-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://www.zmzm.net/images/bsmlah.gif
http://img176.imageshack.us/img176/4...noos9ktsx4.gif
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-153.gif
السيرة الذاتية العربية من طه حسين إلى محمد شكري
بيروت - مكتب «الرياض» - جهاد فاضل
http://www.alriyadh.com/2005/10/06/img/061358.jpg
http://www.alriyadh.com/img/logoin.gif
في ربع القرن الماضي وُهب لكاتب مغربي اسمه محمد شكري، شهرة واسعة عربية وعالمية، فبعد أن كانت أعماله، ومن أشهرها «الخبز الحافي»، و«الشطار»، و«مجنون الورد»، تُصادر أو تُباع سراً، اعترف المجتمع المغربي والعربي بها وطُبعت طبعات كثيرة، وتُرجمت إلى عدة لغات أجنبية، ولو سئل مثقف مغربي أو عربي عن السبب الذي جعل أعمال شكري تروج كل هذا الرواج، لما أجاب سوى هذا الجواب: وهو أن الكاتب المغربي روى بصراحة ما بعدها صراحة، ما شاهده وما عاشه في حياته الشخصية من حكايات ومآسٍ وانكسارات وهزائم.
لقد اعترف، وسمّى الأشياء بأسمائها، ولم يلجأ لا إلى التقفية ولا إلى التعمية، وإنما تحدث على المكشوف عن ليل طنجة ونسائها ومومساتها، وحفر عميقاً في ذاكرته وفي الطبقة التحتية في مجتمعه، وفي أنه كثيراً ما استيقظ في الصباح عندما أتى عمال المقهى لينظفوه، فوجدوه نائماً تحت إحدى الطاولات، أو أنه وجد نفسه نائماً في العراء أمام مدخل إحدى البنايات، أو وجده وأيقظه من سباته أحد ساكني شققها..
وعلى الرغم من الحملات التي وجهها مسؤولون ومثقفون مغاربة، حريصون على الأخلاق، ضد شكري وكتبه، إلا أن شهرة شكري استمرت في التصاعد حتى فاقت شهرة مفكرين مغاربة آخرين كبار، منهم عبد الله العروي، ومحمد عابد الجابري، وبصرف النظر عن الوصف الذي يمكن أن توصف به «الخبز الحافي»، و«الشطار» و«مجنون الورد»، وهل هي روايات أم حكايات أم قصص، فلا شك أن لها صلة وثيقة بجنس أدبي سجل نجاحات مذهلة عربياً وعالمياً خلال القرن الماضي هو «السيرة الذاتية». فالسيرة الذاتية، سواء عندنا أو عند سوانا، باتت الآن الفن الأدبي الأكثر شعبية ومقروئية في العالم المعاصر قاطبة.
ولعل السيرة الذاتية هي بالإضافة إلى ذلك، الفن الأكثر بقاءً بالنسبة لكاتبها، فمن إذا سئل عن أحب كتب طه حسين إلى قلبه، وأكثرها بقاء في سيرة عميد الأدب العربي، لا يجيب أنه كتاب «الأيام»، وكتاب «الأيام» ما هو في الواقع سوى سيرة طه حسين الذاتية التي رواها في ثلاثة أجزاء منفصلة، وفي سنوات متباعدة، ثم جُمعت بعد ذلك في كتاب ضخم حمل هذا الإسم.
وقد كان كتاب السيرة الذاتية هو الأبقى في سيرة كتاب عرب كبار آخرين: فعلى الرغم من كل المعارك التي خاضها عباس محمود العقاد في حياته وفي كتبه، فإن كتابيه «أنا» و«حياة قلم»، هما أجود كتبه لا شيء إلا لأن العقاد خلا إلى نفسه فيهما، وكشف عن مكنوناتها ودواخلها، ودلّ قارءه على الكثير من خيباته وانكساراته.
ولا شك أن لتوفيق الحكيم كتب كتباً كثيرة رائعة في طليعتها «عودة الروح»، و«عصفور من الشرق»، ولكن أجودها بنظر كثيرين، كتابان هما: «زهرة العمر» و«سجن العمر» اللذان روى فيهما الحكيم سيرته الذاتية.
وهناك «حياتي» لأحمد أمين، و«غربة الراعي» لتلميذه إحسان عباس، وهو من أحدث ما كتبه أدباء عرب في هذا الفن، والكتابان آتيان في جعل النفس تتذكر وتبسط بلا تكلف أو تعمية كل ما صادفته وتعرضت له.
ويمكن وصف كتاب «سبعون» لميخائيل نعيمة بأنه أثر نفيس في هذا الفن الكتابي الصاعد، تحدث فيه نعيمة في رحلته في هذه الحياة، وهي رحلة طويلة ممتعة تابع فيها القارئ نعيمة على امتداد سبعين سنة كاملة تبدأ من سنة 1889 وتتوقف سنة 1959م.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن اكتمال «الأيام» لطه حسين بأجزائه الثلاثة قد امتد من العشرينيات إلى أواخر الستينيات، تاريخ صدور الجزء الثالث لأول مرة أمكننا أن نؤكد حقيقة أن «الأيام» رسخ جنس السيرة الذاتية بشكل مثير للانتباه، بحيث شهدت الفقرة الزمنية الفاصلة من بين الجزء الثاني والثالث من الكتاب، ظهور أهم السير الذاتية العربية الحديثة التي عاصر مؤلفوها طه حسين من أمثال سلامة موسى وأحمد أمين والعقاد وميخائيل نعيمة والحكيم، وهو أمر يدعو إلى التأكيد على الفروقات التي ميزت بين أطوار إصدار «الأيام» المختلفة.
فالجزآن: الأول خاصة، ثم الثاني، كانا مقدمة جنس السيرة الذاتية عربياً، وفتحاً جديداً في هذا اللون من الكتابة، أفلم يستفزان همم الجماهير المشغوفة بمطالعة هذين الجزءين؟ ألم يحرّكا تحريكاً قوياً قرائح الكتّاب، فاندفعوا يخلّدون أسماءهم وينشئون الكتب العديدة في هذا الفن؟
أما الجزء الثالث من «الأيام» فقد تحقق انتشاره بين الناس في زمن تمكن فيه من الاستفادة من رواج كتابة السيرة الذاتية، فجاء تتمة للجزءين السابقين عليه، وتكريساً لجنس أضحى في ذلك الوقت تمكناً، في جمهور من القراء أخذ في الاتساع، وله نماذج من الكتابات تُنسب إليه انتجتها نخبة من خيرة أدباء العصر ومفكريه.
إن جنس السيرة الذاتية العربية الحديثة، عندما ينبني على رواية مظاهر الحياة الخاصة، وعندما ينتقل منها إلى ملامسة مظاهر الحياة التاريخية العامة، بما يحيل عليه من وقائع اجتماعية، وما تفيدنا به من إحالات متنوعة على أعلام كانت لهم مساهمات فعّالة في مجالات السياسة والفكر والثقافة، يلتقي ما في ذلك شك بممارسات أدبية قديمة، عربية وأجنبية، أحكم أصحابها تصوير الصلات الكائنة بين الذات الفردية ومحيطها الاجتماعي، وهذه هي بعض العناصر المشتركة بين الكتابات الذاتية العربية القديمة والحديثة، ونتيجة لذلك، فإن السيرة الذاتية الحديثة تذكّرنا، ونحن نقرأها اليوم، بكتب السير والتراجم وبكتب الرحلات، ويخيّل إلينا أن جنس السيرة الذاتية قديم قدم الإنسان العربي، ضارب بجذوره العميقة في أرض التراث.
ولكن لا شك أن اطلاع جيل المترجمين لذواتهم العرب في مطلع القرن العشرين على التيارات الفكرية والأدبية الغربية، واحتكاك أغلبهم بنمط العيش الأوروبي والقيم التي كانت تسوده، قد فتح أعين أبناء هذا الجيل على عالم جديد خلخل تصوراتهم التقليدية، ومكّن أفكارهم من النضج وأثار في نفوسهم حواراً بناءً بين حياتهم الشرقية ومقومات العالم الجديد الذي انتقلوا إليه، فإذا هم نصفان يتنازعان في كائن واحد: نصف ينزع إلى الشرق ويحن إلى قيمه ومثله التي تغلغلت في كيانه، ونصف منصرف إلى الانغماس في حضارة الغرب وفي بضاعته الفكرية والأدبية المغرية، لأن هذا الغرب بات أنموذج التحضر وصورة لمستقبل الإنسانية.
ونحن لو نظرنا في الواقع إلى ثقافة الإعلام العرب الذين كتبوا السيرة الذاتية لوجدنا أن هذه الثقافة عربية وغربية في آن، فالسيرة الذاتية العربية الحديثة إن كان لها جذور في تراثنا، ولها بالفعل مثل هذه الجذور، فلا شك أن مرجعيتها الثقافية والفنية الحديثة هي مرجعية غربية.
لقد احتضن مشروع السيرة الذاتية العربي الحديث، المعضلة الفردية للكاتب كما احتضن المعضلة الاجتماعية، لقد كان يبحث في تأصيل الكيان الفردي وفي إيجاد صيغة أيديولوجية قادرة على تأصيل الكيان الاجتماعي وترميم هويته المتداعية المختلة، ومن ثم اقترن البحث عن الإنسان الأكمل بالبحث عن تأسيس المدينة الفاضلة التي هي في الوقت ذاته العلامة المؤشرة على هذا الكمال، والعالم الذي لا تحقق لأبعاد الإنسان الكامل إلا فيه. ولا شك أن لوحة السيرة الذاتية العربية الحديثة لوحة متعددة الألوان تنبض بحياة جيل كان أبناؤه يلتقون طوراً في آلامهم وأشواقهم، ويفترقون أطواراً أخرى في رؤاهم وقدراتهم علي تمثل حيواتهم وتوظيف تصوراتهم لتطوير مجتمعاتهم، ولكنهم في الحالتين كانوا يسعون جاهدين إلى تأسيس صورة جديدة للإنسان العربي الفاعل في تاريخه، الساعي إلى ترميم حلقات هذا التاريخ المفقودة، فكان عطاؤهم الفكري والأدبي بلا حدّ، وسواء نجحوا أو فشلوا نسبياً في مسعاهم، فيكفيهم فخراً أنهم كانوا منارات أضاءت بأنوارها عصرهم في زمن عصيب اختلطت فيه الطرق، وليس فن السيرة الذاتية الذي أنشأوه إلا دليلاً على أن الأدب العربي الحديث يدين لهم بانبعاثه وتجدده، لذلك لم تنته حياة هؤلاء المترجمين لذواتهم بكتابتهم لسيرهم الذاتية أو بموتهم، بل لعلها بدأت.
المصدر
http://www.al-wed.com/pic-vb/239.gif
http://www.palintefada.com/upload/pic/beesssss.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
على العكس تماماً مما هو شائع، فالعرب هم أهل السيرة الذاتية ورواد في كتابتها، لا بل ان الكتابات العربية القديمة الموصوفة بالسير الذاتية، تفوق بعددها، كل ما كان يعتقد وجوده. وكل كلام عن ان هذا الفن عند العرب، مستورد من الغرب، مجرد بدعة، وسوء قراءة. فالأدب العربي القديم «مشحون حتى السقف بمئات ألوف الرجال والنساء الذين دونت حياتهم بعناية. وحجم هذا التراث ضخم إلى حد أننا نشرع الآن في سبره أو نكاد»، كما يخبرنا المؤرخ طريف الخالدي. هذا الرأي ليس اجتهاداً عربياً، او تنطحاً عنصرياً من قبل باحث كبير مثل الخالدي، انه أيضاً رأي المستشرق الأميركي دوايت رينولدز، الذي درس السير الذاتية العربية ومنحها جزءاً مهماً من حياته المهنية. ويأتي رأي الباحثين، المفاجئ هذا، ضمن كتاب جميل صدر حديثاً عن «مؤسسة الدراسات الفلسطينية» بعنوان «دراسات في التاريخ الاجتماعي لبلاد الشام، قراءة في السير والسير الذاتية»، شارك فيه 14 مؤلفا، وتناول عشرات السير الذاتية، ليكشف عن كنز نعيش بجواره من دون أن ندرك اهميته أو قيمة مضامينه، فهل نحن حقاً أمة السيرة الذاتية وروادها؟ وما هي القيمة الحقيقية لهذه الثروة الأدبية؟ ولماذا اتهمنا دائماً باقتباس سيرنا المكتوبة عن الغرب؟
من المفاجآت التي يذكرها الباحث دوايت رينولدز في كتاب «دراسات في التاريخ الاجتماعي لبلاد الشام»، انه خلال أبحاث مشتركة قام بها مع عدد من الباحثين، تم اكتشاف عدد غير متوقع من السير الذاتية العربية القديمة، وهي متنوعة إلى حد مدهش. ويكمل رينولدز بالقول «وقعنا على نصوص لتراجم شخصية عربية بأقلام كتاب ليسوا من العرب، فمنهم الترك والبربر والفرس، والأفارقة الغربيون، والآسيويون الجنوبيون، وبينهم كاتب إسباني مالوركي». ويشرح رينولدز أن بين هؤلاء المؤلفين المسلم والمسيحي واليهودي. وهم أصحاب مهن مختلفة، فمنهم أمراء وفلاسفة وموظفون حكوميون ومؤرخون ومتصوفة وعلماء دين وتجار ونحويون وأطباء، وحتى العبيد الأرقاء. ويكمل رينولدز: «إن ما نجده من تنوع اجتماعي عند هؤلاء المؤلفين، لهو واحد من السمات الأخاذة في تراث تراجم النفس العربية السابق على العصر الحديث، هذا التراث الذي ما زال مستمراً بصورة السيرة الذاتية الحديثة».
دراسة رينولدز هذه التي يتضمنها الكتاب المشترك، حرره كل من عصام نصّار وسليم تماري، تأتي وكأنها تتمرد على مؤلّف وضع أصلاً لدراسة السير الذاتية المكتوبة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، في بلاد الشام، وبشكل أساسي فلسطين. وكأنما فكرة الكتاب في الأصل، كانت تستبعد وجود كتابات عربية قبل العصر الحديث، يمكن ان يطلق عليها اسم السيرة الذاتية، لكن رينولدز يتملص من هذه الإشكالية، بأن يعتمد تسمية «ترجمة النفس».
وهنا يرد رينولدز على كل من يمكن أن يحتج على تسميته أو تصنيفه لبعض النصوص العربية على انها سير ذاتية، رغم انها لا تتمتع بالمواصفات الغربية، لاسيما منها البوح، والتحدث عن الخصوصيات، بإيضاحات مقنعة. فرينولدز يعتبر أن بعض هؤلاء الكتاب لم يشأ ان يتحدث عن صباه، لكن البعض الآخر ذكر معلومات حساسة، بل ومحرجة عن طفولته وصباه، ويضرب أمثلة حية ومهمة على ذلك. أما اتهام هذه السير بأنها لا تتطرق إلى الحياة الداخلية لأصحابها، كما حياتهم الخارجية فهذا تصور لم يكن شائعاً في ذلك الزمن، حسب رأيه. مع العلم أن ثمة نصوصاً صوفية اهتمت بتدوين الحياة الروحية لأصحابها بشكل منفصل عن حياتهم الخارجية، وهناك في بعض النصوص سرد للأحلام، كنوع من أنواع استبطان الذات. وثمة من استعان بالشعر وهو يكتب سيرته الذاتية، للتعبير عن حالة داخلية بأسلوب شعري، حين يصبح الكلام نثرا، أمراً مستعصياً. وهو ما فعله أسامة بن منقذ عندما كتب عن شيخوخته ووهن بدنه بعد أن بلغ التسعين، وما فعله علي العاملي وهو يتحدث عن وفاة ابنه.
ورغم ان دراسة طريف الخالدي، التي يعتبر فيها نصوص «السير من مفاخر الثقافة العربية»، وتلك المتعلقة برينولدز ويطرح فيها نظريته حول سيرنا الذاتية الفاتنة، ما هما سوى مشاركتين من أصل 14 في هذا الكتاب، إلا اننا اوليناهما اهتماماً لما فيهما من افكار تستحق ان يثار حولها حوار جدي. غير ان المشاركات الأخرى تأتي، في حقيقة الأمر، لتؤكد افكار رينولدز والخالدي، وتستعرض كماً من السير التي كتبت في العصر الحديث بمقدورنا أن نعتمدها كمرجع لاستكشاف ما خفي من الحياة السياسية، وما طمس من يوميات الناس وطريقة معاشهم، مطلع القرن العشرين، في فلسطين وبلاد الشام.
صقر أبو فخر في دراسته لسيرة المؤرخ نقولا زيادة، الذي رحل في يوليو (تموز) 2006، التي تحمل اسم «أيامي» يصفها لجرأتها بأنها «تتحرش بيوميات أندريه جيد، وتقترب إلى حد كبير من اعترافات جان جاك روسو، واعترافات تولستوي والقديس أوغسطينوس، هذه الاعترافات التي شجعت الميل إلى تعرية النفس الملتبسة بالآثام». فهو يتحدث عن علاقته بزوجته مرغريت كما لا يفعل أحد. وقد كتب زيادة «عن تفتح غرائزه، والإغواء الذي تعرض له من بعض الفتية النابلسيين، وكيف لاقى الأمرّين في جنين في دار المعلمين عندما حاول كثيرون الإيقاع به، لكنه رفض هذه الأفعال المنافية للذائقة العامة، مثلما أنف من أحاديث القرويين عن مجامعة الحمير». ومما يذكره ايضاً تحرش صديقة أمه به جنسياً، وكيف تملص منها. لكن أهمية سيرة زيادة، الذي عمّر ما يناهز القرن، تكمن بشكل أساسي بأنها «تشتبك وقائعها بالتاريخ، وبأخبار الأمكنة والرجال الذين كان لهم حضورهم في تاريخنا العربي المعاصر». وميزة هذه السيرة انها «لا تتحدث عن السياسة والسياسيين، وإنما عن الفكر والأدب والثقافة والتربية والأماكن والرجال والنساء والعادات، وعن الريف والمدينة والرحلات، وذلك كله بعين المؤرخ الذي يلتقط أدق التفصيلات، من دون أن ينسى الاتجاهات العامة وخطوط الأحداث الرئيسية».
وبما ان غاية هذا الكتاب هي العودة إلى السير الذاتية للإسهام في كتابة تاريخ فلسطين (كجزء من بلاد الشام)، من خلال مراجع جديدة، لا بل بكر، فقد اخذ كل كاتب على عاتقه سيرة او أكثر يستنبط دررها، ولو بعجالة قد لا تفي بالغرض. فقدم فيصل درّاج قراءة في مذكرات خليل السكاكيني ونجيب نصّار، وهما مثقفان فلسطينيان مختلفان، حلما بالحداثة في مجتمع تقليدي. عاشا القضية الوطنية، نظرياً وعملياً، وبقيا مع ذلك على هامش القرار السياسي الفلسطيني، وعلى هامش الحياة الاجتماعية. الأول صار يهجس بالهجرة والثاني يشعر بالإحباط. أمر لا يختلف كثيراً، عن مثقفين على شاكلتهما يعيشون بعدما يقارب قرن من ذلك الزمان. وهو ما يتعمق الإحساس به حين نقرأ عن الحسرة «السكاكينية» من قيادة وطنية لا تعرف معنى الوطن والمواطنة بالمعنى الحديث، متمسكة بالطقس السياسي القائم على الاحتكار السلطاني، بينما هي في مواجهة مصيرية، مع غزو صهيوني مزود بأحدث المفاهيم والأساليب الأوروبية. ويكتب طريف الخالدي عن قيمة سيرة السكاكيني: أي شيء أكثر إثارة من تصوير خليل السكاكيني للبريطاني الزاحف، الجيد الكسوة والسلاح والغذاء، في مقابل الجندي التركي المتراجع، المرتجف، المجرد من السلاح، المتضور جوعاً، والحافي في بزته الممزقة البالية؟».
ومن السير التي يتناولها الكتاب تلك التي كتبها محمد طارق الأفريقي، تحت عنوان «المجاهدون في معارك فلسطين 1948»، وهي تعد، حسب رأي الباحثة خيرية قاسمية إحدى الوثائق العسكرية التي تظهر جانباً خفياً من معارك المجاهدين أثناء حرب 1948. فكاتب السيرة يعرّف بنفسه كالتالي: «ولمّا كنت احد قادة المجاهدين الذين قادوا معاركها من البداية حتى النهاية، حيث قمت بإدارة أربعين معركة مسجلة ضد اليهود في جبهتي غزة والقدس، رأيت من واجبي أن أسجل هذه المعارك وما يحيط بها من الأسرار وكيفية وقوعها وجريانها، مع ذكر أسماء شهدائها وجرحاها وغنائمها خدمة للحقيقة والأجيال القادمة». وفي هذه السيرة يوضح هذا المقاتل من أصل نيجيري أن عرب فلسطين قاتلوا ببسالة، على عكس ما يشاع، لكنهم كانوا يواجهون قوى أشد تنظيماً وفتكاً، ورغم ذلك استطاعوا ان يحافظوا على مواقعهم حتى وصول الجيوش العربية. لكن هذه الجيوش هي التي خيبت الآمال، بسبب افتقارها للقيادة الموحدة، واستهانتها بالخصم.
ولا تقتصر السير التي يدرسها الكتاب على فلسطين، ففواز الطرابلسي يكتب عن سيرة سليمان بك المشغراوي اللبناني، الذي كان قد خصه بكتاب خاص، صدر منذ ثلاث سنوات عن «دار رياض الريس»، وستيف تماري يخصص صفحات شيقة لثلاث سير دمشقية كتبت في القرن الثامن عشر. ويعتبر تماري ان دارسي تاريخ سورية الحديث محظوظون لوفرة في تراث التراجم والسير، الموجود اليوم في تصرفهم. وقد اختار ثلاث سير ذات سمات مختلفة. السيرة الأولى هي لإسماعيل العجلوني، إسلامي الرؤية، نهجه في الكتابة يدل على استلهامه جمع الأحاديث النبوية الشريفة، بأسانيدها التي تربط أجيال العلماء. أما السيرة الثانية فهي لصاحبها محمد خليل المرادي، ويصح ان يقال عنها بأنها مجموعة من التراجم كتبها هذا الرجل العثماني النزعة. أما السيرة الثالثة فهي يوميات ابن كنان، الدمشقي الهوى، الذي لم يستطع ان يفصل بين يومياته الشخصية ويوميات اهل مدينته. ومن خلال هذه الرؤى الثلاث، لإسلامي وعثماني ودمشقي، حاول تماري أن «يغوص في العمق الأثيري الآسر المتعلق بالوعي والهوية في مطلع التاريخ العربي الحديث. فكل من هؤلاء الرجال كتب تاريخاً لدمشق مختلفاً عن الآخر، بسبب هذا الإدراك الخاص للانتماء والهوية.
ونبقى في الهوية، التي هي في صلب هذا الكتاب وجوهره، حيث نتعرف على نوع جديد في كتابة السيرة الذاتية، بات معتمداً في فلسطين، للقبض على ما تبقى من ذاكرة فلسطينية تحاول إسرائيل محوها. وتروي لنا روشيل ديفيس المستشرقة الأميركية والأستاذة في جامعة جورجتاون، ان ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، شهدت إنتاجاً غزيراً في الكتابات التي تتناول حياة الفلسطينيين قبل سنة 1948. جاءت هذه الكتابات على شكل سير ذاتية، وكتب تذكارية، اعتمدت كلها على شهادات شهود عيان أدلوا بما في ذاكرتهم من قصص ومشاهدات عاشوها. وقد ظهرت هذه الكتب في فلسطين ومختلف دول الشتات، وتناولت مثلاً، قرية بعينها، وعرضت لعائلاتها وأصولها وشجرة انسابها، ووصفاً لأراضيها وعاداتها. هذا إلى جانب الزراعة والتعليم والاقتصاد والزراعة في القرية. وبالإمكان اعتبار هذه الكتب «سيراً جماعية» ليس الغرض منها فقط إعادة بناء ما أبيد من قبل إسرائيل ولو على الورق، وإنما أيضاً استخدام ما يجمع كمراجع تعليمية للأجيال المقبلة وتعريفهم بتراثهم وتاريخهم. ويقوم بإصدار الكتب التذكارية التي تتضمن روايات شخصية أو سير جماعية جهات مختلفة، رسمية وأهلية، وجامعات، وهناك أساليب عدة لتسجيل هذه الذاكرة. والمهم في هذا الأمر هو تحويل المعرفة الفردية والجماعية إلى نصوص يمكن حفظها. وتعلق روشيل ديفيس على هذا النمط من الكتابات بالقول: «تبين قراءة متمعنة للكتب التذكارية الفلسطينية كيف يفهم الفلسطينيون تاريخهم وحاضرهم ويضعونهما في قوالب من خلال ممارسات متداخلة من الحس الوطني والعرقي والديني، وغيرها من العناصر المتعلقة بالهوية التي تعتبر جزءاً من تعريف الفلسطينيين لأنفسهم كشعب».
هكذا يطرح كتاب «دراسات في التاريخ الاجتماعي لبلاد الشام» بفضل اهتمامه بالسير الذاتية، مجموعة من الأسئلة والإجابات ما كان لها أن تبصر النور، من دون الاهتمام بهذا الفن الذي يحلو لنا، عادة، أن نصفه بأنه مستغرب، وحديث جداً، وليست له جذوره العربية الضاربة في تراثنا القديم. لكن هذا الكتاب يقدم صورة أخرى للسيرة العربية المكتوبة، بل يعتبر أن السير الحديثة التي يلقي عليها الضوء ما هي إلا امتدادات طبيعية لتراث غني، ربما لا نجد له مثيلاً في حضارات أخرى من حيث تنوعه وكمه. وإن كان من تأثر بالنهج الغربي لكتابة السير حصل في القرن العشرين، فقد انتج لنا سيرة ذاتية هي أشبه بعمل روائي ينقسم إلى فصول، لا عملاً تاريخياً ينقسم إلى أبواب تندرج فيها أصناف المعلومات. وبهذا حرمنا ولادة سير من نمط «الساق على الساق» للرائع أحمد فارس الشدياق، أو «الخطط التوفيقية» لعلي مبارك أو حتى «الأيام» لطه حسين. وما زال الوقت مبكراً لنقول أيهما أكثر إفادة للمؤرخين والباحثين في الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع، هل هي سيرتنا العربية التأريخية الطابع، أم تلك التي نراها في الوقت الراهن التي تميل إلى التخيل والفانتازيا؟ ولكن في الحالتين ما هو مهم اليوم، ألا يكون هذا الكتاب الثري الذي بين أيدينا، مجرد صرخة في واد، وأن تعار السير العربية، قديمها وحديثها، ما تستحق من القراءة والبحث.
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://www.zmzm.net/images/bsmlah.gif
http://img176.imageshack.us/img176/4...noos9ktsx4.gif
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-153.gif
كتابة السيرة الذاتية العربية
مثال: جورجي زيدان
أحمد دحبور - شاعر فلسطيني
قبل بضعة أشهر، راجعت في هذه الصفحة، فصولاً من السيرة الذاتية كتبها الصديق الدكتور فاروق مواسي، وكتبت يومها ما معناه أن السيرة الذاتية فن مستحدث عند العرب، لأفاجأ بمقالة ساخرة، كتبها كعادته محمد الأسعد، الشاعر الناقد الفلسطيني المقيم في الكويت، بكلمات تكاد تطلق النار من خلال السطور، وشماتة بما يفترض الكاتب أنه جهلي وادعائي، حتى ليصفني بالباحث إمعاناً في المسخرة وتقليل الشأن، وخلاصة ما يريد تعليمي إياه هو أن السيرة الذاتية فن معروف عند العرب وأنني، لقلة إطلاعي ومحدودية معرفتي، ضللت أو ضللت القراء، فرحت أهرف بما لا أعرف .. ولكن يجب الاعتراف بأنه لم يستخدم هذه الكلمات، وإن أدى هذا المعنى منكلاً بـ"الباحث" الذي هو أنا..
ليست نهاية العالم أن نخطئ أو نصيب. فالخطأ مردود . وإنما يقوم الجدل والسجال على مبدأ الكشف عن الحقيقة. ولكن ماذا إذا كان هذا المندفع الساخر المليء بثقة لا مسوغ لها هو المخطئ؟
لا أنكر أن لدى ابن خلدون محاولة محمودة للتعريف بنفسه ورحلته شرقاً ومغرباً، وأن ابن سينا قد كشف جوانب من شخصيته في كتاب طبقات الأطباء، وأن بعض الشعراء العرب أفاضوا بتعريف أنفسهم من خلال قصائدهم. لكن هذا كان يحدث من غير تخطيط، لسبب بسيط هو أن هذا الجنس الأدبي - السيرة الذاتية - لم يكن قد رأى النور بعد وأن السيرة الذاتية لم يُعترف بها جنساً أدبياً مستقلاً إلا بعد المحاولات التي تطورت في أوروبا، وكانت سمتها الأولى هي الاعترافات، كما في اعترافات جان جاك روسو الشهيرة. وقد دار جدل طويل بين المثقفين العرب المعاصرين حول ريادتنا للأجناس الأدبية غير الشعرية، فهناك من يعتبر كتاب "حي بن يقظان" لابن طفيل - رواية رائدة على مستوى العالم لأن أوروبا تؤرخ للرواية بصدور"باميلا" لرتشارد صن، التي لم تصدر إلا في القرن التاسع عشر بينما يرى آخرون أن حي بن يقظان هو كتاب تأملي، فلسفي إن شئت، يوظف السرد ولكنه ظل في مرحلة ما قبل الرواية.
لقد كتب الكثير في هذا، ونحن نتعلم، ولا نجد حرجاً في أن نتعلم.. وقد أفدت، كما أشرت، من الكتابين اللذين أشرت إليهما.. ومن غيرهما بالتأكيد.
لست في معرض المساجلة، مع الأستاذ محمد الأسعد - وإن كنت لا أفهم حقاً سر هذا التوجه الحاد - لكنني أقر بمبدأ الضارة النافعة، فأرى تلك مناسبة لفتح ملف علاقة العرب، قديماً وحديثاً بالسيرة الذاتية. يغريني بذلك مصدران: الأول هو كتاب "في طفولتي" للكاتب السويدي تيتر رووكي الذي يدرس فيه عشرين سيرة ذاتية عربية مبيناً أنه استخلصها من ستين محاولة في هذا الشأن، أما الثاني فهو "مذكرات جرجي زيدان"، الكاتب العربي اللبناني الرائد، وقد صدر هذا الكتاب عن وزارة الثقافة السورية مع تقديم جديد من الكاتب محمد كامل الخطيب.
وإذا أغراني التوقف، أولاً وهنا، عند جرجي زيدان نظراً لما يثيره هذا الكاتب في أجيالنا المعاصرة من نوستالجيا تمس علاقة طفولتنا بالقراءة، فإنني أعد نفسي، مستقبلاً، بتقديم كتاب تيتر رووكي لأهميته وفائدته الكبيرة التي جعلتني أتقدم بالشكر العميق إلى صديقي الصدوق الأستاذ طلعت الشايب الذي نقله إلى العربية وأهداني نسخة منه..
السيرة الذاتية
وإذا كان لي أن أنتخب قبضة ملاحظات سريعة من هذين المصدرين، فإنه يستوقفني ما يلي:
- أولاً:- أن السيرة الذاتية يكتبها صاحبها، بحكم أنها سيرة ذاته، ولا يكتبها أحد نيابة عنه، وبالتالي فإن ما ورد في التراث من أمثال "سيرة ابن هشام" لا يدخل في سياق هذا الجنس الأدبي، وهو ما ينسحب على بقية التراجم والأخبار العربية كالتي وردت عند الأصفهاني والمسعودي والقالي وغيرهم.
- ثانياً: إن الكتابة بصيغة المفرد المتكلم، لا تعني بالضرورة أنها سيرة ذاتية، فكتاب "المنقذ من الضلال" مثلاً للإمام الغزالي، يقدم، بلغة سردية شائقة، مسار رحلته من الشك- أو الضلال حسب تعبيره - إلى الإيمان، ولا يتضمن تلك الأحداث، العابرة أو النوعية، التي أسهمت في تأسيس وعي حجة الإسلام.
