الطريقُ إلى تعلمِ الكتابةِ




إن الطريق إلى تعلُّم الكتابة على ثلاثِ شُعب :


الأولى : أن يتصفح الكاتب كتابة المتقدمين ويطلع على أوضاعهم في استعمال الألفاظ والمعاني , ثم يحذوَ حذوهم , وهذا أدنى الطبقات عندي .


الثانية : أن يمزج كتابة المتقدمين بما يستجيده لنفسه من زيادة حسنة إمّا في تحسين ألفاظ أو في تحسين معانٍ , وهذه هي الطبقة الوسطى وهي أعلى من التي قبلها .


والثالثة : أن لا يتصفح كتابة المتقدمين ولا يطَّلعَ على شيء منها بل يصرف همه إلى حفظ القرآن الكريم وعدّةٍ من دواوين فحول الشعراء ممن غلب على شعره الإجادةُ في المعاني والألفاظ , ثم يأخذ في الاقتباس فيقوم ويقع ويخطئ ويصيب ويضل ويهتدي حتى يستقيم على طريقةٍ يفتتحها لنفسه .


وأخلق بتلك الطريق أن تكون مبتدَعةً غريبةً لا شركة لأحد من المتقدمين فيها , وهذه الطريق هي طريق الاجتهاد وصاحبها يعد إمامًا في فن الكتابة إلا إنها مستوعرة جدًا ولا يستطيعها إلا من رزقه الله لسانًا هجَّامًا وخاطرًا رقامًا , ولا أريد بهذه الطريق أن يكون الكاتب مرتبطًا في كتابته بما يستخرجه من القرآن الكريم والشعر بحيث لا ينشىء كتابًا إلا من ذلك بل أريد أنه إذا حفظ القرآن وأكثر من حفظ الأشعار ثم نقب على ذلك تنقيب مُطَّلع على معانيه مفتش عن دفائنه وقلَّبه ظَهرًا لبطنٍ عرف حينئذ من أين تؤكل الكَتِفُ فيما ينشئه من ذات نفسه واستعان بالمحفوظ على الغريزة الطبيعية .(المثل السائر باختصار)





المرجع : جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب , للمؤلف : أحمد الهاشمي