عطية زاهدة
مقـدمة
الفكرة العلميّة التقليديّة العامّة السائدة عن الشهاب meteor هي أنه خطٌّ من ضوءٍ منبعثٍ انبعاثاً خاطفاً في صفحة السماء، في طبقة الأيونوسفير تحديداً، وأنه ناتجٌ من احتراقِ جسمٍ وافدٍ من فضاءِ الكونِ قد اصطدمَ بشدّةٍ محتكّاً بأعالي الغلاف الجويِّ داخلاً في نطاق تأثير الجاذبيّة الأرضيّة، فتوهج متحولاً بالطاقة الحركيّة إلى شعلةٍ هاوية منقضّة. وهذه النظرة التي تعني أن الشهبَ من قبْلِ التوهج هي أصلاً أجسامٌ meteoroids من مصدرٍ كونيٍّ cosmic، أي إنها أجسام وافدة من خارج المجالات الجويّة والمغناطيسيّة التابعة لكوكب الأرض نفسها، قد دخل عليْها في أواخر القرن العشرين تغييراتٌ وتعديلات جعلت ظاهرةَ الشهب ذاتَ جوانبَ جيوفيزيائيّةٍ، أي أنَّ ضياءها المشهودَ مرتبط بتفريغات كهربائيّة electrical discharges تجري في الأيونوسفير، على حساب الطاقة الكامنة فيه، وأن هناك أيضاً شهباً جيوفيزيائيّةً geophysical meteors لا تنتج عن انقضاض أجسامٍ في الأيونوسفير ionosphere، وإنما هي خطوط ضياءٍ ناتجٍ من تفريغات كهربائيّة في الأيونوسفير[1]نفسه. إشكاليّة البحث
لقد ورد ذكر الشهاب في القرآن الكريم أربع مرّاتٍ، منها ثلاث مرّات بمدلوله الفلكيّ، وأمّا المّرة الرابعة فقد جاءت على وفْقِ مفهومه اللغويّ، وذلك في قول الله تعالى في حديثٍ عن موسى، عليه السلام: ï´؟ وإنك لَتُلَقّى القرآنَ مِنْ لَدُنْ حكيمٍ خبيرٍ (6) إذْ قالَ موسى لأهلِهِ: إنّي آنستُ ناراً سآتيكم منها بخبرٍ أو آتيكم بشهابٍ قبَسٍ لعلّكم تصطلونَ (7) ï´¾ [سورة النمل]. وأمّا "الشهب"، جمع الشهاب، فقد ورد ذكرها في القرآن الكريم مرّةً واحدةً فقط، وقد جاء هذا الجمع حاملاً معناها بمدلوله الفلكيّ. وعلاوة على هذه المرّات الخمس، فقد جاء الحديث عن الشهب دون التصريح باسمها في سبع آيات كريمة أخرى. فهل وسِع حديث القرآن عن الشهب ما تحصّل عنها من حقائق في علوم الفلك والفضاء والجيوفيزياء[2]؟ وهل قرّرت آياته تلك الحقائق سبقاً لتلك العلوم؟ وهل هذا السبق توهُّمٌ أم هو حقيقة يدعمها فهم تلك الآيات على وفْقِ لسان العرب، وتؤيدها السياقات والقرائن؟ إن هذا البحث جارٍ على أمل أن نصل إلى أن "نعمْ" هي جواب كلٍّ من هذه الأسئلة الثلاثة. ولا ريْبَ أن وسيلة الوصول إلى "نعم" جواباً لكل من هذه الأسئلة هي المقارنة بين حديث القرآن الكريم عن الشهب من جهةٍ، وبين ما توافر من حقائق علميّةٍ عنها من الجهة الأخرى، وبخاصّةٍ تلك الحقائق التي توصلت إليها العلوم الحديثة فلكيّاً وجيوفيزيائيّاً، بحيث تكون نتيجة هذه المقارنة هي التطابق والتوافق بين الجانبيْن؛ لأنّ آيات القرآن الكريم، بالتدبر السليم على وفق لسان العرب، لا يأتيها الباطل أبداً لا من بين يديْ نزولِها ولا من بعدِه. الشهب في القرآن الكريم في مدلولٍ فلكيٍّ
