الصور

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

المثقّف العربي.. وسؤال ما العمل! صبحي غندور*

تقليص
X
تقليص
  •  

  • المثقّف العربي.. وسؤال ما العمل! صبحي غندور*

    المثقّف العربي.. وسؤال ما العمل! صبحي غندور*
    يتأزّم الإنسان، وكذلك الأمم والشعوب، حين يصل الفرد أو الجماعة، في مواجهة مشكلةٍ ما، إلى حالٍ من العجز عن الإجابة على سؤال: ما العمل الآن؟وعلى الرغم من التحدّيات والمخاطر الكبرى التي تتعرّض لها الأوطان العربية، متفرّقةً أو مجتمعة، فإنَّ الإجابة عن سؤال: "ما العمل" ما زالت متعثّرة على المستويين الوطني الداخلي، والعربي العام المشترك.ربّما المشكلة في السؤال نفسه، وليست بالإجابة عنه. فسؤال: "ما العمل"، داخل الوطن أو الأمّة، يقتضي أولاً الاتفاق على فهمٍ مشترَك للمشكلة والواقع، ومن ثمّ تحديد الهدف المراد الوصول إليه.المشكلة الآن على المستويين الداخلي والعربي العام هي في غياب الرؤية المشتركة التي منها تنبثق برامج "العمل" ومراحله التنفيذية. أيضاً، هذا السؤال يتطلّب معرفة من هم المعنيّون بتنفيذ "العمل" وبالقائمين عليه.. فهل هناك إجابات واضحة عن هذه القضايا؟
    ***
    أجواء الانقسامات والصراعات الداخلية تحوم في أكثر من بلدٍ عربي، والمنطقة العربية تؤكل أراضيها وسيادتها بعدما أُكِلت ثرواتها وخيراتها لعقودٍ طويلة ..صحيحٌ أنّ للأطراف الخارجية، الدولية والإقليمية، أدواراً مؤثّرة في تأجيج الانقسامات، لكن ماذا عن مسؤولية الذات العربية عن ما حدث ويحدث من شرخٍ كبير داخل المجتمعات العربية؟إنّ أسوأ ما في الواقع العربيّ الراهن أنّه لا يحمل في سياق سلبياته المتراكمة ما هو مبعث أمل، ولو بعد حين. فالتداعيات الجارية في أكثر من بلدٍ عربي تحمل مخاطر وهواجس أكثر ممّا هي انطلاقة واضحة نحو مستقبلٍ أفضل. ولو أمكن استطلاع رأي المواطنين العرب في أيِّ مكان عن واقعهم وعن رؤيتهم للمستقبل لكان الجواب مزيجاً من رفضٍ للواقع وخوفٍ من المستقبل. وخطورة هذا الأمر أنّه يفرز العرب بين تيّارين: تيّار اليأس والإحباط وفقدان الثقة بنتيجة أيّ فكر أو أيّ عمل، وآخر انفعالي متهوّر يرى في الانتحار طريقه لبناء حياةٍ أفضل!ولعلّ أسوأ ما في الواقع العربي الرّاهن هو حال التمزّق على المستويات كلّها بما فيها القضايا التي لا يجوز الفصل بينها أصلاً. فشعار الديمقراطية أصبح نقيضاً لشعار التحرّر الوطني، أو بالعكس! والولاء الوطني أصبح يعني تنكّراً للعروبة وللعمل العربي المشترك! والاهتمامات الدينيّة أصبحت خطراً على الوحدة الوطنية!.ويرافق هذا الحال من التمزّق في القضايا والأهداف، رؤى خاطئة عن "المثقّفين العرب" من حيث تعريفهم أو تحديد دورهم. فهذه الرؤى تفترض أنّ "المثقّفين العرب" هم جماعة واحدة ذات رؤية موحّدة، بينما هم في حقيقة الأمر جماعاتٌ متعدّدة برؤى فكرية وسياسية مختلفة قد تبلغ أحياناً حدّ التعارض والتناقض. وتوزيع دور هذه الجماعات لا يصحّ على أساس جغرافي أو إقليمي، فالتنوّع حاصلٌ على معايير فكرية وسياسية.صحيح أنّ "المثقّفين" هم الجهة المعنية بالردّ على سؤال: "ما العمل"، وما يسبقه من أسئلة تمهيدية تحقّق جدارة طرحه، لكن الانطلاق من فرضية أنّهم كتلة عربية واحدة تعيش واقعاً واحداً وتحمل فكراً مشتركاً، هي فرضية خاطئة وتزيد من مشاعر الإحباط والعجز.إنّ "المثقّف" هو وصفٌ لحالة فردية وليس تعبيراً عن جماعة مشتركة في الأهداف أو العمل. قد يكون "المثقّف" منتمياً لتيّار فكري أو سياسي يناقض من هو مثقّف في الموقع المضاد لهذا التيّار، وكلاهما يحملان صفة "المثقّف".ومن الأخطاء الشائعة أيضاً، تعريف المثقّف بأنَّه "المتعلّم" أو من حملة لقب "الدكتور"، أو بأنَّه "المعارض" أو "الثائر"... الخ، بينما حقيقة الأمر أنَّ "المثقّف" ليس هو فقط الباحث أو الكاتب أو المتعلّم، وليس فقط الرجل دون المرأة، وليس هو دائماً في موقع الرّافض أو المعارض أو "الوطني". فلا أحد ينكر على سبيل المثال، أنَّ الدكتور فؤاد عجميكان مثقّفاً مهمّاً من أصل عربي لبناني مقيم في أميركا، تماماً كما كان المرحوم الدكتور كلوفيس مقصود، لكن اشتراكهما في صفة "المثقّف" أو "الأصل العربياللبناني" لا يضعهما في حالةٍ متساوية أبداً، لا من حيث الفكر أو الدور أو العمل المخلص للقضايا العربية.