- ثالثاً- يشير الأستاذ محمد كامل الخطيب إلى أن الرأي الشائع هو أن العرب لم يعرفوا السيرة الذاتية من قبل، ومع أنه يخالف هذا الرأي، إلا أنه يثبته، بمعنى أن أمر لا يستدعي الاستهجان الذي أبداه الأستاذ الأسعد، أما الكاتب السويدي فهو يؤكد بوضوح أن السيرة الذاتية فن مستحدث عند العرب، وهو ما يذهب إليه أيضاً د. رمضان بسطويسي مقدم الطبعة العربية من الكتاب السويدي. فهل سيجود الأستاذ الأسعد بصفة الباحث سخرية من الخطيب ود. بسطويسي علاوة على تيتر رووكي؟ أم أنه يدخر سخريته لأهداف ثابتة، لأسباب ثابتة لديه؟
- رابعاً: يشير الأستاذ الخطيب إلى كتابين هما عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة، وكتاب "المنتقى من دراسات المستشرقين" لصلاح الدين المنجد الذي يستشهد بالمستشرق الألماني بروكلمان لتأكيد وجود سيرة ذاتية عربية قديمة، ولم أطلع على هذين الكتابين مع الأسف والإصرار على البحث عنهما. لكن هذه الحقيقة لا تغير من أن الذاكرة الأدبية الجمعية لدى العرب المعاصرين، لم تنشغل بالاستثناء - الذي يؤكد القاعدة - ولم يتأسس فيها وعي بسيرة ذاتية يمكن أن تشكل مرجعاً يعاد اليه.
خامساً، وما يشبه أخيراً: إذا كان السرد الحكائي موجوداً منذ القديم لدى العرب بامتياز، فإنه غير فنون السرد المعاصرة التي بلغت ذراها في الرواية والقصة القصيرة والسيرة الذاتية، لأن هذه الأجناس الأدبية مستحدثة لدى الغرب الذي نقلنا منه وعنه هذه الأجناس، وقد حققنا تقدماً في بعض الجوانب فاز بموجبه نجيب محفوظ، وعن جدارة كبرى، بجائزة نوبل للآداب.. وإذا كان الأصل ذاته مستحدثاً فماذا يضيرنا من الاعتراف بأن التأثر بالأصل مستحدث كذلك؟
والآن، إلى مذكرات جرجي زيدان..
جرجي زيدان
يقول بيتر رووكي- انظر هامش كتابه "في طفولتي"- إن جرجي زيدان قد أنهى كتابة مذكراته وهو في السابعة والأربعين من العمر. ولكن ما هو تاريخ ميلاده؟ هذا السؤال يعيدنا إلى "مذكرات جرجي زيدان" نفسه الذي ما كان ليعرف تاريخ ميلاده لولا مقاربة تاريخية بسيطة أجراها والده، فقد حاول جرجي أن يعرف التاريخ من خوري القرية فلم يفلح، وعاد إلى سجلات قريته اللبنانية "عين عنوب" فلم يفلح، وحين زفر بالشكوى إلى أبيه، ابلغ إليه والده ببساطة أنه ولد في 14/12/1861م، وكان واثقاً من ذلك التاريخ لأنه اليوم الذي توفي فيه البرنس ألبرت زوج ملكة الإنكليز، وأن يستدل الأب على ميلاد ابنه من هذا الحدث، معناه أنه على شيء من الإطلاع حتى لو كان أمياً، ولا عجب، فقد كان أبوه خولياً - أي وكيلاً على الأرزاق - عند السيدة حبوس، والدة الأمير الدرزي مصطفى أرسلان، ولكن هذه السيدة عاقبته وطردته من العمل حين رفض الفرار مع أسرتها إثر حملة إبراهيم باشا - ابن محمد علي - على عكا ثم على لبنان.
وقد توفي هذا الجد عن امرأة وبنتين وولدين، أحدهما والد جرجي زيدان، ولم يكن والد جرجي يعرف القراءة والكتابة مع أنه كان قد بلغ العاشرة من العمر، فنزلت به أمه إلى بيروت ليعمل خبازاً، ولم تلبث أختاه أن تزوجتا، أما هو، أي الوالد، فقد نال خبرته من الحياة والتجربة، وتزوج فتاة من أسرة الحائك سنة 1860.
ولد جرجي زيدان يوسف مطر في بيروت، قريباً من مدرسة الآباء اليسوعيين، في بيت إلياس شويري، ثم انتقلت الأسرة إلى بيت آخر، فآخر حتى بلغ عدد البيوت التي انتقلوا إلها ستة عشر بيتاً.
ويقول محمد كرد علي: إن جرجي زيدان قد تعلم في بعض مدارس بيروت الابتدائية، وحاول دراسة الطب في الكلية الأمريكية فلم يفلح، وهاجر إلى مصر، حيث عمل في الصحافة، ثم رافق الحملة النيلية إلى السودان بوظيفة مترجم عام 1884، وحين عاد إلى بيروت شرع في تعلم اللغتين السريانية والعبرية، وقصد لندن ثم عاد إلى مصر حيث عين محرراً في مجلة "المقتطف"، ولم يلبث أن أنشأ مجلة "الهلال" المرتبطة باسمه منذ عام 1892 إلى الآن.
ولم أفهم معنى قول كرد علي إن جرجي كتب اثنين وعشرين مجلداً من الهلال، ولعله يقصد أنه أصدر اثنين وعشرين عدداً من مجلة الهلال خلال حياته، إلا أن الأكيد - وإن كان غير معترف به بالجدية الكافية - أن جرجي زيدان هو الرائد العملي للرواية العربية، فقد أصدر اثنتين وعشرين رواية، منها "جهاد المحبين - العباسة - شارل وعبد الرحمن - أسير المتمهدي - 17 رمضان.. - والغريب أن يصار إلى تأريخ بدء الرواية العربية بـ "زينب" لمحمد حسين هيكل التي صدرت عام 1914، مع أن جرجي زيدان قد توفي في ذلك العام، أي أن رواياته جميعاً مكتوبة قبل تاريخ صدور رواية هيكل.
وجرجي زيدان، إلى ذلك، مؤرخ مثابر، فقد أصدر "تاريخ التمدن الإسلامي" في خمسة مجلدات، و"تاريخ مصر الحديث" و"تراجم مشاهير الشرق" و"التاريخ العام" و"تاريخ اليونان والرومان" و"تاريخ العرب قبل الإسلام" و"تاريخ اللغة العربية" و"تاريخ آداب اللغة العربية" و"أنساب العرب القدماء"، وزاد فكتب "تاريخ الماسونية" و"علم الفراسة الحديثة".. ويقول كرد علي إن له كتباً غير الواردة في هذا السياق..
سجل حافل، وإنتاج نوعي غزير خلال عمر لم يتجاوز الثلاثة والخمسين عاماً، ومن يزر القاهرة ويقصد شارع "المبتديان" العريق، يطالعه مبنى دار الهلال المهيب، وفي مدخله تمثال نصفي لهذا اللبناني العربي المبدع الذي كتب مذكراته عام 1908.. فماذا قال فيها؟..
هذه المذكرات
ظهرت مذكرات جرجي زيدان قبل كتاب "الأيام" لطه حسين بثمانية عشر عاماً، فهي، بهذا المعنى، كتاب رائد في السيرة الذاتية العربية، ولكن هذا الروائي المؤرخ المتمرس، لم يكن في حاجة إلى من يرشده في مهمته، فقد كان له من الثقافة وسعة الاطلاع والأفق، ما يكفيه لأن يضع قدميه على أرض يعرفها، ولم يبق له إلا الانطلاق في المسيرة، فالسيرة الذاتية عنده، أكثر من قصة حياة ولكنها ليست رواية على ما فيها من روابط روائية، إنه يؤرخ عندما يستدعي الأمر إفادة من التاريخ: فقر، حروب، فتن طائفية ..إلخ، ويتدخل بشخصه، بالطفل الذي كان، وعندما تستدعي الحاجة كان يعطي إشارات إلى تشكل وعيه وشخصيته. ومن اللافت أن من يكتبون مذكراتهم، غالباً ما يأنسون إلى طفولتهم ويسهبون في متابعة مارسخ في ذاكرتهم عنها، عملاً بقول الفرنسيين إن الطفل هو أبو الرجل الذي سيكونه فيما بعد. وقد استطاع جرجي زيدان أن يحدد ملامحه طفلاً بما يضيء شخصيته كاتباً معروفاً، فقد كان خجولاً، غير صدامي، جرحه الفقر فأرسله أبوه إلى العمل صبياً، لتصليح الأحذية حيناً، وللعمل عجاناً وخبازاً حيناً آخر، وعاملاً في لوكندة حيناً ثالثاً، إلا أن الفتى- الطفل الذي تقلب في وجوه العمل، كان قد اكتشف وجهاً له سيحتل محل القلب، ذلك هو وجه المتعلم، المثقف فيما بعد، فقد كان يقرأ في نهم، ويحلم بتأليف قاموس إنكليزي عربي على قلة المفردات الإنكليزية التي لديه، وبلغ به الطموح محاولة أن يصبح طبيباً، هو ابن الفقير المعدم في زمن يتطلب فيه الطب نفقات باهظة، وكان موزعاً بين اندفاع الشباب وطيشه وعاداته السيئة- حيث لم يجد نفسه - وبين رزانة المتعلم أو الباحث عن العلم، وكان يشعر بالنقص لعدم قدرته على مجاراة الأشقياء من أتراب الطفولة، وهذا الشعور كاد ينسحب على تحصيله الدراسي لولا أن تفوقه الملحوظ رفع معنوياته إلى حد أنه أصبح معيناً للأطفال الضعفاء يساعدهم بالغش في الامتحان، ويواصل النجاح تلو النجاح.
فتنته الكيمياء فكانت أحب العلوم إلى نفسه "ولا أزال إلى الآن أعتقد أن الكيمياء ألذ العلوم وأنفعها" لكن للتشريح فوائده أيضاً "فهو لذيذ جداً لما فيه من الاطلاع على ما يتألف منه الجسم البشري"، ونلاحظ أنه ربط المنفعة باللذة المعرفية منذ البدايات. حتى أنه عندما احتاج إلى الأعضاء البشرية ليدرسها لم يجد حرجاً في أن يغزو المقبرة ليسهم في سرقة جثة، وحتى عندما عرف أن الجثة المسروقة تعود إلى طفل قريب له، لم يعلق بما يفيد الشعور بالندم، وقد وجد في دراسة النبات لذة أيضاً، بل يمكن القول إنه ما تحدث عن فائدة العلم إلا وربطه عفوياً بلذة المعرفة.
على أن ما كان ينغص عليه تلك اللذة، نفوره من بعض المدرسين الأجلاف كالأستاذ بوسط الذي كان ضعيف السمع سيئ الظن. وهو نقيض المعلم اسكندر الذي كان سمحاً كريماً حريصاً على الوقت، وهو ما جعله مثالاً للفتى جرجي الذي يقول: "أساس نجاحي المحافظة على الوقت واللجاجة".
جرجي زيدان المدين للمعلم اسكندر بالعلم والدأب على الدراسة، مدين لأمه بوقوفها إلى جانبه أمام تردد أبيه في شأن دراسته. ولكن الأب القلق على مستقبل أولاده لأسباب مادية تغلب على تردده عندما أقنعه جرجي بالمزاوجة بين الدراسة والعمل وإعفاء الأسرة من مصروفات التعليم: "وكثيراً ما كانت تشرق الشمس وأنا جالس. دق والدي باب غرفتي مرة وكنت جالساً أكتب، فلما فتحت الباب رأيت الفجر قد لاح فسألني: ما بالي أراك قد استيقظت باكراً في هذا الصباح؟.. فقلت: إني لم أنم بعد.."
إن هذا الطفل - الفتى ما كان له أن يصبح جرجي زيدان الكاتب الذي ترك لنا كل تلك الكتب، لو لم يكن على هذا الدأب والمثابرة منذ نعومة الأظافر.
الدين والحداثة
كأننا نتابع معاناة كمال عبد الجواد في ثلاثية نجيب محفوظ، عندما كان هذا الفتى يهم بالكتابة والنشر، ويسمع بالأفكار الحديثة التي يبشر بها تشارلز داروين حول أصل الأنواع، ولكننا - كما أشرت وأشدد - أمام سيرة ذاتية لا رواية، وجرجي زيدان كاتب السيرة وبطلها، يقص علينا نبأ لهفته على النشر ومراسلته الخائبة لمجلة المقتطف - وهي التي سيصبح محررها فيما بعد، مع أن المذكرات لم تصل إلى تلك المرحلة، لأنها توقفت وهو لا يزال في مرحلة الصبا - ويغص حين يدرك أن مستواه الكتابي لا يزال ضعيفاً. لكنه لا ييأس، ومع ذلك فهو يشعر بالتقصير ويؤاخذ نفسه، فلا يتوقف عن المحاولة ويواصل اكتشاف العالم. سيفاجئه الأستاذ كرنيلوس فانديك الذي كان قسيساً متسامحاً "شديد التمسك بجوهريات الدين لا يبالي بأطرافه وقشوره إذا خالفت قواعد العلم". ومثله د. لويس الذي كان "شاباً حر الفكر والتصرف.. واتفق ظهور مذهب داروين فألقى فيه الدكتور لويس خطاباً ألقاه على التلامذة. لم يتعرض فيه للدين في شيء، لكن ذلك الرأي كان لا يزال حديثاً ورجال الدين يعدونه مخالفة للنصرانية" وانتهى الأمر بإعفاء د. لويس من التدريس مع أن التلاميذ يحبونه، فاحتجوا على تسريحه "فقد كان لهم قاموساً حياً يستعينون به فيما يعرض لهم من الأسئلة.. وكانوا يحترمون رأيه وينصرون شعوره".
وقد كان احتجاج الطلبة على تسريح الدكتور لويس تعبيراً عما أنشأهم عليه أساتذتهم من "حرية الفكر وحرية القول"، ولنا أن نتوقف عند هذه النقطة لنفهم رؤية جرجي زيدان للحرية، فهو يناصر الدكتور لويس، ولكن بحدود عدم تعارض أفكاره مع الدين، أو لنقل بحدود ألا تبدو تلك الأفكار الجريئة متعارضة مع الدين، وأسهل الأمور أن يعتبر نقاط الخلاف جاءت من عدم فهم الأطراف والقشور لجوهر العلم. من غير أن يذهب في الأمر إلى جذره العميق، ولا مناص من اعتبار جرجي زيدان براغماتياً يعمل بالتقية، فهذا الذي كتب مذكراته وهو في العقد الخامس من العمر، وجد نفسه في غنى عن الصدام مع المؤسسات المحافظة بسبب ذكرياته عن محاضرة ألقاها أستاذ، ولكنه من جهة ثانية لم يخن أستاذه، فنأى بمحاضرته عن الجدل مع الكنيسة ولم يدخل في جوهر التصادم بين أفكار داروين الراديكالية ونواميس الكنيسة المحافظة.
وعلى هذا القياس يمكن فهم قراءته للتاريخ، فهذا الكاتب الأرثوذكسي المتخصص في الوقائع والتواريخ العربية الإسلامية، كان من الطبيعي أن يكون له آراء لا تروق للمحافظين، فألمح إلى هذه الآراء ولم يشدد عليها، وهذا يفسر إشارة محمد كرد علي إلى انتقاد بعض المسلمين المحافظين لبعض كتابات جرجي زيدان، كما يمكن أن نلحظ علامة ثانية على التقية عنده، عندما أشار إلى مظلمة وقعت على نصارى حوران في القرن التاسع عشر أو الثامن عشر، فقد ثبت الواقعة كحقيقة تاريخية، لكنه لم يتعمق فيها، وبذلك أوجد مصالحة بين الذاكرة التاريخية والواقع الاجتماعي، فهو لم يخالف ضميره لكنه لم يكن معنياً في تهييج المشاعر بموجب حادثة قديمة.
أولى المعارك
من المثير للفضول، أن الكاتب الذي أسهب في عرض مكونات وعيه الاجتماعي الأول، والذي نعرف عنه - من خارج المذكرات - أنه المنتج المثابر، يبدو في هذا الشطر المتوفر من المذكرات وكأنه يسخن المحرك للانطلاق، حتى إذا سخن ومنينا أنفسنا برحلة مشوقة، توقف من غير سابق إنذار، فقد قدم، إلى حد الاعتراف، جوانب من شخصيته الخجولة المتعففة لكن العنيدة، وكشف عن عزم يستحق الثناء على مواصلة العلم في ظروف بالغة القسوة. وعندما وجد مكانه بين أقرانه التلاميذ - وقد ذكر أسماء بعضهم - ظهر تفوقه الدراسي من غير أن ينكر أن هذا التفوق مقصور على الدراسة لا على الحضور الاجتماعي. وحتى عندما ذكر أن التلاميذ قد اختاروه رئيساً في لجنة شكلوها لمواجهة إدارة المدرسة، سارع إلى التوضيح أن تلك الرئاسة كانت رمزية لأنه لابد من رئيس، أما التلاميذ الذين كانوا يقودون عملية الاحتجاج فهم آخرون أشد منه مراساً، وعلينا أن نصدق روايته لأنه نجح في إقناعنا بموضوعيته، فهو يشير إلى تفوقه عند اللزوم، ولا يتحرج من الإشارة إلى نقاط ضعفه في حال وجودها، وفي الحالين: التفوق والضعف، كانت روايته لأولى المعارك التي خاضها، جديرة بالتسجيل.
ففي "المدرسة الكلية" التي دخلها عام 1881، والتي كان قد أسسها الأمريكيون في بيروت، مثال أنموذجي لما يمكن أن تكون عليه الإرسالية الحازمة المحافظة. ولكنها، في مستوى آخر، تتمتع بقدر من الديمقراطية المحسوبة حيث يمكن استخدامها لصالح الإدارة وكبح جماح الطلبة إذا تجاوزوا الحد، وقد أعفت المدرسة، كما تقدم، أستاذين من التعليم لانفتاح أولهما اجتماعياً، ولجرأة ثانيهما علمياً، وقد تنادى التلاميذ فشكلوا لجنة للاحتجاج على ذلك لدى الإدارة، وكان للاحتجاج مستوى آخر، متصل بمنهج التعليم والتعريب، ونلاحظ قوة منطق التلاميذ في تقديم احتجاجهم، فهم يسوقون الحجة تلو الحجة، ويفندون الدعاوى التي تمت بموجبها القرارات المجحفة، لكنهم، في النهاية، لا يغفلون عن الأدب الواجب خلال مخاطبة أولياء أمورهم، فهم يؤكدون الاحترام والاعتراف لعمدة المدرسة بالأبوة اللازمة، ويحرصون على إبداء الطاعة في إطار من العقلانية والتزام القانون، ولا تشذ إدارة المدرسة عن هذا المنطق، فهي ترد على التلاميذ بتهذيب وتقدير، ولكنها لا تقدم الجواب الشافي، وعندما تتواصل مذكرات الاحتجاج، تلجأ المدرسة إلى التهديد بتوقيف التلاميذ عن الدروس. وتنجح جزئياً في تفكيك وحدتهم، حيث ينسحب بعضهم من المعركة.
تأخذ المعركة جانباً سياسياً عندما يشير التلاميذ إلى الأساتذة الأجانب العنصريين الذين يحكمهم "التعصب الجنسي واحتقار العرب" ولكن خطاب التلاميذ يعتمد على مخاطبة القيم الأمريكية، فيقول: "لم يخطر ببال عقلاء سوريا ولا في أذهان أبناء المدرسة الكلية، تلاميذكم، أن قوماً أفاضل مثلكم ينتسبون إلى بلاد الحرية الأمريكانية، يحكمون في الأمور قبل الإطلاع عليها".
يشير جرجي زيدان إلى أنه المتضرر الأول من تلك المعركة بين التلاميذ، لأنه لا يملك مثلهم القدرة المادية على استئناف الدراسة إذا فصلته المدرسة، ومع ذلك فإنه يواصل جهاده المبدئي هذا، ويخسر الدراسة فيكمل دراسته في الصيدلة بدل الطب، إلا أنه لم يعمل في حقل الصيدلة، ويقرر مع بعض زملائه الرحيل إلى مصر على أمل إيجاد فرصة دراسية جديدة، وينتهي الجزء المتوفر من المذكرات بجملة حزينة تقول: "ولكن للأسف لم نفلح بما أردنا".
بصمات الرائد
إذا سلمنا لجرجي زيدان بدور الرائد في السيرة الذاتية العربية - وحتى لا نثير جدالاً سفسطائياً سنقول إنه أحد رواد هذا الجنس الأدبي - فإننا نأخذ بالاعتبار ما ذهب إليه ج. ماي في كتابه "السيرة الذاتية" الصادر عام 1979- أي بعد إحدى وسبعين من مذكرات جرجي زيدان - فيقول G. May هذا بالحرف الواحد: "إن السيرة الذاتية حديثة كنوع أدبي، الأمر الذي أدى إلى عدم ظهور تعريف لها، بسيط ومتفق عليه"، ومادام الأمر كذلك، فلنبحث عما حققه جرجي زيدان في هذا المجال، تاركاً بصمات رائدة ستغذينا بالتراكم والمقارنة والمقاربة والمثاقفة.
إنه مبدئياً يكتب بضمير المتكلم المفرد، وليس هذا شرطاً فقد تكلم الدكتور طه حسين في "الأيام" بضمير الغائب، وعمد الدكتور أنيس فريحة إلى مخاطبة الطفل في عرض مذكراته من خلال كتاب "اسمع يا رضا"، وتنوع أسلوب جبرا بين ضمير المتكلم، كما في كتابيه "البئر الأولى" و"شارع الأميرات"، وبين صياغة المذكرات بأسلوب الحوار كما فعل في حديثه إلى ماجد صالح السامرائي، أما الدكتور لويس عوض فقد وزع كتاب ذكرياته "أوراق العمر" على فصول متتابعة، ففي أحد الفصول يقص جانباً من سيرته، وفي الفصل التالي يسرد وقائع تاريخية رافقت أحداث حياته.
ثم إن جرجي زيدان، شأن معظم كاتبي المذكرات، رأى أن يبدأ منذ الطفولة، بل بما هو قبل ذلك عندما حاول متابعة تاريخ الأسرة عبر جيلين أو ثلاثة، وكانت ذاكرة الطفل انتقائية، فقد ركز على الفقر والحاجة، على العمل والتعليم، على التربية الموزعة بين حرص الأب وحنان الأم، وأشار إلى الوضع الاقتصادي العام بين نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، حيث الغلاء وقلة الموارد مع مرور خاطف وبرفق على المشكلات الإثنية التي سببها الوضع العثماني.
وإذا أشار محمد كامل الخطيب - في مقدمة الطبعة التي لدي، عن وزارة الثقافة السورية هذا العام: 2005م، إلى أن في أدب المذكرات مسحة من الاعتراف المسيحي اللاهوتي، بحكم أن هذا النوع من الأدب نشأ في الغرب، فإن جرجي زيدان مسيحي فعلاً ولكنه أرثوذكسي وليس اعتراف الأرثوذكس كالكاثوليك من حيث البوح بالأسرار، ولكن مبدأ التطهر من خلال الاعتراف قائم، مع أن جرجي الذي كان ولداً عاقلاً لم يرتكب الكثير من الأخطاء حتى لو أشار، بحياء ومن بعيد، إلى ممارسته العادة السرية في مطلع المراهقة، إلا أنه وجد في نفسه الشجاعة للاعتراف بشعوره الدائم بالضعف والتقصير، من غير أن يبخل على نفسه بالاعتراف لها بالمثابرة والعزيمة والإصرار.
إلا أن أهم ما يميز هذه المذكرات، هو ذلك الجهد التوثيقي التاريخي، حتى كأنه وضعنا أمام مفصل تاريخي يكشف جوانب من علاقة الإرساليات بتلاميذ الشرق العربي، كما نلمح من بوادر تمرد هؤلاء التلاميذ بذرة التنوير الذي سيؤدي، بالتراكم، إلى الثورة.
لا أدري ما إذا كان جرجي زيدان يحلم بنشر هذه المذكرات، ولا تفسير عندي لتوقفه عن مواصلتها وهو في الذروة.. صحيح أن أثره في الثقافة العربية الحديثة واضح.. لكننا كنا نتمنى أن نعرف منه كيف تم ذلك، إلا مضطرون إلى الاكتفاء بهذا الدرس الرائد في كتابة الجنس الأدبي المتميز.
المصدر
http://www.al-wed.com/pic-vb/239.gif
http://www.palintefada.com/upload/pic/beesssss.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
عن در الثقافة بالدار البيضاء - المغرب، صدر سنة 2006 ميلادية كتاب جديد ذو منحى ديداكتيكي للناقد الأدبي
محمد معتصم
موسوم بالعنوان التالي:
" الذاكرة القصوى"
وهو دراسة تحليل نصية لروايتين "الساحة الشرفية" للكاتب عبد القادر الشاوي، و"محاولة عيش" للكاتب الراحل محمد زفزاف، وسيرة ذاتية "رجوع إلى الطفولة" للكاتبة ليلى أبو زيد. من المغرب، وهنا صور الغلافين، ومقدمة الكتاب.
http://www.geocities.com/motassim7/em.jpg
***
http://www.geocities.com/motassim7/me.jpg
مقدمة الكتاب
1/ ما كان في نيتي، هذا الوقت بالذات، وضع كتاب "ديداكتكي" بعد كتابي السابق "الشخصية، والقول، والحكي في لعبة النسيان لمحمد برادة"، والسبب أنني وجدت في النقد الأدبي المنفتح على التجربة المعرفية والحياتية خصوبة وخصوصية محببتين إلى نفسي. ففيه أسترجع خبراتي التي حصلتها من الحياة، ومن معاشرتي للكتاب المغاربة، وصداقتي مع كتاب عرب ومراسلاتي الثقافية والحميمة معهم، فأستثمرها عند الكتابة، وتمدني تلك المعرفة القريبة بالكاتب إمكانية الانفتاح على البعد الإنساني في التجربة الإبداعية، وتسمح لي باختراق مجالات غير مطروقة. وفيه أسمح لنفسي بأن تراكم المعرفة، وبأن أكون فاعلا لا ناقلا، أو متمرنا على منهج، أو مجترا لخطاب متسيد، إيمانا مني بأن النقد الأدبي إبداع على إبداع، وإن اختلفت سبل وصيغ التعبير.
ولكن عددا من الأصدقاء وخصوصا الزملاء المدرسين استحسنوا التجربة السابقة ووجدوها مفيدة، واقترحوا علي الكتابة بعدما قررت الوزارة الوصية على التعليم تلبية مطلب مهم كان ما يزال هدف المربين والمدرسين، وهو تقرير دراسة المؤلفات الإبداعية في شتى الأنواع الأدبية والتعبيرية بالأقسام الثانوية الإعدادية. وهذا الذي حصل.
2/ وتكمن صعوبة الكتابة الديداكتيكية في تمحيصها الدقة المعرفية، والوضوح، واليسر في معالجة النصوص والمؤلفات المقترحة، فالتلميذ المقبل على هذه المؤلفات، هذا الوقت بالذات، يفتقد إلى أبسط الأدوات في التحليل، ومعرفته تظل بسيطة نظرا للمنهجية التعليمية المتداولة، وهي تلقينية، تركز على الاستذكار، والحفظ. وتخاطب الذاكرة، ولا تحفز الذهن على تشغيل طاقته المكبوتة، طاقته التحليلية والتفكيكية التي تسائل النصوص وتبحث في بنياتها الظاهرة والباطنية، وفي قصدية المؤلف، وفي التقنيات التي تنشئ النص الأدبي.
وما دامت الأسباب التي تحد من إمكانيات المدرسين في إنجاز ما هو مطلوب منهم، وخصوصا توظيف معرفتهم التي حصلوها في الجامعات المغربية وغير المغربية، واضحة. فإن الوزارة اقترحت تدريس المؤلفات في الأقسام الثانوية الإعدادية على المستوى النهائي، ولعل الغاية من ذلك تأهيل التلميذ المقبل على التعليم الثانوي التأهيلي للتأقلم مع التغييرات الجديدة. وهذا مفيد.
لكن الأهم هو أن التلميذ عندما يتعلم منهجية التحليل النصي، فإنه سيدرك حقيقة العمل الأدبي. كيف يبنى، مكوناته الأساس، مضامينه...
3/ وأولى المشكلات في النقد الديداكتيكي تتمثل في تعدد مناهج التحليل النصي، وهي مختلفة من حيث زوايا النظر إلى النص، والغاية المتوخاة منه، وبالتالي اختلاف أدوات التحليل وفهم النص، وهي كلها تصلح كمدخل لفهم النصوص المقررة على التلاميذ في جل مستويات التعليم بالمدارس والجامعات المغربية.
لقد ازدهر في الفترات السابق المنهج التكاملي في دراسة المؤلفات الأدبية، وكذلك المنهج التاريخي التعاقبي الذي يربط النصوص بمحيطها العام وخارج النصي، وبسيرة الكاتب المؤلف. لكن المناهج الجديدة التي تطورت مع الثورة اللسانية والبنيوية والسيميائية، كشفت خبايا عديدة لم تكن المناهج العامة قادرة على كشفها. ثم إنها تتميز بالوضوح والدقة، وهما مطلبان أساسيان في كل نقد ديداكتيكي تعليمي وتربوي.
ولا ينبغي إغفال المناهج التحليلية الأخرى لأهميتها، كالمنهج النفسي، والاجتماعي، والمعرفي أو الثقافي، والمقارن. فالأول يساعد على الوقوف على تكون الشخصية، ولا وعي النص الأدبي، وقيمة اللغة. والثاني يساعد على فهم شروط نشأة النص الأدبي، وغاياته، ووظائفه المتنوعة والمختلفة. والثالث قيمته تكمن في انفتاحه على تجارب وخبرات خارجية. أما الرابع فأهميته تكمن في مقابلة النصوص مع بعضها ومن ثمة الوقوف على حقيقة الأدب، ووظيفته في نقل الثقافات والتقاليد والفروق اللغوية بين الشعوب المتزامنة، أو الشعوب المتعاقبة.
4/ لكن بالنسبة للمستوى التعليمي الذي يهمنا هنا، وهو مستوى الثانوي الإعدادي، فإن مسألة اختيار منهج التحليل أو طريقة دراسة المؤلفات الأدبية (السردية) تستفحل، لأن التجربة جديدة، ولم يعتدها المدرسون والتلاميذ على حد سواء، ولأن المخزون الثقافي، والاستعداد النفسي والأدبي باهتان. ولأن المعوقات التربوية كبيرة جدا في هذا المستوى، كنضوب المخزون اللغوي، وقلة الخبرة القرائية، وضعف عادة المطالعة الحرة، في البيت أو في المكتبات العمومية، أو مكتبات المدرسة (إن وجدت)، وناهيك عن الأسباب الاجتماعية والمادية، والمعلوماتية.
فهل ستقتصر دراسة وتحليل المؤلفات المقترحة على تفسير وشرح المضامين؟ أو دراسة خرج النص، كسيرة الكاتب المؤلف، أو الشروط التاريخية والاجتماعية التي نشأ فيها المؤلف؟ أو الدراسة المجتزأة؟
كل هذه الطرائق لم تعد تجدي نفعا، بل الدراسة المقترحة هنا تمس التقنيات والأدوات والمفاهيم وأساليب التعبير والقول الأدبي. وخصوصا طرائق بناء المضامين، وبناء الشخصيات، وتحليل الخطاب.
ولهذه الغاية وضعت معجما بسيطا (ديداكتيكيا) أوضح فيه للتلميذ والمدرس بعض المفاهيم التي اعتمدتها نظريات السرد. وكثير منها تم توظيفه في الدراسات التحليلية ضمن هذا الكتيب.
5/ لقد اقترحت الوزارة الوصية على تلامذة مستوى الثالثة من التعليم الثانوي التأهيلي، ثلاثة مؤلفات أدبية (سردية) لكتاب مغاربة، وهذا مطلب ثان مهم يتحقق اليوم، بعدما كانت المؤلفات والنصوص المعتمدة مشرقية، وكان حقا "مطرب الحي لا يطرب" كما يقال، وهي على التوالي:
*"رجوع إلى الطفولة" للكاتبة ليلى أبو زيد.
