قراءة نقدية لنص(همسات في آذان البحر)للشاعر المغربي عبد اللطيف غسري / الجزء الثالث
بقلم الناقد والأديب العراقي عباس باني المالكي
مِنْ زَهْرهَا المُسْتبَاحِ
بـِليْلٍ تـُرَاودُهُ ذِكرَيَاتُ الصَّبَاحِ
وَأمْنِيَتِي أنْ أجـِيئكَ فوقَ جَناحِ السَّنونو،
إناثُ البَلابلِ يَتـْبَعْنـَنِي
قدْ سَكِرْنَ بـِخَمْر الأقاحِي
تـَضِجُّ حَناجـِرُهُنَّ بـِأنـْشُودَةِ الشَّرْْقِ
كمْ ضَاعَ فِي صَمْتِكَ العَذبِ مِنْ حُلـُمٍ أيُّهَا البَحْرُ
لا تـَنـْسَ أنـَّكَ كـُنـْتَ لـَفِيفـًا مِنَ الضَّوْءِ
ويستمر الشاعر بالصورة الأستعاريةذات الطاقة الجمالية وما يرافقها من تداخل الحواس مع تماثل البحر، فهنا ارتفعتالذات إلى مستوى الرمز ، ولكي يكتسب هذا الرمز أبعاده الوجودية من امتداد خلالمدارك الحواس وتمثل هذه الحواس إلى الصورة تستمد مقوماتها في الفعل الذهني المترابطمع تشظي وجدان الشاعر ومداركه الشعرية ..، عندها تقفز الذات إلى تمثيل الوجود الذيحولها لكي تكسب الحقيقة في خلق تصوراتها الإنسانية ، وهذا ما فعله الشاعر عبداللطيف بقدرة عالية اللغة والمستمدة نسقها من ضخامة معاناة هذا الشعر وأزمتهالنفسية ، حيث اكتسبت الصورة المتمثلة بالبحر والموجودات التي حوله ، حيث نلاحظ أنالشاعر هنا يمازج بين ذاته وهذا الموجودات وانفتاح هذا بأفق واسع كما نلاحظ في هذاالمقطع ( من زهرها المستباحِ /بليل تراوده ذكريات الصباحِ /وأمنيتي أن أجيئك فوقجناح السنونو، /إناث البلابل يتبعْنني /قد سكرْنَ بخمر الأقاحي ) وهنا الشاعر يحققرؤاه الحلمية بالانتقال من التجاذب مع أمواج البحر التي تذكره بالحبيبة الغائبة فيحاضره الآن ، الشاعر كان أمام البحر وبعد أن هدئت روح من هيجانها وأطمئن أنتقل إلىالحبيبة فهو يريد أن ينتقل إليها على أجنحة السنونو فقد سكر بخمر الأقاحي ، لأنالشاعر بعد أن تمازجت روحه الهائجة مع أمواج البحر وأطمئن من حبها أراد أن ينتقلإليها ، أي الشاعر بعد ما تأكد من حب حبيبته وعمق هذا الحب أراد أن يعبر لها عن هذاالحب لأنه وصل إلى حالة السكر بخمر الأقاحي أي أن روحة أطمئنت إلى هذا الحب ، ولإدراكه ببعد هذه الحبيبة أنتقل إلى مغازلة البحر ، وهذه المرة كان البحر متمثلبحبيبة وليس كما كان في المقطع الأول بين ذاته والبحر من خلال الحوارية ( تضجحناجرهن بسيمفونية الشرقِ /كم ضاع في صمتك العذب من حلُم أيها البحرُ /لا تنسَ أنككنت لفيفا من الضوءِ ) حيث نلاحظ هدوء ذاته وتأكد انتمائها إلى الشرق ، أي هو يؤكدانتمائه العربي ، وقد تكون هذا الحبيبة من الجهة الثانية من البحر لأن الشاعر هنايؤكد على أن البحر هو لفيف من الضوء أي أن الشاعر كثيرا ما يحدق في النهارات إلىالبحر وبعد حبيبته خلف هذا البحر ، والجمال الذي يكمن في هذا النص تدرج ذات الشاعرمن الموج والتشظي إلى الهدوء السيمفوني وكأنه يعزف سيمفونية بتوترها وهبوطهاوتوترها .. وهذا السبب الكبير أن الشاعر حافظ على صورته الشعرية رائعة لنهاية النص ....