عُجمة القلب بين اللغة والدين:
قراءة لغوية في حديث "قلوبهم قلوب الأعاجم"
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لَيأتِينَّ على الناسِ زَمانٌ؛ قلوبُهم قلوبُ الأعاجمِ؛ حُبُّ الدُّنيا، سُنَّتُهم سُنَّةُ الأعرابِ، ما أتاهم من رزقٍ جعلوه في الحَيَوانِ، يَرَوْن الجهادَ ضَررًا، والزكاةَ مَغْرمًا
خلاصة حكم المحدث : إسناده جيد رجاله ثقات
الراوي : عبدالله بن عمرو رواه الطبري والطبراني
1. الفرق بين "العَجَم" و"الأعجمي" في المعاجم المعتبرة
يفرّق أهل اللغة في معاجمهم بين "العَجَم" و"الأعجمي " تفريقًا دقيقًا:
* "العَجَم": اسم جمع يُطلق على غير العرب عِرقًا، أي من ليسوا من سلالة العرب.
* "الأعجمي": صفة تطلق على من لا يُفصح، أو من يعجز عن البيان والوضوح في النطق، حتى لو كان عربيًا نسبًا.
يقول ابن منظور في *لسان العرب*:
الأعجم: من في لسانه عُجمة وإن كان عربيًا؛ أي لا يُبيّن كلامه. [لسان العرب، مادة: عجم]
ويضيف الأزهري:
العرب تسمي من لا يُفصح أعجميًا، وإن كان عربي الأصل. [تهذيب اللغة، مادة: عجم]
وجاء في تفسير الثعلبي :
الفرق بين الأعجمي والعجمي: الأعجمي لا يفصح وأنه كان نازلاً بالبادية والعجمي منسوب إلى العجم وإن كان فصيحاً.
والعربي منسوب إلى العرب وإن لم يكن فصيحاً
وكذلك جاء في تفسير الرازي:
أما قوله: ﴿أعْجَمِيٌّ﴾ فَقالَ أبُو الفَتْحِ المَوْصِلِيُّ: تَرْكِيبُ ع ج م وُضِعَ في كَلامِ العَرَبِ لِلْإبْهامِ والإخْفاءِ وضِدِّ البَيانِ والإيضاحِ، ومِنهُ قَوْلُهم: رَجَلٌ أعْجَمُ وامْرَأةٌ عَجْماءُ إذا كانا لا يُفْصِحانِ،ثُمَّ إنَّ العَرَبَ تُسَمِّي كُلَّ مَن لا يَعْرِفُ لُغَتَهم ولا يَتَكَلَّمُ بِلِسانِهِمْ أعْجَمَ- وأعْجَمِيًّا.
قالَ الفَرّاءُ وأحْمَدُ بْنُ يَحْيى: الأعْجَمُ الَّذِي في لِسانِهِ عُجْمَةٌ وإنْ كانَ مِنَ العَرَبِ، والأعْجَمِيُّ والعَجَمِيُّ الَّذِي أصْلُهُ مِنَ العَجَمِ. قالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: الأعْجَمُ الَّذِي لا يُفْصِحُ، سَواءٌ كانَ مِنَ العَرَبِ أوْ مِنَ العَجَمِ، ألا تَرى أنَّهم قالُوا: زِيادٌ الأعْجَمِ؛ لِأنَّهُ كانَتْ في لِسانِهِ عُجْمَةٌ مَعَ أنَّهُ كانَ عَرَبِيًّا، وأمّا مَعْنى العَرَبِيِّ واشْتِقاقِهِ فَقَدْ ذَكَرْناهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿الأعْرابُ أشَدُّ كُفْرًا ونِفاقًا﴾ [التَّوْبَةِ: ٩٧] . وقالَ الفَرّاءُ والزَّجّاجُ في هَذِهِ الآيَةِ: يُقالُ عَرُبَ لِسانُهُ عَرابَةً وعُرُوبَةً.
إذن فالأعجمية" لا تُساوي "اللاعروبة"، بل هي حالة بيانية قد تصيب حتى العربي إن فقد وضوح النطق أو البيان.