لكن من المواصفات العامّة لتعريف "المثقّف الملتزم بقضايا وطنه أو أمّته"، هي الجمع لديه بين هموم نفسه وهموم الناس من حوله، كما الجمع عنده بين العلم أو الكفاءة، وبين الوعي والمعرفة بمشاكل المجتمع حوله. أي هو طليعة قد تنتمي إلى أي فئة أو طبقة من المجتمع، لكن تحاول الارتقاء بالمجتمع ككل إلى وضعٍ أفضل ممّا هو عليه.وهناك عددٌ لا بأس به من المثقّفين في المنطقة العربية الذين يرفضون الاعتراف بالانتماء إلى هويّة عربية، بل هم يناهضونها فكراً وعملاً، ومن دعاة هُويّات أخرى تتنكّر للعروبة، ورغم ذلك تجري تسميتهم ب"المثقّفين العرب"! لذلك من الأجدى دائماً وضع تعريف فكري وسياسي برفقة صفة "المثقّف"، وليس اعتماد الحالة الجغرافية كدلالة على المشترك بين المثقّفين.وما ينطبق على "المثقّفين العرب" يصحّ أيضاً على المثقّفين داخل كل بلدٍ عربي. فالحديث عن المثقّفين اللبنانيين أو المصريين لا يعني وجود توافق فكري أو سياسي بينهم يستوجب منهم عملاً مشتركاً. إذن، إنَّ سؤال: "ما العمل" على المستوى العربي المشترك، يتطلّب للإجابة عنه وجود مثقّفين يعتقدون أولاً بمفاهيم فكرية مشتركة حول الانتماء والهويّة، وحول توصيف الواقع وأسباب مشاكله، ثمَّ سعيهم لوضع رؤية فكرية مشتركة لمستقبلٍ عربيٍّ أفضل. عند ذلك يمكن لهذه الفئة من "المثقّفين العرب" أن تضع الإجابة السليمة عن سؤال: "ما العمل" .أمّا الحديث بالمطلق عن "المثقّفين العرب" والتساؤلات عن غياب دورهم، فهذا غير صحيح وغير واقعي.لكن المشكلة قائمة كذلك بحالة الضعف الحاصل حالياً في ظروف وإمكانات فئة "المثقّفين" المعتقدين فعلاً بالهويّة العربية، والرافضين فكرياً وعملياً للفصل بين أهداف تحتاجها الأمّة العربية كلّها. الضعف هو أيضاً في غياب التنسيق والعمل المشترك بين من هم فكريّاً في موقعٍ واحد لكنّهم عمليّاً وحركيّاً في شتات بل تنافس أحياناً!.ولأنّ الحركة السليمة هي التي تنبع من فكرٍ سليم... ولأنّ الفكر السليم هو الذي يستلهم نفسه من الواقع ليكون حلاً لمشاكله، فإنّ سؤال: "ما العمل" لتغيير الواقع العربي الراهن ولبناء نهضة عربية يتطلّب النهوض أوّلاً بدور المفكّرين والمثقّفين العرب الملتزمين بقضايا أوطانهم وأمّتهم العربية.إنّ شعوب الأوطان العربية عانت وتعاني الكثير من جرّاء خلافات على ما حدث في التاريخين العربي والإسلامي من صراعاتٍ داخلية ومن أدوار أجنبية مختلفة، وهي مسائل جرت في الماضي ولا يمكن الآن تغييرها أو إعادة تصحيح أخطائها، بينما تقدر هذه الشعوب والطلائع المثقّفة فيها على تصحيح واقعها الراهن وحاضرها الممزّق فكرياً وعملياً، سياسياً وجغرافياً. فشرط نهضة العرب الآن هو تجاوز ما حدث في التاريخ، وتصحيح ما هو واقعٌ من انقسام وتمزّق في الجغرافيا العربية.وما أحوج الأمّة العربية الآن إلى مؤسّساتٍ مدنية ومرجعياتٍ شعبية ترفض الواقع وتسعى إلى تغييره على أن يتمّ ذلك في إطار منظومة فكرية، تقوم على التلازم بين حسم الانتماء لوحدة الهويّة العربية وبين ضرورة التعدّدية الفكرية والسياسية في المجتمعات العربية. أي على أسس فكرية معاكسة لواقع الحال القائم الآن حيث تتصارع الهويات ضمن الدائرة العربية المشتركة بينما تنعدم الأطر السليمة لتعدّد الاتجاهات الفكرية والسياسية!.الأمّة العربية تحتاج إلى مؤسّسات وحركات شعبية ترفض الواقع، لكن ترفض أيضاً تغييره بواسطة العنف والإكراه. الأمّة العربية بحاجة إلى تيّارات فكرية وسياسية تصحّح الصورة السيئة والمشوّهة عن العروبة والإسلام، فلا التطرّف باسم الدين هو الإسلام، ولا الديكتاتورية باسم القومية هي العروبة. الأمّة بحاجة إلى حركة عروبية ديمقراطية لا طائفية، تُخلِص لأوطانها وتعمل لوحدة مجتمعاتها، وذلك أساس ومعيار عملها لصالح الأمّة ككل.19-2-2019
      لا يمكن إضافة تعليقات.

