أولاً : نشأة النثر الجاهلي
إذا عرفنا حال العرب في الجزيرة العربية وجدناهم متفرقين في باديتهم المترامية الأطرف الواسعة الأكناف , ووجدنا القبيلة هي أساس الحياة الاجتماعية , يتمسك كل الأفراد بعصبيتهم لها , ويحرصون على عزتها وكرامتها .وقد سجل الأدب العربي مساكن كثيرة من القبائل العربية , والمواضع التي نزلتها كل قبيلة , كما سجل تفاخر هذه القبائل بالأنساب والأحساب وتكاثرهم بالأولاد والأموال , وغير هذا وذاك من نظام عيشهم الاجتماعي والسياسي .
ولقد كان لهذه الظروف أثر واضح ي الأدب الجاهلي بعامة , كما كانت تجر وراءها دواعي متعددة تجعل الجاهلي يفزع إلى النثر يحمله التحريض على القتال , وبث الحمية في النفوس , كما يدعو فيه إلى السلم , ويؤدي به واجب السفارات بين القبائل وما إلى ذلك .
يضاف إلى ذلك أن العرب كانوا يعيشون حياة فطرية تستلزم وجود نثر فني لهم بشكل أو بآخر , يقول الدكتور زكي مبارك : " وخلاصة ما أراه أنه كان للعرب قبل الإسلام نثر فني يتناسب مع صفاء أذهانهم , وسلامة طباعهم , ولكنه ضاع لأسباب أهمها شيوع الأميّة , وقلة التدوين , وبُعدُ ذلك النثر عن الحياة الجديدة التي جاء بها الإسلام ودونها القرآن ".
ومن يلاحظ نثر الجاهليين يرى أن رواته يدورون في محاور ثلاثة :
المحور الأول : العامة وهم رواة الحكم والأمثال .
المحور الثاني : القُصَّاص وهؤلاء هم المسامرون الذين يجتمعون إليهم أبناء القبيلة ؛ طلبًا للسمر والتسلية .
المحور الثالث: الأمثال ذاتها .
وهذا يعني النثر الجاهلي قد توافرت له من وسائل الرواية ما يتناسب مع كل فن , وقد تمكن الرواة – على اختلافهم – من ربط العصر الجاهلي بما تلاه من عصور ؛ مما يضيق على المشككين شكوكهم , وعلى المنكرين إنكارهم .
.*** يتــــبع