---
2. إضاءة من "العقد الفريد":
العربي الأعجمي
في *العقد الفريد* لابن عبد ربه، نجد تأكيدًا على أن "الأعجمية" صفة للسان، لا للجنس أو العرق. فقد يكون العربي ابن العربي، لكنه أعجمي البيان.
قال ابن عبد ربه:
"قد يكون الرجل من العرب، لا يُفصح بشيء، فيقال له: أعجمي، ويكون من العجم من هو أفصح من العرب." [العقد الفريد، ج2، ص120، تحقيق: مفيد قميحة، دار الكتب العلمية]
وبذلك يميز بين:
* من هو عجمي العرق لكنه فصيح اللسان (فليس أعجمياً).
* ومن هو عربي العرق لكنه عاجز عن البيان (فهو أعجمي).
هذا التمييز يفتح بابًا لفهم أعمق: أنَّ الأعجمية حالة عقلية ولسانية، وليست حصرًا جينيًا أو ثقافيًا.
3. انتقال "الأعجمية" من اللسان إلى القلب: توليد اصطلاحي نبوي
في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمر:
"ليأتينّ على الناس زمانٌ، قلوبهم قلوبالأعاجم؛ حبّ الدنيا، سنتهم سنة الأعراب، ما أتاهم من رزق جعلوه في الحيوان، يرون الجهاد ضررًا، والزكاة مغرمًا..." [رواه ابن المبارك في الزهد، رقم: 694، ورواه أبو نعيم في الحلية، بإسناد حسن]
جاء التعبير النبوي "قلوبهم قلوب الأعاجم" غريبًا على أسماع الصحابة، لذا سألوه عن معناه، لأنهم أدركوا أن النبي ﷺ لا يتحدث عن "العجم" كأقوام، وإنما يشير إلى معنى آخر جديد.
هنا تظهر عبقرية التوليد الاصطلاحي في اللغة النبوية:
* فقد حوّل وصف "الأعجمية" من دلالة لسانية ظاهرية إلى دلالة باطنية قلبية.
* من العجز عن النطق والبيان... إلى العجز عن إدراك الحق والتفاعل معه.
فـ"القلب الأعجمي" لا يعني قلب غير العربي، بل يعني:
* قلبًا لا يعي حقائق الإيمان.
* قلبًا لا يتحرك لمعاني الدين.
* قلبًا مقطوع الصلة بالبصيرة النورانية رغم طلاقة اللسان.
4. القلب الأعجمي ومراتب الغِلْق القرآنية: تأصيل مقارن
لم يأتِ وصف "القلب الأعجمي" بمعزل عن المفردات القرآنية التي تصف حالات مشابهة للقلب:
أ. **القلوب الغلف**
قال تعالى: *وقالوا قلوبنا غُلفٌ* [البقرة: 88]
أي في أغطية تحول بينها وبين الفهم.
**الشبه:** القلب الأعجمي مغلف عن التلقي رغم وجود اللغة؛ لا يفقه ولا يتحسس.
ب. **القلوب في أكنّة**
قال تعالى: *قلوبنا في أكنةٍ مما تدعونا إليه* [فصلت: 5]
أي في غطاء يمنعها من السمع والتأثر.
**الشبه:** القلب الأعجمي في عزلة إدراكية تامة رغم حضور الخطاب.
ج. **القلوب المقفلة**
قال تعالى: *أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها* \[محمد: 24]
أي عليها أغلاق محكمة.
**الشبه:** الأعجمية القلبية هي بمثابة قفل روحي يحجب النور.
د. **القلوب التي عليها رَان**
قال تعالى: *كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون* \[المطففين: 14]
الرَّين هو الغشاوة التي تترسب من الذنوب.
**الشبه:** القلب الأعجمي صدئ من الداخل، لا يستجيب للحق لطول إلفه الباطل.
**النتيجة:**
القلب الأعجمي ليس صنفًا جديدًا بقدر ما هو **خلاصة مركبة** من جميع هذه الأنواع:
غلف + كنان + قفل + رَان.
5. ما سبب عُجمة القلب؟
ليس السبب نقصًا في الوسائل الظاهرة، كفصاحة اللغة أو الثقافة، بل هو عُطْل باطني:
"أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا" \[محمد: 24]
أي أن القلب نفسه مغلق، لا يتلقى، لا يتفاعل، لا يُبصر.
