أحلام البيادق
البيدق إذ ملًّ موج البحر تأكله الفيلة أو تدوسه أحصنة البراري
في آخر النهار بحثت عنه وقد هرب من رقعة الشطرنج، فوجدته يتأمل مشهد غياب الشمس وقد التمع رأسه فغلب عليه اللون البرتقالي، وقد تطاول ظله على شكل إنسان هزيل.
كذبت عيني إذ رأيته يهتز، وكلما غاب قرص الشمس وراء الأرض العتيقة، زادت حركته حتى سمعته يتنهد وقد لاحظت حبات دمع تتطاير مع الريح.
اقتربت منه لا يد له يمسح دموعه ، شاهدني لا يد له يحضنني ، فحضنته فانهار باكياً يجهش بالبكاء.
البيدق الصامت ما عاد يحتمل إثم الحلم، وقد أجهزت على قلبه جراح العشق، فقلت له ما بك... هيا قلّ لي.
قال: في اللعبة الماضية ماتت الملكة ، كم كنت أحلم أن أكون وزيرها، كنت أحلم أن أتزوجها وأدافع عنها وأموت فداءً لها، لكن الوزير الخائن باع المملكة.
كنت أقف في مكاني زماناً طويلاً، أحياناً أخترع لنفسي لعبة أحكي معها، أحياناً أتخيل أن لي شعراً أمشطه إلى الجهة اليمنى فتعجب بي الملكة ، وأضحك من مظهري إذ رضيت بالصلع شعراً لي.
ربما كنت أفضل مخترع في عالم البيادق، وأجمل ما اخترعته بعد حب الملكة هو النشيد الوطني للبيادق، وصارت البيادق تردده خلفي ، لكن ما فائدة النشيد الوطني وقد باعت الوزراء المملكة.
فقلت للبيدق : هون عليك ، ما رأيك أن أضع الوزير في مكانك في الجهة الأمامية، وأَضعك بجانب الملكة فقال: الوزراء وكبار المسؤولين دائماً يحبون الصفوف الأمامية لكن في المعركة يحبون الصفوف الخلفية.
إن الوزير أضعف أن يكون في الصف الأول تنال منه أول هجمة من العدو، يكفني أن أموت شهيداً في سبيل الملكة ، وأنا من أنا حتى أفكر بالملكة ، لن أكون بطول وجمال الملكة ، يكفني أن أحبها من بعيد حتى وإن لم تحسّ بيّ وعاد للبكاء ، فحضنته أكثر لصدري.
لكني سمعت أصواتاً من حولي وإذ البيادق كلها قد تجمعت حولي وقد أجهشت بالبكاء.
ثم كفكفت دموعه وأخذته إلى رقعة الشطرنج ، وبدأت لعبة جديدة.
الملكة تزج بالأحصنة في تحركات الهجوم، والبيادق تشن هجوماً عنيفاً تفسح المجال للبيدق حتى يتقدم.
الفيلة والأحصنة تحاور وتأكل قطع العدو، والبيادق تتساقط واحدة تلو الآخر، يسقط أحدها فيتقدم آخر وبيدقنا يتقدم للأمام أكثر في حركة ذكية جريئة، وعلى الجناح الأيمن كانت هناك معركة ضروس وسقطت البيادق على أرض المعركة، وصهلت الأحصنة وتقدمت القلاع، والعرق يتصبب من البيدق وفي لحظة حاسمة خان الوزير مرة أخرى وباع المملكة بحفنة نقود ، وأصبحت الملكة في خطر داهم، فما كان من البيادق إلا أن أعلنت لحظة اللاعودة ، واندفعت تتساقط واحدة واحدة أمام وزير العدو، وفجأة أخذ البيدق الخطوة الحاسمة ودخل عقر دار العدو وتحول وزيراً حاصر ملكة العدو وأنهى اللعبة بهذا الاستبسال البطولي، الأحجار المتبقية تصفق لهذه اللحظة التاريخية، والبيادق التي استشهدت تبكي والدماء تقطر منها، والأحصنة تصهل والفيلة تموج ، ثم أفسحت الطريق أمام البيدق الوزير ليستقر بجانب الملكة معلنا عهداً جديداً لمملكة العشق.
طارق شفيق حقي
الصور
تقليص
لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.
