الصور

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

هم يضحك ( نزف قلم : محمد سنجر )

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد سنجر
    كاتب مسجل
    • Apr 2006
    • 181

    هم يضحك ( نزف قلم : محمد سنجر )


    ( توقفت بسيارتي في إشارة المرور ،
    طال الانتظار ،
    امتدت يدي إلى المرآة العاكسة أمامي أعدل من زاويتها ،
    نظرت لوجهي الذي صبغه ضوء الإشارة الحمراء بالحذر ،
    طفل صغير هناك يتسلل بين السيارات ،
    يحمل علب المناديل الورقية ،
    يتوسل لهذا و ذاك ، لعل أحدهم يجبر خاطره بشراء إحداها ،
    مر شريط الذكريات أمامي ،
    وجدتني هناك بين الحقول محني الظهر أنا و بعض أقراني الفقراء ،
    نتسلل بين نباتات القطن نقطف الأوراق التي وضعت الديدان عليها بيضها ،
    نضعها في أكياس القماش المعلقة برقابنا ،
    الشمس تلفح الرؤوس ،
    وقف ( حضرة الخولي ) غير بعيد عنا يلوح بخيزرانته مهددا بينما يستظل بمظلته التي يحملها له الواد ( حمودة ) ابن أخته ( هنومة ) ، أخذ يصرخ فينا )
    ـ شهل ياد يا ابن ( المسقعة ) أنت و هو ، عاوزين نخلص الفدان ده قبل الضهر .
    ( أخذت أردد هامسا )
    ـ سيد أوبح ، سيد أوبح ( هكذا نطلق عليه )
    ( حاول رفاقي كتم ضحكاتهم التي بدأت تتأجج بصدورهم ، نظرت خلسة إلى رفيقي بجواري فإذا بالعرق يتصبب منه بغزارة ،
    همست دون أن ألتفت إليه )
    ـ مالك ياد يا طه ؟
    ـ عطشان يا محمد ، خلاص مش قادر ، ها أموت...
    ـ طب ما تستأذن من ( سيد أوبح ) و تروح تشرب .
    ـ خايف أقوله ليمشيني و يخصم مني النهارده كمان ، اسكت اسكت على اللي أمي عملته في امبارح لما روحت لها من غير فلوس .
    ـ قال إيه اللي رماك ع المر ؟
    ( نقرات على زجاج سيارتي المغلق سحبتني من بين حقول الذكريات ،
    نظرت جانبي و إذا بطفل أشعث أغبر يتصبب عرقا ،
    بائع المناديل ،
    مد يده الواهنة بإحدى العلب ،
    فتحت زجاج النافذة فبادرني )
    ـ و النبي تجبر خاطري يا بيه ، و الله العظيم م الصبح ما بعت و لا علبة ...
    ـ تعالى لف ...
    ـ ها تشتري ؟
    ـ حط كل اللي معاك على الكرسي ورا .
    ( فتح الطفل الباب الخلفي و وضع ما يحمله )
    ـ ستين جنيه بس يا بيه عشان خاطرك ...
    ـ طب لف تعالى اركب .
    ـ لأ معلش بالسلامة أنت ، أصلي لازم أعدي على أخويا قبل ما أروح .
    ( أبواق السيارات من خلفي تطالبني بالتقدم )
    ـ تعالى اركب و ها نعدي عليه سوا ، اطلع اطلع .
    ( التف الطفل في خفة و ركب إلى جواري ، بينما أخرجت يدي معتذرا )
    ـ خد .
    ـ إيه ده يا بيه ؟ ما فيش معاك فكة ؟
    ـ لأ مش عاوز باقي ، خدها كلها .
    ـ ميت جنيه بحالها ؟
    ـ مش خسارة فيك .
    ـ تشكر يا ذوق ، روح الله يسترك دنيا و آخرة ، و الله ما أنا عارف أقول لك إيه .
    ـ ما تقولش حاجة ، هو أخوك بيشتغل فين ؟
    ـ عند العمارة العالية اللي هناك دي ...
    ـ و بيشتغل إيه بقى ؟ بيبيع منادل برضه ؟