جاء ذكر الشهاب والشهب بمدلولهما الفلكيّ في الآيات الكريمة التالية:1- ï´؟ ولقد جعلنا في السماءِ بُروجاً وزيّناها للناظرينَ (16) وحفظناها من كلِّ شيطانٍ رجيمٍ (17) إلّا مَنِ استرقَ السمعَ فأتبعَهُ شهابٌ مبينٌ (18) ï´¾ [سورة الحِجْر]. 2- ï´؟ إنا زيّنّا السماءَ الدنيا بزينةٍ الكواكبِ (6) وحفظاً من كلِّ شيطانٍ ماردٍ (7) لا يسَّمَّعونَ إلى الملإ الأعلى ويُقْذَفونَ مِنْ كلِّ جانبٍ (8) دُحوراً ولهمْ عذابٌ واصبٌ (9) إلّا مَنْ خَطِفَ الخطفةَ فأتبَعَهُ شهابٌ ثاقبٌ (10) ï´¾ [سورة الصافّات]. 3- ï´؟ وأنّا لَمسْنا السماءَ فوجدناها مُلِئتْ حرَساً شديداً وشُهُباً (8) وأنَّا كنّا نقعُدُ منها مقاعدَ للسمعِ فمَنْ يستمعِ الآنَ يجدْ لهُ شهاباً رَصَداً (9) ï´¾ [سورة الجن]. وجاء الحديثُ عن الشهبِ دون ذكرِها باسمها نفسه في سبعة مواضع:(1) ï´؟ ولقد زيّنا السماءَ الدنيا بمصابيحَ وجعلناها رُجوماً للشياطينِ ï´¾ [الملك: 5].وقد جاء في تفسير القرطبيِّ لسورة الملك أن الضمير في "وجعلناها" راجعٌ إلى السماءِ، وأنَّ هناك حذفاً للمضافِ، والتقدير عنده هوَ : (وجعلنا شهبَها رُجوماً للشياطينِ). ولكن هناك مَنْ يروْنَ أن الضميرَ في "وجعلناها" راجعٌ إلى المصابيح ؛ فالإمام الرازيّ، مثلاً، قد ذهب في تفسيره الكبير "مفاتيح الغيب" إلى أن المجعول رجوماً للشياطينِ هو المصابيحُ أنفُسُها. (2) ï´؟ فقضاهنَّ سبعَ سماواتٍ في يوميْنِ وأوحى في كلِّ سماءٍ أمرَها وزيّناّ السماءَ الدنيا بمصابيحَ وحفظاً ذلكَ تقديرُ العزيزِ العليمِ ï´¾ [فصّلت: 12]. (3) ï´؟ إنا زيّنّا السماءَ الدنيا بزينةٍ الكواكبِ (6) وحفظاً مِنْ كلِّ شيطانٍ ماردٍ (7) ï´¾ [الصافات]. (4) ï´؟ وجعلنا السماءَ سقفاً محفوظاً وهم عن آياتِها معرضونَ ï´¾ [الأنبياء: 32]. لقد جاءَ في المواضعِ الثلاثةِ الأخيرةِ ذكرُ حفظِ السماءِ. وأمَّا اعتبار أنَّ ذكرَ حفظِ السماءِ إشارةٌ إلى الشهبِ، فهوَ ما نستدلُّ عليْهِ من سورةِ الحجْرِ ومن سورةِ الصافّاتِ؛ إذ قد بينتْ آياتُ السورتيْنِ الواردةُ أعلاهُ أنَّ الشهبَ هي وسيلةٌ في حفظِ السماءِِ نفسِها، حفظِها من نفاذ الجن والإنس، وحفظِها من استراق الجنِّ للتسمع إلى الملأ الأعلى. (5) ï´؟ يا معشرَ الجنِّ والإنسِ إنِ استطعتُم أن تنفُذوا من أقطارِ السماواتِ والأرضِ فانفُذوا لا تنفُذونَ إلّا بسلطانٍ (33) فبأيِّ آلاء ربِّكما تُكذّبانِ (34) يُرسَلُ عليكما شُواظٌ من نارٍ ونحاسٌ فلا تنتصرانِ (35) ï´¾ [سورة الرحمن]. (6) ï´؟ والنجم إذا هوى ï´¾ [النجم: 1]. فقد ذهبَ بعضُ المفسرينَ إلى أنَّ النجمَ المقصودَ هنا هو الشهابُ. ومن الجديرِ ذكرُهُ أنَّ وصفَ الشهابِ بالنجمِ الهاوي غيرُ مقصورٍ على اللغةِ العربيّةِ، ففي الإنجليزيّةِ، مثلاً، يسمّون الشهاب meteor تسميتينِ أخرييْنِ وهما: النجم الهاوي falling star، والنجم الرامي أو الراجم shooting star؛ فظاهرة الشهب هي عموماً سهلة الرصد، وانقضاضها هاويةً في صفحة السماء أمر مشهود. وفي العربيّةِ يقولون عن الشهب: النجوم الهاوية، والنجوم الرامية، والنجوم المارقة، والنجوم الراجمة، بل وقد يبدلون النجوم بالكواكب فيقولون: الكواكب الهاوية، والكواكب الرامية، والكواكب المارقة، والكواكب الراجمة. (7) ï´؟ والسماءِ والطارقِ. وما أدراكَ ما الطارقُ. النجمُ الثاقبُ ï´¾ [الطارق: 1-3].ذهب بعضُ المفسّرينَ أيضاً إلى اعتبار أنَّ القصدَ بالنجمِ الثاقبِ هو الشهابُ. ويبدو أنَّ رأيهم هذا مستندٌ إلى مجيءِ "الثاقبِ" وصفاً للنجمِ، وقد جاءت كلمةُ "ثاقب" وصفاً صريحاً للشهابِ في قولِ اللهِ تعالى: ï´؟ إلّا مَنْ خَطِفَ الخطفةَ فأتبَعَهُ شهابٌ ثاقبٌ ï´¾ [الصافات: 10][3]. الشهاب في التفاسير
نظراً إلى تناول القرآن الكريم للحديث عن الشهب في بضعٍ من السور، فإن المادة التفسيريّة المتعلقة بها قد جاءت واسعة وذاتَ شجونِ. ولا ريْبَ أن أهمَّ أربعة جوانبَ في تفسير الآيات الذاكرة للشهب، صراحة أو ضمناً، هي: الجانب اللغويّ، والجانب العلميّ، والجانب العقديّ، وجانب المباحث العقليّة. ولا ريْبَ أيضاً أن هذه الجوانب يتداخل بعضها في بعضٍ. أولاً- الجانب اللغويّ في تناول التفاسير للشهب:يتفق المفسرون على تعريف الشهاب. فالفخر الرازيّ، مثلاً، يقول في تفسير سورة المُلك: "الشهاب شعلة نار ساطعة، ثم يُسمّى الكوكبُ شهاباً، والسنانُ شهاباً لأجْل أنهما لِما فيهما من البريق يُشبهان النارَ". ومن البدهيِّ أن الجانبَ اللغويَّ في التفاسير هو في جلّه متأسسٌ على ما جاء في المعاجم. ثانياً- الجانب العلميّ في تناول المفسرين للشهب:لقد اختلط هذا التناول ببعض الخرافات، ومع ذلك فإن فيه بعضاً من معلومات تنسجم مع حقائق العلم. ومن أمثلة تلك المعلومات أن ضياء الشهب ليس على حساب النجوم الثوابت، أي إن الشهب ليست نجوماً من مثل الشّعرى وسهيل وغيرهما، بل هي تضيء إذ تهوي منقضّةً باتجاه الأرض، ولا تكون مضيئة من قبل الانقضاض. وأدرك بعضهم أن الشهب تحدث قريبةً في أعالي الجوِّ، وأنها تضمحلّ وتتلاشى، ولا تعود إلى الأماكن التي تهافتت منها. ثالثًا- الجانب العقديّ في تناول المفسرين للشهب:ويتفق المفسرون على أن من الشهب ما يتبع الشياطينَ، وأن تلك الشهبَ هي لحفظ السماء منهم، ولمنعهم من التسمُّع إلى الملأ الأعلى. ويعتقد بعضهم أن الرمي بالشهب كان من الآيات الدالة على مبعث الرسول محمدٍ، عليه السلام، وأنه بذلك قد انقطعت الكِهانة، في حين يرى غيرُهم أنّ الرميَ بها كان جارياً منذ خلق الله تعالى السماواتِ والأرضَ. رابعًا- جانب المباحث العقليّة في تناول المفسرين للشهب:تعرّض المفسّرون لبحث مسائلَ عقليّةٍ مرتبطةٍ بأحاديث القرآن عن الشهب، وبما جاء عنها في الأثر الشريف. وقد أكثر الإمام الفخر الرازيّ منها في "مفاتيح الغيب"، وتوسع في مناقشتها. وإنّي هنا أُورد مثالاً مما تعرّض له في تفسيره لقول الله تعالى: ï´؟ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ظ±لسَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ * إِلاَّ مَنِ ظ±سْتَرَقَ ظ±لسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ ï´¾.. [سورة الحجر:16-18]، وذلك هو قوله: "واعلم أن في هذا الموضع أبحاثاً دقيقة ذكرناها في سورة الملك وفي سورة الجنّ، ونذكر منها ههنا إشكالاً واحداً، وهو أن لقائلٍ أن يقول: إذا جوَّزتم في الجملة أن يصعد الشيطان إلى السماوات ويختلط بالملائكة ويسمع أخبار الغيوب عنهم، ثم إنها تنزل وتُلقي تلك الغيوبَ على الكهنة، فعلى هذا التقدير وجب أن يخرج الإخبار عن المغيبات عن كونه معجزاً؛ لأن كلَّ غيب يخبر عنه الرسول، صلى الله عليه وسلم، قام فيه هذا الاحتمال، وحينئذ يخرج عن كونه معجزاً دليلاً على الصدق، لا يُقال: إن الله تعالى أخبر أنهم عجزوا عن ذلك بعد مولد النبي، صلى الله عليه وسلم؛ لأنا نقول هذا العجز لا يمكن إثباته إلا بعد القطع بكون محمدٍ رسولاً وكونِ القرآن حقاً، والقطع بهذا لا يمكن إلا بواسطة المعجز، وكون الإخبار عن الغيب معجزاً لا يثبت إلا بعد إبطال هذا الاحتمال وحينئذ يلزم الدور وهو باطل مُحال، ويمكن أن يُجاب عنه بأنا نُثبت كونَ محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً بسائر المعجزات، ثم بعد العلم بنبوته نقطع بأن الله تعالى أعجز الشياطينَ عن تلقُّف الغيب بهذا الطريق، وعند ذلك يصير الإخبارُ عن الغيوب معجزاً، وبهذا الطريق يندفع الدور، والله أعلم"[4]. الشهاب في المعاجم
1- الشَّهْبةُ أو الشَّهَبُ هي مخالطة لونٍ للونٍ آخرَ، أي هي أن ينصدعَ وينشقَّ اللونُ بلونٍ آخرَ بحيث يكون أحدهما غالباً على الآخر، كأن تنصدع شُقرةُ حصانٍ بشعرةٍ أو شعراتٍ بيضاءَ، وكأن يهيجَ الزرعُ مصفرّاً أو مبيضّاً وتبقى في خلاله نبتاتٌ أو أوراقٌ خضراءُ. 2- الشَّهْبةُ أو الشَّهبُ هي أن يغلب اللون الأبيض في مظهر الشيء على غيرِه من الألوان المخالطة، أي هي غلبة اللون الأبيض في مظهر الشيء على ما يشوبه من لون آخر، ومنه غرّةٌ شهباء إذا كان يصدع بياضَها شعراتٌ من لون آخر. 3- الشهاب شعلة ساطعة من النار، أو عودٌ فيه نار ساطعة، أو قبَسٌ من نار. 4- الشهاب: الكوكب المنقضّ في السماء. واستُعير لوصف الرجل الشجاع الماضي في الحرب. 5- الشهاب: السّنان. 6- شهِبَ واشْهابَّ واشهبَّ واشتهب الرأس: غلب بياضُ الشيبِ سوادَ شعره، أي اشتعل شيباً. 7- شهب الحرُّ لونَ الإنسانِ أو شهّبَه: غيّره ولوّحه. 8- وجمع الشهاب: شُهُبٌ، وشُهبان، وشِهبان، وأشهبة، وأشهُب. هذه خلاصة استعراض ما جاء في مادة "شهب" في أربعة من معاجم اللغة العربيّة: لسان العرب لابن منظور، والصحاح في اللغة للجوهريّ، ومقاييس اللغة لابن فارس، والقاموس المحيط للفيروزآباديّ[5]. وأرى أنها خلاصة تشمل جلَّ ما يرتبط ببحثنا من معاني الفعل "شهَبَ" ومشتقاته. واعتماداً على ما جاء في الخلاصة السالفة، فإن الشهاب بمدلوله الفلكيِّ قد يكون سُميَّ بذلك على أساس أنه يظهر مثلَ شعلةٍ من النار، أو على أساس أنه بضيائه بياضٌ يصدع سوادَ الليل. مفردات علميّة
