نظرة في الثوراتالعربية
أحمد الحاج عبد الرحمن - الصومال
أولاً: لا يستطيع أحد أن يدافع عن الدكتاتوريةالعربية التي أذلت الجميع وأهانت الكل وأوصلت مجتمعاتها إلي الحضيض في كل شيء، ومعهذا فلا يستطيع أحد أن يجزم بأن الثورات العربية ستؤدي إلي ما يؤمله الناس ويشتاقونإليه من عز وكرامة وعدالة وتقدم نظراً إلي ما يحيط بهذه الثورات من عقبات وعراقيل. ومع أن التعاطف بهذه الثورات مقبول من الناحية الإنسانية لنشدان الجميع تغييراًأفضل وتحولاً أحسن، وصدق الشاعر العربي في قوله: منى إن تكن حقاً تكن أحسن المنىوإلاّ فقد عشنا بها زمناً رغدا، لكن على النخب المثقفة أن لا تغتر بالشعارات ولاتقنع بالأجواء الاحتفالية ولا الهدير الجارف المهيب، فلا أظن أن تكون لدى الثوارخطط مفصلة ولا أجندات محددة، غير حبها للتغيير ومعارضة الأنظمة السابقة والدليل علىمحدودية نظر الثوار انشغالهم بالثأر من الأنظمة السابقة وتركيزهم علي الماضي بدلالاهتمام بالمستقبل، ومما يحدد تأثير الثوار عدم استلامهم مقاليد الأمور بعد، بل إنبقايا النظام البائد هو المتنفذ حالياً وفي المدى المنظور، ولا يُجمع الثوار غيرمعارضة الأنظمة السابقة، وإن أعطي لهم دور فسيواجهون تركة ثقيلة، وسيتضح للجميعسهولة المعارضة وصعوبة تحقيق الشعارات، ولا ننسى الدور الأجنبي في رسم السياساتالاقتصادية والأمنية والاستراتيجية، كل هذا وأشباهه يضعف الأماني العريضة التييعلقها البعض على اضطلاع الثوار بدور مفصلي في تحول عريض وتغيير شامل. لا تعني تلكالنظرة المتحفظة تقليل ما قام به الثوار في هذه المرحلة من إطلاق سراح سجناء سياسةورأي، أو عودة كثير ممن اغتربوا عن أوطانهم بغير إرادتهم، أو السماح للبعض بممارسةحقهم السياسي والإعلامي، أو الشعور بالأمل، هذه الأمور وغيرها تحققت بفضل هذاالتحول، ويجب أن يحسب للثورات هذا الإنجاز، ومع هذا فلا ينبغي التغاضي عن الأخطارالحقيقية والقدرة المحدودة ونقاط الضعف الظاهرة، لأن تغافل هذا الأشياء في ظل الفرحالعارم قد يؤدي إلي إحباط شديد ونكسة خطيرة، فالتفطن لنقاط الضعف في وقت مبكر قديسهل تفادي بعض الأخطاء أو يقلل من الانتكاسة الارتدادية.
ثانياً: هل هي ضربة لازبأن يكون تعافي المجتمعات العربية والإسلامية وفق أطر مستوردة ونماذج غربية؟، وهلالديمقراطية الغربية هي الكلمة السحرية والبلسم الشافي لكل أدوائنا وعللنا؟ أليستقيمنا وظروفنا تختلف عن تلك الموجودة في الغرب؟ إن اختزال جميع أدوائنا بترديد هذاالمصطلح والتغني بهذا الشعار دون النظر إلي أمور كثيرة استخفاف بالعقول وتقليد أعمىيؤدي إلي تخدير الشعوب وإلهائها عن البحث عن مواطن ضعفها الحقيقي، وفقدان أكبر مفجرللطاقات وملهم لنهضة حقيقية، أعني تفرد هذه الأمة بقيم وتميزها بخصائص دون أن يؤديذلك إلى عزلتها وعدم الإفادة من تجارب غيرها. والظاهر من صنيع الغرب أنهم جعلواالديمقراطية الإنجيل الجديد فالقبول والرضا منوط بأن تحذو حذوهم وتسلك سبيلهموتحاكيهم في أمهات المسائل، فهل هذه طريقة ديمقراطية أصلاً (على طريق الإلزام)؟فلماذا لا يقبلون قيم غيرهم إن لم تكن الديمقراطية نمطية أو مسيسة؟ ولماذا يرفضونبعض الأحزاب التي فازت وفق هذه اللعبة كحماس والإنقاذ الجزائرية؟ ولماذا أيدوا بعضالديكتاتوريات وأمدوهم بأسباب البقاء ثم انقلبوا عليهم بعد استنفاد الغرض منها؟ وماهذا التباكي الآن على الحريات المفقودة والأموال المنهوبة في عصر فلان وعلان وكأنهماكتشفوها الآن؟ ألم يأخذوا النصيب الأوفى والسهم الأعظم في كل ما حدث من انتهاكللحريات والتستر على كل الجرائم ونهب الأموال وإيداعها في بنوكهم؟ ما هذا النفاقوما هذا الاستخفاف بعقول الشعوب؟ وكيف يستنجد بهم البعض وقد اتضح دورهم المشين لكلذي عينين؟.