وهذه عجمة من نوع أعمق:
**عجمة الضمير، لا عُجمة اللسان.**
وهي أخطر، لأنها:
* تُلبس صاحبها ثوب الإيمان الظاهري
(باللسان)،
* لكنه محروم من عمقه (في القلب).
---
6. التنبيه على الخطر التأويلي في العقل المعاصر
انتبه الصحابة إلى غرابة التعبير النبوي وهذا دليل على وعيهم اللغوي الحاد ، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم : وما قلوب الأعاجم ؟
إذ إنهم يعرفون لسان الأعجمي وفق ما شرحنا ، لكن النبي لم يقل لسان الأعجمي بل قال قلوب الأعجمي، وهم يدركون أنه لا يقصد قلب العجمي، بل ينتبه على معنىً جديداً لا يعرفون ، وهو قلب الأعجمي.
أما القارئ المعاصر، فربما يتعجل في تأويل النص بناءً على فهم معاصر سطحي:
* فيظن أن "قلوب الأعاجم" تعني العجم غير العرب، بينما الحديث لا علاقة له بالعرق أو القومية، بل بالوظيفة الروحية للقلب.
لذلك، من الضروري إعادة تفعيل أدواتنا اللغوية الكلاسيكية من معاجم وشروح وأدب لفهم النصوص الدينية فهما دقيقًا، لا سيما أن كثيرًا من الخطاب النبوي يقوم على الاستعارة، والتوليد، والإشارة الرمزية.
---
خاتمة: من البيان إلى البصيرة
الحديث الشريف يقدّم لنا درسًا في ديناميكية اللغة النبوية:
كيف تنتقل من المعنى الظاهر إلى الباطن، ومن البيان إلى البصيرة، ومن فصاحة اللسان إلى **نور القلب**.
> فالأعجمية التي كانت عجزًا عن البيان، أصبحت رمزًا لعجز أعمق: **عجز القلب عن
الإيمان.**
نعوذ بالله العلي العظيم من عجمة اللسان وعجمة القلب.
هذا ما وجدناه في معاني الحديث الشريف
والله أعلم
طارق شفيق حقي
قراءة لغوية في حديث "قلوبهم قلوب الأعاجم"
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لَيأتِينَّ على الناسِ زَمانٌ؛ قلوبُهم قلوبُ الأعاجمِ؛ حُبُّ الدُّنيا، سُنَّتُهم سُنَّةُ الأعرابِ، ما أتاهم من رزقٍ جعلوه في الحَيَوانِ، يَرَوْن الجهادَ ضَررًا، والزكاةَ مَغْرمًا
خلاصة حكم المحدث : إسناده جيد رجاله ثقات
الراوي : عبدالله بن عمرو رواه الطبري والطبراني
1. الفرق بين "العَجَم" و"الأعجمي" في المعاجم المعتبرة
يفرّق أهل اللغة في معاجمهم بين "العَجَم" و"الأعجمي " تفريقًا دقيقًا:
* "العَجَم": اسم جمع يُطلق على غير العرب عِرقًا، أي من ليسوا من سلالة العرب.
* "الأعجمي": صفة تطلق على من لا يُفصح، أو من يعجز عن البيان والوضوح في النطق، حتى لو كان عربيًا نسبًا.
يقول ابن منظور في *لسان العرب*:
الأعجم: من في لسانه عُجمة وإن كان عربيًا؛ أي لا يُبيّن كلامه. [لسان العرب، مادة: عجم]
ويضيف الأزهري:
العرب تسمي من لا يُفصح أعجميًا، وإن كان عربي الأصل. [تهذيب اللغة، مادة: عجم]
وجاء في تفسير الثعلبي :
الفرق بين الأعجمي والعجمي: الأعجمي لا يفصح وأنه كان نازلاً بالبادية والعجمي منسوب إلى العجم وإن كان فصيحاً.
