ثالثًـا :الأمثال
تعريف المثل :
أ‌- في اللغة : "مِثل" كلمة تسوية , يقال هذا مِثله , ومَثَلُه كما يقال : شبهه وشبهه.
والمِثل: الشبه , والمَثَل والمثيل كالمثل , والجمع أمثال .
والمثل الشيء الذي يضرب لشيء مثله فيجعل مثله .
والمثال وضع شيء ما ليُحتذى به , وتمثل بالشيء ضربه مثلاً .
ب‌- في الاصطلاح : عرف ابن السكِّيت المثل بقوله : " المثل لفظ يخالف لفظ المضروب له , ويوافق معناه معنى ذلك اللفظ , شبهوه بالمثل الذي يعمل عليه غيره ".
أشاد أبو هلال العسكري ببلاغة الأمثال وحسن أسلوبها في قوله : " ثم إني ما رأيت حاجة الشريف إلى شيء من أدب اللسان بعد سلامته من اللحن كحاجته إلى الشاهد والمثل والشذرة والكلمة السائرة , فإن ذلك يزيد المنطق تفخيمًا , ويكسبه قبولاً ويجعل له قدراً في النفوس ..."
وتأتي أهمية الأمثال وروعتها في أنها خلجات نفس أُذيبت في ألفاظ ومشاعر روح ممزوجة في كلمات , وأنها سالت على الألسن دون تكلُّف , هذا فضلاً على أنها صدى بعيد المدى للأحداث الت قِيلت فيها أو سُجِّلت عليها .
وقد اشتهرت في العصر الجاهلي جماعة بكثرة ما كان يجري على ألسنتها من أمثال وحفظ عنها الكثير , ومن هؤلاء لقمان عاد , الذي تكرر ذكره على ألسنة الشعراء في أشعار كثيرة أورد طرفًا منها الجاحظ , وقال عنه : " وكانت العرب تعظم شأن لقمان بن عاد الأكبر والأصغر لُقيم بن لقمان في النباهة والقدر , وفي العلم والحُكم , وفي اللسان والحلم ".
من الأمثال الواردة في النثر الجاهلي :
· "لو غير ذات سوار لطمتني " وقد ورد في قصة لحاتم الطائي , رواها الأصمعي وهو مثل يضرب للكريم يظلمه دنيء فلا يقدر على احتمال ظلمه وربما قصد به أني لا أقتصُّ من النساء أنفة منه , والمعنى لو ظلمني من كن كفئًا لي لهان عليّ , ولكن ظلمني من هو دوني .
وهذا المثل يدل على التمايز الاجتماعي والطبقي المعروف في الجاهلية , فذات السوار هي الحرَّة , فجعل السِّوار علامة الحرية , لأن العرب قلما تُلبس الإماء السوار .
· " أخطب من سحبان وائل " وهو من باهلة وكان من خطبائها وشعرائها , وفي هذا المثل توكيد على أهمية الخطابة في العصر الجاهلي , وهو ما يتفق مع العادات والتقاليد العربية الجاهلية التي كانت تُعلي من شأن الخطيب وتخشى لسانه فتقبل طائعة أم كارهة على احترامه .
· " الدهر أبلغ في التنكير " والمراد أن الدهر يغيِّر ما يأتي عليه .



رابعًا :القصص
القصص لون آخر من ألوان النثر الجاهلي , ضَرَب بجذوره في أعماق العصر , واستمد عناصره ومكوناته ومادته من البيئة الجاهلية , وعبر بكل وضوح عن جوانب مهمة من حياة الجاهليين وهم يمارسون كغيرهم العيش في حياة لها طبيعتها , وعاداتها وتقاليدها , وقيمها .
أسباب تطور وازدهار القصص في العصر الجاهلي راجع إلى أمرين :
الأول : تعدد المصادر والمنابع التي استقى القُصُّاص منها مواد قصصهم مما جعل المجال مفتوحًا للإخبار والإبداع ؛ وذلك لأن الحياة الجاهلية أصبحت حياة مليئة بكثير من الأحداث , سواءً على مستوى الأسرة الواحدة أو على مستوى القبائل وطبيعة العلاقات بينها .
الثاني : حاجة القوم وغاياتهم المتعددة من الإصغاء إلى القصص , والاستماع إليها بتركيز واهتمام , ومنح القصاص الاهتمام والعناية , وذلك كله أثره الواضح في كثرة القصص , ونشاط القصَّاص واهتمامهم بفنهم الذي أتقنوه .
ومن أشهر القصص :
ما حكته العرب على لسان الحية أن أخوين كانا في إبل لهما،فأجدبت بلادهما ، وكانا من بالقرب منها وادٍ خصيب ،وفيه حية تحميه من كل أحد ،فقال أحدهما للآخر :يا فلان ، لو أني أتيت هذا الوادي المكلئ.فرعيتُ فيه بلي وأصلحتها،فقال له أخوه : إني أخاف عليك الحية ،ألا ترى أن أحداً لا يهبط ذلك الوادي إلا أهلكته ؟ قال:فو الله لأفعلن ،فهبط الوادي ورعى به إبله زماناً ، ثم إن الحية نهشته فقتلته ،فقال أخوه:والله ما في الحياة بعد أخي خير،فلأطلبن الحية ولأقتلنا أو لأتبعن أخي ،فهبط ذلك الوادي وطلب الحية ليقتلها ،فقالت الحية :ألست ترى أني قتلت أخاك ؟فهل لك في الصلح فأدعك بهذا الوادي تكون فيه أعطيتك كل يوم ديناراً ما بقيت ؟قال:أو فاعلة أنتِ ؟قالت:نعم ،قال:إني أفعل ، فحلف لها وأعطها المواثيق لا يضرها ، وجعلت تعطيه كل يوم ديناراً ،فكثر ماله حتى صار من أحسن الناس حالاً ، ثم إنه تذكر أخاه فقال: كيف ينفعني العيش وأنا أنظر إلى قاتل أخي؟ فعمد إلى فأس فأخذها ،ثم قعد ها فمرت به فتبعها فضربها فأخطأها ،ودخلت الجحر ،ووقعت الفأس بالجبل فوق جحرها فأثرت فيه ،فلما رأت مافعل قطعت عنه الدينار ،فخاف الرجل شرها وندم، فقال لها :هل لكِ في أن نتواثق ونعود إلى ماكنا عليه ؟ فقالت :كيف أعاودك وهذا أثر فأسك!
الغايات التي من أجلها كثُرت القصص في العصر الجاهلي :
1- التعرف على العالم المحيط بهم .
2- الوقوف على أنباء الحروب والمعارك .
3- التعرف على حياة الملوك والكبراء.
4- التعرف على ترك أسلافهم ،وأمجادهم.
5- التعرف على موارد الحكم ولأمثال التي ذاعت وشاعت آنذاك.
6- التسلي وإزجاء الفراغ ،وقضاء أوقات السمر .
وأخيرًا فإن وجود طائفة من القصَّاصين منهم النضر بن حارث , وتميم بن أوس الداري , والأسود بن سريع , دليل واضح على وجود القصص الذي كان لهم أثر بارز في نشره وإذاعته بين أفراد المجتمع .


انتهى
المرجع : النثر الجاهلي بين الأصالة والانتحال , للدكتور:عبدالرحمن بن عثمان ..