*"الساحة الشرفية" للكاتب عبد القادر الشاوي.
*"محاولة عيش" للكاتب الراحل محمد زفزاف.
وهذه المؤلفات مهمة جدا كونها مغربية. وكتابها معاصرون. وكل واحد منهم انخرط في قضايا وطنه ومجتمعه انخراطا عضويا. وعبر عنها بكل صدق. لكن المؤلفات المغربية لها خصوصياتها الأسلوبية. وسياقاتها الاجتماعية والثقافية والمعرفية والسياسية. وسيجد فيها المدرس قبل التلميذ اختلافا. لأنها لم تكتب أساسا للتلقين المدرسي، بل كتبت لتحليل وضعية أعم، وضعية المغرب إبان الاستقلال. وخلال الفترة الأكثر عنفوانا وحماسا. عندما كان الوطن حلما جميلا، وكان المغربي مؤمنا بوطنيته، مساهما في التنمية، ولو من زاوية الانتقاد، والبحث عن الهفوات والثغرات التي قد تعوق النماء السديد والقويم لمغرب فتي خارج من مرحلة حرجة، سميت مرحلة استعمارية، كما سميت مرحلة حماية. ومرحلة كان فيها الحماس قدرا تغلي. والحلم ما يفتأ يكبر ويكبر باستقلال كلي وشامل.
لكن الأساس هو أن القارئ (التلميذ) سيتعرف على ذاته من خلال مرآة النصوص المغربية. وكذلك المدرس الذي سيجد مادة قريبة من الواقع والحياة الاجتماعية المغربية. ولن يضطر للحديث عن مواضيع بات التلميذ يشعر تجاهها بالجفاف المعرفي، نظرا للهوة الفاصلة بين انشغاله واهتمامه الفكري والنفسي اليوم. في عصر اكتساح الصورة، والتقنيات الرقمية وانتشار أدوات التلقي السهل والبسيط. ووسائل التأثير المتطورة.
6/ في مؤلف "رجوع إلى الطفولة" سيتعرف التلميذ على "السيرة الذاتية"، وعلى نوع من الأنواع المختلفة "للكتابة النسائية" المغربية، وبالتالي سيتعرف على تقنيات كتابة السيرة الذاتية التي تناسب تماما ما تقترحه عليه المقررات الوزارية والمناهج التربوية بخصوص في الدورة السادسة من مرحلة التعليم الثانوي الإعدادي ضمن ما سمي محور "التخيل والإبداع: التدريب على كتابة السيرة الذاتية أو الغيرية".
ليس هذا فحسب بل سيتعرف من خلال مضمون السيرة الذاتية لليلى أبو زيد على المجال الوطني والإنساني. لأن الكاتبة كما سيتضح من خلال التحليل لبناء المضامين ودراسة المحتوى، تتعرض لمرحلة تاريخية مهمة من مراحل تطور المغرب المعاصر. أي مرحلة المقاومة، ونشوء الحركة الوطنية، وجيش التحرير بعد نفي ملك المغرب المغفور له محمد الخامس والأسرة الملكية خارج البلاد لإضعاف حماس الوطنيين المغاربة. وستصف بدقة الكاتبة عادات المغاربة، ووضعية المرأة المغربية، لأن السيرة الذاتية كتبت أصلا للقارئ غير المغربي، أو العربي. إنها فعلا متن يخزن الكثير من الفائدة المعرفية والاجتماعية. ويمكن القول كذلك "الأنثروبولوجية".
7/ ورواية الكاتب عبد القادر الشاوي مهمة كذلك، لأنها تتعرض لمرحلة مظلمة من تاريخ المغرب، عانى فيها المغاربة من سوء الفهم، واشتد فيها الصراع قويا بين الواقع والأحلام، وكما قال الكاتب والناقد الأدبي أحمد المديني أن عبد القادر الشاوي كان سباقا لتعرية هذه التجربة المرة، تجربة الاعتقال، والكشف عن المعاناة النفسية والجسدية والفكرية كذلك لمعتقلي الرأي، قبل استشراء حمى الاعتراف والمصالحة بعد اعتلاء الملك محمد السادس العرش، نصره الله، وبداية تصفية وتشذيب عوالق العهد السالف، وبناء المغرب الحر والجديد.
وتدخل التجربة الروائية للكاتب عبد القادر الشاوي ضمن ما يعرف في الأدب برواية السجن أو رواية الاعتقال، وقد كتب فيها عبد الكريم غلاب روايته "سبعة أبواب"، كما كتب عبد اللطيف اللعبي روايته "مجنون الأمل"، وكتب عبد القادر الشاوي، مستوحيا أجواء الاعتقال في عدد آخر من رواياته سيرد ذكرها في حينه. وكتب الشاعر صلاح الوديع روايته السيرة "العريس"، كما كتبت خديجة مروازي روايتها "سيرة الرماد"، كتبت زين العابدين ... وغيرهم.
إن من حق المغاربة التعرف على تاريخهم لتقوية إيمانهم بوطنيته، ولتحسيسهم بحقهم في مواطنة سليمة وكريمة حتى ينخرطوا فعليا في مشروع التنمية الكبير والبعيد المدى.
8/ وثالثة الأثافي الراحل محمد زفزاف. ولعالم زفزاف الروائي والقصصي خصوصيته التي ميزته في الكتابة عن غيره من الكتاب ليس في المغرب بل في العالم العربي. وقد ترجمت جل مؤلفاته الإبداعية إلى لغات العالم الحية، وتدرس في جامعاتها. مما يدل على القيمة التعليمية، والمعرفية، والأدبية لكل ما أنتجه. لكن النظرة السطحية للموضوعات التي اشتغل عليها الكاتب الراحل محمد زفزاف ستجعل الكثيرين يتحاشون تدريسها، لكن قراءتها سرا وخفية، وهي نظرة قاصرة. ولا تراعي التطور النفسي والمعرفي للتلميذ اليوم. ولا تراعي القفزة النوعية في الفكر والتلقي الأدبيين التي ساهمت فيها كتابات كثيرة منها كتابات الراحل محمد زفزاف.
وعالم الكاتب كما بينا الدراسة ينحصر في العوالم السفلي للمدن والهوامش المغربية، وتلك كانت فضاءات مغيبة عن الكتابة الإبداعية، لأن الكثيرين كانوا وقتها ينظرون إليها خارج القيمة الاجتماعية،ويصلونها بالوضع المنحط للهامش عموما، وكأن الأدب تضيق به، وبهم، ولا يمكنه التعبير سوى عن العالم النقي الطاهر المليء بالأحلام الوردية والمفارقة للواقع والحياة.
ولكن تفاديا لكل تقييم خارج نصي، قدمتُ قراءة تفيد التلميذ في التعرف على طريقة اشتغال وكتابة محمد زفزاف للنص السردي. كبناء القصة (المتن الحكائي) وبناء الخطاب (الصيغة الخارجية). مع التركيز على المؤشرات اللغوية والأسلوبية في التعبير عن الهامش. وقد اخترت تحديد تقنية كتابية مهمة استعملها الراحل محمد زفزاف في التعبير وهي الوصف.
9/ تفيد دراسة المؤلفات التلميذ في فهم بدقة المحاور التالية المقررة عليه:
·خطاب السرد والوصف (التدريب على كتابة اليوميات، وصف رحلة، وصف شخوص، بطاقة بريدية...).
·خطاب الحجاج (التدريب على التعقيب والتعليق. الدفاع عن وجهة نظر).
· التخييل والإبداع (التدريب على كتابة سيرة ذاتية أو غيرية. التدريب على تخيل حكاية عجيبة أو قصة من الخيال العلمي).
·النقد والحكم (التدريب على إصدار أحكام قيمية بسيطة على أعمال إبداعية متنوعة).
وهذه المحاور الخاصة بالمستوى الثالث النهائي من المرحلة التعليمية للأقسام الثانوية الإعدادية. وهي فعلا ستسهم في إعداد التلميذ لاستقبال التعليم الثانوي التأهيلي، الذي سيعده بدوره للتعليم العالي الجامعي.
لكن القيمة الأهم بالنسبة لي تتمثل في ترسيخ ملكة المطالعة في البيت عند التلميذ، وتأهيله لمعرفة طرائق الكتابة. ولأن المواضيع في الطريق يعلمها العالم وغير العالم،فإن القيمة الخطابية وتشكيل النص بناء الخارجي والداخلي للنصوص سيكونان أهم.
رحلة موفقة.
المصدر
http://www.al-wed.com/pic-vb/239.gif
http://www.palintefada.com/upload/pic/beesssss.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://www.zmzm.net/images/bsmlah.gif
http://img176.imageshack.us/img176/4...noos9ktsx4.gif
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-153.gif
http://www.radiotanger.ma/photo/chaoui.gif
عبد القادر الشاوي
***
http://www.radiotanger.ma/photo/chaoui2.gif
السيرة الذاتية للكاتب عبد القادر الشاوي
ولد سنة 1950 بباب تازة (إقليم شفشاون)، تابع تعليمه بثانوية القاضي عياض بتطوان حيث حصل على الباكالوريا سنة 1967، وفي سنة 1970 تخرج من المدرسة العليا للأساتذة، دبلوم اللغة العربية، كما حصل على الإجازة في الأدب الحديث سنة 1983 وعلى شهادة استكمال الدروس سنة 1984 وعلى دبلوم الدراسات العليا في الأدب العربي من كلية الآداب بالرباط سنة 1977.
اشتغل عبد القادر الشاوي أستاذا بمدينة الدار البيضاء، وفي نوفمبر 1974 تعرض للاعتقال وحكم عليه في يناير 1977 بعشرين سنة سجنا ولم يطلق سراحه إلا سنة 1989.
بدأ عبد القادر الشاوي النشر سنة 1968 بجريدة "الكفاح الوطني" حيث ظهرت له مجموعة قصائد شعرية ومقالات أدبية.
انضم إلى اتحاد كتاب المغرب سنة 1970.
نشر إنتاجاته بمجموعة من الصحف والمجلات: الملحق الثقافي لجريدة العلم، الاتحاد الاشتراكي، مجلة أقلام، الثقافة الجديدة، الجسور، الزمان المغربي، المقدمة، أنفاس، الآداب، مواقف…
أصدر سنة 1991 مجلة (على الأقل) رفقة محمد معروف، وبعد توقفها، أصدر في يونيو 1993 جريدة "الموجة".
نشر عبد القادر الشاوي الأعمال التالية:
- سلطة الواقعية، دمشق، اتحاد الأدباء العرب، 1981.
- النص العضوي، البيضاء، دار النشر المغربية، 1982.
-السلفية والوطنية، بيروت، مؤسسة الأبحاث الجامعية، 1985
- كان وأخواتها: رواية، البيضاء، دار النشر المغربية، 1986.
- دليل العنفوان، البيضاء، منشورات الفنك، 1989.
- حزب الاستقلال، البيضاء، عيون، 1990.
- اليسار في المغرب، الرباط، منشورات على الأقل، 1992.
- باب تازة: رواية، الرباط، منشورات الموجة، 1994.
- الشيطان والزوبعة، قضية العميد ثابت في الصحافة: تقرير، الرباط، منشورات الموجة.
- الذات والسيرة (الزاوية) للتهامي الوزاني، الرباط، منشورات الموجة، 1996.
- الساحة الشرفية: رواية، البيضاء، الفنك، 1999(جائزة المغرب للكتاب لسنة 1999، جائزة الإبداع الأدبي).
- الكتابة والوجود، 2000.
بالإضافة إلى هذه الأعمال، لعبد القادر الشاوي إسهامات في الترجمة:
- المغرب والاستعمار/ألبير عياش، ترجمة عبد القادر الشاوي ونور الدين السعودي، البيضاء، دار الخطابي، 1985(سلسلة معرفة الممارسة).
- أوضاع المغرب العربي / مجموعة من المؤلفين، ترجمة جماعية، الدار البيضاء، الفنك، (1993).
المصدر
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://www.zmzm.net/images/bsmlah.gif
http://img176.imageshack.us/img176/4...noos9ktsx4.gif
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-153.gif
http://upload.wikimedia.org/wikipedi...ortrait%29.jpg
جان جاك روسو
(Jean Jacques Rousseau)
(28 يونيو1712-2 يوليو1778)
فيلسوف و كاتب و محلل سياسي سويسري، ولد في جنيف وقضى فيها طفولته وشبابه المبكر وذهب إلى باريس وهو في الثلاثين من عمره وبعد عدة رحلات استقر فيها وكتب فيها أهم مؤلفاته "العقد الاجتماعي" الذي يوصف بأنه "إنجيل الثورة" وقد بدأه بالاحتجاج الصارخ على طغيان عصره: ولد الإنسان خيَّرا بطبعه ولكن المجتمع هو الذي يفسده.
وتقوم نظرية روسو على وجود تعاقد بين الانسان والمجتمع الذي يعيش فيه، وبمقتضى هذا العقد الاجتماعي يتنازل الإنسان عن جزء من حريته وحقوقه الطبيعية لهذا المجتمع مقابل تعهد المجتمع بصيانة هذه الحقوق وحماية الأفراد، وكان روسو في كتاباته يدعو إلى الديمقراطية والحرية والمساواة، ويرجع تأثير روسو المتعاظم في الناس إلى المشاعر القوية التي كان يشحن بها كتاباته وكان من أشد المتأثرين بهذه الكتابات روبسبير الذي لعب دورا عظيما في أحداث الثورة.
http://www.m5zzn.com/upload/uploads/...0ba3f598a8.jpg
هي ترجمة ذاتية كتبها روسو في أخريات أيامه بعد إلحاح شديد من أحد الناشرين، ثم إن جان جاك روسو- الذي أدانته الكنيسة، وحرمته من حماية القانون ثلاث دول، وهجره أخلص أصدقائه - كان له الحق في الدفاع عن نفسه، بل في الدفاع المستفيض: وحين قرأ فقرات من هذا الدفاع على بعض المحافل في باريس حصل خصومه على أمر من الحكومة يحظر أي قراءة علنية أخرى لمخطوطته، فلما فت في عضده، تركها عند موته مشفوعة برجاء للأجيال التالية قال فيه:
"إليكم هذه اللوحة الإنسانية الوحيدة - المنقولة بالضبط عن الطبيعة بكل صدق - الموجودة الآن أو التي ستوجد إطلاقاً في أغلب الظن، وأينما كنتم، يا من نصبكم قدري وثقتي حكماً على هذا السجل، فإني أستحلفكم بحق ما أصابني من خطوب ومحن، وبحق ما تشعرون به من أخوة البشر، وباسم الإنسانية جمعاء، ألا تدمروا عملاً نافعاً فريداً في بابه، قد يصلح بحثاً مقارناً من الدرجة الأولى لدراسة الإنسان، وألا تنتزعوا من شرف ذكراي هذا الأثر الصادق الوحيد لخلقي، الأثر الذي لم ينل من خصومي مسخاً وتشويهاً".
وعلى الرغم من أن الكتاب نتاج لما فطر عليه مؤلفه من شدة الحساسية وقوة الذاتية، ورهافة العاطفة وكما يقول هو نفسه "إن قلبي الحساس كان أس بلائي كله"، إلا أن هذا القلب كان قد أضفى ألفة حارة على أسلوبه، وحناناً على ذكرياته، وفي كثير من الأحيان سماحة على أحكامه، وكلها تذيب نفورنا ونحن نمضي في قراءة الكتاب "إنني مقبل على مغامرة لم يسبق لها نظير، ولن يكون لتنفيذها مقلد، أريد أن أظهر إخواني في الإنسانية على إنسان في كل صدق الطبيعة، وهذا الإنسان هو أنا نفسي، أنا مجرداً من كل شيء، إنني أعرف قلبي، وأنا عليم بالناس، ولم أخلق كأي حي من الأحياء، وإذا لم أكن خيراً منهم، فإنني على الأقل مختلف عنهم، أما أن الطبيعة أحسنت أو أساءت بتحطيم القالب الذي صببت فيه، فذلك شيء لا يستطيع الحكم عليه إنسان إلا بعد أن يقرأني".
"وأياً كان موعد الساعة التي سيُنفخ فيها في صور يوم الحشر، فسوف آتي وكتابي هذا في يميني لأمثل أمام الديان الأعظم وسوف أقول بصوت عالٍ: كذلك سلكت، وكذلك فكرت، وكذلك كنت، لقد تحدثت إلى الأبرار والأشرار بنفس الصراحة، وما أخفيت شيئاً فيه سوء، ولا أضفت شيئاً فيه خير، وقد أظهرت نفسي كما أنا: حقيراً خسيساً حين كنت كذلك، وخيراً سمحاً نبيلاً حين كنت كذلك، لقد أمطت اللثام عن أعمق أعماق نفسي".
والكتاب في جزئه الأول يشيع الطمأنينة في القارئ خلافاً للجزء الثاني الذي شوهته الشكاوى المملة من الاضطهاد والتآمر، والكتاب قصة روح حساسة شاعرة خاضت صراعاً أليماً مع قرن واقعي قاس، وعلى أية حال، فإن كتاب الاعترافات، لو لم يكن ترجمة ذاتية ، لكان من إحدى الروايات العظيمة في العالم.
http://www.y1y1.com/u/upload/wh_107345741.gif
http://www.al-wed.com/pic-vb/239.gif
http://www.palintefada.com/upload/pic/beesssss.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://www.zmzm.net/images/bsmlah.gif
http://img176.imageshack.us/img176/4...noos9ktsx4.gif
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-153.gif
السيرة الذاتية في الأدب السعودي
الدكتور
أحمد الخاني
كنت مغرماً ولا زلت بقراءة نوع من السيرة الذاتية، ألا وهي المذكرات. قرأت (محادثاتي مع ستالين) لـ (ميلوفان دجيلاس) ومذكرات تشرشل ورومل وهتلر في كتابه (كفاحي)..
بين يدي الآن كتاب (السيرة الذاتية في الأدب السعودي) لأخي الدكتور عبد الله الحيدري حفظه الله يقول الإهداء: (... مع صادق المودة والمحبة.. آمل أن يجد فيه شيئاً يستحق القراءة) 10 7 1424هـ.
جاء دور هذا الكتاب قراءة، وقد صدر كتابي (الصالونات الأدبية في المملكة العربية السعودية)، إذ شغلني عن قراءة ما سواه، فصرت أزاوج بين قراءة الكتابين، وقد اكتشفت وأنا أقرأ في كتاب أخي الحيدري أنني أقدم النموذج لكتابة السيرة الذاتية في كتابي (الصالونات الأدبية).. إنها كتابة من النوع الشفاف الذي لم يكتب في الأصل ليكون سيرة ذاتية، وإنما كتب بأسلوب السرد القصصي المعتمد أحياناً على (المنولوج)، وهكذا اكتشفت نفسي على يدي كتاب (السيرة الذاتية).. أنني ممن كتب ولو عن غير قصد في هذا الفن.
وهذا الكتاب للدكتور الحيدري رسالة ماجستير، ومن تواضع مؤلفه أنه كتب (إعداد) ولم يكتب (تأليف).. وهذا الكتاب موسوعة نادرة في هذا الفن، ولا أقصد بالندرة قلة التأليف، بل أقصد الشمول والجمال في آن معاً، فلقد انتهى إلى هذه الموسوعة هذا الفن، وأصبح الدكتور عبدالله الحيدري صاحب السلطان الواسع على فن السيرة الذاتية في الأدب السعودي، ولقد خرج هذا الكتاب من المحلية إلى الآفاق الأرحب في الفصل الرابع:
(موازنة بين كتّاب السيرة الذاتية في المملكة وبين غيرهم في الأقطار العربية)، ولولا هذا الفصل لبقي هذا الكتاب محلياً، وألفت نظر الأدباء إلى أن يركزوا على أدب الموازنات مع الأدب العربي، وعلى المقارنات مع الآداب العالمية نهوضاً إلى الطرح العالي بهذا الأدب العريق إلى المجال العربي والعالمي الإنساني.
يبدأ الكتاب بتمهيد يبين مفهوم السيرة الذاتية والفارق بينها وبين السيرة الغيرية، ويبين الفرق بين السيرة الذاتية وبين الترجمة الذاتية.
والمؤلف ملتزم بمنهجه الأكاديمي مخلص له، ولكنني أرى أن يحذف العنوان:
(عرض موجز للأعمال المدروسة) لأن مادته مكررة.
يبدأ الفصل الأول بنشأة هذا الفن وتطوره، بادئاً بكتاب أحمد عبد الغفور عطار، ويركز على كتاب (أبو زامل) لأحمد السباعي، وبعده في الأدب السعودي نظير (زينب) في القصة المصرية؛ كلاهما علم على ريادة الفن الذي ينتمي إليه، ثم يذكر الكاتب أدباء السيرة الذاتية من الرجال محمد عمر توفيق، عبد العزيز الربيع، الدكتور غازي القصيبي، الدكتور زاهر الألمعي، عبد الفتاح أبو مدين، محمد حسين زيدان، ابن عقيل الظاهري، عبد الحميد مرداد..
ومن الأديبات: سلطانة السديري، فوزية أبو خالد، نوال السعداوي، ثم يعرج الكاتب على السيرة الذاتية الفنية..
وينتقل في الفصل الثاني إلى موضوعات السيرة الذاتية.. والفصل الثالث: الخصائص الفنية. يقول المؤلف: (وفي رأيي أن السيرة الذاتية التي تكتب بتأثير من دوافع داخلية فقط هي أعلى قدراً، ويكون ماء الطبع فيها أوضح، وبخاصة إذا تصدى لها كاتب موهوب) ص 369
ويتصدى الكاتب لتعريف الشخصية متسائلاً: ما الشخصية؟
وطبعاً تسرد آراء خلافية وهي لا تعدو في نظري مهما تشعبت:
أ العنصر البيولوجي.
ب العنصر السيكولوجي.
يقول الكاتب: (ولقد تباينت شخصيات أدبائنا في سيرهم، وتعددت الصفات المكونة لشخصياتهم..
وفي ظني أن الضعف البشري الذي لا مفر منه، له دور في الضدية التي قد تبدو في شخصيات الكتّاب).. ص 372
والدكتور عبدالله يقرر ظاناً؟! أرى أن تكون العبارة: (وأرى) أو (وعندي أن الضعف البشري..)؛ لأن (الظن) يضعف من قيمة الحكم، وإذا أراد أن يخرج المؤلف عن التقريرية الجبرية، فإن له مندوحة في ذلك باستعمال أسلوب يناسب كأن يقول: (وربما كان الضعف البشري..).
أسلوب الكاتب مع ذلك أسلوب المتمكن، وهو صاحب برنامج (كتاب وقارئ)، وهذا لا يعني انعدام الملاحظة على الأسلوب، وكلنا هذا الرجل. من ملحوظاتي على الأسلوب ما يأتي: عنوان ورد في ص 144 يقول:
لماذا لم تواكب السيرة الأجناس الأخرى في النشوء؟
وهي عبارة سليمة، ولكن كاد ينقطع نَفَسي بلفظة (النشوء) الواو الممدودة، والهمزة الساكنة، وأقترح أن يكون في العبارة تقديم وتأخير لتصبح في الطبعة التالية: لماذا لم تواكب السيرة في النشوء الأجناس الأخرى؟
شعرت بالارتياح النفسي لهذا المد وإطلاق الألف، ولأمر ما كانت مدود الآيات القرآنية الكريمة في أواخر كل آية يا دكتور عبدالله.
أكتفي بذكر ملحوظة ثانية فقط تتكرر كثيراً في أسلوب هذه الموسوعة؛ وهي كلمة (بين)؛ كقول الكاتب في ص 413: (والحق أن هناك فرقاً شاسعاً بين القصة والسيرة الذاتية)، والصواب: (بين القصة وبين السيرة الذاتية)، وقصارى القول في هذه الملحوظات أنها كالنمش في الوجه الجميل وسيئات المقربين حسنات الأبرار.
لقد احتل كتاب (السيرة الذاتية) للدكتور عبد الله الحيدري صدر المكتبة العربية لا السعودية وحدها في هذا الفن، وإنما صدر المكتبة العربية الإسلامية.
فبارك الله بهذه الجهود وإلى المزيد.
المصدر
http://www.y1y1.com/u/upload/wh_107345741.gif
http://www.al-wed.com/pic-vb/239.gif
http://www.palintefada.com/upload/pic/beesssss.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://www.zmzm.net/images/bsmlah.gif
http://img176.imageshack.us/img176/4...noos9ktsx4.gif
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-153.gif
طفولتنا وطفولة هؤلاء .. أدب السيرة الذاتية يزدهر في الغرب بفضل الحرية
فاطمة ناعوت
***
http://www.jamaliya.com/new/admin/rt...2222222222.JPG
أطروحة الباحث السويدي "تيتز رووك" التي نال بها درجة الدكتوراه في الأدب العربي من جامعة ستوكهولم عام 1997، صدرت فى كتاب بعد ذلك بسنوات أخذ عنوان "في طفولتي"، وأما نسخته العربية فأصدرها المجلس الأعلى للثقافة بمصر عن سلسلة المشروع القومى للترجمة، من ترجمة طلعت الشايب، وهو المترجم المصري الشهير الذي قدّم للمكتبة العربية عددًا من أهم الكتب الأجنبية، أذكر منها: الحرب الباردة الثقافية، صدام الحضارات، فكرة الاضمحلال فى التاريخ الغربي، وحدود حرية التعبير، والمثقفون، عدا العديد من الروايات المهمة والمجموعات الشعرية والقصصية.
فى هذا الكتاب "في طفولتي" (In My Childhood)غاص المؤلف السويدى فى عمق منجز التجربة العربية الأدبية بوصفها حقلاً شديد الثراء والتنوع ليفحص ملامح الطفولة عند عدد من الأدباء العرب بعدما استلَّها من سيَرهم الذاتية كما كتبتْها أقلامُهم. قدَّم لنا فوتوغرافيا تحليلية نفسية معمَّقة لطفولة عشرين مبدعاً عربياً شهيراً فى تاريخ العرب الحديث منذ عام 1929 حتى عام 1988.
يُعتبر أدب السيرة الذاتية جنساً أدبياً واسع الانتشار فى الأدب الغربي، بينما مازال لا يمثل كتلةً واضحة المعالم فى أدبنا العربي، ربما- برأيي- لأسبابٍ تتعلق بسقف الحرية الإبداعية والفكرية المنخفض التى يتحرَّك تحته القلم العربي حتى الآن، ذلك أن هذا الجنس الأدبي تحديداً لا يقوم فى المقام الأول على تعرية الذات وتسليط الضوء عليها وحسب، بل على كشفٍ كاملٍ لمرحلةٍ زمنية بعينها قد تشمل جيلين، بكل مفرداتها من شخوصٍ وواقعٍ اجتماعيٍّ وسياسيٍّ وثقافيٍّ وبيئيّ، فأدب السيرة الذاتية - وإن نُعتَ بالذاتية - إلا أنه يشمل ضمنًا حياةَ الآخر والواقع الاجتماعي والسياسي المحيط، ومن وجهةِ نظرٍ آنيةٍ أيضاً، أي أنَّ آليات الوعي الجديدة والمكتسبة للكاتب "الآنيَّة لحظة الكتابة" ستكون هى العين الراصدة للماضي مما قد يشكّل لوناً من الكشف الحميم لمنظومة كاملة قد تتجاوز الـ"أنا" الخاصة للكاتب صاحب السيرة لتتخطَّاه إلى الآخر سواء كان هذا الآخر ذاتاً بشرية أو مجتمعاً أو سلطة أو منهجاً فكرياً لبيئة وحيّزٍ زمنيٍّ بعينه وهذا فى رأيي ما سبَّب انحساره في أدبنا العربي.
جْرياً على نهج التخصص الدقيق الذى تبنَّاه العلم فى الزمن الحديث، يسلِّط الكتابُ شعاعاً كثيفاً من الضوءِ على مرحلة بعينها من حياة المبدع موضوع التطبيق، وهى مرحلة الطفولة، بوصفها المرحلة الأهم من حيث تكّون الإنسان فكرياً ونفسياً والتي فيها تتشكل البذور الأولى لرؤيته المستقبلية للعالم والوجود، وبوصفها الإرهاصةَ الأولى لتشكّل قلم المبدع فيما بعد، وهنا يقف الكتابُ على مساحة أكثر رحابةً من مجرد كونِه رصداً روائياً لحياة كاتب، فيتجاوز هذه الأرض إلى ما قد يتقاطع مع التحليل النفسي الدقيق للشخصية الإنسانية، انطلاقاً من تعقداتِ واشتجاراتِ الطفولة الأولى للمرء، كونها مقدماتٍ تتلوها توالٍ، ويمكن اعتبار هذا التناول لمرحلة الطفولة في حياة شخصية عامة، جنساً أدبياً مستقلاً وموازياً لأدب السيرة الذاتية الشهير.
يلمِّح الكتاب إلى وعي العرب القدامى بهذا اللون الأدبيّ واهتمامهم بتسجيل التراجم الشخصية لحياة المفكر والأديب والشاعر، مثلما ورد فى نصوص ابْنِ سينا وكتاب العِبَر لابْنِ منقذ وغيرها، مما يناقض الزَّعم الغربي أن هذا الجنس الأدبي محضُ اختراعٍ غربيٍّ صافٍ. ومن أشهر من تبنى هذا الزَّعم: جورج جاسدوف الذى نفى وجود أدبِ سيرةٍ ذاتية خارج نطاق الثقافة الأوروبية، بل ويُرجِع وجودها فى حضاراتٍ أخرى كما عند المهاتما غاندى مثلاً إلى الغرب أيضاً، الذي صدَّرها إلى بقية الجنس البشريّ ذاك الذي ما كان لقدراته الذهنية أن تدرك هذا الوعي الكتابي بتدوين الذات. ومما لا شك فيه أن تلك الرؤية العنصرية المتطرّفة ذات الطابع العِرقيّ الكولينياليّ، إنما تظلُّ محضَ رؤيةٍ فرديةٍ ناجمةٍ عن عدم اطِّلاع وافٍ على منجَز الأدب العربي قديمه وحديثه.
تتصدَّر الكتابَ مقدمةٌ مهمّةٌ لأستاذ علم الجمال رمضان بسطاويسي، يفنِّد خلالَها مفهومَ لفظة الهُويّة بالمعنيين الاصطلاحيِّ والدلاليِّ قديماً وحديثاً، على المستويين الذاتي والجماعي "هويّة الفرد وهويّة الوطن" وعبْر المتغيِّرات السياسية والاجتماعية والتكنولوجية وتحت مظلّة العولمة المهيمنة على الواقع العالمى الحديث. يرسم بسطاويسى بانوراما تشريحية لتطوِّر دلالة تلك اللفظة تاريخياً، الهوية في مقابل الآخر، استقلالها واكتفاؤها الذاتي وغناؤها عن الآخر، أم تحققها وانبثاقُ وجودها من خلال الآخر، حيث يستحيل تحقُّقُ الذات وخلقُ هوية ما إلا عبْر الآخر، فيما يحقق كياناً مكتملاً أو منظومة حياتية ذات جسد وروح.
وتناقش تلك المقدمة أزمة الهوية ووجوب ابتداع صيغة جديدة للهوية الذاتية تتناغم مع روح العصر وفى ذات الوقت نابتة من جذور الهوية الجماعية لا استيراد أو استعارة هوية جاهزة من الغرب مما يخلق مسخاً شائه الملامح. ويشير بسطاويسى إلى تفاقم أزمة الهوية والقومية فى العالم بأسره خاصة بعد أحداث سبتمبر الأخيرة التى نرصد فيها محاولة القوة المهيمنة العالمية الكبرى خلق هوية استهلاكية فقيرة الأصالة والتفرد.
يشير الكتاب إلى أنَّ رصدَ مرحلة الطفولة ملْمحٌ شائعٌ في أدب السيرة الذاتية العربية مثلما يبين لنا من معظم عناوين تلك الأعمال على غرار "طفلٌ من القرية"، "أيام الطفولة"، "رجوعٌ إلى الطفولة"، "سِفْر التكوين"، و"الأيام" الجزء الأول لعميد الأدب العربي.
يرصد الكتاب نماذجه التطبيقية فى الفترة الزمنية ما بين عام 1929 حتى عام 1988.
