الخصائص الفنية لمدرسة الجاحظ في الكتابة
كانت حالة النثر الفني في القرن الثاني الهجري , الذي ولد في منتصفه أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ , قد وصلت إلى مستوى مناسب لبروز الجاحظ وطريقته الخاصة في الكتابة , فما كُتب في النثر الفني من عبد الحميد الكاتب , وعبدالله بن المقفع , وسهل بن هارون , عبر مراحل التطور الفني للنثر العربي , كان يعد مقدمة للتطور الكبير الذي تم على يد الشيخ أبي عثمان الجاحظ في حالة النثر , حيث أنهم ( أضافوا إليه خصائص جديدة , لم تكن موجودة بشكل محسوس من قبل ...وأن هؤلاء الرجال هم الذين قد انعكست على أساليبهم المعالم الأولى لذلك التطور , وأن هذه المعالم قد انتهت إلى قمتها العليا عند الجاحظ ) .
فملامح الأسلوب الجاحظي قد ظهرت عند هؤلاء الكتاب الثلاثة , ولكنها لم تكن ناضجة بالمستوى الذي تجسد عند الجاحظ , فالقارئ يجد الميل إلى توازن العبارة مع ظهور ملامح للسجع , واقتران ذلك بالإطناب وكثرة العطف والترادف عند عبد الحميد الكاتب , كذلك يجد الاسترسال العذب واستخدام الألفاظ والعبارات المبسطة , حسب الأغراض والمعاني عند ابن المقفع , على الرغم من أن بعض الباحثين قد أخرجه من دائرة الفصاحة وعد أسلوبه كثير العجمة وغامضًا وكثير التكرار بلا مسوغ , لا يمكن إعمام هذا الرأي على كل نتاجه , فلا يكفي وجود ألفاظ معدودة غير فصيحة في نثره دليلاً على عده غير فصيح , على أن الألفاظ التي عُدَّت أعجمية , مثل : الاستجراح والتربيض قد تعرضت للتصحيف , حيث أن أصل الأولى "الاستجراع "بمعنى العيب, والثانية "تربض" وقد وردتا بلفظيهما الصحيحين في كتاب رسائل البلغاء , مما يرد هذا الرأي , وقد خطا سهل بن هارون خطوة نحو أسلوب الجاحظ ؛ حيث أنه كان يؤدي في رسائله ضروبًا من التوقيع والترادف الموسيقي .
وفي هذا المقام لا يمكن أن نعد هؤلاء الكتاب وحدهم الذين أثروا في الجاحظ , ولكن كل ما قرأه الجاحظ قد أسهم في إنضاج أسلوبه , غير أن ملامح بسيطة من طريقته قد ظهرت في كتابات هؤلاء الكتاّب الثلاثة كما مر , ولعل الاطلاع على نتاجهم يكفي من يريد دليلاً عبى ذلك .
المرجع : النثر الفني عندأبي حيان التوحيدي , للمؤلف : فائز طه عمر