أحلام البيادق، إهداء إلى رئيس الوزراء المنشق رياض الحجاب
تقليص
-
أنشأ بواسطة:
طارق شفيق حقي
- نشرت: 09-23-2012, 10:58 PM
- 0 تعليقات
-
Categories
تقليص
Latest Articles
تقليص
-
بواسطة طارق شفيق حقيذات زلزال
لسبب ما تحتاج كل قصة لمن يُخبر أحداثها ،ولسبب نجهله كنا نحن هذا المخبر.
ورغم كل الألم الذي يعتصر قلوبنا والذي نظن أنه قد وقع على ضحايا الزلزال الذين قضوا تحت ركامه.
لكننا كنا نصور حجم الألم الذي انسكب في قلوبنا أو تدفق من أرواحنا .
في اليوم السادس يختنق أمل العثور على ناجين جدد ،وقد تراكمت عدة أسقف وبضع جدران على الزجاجة التي كانوا ينتظرون الخروج منها.
لم نكن نظن أن الزجاجة التي سنخرج من عنقها يمكن أن تتحطم ذات زلزال.
نعم لقد تحطمت الزجاجة...-
المنتدى: قصة
02-13-2023, 01:07 AM -
-
بواسطة طارق شفيق حقيقال الشيطان للكاهن :...
” مرحبا أيها الأب الصغير السمين ! ما الذي جعلك تكذب هكذا على هؤلاء الناس المساكين المضللين؟ أي عذابات من الجحيم صورت لهم؟ ألا تعلم أنهم يعانون أصلاً عذابات الجحيم في حياتهم على الأرض؟ ألا تعلم أنك أنت وسلطات الدولة مندوباي على الأرض؟ إنك أنت من تجعلهم يعانون آلام الجحيم الذي تهددهم به. ألا تعلم هذا؟ حسنا إذاً، تعال معي ! “
شد الشيطان الكاهن من ياقته، ورفعه عالياً في الهواء، وحمله إلى مكان سبك الحديد في مصنع. وهناك رأى العمال يركضون على عجل ذهاباً وإياباً،يكدحون-
المنتدى: قصة
04-11-2022, 02:19 AM -
-
بواسطة طارق شفيق حقيكما لو أني أذكرها - طارق حقي
في بعد ما من الأبعاد التي لا يعرفها الفيزيائيون ، تتوق إلى قلبي نبضات من ضوء لم يكتشفها أينشتاين في نسبيته العامة أو الخاصة، ذلك أن هذه النبضات الضوئية تحتاج لنظرية نسبية لخاصة الخاصة.
في بعد ما من الأبعاد حيث لا بداية للفكرة ولا نهاية للإحساس ، لا مقياس لقياس الجمال أو ميزان للعواطف، في ذلك البعد ما إن تحاول أن تقيس خلجات الروح حتى تفقد قيمتها.
بشفيف من الإدراك العميق تتحسس هذا العالم مهملاً...-
المنتدى: قصة
10-12-2021, 11:45 PM -
-
بواسطة طارق شفيق حقي(( السّرير )) قصّة قصيرة / طارق حقّي
حين كنتُ صغيراً كنتُ أحبُّ أن تتدلّى يدي من فوق السَّرير
فتلامسُ أطرافُ أصابعي برودةَ البلاط ، تتأرجح يدي مع
تأرجح أفكاري.
لا أدري كيف تسرَّبت لمخيلتي ذات مرّة أنَّ هناك أفعى تقبعُ
تحت السّرير أو ربّما أكثر من واحدة، لم أدرك أنّ إيقاظ
الخيال يؤدّي حقّاً لإيقاظ الخوف، سحبتُ يدي فوراً ، وما
عدتُ أتركها تتأرجح في مجاهل مخيّلتي.
لم تنقُصني...-
المنتدى: قصة
07-26-2021, 01:37 AM -
-
بواسطة طارق شفيق حقيذات حديث
...
استدعى وزير الرقعة بيدقاً وقال له سنشكل خطة لأمن المملكة
قال البيدق :سأبذل الغالي للمملكة.
قال الوزير : سنحتاج إلى الانتخابات.
البيدق : سننتخب من ترونه مناسباً .
الوزير : سنحتاج معارضة لها .-
المنتدى: قصة
03-28-2020, 11:24 PM -