أما تاريخ البدْء فمرهونٌ بصدور "أيام" طه حسين، حيث صدر جزؤها الأول عام 1929. الأيام كانت نقطة البدء للانطلاق، بوصفها أول سيرة ذاتية عربية حقيقية، بل إن الكثير من الكُتَّاب قد ساروا على درب طه حسين محاولين تحقيق مثل النجاح الذى حققه كما يؤكد المؤلف، وأما توقيت النهاية لحيز الزمن المرصود فارتبط بتوقيت ظهور نصٍّ للكاتب اللبنانيّ محمد قرة علي بعنوان "سطور فى حياتي" . يتوقف الكتابُ إذنْ قبل العقد التاسع من القرن الماضي، على الرغم من ثراء التسعينيات بالكثير من أدب السيرة الذاتية العربية، الأمر الذى جعل من الصعوبة بمكان تضمين ذلك العقد داخل متن الكِتاب نظراً لزخم تلك الحقبة وثرائها بهذا الجنس الأدبي، غير إن الكاتب قد ضمَّن معظم هذه الأعمال في حيِّز الإشارة.
أما الكُتَّاب العشرون الذين تضمَّنهم الكِتاب بالدرس والتحليل خلال تلك العقود الستة فقد قسَّمهم المؤلف إلى مجموعات ثلاث حسب التراتب الكرونولوجي:
* ستة كُتّاب يمثلون الجيل الأول من كُتَّاب السيرة الذاتية، وهم من مواليد القرن التاسع عشر.
* كُتّابٌ سبعة من مواليد بداية القرن الماضي وحتى عام 1920، وهم من مثلوا الجيل الثاني من منتجي السِيْر الذاتية.
* ثم الجيل الثالث، مواليد ما بعد عام 1920 ومازال معظمهم معاصرين.
ويعني هذا التقسيم الزمني أن الكُتّابَ هؤلاء قد تزامنت طفولتهم مع انتهاء الإمبراطورية العثمانية أو عاصرت الاستعمار، وأن إنتاجهم الأدبي قد شهد المجتمع العربي قبل الحديث أو باكورة المجتمع الحديث، وهى مرحلة التحول من مجتمعٍ زراعيٍّ تقليدي إلى مجتمعٍ شبه صناعيّ، هذا إلى جانب كونها مرحلة نضال سياسيّ غايته الاستقرار الوطنيّ.
على أن الشاهد أن تلك السيْر الذاتية قد تمّ رصدها بعينٍ شاهدتْ نهاية القرن التاسع عشر أو بداية القرن العشرين، أى بعين ما بعد الاستعمار حيث مخروط الرؤية أكثر شمولية ورصداً للحقبة كاملة مما يسمح بمزيد من الرصد والتأمل الدقيق للحدث. هذا التوتر الناجم عن اشتباك الآنين: آن القصِّ وآن الخطاب، هو ما خلق تلك الدراما الفنية وأثرى التجربة روائياً.
يتكون الكِتاب من عشرة فصول، فيأتي الفصل الأول ليحدِّد أهداف السيرة الذاتية كأحد الأجناس الأدبية التى تنقل للقارئ خبرةً ثقافية وحياتية حيّة تمت صياغتها فى قالبٍ أدبي حيث يتوقف مدى التواصل بين النص والقارئ على مدى قدرة هذا الأخير على التقمُّص والتوحُّد الرمزي مع الكاتب مما يخلق خيطًا من التواصل بين أفراد المجتمع ونقل الخبرات وحثِّ المرء على تأمُّل حياته والبحث عن المشتركات بين التجارب الإنسانية. بينما يتناول الفصل الثاني تعريفاً مفصَّلاً للسيرة الذاتية، فيبين أن ثمَّة نوعين، الأول شموليٌّ عامٌّ والآخر محدَّدٌّ ذاتي، فيما يأتي الفصل الرابع الذي يحمل عنوان التطوّر التاريخي ليقدم ما يشبه الموسوعة المتخصصة أو المعجم التحليليّ لكثير من المفردات التى كثيراً ما تلتبس فى ذهن القارئ غير المتخصص لتقاطعها واشتباكها مع أدب السيَر الذاتية، ويتناول هذا الفصل الفروق بين مصطلحات من قبيل السيرة الذاتية Autobiography وسيرة الحياة Biography والترجمة الشخصية والذاتية، واليوميات Diaries، والمذكرات Memories وغيرها من أشكال الكتابة التى تندرج تحت أدب السيرة الذاتية كلونٍ أدبي قائم بذاته. ويرصد فى هذا الفصل التطور التاريخي للسيرة الذاتية فى الأدب العربي بأن يتتبع نشأة وتطور هذا المصطلح تاريخيا.
يدرس الفصل الثالث العلاقة بين السيرة الذاتية والرواية حيث كثيراً ما تخرج السيَر الذاتية فى عباءة الرواية بل وكثيراً ما يُكتب هذا على غلافها- كما حدث في "الوَسيَّة" التى كُتب على غلافها الأمامي (رواية) والخلفي (مذكَّرات) وداخل المتن (سيرة ذاتية) - حيث غالباً ما يلتقيان في الحبكة والسرد الروائي، غير أن الكاتب غالباً ما يميز مشروعه عن طريق ما يسمى بفضاء السيرة الذاتية، أى درجة صدق الكاتب مع تجربته الشخصية وهو ما يميزه القارئ بسهولة عن طريق مقارنة أسماء الشخوص مع واقع تاريخي معروف لديه.
ونرى أن الرواية تعمد على الصدق الرمزي أو الخيالي بينما تعمتد السيرة الذاتية على صدق الكتابة الذاتية، وفي الفصل الخامس يرصد المؤلف بعض النماذج التى كُتب لها الاستمرار في الأدب العربي مثل التراجم الشخصية وبعض النصوص التى تعبِّر عن تحولٍ فى المفهوم العربي لأدب السيرة الذاتية نتيجة التأثر بالكتابة الغربية، فيقارن بين مدى وعمق تأثير التراث العربي التقليدي على السيرة الذاتية العربية الحديثة من ناحية، وأثر الأعمال الغربية من ناحية أخرى.
ويتناول الفصل السادس ملْمحاً جديداً ميّز السيرة العربية الحديثة وهو الاهتمام بالكلام عن مرحلة الطفولة التى غابتْ عن الكتابة الأوتوبيوجرافية الكلاسيكية، وهذا الملْمح نرصُده أيضاً فى الأعمال الغربية، هذا ونلحظ غياب، أو تغييب، مرحلة المراهقة أو مرحلة تفتح الجسد عن معظم الأعمال، ويتناول هذا الفصل أيضاً بداياتِ أو مفتَتِحات العمل وكذا نهاياته، فيذكر أن معظم البدايات تنطلق إما من لحظة الميلاد البيولوجى للكاتب أو لحظة توهُّج الذاكرة الأولى أو ما يسميها كوَّة الضوء الأول للوعي أى نقطة وعي الطفل بالوجود والعالم بأبعاده المادية والاجتماعية.
غير أن الانطلاق من لحظة الميلاد الفعلي أو البيولوجي تظل الأكثر شيوعاً بين كُتّاب السيرة الذاتية العربية، فيفحص المؤلف ثمان حالات من بين عشرين بدؤوا بهذا المفتتَح التقليدي.
يتناول الفصل الثامن أوطاناً مُتخيَّلة، الطفولة بوصفها مَشاهد وصوراً متخيَّلةً شديدةَ الالتصاق بالمكان كأحد مفردات العمل الأدبي. فالمكان الذى نشأ فيه الطفل يتم رصده من خلال هذه العين الصغيرة التى تختلط فيها الواقع بالخيال بارتباك الأبعاد بهوية الفرد وهوية المكان، بينما يناقش الفصل التاسع الفقر كأحد أهم القيم التى تم رصدها فى تلك الأعمال حيث ارتبطت الطفولة فى معظم الحالات بظروف قاسية عاشها هؤلاء الكتاب. فى حين تشترك معظم الأعمال فى النهاية التقليدية مثل مشاهد الرحيل أو الفراق.
يتناول الفصل العاشر من كتاب "في طفولتي" قيمة الحرية كهدف رئيس يصبو إليه أدب السيرة الذاتية من خلال الضلوع فى صراعات مع ألوان السلطة بدءاً بالسلطة الأبوية فى أسرته الصغيرة بوصفها النواة الأولى للمجتمع المقبل للطفل.
فالسلطة القمعية التى تسِمُ معظم الأسر العربية، سيَّما القديم منها، والاشتباك فى الصراع معها يعكس الحلم الجماعي بمجتمع أكثر حرية وأكثر مساواة. يحلِّل هذا الكتاب كل القيم السابقة وغيرها الكثير من خلال التطبيق الأكاديمي على عشرين نموذجاً من أدب السيرة الذاتية العربية منها: "الأيام" لطه حسين بجزأيها الأول والثاني وبينهما فاصلٌ زمنيٌ يمتد لعشر سنوات 1929-1939، "قصة حياة" للمازني 1943، "طفل من القرية" لسيد قطب 1946، "حياتي" لأحمد أمين 1950-1952، "أيام الطفولة" لإبراهيم عبد الحليم 1955، "إسمعْ يا رضا" لأنيس فريحة 1956، "في الطفولة" لعبد المجيد بن جلون 1957-1968، "سبعون" لميخائيل نعيمة 1959، "سجن العمر" لتوفيق الحكيم 1964، "على الجسر" لبنت الشاطئ 1967، "مذكرات" جورجي زيدان 1968، "بقايا صور" و"المستنقع" لحنَّا مينه 1975-1977، "معي" لشوقى ضيف 1981، "عينان على الطريق" لعبد الله الطوخي 1981، "الخبز الحافي" لمحمد شكري 1982، "الوسيَّة" لخليل حسن خليل 1983، "لمحات من حياتي" لنجيب الكيلانى 1985، "رحلة صعبة _ رحلة جبلية" لفدوى طوقان 1985، "البئر الأول" لجبرا خليل جبرا 1987 و"سطور من حياتي" لمحمد قرة علي 1988.
المصدر
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://www.zmzm.net/images/bsmlah.gif
http://img176.imageshack.us/img176/4...noos9ktsx4.gif
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-153.gif
"السيرة الذاتية النسائية في الأدب العربي المعاصر"
تأليف: أمل التميمي
يتناول هذا البحث السيرة الذاتية النسائية في الأدب العربي المعاصر، مع تحليل نماذج مختارة، وقد قامت الكاتبة المصرية أمل تميمي بعملية انتقاء لمجموعة من النصوص بناء على عدة مسوغات: أولها أنها نصوص لنساء شهيرات اعترفن بأن نصوصهن سيرة ذاتية، بالإضافة إلى إجماع النقاد على ذلك أيضاً.
وثانيهما أنها نصوص تطبق عليها إلى حد كبير شروط السيرة الذاتية بمفهومها الحديث، وقد راعت الكاتبة أن يكون بينها قواسم مشتركة، كنقاط الاختلاف والتنوع الجغرافي والفارق الزمني.
بحيث تمثل النماذج المختارة هذا الفن عبر أجيال ومراحل مختلفة، إنه اختيار روعي فيه قدر الإمكان التنوع في الموضوعات والهموم التي شغلت بها المرأة في حياتها، إلى جانب ذلك الاختلاف في الطرائق الفنية المتبعة في كل نموذج لتقديم قصة كفاحها وحياتها.
تنقسم الدراسة إلى مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة، وكل فصل يعالج عدداً من المباحث المترابطة، أما المدخل فيحمل عنوان:
مفهوم وظاهرة السيرة الذاتية النسائية في الأدب العربي الحديث
وفيه تحاول الباحثة تتبع مفهوم السيرة الذاتية، كما تحاول أن تصل إلى مفهوم للسيرة، أعانها ذلك في قراءة العينات والنماذج المختارة للتحليل في الفصلين الثاني والثالث.
كما تتبعت بصورة أولية ظاهرة كتابة السيرة الذاتية عند المرأة بكل ألوانها الفرعية، ورصدت تطورها بحسب ظهورها من مقالات صحافية إلى قالب روائي، ثم إلى سيرة ذاتية، ثم خصصت الجزء الأخير من المدخل للتعريف الموجز بالشخصيات المختارة نماذجهن للتحليل في الفصلين الأخيرين.
أما الفصل الأول، فيحمل عنوان:
السيرة الذاتية النسائية بين التاريخ والنقد
ويضم أربع نقاط أساسية: الأولى بعنوان أسباب الغياب النسبي للسيرة الذاتية النسائية في الأدب العربي الحديث ومنه ترصد الكاتبة بشيء من التفصيل أهم العوامل الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي ساعدت على هذا الغياب، والثانية بعنوان قلة الاهتمام النقدي بالسيرة الذاتية النسائية في النقد الأدبي المعاصر.
وركزت فيه على الاهتمام على أسباب تهميش السيرة الذاتية النسائية في مقابل الاحتفاء بالسيرة الذاتية الذكورية، والثانية بعنوان تحديد الوضع الراهن للسيرة الذاتية النسائية، وفيه تمّ تفصيل المتغيرات الحضارية التي شهدها أواخر القرن العشرين، وما عكسته تلك الحضارة الحديثة على تطور فن السيرة الذاتية النسائي، والرابعة بعنوان ظاهرة الإبداع السيري ذي الهوية المزدوجة.
وفيه استعرضت الباحثة بعض الكاتبات العربيات بنصوص سيرية كتبت بلغات أجنبية، تم اختيار النماذج التالية للدارسة أو التحليل (هدى شعراوي، نبوية موسى، عائشة عبدالرحمن، زينب الغزالي، فدوى طوقان، نوال السعداوي، ليلى عسيران، ليلى العثمان).
يحمل الفصل الثاني عنوان:
قضايا السيرة
وفيه تحليل مكثف لأهم قضايا السيرة الذاتية النسائية في النماذج المختارة، ويضم ثلاث نقاط، ركزت فيها الكاتبة على الدوافع ثم على موضوعات السير الذاتية النسائية وأخيراً على المادة الاعتراضية.
أما الفصل الثالث فهو بعنوان:
الملامح الفنية للسيرة
وفيه دراسة تفصيلية لأهم الملامح الفنية المميزة للنماذج المختارة، وهو يضم ثلاث نقاط: الأولى عن العناوين ودلالتها، والثانية عن مقومات السيرة والثالثة عن انشطار الذات الأنثوية في السيرة الذاتية.
وختمت الباحثة بموجز قدمت فيه أهم النتائج التي توصلت إليها، سواء فيما يتعلق بعلامات تطوّر فن السيرة الذاتية النسائية في الأدب العربي الحديث، أو فيما يخص نتائج التحليل في النصوص المختارة بعد تحليلها وعقد الموازنة فيما بينها.
ظهر من الدارسة التحليلية ما جعل الكاتبة تسلم بأن فن السيرة الذاتية النسائية في الأدب العربي بصدد التكون أو يوشك أن يتأسس كجنس أدبي له قواعده ومعاييره الجوهرية التي تميزه بخصوصية نوعية.
وتوصلت الكاتبة إلى مقومات أساسية للسيرة ساعدها على التقيد بها التعريف المقترح إلى التوصل لنتائج مرضية نوعا ما في حدود الدراسة الحالية، وفي حدود النصوص المختارة من أهمها طبيعة الموضوعات التي تعالجها السيرة الذاتية النسائية، فهي تكشف عن مبدأ الازدواجية في الفكر العربي بين المجددين والمحافظين.
كما أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين العام والخاص من حيث إبراز دور المرأة السياسي وارتباطها بالقضايا الوطنية، وتحليل ذاتها تحليلاً يكشف عن آرائها ومواقفها السياسية، وهذا يرد الاتهام القائم على أن أدب المرأة لا يعكس سوى المشكلات الخاصة بالمرأة.
وأخيراً أهمّ ما يميز السيرة الذاتية النسائية هو تمزق الذات الأنثوية وانشطارها في النص المكتوب الذي من المفترض أن يعبّر عن ماهيته وكيانه البيولوجي والاجتماعي كذات أنثوية دون تملص أو هروب من هذه الحقيقة الطبيعية.
وكان لدور التشريح النقدي الذي يمارس على الكتابة الأنثوية بوصفها خطاباً ذاتيا وإدانتها على ظهور طبيعتها البيولوجية في خطابها الأدبي ظهور هذه العقدة الحضارية في كتابة المرأة والسيرة الذاتية على وجه الخصوص.
فإن المشرحة النقدية الحديثة لكتابة المرأة خلقت امرأة ثنائية متناقضة تحب وتكره في الوقت ذاته، تكره ذات الآخر المتمثلة في الرجل، تقلده ولكن لا تعترف بإعجابها به.
المصدر
http://www.y1y1.com/u/upload/wh_107345741.gif
http://www.al-wed.com/pic-vb/239.gif
http://www.palintefada.com/upload/pic/beesssss.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://www.zmzm.net/images/bsmlah.gif
http://img176.imageshack.us/img176/4...noos9ktsx4.gif
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-153.gif
"مقومات السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث .. بحث في المرجعيات"
الدكتورة
جليلة الطريطر
٭ الناشر: مركز النشر الجامعي بتونس
ومؤسسة سعيدان للنشر
تجعل الباحثة الدكتورة جليلة الطريطر من مفهوم المرجعية السير ذاتية، الاشكالية المركزية التي استقطبت اهتمامها، بسبب جوهري هو أن كل قضايا السيرة الذاتية، الكلية منها والجزئية، لا يمكن ان تفهم حق الفهم، ولا أن تحظى بتحليل منهجي قويم، يستوفي ما أمكن شروط الدقة والتعمق العلميين، ما لم ترتبط هذه القضايا بتعيين نوعية نظام الإحالة في السيرة الذاتية وإبراز أهم خصائصه، ورغم أهمية هذه الاشكالية، فإن الباحثة قلما وقفت على محاولات نقدية مستفيضة ومعمقة اتجه أصحابها إلى توضيح مقومات المرجعية السير ذاتية وابراز انعكاساتها على قراءة هذا النوع من الملفوظات وتأويلها، وهو ما حدا بها إلى دفع بحثها في هذا السلك بالذات وربط النتائج التي انتهت إليها في القسم النظري بالنهج التطبيقي الذي تبنته في قراءتها لنصوص السيرة الذاتية العربية، في محاولة لابراز مدى التناغم والانسجام الكائنين بين المستويين النظري والتطبيقي، وقد تخصصت هذا المستوى الأخير للوقوف على أهم الثوابت الفنية والدلالية التي رشحت بها نصوص المدوّنة السير ذاتية العربية.
حاولت الباحثة ما أمكن ان تتجنب التعسف في التأويل وان تحترم طبيعة النصوص التي قامت بمقاربتها، وليست في الواقع هذه النتائج النظرية التي بسطت القول فيها في القسم النظري من بحثها إلا ثمرات حرصها على التشبع بالنصوص العربية ومداومتها النظر فيها والإنصات إليها، كان يدفعها إلى مزيد من التعمق والتوغل في مسالك تحليلية جديدة، وهي ترى ان استنزاف مادة النصوص السير ذاتية، واستكشاف كل كنوزها وخباياها، مأربان لا يمكن بحال بلوغ منتهاهما، لأنهما متجددان بتجدد القراءات المسلطة على هذه النصوص، وبتجدد سباق القراءة ذاته، وكفاءة القراء المعرفية وحساسياتهم الأدبية.
وقد اجتهدت الباحثة في أن تكون النتائج التي انتهت إليها مبررة تبريراً كافياً ومقنعاً، فاعتمدت خطة الربط دائماً بين الأحكام النقدية العامة التي اثبتتها ومختلف الشواهد والأدلة النصية المثبتة لمصداقيتها في النصوص المعتمدة، وهي تؤكد أن البحث الذي اضطلعت به ليس في النهاية إلا مقدمة أساسية للبحث في خصوصيات خطاب السيرة الذاتية العربي في مستواه التاريخي المتطور، ذلك ان هذا الخطاب قد شهد اتساعاً في نصوصه إذ تعددت الكتابات الممثلة له في مختلف البلدان العربية، فضلاً عن تطور أشكالها ومضامينها، لكن هذا الجديد السير ذاتي الذي يحتاج إلى المتابعة والتمحيص والدرس، يظل على الدوام رغم التغيرات الحاصلة في سياقه والمؤثرة بصورة مباشرة فيه، مشدوداً من نواح عدة إلى الجذر السير ذاتي الأهم الذي منه تولدت النصوص اللاحقة وعنه تفرعت، وهذا الجذر القاعدي المشترك هو الذي تضافرت جهود طبقة الرواد على تأسيسه، من أمثال طه حسين والعقاد وسلامة موسى وأحمد أمين وميخائيل نعيمة وتوفيق الحكيم.
http://www.alriyadh.com/img/logoin.gif
الخميس 11 ربيع الآخر 1426هـ - 19 مايو 2005م - العدد 13478
المصدر
http://www.y1y1.com/u/upload/wh_107345741.gif
http://www.al-wed.com/pic-vb/239.gif
http://www.palintefada.com/upload/pic/beesssss.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://www.zmzm.net/images/bsmlah.gif
http://img176.imageshack.us/img176/4...noos9ktsx4.gif
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-153.gif
ناقشت الباحثة لطيفة لبصير أطروحة الدولة في الآداب، تحت عنوان:
"السيرة الذاتية النسائية، تحليل نماذج"
وقد كانت اللجنة العلمية على الشكل التالي:
- الدكتور عبد المجيد نوسي، مشرفا.
- الدكتور عبد الفتاح الحجمري، رئيسا.
- الدكتور المختار بنعبدلاوي، عضوا.
- الدكتور أحمد توبة، عضوا.
- الدكتور سعيد جبار، عضوا.
بعد المناقشة، حصلت الباحثة على دكتوراه الدولة بميزة حسن جدا، وهذا نص التقرير الذي تقدمت به الباحثة أثناء المناقشة:
التقرير:
ينطلق هذا البحث من إشكالات عديدة، تنبع من اختيارنا لدراسة هذا الموضوع، فلماذا السيرة الذاتية النسائية؟ ولماذا هذا التخصيص في حد ذاته؟ هل يعود الأمر إلى افتراضات مسبقة ترى أن المرأة تكتب بشكل مختلف، فعمدنا إلى إفرادها في هذه الدراسة، أم أن الأمر يتعلق بشكل تنظيمي فقط؟
لا يمكن أن نتجاهل الإشكالات الكثيرة، التي أصبحت تثيرها الدراسات العربية والغربية فيما يتعلق بالأدب النسائي، واختلاف مكتوب النساء عن مكتوب الرجال، وذلك لما أثاره هذا الضجيج الاصطلاحي من تعددية في الآراء وفي الانتاج أيضا، وقد أدت هذه الاختلافات إلى محاولة النساء وضع برنامج نقدي خاص يدرس المنتوج النسائي بصورة مختلفة، ولذا أصبح البحث عن نظريات منعزلة تدرج ما تكتبه المرأة تحت منظور النقد النسائي(أعطي مثالا بما تنتجه النساء تحت اسم المرأة والذاكرة، أمثال “قالت الراوية لهالة كمال، عاطفة الاختلاف لشيرين أبو النجا، مائة عام من الرواية العربية لبثينة شعبان إلى غير ذلك من المؤلفات)، ويتم عزل هذه النظرية عن النظريات العامة(أعطي مثالا بكتاب رامان سلدن: النظرية الأدبية المعاصرة)، وكأن أدب المرأة يتطور لوحده بمعزل عن السياقات الثقافية الأخرى التي أنتجته، وبمعزل أيضا عن التطورات الحاصلة في النظريات.ولعل محاولة العديد من الناقدات الغربيات والعربيات إعادة قراءة الموروث العربي بشكل مختلف، مرده إلى غيبة سير النساء من حقل الدراسات النظرية وأيضا من حقل التصنيف، (أعطي مثالا بزمن الرواية لجابر عصفور الذي لم يشر إلى سيرة نسائية واحدة ضمن عمله، إضافة إلى العديد من الدراسات التي تقرأ السير الذاتية النسائية بشكل عابر جدا، دون الوقوف على خصائصها).
وهناك إشكالات أخرى تنطلق من أن أدب الاعترافات حرام لدى النساء بحكم الوضع الاجتماعي للمرأة، ولعل ذلك ما خلق التباسا لدى المرأة في حد ذاتها، فهناك تذبذب بين السيرة الذاتية والرواية، ويمكن أن نعطي مثالا ب"أوراق شخصية" للطيفة الزيات و"ذاكرة الجسد" لأحلام مستغانمي و"السيقان الرفيعة للكذب" لعفاف السيد، إلى غير ذلك من النصوص.
وتهيمن إشكالية التذبذب بين السيرة والرواية في أعمال رجالية أيضا،غير أن حدتها تتضاعف في النص النسائي، ويمكن القول إن السيرة الذاتية بالأساس جنس يعاني من إشكالات خاصة به، ذلك أن الدارس الآن للسيرة الذاتية يجد نفسه أمام كم من المصطلحات الكثيرة التي أصبحت تصنف العمل، فهناك السيرة الروائية والسيرة الذاتية النسوية، والسيرة الذاتية الروائية، وروائية السيرة الذاتية، إلى غير ذلك من المصطلحات، وهذا يثبت أن هذا الجنس الأدبي، بقدر ما أثار فوضى في نهاية القرن الثامن عشر، ليحقق القطيعة مع السيرة، وليستقل كجنس أدبي باعترافات جان جاك روسو وكازانوفا فرانكلين، وغيرهما، يعمد الآن إلى إثارة نفس الفوضى، لكن لطمس معالم الجنس.
إن كل هذه الاشكالات تضيف إلى السيرة الذاتية النسائية إشكالا آخر، إذ إننا نفترض من خلال النصوص السير ذاتية النسائية أن هناك بناء خاصا ترومه هذه الكتابة، ذلك أنها نتاج اجتماعي، وحديثة نسبيا مقارنة بالأجناس الأدبية الأخرى. وعليه، فإن المرأة تكتب سيرتها الذاتية وهي تنتج خطابا آخر، غير خطاب البوح الذي تبوح به. ونحن نحاول أن نقرأ هذا الخطاب الذي تنتجه لأن وراءه خطابا آخر هو حقيقة الذات الأنثوية، ذلك أننا نجد أن الكاتبة في السيرة الذاتية النسائية ليست هي الساردة، وعليه فسنقوم بقراءة هذه الساردة وهي على مسافة من الكاتبة، مع العلم أن السيرة الذاتية بشكل عام، تبدأ من الكاتب واضع العمل، فالكذب والمرواغة والنسيان وأساليب الانزلاق والدوران اللغوي، كل ذلك يدخل في حقيقة النصوص السير ذاتية النسائية.
إن الخطاب الذي تنتجه المرأة غالبا ما يتم توثيقه بالتخييل، ولذا، فان هناك دوما خوف من التجنيس، ومن الميثاق أيضا الذي يوقع التعاقد بين الكاتب والقارىء على حقيقة العمل الأدبي. ووفق هذا المنظور، هناك إشكالات تخص تطور السيرة الذاتية نفسها.
وضع فيليب لوجون، في كتابه "الميثاق الأوتوبيوغرافي" 1975، التعاقد بين الكاتب و القارىء على أساس الصدق في العمل الأدبي. وقد عمل النقد من خلال هذا الميثاق على قراءة العديد من الأعمال الأدبية. إن اسم المؤلف ينبغي أن يطابق اسم الشخصية. وتبعا لذلك فان التطابق ينفي عالم التخييل ويتم التعامل مع العمل على أساس أنه حقيقة الكاتب. غير أن معيار المطابقة بدأ في التحول أيضا، ذلك أن الأعمال الأدبية ذاتها بدأت تبتعد عن حكي الحيوات الخطية، لتدخل في التجديد وفي التخييل.وأمام هذا التحول، لم يكن بد للنقاد أن يعتبروا التخييل حقيقة أخرى للسيرة الذاتية، ولذا جاء كتاب سيرج دوبروفسكي "السير الذاتية من كورناي إلى سارتر" ومقال فيليب لوجون الهام
"كيف لي أن أجدد في السيرة الذاتية"، فقد لاحظ فيليب لوجون أن العديد من الحيوات تتشابه، وقد سبقت إلى النشر، والنتيجة أن هذا المحكي يتشابه بالرغم من التفرد الذي يطبع كل حياة، معتمدا في ذلك على كتاب مارسيل بنابو"لماذا لم أكتب أيا من كتبي؟" الذي يفترض أن كل العوالم التي قرأها سابقا وتماهى معها،تبعث من جديد في أعمال أدبية ذاتية، لا يمكن القول عنها سوى أنها منتحلة، مستنتجا أن كل السير الذاتية قد كتبت مسبقا، ولكي يكتب شخص ما سيرته الذاتية، عليه أن يجمع الجمل و الشذرات المأخوذة من نصوص سابقة.
من ثم كانت ضرورة النظر إلى السيرة الذاتية نظرة أخرى ترى أن التجديد يكون على مستوى نظام التركيب، ذلك أن الشكل ينبغي أن تضاف إليه عناصر تقترب من الخلق أكثر مما تقترب من سرد الأحداث الواقعية، ولذا فان المنظور الذي وضعه فيليب لوجون، وهو بنسبة من التعقيد، هو أن تكتب حياتك وأن تتخيل أيضا، وأن لا تكذب، وهو أمر ليس سهلا، فالمتخيل يحكي عن الذكريات، وهذا ليس بالأمر الهين، فكيف لي أن أكذب بصدق؟ فكل شيء حقيقي، وكل شيء أعيد بناؤه.
استنادا لما سبق، فان الأمر لا يعدو مجرد تكرار لنصوص سابقة، والصعوبة تتجلى أن هناك فكرة أساسية كما يرى فيليب لوجون، ترى أن السيرة الذاتية تتعارض مع الجمال، ولعل هذه الثنائية التي تتراوح بين خطاب الحقيقة وخطاب الجمال هي ما جعل العديد من المبدعين يعملون على نزع السيرة الذاتية من الأشكال التقليدية للسرد والتوثيق، وأن يمروا إلى إملاء أشكال جديدة تمنح أهمية كبرى للغة.
ويشكل هذا الخطاب في السيرة الذاتية النسائية درجة كبرى، ذلك أن تحديد المتكلم النسائي في السيرة الذاتية يعتريه نوع من اللبس، فهل يحيل هذا الضمير على الكاتبة، أم أنه بناء آخر يمرر عبر الميثاق السير ذاتي إشكالا آخر؟
إننا نفترض من خلال السير الذاتية النسائية ذلك التباعد بين الكاتبة والضمير الذي تتحدث عنه، ولأجل دراسة هذه السيرالذاتية، عمدنا إلى اختيار تصور منهجي يلائم طبيعة النصوص التي تكتبها المرأة، وهو منهج التحليل النصي كما اشتغل عليه جان بلمين نويل، بالاضافة إلى العديد من أدوات الاشتغال التي استقيناها من المهتمين بهذا الجانب ويتعلق الأمر بفيليب لوجون وسيرج دوبروفسكي، وجورج كاسدورف، إضافة إلى الدراسات الهامة التي تربط بين حقل السيرة الذاتية والجانب النفسي، والتي انصبت عليها أبحاث الحقل الفرنسي في محاضرات عديدة نذكر منها ندوة "من السيرة الذاتية إلى التخييل الذاتي"، ندوة "السيرة الذاتية والتحليل النفسي"، ندوة "الكتابة عن الذات والنرجسية"، ندوة "السيرة الذاتية"، ندوة "الكتابة النسائية والسيرة الذاتية"، ندوة "الكتابة عن الذات والتحليل النفسي"، إلى غيرها من الندوات الهامة.