    ـ لا ده واد مية مية و يعجبك ، مش خايب زيي ، ده مناول قد الدنيا ...
    ـ مناول ؟
    ـ أيوة ، مرة ورا نقاش مرة ورا بنا ، أهي بتفرج ، و أهو بيتعلم له صنعة ...
    ـ طب و المدرسة ؟
    ـ مدرسة إيه يا بيه ؟ ما تصلي ع النبي ف قلبك ...
    ـ اللهم صل عليك يا نبي ، أفهم من كده إنكم مش في مدارس أصلا ؟
    ـ و ها ناكل و نشرب أنا و أمي و أخواتي السبعة منين إن شاء الله ؟
    ـ أيوة بس أنت صغير ع الشغل لسه و القانون بيمنع شغل الأطفال اللي في سنك .....
    ( انفجر الطفل في الضحك )
    ـ شي لله يا قانون ، و النبي تقول للقانون بتاعك ده ينقطنا بسكاته و يتلهي على عينه ، هو القانون ده لا بيرحم و لا عاوز رحمة ربنا تنزل ؟
    بذمتك قانون إيه ده اللي عاوز يجوعني و يعريني أنا و أمي و أخواتي السبعة ؟
    و إلا تكونش فاكر إنه بقى بسلامته هو اللي ها يأكلنا و يلبسنا و يصرف علينا ؟
    ـ لأ طبعا ، بس المفروض إن أبوك هو اللي يصرف عليك و على إخواتك ...
    ( ضحك الطفل ساخرا )
    ـ و تفتكر يعني الكام ملطوش اللي كان بياخدهم ( الله يرحمه ) كانوا ها يكفونا عيش حاف ؟
    ـ هو أنت أبوك ميت ؟
    ـ أيوة ، بعيد عنك وقع من على السقالة م الدور الرابع ها ها ها ...
    ( أخذ الطفل يضحك )
    ـ لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ، طب و هي دي حاجة تضحك ؟
    ( حاول الطفل السيطرة على ضحكاته فلم يستطع )
    ـ و هو فيه إيه في الدنيا دي ما يضحكش يا بيه ؟ إنت ما سمعتش اللي بيقول لك ، هم يبكي و هم يضحك ؟
    ـ طب و إيه اللي يضحك هنا ؟ مش فاهم .
    ـ أصل أبويا الله يرحمه لما وقع م الدور الرابع ، نزل على عربية نقل شايلة أكياس قطن كانت واقفة تحت العمارة ها ها ها ....
    ـ سبحان الله ، ها ها ...
    ( فلتت مني الضحك على وقع ضحكاته )
    ـ ها ها ، نزل مش مصدق نفسه و قعد يشكر السواق و يبوس فيه و يحمد ربنا إنه نجاه م الموت ، ها ها ها ،
    و قال إيه راسه و ألف سيف إنه لازم يجيب للسواق حاجة ساقعة ،
    السواق يقوله : يا عم خلاص حمد الله على سلامتك ...
    ( أخذته حالة هيستيرية من الضحك )
    أبويا يقوله : و الله لا يمكن لازم أجيب لك إزازة كاكولا ..ها ها ها ....
    السواق يقوله : يا عم مش مستاهلة ، المهم إنك بخير ...
    و ده راسه و ألف سيف يعدي الشارع يجيب له الكاكولا ، ها ها ها .....
    و لسه بيعدي الشارع ... هاها .. هاها ... هاها ... ( إزدادت ضحكاته إلا أن الدموع بدأت تفر من عينه ) قامت جاية عربية طايرة زي الصاروخ ... و قامت خبطاه مموتاه .. هاها ......
    ( عندها لم أتمالك نفسي فانفجرت في الضحك المختلط بالبكاء ، حاولنا السيطرة على أنفسنا و لا فائدة ،
    لم أجد إلا سؤال واحد يلح على لساني ، حاولت منعه و حاولت ، ففشلت ،
    عندها دست على المكابح بكل قوة ،
    تعالت صرخات العجلات حتى توقفت السيارة ، فبادرته بسؤالي )
    ـ طب و صحته عاملة إيه دلوقتي ؟؟؟؟؟
    ( انفجرنا في الضحك و البكاء حتى اختفى الضحك رويدا رويدا و تبقى البكاء
    )
يعمل...