والعربي منسوب إلى العرب وإن لم يكن فصيحاً
وكذلك جاء في تفسير الرازي:
أما قوله: ﴿أعْجَمِيٌّ﴾ فَقالَ أبُو الفَتْحِ المَوْصِلِيُّ: تَرْكِيبُ ع ج م وُضِعَ في كَلامِ العَرَبِ لِلْإبْهامِ والإخْفاءِ وضِدِّ البَيانِ والإيضاحِ، ومِنهُ قَوْلُهم: رَجَلٌ أعْجَمُ وامْرَأةٌ عَجْماءُ إذا كانا لا يُفْصِحانِ،ثُمَّ إنَّ العَرَبَ تُسَمِّي كُلَّ مَن لا يَعْرِفُ لُغَتَهم ولا يَتَكَلَّمُ بِلِسانِهِمْ أعْجَمَ- وأعْجَمِيًّا.
قالَ الفَرّاءُ وأحْمَدُ بْنُ يَحْيى: الأعْجَمُ الَّذِي في لِسانِهِ عُجْمَةٌ وإنْ كانَ مِنَ العَرَبِ، والأعْجَمِيُّ والعَجَمِيُّ الَّذِي أصْلُهُ مِنَ العَجَمِ. قالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: الأعْجَمُ الَّذِي لا يُفْصِحُ، سَواءٌ كانَ مِنَ العَرَبِ أوْ مِنَ العَجَمِ، ألا تَرى أنَّهم قالُوا: زِيادٌ الأعْجَمِ؛ لِأنَّهُ كانَتْ في لِسانِهِ عُجْمَةٌ مَعَ أنَّهُ كانَ عَرَبِيًّا، وأمّا مَعْنى العَرَبِيِّ واشْتِقاقِهِ فَقَدْ ذَكَرْناهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿الأعْرابُ أشَدُّ كُفْرًا ونِفاقًا﴾ [التَّوْبَةِ: ٩٧] . وقالَ الفَرّاءُ والزَّجّاجُ في هَذِهِ الآيَةِ: يُقالُ عَرُبَ لِسانُهُ عَرابَةً وعُرُوبَةً.
إذن فالأعجمية" لا تُساوي "اللاعروبة"، بل هي حالة بيانية قد تصيب حتى العربي إن فقد وضوح النطق أو البيان.
---
2. إضاءة من "العقد الفريد":
العربي الأعجمي
في *العقد الفريد* لابن عبد ربه، نجد تأكيدًا على أن "الأعجمية" صفة للسان، لا للجنس أو العرق. فقد يكون العربي ابن العربي، لكنه أعجمي البيان.
قال ابن عبد ربه:
"قد يكون الرجل من العرب، لا يُفصح بشيء، فيقال له: أعجمي، ويكون من العجم من هو أفصح من العرب." [العقد الفريد، ج2، ص120، تحقيق: مفيد قميحة، دار الكتب العلمية]
وبذلك يميز بين:
* من هو عجمي العرق لكنه فصيح اللسان (فليس أعجمياً).
* ومن هو عربي العرق لكنه عاجز عن البيان (فهو أعجمي).
هذا التمييز يفتح بابًا لفهم أعمق: أنَّ الأعجمية حالة عقلية ولسانية، وليست حصرًا جينيًا أو ثقافيًا.
3. انتقال "الأعجمية" من اللسان إلى القلب: توليد اصطلاحي نبوي
في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمر:
"ليأتينّ على الناس زمانٌ، قلوبهم قلوبالأعاجم؛ حبّ الدنيا، سنتهم سنة الأعراب، ما أتاهم من رزق جعلوه في الحيوان، يرون الجهاد ضررًا، والزكاة مغرمًا..." [رواه ابن المبارك في الزهد، رقم: 694، ورواه أبو نعيم في الحلية، بإسناد حسن]
جاء التعبير النبوي "قلوبهم قلوب الأعاجم" غريبًا على أسماع الصحابة، لذا سألوه عن معناه، لأنهم أدركوا أن النبي ﷺ لا يتحدث عن "العجم" كأقوام، وإنما يشير إلى معنى آخر جديد.
هنا تظهر عبقرية التوليد الاصطلاحي في اللغة النبوية:
* فقد حوّل وصف "الأعجمية" من دلالة لسانية ظاهرية إلى دلالة باطنية قلبية.
* من العجز عن النطق والبيان... إلى العجز عن إدراك الحق والتفاعل معه.
فـ"القلب الأعجمي" لا يعني قلب غير العربي، بل يعني:
* قلبًا لا يعي حقائق الإيمان.
