قراءة نقدية لنص(همسات في آذان البحر)للشاعر المغربي عبد اللطيف غسري/ بقلم: الأديب والناقد العراقي عباس باني المالكي (الجزء الثاني)


لقلبيَ أن يَحْضُنَ المَوْجَ،
أنْ يَسْألَ الوَقتَ كمْ عَدَدُ السَّمَكاتِ اللوَاتِي تـَعِبْنَ
مِنَ الغـَوْصِ فِي عُنـُقِ المَاءِ
أوْ مِنَ مُصَافـَحَةِ البَحْر إثـْرَ أفـُولِ المَرَايا
وَلمْ أسْتطِعْ أنْ أضُمَّ
شِفاهَ التبَاريحِ عنْ كـَشْفِ خَارطـَةِ الشـَّوْقِ
قلتُ لـَهُ تِلكَ أمْنِيَتِي أيُّهَا البَحْرُ؛
أنْ أرْكبَ الرَّمْلَ فوقَ كـَثِيبِ الحَنِينِ
فأنـْثـُرَ بينَ يَدَيْكَ حُبَيْبَاتِ بَوْحٍ سَتـَخْضَلُّ تـَنـُّورَة ُالعِشْقِ




حيث نلاحظ هنا أن الشاعر قد أستخدم اللغة المعبرة بكاملها عنالتقارب الوجودي بين دقات القلب وموج البحر وهذا يعتبر قدرة رائعة على تحقيقالتجاذب في ألاستعارة بين الموج ودقات القلب وقد أستخدم هنا الاستعارة بوصفها مجازاحيث أن قدرة أي شاعر تظهر من خلال الاستخدام الأمثل إلى الاستعارة لأنها العنصرالأهم في العملية الإبداعية وذلك لارتباطها بالإلهام والإبداع وكما أنها مرتبطةبأحداث الانزياح في تركيب الصورة الشعرية وما أكد عليها الشريف المرتضى ( أن الكلاممتى ما خلا من الاستعارة وجرى كله على الحقيقة كان بعيدا عن الفصاحة بريا منالبلاغة ) حيث نلاحظ الشاعر عبد اللطيف غسري أستخدمها ليبني في هذا النص اللغةالإبداعية التي استطاعت أن تقارب البحر مع تموجات روحه القلقة لأننا نلاحظ أنالشاعر في هذا المقطع قارب لغة البناء المعماري في اللغة فهو بقدر ما يدعو إلىالغوص يرى المرايا التي تعكس الظواهر حيث نجد مداخلة كبيرة في إحداث الانزياحالانسيابي وليس القصري فهو يدعو إلى قلبه أن يحضن الموج وهذه صورة شعرية عاليةالاستعارة لأنها تمزج بين القلب الذي هو مركز حياة الإنسان وبين الموج أي أن الشاعريريد أن يقول من خلال هذا أنه يعيش القلق الوجودي بكل أبعادة البستمولوجية أي عمقالحياة الحضارية فالغوص هو البحث عن الحقيقة الحياتية ولكن نجد هنا الغوص من خلالعنق الماء أي أن الحياة ضاقت عليه بالرغم من قدرته على امتلاك العمق الرؤيا وسعةأزمته ( لقلبيَ أن يحضن الموجَ، /أن يسأل الوقت كم عدد السمكات اللواتي تعبنَ /منالغوص في عنق الماءِ)
ولكن هذا العمق وسعة االأزمة تبقى ظاهرا في المرايا وهناأستخدم استعارة التضاد فهو بقدر مايملك من مشاعر وجدانه عميقة يبقى الأخر لا يرىالعمق إلا في المرايا وهذه هي أزمة الشاعر هنا في هذا النص هو يريد أن يعيش العمقوالأخر تجذبه ظواهر الحياة الأفله(أو من مصافحة البحر إثر أفول المرايا ) وهو بهذاأستعار البحر بدل الحبيب ليرسم أناشيده ، والسبب الذي دعا الشاعر لهذه الحالة هو أنالأخر لا يمكن أن يستوعب عمق روحه في الشوق و الحنين إليه لهذا حدث تجاذب نفسي بينروحه والبحر ليحقق التوازن النفسي الدلالي في استيعاب همومه التي لا يدركها الأخر،أي أن البحر أصبح هو الحبيب الذيينشده فالشاعر ارتقى بدلالته الشعرية إلى إضفاءالصفات الإنسانية على كل من المحسوسات المادية والأشياء المعنوية أي جعل من المعنويماديا أو حسيا على سبيل الاستعارة ، وهذا مركز أبداع الشاعر وقدرته العالية فيتوسيع أفقه الشعري والبناء العميق للنص وفق أنساق التجاذب الوجودي لأزمته الإنسانية ( ولم أستطع أن أضمّ /شفاه التباريح عن كشف خارطة الشوقِ /فقلت له تلك أمنيتي أيهاالبحرُ؛ )
حيث يبقى شوقه خارج خارطة الشوق ، لهذا يبقى متشبث بالبحر رمزا للحبيبفي كل مخاضاته الوجودية والإنسانية لأنها أكبر من أدراك الأخر لكل هذه العشق فيداخله إليه ، وقد يكون هنا الشاعر لاستطيع البوح إلى الأخر بمكنوناته لأسباب أو أنالشاعر يدرك أن الأخر لا يستطيع أن يستوعب عمق أحاسيسه وفي كلا الحالتين تبقى أزمتهيعيشها في ذاته فكان البحر هو المستوعب لكل هذا ، فهو هنا خلق التماثل الشخصيل(الأنا ) ومثلها بالبحر لتقارب أو التجاذب النفسي لحقيقة مشاعره المتقاربة من صورةالبحر ...

يتبع...