الصور

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

صورته

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سمير الفيل
    كاتب مسجل
    • Mar 2005
    • 58

    صورته

    صورته

    بقلم : سمير الفيل




    ما الذي جعلني بغير إرادة مني أفز من نومي قبل أن تدق السادسة صباحا؟ أتحسس ذقني النابتة كشوك القنفذ . أرفع عن بدني الغطاء ، وأتجه من فوري إلى الحمام . أوارب ضلفتي الشباك ، وأضغط زر النور مغمضا عيني عن الضوء الباهر ، أمد يدي شبه منوم باحثا عن ماكينة الحلاقة على الرف الزجاجي ثم بعد دقائق أخرج مشدود القامة لأبصر أجسادهم الصغيرة ملتفة بملاءات رقيقة تعتذر للشتاء عن تأخره ؟
    أصفق الباب خلفي ، وأتحسس عظام الترقوة ، وثقل البيادة التي خلفتها منذ أزمان ؟ هل هو نداء خفي أم توق عارم أن أذهب إليه وأحدثه مثلما كنت أفعل حينها ؟
    لماذا هذا العسف وروحي مثقلة بنظرته المحددة ونداء متخاذل يشدني إلى قاع الجب؟
    حين انشق الصمت بقذيفة عمياء ، واجهت الموت والعجز ، إذ غلت الرمال ، وغطى وهجها وجهي . لم أر منه سوى أشلاء منثورة تصرخ مطحونة في كمد وغيظ ، والجنازير تدور ، والتروس العملاقة تصخب .
    يدي تهتز بفنجان القهوة البني ، وشمس الصحراء تدبغ جلدي . قالت لي نظرته الوجلة : " لا تنس أن تكفنني !" .
    لم أفعل لأن الزرقة بانت آفاقها المحترقة تضغط على صدورنا بنيران كثيفة . همس الشاويش فتحي :" ننقل الموتى ازاي ، والرمل الطاهر يتاويهم ؟"
    قماش الأفرول الكاكي تمزق تحت الأبط . إندلع ألم هائل في الحلق ومرارة ، قلت ولم يسمعني أحد : " نكفنهم ، ده لحمنا الغالي " .
    ارتجفت شفاههم اليابسة ، قال الشيخ يحيى : "الرمل غسيل طاهر، والرمل كفن ".
    إلتف شريط أسود حول الصورة في إطارها الخشبي . كانت نظرته حزينة ، وضعت يدها في حجرها وهزت الرأس : ربنا يغفر له . ولم تمسح الأم دمعة تسللت للوجه الشاحب الهضيم .
    هي ـ المرأة الشابة ـ التي تقدمت مني ، جلست في مواجهتي تماما : " محارب حس بألم ؟ ندهني قبل ما يودع ولا نده العيال ؟ " .
    شفتان يابستان تتحركان باللوعة والأسئلة . اختلط لحمه في النقطة 145 بالأرض الرملية وشجيرات الصبار القزمية ، وخنافس سوداء تجري مجنونة بالضجيج ،وأربطة الميدان ، وجثث الدبابات الخرساء تفوح منها رائحة تزكم الأنوف .
    على عتبة البيت رفعت وجهه الصغير أتأمله . من فرط تشابهه مع أبيه أنكرته !
    ضحك نفس الضحكة لكنها كانت خالية من خشونة ألفتها ، سألني : "معاك حاجة حلوة ؟ " .
    ندت عن صدري تنهيدة ، أخذته من يده وهبطت السلالم . عند البقال كانت صورته أيام الشباب مع أولاد الحتة بنفس ابتسامته الأخاذة خلف الزجاج مثبتة . تأملتها ، قلت لصاحب الكشك : " إديني شيكولاتة بسرعة " .
    امتدت يدي بالنقود ، نسيت في اضطرابي أن آخذ الباقي . قلت في نفسي سوف أظل حريصا على زيارته .
    اليوم كم من الأعوام مرت ولم أره ؟
    جاء الجرسون وتناول حسابه سألني : " تطلب حاجة تانية ؟ " .
    نظرت حولي ، كان يوم عطلة ، والراديو يذيع أغاني حماسية ، وحناجر تصرخ ، فتنهمر كلمات زنة ألف رطل . تناثرت شظاياها في عقلي ، تطحن مشاعري بضراوة لا قبل لي بها .
    هبت ريح باردة ودقت ساعة الميدان السابعة ، قلت : " لعله انتهى الآن من الجامعة ! "
    ناوشتني الذكرى ركبت المترو على غير إرادة مني ، وقهوة الصباح البنية حركت أحزاني القديمة .
    هبطت في الميدان ، وتهيأت لرؤية البيت . تفحصت المكان فلم أجد له أثرا .
    سألت وعلمت أن صاحب البيت استخرج رخصة بالهدد ، وأن الأسرة التي كانت تسكن بالإيجار نقلت عفشها منذ أعوام ورحلت إلى جهة غير معلومة .
    في المنحنى واجهني كشك البقالة . كانت الصورة مازالت مثبتة ، وقد أكلت الشمس نضارة الوجوه ، ومحت الملامح . اشتريت قطعة الشيكولاتة ، وسرت على غير هدى أبحث في الطرقات .


  • خالد القيسي
    كاتب مربدي
    • Dec 2005
    • 136

    #2
    رد : صورته

    سمير يدهشنا بحرفيته العالية

    وتصويره المتقن للأحداث


    لي عودة


    أخوك خالد

    تعليق

    • سمير الفيل
      كاتب مسجل
      • Mar 2005
      • 58

      #3
      رد : صورته

      المشاركة الأصلية بواسطة خالد القيسي
      سمير يدهشنا بحرفيته العالية

      وتصويره المتقن للأحداث


      لي عودة


      أخوك خالد
      خالد القيسي..

      ألف شكر هذه المداخلة ..
      دمتم بود..

      تعليق

      يعمل...