أصعب دموع
كتبها : أحمد كمال
- هل أستطيع أن أخدمك بشيء ؟
فهززت رأسي مرة بلا ثم بنعم ثم بصمت مطبق ، راحت تنظر إلي مستغربة ، واستجمعت عندها قواي ، وشحذت عزيمتي ، وسللت حماستي وقلت :
- لقد أردت أن أتعرف عليك ، فأنا أراقبك منذ سنوات !!
فاحمرت وجنتيها من الخجل ، وراحت تنظر إلى الأرض في ارتباك شديد ، ثم واصلت :
- أنا لا أقصد مضايقتك ، ولكن الفضول ، وربما الإعجاب جرأني اليوم لأقتحم خلوتك
فلملمت أشلائها ، وراحت تضحك بهستيرية ، وأنا مستغرب تماماً ، ثم قالت :
- تراقب امرأة مقعدة في العقد الرابع من عمرها !! أنت غير طبيعياً!!
وشعرت بأنها لا تصدقني ، وبدت ملامح الضيق على وجهي ، وخيبت الأمل تشع من عيني ، وأوشكت على القيام ، فربتت على كفي بحنو بالغ قائلة :
- لا تغضب ، أنا مدينة لك بأول ضحكة في حياتي !!
فسألتها مباشرة وبقسوة :
- ما ذاك الكتاب الذي بين كفيك ؟!
فقلبت الكتاب بين كفيها ، ثم نظرت إلي ، ومدت يدها لتعطيني الكتاب ، قائلة :
- تفضل !! يمكنك أن تقرأه ، إنها ذكريات حياتي !!
أمسكت الكتاب ورحت أقلب في صفحاته بنهم شديد ، لا أحرف ، لا كلمات ، لا عبارات ، صفحات بيضاء ، ابتلت ، وجفت ، فنظرت إليها مستغرباً ، لتقول :
- أنا لا أجيد الكتابة مثل الأدباء ، وتلح علي خواطر كثيرة سجلتها بالدموع ، كلها بالدموع !!
فاتسعت حدقتي ، وثغر فاه ، وهي تنظر إلي وتضحك ، تضحك ، ثم قالت :
- دعني أوضح لك !!
ورحت أقلب في صفحات الكتاب وهي تخبرني بكل نوع من أنواع الدموع المجفف على الصفحة
دموع الغـــــــــــــــــــــــــــــــــضـــــــــــــ ـــــــــــــب
العنــــــــــــــــــــــــــــــــــاد
الرضا
الوفاق
الصلح
الوفاء
الألم
الوجع
الاشتياق
القهر
الظلم
الحرمان
الفقر
الجوع
الحب
اللهفة
المتعة
النشوة
الفراق
اللقاء
العذاب
الانكسار
الانتظار
الوحدة
الغدر
الخيانة
الامتلاك
النصر
الهزيمة
الضياع
الفرح
الحزن
الذل
الرجاء
القسوة
الحنان
الرحمة
الشفقة
المواساة
الندم
الكره
الانتقام
الخوف
الرعب
الأمان
النسيان
الذكريات
الحقد
البغض
الكرامة
السماح
الصفاء
- هذه دموع البصل !!
فضحكت أنا الآخر ، وأنا لا أريد أن أقلب الصفحة الأخيرة حتى لا أحرم من رؤيتها بعد اليوم ، ولكنها أشارت لي برموش عينيها أن أقلب الصفحة ، فلما قلبتها ، وجدتها بيضاء ، بدون دموع ، وعندها أمسكت بيدي لأول مرة ، وشدت عليهما قائلة بصوت متهدج :
- هذا أصعب بكاء ، البكاء من دون دموع ، كالألم بدون صراخ !!
وإذا بي لا أتمالك نفسي ، وتتسلل من مؤقتي ، عبرات ساخنة ، تنساب على خدي ، وتسقط على غلاف الكتاب ، فتريح ظهرها على الكرسي ، وتنظر إلي قائلة :
- شكراً ، شكراً على التوقيع !!
وراحت!!
ورحت أجهش في بكاء شديد ، أو أؤكد التوقيع !!
انتهى