يفترض جان بلمين نويل أن النص يصوغ بناء آخر، يختلف عن الكاتب، تكون الكتابة هي المسؤولة عنه وليس الكاتب، من أجل ذلك اقترح مفهوم لاوعي النص الذي يحدث تعالقا بين الآخر داخل الكتابة والآخر داخل القراءة، وقد كان اختيارنا لجان بلمين نويل نابعا من كونه يعمل على قراءة النص من خلال قراءة المستويات التي تضغط على ترتيب الكلمات والجمل والحوافز والصور المستنسخة داخل المحكي، إضافة إلى أنه يساعدنا على قراءة النصوص أيضا من الداخل، وبالرغم من أن السيرة الذاتية تهتم بالكاتب بدرجة كبرى، فإننا ارتأينا الاهتمام بالكتابة بشكل أكبر، وذلك لتصورنا أن النقد الذي يتناول السير الذاتية يظل حبيس علاقة الكاتب بنصه وتجليات هذا الكاتب وعلاقته بالحقيقة، ولأن النصوص السير ذاتية النسائية تفترض حقيقة أخرى غير حقيقة علاقة النص بكاتبه، فقد ارتأينا دراستها بكيفية مختلفة، وعليه فقد عملنا على تحليل نماذج من السيرة الذاتية النسائية:
- أوراقي … حياتي ( ثلاثية نوال السعداوي)
- رحلة جبلية … رحلة صعبة لفدوى طوقان
- الرحلة الأصعب لفدوى طوقان.
- الجلادون لربيعة السالمي.
- المحاكمة لليلى العثمان.
- حديث العتمة لفاطنة البيه.
إن اختيارنا لهذه النماذج المختلفة والمتباينة أيضا كان الهدف منه، فضلا عن دراستها، هو رصد الاختلافات التي يمكن أن تكون بينها، فالانطلاق من فكرة أن المرأة تنجز سيرة ذاتية مختلفة ينبغي تبريره من خلال نصوص مختلفة أيضا، حتى نصل إلى خلاصات مقنعة، لذا عملنا على تحليل نماذج متباعدة نوعا ما، تجمع بين الأديبة التي أنجزت أعمالا متعددة، مثل ليلى العثمان ونوال السعداوي و الشاعرة فدوى طوقان التي تكتب سيرتها الذاتية و ربيعة السالمي التي أنجزت هذه السيرة لتكتب عن نضالها، إلى فاطنة البيه التي كتبت هذا العمل للحديث عن اعتقالها. فالنصوص تنطلق من عوالم مختلفة. وبالرغم من هذا الاختلاف، وجدنا أنفسنا، ونحن نقرأ هذه السير الذاتية أمام طرح إشكالي أول: هو عودة كل هذه السيرالذاتية إلى الطفولة كعالم أول تنطلق منه الكتابة عن الذات. فكيف تكتب المرأة هذا العالم وكيف تقدمه إلى القارىء؟
من خلال السير الذاتية النسائية، تبين لنا أن العودة للطفولة ليست عودة من أجل السعادة، كما يقر أغلب الباحثين، بل هي عودة يبنينها الشقاء والخلل. ولذا فان محكي الطفولة الذي يتأسس في النص، يقدم خطابا آخر. وقد تم توظيف بعض المفاهيم مثل مفهوم الرواية الأسرية الذي كان أول من كتب عنه هو فرويد(1909)، إلا أننا رأيناه من منظور آخر وهو علاقته بالسيرة الذاتية. فالساردة تصنع هذه الرواية الأسرية، إذ إنها لا تستطيع أن تسرد ما تم حدوثه في الواقع. ولذا، فهي تعمل على الحديث عن مراحل عمرية قديمة جدا من خلال أقوال وسرد الآخرين. ولأن الساردة التي تبني هذه السير الذاتية منشغلة بتأسيس خطاب آخر داخل هذه الكتابة، فان عنصر الإضافة يعمل على نسج نوع من الاستعارات والتخييلات. لذا فنحن نتحدث عن صنع رواية أسرية. وهذا الصنع يلتقي مع المفاهيم التي طرحناها سابقا، وهي الكذب بصدق، وعنصر الجمال والخلق الذي تبنيه الكتابة السير ذاتية النسائية . ولكن لماذا هذا الصنع؟ ولماذا يهيمن عنصر الاضافة في النص؟
إننا نجد أنفسنا، ونحن نقرأ هذه السير الذاتية، أمام خطاب مزدوج يتكرر. فالسرد لا يبلغ فقط، وليس في نيته التبليغ، بل يضيف الخلق والتخييل، إذ يتم تخييل لحظة الولادة مثلا في سيرة نوال السعداوي. من هنا يمكن القول إن الأحداث الحقيقية تم حكيها من خلال حكي الجدة، في حين أن المجازات مستحدثة من خلال حكي الساردة، وهي تعمل هنا كنوع من الإضافة التي تأتي من عالم الحاضر، أي الزمن الحالي . إن البحث عن الاضافة هي ما جعلنا نعمل على قراءة المحكيات الذاتية، معتمدين على دوريت كوهن في هذا التمييز بين المحكيات الذاتية المتنافرة مع الماضي والمحكيات الذاتية المتناغمة.وقد وجدنا أن المحكي الذاتي التنافري يخلق بعدا مهيمنا. فالساردة تستحضر من خلال هذا المحكي علاقتها الرافضة لكل السياق الغيري الذي أوجد سيرتها. ولذا، تعمد إلى استحضار السير الغيرية كإضاءة للدور المحدد للسلالة التي طبعت المنطق الخاص للسلوك. ونجد هذا مهيمنا بحدة في ثلاثية نوال السعداوي، وسيرتي فدوى طوقان، والجلادون لربيعة السالمي. وهو أخف حدة في المحاكمة لليلى العثمان، وحديث العتمة لفاطنة البيه. غير أنه حاضر باستمرار في هذه السير الذاتية. إن صنع هذه الرواية الأسرية وعلاقتها بالسيرة الذاتية له ما يبرره لدى الساردة. ولذا فان الساردة تجدد التواصل مع هذا العالم، أو تصنعه، كي تخلق نوعا من المذنبين. وهؤلاء المذنبون هم الأسلاف. لذا فهي تصوغ نوعا من السير البيوغرافية للأشخاص الذين هيؤوا الحاضر الذي تحياه الساردة( أتحدث هنا عن الأب، عن الأسرة، عن المجتمع كنظام أبوي). وتعمد وفق هذا المنظور إلى نوع من التخييل التأويلي الذي يبني جملا تذهب إلى تأسيس بناء للتداعيات الخاصة داخل الكتابة، مما يتيح إمكانية استعمال بنيات التذكر المونولوجي الذي يبني عالما آخر، ذلك أن هذا البناء يأتي من عدم مصالحة الذات مع الواقع. وعليه فالساردة تنوع محكياتها بين ساردة تتذكر وساردة تبني تداعيات مسهبة تبتعد في كثير من الأحيان عن الواقع. إن التذكر، هنا، ينبني من خلال الأشياء التي تركت صدى في خلق هذه الذات الفردية. فالكاتبة التي تتذكر تفسح المجال للساردة التي تثرثر وتمضي في تفسير الأحداث حتى توجه القراءة. إننا لا يمكن أن نغفل أن الساردة تأخذ أهمية كبرى في النص، لأن الكاتبة التي تستعيد الأحداث، تترك المجال للساردة التي تتحدث طويلا، إذ أنها تنزاح عن هذه الأحداث التي ترويها، كي تحلل وتصدر أحكاما وتقدم أفكارا واستنتاجات، ذلك أن البناء الأساسي الذي تراهن عليه الكتابة هو إحداث تحول لدى القارىء في بسط كل الأحداث التي تميز الطفولة الأنثوية. فخلق الساردة في السيرة الذاتية النسائية يعود إلى إبعاد منظور الكاتبة وحضورها كسلطة داخل النص. فهي تحدث نوعا من المسافة بينها وبين المسرود، عبر حضور بنية السارد المتخيل. ولعل خاصية هذا الأخير، كما تقول دوريت كوهن، هي أنه سارد غير جدير بالثقة. لذا فقد ارتأينا أن المراتب التي تحدد الميثاق الأوتوبيوغرافي في السيرة الذاتية عموما، تختلف حين يتعلق الأمر بالسيرة الذاتية النسائية، ذلك أن المتكلم في السيرة الذاتية متكلم تقتحمه العديد من الضمائر المتعددة. فبداخل الأنا هناك أنوات غيرية تهيمن على هذا الضمير. ولعلها ما يسمح بتعدد هويته. فضمير المتكلم النسائي يصوغ أكثر مما يقول. لذا فانه لا يبوح، بل يختلق وينسج ذاتا أخرى تعمد الكتابة إلى تأجيلها أو نسيانها أو دورانها. من هنا، كانت أهمية قراءات بيلمين نويل لهذا النوع من الدوران داخل النص الابداعي.
إن وراء ثرثرة الساردة تختفي الأشياء التي تصمت عنها الكتابة. ولذا، فان البعد الزمني يخضع هو الآخر لهذه البنية. فهناك أزمنة استعادية تعود إلى الماضي. فالنصوص السير ذاتية تخلق محكيات نفسية تعمد إلى التكثيف والتمطيط الزمني الذي نجده مهيمنا في كل النصوص المذكورة، إضافة إلى تقنيات الحاضر الذي يكبر والذي نجده مهيمنا بحدة في ثلاثية نوال السعداوي والمحاكمة لليلى العثمان. وكلاهما كتب تحت ضغط الخوف من الموت ومواجهة السلطة. غير أن هناك زمنا آخر تخلقه هذه الكتابة السير ذاتية النسائية، وهو الزمن المستقبلي، الذي يبدو أنه الزمن القادم الذي من أجله تبني الساردة عالمها الخاص.
إن كلا الزمنين أي الماضي والمستقبل، كما يقر جورج كاسدورف زمن لاواقعي. لذا، فالكتابة عنهما هي خلق فقط، ذلك أن الأزمنة المؤسسة للآتي، كما تحاول الكاتبة أن تعبر عن ذلك، تكمن في الطفولة الأولى، فهي من صاغت الزمن القادم. ولعل ذلك ما يجعل الكتابة تذهب إلى خلق أزمنة متعددة تتجلى في التخييل والحلم وحلم اليقظة، والكتابة أيضا كبديل للموت، إلى غير ذلك من شاشات التخييل. إن الأزمنة التي تكتب عنها الكاتبة هي أزمنة تحويلية. فليس الغرض منها السرد فقط، ولكن تأسيس زمن آخر. لذا فهي تصنع أيضا هذا الزمن. ويتم هذا الصنع من خلال بناء مزدوج، فهناك دوما صوت ظاهر، وآخر كامن يعمل في الخفاء.
ولذا وجدنا أنفسنا أمام خصوصيات سردية نسائية تهيمن في الخطاب النسائي، ولها أهميتها في هذه السير الذاتية. وهي أن الساردة، التي تصوغ هنا من خلال ضمائر متعددة تتراوح بين ضمير المتكلم والمخاطب والغائب، تخفي وراء هذه التعددية خطابا آخر يتمثل في الأنا النرجسية التي تبرزها الذات المتكلمة في كثير من الأحيان للحديث عن الأنا المثالية وتعاليها. وهو ما أطلقنا عليه البعد النرجسي، وذلك لان الأنا دوما في صراع مع الآخر الذي يتمثل لدى الساردة في المضطهد. إنها تصنع نوعا من الأنا- الجلد على حد تعبير ديديي أنزيو، والذي يأتي كنوع من الحماية من الآخرين. وهو معطى متخيل يمنح الجهاز النفسي نوعا من الاستقرار والهدوء . إن الأنا النرجسية تخلق ثنائية في التصور والرؤية. ولذا، فان المنظور السردي الذي توجهه كاتبة السيرة الذاتية يمضي إلى اتساع الهوة بين المضطهد والنرجسي. فكلما امتدت أشكال المضطهد، تم إعلاء البناء النرجسي. وبالرغم أن الذات تسعى إلى بناء فردي، أحادي الرؤية والتصور، إلا أنها تبني خطابا مزدوج الصوت تبنيه لغة المضطهد والنرجسي.
وتبدو هذه الثنائية ملازمة للسيرة الذاتية النسائية. وهي تتجلى في ثنائية أخرى مهيمنة في خطابها. ويتعلق الأمر بثنائية الأنوثة والذكورة. وقد اعتبرنا هذه الثنائية مهيمنة في خطاب الساردة التي تتراوح بين عالمين مختلفين، مستعيرين في ذلك أحد المفاهيم النفسية لفرويد. ويتعلق الأمر بالخنثوية. وتحضر، هنا، بالمعنى السيكولوجي للذات المتكلمة، ذلك أن الساردة تخلق صيغة لامرأة غير محددة الملامح. ولذا، فالنص يتغير حسب الضمير الذي تنتقل إليه الساردة. فهي تتحول من الذكورة إلى الأنوثة، ولو أن البعد الخنثوي لديها يجعلها تتجه إلى أولوية القضيب على الأنوثة، إلا أنها تظل تتراوح بين جنسين مختلفين. ولذا فان التراوح الجنسي يتبعه بالضرورة التراوح النصي أيضا. فالنص يتخذ شكل الجنس الذي تتحول إليه الكتابة، ويصوغ كتابة ملتبسة. فالأنثى الكاتبة تسعى إلى تحطيم الخطاب الذكوري، ولكن من خلال الاعتماد على وسائله، الشيء الذي يصوغ لنا أنوثة ملتبسة لا هي بالذكورة ولا بالأنوثة. ولذا، كان اشتغالنا على هذا الجانب ضروريا، وذلك لأن التحول الجنسي في النص يؤثر على البناء النصي أيضا ويغيره. فالشكل يتبع المحتوى. وهي خاصية سردية مهيمنة في السيرة الذاتية النسائية وتتكرر بحدة، الشيء الذي دفعنا إلى الوقوف عندها وتحليلها وتحليل تحولاتها على مستوى النص. وتبعا لذلك، فعلاقة كاتبة السيرة الذاتية باللغة علاقة مختلفة. ولذا ارتأينا الاشتغال على الجانب اللغوي، إذ أن إبراز خصوصية السرد النسائي تتجلى على المستوى الشكلي والدلالي أيضا. ولأن الشكل يتبع المحتوى، فإننا انطلقنا من دراسات سابقة كانت ترى في المعجم اللغوي الذي تستعمله الأنثى معجما مختلفا. وعمدنا، وفق ذلك، على قراءة هذا المعجم ومحاولة حصره لدى كاتبة السيرة الذاتية. وتبين لنا أن اللاوعي النصي يتجلى على مستوى اللغة والأساليب التي تستعملها الكاتبة وتصوغها الساردة. لذا، فإن الثنائية تتكرر على المستوى اللغوي أيضا. فهناك جدلية تحكم خصوصية هذه الكتابة وهي أنها تتأرجح بين ثنائيتين توجهان المكتوب السير ذاتي النسائي. ويتعلق الأمر بجدلية الأنا والأنا الأعلى. فالأنا المتكلمة تداهمها أنوات أخرى غيرية، هي التي تعمل على تغيير نمط الكتابة. وتبعا لذلك، تنشأ أساليب متعددة تهيمن على هذه السير، ذلك أن علاقة المرأة بالمحرم علاقة مختلفة. ولذلك لا يمكن قراءتها إلا من خلال سيميائية التهوين. فعلاقة الأنا الأنثوي بميكانزمات الدفاع تختلف أيضا. فالأنا تبحث عن توازنها من خلال إلغاء أي تمظهر يجعلها تبدو واضحة. ولذا، نجد التحوير والقلب والاستعارات والكثافة اللغوية التي تتكرر في النص، والتي تصنع المسافة بين الأنا والرغبة، بل إنها تذهب إلى إنجاز محكي الحلم الذي يهيمن على هذه النصوص، والذي يأتي كبديل للواقع كي يتحدث من خلال التخييل عن الأنا.
إننا أمام نوع من الأساليب التي تتلون وتتغير في النص، و لم نجد بدا من قراءة هذه الأساليب، فداخل الأسلوب، تكمن رمزية اللاوعي، غير أن هذه الجدلية التي تحدث بين الرغبة والقانون تصوغ أسلوبا يتجه، في كثير من الأحيان، إلى الغموض، الشيء الذي يجعل الدال يؤجل مدلوله على الدوام، فالرقابة اللاواعية تداهم الدوال، وهذه الأخيرة تعوض بواسطة حلقات مفقودة وموزعة داخل النص. وعلى القراءة أن تكتشفها.
إن قراءة هذه المستويات النصية لا يخلو من متاعب، ذلك أننا نقرأ أيضا نصا معدلا من الدرجة الثانية، ونحن نتابع مستوياته، كي نصل إلى لاوعيه النصي، كنا ندرك مثلا، أن محكي الحلم هو نص معدل وتمت صياغته، وبالرغم من ذلك قمنا بقراءته، ذلك أننا نتعامل مع هذه المستويات كما تصوغها الساردة التي لها أهمية كبرى في النص السيرذاتي النسائي، ولذا كان لزاما علينا قراءة عنصر هام في هذه السير الذاتية، وهو عنصر التحويل، كما قدمه فرويد وطوره فيما بعد جان بلمين نويل وأندريه غرين إلى غيرهم من الباحثين، وذلك لأهمية هذا العنصر في السير الذاتية، وإن كان قد لازمنا طيلة البحث، فلأن ذلك له ضرورته، فجميع العناصر الداخلية لهذه السير مبنية على إجراء نوع من التحويل للذات المتكلمة أولا، وللذات القارئة ثانيا، ذلك أن الرغبة اللاواعية للكتابة تخفي وراءها بناء نوع من التأثير التحويلي الذي يبني نوعا من الغواية للآخر المغيب في النص، والذي من أجله يوجد هذا العمل.
فالسيرة الذاتية النسائية لم تكتب في هذه النصوص من أجل نوع من التلاشي أو استخلاص الحكمة والعبرة من تجربة مضت، بل من أجل تأسيس زمن مستقبلي، فهي تصوغ زمنا وعالما آخر من خلال السرد، وعليه فإن اختفاء الكاتبة في كثير من الأحيان لتحل محلها الساردة مرده إلى تأسيس نوع من السلطة غير المباشرة التي تحدث نوعا من التخييل القرائي الذي يبني نصا آخر، ويتأثر بالرواية الأسرية التي تبنيها الساردة في الكتابة.
يتضح، مما سبق، أن التعامل مع السير الذاتية النسائية لا يخلو من صعوبات، ولا ندعي أننا قمنا بتجاوزها، بل ستظل مفتوحة لإمكانات قادمة، فقد كان مشروعنا منصبا بالأساس على قراءة هذه السير، متتبعين في كثير من الأحيان التطورات النصية، وقد تبين لنا أن العديد من القراءات تظل حبيسة الكاتبة وحياتها الشخصية مثل نوال السعداوي كشخصية معروفة، إلا أننا حاولنا معرفة المكتوب وكيف تصوغه هذه الكاتبة من خلال بنية الساردة. وعليه، فإن كل الحقائق التي تقدمها الكتابة هي ما نقوم بقراءته، ذلك أنه يصعب تحديد أين ينتهي التخييل ليبدأ الواقع، فهناك حقائق ذاتية، غير أنها مندمجة داخل السياق الكلي للسير، فهي تدخل في بناء آخر يطعمه التخييل والأحلام والدوران اللغوي واللاوعي النصي، ولأن الأنثى الكاتبة منشغلة بهم أساسي هو بناء هوية أنثوية، فقد كان لزاما علينا أن نقرأ هذه النصوص وهي تبحث عن إثارة القراءة، معتبرين كل أساليب المراوغة والهفوات والكذب من حقائق الكتابة، فالكتابة لا تقدم الصدق، ولكنها تصوغ الشخصية التي نصل إليها من خلال آلية التأويل والتخييل التأويلي، إلى غير ذلك من الوسائل.
يبقى أن نحدد أن الساردة في السيرة الذاتية تصنع روايتها الأسرية وتصنع زمنها أيضا، وتخلق أنواعا متعددة من الثنائيات داخل الكتابة، إضافة إلى بناءات لغوية متعددة، يمكن القول عنها إنها أغنت هذه النصوص وساهمت في بنائها الحديث، وإن كان مرد ذلك إلى خوف الكاتبة من الحديث عن ذاتها، ولعلها أغنت البناء التركيبي وساهمت في تقنيات جديدة تضيف إلى السيرة الذاتية.
لطيفة لبصير
المصدر
http://www.y1y1.com/u/upload/wh_107345741.gif
http://www.al-wed.com/pic-vb/239.gif
http://www.palintefada.com/upload/pic/beesssss.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://www.zmzm.net/images/bsmlah.gif
http://img176.imageshack.us/img176/4...noos9ktsx4.gif
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-153.gif
مستقبل السيرة الذاتية
تماضر إبراهيم
الأربعاء 29/3/2006
تماضر ابراهيمعندما ألف طه حسين كتاب( الأيام)، كان فيه النص التأسيسي الأول لجنس جديد في الأدب العربي الحديث، اختلف النقاد في تحديد هويته..
هنا في دراسة للدكتور الناقد محمد الباردي عن السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث الذي - صدر حديثاً عن اتحاد الكتاب العرب - بعنوان (عندما تتكلم الذات)، نقرأ دراسة نقدية، على غاية من الأهمية والاتقان الفني، لناقد عربي تونسي، عرف بعلو كعبه النقدي، ليس في المشهد الثقافي التونسي وحسب، وإنما في المشهد النقدي العربي والغربي (قديماً وحديثاً)، وما احتشد فيه من معان ودلالات.
تفصح هذه الدراسات ومنذ استهلالاتها الأولى، عن أهمية هذه التجربة ا لنقدية، والأفاق التي ترودها، والأفكار التي تحللها، والجماليات التي تبديها.
ولعل ما تقدمه هذه الدراسة يريح من يرغب في المعرفة عن هذا الجنس الأدبي وقوامه، إذ يحاول الكاتب تصنيف وتعريف مفهوم السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث، التي تؤسسها أطراف رئيسية ثلاثة، وهي السارد، والمؤلف، والشخصية.
تصدى الكاتب بصورة أنيقة مبوبة من خلال الفهارس، حيث تحدث عن الاشكاليات الفنية لهذا الأدب الناشىء، وعن إنشائيته ومقوماته الفنية، ثم عن أشكاله الكتابية.
وفي طرح هذه المسائل المركزية سعى الكتاب إلى اقتراح إجابات لها، من خلال الاستناد إلى منهج علمي صارم لبعض الدراسات الإنشائية في الثقافة الأوروبية.
في تعريف ا لسيرة الذاتية نقرأ أنها بشكل عام، إنشائية عامة، ولها مقومات فنية مشتركة، لكنها تكتب بأشكال متعددة، ولهذا الجنس الأدبي سمات عامة تميزه، منها أن تكون السيرة الذاتية - حكياً استعادياً - وهو جنس سردي نثري، يقوم به شخص واقعي من وجوده الخاص بالعالم.
ولا تكتب بأسلوب واحد، إنما بأساليب مختلفة، ويجب أن يكون الموضوع أساساً هو الحياة الفردية وتكوّن ا لشخصية، يمكن أن تقوم عدة تبادلات مع باقي أنواع الأدب الشخصي.
تؤكد لنا هذه الدراسة، أن حد السيرة الذاتية وقوامها ثلاثة عناصر كتابة روائية، جنس أدبي، دور الذاكرة في عملية الاستحضار والامتداد بالسيرة، تنطبق هذه القاعدة على البعض فقط.
في جانب مهم يؤكد لنا الكتاب أن أنجح السير الذاتية في الأدب العربي الحديث، هي تلك التي كتبت بأسلوب روائي ابتداء من أيام طه حسين، مروراً بثلاثية حنا مينه والخبز الحافي، ووصولاً إلى ثلاثية نوال السعداوي، ونجاحها يكمن في درجة تلقيها وطبيعتها.
هذا يؤدي بنا إلى مصادر تتعلق بمستقبل السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث لاسيما أن هذا الجنس ا لأدبي هو الآن بصدد التأسيس، لذلك تعددت أشكال الكتابة فيه ولم يستقر حتى الآن، على شكل واحد.
تعتقد الدراسة أن الشكل الذي يتجه إليه هذا الجنس الناشىء، هو شكل الكتابة الروائية مستقبلاً، يعني أن المشهد الذي يمكن رسمه عن هذا الجنس الأدبي قوامه نصوص أدبية عديدة ومتنوعة ما يفرق بينهما لا يقل عما يجمع بينهما.
حاول هذا الكتاب التصدي لهذه الفسيفساء من النصوص السردية التي تحكي حياة مؤلفيها، وتحتاج إلى التصنيف، والتحديد والتعريف.
يصل القارىء في هذه الدراسة المشوقة إلى الخاتمة، ويستخلص أن السيرة الذاتية في الأدب العربي هي - حكي استعادي نثري - بأشكال سردية متنوعة، يقوم به شخص واقعي من وجوده الخاص بالعالم, وأيضاً العالم من حوله، وذلك عندما يركز على حياته الفردية والجماعية وعلى تاريخ شخصيته الجزئي أو الكلي.
المصدر
http://www.x88x.com/2008/Lor29272.gif
http://www.y1y1.com/u/upload/wh_107345741.gif
http://www.al-wed.com/pic-vb/239.gif
http://www.palintefada.com/upload/pic/beesssss.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
هل السيرة الذاتية موجودة في الأدب العربي؟
إيهاب الحضري
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-153.gif
قبل سنوات، أصدرت مؤسسة "الأهرام" كتابا تضمن حوارات لنجيب محفوظ مع الناقد رجاء النقاش، ضم الكتاب اعترافات وآراء لأديب نوبل في عدد من المحيطين به، ولم تكد تمر أيام على صدور الكتاب، حتى سارع ابن شقيقته، محمود الكردي، لرفع دعوى قضائية، مطالباً بمنع توزيع الكتاب، بعد أن رأى أنه يسيء لكثيرين، ومن بينهم محفوظ نفسه! قبلها بسنوات كان رمسيس عوض قد خاض معركة مشابهة، بسبب مذكرات شقيقه لويس عوض، لأنه رأى أنها تسيء له ولآخرين.
وبعد هاتين الواقعتين، خاض أهالي عدد من طلاب «الجامعة الأمريكية» معركة لوقف تدريس السيرة الذاتية للأديب المغربي محمد شكري، لأنها تتضمن أحداثا تعتبر خادشة للحياء.
مرت السنوات وغابت الأحداث السابقة من ذاكرة الكثيرين، وبقيت السيرة الذاتية العربية، تعانى القيود التي تثبت أن البوح ممنوع إلى أجل غير مسمى.
البعض قرر أن يعفي نفسه من ورطة السيرة الذاتية، بالإقلاع عن كتابتها، وآخرون تحايلوا على العقبات باللجوء إلى رواية السيرة الذاتية التي تمنحهم القدرة على البوح دون الخوف من تهديدات مجتمعية أو أسرية تحكم على الموضوع من زاويا، لاعلاقة لها بالإبداع، فمن بين ما ضايق ابن شقيقة نجيب محفوظ في اعترافاته، أنها تتضمن إساءات فاضحة، عندما سئل عنها قال، في تصريحات صحافية نشرت وقتها: «مثل قوله إنه كان يدخل بيوت الدعارة السرية والعلنية، وهذا الكلام أثار موجة من السخط بين أبناء شقيقاته وأحفاده، فكيف يمكن أن ينشر كلام مثل هذا عن أديب عالمي، حاصل على جائزة نوبل، والمفروض أنه قدوة للشباب والأجيال الصغيرة. أنا فوجئت بهذا الكلام، واذا كان نجيب محفوظ قد ردد شيئا من هذا، فهو رجل كبير السن، ولا غبار عليه إذا أخطأ، وكان يجب ألا ينشره رجاء النقاش، كان عليه أن يحذف هذا الكلام، بدلا من فضح أديب عالمي يعيش في مجتمع عربي محافظ، له قيمه وتقاليده».
العرب لا يكتبون السيرة الذاتية
السيرة الذاتية، هي المحور الرئيسي لرسالة الدكتوراه التي يعدها حاليا الباحث ممدوح النابي بكلية الآداب «جامعة القاهرة»، فيها يبدأ بالإشارة إلى أن هذا الجنس الأدبي الذي يقوم على تعرية الذات نادر في العالم العربي، وقد « انتهى بعض النقاد إلى نتيجة عامة ومؤلمة، وهي نفي وجود سيرة ذاتية عربية تتجسد فيها مقومات السيرة الغربية، باستثناء «المنقذ من الضلال» للامام الغزالي و«التعريف بابن خلدون ورحلته شرقا وغربا»، و«كتاب الإعتبار» لأسامة بن منقذ، أما ماعدا ذلك فهو ـ حسب تعبير الدكتور سليمان العطار ـ محاولة لإخفاء السيرة الذاتية وليس كتابتها!!»، ويشير النابي في أطروحته إلى عنصر الخجل الذي يقف عائقا حقيقيا في مواجهة محاولات البوح: « يعتبر الحياء رقيبا على جوهر الإنسان وكيانه الروحي الحقيقي، كما يقول عبد الرحمن بدوي، وارتفاع حدة الرقابة الداخلية دليل على وجود الرقابة الخارجية، فحياء الإنسان يمنعه من أن يعري ذاته أمام من يعرفونه، خصوصا إذا كانت التعرية مرتبطة بالأخلاق وانتهاكها. أسباب الحرج عديدة، لعل من أهمها أن كاتب السيرة لا يكتب عن ذاته فقط، وإنما يكتب عن آخرين، ممن شاركوه في صنع سيرته، فعلاقته بهم تتضمن امورا قد يتحرج الكاتب من البوح بها ربما بدافع الحرص عليهم أو بدافع تجميل صورتهم أمام الآخرين، وأي محاولة تتجاوز ذلك قد تجابه بردود فعل معارضة.. كل هذا يحول دون وجود سيرة ذاتية عربية خالصة تتجاوز المحظورات، لأن المجتمع لا يزال محكوما بمجموعة من الضوابط والأعراف التي تهدد من يخرج عليها بالمصادرة أو العنف».
لكن ألم تشهد السنوات الأخيرة، تغيرات مجتمعية وقيما أخلاقية جديدة، يرى البعض أنها جعلتنا أكثر قدرة على استيعاب الاعترافات؟ يجيب النابي: «هذا النوع من الأدب، لا يزال يقبل، على استحياء، حتى في الأوساط التي قد نرى انها تتمتع بمساحات اوسع من التحرر، والدليل ما حدث قبل سنوات مع رواية محمد شكري «الخبز الحافي»، فقد كانت مقررة على طلبة الجامعة الأمريكية، ومع ذلك ثارت ثائرة أولياء أمور الطلبة، وتم وقف تدريس هذه السيرة التي تتميز بالجرأة البالغة. كل هذا يشير إلى أن البيئة العربية لا تزال غير مهيأة لقبول مثل هذه الأعمال طالما تخطت الحدود المسموح بها»، بل أن الرفض يمكن أن يكون منصبا على جنس دون آخر، فيستعيد الباحث ماحدث عام 1997: «جاء على لسان المفتي السابق نصر فريد واصل أنه لا يجوز للمرأة أن تؤلف كتابا تعترف فيه بما امر الله بستره، وهو ما يطلق عليه أدب الاعتراف، فالشريعة الإسلامية لا تقر ذلك، وهذا ليس من باب الحجر على التفكير والرأى، وإنما يتعلق الأمر بالحفاظ على كيان الأسرة».
في ظروف كهذه تصبح رواية السيرة الذاتية مهربا مهما من هذا المأزق والغريب أنها ليست حلا عربيا فقط، فبعد أن نشر جان بول سارتر جزءا من سيرته الذاتية بعنوان الكلمات قرر اللجوء إلى الرواية لاستكمال الكتابة قائلا:«لقد حان الوقت لكي اقول الحقيقة أخيرا، ولا يمكن ان اقولها إلا في عمل تخييلي»!!
* الخراط: ميثاق لم أوقعه!
* مؤخرا، احتفل الوسط الثقافي المصري ببلوغ الروائي إدوار الخراط سن الثمانين، وخلال سنوات طويلة أمضاها الخراط فى الكتابة، لم يفكر بتسجيل سيرته الذاتية بشكل مباشر، ودائما كان يبرر ذلك بقوله: «لا أعتبر حياتي الشخصية شيئا مهما، بحيث ألتزم بالنقل الحرفي من أحداثها، لكنني كنت أستخلص دلالات معينة منها، وأبتكر سياقات أمزج بينها وبين ما عرفته وعايشته».
أنتقل بالحديث إلى فضاء أوسع وأسأله عن ضيق مساحات البوح المسموح بها في المنطقة العربية، ومدى تأثيرها في تراجع أدب السيرة الذاتية لدينا فيجيب: «البيئة الثقافية في العالم كله تتمتع بقدر من الحرية والطواعية أكثر بكثير مما لدينا، عندنا تزيد مساحة المحظورات التي تكبل أقلام الكتاب، فهناك من يعترض لمجرد تصوره أن السيرة الذاتية لكاتب ما قد تسيء إليه، ولا زال البعض يتعامل مع الكاتب على أنه قديس لا ينبغي أن تكون له اخطاء».
