" لقاء أخير "
هز رأسه في عصبية؛ و قال في لهجة حادّة :
" يا أخي قلت لك مائة مرّة؛ أخبر سعادة المستشار أني أريد أن أقابله لأمر مهم .."
رد السكرتير ببرود مهذّب قائلا :
" لا بد من وجود معاد مسبق يا أستاذ .."
" يا أستاذي الأمر طارئ ولا بد من أن أقابله اليوم على وجه السرعة .. هذه مسألة حياة أو موت .."
السكرتير و قد على صوته :
السكرتير و قد على صوته :
" قلت لك لا بد من معاد مسبق؛ سيادة المستشار منشغل الآن في أمور غاية في الأهمّية؛ و لن يسمح لأحد أن يقاطعه الآن .. هل فهمت ؟؟ "
ثم بعصبية : " و الآن انصرف من هنا ... "
ثم بعصبية : " و الآن انصرف من هنا ... "
قال الرجل و قد بدأ الغضب يحفر ملامحه؛ و الغيظ يجثم على أنفاسه .. لكّنه أمسك بزمام أعصابه لئلا تنفلت؛ فيحدث ما لا يحدث عقباه؛ و ينتهي كل ما جاء من أجله ..
: أنا أريد فقط توقيعه على عدّة أوراق؛ و لن يأخذ هذا ثواني معدودة .. لقد مضى لي الآن أربعة شهور و أنا ألف و أدور !!
انتفض السكرتير واقفا و قد نفذ صبره و نادي بأعلي صوته على الحرّاس .. أجابه أحدهم؛ و كان ضخمَ الجثّة؛ صارمَ الملامح؛ يرتدي زيّا مميّزا لطاقم الأمن؛ و يحمل سلاحا مرخّصا ...
وقف أمام السكرتير الذي قال في صرامة حاول أن يجعلها مهذبة :
" أوصل الأستاذ إلى الخارج .. "
" أوصل الأستاذ إلى الخارج .. "
و هكذا؛ ململما ما تبقّي من كرامته الجريحة خرج .. آثر ألا يسبب مزيدا من المشاكل ..
... مُبلبلَ الأقكار عبر بوّابة المبنى ...
.
متحسّرا على مجهود الشهور الماضية؛ مشي بعيدا ..
.
متحسّرا على مجهود الشهور الماضية؛ مشي بعيدا ..
ثم التفت .. ليلقى نظرة أخيرة على المبنى ...
طرأت في ذهنه فكرة ..
طرأت في ذهنه فكرة ..
..
******
" نعم يا حضرة الظابط هذا ما حدث تماما .. "
تأمّل العقيد"مجدي" الجثّة الملقاة أمامه؛ وكانت لشاب في الخامسة و العشرين؛ كما تقول بطاقته الشخصية ... تأمّل بركة الدماء .. و الملاءة التي غطّت وجهه؛ و التي وضعها أحدهم على عَجَل .. و تحسّر على إقدام شاب؛ يمتلئ شبابا و حيويّة على مثل هذا العمل الأخرق ..
تأمّل العقيد"مجدي" الجثّة الملقاة أمامه؛ وكانت لشاب في الخامسة و العشرين؛ كما تقول بطاقته الشخصية ... تأمّل بركة الدماء .. و الملاءة التي غطّت وجهه؛ و التي وضعها أحدهم على عَجَل .. و تحسّر على إقدام شاب؛ يمتلئ شبابا و حيويّة على مثل هذا العمل الأخرق ..
تقدّم من النافذة المكسورة .. و قال دون أن يلتفت ..
" تقول إنه كسر الزجاج هذا و قفز للداخل ... "
أجابه المستشار بالايجاب للمرة الثالثة و قد أصابه الضجر ..
الظابط : من كان معك في هذه الوقت .. ؟
ارتبك المستشار و تلعثم : كانت الآنسة .. آآ أقصد إحدى الحالات الإنسانية و الطارئة معي وقتها !!
الظابط في سخرية : طارئة ... آها ..
احمرّ وجه المستشار خجلا و سكت متشاغلا بمراقبة رجال المعمل الجنائي و هم يرفعون الأدلة و البصمات من الغرفة ... قال للظابط بعد برهة ..