يتم في الدراسة التقليديّة للشهب تداول ثلاثة مصطلحات أساسيّة يجب أن نحدد المقصود من كل منها بدقة: (1) المستشهبات أو المُشْهِبات meteoroids، وهي الأجسام التي تدخل الأيونوسفير واصلةً إليه أصلاً من الفضاء الكونيّ من مدارات حول الشمس متخذةً بشكل عابر مدارات حول الأرض ، بحيث ينتج من سقوطها أو مرورها فيه آثار ضوئيّة. (2) الشهب meteors: هي نفس الخطوط الضوئيّة light streaks الناتجة من مرور المستشهبات في الأيونوسفير، أي هي ما يرتسم في صفحة السماء على هيئة خطوط ضوئيّة بشكل خاطف، أو هي ما يبدو منقذفاً في الأيونوسفير على شكل شعلات هاويةٍ. (3) النيازك: meteorites وهي الرجوم أو المستشهبات التي تستطيع الوصول إلى سطح الأرض مروراً بالأيونوسفير وما تحته من طبقات الجوِّ، وهي محتفظة بتماسك قسم من كتلتها. ومع ضرورة التمييز بين الشهاب والمستشهب إلاّ أن النصوص العلميّة كثيراً ما تستعمل الشهاب قاصدةً المستشهب نفسه، وهذا ما قد يحدث في هذا البحث أيضاً[6]. حقائق عن الشهب
الشهاب: ظاهرة ضوئيّة خاطفة تبدو عادةً في صفحة السماء ليلاً أو نهاراً، ولكنها في الفترة الليليّةِ تكون أكثر وضوحاً. ويظهر الشهاب في الأغلب خطّاً متألقاً يقوده رأس ساطع يظهر هاوياً باتجاه الأرض كأنه سهم ناريٌّ منقضٌ سرعان ما يتلاشى في أعالي الجوِّ، أو قد يبدو في سقوطه مثل كرة ناريّةً متوهجة منقذفة من السماء نحو الأرض بسرعة خاطفةٍ[7]. 

مصادر المستشهبات
إن المستشهبات meteoroids هي أصلاً أجسامٌ معدنيّةٌ أو صخريّةٌ من مصدرٍ كونيٍّ، cosmic origin، أي أن مصدر أجسام الشهب هو إمّا مُذَنبِيٌّ cometary، أي إنّ أصلها من مخلفات المذنبات comets، وإمّا نُجيْميٌّ asteroidal، أي إن أصلها هو من حزام الكويكبات asteroids. وهناك بعض من الشهب تعود مستشهباتها إلى أصل قمريٍّ أو مريخيٍّ[8]. حجوم وأوزان المستشهبات
إن الغالبيّة الواسعة الشائعة من الشهب المبصرة تكون ناتجة عن مستشهبات بحجم حبات الرمل أو بذور الخردل، و قد تكون أصغر إلى حدِّ أن قطرها يساوي واحداً في المائة ألفٍ من المتر. وعلى سبيل المثال، فإن كتلة كل مائة ألف شهاب من الهمرة الأسديّة تُقدَّرُ بغرام واحد. ومع هذا فإن عدة مئات من أطنان المستشهبات تحترق في الجو يوميّاً، وهذا يعني أن عددها اليوميّ هو بالبلايين. وقد يكون حجم المستشهب الذي يسترمد في أعالي الجو بقدر حبة السمسم، أو بحجم حبة الفول، أو بحجم بيضة الحمامة أو بيضة الدجاج، أو حتّى بحجم حبة البرتقال، أو هو أكبر. وأمّا الرجوم النيزكيّة التي تنجح في الوصول إلى سطح الأرض فتكون عادة من حجم أعظم من ذلك بكثير، فهي تزن مئات الغرامات أو بضعة كيلوغرامات، وقد يصل وزنها أطناناً[9]. مظاهر الشهب