    article_tags

    تقليص

    Latest Articles

    تقليص

    • نقلة الغزالي الروحية
      بواسطة طارق شفيق حقي
      نقلة الغزالي الروحية
      الخوف من الله كان السبب وراء نقلة الغزالي الروحية وهي فترة تختلف عن فترة الشك المعروفة

      كثير منا يعرف فترة الشك التي مر بها الغزالي وقلة منا يعرف الفترة الأهم التي نقلته النقلة الروحية وكان سبب هجرته لبغداد إلى مكة فدمشق
      حيث له زاوية سميت باسمه في المسجد الأموي وهي الزاوية الغزالية
      جلست في رحابها وقرأت للإمام الغزالي الفاتحة.
      أعجبت بهذه القامة العقلية الروحية
      والجميل أني التقيته في المنام
      فهمس في أذني بما همس.
      ما نفهمه من...
      12-15-2023, 04:04 PM
    • لا تنعوا العروبة مع نعي أحد روّادها! صبحي غندور
      بواسطة طارق شفيق حقي
      رحم الله الأستاذ صبحي غندور

      لا تنعوا العروبة مع نعي أحد روّادها! صبحي غندور


      لا تنعوا العروبة مع نعي أحد روّادها!

      صبحي غندور*

      تابعتُ باهتمامٍ شديد الكتابات العديدة، التي جرى نشرها في أكثر من مكان عن وفاة الدكتور كلوفيس مقصود، وما أظهرته هذه الكتابات من تقديرٍ كبير لفكره ودوره وشخصه، لكن ما لم أستحسنه في بعضها وأختلف معه هو هذا

      ...
      10-27-2023, 02:10 AM
    • الزلازل التاريخية والنطاقات الزلزالية في بلاد الشام
      بواسطة طارق شفيق حقي
      الزلازل التاريخية والنطاقات الزلزالية في بلاد الشام

      د. محمد رقية*


      أنشر هذه الدراسة بسبب اللغط الكبير والمعلومات غير الدقيقة التى انتشرت بعد زلزال كهرمان مرعش في جنوب تركيا صباح ٦ شباط ٢٠٢٣

      لقد جرت عدة دراسات للزلازل التاريخية في بلاد الشام خلال الألفي أو الثلاثة آلاف سنة الماضية وأظهرت هذه الدراسات تفاوتاً واضحاً في عدد الزلازل التي أصابت هذه المنطقة.
      فقد ذكرت إحصاءات مرصد كسارة في لبنان إصابة البلاد /118/
      ...
      02-10-2023, 10:53 PM
    • بين كذبة نيسان وعيد أكيتو المُنتحل – موفق نيسكو
      بواسطة طارق شفيق حقي
      ...
      04-11-2022, 02:46 AM
    • رأس السنة السورية: السم في الدسم، وموضة الحرب البراقة
      بواسطة طارق شفيق حقي

      رأس السنة السورية: السم في الدسم، وموضة الحرب البراقة




      * ( الهرطقة التاريخية تقول) :

      _ في مطلع كل نيسان، يبدأ الكثير من الناس بالحديث والإحتفال ب "رأس السنة السورية" أو (عيد أكيتو)، ويقول البعض بأنه يعود إلى أكثر من 6700 سنة .
      _ ويرى رواد هذه السنة بأن غيابها عن روزنامة السورية رغم كونها أقدم تاريخ مسجل في الحضارة الإنسانية يقبع لأسباب عديدة وراء
      ...
      04-11-2022, 02:34 AM
    • النظريات القانونية المقتبسة من الفقه الإسلامي في النظام القانوني الأنجلو أمريكي
      بواسطة طارق شفيق حقي
      النظريات القانونية المقتبسة من الفقه الإسلامي في النظام القانوني الأنجلو أمريكي
      تأثير الفقه الإسلامي على تكوين القانون الإنجليزي برهام محمد عطا الله* كل من درس القانون المقارن يعرف أن هناك كثيراً من أوجه الشبه بين قواعد الفقه الإسلامي وقواعد النظام القانوني الأنجلو أمريكي المعروف (بالقانون العمومي) Common ...
      01-29-2022, 11:43 PM
    يعمل...