وينتقل الخراط من العام إلى ماهو أكثر تحديدا، فيذكر بما حدث مع نجيب محفوظ قبل سنوات عندما اعترف لرجاء النقاش بأنه عرف حياة العربدة، في مرحلة ما من حياته، ويتساءل إدوار الخراط: «حدث هذا بسبب كلمات قليلة، قيلت في المطلق ودون تفاصيل، فماذا لو اعترف الكاتب بوقائع محددة؟ بالتأكيد يؤدي افتقاد مناخ الحرية إلى تقييد السيرة الذاتية وحرمانها من التلقائية والبساطة والصراحة»، ويرى الخراط أن رواية السيرة الذاتية هي المخرج المناسب من هكذا مأزق: « بالنسبة لي مثلا لا أتناول عناصر السيرة الذاتية كما هى، وإنما اكتب عناصر شبيهة بما حدث في الحياة الحقيقية، لكن بعد فرض سياق روائي وقصصي عليها، ليمتزج الواقع بالمتخيل وتتداخل عناصر السيرة الذاتية في نسق الروائي والقصصي، السيرة الذاتية تعتمد على ميثاق غير مكتوب بين المؤلف والقارئ بأن يحكي الأول بصراحة ووضوح تفاصيل ما مر به من أحداث، هذا ميثاق لم أوقعه، وما أندر من وقعوا بإمضائهم عليه».
هل كان اختيار الخراط لهذا النمط من الكتابة حيلة للتخلص من حرج محتمل قد تسببه السيرة الذاتية، وفق هذا الميثاق؟ يرد بقوله:«المسألة لا تتعلق بالإحراج، لكنني أتساءل باستمرار: ما أهمية سيرتي الذاتية للقارئ العام؟ اعتقد أنه من الأفضل استخلاص عناصر ودلالات منها تضفي على رواية لي أبعادا جمالية ومعرفية».
إساءات متعمدة
عندما صدرت، قبل سنوات، السيرة الذاتية للكاتب لويس عوض بعنوان:«أوراق العمر»، رأى فيها بعض المثقفين إضافة حقيقية للسيرة الذاتية الجريئة، لما تضمنته من اعترافات، لكن مساحة البوح التي اعتبرها هؤلاء إنجازا، مثلت عنصر إزعاج لآخرين. فعقب نشر المذكرات ثار الناقد رمسيس عوض، شقيق لويس، وخاض حملة إعلامية مضادة، بررها بقوله: «اعترضت على "أوراق العمر"، وكانت لي أسبابي، فهو لم يتحر الحقيقة في بعض الأحيان، كما أنني لا أحب أن يمجد الإنسان نفسه، إضافة إلى سبب قانوني، فليس من حقه قانونا أن يشهر بغيره، لكن له أن يفعل بنفسه ما يريد، وقد أساء لويس عوض إلى الكثيرين»، ويتابع عوض: «أنا شخصيا لا أريد لهذا الكتاب أن يكون منشورا، لأن الصواب جانبه في أحيان كثيرة، ورغم ذلك يتعامل البعض معه على انه مرجعية، وأن الآراء الواردة فيه نهائية».
أسأل عن المعوقات التي تمنع ازدهار السيرة الذاتية عندنا، فيجيب رمسيس عوض: «كل كاتب يحاول أن يمجد نفسه ليظهر كبطل، وأنه أفضل من كل من تعامل معهم، وهذا وضع غير طبيعي على الإطلاق، لأنه من المفروض أن السيرة الذاتية تعتبر نوعا من التطهير للنفس ومواجهتها بكل نقائصها، وهو ما يحدث فى الغرب حتى منذ الوقت الذي نشرت فيه اعترافات جان جاك روسو، وانتهاء بجان جينيه الذي اعترف بكل مباذله الجنسية، وبشكل يكاد يكون مقززا.
في الغرب لا يستنكفون من نشر فضائحهم الخاصة، كنوع من الطهارة، أما لدينا فالكاتب يجدها فرصة لاستعراض أمجاده»، لكن الواضح في «أوراق العمر» أن لويس عوض لم يتعرض للمحيطين به فقط، فقد تحدث عن علاقة جنسية له بشكل صريح، أي أن الاعترافات لم تكن تمجيدا مطلقا للنفس. يعلق الدكتور عوض على هذه الجزئية بقوله: «تعامل بعض المثقفين مع هذا الجزء البسيط من الصراحة، باعتباره فتحا ومجدوه رغم أنهم لو اطلعوا على الثقافات الغربية، لوجدوا في هذه الاعترافات نوعا من السذاجة والفجاجة وعدم مجابهة النفس بطريقة صريحة. يمكن تفهم أن يكون اي شاب قد ارتبط بعلاقة جنسية مع امرأة، لكن الموضوع ينتهي عند هذا الحد، أما فضح النفس بدون مبرر فهذا جهل».
كلمات رمسيس عوض الأخيرة، تضيف إلى عوائق السيرة الذاتية عائقا جديدا متعلقا بتقييم الكاتب والمتلقي للحدث الذي سيصبح محورا للبوح والاعتراف، وما يراه الكاتب مهمًا قد يتعامل معه الآخرون على انه تافه. (يبدو أن كتابة السيرة الذاتية في منطقتنا ستظل حلما بعيد المنال).
قيم ومعايير تضاف إلى المحاذير
د.علي ليلة، أستاذ الاجتماع بكلية الآداب «جامعة عين شمس «يشرح لنا، أن لكل مجتمع قيمه، وأن الحديث عن سيرة ذاتية عربية مكتوبة وفق المعايير الغربية أمر لا يصح، ويوضح: «المرجعية القيمية للمجتمعات الغربية تختلف عن تلك الخاصة بمجتمعاتنا العربية، لذلك أرى ان الحكم على ما لدينا من سير ذاتية بمقاييس الغرب خطأ كبير. ينبغي أن تنطلق سيرنا الذاتية من قيمنا نحن، لكي تكون لنا هويتنا الخاصة، لذلك أنا لا أجد أية غرابة في أن يخفي الكاتب أثناء كتابته لسيرته الذاتية، بعض الأمور التي تتناقض مع المرجعية العامة»، ويوضح أستاذ علم الاجتماع، المقصود بالمرجعية بقوله: «لا أعني بها النزعة المحافظة بقدر ما أقصد منظومة القيم، التي تحدد هوية أمة وإرادتها الاجتماعية والسياسية والأخلاقية».
لكن اللافت أن معظم المجتمعات العربية تعيش مرحلة من الانفتاح الملحوظ، والفضائيات تعرض الكثير مما كان في الماضي القريب، تجاوزات لا يمكن القبول بها، فلماذا تبقى السيرة الذاتية تراوح مكانها، على هذا السؤال يجيب علي ليلة: «حالة التحرر الحالية تقترب من الانفلات، وعندما يعترف الكاتب في سيرته الذاتية بأن له عشيقة مثلا، فإنه يكرس لهذه الحالة، وهو أمر خطير فى زمن أصبحت القيم تعاني فيه من الضعف والانهيار أحيانا، لذلك أرى أن التفكيك لا يأتي فجأة، وانما على مراحل، وانتقال الصراحة إلى السير الذاتية مسألة وقت فقط، وأعتقد أنه لن يمضي وقت طويل حتى نصل إلى تلك النوعية من الكتابة التي تعتمد على الصراحة في كل التفاصيل، وخاصة الشخصية».
وحتى يحدث ذلك، ستظل رواية السيرة الذاتية هي المهرب الذي يكفل للكاتب أن يبوح بحرية أكبر:« وهنا أحب أن أميز بين التعبير الملتزم بمرجعيته والتعبير الملتزم بمرجعيات أخرى، فعندما يعتمد كاتب غربي على الصراحة في سيرته الذاتية، فإنه بذلك يكون ملتزما بمرجعيته التى تتقبل ذلك، أما فى مجتمعاتنا العربية فإن اتباع الأسلوب نفسه يتحول إلى استعداد للتفريط في مرجعيتنا، في وقت نعاني فيه من انهيار، ونحتاج إلى إرادة تحافظ لنا على رصيدنا المتبقي».
المصدر
http://www.al-wed.com/pic-vb/239.gif
http://www.palintefada.com/upload/pic/beesssss.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://www.zmzm.net/images/bsmlah.gif
http://img176.imageshack.us/img176/4...noos9ktsx4.gif
"سيرة "أديـــــب" لطه حسيـن بين الذاتي والغيري"
http://www.diwanalarab.com/local/cac...8286-5c99c.jpg
الدكتور
جميل حمداوي
http://www.diwanalarab.com/local/cac...n786-280c9.jpg
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-153.gif
تمهيــــــد:
يعد الدكتور طه حسين من أهم كتاب السيرة في أدبنا العربي الحديث سواء أكانت ذاتية أم غيرية، وقد بدأها بالسيرة الدينية كما في كتابه "على هامش السيرة" لينتهي بكتابة السيرة الأدبية الذاتية كما في رائعته "الأيام" أو السيرة الذاتية الغيرية كما في عمله الإبداعي "أديب" علاوة على كتابته المتواصلة لسير المبدعين والأدباء في الأدب العربي القديم والحديث كما في "حديث الأربعاء" و"صوت أبي العلاء" و"ذكرى أبي العلاء" و"مع المتنبي" و"حافظ وشوقي".
ويتميز طه حسين في كتابة سيره بأسلوب الإسهاب والاستطراد والإطناب وتمثل مقومات المدرسة البيانية صياغة وكتابة لإثارة المتلقي وتشويقه. كما يطبع كتاباته وسيره الجانب الذهني الثقافي والطابع الإنساني كما في سيرته الممتعة "أديب" التي سنحاول مقاربتها من خلال خصائص الرواية ومرتكزات الخطاب الأوطوبيوغرافي والبيوغرافي إن مضمونا وإن شكلا.
1- عتبـــة المؤلف:
ولد عميد الأدب العربي في صعيد مصر سنة 1889م من أسرة متدينة محافظة تحب العلم والعمل كثيرا، ودرس طه حسين في الكتاب وحفظ القرآن الكريم، وانتقل إلى الأزهر بالقاهرة حيث أظهر هناك تفوقا كبيرا في الدراسة وحب العلم، وامتلك ناصية الحوار والجدل والمناظرة، إذ كان يدخل في حوار علمي تجديدي مع شيوخه، في حين كان هؤلاء ينفرون من جدله وملاحظاته؛ مما كانوا سببا في إخفاقه وعدم حصوله على الشهادة العالمية.
انتظم بعد ذلك في الجامعة الأهلية وحصل على الدكتوراه في الأدب العربي القديم حول ذكرى أبي العلاء المعري، وقد طبق المنهج السوسيولوجي في رصده لشخصية أبي العلاء تأثرا بأساتذته المستشرقين ولاسيما أستاذه الإيطالي كارلو نالينو، وبعد ذلك أرسل في بعثة إلى فرنسا لمتابعة دراساته الجامعية العليا، وهناك تعرف على حضارة الغرب وانبهر بها انبهارا إيجابيا.
هذا، وقد تفوق طه حسين في دروسه وأبحاثه في فرنسا وعاد إلى بلده بدرجة الدكتوراه حول "الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون".
وكان طه حسين من الأوائل الذين درسّوا في الجامعة المصرية بطرق جديدة وبمناهج أكثر حداثة وعصرنة تعتمد على الشك والتوثيق والتحليل العلمي من أجل الوصول إلى اليقين الصحيح، وكان يحاضر في الأدب العربي القديم ولاسيما الجاهلي منه وقد أثار ضجة كبرى بسبب آرائه الجريئة الجديدة كما يظهر ذلك جليا في كتابه القيم "في الشعر الجاهلي"، وفصل عن الجامعة وأعيد إليها مرة أخرى، وعين بعد ذلك وزيرا للمعارف المصرية إبان حكومة الخديوي، وتوفي سنة 1973م عن عمر يناهز 84 سنة خصصها طه حسين للكتابة والنشر والإبداع والنقد، ودخل في معارك أدبية عدة مع عباس محمود العقاد ومصطفى المنفلوطي ومصطفى صادق الرافعي….
2- عتبــة العنــوان:
صيغ عنوان هذه السيرة الأدبية في كلمة واحدة وهي خبر مبتدإ محذوف تقديره "هذا أديب"، وبهذا يكون المتن القصصي بمثابة تمطيط وجواب وخبر لهذا المبتدإ الاسمي، ويحيل العنوان على الشخصية المحورية في هذا العمل الأدبي وهو شخص يمارس الأدب، ومهمة الأديب جليلة وصعبة، إذ يضحي صاحبه بنفسه من أجل أن يسعد الآخرين ويبلغ لهم كل ما تجود به قريحته من مخيلات ذاتية وتجارب موضوعية ليستفيد منها القراء والمتتبعون للمنتج الأدبي.
وتلتقط هذه السيرة تجربة أديب مهووس بداء الأدب سيجره إلى الجنون والهلاك والتفريط في مستقبله وتحطيم كل سعادته التي بناها بعمله وصبره وإخلاص الزوجة له: " لست أعرف من الناس الذين لقيتهم وتحدثت إليهم رجلا أضنته علة الأدب، واستأثرت بقلبه ولبه كصاحبي هذا. كان لا يحس شيئا، ولا يشعر بشيء، ولا يقرأ شيئا ولا يرى شيئا ولا يسمع شيئا إلا فكر في الصورة الكلامية، أو بعبارة أدق في الصورة الأدبية التي يظهر فيها ما أحس، وما شعر وما قرأ، وما رأى وما سمع … وكان يقضي نهاره في السعي والعمل والحديث حتى إذا انقضى النهار، وتقدم الليل وفرغ من أهله ومن الناس وخلا إلى نفسه، أسرع إلى قلمه وقرطاسه وأخذ يكتب ويكتب ويكتب حتى يبلغ منه الإعياء وتضطرب يده على القرطاس بما لا يعلم ولا يفهم، وتختلط الحروف أمام عينيه الزائغتين، ويأخذه دوار فإذا القلم قد سقط من يده، وإذا هو مضطر إلى أن يأوي إلى مضجعه ليستريح. ولم يكن نومه بأهدأ من يقظته، فقد كان يكتب نائما كما كان يكتب يقظا، وما كانت أحلامه في الليل إلا فصولا ومقالات، وخطبا ومحاضرات، ينمق هذه ويدبج تلك، كما يفعل حين كانت تجتمع له قواه العاملة كلها. وكثيرا ما كان يحدث أصدقاءه بأطراف غريبة قيمة من هذه الفصول والمقالات التي كانت تمليها عليه أحلامه فيجدون فيها لذة ومتاعا". [1]
ويتسم عنوان هذه السيرة الروائية بالاختصار والإيجاز والتكثيف والتلميح الكنائي، كما يحوي هذا العنوان مكونا شخوصيا على غرار الرواية العربية الكلاسيكية في المنتصف الأول من القرن العشرين حيث كان الروائيون يختارون الأسماء الذكورية والأنثوية عناوين لأعمالهم الأدبية والإبداعية على غرار الرواية الأوربية (مدام بوفاري لستندال مثلا)، ومن بين هذه العناوين الشخوصية في الرواية العربية "سارة" للعقاد، و"زينب" لمحمد حسين هيكل، و"علم الدين" لعلي مبارك، و"ليالي سطيح" لحافظ إبراهيم، و"إبراهيم" و"إبراهيم الثاني" لعبد القادر المازني، و" يوميات نائب في الأرياف" لتوفيق الحكيم و"حكمت هانم" لعيسى عبيد و"عذراء دنشواي" لطاهر لاشين…
3- التعيــين الجنسي:
يندرج النص الذي بين أيدينا ضمن السيرة الروائية أو فن السيرة الأدبية أو ضمن الخطاب الأوطبيوغرافي أو البيوغرافي. ويعني هذا أن "أديب" سيرة أدبية فنية، ولكنها ترجمة غيرية يتولى الكاتب ترجمة الحياة الشخصية لصديق له يمارس حرفة الأدب ويعيش بها انتشاء وافتتانا. ولكن هذه السيرة يتداخل فيها ماهو ذاتي وغيري. أي إن النص سيرة للذات الكاتبة وهو حاضر بأسلوبه وضميره وتعليقاته وكل المؤشرات التلفظية التي تحيل عليه. كما ترصد هذه الذات الكاتبة حياة صديقه الأديب من زاويته الشخصية وعبر الكتابات التي كان يرسلها إليه صديقه في شكل رسائل وخطابات ومذكرات.
وعليه، فهذه سيرة من نوع جديد فهي ليست كالسيرة الذاتية التي نقرأها في"الأيام" لطه حسين أو "حياتي" لأحمد أمين أو "في الطفولة" لعبد المجيد بن جلون أو "حياة سلامة موسى" لسلامة موسى… وهي ليست سيرة غيرية تعتمد على التسجيل والترجمة التوثيقية أو الأدبية، بل النص يجمع بين هذين الفنين، ويعني هذا أن الكتاب سيرة غيرية ذاتية وذلك لتداخل الذاتي في الغيري والعكس صحيح. ومن الأدلة على حضور السيرة الذاتية في الكتاب الارتكاز على ضمير التكلم واستحضار التجربة الذاتية والإحالة على طه حسين في الأزهر والجامعة وباريس، والإشارة إلى عمى الكاتب واستعانته بخادمه الأسود الذي كان يرافقه، وإشارته إلى كثير من معالم قريته في الصعيد وهي نفس الملامح والقسمات التي كانت تشير إليها سيرته الذاتية"الأيام". وتعني هذه المطابقة بين السارد والكاتب أن هذا العمل سيرة ذاتية حيث يسترجع الكاتب فيها حياته الشخصية وعلاقاته مع أصدقائه بطريقة ضمنية حيث ينظر إلى نفسه في مرآة الآخر، ويقارن نفسه بالأدباء الآخرين الذي أودى بهم العبث والانحلال الخلقي إلى الهاوية والجنون ولوثة العقل والهستيريا. ومن الأدلة على كون هذه السيرة ذاتية وغيرية الجمع بين ضميري التكلم والغياب، والانتقال من ذات الكاتب إلى ذات صديقه الأديب:"فقد عرفته في القاهرة قبل أن يذهب إلى باريس، ثم أدركته في باريس بعد أن سبقني إليها. عرفته مصادفة وكرهته كرها شديدا حين لقيته لأول مرة، كنا في الجامعة المصرية القديمة في الأسبوع الأول لافتتاحها وكنت أختلف إلى ما كان يلقى فيها من المحاضرات، حريصا عليها مشغوفا بها معتزما أن لا أضيع حرفا مما يقول المحاضرون. وكان مجلسي لهذا دائما قريبا من الأستاذ." [2]
وعندما ينتقل الكاتب إلى تصوير صديقه الأديب يقوم برصده وتبئيره من خلال منظاره الذاتي ويقدمه من زاوية الغياب، ولكن عبر رؤية ذاتية تتساوى فيها معرفة السارد والكاتب على حد سواء.
ومن مقومات خطاب السيرة في الكتاب حضور ظاهرة الالتفات من خلال الانتقال من ضمير التكلم إلى ضمير الخطاب والغياب على عادة طه حسين في كتابة سيره التاريخية والأدبية، والتماثل بين الراوي والمؤلف الخارجي من خلال تشابه سيرهما تخييلا وتوثيقا، والاعتماد على تقنية الاسترجاع والتذكر في سرد الحياة الشخصية الداخلية لصديقه الأديب ولحياته بطريقة موحية تعتمد على التلميح الضمني. كما تستند السيرة هنا إلى استخدام الزمن الهابط وتفتيت ذاكرة الماضي إلى لوحات فنية تعتمد على فلاش باك وتنوير الماضي على ضوء الحاضر، وتتبع الشخصية في نموها الديناميكي حتى صعودها المادي والمعنوي مع تسجيل مسارات الإخفاق والفوز والانتصار.
وتدل هيمنة الأفعال الماضية على استرجاع الزمن المفقود وتبيان الصراع الذاتي والموضوعي الذي عاشه الأديب في مجابهته للواقع وصراعه مع نوازعه الذاتية. وما المذكرات والرسائل واليوميات المثبتة داخل المتن الروائي سوى أدوات للتذكر والاسترجاع قصد فهم شخصية الأديب وتفسيرها على ضوء الظروف الذاتية والموضوعية التي مر بها.
ويحضر الذهني داخل هذه السيرة على غرار سيرة" أوراق" الذهنية لعبد الله العروي التي يسرد فيها مسار إدريس التربوي والعلمي والثقافي والمعارف التي اكتسبها ومشاركاته الأدبية والنضالية التي كانت تعبر عن مستواه المعنوي وطبيعة ثقافته ورؤيته الإيديولوجية.
ومن خصائص السيرة في هذا النص التذويت والانطلاق من الرؤية السردية التي يتداخل فيها المنظور الداخلي والمنظور الصفري الموضوعي المحايد، أي يزاوج الكاتب داخل نصه الروائي بين الرؤية "مع" والرؤية من الخلف، ويعني هذا أن الكاتب من خلال خاصية الالتفات ينتقل من رؤية محايدة تعتمد على التبئير الصفري لينتقل إلى رؤية ذاتية داخلية، كما ينتقل من ضمير التكلم إلى ضمير الغياب والعكس صحيح كذلك. كما أن الكاتب والشخصية يتناوبان على مسار الحكي، فالكاتب يستعمل السرد في الحكي، والأديب يتكئ على الكتابات والحوار والرسائل والمذكرات واليوميات في إيصال صوته، كأن هذه السيرة بداية للرواية الحوارية العربية إذ نلفي كل شخص يعبر عن وجهة نظره، ويترك الكاتب الحرية للقارئ لكي يختار الرؤية الصحيحة في التعامل مع الحياة والحكم على الشخصية الروائية.
وعلى الرغم من كون هذا العمل الأدبي نصا يجمع بين الأوطوبيوغرافيا والبيوغرافيا، فإننا سنتعامل معه على أنه نص روائي مادام يمتلك كل الخصائص التي تستند إليها الرواية كالمقومات القصصية والسردية علاوة على خاصية التخييل الفني والتشويق الأدبي.
4- عتبــــة الإهداء:
إذا كانت ظاهرة الإهداء معروفة في الثقافة الغربية وأصبحت تقليدا ثقافيا معهودا عند الكثير من الكتاب والروائيين، فإن هذه الظاهرة موجودة كذلك في أدبنا العربي قديما وحديثا، ولكن ليس بالشكل والكم اللذين نجدهما في الثقافة الغربية. ويعد طه حسين من أهم الكتاب الروائيين الذين سبقوا إلى الاهتمام بظاهرة الإهداء كما هو مثبت في بداية سيرته "أديب" حيث يهدي عمله إلى أعز صديق لديه والذي كان بجانبه يواسيه عندما طرد من الجامعة ظلما، وكان أيضا من المهنئين الأوائل عندما أعيد المؤلف إلى الجامعة ليستكمل التدريس فيها. لذلك فالإهداء المثبت في أول الكتاب هو إهداء الصداقة والأخوة وميثاق الوفاء والإخلاص بين المهدي والمهدى إليه. ويرد الإهداء هنا في شكل نص مقطعي تحية للمهدى إليه مليئة بالصدق والمحبة والإخاء والإخلاص.
وسنترك القارئ يتدبر هذا الإهداء ويتفرس معانيه ويتأمل طريقة صياغته والمقصدية التي يرومها من خلال هذا الإهداء الإخواني المعبر:
"أخي العزيز
وددت لو أسميك، ولكنك تعلم لماذا لا أسميك، وحسب الذين ينظرون في هذا الكتاب أن يعلموا أنك كنت أول المعزين لي حين أخرجني الجور من الجامعة، وأول المهنئين لي حين ردني العدل إليها.
وكنت بين ذلك أصدق الناس لي ودا في السر والجهر وأحسنهم عندي بلاء في الشدة واللين.
فتقبل مني هذا العمل الضئيل تحية خالصة صادقة لإخائك الصادق الخالص". [3]
5- المستوى الدلالي والحدثي:
يرصد طه حسين في عمله الأدبي "أديب" سيرة صديق له يمارس الأدب والتفكير من أجل خدمة الناس وإسعادهم. وكان هذا الأديب أعز الأصدقاء إلى الكاتب، إذ عاشره كثيرا منذ افتتاح الجامعة المصرية الأهلية رفيقا وصديقا. وقد تعرف عليه الكاتب داخل حرم الجامعة وخاصة في قاعة المحاضرات؛ لأنه كان يتكلم بصوت جهوري غليظ صاخب؛ مما كان يعرقل عملية الإنصات و سماع الطلبة لأساتذتهم أثناء إلقائهم لدروسهم ومحاضراتهم. وكان الكاتب عاجزا عن متابعة الدروس والسماع إلى الأساتذة في هذا الجو الذي يسوده الضجيج وصخب الكلام والتشويش المتواصل الذي يربك عملية التواصل والتفاهم بين الطلبة وأساتذتهم. وهذا التصرف الشائن الذي كان يصدر من هذا الأديب هو الذي دفع بالطلبة الآخرين إلى الهروب منه وعدم الجلوس في المدرج الذي يجلس فيه، لأنه أصبح مزعجا بثرثرته التي حولت الجد إلى هزل وإزعاج للآخرين. وكان الأساتذة المحاضرون يتدخلون مرارا ليمنعونه من الاستمرار في حديثه الصارخ أو التمادي في كلامه العابث فيسكتونه عنوة ولوما. وهذا ما دفع بهذا الأديب إلى معاتبة الكاتب السارد وأصدقائه من الأزهريين على ماصدر منهم من سلوكيات تسيء إليه، ومن هنا بدأت لحظة التعارف والتفاهم بين الأديب والكاتب.
ويتبين لنا من وصف الكاتب أن صديقه الأديب ذميم الوجه وقبيح المنظر والشكل، وصوته غليظ جدا يثير الرعب والخوف، صاخب في كلامه وثرثار في حديثه، يستعمل الصور الأدبية ويحول الجد إلى الهزل. وهو من أسرة ريفية غنية في أقصى الصعيد، جاوز الثلاثين من عمره، يبدو منحني القامة من شدة القراءة والكتابة، يكتب النثر والشعر معا. كما أنه أتم درسه الثانوي منذ أعوام، واتصل بوزارة الأشغال يعمل فيها كاتبا في بعض الدواوين يقصدها في وجه النهار، أما آخر النهار وجزء غير قليل من الليل فقد خصصه للقراءة والدرس والإبداع والكتابة.
وقرر الأديب أن يعقد صلة وصل ومحبة بينه وبين صديقه الكاتب الذي كان ضرير العين يقوده خادمه الأسود أينما حل وارتحل. وستؤدي هذه الصلة الحسنة بالأديب إلى أن يتخذ زميله الكاتب صديقا له في الدروس وخليلا له يطلعه على حياته الشخصية الخاصة به لما عرف عنه من وفاء وإخلاص ونزاهة وحب علم. وكان يستصحبه الأديب إلى منزله المتواضع الذي يقع في أعالي مرتفعات القاهرة. ويعد أن ينتهيا من لقمة العشاء وشرب الشاي يدخل الصديقان في حوار حول دروس المنطق وأصول الدين والفقه ومادة اللغة الفرنسية التي كان الكاتب يجد فيها صعوبة كبيرة في اكتسابها وتعلمها، وغالبا ما كانت هذه الحلقات الثقافية تتحول إلى مسامرات شخصية لا فائدة منها ولا طائل.
وبعد فترة من الزمن، قررت الجامعة أن ترسل بعثة علمية إلى الخارج لمتابعة دراساتها العليا في فرنسا، وكان الأديب من بين أعضاء البعثة نظرا لكفاءته وتفوقه في امتحان الانتقاء. بيد أن الأديب كان يجابه مشكلا عويصا هو زواجه من حميدة بنت قريته الجميلة التي رضيت الزواج به على الرغم من أن جل فتيات القرية رفضنه لذمامته وقبحه البشع. وهنا يلتجئ إلى الكاتب ليستشيره في هذه القضية العويصة التي أوقعت الأديب في حيرة كبيرة وجعلته معلقا في منزلة بين المنزلتين: الظلم والكذب.
وبعد لأي وجهد في التفكير، اهتدى الكاتب إلى أن يطلق زوجته بدلا من الكذب على الجامعة، لأن الطلاق على الرغم من حكم الكراهية فهو حلال، فأبغض الحلال عند الله الطلاق. لكن صديقه الكاتب رفض هذا الحل واعتبره سلوكا شائنا، وطالبه أن يبقى في القاهرة مع زوجته بدلا من المغامرة والبحث عن العلم في بلدان الغرب، وهذا العلم يوجد حتى في بلده مصر. لكن الأديب رفض وجهة نظره وعزم على الطلاق وصمم على السفر في أقرب الأوقات. وهكذا ودع مطلقته حميدة وأرسلها إلى قريته حزينة ذليلة. وقبل مغادرة البلاد، ودع والديه العجوزين اللذين لم يرضيا على سفره المفاجئ إلى أرض الغربة وتمنيا أن يمكث ولدهما قريبا منهما.
وسافر الأديب عبر الباخرة إلى فرنسا واستقر أياما في مرسيليا ريثما ينتقل إلى باريس. ولكنه لما رأى فتاة في إحدى فنادق مارسيليا اندهش لجمالها وعذوبة لسانها فارتمى في أحضان حبها وانغمس في الشهوات ولذة الخمر وكل المحرمات، ولم يستطع الصبر و الابتعاد عن "فرنند" خادمة الفندق التي يتخيلها كثيرا في أحلام اليقظة والمنام وفي هذياناته الشبقية.
وتأخر الأديب كثيرا في اللحاق بباريس رغبة في استكمال متعته والاستمتاع بفاتنته الجميلة التي تختلف اختلافا جذريا عن زوجته حميدة في مصر.
وعندما التحق بباريس أظهر خبرة عالية وتفانيا كبيرا في الدروس والحضور إلى جانب أساتذته، لكن سرعان ما سيدفعه تهوره اللاأخلاقي إلى التقاعس والكسل والخمول والغرق في المسكرات والاستمتاع الشبقي، وسيصاب بعد ذلك بالجنون والهذيان وكثرة الأمراض العضوية والنفسية التي بدأت تنتابه في كل لحظة، وازدادا حيرة وجنونا مع اشتداد الحرب على باريس، ومطالبة الحكومة المصرية لأعضاء البعثة بالرجوع فورا إلى البلد إلى أن تستقر الأمور المالية والسياسية وتضع الحرب أوزارها. لكن الأديب امتنع عن الانصياع لأوامر السلطة الحكومية، وبقي في فرنسا يبحث عن لذته الأبيقورية بين كؤوس الخمر وسيقان المتعة والافتتان.
بعد هذه البعثة الأولى، سترسل الحكومة المصرية دفعة أخرى وسيكون الكاتب ضمنها، وعندما سيصل إلى باريس سيندهش كثيرا للوضع الذي آل إليه صديقه الأديب الذي أودت به الأيام إلى الجنون وفقدان العقل وأصبح لا يغادر المصحات النفسية والعضوية، وقد يئس الأطباء من شفائه وسلامته.
ومن هنا سيخسر الأديب زوجته حميدة التي طلقها وتركها تنتظره على جمر اللظى والأمل الخادع حتى يستكمل دراسته، كما ترك والديه يتعذبان ويشتاقان إليه كثيرا وهو لايكن لهما أي شيء من الطاعة والحب والاحترام، بعد أن أودت به الغربة الذاتية والمكانية إلى عالم الشهوة والجنون، و ضيع كذلك مستقبله ودراسته وحياته العلمية لما استسلم لدواعي الخمرة وغرائز الجسد وانساق وراء انفعالاته النفسية ورغباته الشبقية.