المظهر العام لغالبيّة الشهب هو الشكل النجميّ؛ ولذلك عرفت الشهب باسم: النجوم الهاوية falling stars، وباسم: النجوم الراجمة shooting stars أو الكواكب الراجمة، وحتّى المارقة. والأغلب هو أن تظهر هذه الشهب بسبب أذيالها كأنها سهامٌ ناريّة تهوي بانقضاض خاطفٍ. والشهب الناتجة عن رجوم كبيرة نسبيّاً ، بحجم البيضة أو البرتقالة، تظهر كأنها كرات متوهجة وتعرف باسم: الكرات الناريّةfireballs. ويكون الشهاب معتبراً من نوع الكرة الناريّة إذا كان تألّقه أشد من تألّق سائر الكواكب والنجوم. والكرات الناريّة التي تنفجر في أعالي الجو تُعرف باسم: الشهب المتفجرة bolides. وقد يبدو الشهاب في انقضاضه مطلقاً للشرر sparks أو الألسنة والشآبيبِ الناريّة flares[10]. دوام الشهب
هناك دوام للشعلة المنقذفة، وهو دوام الهُوِيِّ والانقضاض؛ وهناك دوام لضياء الذيل. فأمّا مدة سطوع الشهاب، مدة الانقضاض والهُويِّ، فتدوم من جزء من الثانية حتّى بضع ثوانٍ. وأمّا ضياء الذيل من حول ممرِّ الشهاب، فقد يستمر مرئيّاً بضع ثوانٍ، وقد يدوم أحياناً عدداً من الدقائق ربما تصل قرابة الساعة على شكل ضياء متناقص التألق متدرج الاضمحلال، وبحيث يبدو المركز أقل تألقاً من المحيط الخارجيّ. وقد يظهر الذيل في مراحل اضمحلاله الأخيرة متمثلاً في غيمة دخانيّة خافتة الضياء متمددة من حول ممر الشهاب. ودوام الشهب من نوع الكرات الناريّة هو في العادة أطول من الشهب العاديّة[11]. تألّق وسطوع الشهب
بالنسبة للناظرين من الأرض بالعين المجرّدة فقد تكون الشهب مبصرة مُبينة visual، وقد تكون غير مبصرة أو غيرَ مُبينة subvisual. فأمّا المبصرة فلها درجات متفاوتة من التألّق؛ فقد تكون خافتةً، أو قد يصل لمعانها إلى مقدار الزهرة، أو القمر البدر، أو حتّى إنها أحياناً قد تنافس تألق الشمس. ومن أهم العوامل التي تؤثّر في تألّق الشهاب سرعته وكتلته. وتألّق بعض الشهب الناتجة عن مستشهبات ضخمة نسبيّاً يغالب ضوءَ النهار بحيث إنها قد تظهر في السماء حتّى في وقت الظهرِ. وتظهر بعض الشهب أثناء هُويِّها وهي ترمي بشرر أو تطلق ألسنة ناريّة flares. وشدة التألق أثناء الهويِّ لا تكون ثابتةً. ودرجة حرارة المستشهب أثناء هويّهِ قد تجاوز ألفيْن من الدرجات المئويّة[12]. ألوان الشهب
يغلب أن تبدو الشهب بمسحات من اللون الأخضر المصفرّ، أو الأخضر، أو تبدو بيضاء، وقد تظهر حمراء أو زرقاء، وغير ذلك. ويختلف لون الشهب اعتماداً على عوامل منها: درجة حرارة توهجّها، ومدى تألقها، وتركيبها، والطبقة من الأيونوسفير التي تكون تعبرها لحظة النظر إليها، وتفاعلها مع الغازات في ممرّها. وقد تبدي الشهب أطيافاً خضراء، أو خضراء مصفرّة، من مثل أطياف الأفجار القطبيّة auroras. وكلما قلَّ تألق الشهاب وضعف، صعب تمييز الألوان فيه[13]. 