ثالثاً: إن المدح المفرط للثورات من قبل بعض الدعاة والعلماء وتصويرهاكأنها فتح جديد وخالد آخر تسرع غير مناسب لحملة الشرع، فقد ظن البعض أنها فتوىشرعية وليست رأياً شخصياً، وتكلَف البعض فحاول تكييف هذا الحدث واجتهد في سوقالأدلة على مشروعيته وأطلق على المنتحر اسم الشهيد، وقد كان من الحكمة التأني فيإصدار الأحكام في أمر حادث لم تكتمل صورته بعد وتشوبه بعض الشوائب في ميزان الشرع،لأن من الثابت شرعاً حرمة الفوضى أو ما يؤدي إليها، وما اكتنف تلك المظاهرات منازهاق للأرواح وإتلاف للمال وتعطيل للمصالح، وكذلك إطلاق بعض المصطلحات المجملةالتي لا تقبل بإجمال. ولم تكن هنالك ضرورة شرعية ملحة في التعجل في إصدار الأحكاممدحاً أو ذماً، وقد تعجل بعض الدعاة سابقاً في دبج المدائح للثورة الإيرانيةإبان نشأتها، وقبل ذلك مدحوا أتاتورك، بل بارك البعض إسقاط الخلافة العثمانية غيرمعتبر لقاعدة اعتبار المآلات، أو إبداء التحفظ على الأقل. وقد يقول قائل: هلالسلبية موقف؟ وهل من الحكمة السكوت في ظل هيجان الشعوب على الظلمة ومصاصي الدماء؟ألا يبدو الدعاة في لامبالاتهم تلك وكأنهم أعوان للظلمة وسند للطغاة؟ والجواب: منالحصافة أن يتصف الدعاة بالأناة والاتزان في أقوالهم وأفعالهم، لأن العامة تخلطكثيراً بين الاجتهاد الشخصي الصادر من الداعية القابل للصواب والخطأ وبين الموقفالذي يعبر عن الشرع المعصوم، وعليه فلا يتسامحون مع الدعاة إذا ارتكبوا خطأً كمايتسامحون مع الساسة، فكان من الخير لهم انتقاء ألفاظهم ووزن عباراتهم، والكلام علىما ينبغي فعله في هذا الظرف العصيب، وتوجيه الشعوب إلى ما يصلحهم، والابتعاد عنإبداء ضغينة شخصية أو تصفية حسابات مع نظام أو تيار حتى ولو لقوا منه الظلم والعنت. والحل الأنجع في خروج الأمة من أزمتها هو التحاور والتصالح وعدم إقصاء طرف، لأنمسلك الإقصاء أدى في السابق إلى الاحتقان الحالي، ولن يؤدي إلى حل دائم وإلى نهضةمعتبرة في اللاحق. والمطلوب من الأمة أيضاً: النظر إلي الأمام في الخروج من أزمتهابتحديد الألويات ووضع الاستراتيجيات القريبة والبعيدة والتعامل مع الواقع بحنكةودراية والتفريق بين المأمول والمتاح، والتفطن للعقبات والعراقيل الموجودة،والاستفادة من جميع طاقات الأمة، وتغليب مبدأ المصالحة علي مبدأ الانتقام وتصفيةالحسابات.
وفق الله الأمة لما يصلحها ويسددها.