6- رهـــان السيرة:
يؤشر رهان هذه السيرة على كون الكثير من المثقفين العرب في بداية القرن العشرين انبهروا كثيرا بحضارة الغرب وانساقوا وراء نزواتهم وكانت رؤيتهم بالتالي للغرب على أنه رمز للحرية والعلم والتقدم والإشباع الغريزي لكل المكبوتات الدفينة، وهذا ما عبرت عنه الكثير من الروايات العربة كرواية "الحي اللاتينى" لسهيل إدريس و"موسم الهجرة للشمال" للطيب صالح و"عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم و"الأيام" لطه حسين و"قنديل أم هاشم" ليحيى حقي. ومن ثم، تصور هذه الرواية البيوغرافية الصراع الحضاري بين الشرق والغرب، والتقابل بين عالم الكبت وعالم التحرر، وبين عالم التخلف وعالم التقدم، وبين الانحطاط الحضاري والرقي المدني. لذلك كان ينظر الأديب إلى مصر وزوحته حميدة بنظرة تغاير نظرته إلى فرنند وفرنسا. إذاً، هناك جدلية وتفاوت بين هذين الفضاءين حتى إن الأديب لم يرتض العودة إلى بلده لما قامت الحرب على فرنسا، وكان يتمنى الدفاع عن هذا البلد في وجه النازية؛ لأن هذا البلد يقترن في ذاكرته بالحب والحرية والإشباع الشبقي، أما بلده فيقترن بالكبت والحرمان وصعوبة المسؤولية.
7- المقومات القصصية والسردية:
أ- الحبكة السردية:
تنبني حبكة هذه السيرة التي سنتعامل معها كنص روائي على خمسة مقومات رئيسية منها البداية التي تظهر لنا الأديب في وضعية الرجل الكفء و المثقف الموسوعي في مجال العلم والمعرفة على الرغم من صورته البشعة المقززة، والعقدة التي تتمثل في انصرافه عن زوجته حميدة وعائلته وبلده بحثا عن العلم لتحقيق حياة مستقبلية سعيدة. أما الصراع فيتجلى في مواجهة الأديب لذاته وتصديه للعراقيل التي تكاد تمنعه من السفر إلى الخارج ومحاولته الجادة لإقناع والديه بما قد عزم عليه، وفشله أمام الحب الشديد الذي كان يكنه لخادمة الفندق بمرسيليا ومجابهته للجهل والحرب، وفشله أمام مرضه الهستيري الذي أصيب به من جراء انحرافه سلوكيا وإفراطه في السهر والشرب والانحلال الأخلاقي. ويكمن الحل في الانعزال والانطواء على النفس في المستشفيات النفسية بحثا عن العلاج والراحة، وتختم السيرة بنهاية تراجيدية تتمظهر في إصابة الأديب بلوثة الحمق والجنون.
ب- خصائص الشخصيات في السيرة:
ومن أهم الشخصيات الموجودة في النص نذكر الشخصيتين المحوريتين: الأديب و الكاتب، فشخصية الأديب شخصية محورية أساسية دينامكية ومركبة ونامية؛ لأنها تتغير حسب إيقاع النص الروائي السيروي، إذ ننتقل من شخصية ذات باع في الأدب والشعر تهتم بالعلم والثقافة وتقرأ الكثير إلى شخصية ظالمة للزوجة وعاقة لوالديها لينتهي بها المطاف لتكون شخصية منحطة مصابة في عقلها بعد انحرافها وتدهور أخلاقها واستسلامها للشهوات والغرائز المادية. أما الكاتب فشخصية بسيطة تحافظ على نفس إيقاعها ودماثة أخلاقها، ولم تنبهر بحضارة فرنسا كما انبهر بها الأديب ولم تنغمس في ملذات الدنيا كما انغمس فيها الآخر، لذلك نجد شخصية الكاتب شخصية مغايرة ومقابلة للشخصية الأولى التي سقطت في الرذيلة والدنس الأخلاقي. ومن ثم، يحاكم طه حسين كل أديب يفرط في رسالة الأدب ويحولها إلى وجهة غير صحيحة، حيث يقرن مهمة الأدب بسوء الأخلاق والارتماء في أحضان الموبقات والتخلي عن مقومات التربية الإسلامية الصحيحة. وما ينبغي أن نأخذه من الغرب حسب المؤلف هو العلم والتكنولوجيا والفكر، وألا نأخذ السلبيات ونسقط في مهاوي الشر والدناءة والرذيلة باسم الأدب والشعر. وهذا يذكرنا بمصير كثير من الكتاب الغربيين والعرب الذين أودى بهم المآل إلى الحمق والجنون والانتحار والموت مثل: بودلير وريمبو وهمنغواي ونتشه وخليل حاوي….ولكن التحلل من الأخلاق والعربدة والمجون والتسكع في الشوارع لايخلق الأدب ولا يسمو برسالة الأديب أو يعلو بها، بل على العكس يقدم صورة مشوهة قاتمة تسيء إلى الأدب ويصبح بذلك نقمة وعارا على صاحبه وعلى مريدي الأدب والفن.
وإذا كانت شخصية الكاتب مثالية في نبل أخلاقها وطيبوبة محتده وكرم سلوكه، فإن الأديب عبارة عن شخص عابث لا يبالي بالآخرين وخاصة زوجته حميدة التي همشها وطلقها بكل سهولة كأنها لعبة سريعة التخلص منها في أي وقت يريد فيه أن يتخلص من ذويه، والتمادي كذلك في الابتعاد عن والديه العجوزين اللذين يتشوقان إلى رؤيته ويتمنيان أن يكون ابنهما قريبا منهما. من هنا، فأديبنا شخصية أنانية وذميمة في كل شيء، لذلك فأوصافها البشعة الدنيئة تدل على طبائعها الأخلاقية أيما دلالة.
وثمة شخصيات ثانوية وعابرة أخرى يستحضرها المؤلف داخل السياق الروائي السيروي كالخادم الأسود وحميدة والوالدين وفرنند وأخ الكاتب، وهذه الشخصيات لها دور تكميلي وهامشي حيث يستدعيها الكاتب كعوامل مساعدة عبر صور التذكر والاسترجاع والاستيحاء كما يسترجع شخصيات تناصية أدبية أخرى كأبي العلاء المعري والمتنبي والأخطل وموسيه…
ت- الفضاء الروائي في السيرة:
ويتقابل في هذه السيرة فضاءان متناقضان: فضاء مصر وفضاء فرنسا، فالفضاء الأول يمثل بالنسبة للأديب فضاء التخلف والانحطاط والكبت والحرمان والتقاليد الموروثة البالية، في حين يمثل له فضاء فرنسا الحضارة والتقدم والرقي والعلم والأدب الحقيقي، و يجسد له أيضا الحرية والإشباع الغريزي والارتماء في أحضان اللذة والشهوة المادية الإيروسية. كما تمثل له فرنسا كذلك الجمال والاستقرار الروحي والارتواء بالحب الفاتن والسعادة الشبقية الدنيوية.
ويعكس هذا التداخل الجدلي بين فضاء منغلق وفضاء منفتح الصراع الحضاري بين الشرق والغرب والأصالة والمعاصرة والهوية والاغتراب والمادة والروح. ومن ثم، تبقى صورة الأوربي لدى المثقف الشرقي المنبهر مثل هذا الأديب صورة إنسان متقدم يمتلك العلم في نفس الوقت يمتلك الجسد والجمال وهذا مالا يوجد في الشرق. إن هذه الصورة انبهارية سطحية ترى الغرب على أنه كله إيجابيات، وتغفل الجانب السلبي الذي يتمثل في انهيار الأخلاق وانتشار الرذيلة والفاحشة وتردي الإنسان الأوربي ومعاناته من الفراغ الروحي.
كما يتقابل داخل فضاء مصر: فضاء المدينة (القاهرة) بمؤسساتها العمومية والرسمية والخاصة وشوارعها المليئة بالحركة والازدحام، وفضاء البادية الذي تغير أيما تغير بفعل الحضارة والمدنية الجديدة حيث شوهت معالم البادية المصرية وأتت على كل ما هو جميل في ذاكرة الكاتب.
ث- المنظور السردي:
وعلى مستوى المنظور السردي، نلاحظ تنوعا وانتقالا من المنظور الصفري الموضوعي المحايد إلى المنظور الذاتي الداخلي، كما ينتقل الكاتب من ضمير الغياب إلى ضمير التكلم والعكس صحيح كذلك، وبذلك تختلف مستويات المعرفة والحكي حسب كل منظور، ففي الرؤية الداخلية تتساوى معرفة كل من الراوي والشخصية، وفي المنظور الصفري تعلو معرفة السارد على معرفة الشخصية.
ومن مميزات الرؤية السردية في سيرة "أديب" أنها قائمة على خاصية الالتفات على عادة طه حسين في سيره وخاصة سيرة "الأيام" التي ينتقل الكاتب فيها من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم. ولكن الهيمنة في هذا النص للرؤية "مع" الداخلية الذاتية التي يتساوي فيها السارد والشخصية على مستوى المعرفة.
ويستهدف السارد في هذا النص السرد والتبليغ والتنبيه والتصوير والتنسيق بين الشخصيات والوصف والتشخيص وإدانة كل المثقفين والأدباء الذين ينبهرون بالحضارة الغربية عن جهل ودون وعي، وينساقون وراء غرائزهم وشهواتهم الدنيئة حتى يصابوا بلوثة الحمق والجنون والضياع والهلاك والموت.
ث- بنية الزمن السردي في السيرة:
ويتخذ الزمن في الرواية إيقاعا استرجاعيا، لأنه يقوم على الذاكرة وفلاش باك واستعادة الزمن المفقود والذكريات الدفينة. ومن ثم، فالزمن في النص زمن هابط على الرغم من كرونولوجية الأحداث وتعاقبها في مسار النص. ويعني هذا أن الكاتب ينطلق من حاضر الكتابة ويعود إلى الماضي ليستقرىء تجربة الأديب في صراعه مع نفسه ونزواته والواقع الذي يحيط به. ويشاركه في هذا الاستذكار الكاتب الذي يحيي فترة من حياته على مرآة صورة الآخر المقابل، ولكنه شبيهه في الهوية والدين والمكان.
وعلى الرغم من تواتر الأحداث وتعاقبها الكرونولوجي، إلا أننا نلاحظ توقفا كبيرا في مسار إيقاع الأحداث بسبب الوقفات الوصفية المملة المليئة بخاصية الإسهاب والاستطراد. ومن هنا يمكن تلخيص الرواية في ورقتين أو ثلاث ورقات على الأكثر، ولولا هذا الاستطراد والوصف الممل والمشاهد المقحمة لكان النص في صيغة أجناسية وأدبية أخرى. وهكذا نلاحظ أن الكاتب يحشو سيرته بالرسائل الطويلة والكتابات المسهبة والمذكرات المسترسلة، وكل هذا حشو في حشو واستطراد متشعب كان على الكاتب أن يتفاداه ويتجنبه، ناهيك عن الإكثار من التكرار الأسلوبي والتمطيط فيه تطويلا وتشعيبا وتوسيعا مع استخدام أساليب الانفعال والإنشاء التي يستعملها الكاتب كأنه يكتب مقالا إنشائيا يظهر فيه الكاتب فصاحته وبلاغته ومقدرته الإبداعية وكفاءته السردية والبيانية. وإلى جانب الإيقاع البطيء الناتج عن الوقفات الوصفية والمشهدية، فإن هناك إيقاعا سريعا يتمثل في الحذف لسنوات من الزمن في جملة ورقية كما في هذا المثال النصي: "وانقضى العام الأول والثاني والثالث من حياتنا في الجامعة على هذا النحو، لم يتقدم هو في درس المنطق ولم أتقدم أنا في درس الفرنسية، ولكننا تقدمنا في إدارة هذه الأحاديث الطويلة المختلفة التي تلم بكل شيء ولا تكاد تتقن شيئا، ولكنها تفتح القلوب لألوان من العواطف وتهيئ النفوس لضروب من الخواطر، وتغير الطريق التي كان كل واحد منا قد رسمها لنفسه في الحياة". [4]
وإذا كان الزمن استرجاعيا فهناك أيضا الزمن الاستشرافي الذي يحيل على أحلام المستقبل وتطلع الشخصيات إلى الغد السعيد من أجل تغيير أوضاعها التي هي عليها الآن: "كان يريد أن ينفق حياته موظفا يثقف نفسه ثقافة جديدة في كل يوم ويلتمس لذته في القراءة والكتابة والحديث. فأصبح أشد الناس بغضا لديوانه وزهدا في عمله، ورغبة في أن يهجر مصر ويعبر البحر إلى بلد من هذه البلاد التي يطلب فيها العلم الواسع والأدب الراقي، وتتغير فيها الحياة من جميع الوجوه. وكنت أريد أن أكون شيخا من شيوخ الأزهر مجددا في التفكير والحياة على نحو ماكان يريد المتأثرون للشيخ محمد عبده أستعين على ذلك بما أسمع في الجامعة، وما أقرأ من الكتب المترجمة، وما أجد في الصحف، وما أتلفظ من أحاديث المثقفين، فأصبحت وأنا أشد انصرافا عن الأزهر، ونفورا من دروسه وشيوخه، وحرصا على أن أهجر مصر وأعبر البحر إلى بلد من هذه البلاد التي يطلب فيها العلم الواسع والأدب الراقي وتتغير فيها الحياة من جميع الوجوه ولم يكن لصاحبي ولا لي إذا التقينا حديث إلا هذه الهجرة وأسبابها وإلا هذه الأحلام العريضة البعيدة التي لا حد لها، والتي تستأثر بنفوس الشباب حين يفرضون على أنفسهم بلوغ غاية بعيدة شاقة. حين تخيل إليهم آمالهم أن بلوغ هذه الغاية أمر يسير". [5]
نلاحظ في هذا النص مجموعة من الأحلام والآمال المستقبلية التي يستشرفها كل من الكاتب والأديب وهي رهينة بمصداقية الواقع في المستقبل الذي قد يصدقها أو يكذبها.
ح- مميزات الأسلوب في السيرة:
وإذا انتقلنا إلى أسلوب سيرته الروائية "أديب"، فنجد الكاتب يشغّل السرد بكثرة، كما يستعين بالحوار عن طريق اللجوء إلى المناظرة الأسلوبية التي تتجلى في الردود التي يسجلها الأديب على تساؤلات الكاتب واستفساراته والتواصل معه. فاستعمال الكاتب للمذكرات واليوميات والرسائل هو نوع من الكتابة الحوارية وهي سمة من سمات الحجاج والإقناع والمناظرة والجدل الثقافي والمنطقي.
ويوظف الكاتب إلى جانب المناجاة والحوار الداخلي الأسلوب الفانطاستيكي القائم على التحول الغرائبي والامتساخ الساخر:
"ولست حمارا ياسيدي مهما يكن رأيك في وفي ذلك الشيخ، أو قل كنت حمارا قبل أن أعبر البحر، فلما دخلت هذا الفندق، وصعدت إلى هذه الغرفة وأويت إلى هذا السرير، وانغمست في فراشه الوثير، وأدركني ما أدركني من النوم العميق، وأيقظتني هذه الفتاة ذات الوجه المشرق والثغر المضيء والحديث الحلو والروح الخفيف، نظرت فإذا لم أبق حمارا، وإذا أنا قد مسخت إنسانا أو قل صورت إنسانا إن كلمة المسخ لا ترضيك، ولكني على كل حال قد دخلت النوم حمارا وخرجت منه إنسانا يحس ويشعر ويعقل ويذوق لذة الجمال ويعرف كيف يستمتع بسحر العيون." [6]
وتتسم كتابة طه حسين في هذه السيرة بنصاعة البيان وفصاحة الألفاظ وبلاغة الأسلوب والإكثار من التكرار اللفظي واستخدام اللازمة الانفعالية وأساليب الإنشاء الموحية الدالة على التفجع والتحسر والتأسف، كما أكثر الكاتب من المفعول المطلق على غرار كتابات مصطفى المنفلوطي وأطنب كثيرا في الشرح والتفسير، وأسهب في الوصف والتصوير.
هذا، وتمتاز الكتابة البيانية عند طه حسين بمتانة السبك وصحة النظم الفني وجريانها على أصول اللغة العربية واستخدام التصوير المجازي والتجسيد البلاغي وترجيح كفة البيان على البديع وإسقاط الخصوصية الذاتية على الكتابة تلوينا وانفعالا وإحساسا حسب السياقات النفسية والموضوعية. كما تتسم الكتابة بجزالة اللفظ والإسهاب والاستطراد والترادف والتأكيد المصدري والاستعانة بالأساليب استفهاما وتعجبا وإنكارا واشتراطا واستثناء وندبة.
وإليكم نموذجا يبين لنا مقومات الكتابة البيانية لدى طه حسين الذي يعد من رواد المدرسة البيانية في النثر العربي الحديث في القرن العشرين إلى جانب مصطفى لطفي المنفلوطي ومصطفى صادق الرافعي وشكيب أرسلان ومحمد عبده و إبراهيم اليازجي وحسن الزيات وغيرهم، وهذه المدرسة امتداد للمدرسة البيانية القديمة التي كان يتزعمها الجاحظ والجرجاني وأبو حيان التوحيدي:
"يا للحزن والأسى، يا للوعة والحسرة، يا لليأس والقنوط، أيبلغ العنف بالزمان أن يمحو هذا المقدار الضخم من حياة الناس في أعوام قصار، لقد جد جيل وجيل في إقامة معمل السكر وإقامة ما حوله من الدور، بل من القرى، لقد عاش جيل وجيل، بهذا المعمل ولهذا المعمل، لقد عاش جيل وجيل بهذه القناة ومن هذه القناة. فكل هذا الجهد، وكل هذا العناء وكل هذه الذكرى، وكل ماكان على شاطئ القناة، وحول معمل السكر من جد وهزل ومن لذة وألم، ومن حب وبغض، ومن أمل ويأس، ومن مكر ونصح، ومن خداع وإخلاص، كل هذا يذهب في أعوام قصار لا تكاد تبلغ عدد أصابع لليد الواحدة، كان شيئا من هذا لم يكن، وكان نفسا لم تتأثر بما أثارته الحياة في هذه الأرض من العواطف وكان شفة لم تبتسم لما أنبتته هذه الأرض من أسباب الحزن والأسى، يا للحزن اللاذع، يا للألم الممض، ويا لليأس المهلك للنفوس! لقد ماتت قناتنا أيها الصديق" [7]
نستنتج من خلال هذا المقطع النصي أن المدرسة البيانية لدى طه حسين تمتاز بتنويع الأساليب الإنشائية كأن الكاتب يكتب قصيدة شعرية أو قصيدة منثورة يستعمل اللازمة النثرية الدالة على التحسر والتفجع، ويشغل التكرار بكثرة والتوازي التركيبي والتتابع والازدواج في توظيف الجمل والإطناب في توسيع الفكرة وتمطيطها، كما يستعمل الكاتب الصور البلاغية من تشبيه واستعارة ومجاز وكناية والمحسنات البديعية من سجع وطباق ومقابلة وترادف وتكرار والتماثل الصوتي والتجانس الإيقاعي.
وقد وظف الكاتب عدة خطابات في نصه الروائي هذا منها: خطاب السيرة وخطاب الامتساخ وخطاب الرسائل وخطاب المذكرات وخطاب اليوميات وكل هذا لإثراء نصه بالتنوع اللغوي والتعددية الأسلوبية.
ج- الوصف في السيرة:
التجأ الكاتب إلى الوصف لتصوير الشخصيات والأمكنة والأشياء والوسائل لنقل عالم الحكاية وتجسيده في أحسن صياغة فنية. ويمتاز وصف الكاتب بالاستطراد والإسهاب والتطويل على غرار الكتاب الواقعيين أمثال: فلوبير وبلزاك وستندال وإميل زولا ونجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف.
وقد بدأ الكاتب سيرته باستهلال روائي وصفي يشخص فيه صديقه الأديب لينتقل بعد ذلك لعرض الأحداث السردية لينهي نصه بعرض مأساة الأديب ونهايته الفظيعة بعد حياة بوهيمية عبثية في حضن الجمال وغواية السكر ومفاتن الجسد وخمول العقل.
ويلاحظ على وصف طه حسين للأديب أنه وصف كاريكاتوري بشع يشمل الداخل والخارج حيث يلتقط المساوئ والعيوب بدقة متناهية قصد استدراج القارئ لمشاركته في الحكم بالسلب على هذه الشخصية الدنيئة التي لاتمت بصلة إلى الأدب مادام قد ظلم الأدب وزوجته ووالديه ووطنه كما في هذا المقطع الوصفي الساخر:"كان قبيح الشكل نابي الصورة تقتحمه العين ولا تكاد تثبت فيه، وكان على القصر أقرب منه إلى الطول وكان على قصره عريضا ضخم الأطراف مرتبكها كأنما سوي على عجل، فزادت بعض أطرافه حيث كان يجب أن تنقص ونقصت حيث كان يحسن أن تزيد. وكان وجهه جهما غليظا يخيل إلى من رآه أن في خديه ورما فاحشا. وكان له على ذلك أنف دقيق مسرف في الدقة، منبطح غال في الانبطاح، قد اتصل بجبهة دقيقة ضيقة لا يكاد يبين عنها شعره الجعد الفاحم.
لم تكن تقدمت به السن، بل لم يكن جاوز الثلاثين، ولكن علامات الكبر كانت بادية على وجهه وقده لايخدع عنها أحد. كان على قصره مقوس الظهر إذ قام، منحنيا إذ جلس، ولعل إدمانه على الكتابة والقراءة، وإسرافه في الانحناء على الكتاب أو القرطاس هما اللذان شوها قده هذا التشويه. وقلما كان وجهه يستقيم أمامه، إنما كان منحرف العنق دائما إلى اليمين أو إلى الشمال، وقلما كانت عيناه الصغيرتان تستقران بين جفونه الضيقة، إنما كانتا مضطربتين دائما لا تكادان تستقران على شيء حتى تدعاه مصعدتين في السماء، أو تنحرفا عنه إلى مايليه من أحدى نواحيه". [8]
ولقد كان طه حسين في وصفه للأديب كاتبا لاذعا هاجيا يعتمد على السخرية والتشويه الكاريكاتوري في تصوير الشخصية ورصدها فيزبولوجيا منتقلا من العام إلى الخاص. أي يصور بريشته الواصفة الشكل الخارجي فالوجه ثم الصوت، وقد كان دقيقا في وصفه ومتفننا في التجسيد والتشخيص.
وبعد الوصف الخارجي، ينتقل الكاتب إلى الأحداث والأفعال السردية لينقل لنا مواصفاته الأخلاقية ونفسيته وطبيعة تفكيره ليقدمها لنا في الأخير على أنها شخصية سمجة قبيحة متدنية في سلوكها ومنحطة في قيمها، كما تعبر قسمات الشكل على العموم عن طبيعة الشخصية. أي إن المظهر الخارجي علامة سيميائية تدل على طبائع الشخصية وسماتها النفسية والأخلاقية.
وانتقل الكتب بعد ذلك ليصف الأفضية والأمكنة فوصف لنا بيت الأديب وبيت الكاتب الضيق، كما وصف لنا مدينة القاهرة في ازدحامها واكتظاظها بالسكان، والجامعة بمحيطها وحرمها ومدرجاتها، ونقل لنا البادية بفظاعتها وجفافها وتغير معالمها، كما رصد لنا فرنسا بأفضيتها الحضارية الدالة على الثراء والجمال والتطور العمراني والثراء الحضاري والمادي.
ولم ينس الكاتب أن يصف بعض الوسائل كالعربة التي كانت تنقل الكاتب مع الأديب في صحبة الخادم الأسود إلى بيته وإلى عدة أماكن في القاهرة المزدحمة بالناس، والباخرة التي كانت تعبر البحر الأبيض المتوسط متجهة بالأديب إلى فرنسا.
وعليه، فإن الوصف لدى الكاتب يتسم بالتطويل والروتين الممل من شدة الإسهاب والاستقصاء والتفصيل.
خ- البعد الاجتماعي في السيرة:
تحيل هذه السيرة سوسيولوجيا على مصر في انتقالها من الانتداب الإنجليزي إلى عهد الملكية الخديوية بعد ثورة سعد زغلول 1919م، وما حدث من تغيرات على المستوى الاقتصادي وخاصة في البادية المصرية ومدينة القاهرة التي بدأت تعرف تحولات ديمغرافية واجتماعية. كما تبين لنا انفتاح الحكومة المصرية على الجامعة الحديثة، وإرسال البعثات إلى الخارج لاستكمال الدراسات الجامعية العليا. وتبين لنا السيرة كذلك وضعية التعليم في الأزهر الذي يحتاج إلى تجديد وتغيير لمناهج التدريس بهذه المؤسسة الدينية التي مازالت تدرس فيها الكتب الصفراء بطريقة تقليدية؛ مما آل بالوضع التربوي في الأزهر لأن يستلزم التغيير والإصلاح الفوري كما تؤشر على ذلك دعوة محمد عبده.
وتشير السيرة كذلك إلى ظروف الحرب العالمية الأولى وآثارها البشعة على الإنسان الأوربي والإنسان العربي، ناهيك عن تصوير مدى اهتمام جيل من المثقفين في مطلع القرن العشرين بالأدب إلى درجة الحب والشغف والجنون وإقبالهم على الجامعات الحديثة للاستفادة من المناهج الحديثة والأفكار الجديدة. ومن ثم، تصور السيرة الروائية فئة من الأدباء العرب الذين تركوا بلدانهم وذهبوا إلى الخارج فانبهروا بأوربا وانغمسوا في الملذات وافتتنوا بجمال النساء الشقراوات وبريق سيقانهن وسقطوا في الرذيلة ومهاوي الخطيئة ونسوا العلم وعادوا إلى بلدانهم إما حمقى مجانين وإما بدون شواهد علمية تذكر وإما حصلوا عليها بصعوبة تذكر كما هو حال توفيق الحكيم الذي فشل في دراساته القانونية وعاد حاملا لواء الفن والمسرح والقصة، و بطل سهيل إدريس في روايته"الحي اللاتيني" الذي لم يحصل على شهادة الدكتوراه إلا بشق الأنفس وله بطبيعة الحال مقابله الموضوعي في الواقع الخارجي.
د- البعد النفسي في السيرة:
ينقل لنا الكاتب من الوجهة السيكولوجية شخصية أديب مهووس بحرفة الأدب، ولكنها شخصية مختلة ستصاب بهستيريا المجون وتضخم الذات. ورغبة في تحقيق ذاته، سيدوس هذا الأديب على القيم التي كان يؤمن بها حيث يظلم زوجته حينما طلقها بكل برودة دون أن يحس بها أو يشعر بكيانها الداخلي ولم يفكر إطلاقا كيف ستكون وضعيتها وصورتها بعد الطلاق في القرية التي ستعود إليها، بعد أن اختارته زوجا لها ورفضته الشابات الأخريات،كما كان عاقا لوالديه عندما تخلى عنهما من أجل أن يبحث عن مستقبله وحريته الشخصية لإفراغ مكبوتاته الشبقية في بلد الأجساد والسيقان، في فرنسا الحضارة والفتنة والجمال والغواية التي جردت الأديب من كل مقومات أصالته وجرته إلى مستنقع الفساد والدناءة عندما بدأ يسهر الليالي مع خمرة النسيان مفتتنا بجمال الأجساد وشهد الأحلام الوردية والحب الرومانسي الخادع.
هذا، وقد دفعت الذمامة والقبح أديبنا إلى العزلة والانطواء، فلم يجد صديقا وفيا في عالمه إلا كاتبنا الذي كان يستصحبه معه إلى بيته ويحكي له كل ما يكابده ويعانيه. وقد دفع الحرمان النفسي الناتج عن الاستعمار وتسلط الحكومة الخديوية والإحساس بالنقص شخصية الأديب لتثور ثورتها على أقرب الناس إليه وهي زوجته؛ لأن حميدة تقيده بتقاليدها البدوية، وبقاؤه في مصر يذكره بالنقص، لكن فرنسا هي الملاذ الوحيد لوجوده والمكان المفضل للتحرر الإيروسي واستكمال ذاته من خلال الارتماء في أحضان الكأس والمرأة وغواية الشيطان، ومن ثم، فشخصية أديب هي شخصية مرضية معقدة تعاني من النقص وتحاول تعويضه باكتساب العلم وإظهار الثقافة واحتراف الأدب. وقد أدى هذا الإحساس المبالغ فيه نفسيا بأديبنا إلى الحمق والجنون والإصابة بلوثة الهستيريا وذوبان الذات من كثرة الانفعالات والأحاسيس المبالغ فيها.
تركيب استنتاجي:
إن" أديب" لطه حسين سيرتان متكاملتان: سيرة ذاتية خاصة بالكاتب وسيرة غيرية متعلقة بالأديب، وفي نفس الوقت هي رواية فنية تعتمد على التخييل والالتفات والتشويق والاستطراد والاهتمام بنصاعة البيان وبلاغة التصوير؛ وهذا ما يجعل طه حسين من رواد المدرسة البيانية في الأدب العربي الحديث، كما أن هذه السيرة إدانة لجيل من المثقفين العرب الذين قصدوا أوربا بحثا عن العلم واستكمالا لدراساتهم العليا، فانبهروا بحضارة الغرب، ولكنهم بدلا من أن يستفيدوا من العلوم والمعارف والآداب سقطوا في الغواية والرذيلة وفتنة الخطيئة، وبالتالي، فرطوا في أعزما يملكون من قيم وفي كل ما يمت بصلة إلى الشرق، لينغمسوا في بوتقة الشر والإفساد والسقوط في فتنة الغرب والإيمان بفلسفته المادية وأفكاره المنحلة.
حواشي
[1] طه حسين: أديب، بدون تاريخ للطبعة أو مكان لها، ص:4-5.
[2] نفسه، ص: 8.
[3] نفسه، ص:2.
[4] نفسه، ص: 32.
[5] نفسه، ص:32-33.
[6] طه حسين: نفسه، ص: 112-113.
[7] نفسه، ص:43.
[8] نفسه، ص:6-7.
http://www.diwanalarab.com/local/cac...eon0-60928.gif
المصدر
http://www.al-wed.com/pic-vb/239.gif
http://www.palintefada.com/upload/pic/beesssss.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://www.zmzm.net/images/bsmlah.gif
http://img176.imageshack.us/img176/4...noos9ktsx4.gif
"ثمرة الذاكرة كتابة الرواية بين التخييل والسيرة الذاتية"
نبيل درغوث
http://www.alarabonline.org/data/2008/03/03-30/445p.jpg
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-153.gif
"إن معظم الروايات الأولى هي سير ذاتية مقنعة، هذه السيرة الذاتية هي رواية مقنعة"
"كليف جيمس"
مثّل تداخل الأجناس الأدبية إشكالا بالنسبة إلى مصنّفى الأدب، وقد أصبح تمييز كلّ جنس أدبى عن غيره أمرا عسيرا لتداخلها وتوالدها من بعضها البعض، وهذا ما سبب خلطا هائلا أصبحت تعانى منه بعض المقاربات للأجناس الأدبية حيث تسود زئبقية مصطلحاتها وانفتاح النصوص على بعضها البعض. فليس ثمة أسوار منيعة أو آليات تعمل داخل الشكل الفني، تحول دون تداخل الأشكال الفنية وتمازجها "1".
“حفيف الريح” "هى الرواية الثانية لظافر ناجي"، ما أن يتفحصها القارئ حتى يلاحظ علاقتها برواية السيرة الذاتية حيث تتقاطع أحداثها وشخصياتها بمكونات من حياة الكاتب. فما هى خصوصية هذه الرواية وما علاقتها بالسيرة الذاتية؟
على سبيل المدخل النظرى الموجز سنحاول بدءا تحديد الملامح الكبرى للرواية التى يمكن القول بأنها عمل فنى متخيل، نثرى، ينهض على أساس قصصي، مادته أحداث وشخصيات هى مزيج بين الخيال والحقيقة على شكل حبكة ذات تعقيد ما. قد يبدو هذا التعريف بمثابة تقرير أمر واضح، لأن الرواية تتخذ “لنفسها ألف وجه، وترتدى فى هيئتها ألف رداء، وتتشكل أمام القارئ، تحت ألف شكل مما يعسر تعريفها تعريفا جامعا مانعا. ذلك لأننا نلفى الرواية تشترك مع الأجناس الأدبية الأخرى بمقدار ما تستميز عنها بخصائصها الحميمة، وأشكالها الصميمة”"2".