" ألن ننتهى من هذا الأمر ؟؟ "
الظابط متجاهلا السؤال :
" و ماذا كان يريد منك ؟ "
" ألن ننتهى من هذا الأمر ؟؟ "
الظابط متجاهلا السؤال :
" و ماذا كان يريد منك ؟ "
ضحك المستشار ضحكة عصبية و قال و هو يهز كتفيه .. : لا أدرى قال إنه يسعي من شهور لمقابلتي للحصول على توقيعي على عدّة أوراق .. و أشياء من هذا القبيل ..
ثم مط شفتيه و هو يقول متصعّبا :
" لا أدري لِمَ لمْ يحدّد موعدا مسبقا مع السكرتير .. أو يخبره فقط .. أنه حالة طارئة و كنت سأقابله على الفور .. "
الظابط يهمس متهكّما : آآه حالة طارئة؛ كالتي كانت معك !! ..
المسشار : لولا يقظة الحارس؛ الذي سمع الجلبة؛ و أتى على الفور .. لكنتُ الآن في خبر كان ....
تركه الظابط يستكمل كلامه .. و تأمّل الجثّة الملقاة على الأرض؛ و قد فقدت وقود الحياة؛ الروح ..
بالأمس كان يملأ الأرض؛ طموحا و أملا في الحياة؛ و الآن هو جسم هامد؛ ينتظر من يحرّكه ..
هذا الرأس الذي اخترقته الرصاصة؛ كم من فكرة حمل ؟ و كم من ذكريات حوى ؟ و كم من ماض جميل سجّل ؟
هذا الرأس الذي اخترقته الرصاصة؛ كم من فكرة حمل ؟ و كم من ذكريات حوى ؟ و كم من ماض جميل سجّل ؟
طفولة .. شباب .. عنفوان .. أمل .. يأس .. حياة .. حب ... صداقة ...
الآن انقطع الحاضر؛ و انسحق الماضي .. و انتهى المستقبل ..
منع دمعة تحاول أن تقر بإصرار من عينيه ..
يا صديقي؛ أنت ضحّية و لست مذنبا؛
مصيبتك أنّك وُلِدت في زمن؛ يغدو فيه الذئب مؤتمَنا؛ و اللّص صدّيقا؛ و الداعر راهبا ..
آآه يا دنيا ضاعت منك الرجولة؛ و انمحت منكِ المروءة ..
آآه يا غابة؛ استأسد فيكِ ذوو النفوذ، و أولادُ الذوات .. و توارى أصحابُ الحقوق، بل أرغموا على ذلك ..
مصيبتك أنّك وُلِدت في زمن؛ يغدو فيه الذئب مؤتمَنا؛ و اللّص صدّيقا؛ و الداعر راهبا ..
آآه يا دنيا ضاعت منك الرجولة؛ و انمحت منكِ المروءة ..
آآه يا غابة؛ استأسد فيكِ ذوو النفوذ، و أولادُ الذوات .. و توارى أصحابُ الحقوق، بل أرغموا على ذلك ..
حين تُصبح البراءة و الطيبة؛ فريسة للصيّادين؛ فقل على الدنيا السلام ..
غرق في تأملاته؛ و لم يخرجه منها إلا صوت خبير الأدلّة الجنائية ..
" وجدنا هذه الورقه في جيب القتيل سيادة العقيد .."
فضّها العقيد مجدي سريعا و قرأ ما فيها ..
" وجدنا هذه الورقه في جيب القتيل سيادة العقيد .."
فضّها العقيد مجدي سريعا و قرأ ما فيها ..
" زوجتي حبيبتي ..
بلغ شوقي لرؤيتك مداه .. سأنتهى خلال أيّام من أوراقي؛ ليكون سفري بعدها مباشرة .. يتبقّي لي مقابلة واحدة مع أحد المسؤولين؛ و أكون بعدها ملكك .. أتوق إلى لقائك؛ و أعد اللحظات التي تفصلني عنك .. أعدك لن تنتظري كثيرا .. أحبّك بجنون ..
بلغ شوقي لرؤيتك مداه .. سأنتهى خلال أيّام من أوراقي؛ ليكون سفري بعدها مباشرة .. يتبقّي لي مقابلة واحدة مع أحد المسؤولين؛ و أكون بعدها ملكك .. أتوق إلى لقائك؛ و أعد اللحظات التي تفصلني عنك .. أعدك لن تنتظري كثيرا .. أحبّك بجنون ..
ماهر"