحقه من هنا إلى هناك وهي لا تعرف لماذا كانت تلاحقه.. بالقرب منزل صغير شعرت الفراشة بباعث جعلها تطير وتطير حتى دخلت المنزل كان الضوء مشتعلاً.. اقتربت من الضوء.. كان شيئاً مجهولاً بالنسبة إليها كان له جاذبية كبيرة.. كان يشعرها بشعور غريب يمتلك عليها نفسها لم تستطع إدراكه لكنها كانت تحس به.. اقتربت منه تريد الالتحام به.. اقتربت أكثر.. وضربت بجسدها المصباح أمام الطاولة.. من القرب الشديد من المصباح أرجعت الفتاة وجهها من أمام ضوء المصباح لم تعد ترى جيداً تغبشت عيناها.. أحاسيس غريبة تمتلكها.. قلبت أوراق الكتاب أمامها.. تراجعت بكرسيها إلى الخلف.. مدت يدها إلى ربطة شعرها.. وأفلتت خصل الشعر الأسود الذي اندفـع بانسياب شلال أسود.. يتمايل على جانب كتفيها.. قامت من وراء طاولتها فتحت التلفاز.. هو ذا مسلسلها المفضل قد بدأ.. دقائقَ كانت.. تركته ثم توجّهت إلى مسجلتها وضعت شريطاً لأغنية عذبة.. تركتها.. توجّهت إلى المطبخ تعد صحناً من الخضراوات وضعتها تحت الماء.. تركت الصنبور مفتوحاً.. توجهت إلى النافذة تركتها مفتوحة، تركت عينيها تجولان في السماء مفتوحتين..
    في الصباح.. كانت تحس بباعث غريب جعلها تنهض من فراشها.. تفتح الباب.. تمشي نحو السهل تقترب من إحدى الأزهار.. تقترب أكثر.. أكثر.. لاصق أنفها رحيق الزهرة.. فطارت فراشة جميلة صغيرة ابتسمت الفتاة وراحت تركض خلفها تحاول إمساكها والفراشة تأخذ اتجاهات ملتوية وتطير بخفة والفتاة تلاحقها برشاقة وهي لا تعرف لماذا تلاحقها.. تقفز من هنا إلى هناك.. تتناثر ضحكاتها في الأرجاء كنثائر عطر رقيق تنساب يميناً.. شمالاً.. كانسياب حبيبات الندى العذبة.. كانت مفعمة بالأنوثة وأحاسيسها تتفجّر بداخلها وتطير في كل الأنحاء كنورس أبيض رشيق.. فجأة أحست الفتاة بشيء غريب.. إحساس غريب كأن شيئاً بداخلها يتحرك كأن حوتاً ضخماً يسبح بداخلها وهو يسبح بقوة. توقفت الفتاة عن الركض، فتوقف الحوت فجأة. وتوقف النورس عن الطيران.. وهدأت الفراشة وحطّت على الزهرة النضرة التي تنساب بين أصابعي وهي طائرة لا تعرف لماذا كانت تطير.

    طارق شفيق حقي
    حـلـب 7/6/2001
يعمل...