* قلبًا لا يتحرك لمعاني الدين.
* قلبًا مقطوع الصلة بالبصيرة النورانية رغم طلاقة اللسان.
4. القلب الأعجمي ومراتب الغِلْق القرآنية: تأصيل مقارن
لم يأتِ وصف "القلب الأعجمي" بمعزل عن المفردات القرآنية التي تصف حالات مشابهة للقلب:
أ. **القلوب الغلف**
قال تعالى: *وقالوا قلوبنا غُلفٌ* [البقرة: 88]
أي في أغطية تحول بينها وبين الفهم.
**الشبه:** القلب الأعجمي مغلف عن التلقي رغم وجود اللغة؛ لا يفقه ولا يتحسس.
ب. **القلوب في أكنّة**
قال تعالى: *قلوبنا في أكنةٍ مما تدعونا إليه* [فصلت: 5]
أي في غطاء يمنعها من السمع والتأثر.
**الشبه:** القلب الأعجمي في عزلة إدراكية تامة رغم حضور الخطاب.
ج. **القلوب المقفلة**
قال تعالى: *أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها* \[محمد: 24]
أي عليها أغلاق محكمة.
**الشبه:** الأعجمية القلبية هي بمثابة قفل روحي يحجب النور.
د. **القلوب التي عليها رَان**
قال تعالى: *كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون* \[المطففين: 14]
الرَّين هو الغشاوة التي تترسب من الذنوب.
**الشبه:** القلب الأعجمي صدئ من الداخل، لا يستجيب للحق لطول إلفه الباطل.
**النتيجة:**
القلب الأعجمي ليس صنفًا جديدًا بقدر ما هو **خلاصة مركبة** من جميع هذه الأنواع:
غلف + كنان + قفل + رَان.
5. ما سبب عُجمة القلب؟
ليس السبب نقصًا في الوسائل الظاهرة، كفصاحة اللغة أو الثقافة، بل هو عُطْل باطني:
"أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا" \[محمد: 24]
أي أن القلب نفسه مغلق، لا يتلقى، لا يتفاعل، لا يُبصر.
وهذه عجمة من نوع أعمق:
**عجمة الضمير، لا عُجمة اللسان.**
وهي أخطر، لأنها:
* تُلبس صاحبها ثوب الإيمان الظاهري
(باللسان)،
* لكنه محروم من عمقه (في القلب).
---
6. التنبيه على الخطر التأويلي في العقل المعاصر
انتبه الصحابة إلى غرابة التعبير النبوي وهذا دليل على وعيهم اللغوي الحاد ، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم : وما قلوب الأعاجم ؟
إذ إنهم يعرفون لسان الأعجمي وفق ما شرحنا ، لكن النبي لم يقل لسان الأعجمي بل قال قلوب الأعجمي، وهم يدركون أنه لا يقصد قلب العجمي، بل ينتبه على معنىً جديداً لا يعرفون ، وهو قلب الأعجمي.
أما القارئ المعاصر، فربما يتعجل في تأويل النص بناءً على فهم معاصر سطحي:
* فيظن أن "قلوب الأعاجم" تعني العجم غير العرب، بينما الحديث لا علاقة له بالعرق أو القومية، بل بالوظيفة الروحية للقلب.
لذلك، من الضروري إعادة تفعيل أدواتنا اللغوية الكلاسيكية من معاجم وشروح وأدب لفهم النصوص الدينية فهما دقيقًا، لا سيما أن كثيرًا من الخطاب النبوي يقوم على الاستعارة، والتوليد، والإشارة الرمزية.
---
خاتمة: من البيان إلى البصيرة
الحديث الشريف يقدّم لنا درسًا في ديناميكية اللغة النبوية:
كيف تنتقل من المعنى الظاهر إلى الباطن، ومن البيان إلى البصيرة، ومن فصاحة اللسان إلى **نور القلب**.
> فالأعجمية التي كانت عجزًا عن البيان، أصبحت رمزًا لعجز أعمق: **عجز القلب عن
الإيمان.**
نعوذ بالله العلي العظيم من عجمة اللسان وعجمة القلب.
هذا ما وجدناه في معاني الحديث الشريف
والله أعلم
طارق شفيق حقي