الرواية تركيب خيالي، وهى قبل كل شيء بناء فني- رمزى يسعى لأن يمثل الوضع الاجتماعى /النفسي/ الانطولوجى للإنسان فى الكون. فالرواية بمعنى ما هى الوهم المبتكر الذى يترك آثاره فى نفس القارئ. “إنه الوهم الخالد.. الوهم الباقى لأنه يأخذ شكلا صلبا وحيويا عبر الفن بحيث يتواصل مع الآخرين من البشر مهما بعد زمانهم ونأى بهم المكان فيصير بإمكانهم أن يعايشوا صورة الوهم وأن يتأثروا بها”"3".
ويرى بعض منظرى الرواية فى احتمال نشأتها ومسار تطورها أنها من أهمّ أشكال الإبداع قدرة على التو ضيف والاستفادة من الأجناس الأدبية التى سبقتها "الأسطورة، الملحمة، الحكاية...إلخ". فهى “الوريث الشرعى للأجناس السابقة”"4" ومن الباحثين من يرى أن “الرواية عموما هى الجنس متهم بإراقة دماء الأجناس التقليدية القديمة واستعباد بعضها أحيانا وتحويلها إلى “مدبّرات” سرد فى نسيجه الحكائي”"5".
والرواية من الأجناس الأدبية التى هى فى علاقة توارثية وتستكمل سلالات بعضها، ومنها السيرة الذاتية. ونحن نفترض ان رواية “حفيف الريح” لظافر ناجى هى من جنس السيرة الذاتية. وقبل تبيان هذه الفرضية يجدر بنا فى مسلكنا النقدى ان نتوقف عند اهم المحطات التى عرفتها تنظيرات السيرة الذاتية.
السيرة الذاتية: لمحة تاريخية
حسب جورج ماى فان نهاية القرن الثامن عشر هى بداية السيرة الذاتية. فنشر “اعترافات” "Confessions" جان جاك روسو "J.J. Rousseau" "1712-1778" بعد وفاته شكل نقطة انطلاق وإعلان عن استقلال السيرة الذاتية ككيان أدبيّ"6".
وإن كان المؤرخون الغربيون يقرّون بأن السيرة الذاتية هى لون من الألوان الإبداعية خاصّ بالثقافة الغربية، فانه مع أواسط القرن العشرين تغيّرت هذه الفكرة فى النقد الأدبى الغربي، ولم تعد السيرة الذاتية حكرا على الحضارة الغربية دون غيرها"7".
فالدارسون للسيرة الذاتية فى الأدب العربى يجمعون على أنّ هذا الشكل من أشكال التعبير عرفه تاريخنا الأدبي.”وهو غرض أدبى عريق فى حضارتنا العربية الإسلامية ولئن لم يتبلور متصوره الذهنى بما يتيح له الانفراد بمصطلح نقدى مخصوص فإنه قد صيغ على نماذج تكاد تصل به منزلة الاكتمال فى المضمون والغرض والأسلوب”"8". فالأدب العربيّ عرف السيرة الذاتية قديما كما حديثا. وقد اجمع الباحثون ان كتاب “الأيّام” "1929" لطه حسين نص مؤسس للسيرة الذاتية فى الأدب العربى الحديث "9".
يعود وضع الأساس للتنظيرات الحديثة فى حقل السيرة الذاتية إلى سنة 1956 مع مقال “شروط السيرة الذاتية وحدودها” لغوسدورف” "GUSDORF""10" وابتداء من هذا التاريخ تتالت المقالات والكتب حول تحديد وتعريف هذا الشكل الإبداعى الذى رأى فيه الفيلسوف الألمانى ويليهيلم ديلتاى أكثر تعبيرات تأمل الحياة المباشرة.
وفى سنة 1971 وضع فيليب لوجون"Philippe le jeune" تعريفا لهذا الجنس الأدبى فى كتابه “السيرة الذاتية فى فرنسا” ثم نقّحه سنة 1975 فى كتابه “ميثاق السيرة الذاتية” "Le Pacte Autobiographique" قائلا: “وبعد تعديل طفيف سيصبح حد السيرة الذاتية كآلاتى [هي] حكى استعادى نثرى يقوم به شخص واقعى عن وجوده الخاص وذلك عندما يركز على حياته الفردية وعلى تاريخ شخصيته يصفه خاصة” "11" ولعلّ هذا التعريف لا يبدو مطلقا ونهائيا، فقد أحجم جورج ماى عن وضع تعريف رغم معالجته لهذا الجنس الأدبى ضمن كتابه “السيرة الذاتية”"12".
وبعد سنوات قام فيليب لوجون بنقد ذاتى ضمن كتابه “أنا أيضا”"13" معيدا النظر جذريا فى “ميثاق السيرة الذاتية” الذى كان قد صاغه فيما سبق. إذا فلا سيبل للحديث عن جنس سردى نقى خالص، باعتبار أن السيرة الذاتية قد أخذت عند نشأتها أساليب و فنيات الكتابة التى اعتمدتها الرواية سابقا. “فالألوان الإبداعية تميل غالبا إلى الدخول فى علاقة تماثلية فيما بينها، أو توارثية، أحيانا تفسر بعضها أو تستكمل وظيفتها التعبيرية”"14"، وهكذا تصل “الرواية” و”السيرة الذاتية” فى علاقة إشكالية قائمة، فكلاهما يتأسس على قصّة حياة بطل فرد يدخل فى صدام مع محيطه رافضا لنواميس المجتمع، قلقا، ساخطا، يعيش فى علاقة إشكالية مع كل ما يحيط به.
هيكل وبنية الرواية
تتألف “حفيف الريح” من أربعة فصول تتخللها أربعة ملاحق. ومنذ الفصل الأول يتولى الراوى مهمة الحكى ليمتد ذلك على كامل الرواية غير انه يتخلل هذا السرد حوارات مطولة بين الشخصيات.
وإن كانت الرواية قدّمت أحداثا عاشتها الشخصية الرئيسية بين قرقنة والعاصمة وقابس فى منتصف الثمانينات وأوائل التسعينات. فقد واكبت من جهة أخرى التحولات التى عرفها الواقع الموضوعى على الصعيد العربى والعالمي.
والرواية ايضا هى ذكريات الشّخصية الرئيسية "فاضل" جاءت فى هيئة “كتاب النساء” ويمثل الفصل الأول فاتحة الكتاب أمّا الفصل الرابع فهو تتمة لقصّة بدأت من الفصل الأوّل مكونة ذكرى تضاف إلى “كتاب النساء”. ولكن سؤالنا المركزى فى هذه القراءة يضل يتمحور حول تجلى عناصر السيرة الذاتية فى هذه الرواية .
إنّ استخدام المؤلف لأحداث وشخوص وأماكن ترتبط بحياته الشخصية قصد تأليف روايته الأولى يمثل ظاهرة لا يمكن أن تغيب على أى قارئ جادّ. فالكاتب ينطلق فى نصوصه الأولى من كل ما يتصل بحياته مركّزا فيها على تاريخه الشخصى وسبب ذلك، ربما، ثقل الذاكرة على مخيّلة المؤلّف. فلا بدّ للكاتب أن يتخلص من ذلك الثقل فى أعماله الأولى فتتطهّر المخيّلة ليقع تشغيلها بملكات التخييل. وكان كليف جيمس قد نبّه إلى هذه الظاهرة حيث قال: “إن معظم الروايات الأولى هى سيرة ذاتية مقنّعة.”
والكتابة عن الذات ممارسة يسيرة يتحسّس الروائى من خلالها عالم الكتابة من خلال مرجعيته الذاتية وحياته وتاريخه الشخصى وعلاقته بالذوات الأخرى. يتناول كلّ هذه الزوايا التى عرفها وخبرها وعاشها قبل أن يبتكر حيوات وشخصيات غيرّية "15". وهذه المرحلة هى مرحلة جنينية وضروريّة لنشوء الكاتب الا ان كثير من الكتّاب من يبقى نزيل هذه المرحلة لا يعرف منها فكاكا فتراه يستنزف تلك الذاكرة استنزافا حتى يسقط فى التكرار فلا يعثر له الباحث إلاّ على نصّ فريد كان قد صاغه مؤلفه بطرق شتّى. واذا اراد ان يتجاوز ذلك فعليه أن يتمرّد على ذاته وأن يتنكّر لعمله الأوّل حتى يؤسس ذاتا إبداعية أخرى فى عمليّة أشبه بقتل الأب، ونقصد بالأب، النصّ الأوّل للكاتب.
نعثر فى “حفيف الريح” على علامة أجناسية هى عبارة “رواية “ تصاحب العنوان موجهة القارئ منذ البدء على تلقيها باعتبارها “رواية”. غير ان القارئ العارف بحياة الكاتب يجد نفسه أمام نص من تلك النصوص التى يصفها “فيلب لوجون” بالنصوص التى يعثرفيها على التشابهات وعلى تطابقا بين المؤلف والشخصية رغم ان المؤلف اختار أن ينكر هذا التطابق أو على الأقل، اختار أن لا يؤكده "16"، فبالتطابق بين الكاتب والراوى والشخصية تكشف السيرة الذاتية عن ذاتها. والغالب على السير- الذاتية أنها تكتب بضمير المتكلّم المفرد “أنا” الذى يصهر كلّ من الراوى والشخصية والكاتب فى بوتقة واحدة. إلاّ أن ظافر ناجى تعمّد استعمال ضمير الغائب “هو” لكى يوهم القارئ بأن نصّه سيرة غيريّة ويؤكدّ الانفصال بين من عاش القصّة "الشخص" ومن يسردها "الراوي" غير أنّه يمكن الحصول على تطابق بين الراوى والشخصية فى حالة الحكى “بضمير الغائب” بإقحام مشكل المؤلف حسب عبارة صاحب كتاب “الميثاق السير ذاتي”"17". وذلك باقامة المعادلة المزدوجة التالية:
المؤلف = الراوي، والمؤلف = الشخصية، اذاً الراوى = الشخصية.
فقصّة “فاضل” "الشخصية الرئيسية" تتقاطع فى الكثير من المواطن مع قصّة “ظافر” "المؤلف"، ذلك أن “فاضل” يحمل الكثير من السمات المشتركة بينه وبين المؤلف ابتداء بالاسم فالاسمان يشتركان فى أحرف ثلاثة. أمّا بقية السمات فتظهر فى مسقط الرأس “قابس” ودراسة اللغة والآدب العربية بالجامعة وامتهان التدريس بقابس سابقا واحتراف الكتابة.
كما تؤكد الملاحق التى أدمجت ضمن فصول الرواية التطابق بين المؤلف والشخصية. فهذه النصوص التى جاءت تحت عنوان كتابات المرحلة كانت قد نشرت فيما مضى بإمضاء “ظافر ناجي” "المؤلف": حيث يتضمّن النصّ الأول قصّة قصيرة بعنوان “القمامة” نشرها المؤلف ضمن مجموعته القصصية “المتاهة” بتونس سنة 1992أمّا النص الثانى فهو مقتظف من رواية كان قد نشرها بسوريا سنة 1994 تحت عنوان “أرخبيل الرعب” ورغم هذا التطابق بين الراوى والشخصية بطريقة غيره مباشرة أى عن طريق المعادلة الرياضية. فالتطابق مثبتا داخل النص وإن مكّن ضمير الغائب الكاتب من الفصل بين الراوى والشخصية. فإن الراوى ينهض راويا عليما بأطوار حياة الشخصية كلها يستحضر ما يشاء منها حين يريد استباقا أو استرجاعا:
“تذكّر فى وحدته ذلك الحيّز من ماضيه فلم يعرف أيتألّم من أنّه كان كذلك أم يفرح بأنّه تجاوز كلّ تلك العقبات وأصبح الآن أستاذا يدرّس النّشء دون أن يمسّ بسوء... كثيرون من أصدقاء تلك الفترة يقولون له أنّهم متعجّبون من كونه تمكّن من إتمام دراسته فقد كان مؤهّلا ليكون خريج سجون أكثر من تأهّله للتخرج من الجامعات...
تذكّر كلّ ذلك ولم تغادر صورة أمينة رأسه لحظة واحدة لكنّه كان قد قرّر الفراق، وكان من الصعب أن يجعله شئ ما يغيّر رأيه. بعدها نجح هو والتحق بسلك التّعليم فى جهة قابس غير بعيد عن العائلة وهناك انشغل أو شغل نفسه بالكتابة. فجمع القصص القصيرة التى كتبها وهو طالب ونشرها فى الجرائد والمجلاّت ثم بدأ يكتب بشكل متواصل وينشر تباعا وقد قرّر أن يمتهن الكتابة لاحقا رغم أنّه لم يكن وقتها قد عرف أية مهنة شؤم كانت...” "ص 59".
وقد بدا لنا أنّ العلاقة بين الراوي والشخصية تنجلي خاصة فى اشتراكها فى ذاكرة واحدة حتى تتوحّد الذات الراوية والمروية فى ما يشبه حالة الحلول ويمكن فى هذا المضمار الاستشهاد بامثلة والفقرات التالية :”هنا أيضا تتدخّل الذّاكرة الّلعينة وكأنّها تريد الإجابة عن أشياء لم تسأل عنها لكنّها مع ذلك تأخذ صاحبها قسرا إلى حيث هى تريد.” "ص 23".
“ما الذى بقى الآن غير صدى لذاكرة مثقوبة تأتى بالأشياء من أعماقها وكأنّها تخرج بها من أعماق كهف مظلم بعد منتصف ليل بهيم..” "ص 25".
الآن فى هذه الأيّام الأخيرة من آخر الألفيّة الثانية يبدو منتصف الثمانينات زمنا آخر وكأنّه آت من قرون خلت... ياه ... ما أسرع ما وقع.” "ص 26".
“وها هو الآن يكتشف أنّه لم يفهم شيئا وأنّه غير قادر على أكثر من استرجاع الصور التى عاشها فى أقصى الحالات لأنّ الذاكرة ألاعيبها التى تنتهي، فهى تنتقى وتزيّن وتعبث بصاحبها” "ص 52".
“عادت به الذّاكرة إلى تلك الأيّام، والذّاكرة حين تثور تحرق كلّ الحاضر فتتعالى عليه وتقزّمه...” "ص 53". “حتّى لكأنّه كان يهرب من ماضيه القريب إلى ماض أبعد كان أحلى وأجمل بلا شعارات جوفاء ولا قفّازات ولا مواد تجميل...” "ص 67".
“الذّاكرة ذلك الجزء من الدّماغ..
والدّماغ ذلك الجزء من الرّأس..
والرّأس ذلك الجزء الذى يحكم البدن بأكمله.
أفلا تكون الذّاكرة هى التى تحكم كلّ شيء فينا، أوليس الماضى هو سبب وجودنا الحالى حتّى وإن كذبنا على أنفسنا وقلنا إننا تجاوزناه أو أننا صنعنا لأنفسنا حاضرا لا علاقة له بذاك الماضى؟” "ص 105".
* كاتب تونسي
الهوامش
* ظافر ناجي: “حفيف الريح” "رواية"- تونس 2001
1- القول لمحمد العباس مأخوذ عن عبد الله عبد الرحمن الحيدري: رواية السيرة الذاتية، مجلة علامات فى النقد م 13، ج 49 سبتمبر 2003، ص 580
2- عبد الملك مرتاض: فى نظرية الرّواية، سلسلة عالم المعرفة عدد 240، ديسمبر 1998، ص 11.
3- فؤاد التكرلى: الطيور صغيرة تحت أنظار الشيخ الحزين، جريدة الشرق الأوسط، عدد 9079، أكتوبر 2003، ص 16.
4- فرج لحوار: الحياة الثقافية عدد 82 فيفرى 1997.
5- كمال الرياحي: حركة السرد الروائى ومناخاته ، دار مجدلاوى للنشر والتوزيع، الأردن 2005 ص 55.
6- انظرجورج ماي: السيرة الذاتية، ترجمة محمد القاضى وعبد الله صولة، بيت الحكمة – تونس 1992، ص 28.
7- انظر دويت رينولدز: السيرة الذاتية فى الأدب العربي، مجلة الكرمل عدد 76-77 سنة 2003، ص 89.
8- عبد السلام المسدى: النقد والحداثة، دار أميّة، تونس 1989، ص 115،
وأنظر أيضا: - يحى ابراهيم عبد الدايم: الترجمة الذاتية فى الأدب العربى الحديث.
- منصورقيسومة: السيرة الذاتية فى التراث العربي، التعدّد والتنوع، الحياة الثقافية عدد104 أفريل 1999.
9- أنظر: - محمد الباردي: السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث حدود الجنس وإشكالاته، مجلة فصول م 16 عدد 3، سنة 1997، ص 69.
- دويث رينولدز: ص 98.
- إحسان عبّاس: فنّ السيرة، دار الثقافة – بيروت دث، ص 151
10- انظر: - آنخل. ج. لورايرو: المشاكل النظرية للسيرة الذاتية، ترجمة نادرة الهمامي،
مجلة الحياة الثقافية عدد 146، جوان 2003، ص 48-49.
- دويت رينولدز، ص 89.
11- فيليب لوجون: السيرة الذاتية، الميثاق والتاريخ الأدبي، ترجمة وتقديم عمر حلي، المركز الثقافى العربي، 1994، ص 22.
12- L’autobiographie, Paris 1979
13- Moi aussi, Paris 1986
14- عبد الله بن عبد الرّحمان الحيدري، ص 580.
15- بوشوشة بن جمعة: اتجاهات الرواية فى المغرب العربي، تونس 1999، ص 143.
16- فيليب لوجون، ص 37.
17- فيلب لوجون، ص 25.
18- جورج ماي، ص 123.
المصدر
http://www.al-wed.com/pic-vb/239.gif
http://www.palintefada.com/upload/pic/beesssss.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://www.zmzm.net/images/bsmlah.gif
http://img176.imageshack.us/img176/4...noos9ktsx4.gif
"السيرة الذاتية في الرواية السعودية"
http://www.al-jazirah.com/culture/15122003/8.jpg
الدكتور
صالح معيض
لعل من أهم الإشكالات التي تثيرها الرواية السعودية لدى كثير من قرائها ونقادها إشكالية علاقتها بالسيرة الذاتية.
وكنت قد تناولت هذه القضية بتوسع في بحث بعنوان «سيرذاتية الرواية العربية السعودية»، ألقيته في ندوة الرواية التي صاحبت المؤتمر السابع لرؤساء الأندية المنعقد في القصيم في 30/12/1423هـ، وسأوجز في هذا المقال أهم ما توصلت إليه في بحثي، ليطلع عليه قراء المجلة الثقافية أو المهتمون منهم بهذا الموضوع.
إن المتتبع للدراسات والقراءات التي أنجزت عن الرواية العربية السعودية، سيلاحظ دون شك استشراء توجه أو منهج نقدي مثير ولافت للانتباه، وربما شكل في بعض جوانبه خطرا عليها من وجهة نظرنا. ويمكننا تسمية هذا المنهج المنهج السيرذاتي في دراسة الرواية السعودية، قياسا على المنهج السيري في دراسة الأدب عموما، وهذا المنهج ينطلق صراحة أو ضمنا من افتراض مفاده أن كثيراً من الروايات السعودية ليست في حقيقة الأمر إلا سير ذاتية كلية أو جزئية لكتّابها، اتخذت من مسمى الرواية قناعا لها.
ولكن، ما موقف كتاب الرواية أنفسهم من النقد السيرذاتي الذي يمارس على رواياتهم؟ على الرغم من أننا ندرك أن الناقد الأدبي ليس معنيا بالضرورة بما يقوله الكتاب عن أعمالهم، فإن الوقوف على بعض شهاداتهم أو إجاباتهم على التساؤلات التي تطرح عليهم بإلحاح حول امكانية أن يكونوا هم أنفسهم أبطال رواياتهم قد يكون مفيدا لنا هنا.
ولعل النتيجة التي نخرج بها من خلال الشهادات والمقابلات التي اطلعنا عليها هي أنهم ربما كانوا جميعا يرفضون الإقرار بأن يكونوا أبطال رواياتهم ويحتجون بأساليب متعددة على مثل العلاقة التي يجدها أو يوجدها النقاد أو القراء بينهم وبين أبطال رواياتهم.
وبعد أن وقفنا على هذا الموقف الرافض من كتاب الرواية للنقد السيرذاتي لرواياتهم، لعلنا نتساءل هنا عن السبب الذي جعل كثيرا من نقاد الرواية السعودية وقرائها يربطون بين أبطالها وكتابها.
نعتقد أن ثمة بعض المؤشرات أو الدلائل السيرذاتية الداخلية أو الخارجية التي عملت فرادى أو مجتمعة على تسويغ هذا الربط لدى كثير من النقاد الذين اطلعنا على كتاباتهم. وسنشير هنا فقط إلى أهم هذه الدلائل من وجهة نظرنا ونناقشها باختصار:
1 ضمير المتكلم «أنا». فمعلوم أن أهم ما يميز السيرة الذاتية هو التطابق بين شخصية الكاتب والراوي/ البطل، فأغلب السير الذاتية تكتب بضمير المتكلم، وهذا الضمير هو أسهل وأوضح الأساليب التي تحقق هذا التطابق.
2 المكان والزمان: يعد الحضور القوي للمكان والاحتفاء الشديد به وكذلك التحديد الزماني في بعض الروايات السعودية سببا من الأسباب التي جعلت بعض النقاد يربط بين بطل الرواية وكاتبها، ويقرأها قراءة سيرذاتية إلى حد كبير.
3 التاريخ الشخصي للكاتب: إن البحث في التاريخ الشخصي للكاتب والتحري عنه وربطه بأحداث روايته من أهم الأساليب التي أتكأ عليها بعض النقاد للتدليل على العلاقة التي تربط شخصية الكاتب بشخصية بطل روايته.
4 الوعي الكتابي للمبدع في الرواية: تتضمن بعض الروايات السعودية مقاطع يتحدث فيها الراوي/ البطل عن تجربته في الكتابة الإبداعية عموما والروائية خصوصا وإشكالاتها.
إن الخلط بين جنس السيرة الذاتية والرواية ربما كان من أهم الأسباب التي أدت إلى استشراء المنهج السيرذاتي في نقد الرواية السعودية. وهو خلط لا يمكن قبوله وتبريره وإن كنا نتفهم حدوثه نظرا لتداخل هذين الجنسين السرديين أحيانا.
إن المبالغة في ممارسة النقد السيرذاتي للرواية السعودية له في اعتقادنا آثار سلبية كثيرة على النص الروائي ومبدعه، وربما كانت هذه الآثار السلبية معيقة لهما أحيانا، فالنقد السيرذاتي يسطح العمل الروائي ويفقره، وذلك من خلال تركيزه على جانب واحد ضيق من جوانب النص، هو الجانب الفكري المضموني، وإهماله لتحليل التقنيات السردية والأبعاد التخيلية للنص.
فمعلوم أن جماليات السيرة الذاتية وأسرار وجودها مرتبطة ومرتهنة إلى حد كبير بما تحويه «أو يعتقد أنها تحويه» من بوح واعتراف وسرد صادق للحقائق التي تخص حياة كاتبها، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا بأن القراءة السيرذاتية للعمل الأدبي هي في أغلب الأحيان من أسهل القراءات كتابة، ومن أقلها عمقا وثراء.
أما فيما يتعلق بالأثر السلبي الذي يلحقه هذا المنهج النقدي السيرذاتي بالروائي أو المبدع، فإنه يكمن في الربط الحرفي بينه وبين أبطال رواياته، وهو ربط كثيراً ما يوقع الكاتب في حرج شديد مع نفسه ومجتمعه، ويحد من إبداعاته في رسم شخوص روايته واختلاق أحداثها وبنياتها، خاصة عندما يتحول هذا النقد السيرذاتي إلى محاكمة اجتماعية أو أخلاقية له.
إن الأدباء عموما والروائيين خصوصا يعالجون في نصوصهم الإبداعية غالباً موضوعات شائكة ومثيرة ومسكوتا عنها، ويجسدونها في أحداث تقوم بها شخصيات مختلقة تظهر في بعض الأحيان أكثر واقعية من الشخصيات الحقيقية، فلا يعقل أن نربط هذه الشخصيات بكتابها، وأن نطرح في كل مرة نقرأ فيها نصا روائياً سؤالاً مثل: هل هذه الأحداث أو بعضها وقعت للكاتب الروائي نفسه؟، ثم نجري عملية بحث وتحر نقارن فيها بين شخصية بطل الرواية وحياة الكاتب، وأخيراً ينبغي علينا أن نتذكر دائما أن الروائيين مثل الشعراء قد يقولون ما لا يفعلون.
المصدر
http://www.al-jazirah.com/culture/images/culture.jpg
http://www.al-wed.com/pic-vb/239.gif
http://www.palintefada.com/upload/pic/beesssss.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://www.zmzm.net/images/bsmlah.gif
http://img176.imageshack.us/img176/4...noos9ktsx4.gif
"أدب السيرة الذاتية أو الترجمة الذاتية"
http://elevebassatines.site.voila.fr...ral1aquaup.gif
فن السيرة الذاتية أو أدب الترجمة الذاتي عنوان للكتابات الكثيرة التي كتبها بعض الكتاب عن حياتهم الشخصية وبأقلامهم، فوصفوا حياتهم الخاصة وتتبعوا مراحلها أو بعض مراحلها بالتحليل، واعترفوا لنا خلال ذلك بأشياء لم نكن لنعرفها لولا تلك الكتابات.
وهذا الفن الأدبي قديم في الأدب العربي، وليس من الفنون المستحدثة في العصر الحديث كما قد يظن البعض.
فقد كتب بعض القدماء من أعلام الفكر والأدب والعلم كتبا ورسائل عن حياتهم، منها ما كان يهدف إلى الإخبار عن الحياة الشخصية بما عرفته مت تطورات وأحداث، ومنها ما كان يهدف إلى تحليل النفسية، ونفسية المؤلف وحياته العقلية والعاطفية كما فعل الإمام الغزالي في كتابه (المنقذ من الضلال)، وكما فعل الأمير عبد الله آخر ملوك المسلمين بالأندلس في كتابه (المذكرات) وكما فعل المؤرخ ابن خلدون في كتابه (التعريف بابن خلدون).
وفي العصر الحديث اتجه الكثير من الأدباء إلى كتابة الترجمة الذاتية بالأسلوب الحديث، ذي الطابع القصصي الجذاب، والتحليل النفسي الممتع، ومن هؤلاء الدكتور طه حسين في كتابة (الأيام)، والأستاذ أحمد أمين في كتابه (حياتي)، والأستاذ سلامة موسى في كتابه (تربية سلامى موسى)، والأستاذ عبد المجيد بن جلون في كتابه (في الطفولة).
وهناك كتاب آخرون في العصر الحديث لم يكتبوا عن حياتهم بأسلوب صريح، بل كتبوا عن حياتهم، وكأنها حياة شخص آخر. كما فعل عبد الرحمان شكري في كتابه (يوميات مجنون) والأستاذ عبد القادر المازني في كتاب (إبراهيم الكاتب).
ومن مزايا السيرة الذاتية أنها تصف الحياة الواقعية لكاتب من الكتاب في إطار الحياة العام لمجتمع من المجتمعات كالمجتمع المغربي، أو المصري، أو العراقي ... فنطلع من خلالها على الحياة الاجتماعية، ونحيا مع أحداثها وتقاليدها، ونتعلم من صاحبها كيف واجه الحياة، وكيف تصرف، إزاء الأحداث، وكيف تغلب على تحديات البيئة التي عاش فيها، فنتعلم من تلك الحياة الخاصة الشيء الكثير عن النفس الإنسانية ومن تلك المزايا أيضا المتعة الفنية التي نحس بها ونحن نقرأ أساليب أولئك الكتاب في وصفهم وتحليلهم بصدق وأمانة، فنتعلم كيف نعبر وكيف نحس، وكيف نتذوق مختلف الأساليب المعبرة عن التجارب الإنسانية.
المصدر
http://www.al-wed.com/pic-vb/239.gif
http://www.palintefada.com/upload/pic/beesssss.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://www.zmzm.net/images/bsmlah.gif
http://img176.imageshack.us/img176/4...noos9ktsx4.gif
"السردية السيرية"
نبيل سليمان
إذا كانت (السيرة) في الغرب تتجذر في التراث اليوناني والروماني من الوصايا والرسائل والتاريخ ... فانطلاقتها تتعلق بالقرن السادس عشر، حيث تتوالي علاماتها الكبري، ومنها الاعترافات بخاصة، من اعترافات القديس أوغسطين إلي اعترافات تولستوي إلي اعترافات روسو ... وقد كانت السيرة الذاتية ــ أو الترجمة الذاتية كما يؤثر كثيرون ــ مثل المذكرات والرحلات واليوميات والاعترافات، ذلك الينبوع الثر للرواية الغربية.
مقابل ذلك، ثمة في نقدنا الأدبي ما يشطب السيرة من تراثنا السردي، تعويلاً علي ظهور هذا الفن كتعبير عن صعود البورجوازية الأوروبية، بعد فنّ المذكرات الذي ظهر كتعبير عن النظام الإقطاعي السابق، لكأن القرون الأموية أو العباسية أو الأندلسية أو العثمانية أو.. لم تشهد حراكاً طبقياً، ولم تعرف فتنة الأنا التي جاءت (السيرة) تعبيراً عن أسطورتها الفاتنة في الحضارة الغربية، كما عبّر أحدهم.
لكن للسيرة في التراث السردي العربي الإسلامي مدونة كبري، تبدأ بسيرة الرسول صلي الله عليه وسلم، وتتوالي ــ علي سبيل المثال ــ في سيرة معاوية وبني أمية لعوانة الكلبي (ت 147 هـ) وسيرة ابن اسحاق (ت 151 هـ) وسيرة أحمد بن طولون لابن الداية (ت 334 هـ) وسيرة صلاح الدين الأيوبي لابن شداد (ت 622 هـ) وسواها.
وهنا ينبغي التشديد علي ذخائر السيرة الشعبية في تراثنا السردي، من سيرة سيف بن ذي يزن إلي سيرة عنترة إلي سيرة الظاهر بيبرس إلي السيرة الهلالية، وكل ذلك علي سبيل المثال.
أما اللافت هنا فهو أن السردية السيرية احتشفظت بكلمة (السيرة) في السير الشعبية، بينما غلبت عليها كلمة (الترجمة) كلما تعلقت بعلية القوم من حكام وشعراء وكتّاب، لكأن (الترجمة) اقترنت بالأدب الرسمي و(السيرة) اقترنت بالأدب الشعبي. وعلي أية حال فكلمة (الترجمة) القادمة من الآرامية، استعملت في مطلع القرن الهجري السابع بدلالتها علي الحياة الموجزة للفرد، مقابل دلالة (السيرة) علي التاريخ المسهب للفرد. ومنذ معجم ياقوت إلي عهد غير بعيد من نقدنا الأكاديمي، تفرّدت كلمة (الترجمة)، حتي في نقد الرواية، وحسبي هنا الإشارة إلي كتاب عبد المحسن طه بدر (تطور الرواية العربية الحديثة في مصر) حيث أفرد فصلاً لـ (رواية الترجمة الذاتية). ولئن عدنا إلي الوراء قليلاً فسنجد للمستشرقين الألمانيين روزنتال وبروكلمان هذا الكتاب (دراسة الترجمة الذاتية التراثية).
لكن كلمة (الترجمة) الذاتية وغير الذاتية تراجعت، وعادت كلمة (السيرة) الذاتية وغير الذاتية، ومع ما عرفته السردية الروائية وسردية المذكرات والرحلات والنقد الحداثي من نشاط خلال العقدين الماضيين، أخذ السؤال يلح علي السردية السيرية سواء كانت ذاتية أم غيرية، وفي التراث كما في الكتابة المعاصرة، علي الرغم من أن سردية الاعترافات المستقلة أو المتخلَّلة في الرواية وغيرها، ما تزال ضامرة وخجولة جراء الرقيب الذاتي والاجتماعي والسياسي والديني.
بسؤال السردية السيرية ينفتح للكتابة العربية المعاصرة، وللنقد، أفق جديد. وحين يمضي هذا السؤال بخاصة إلي الرواية العربية، ينفتح لها أفق جديد أيضاً مقابل ما بدأ يتضبب من مستقبلها، علي الرغم مما أنجزت، وعلي الرغم من حداثة العهد.
ولقد بدت بالأمس القريب أهمية الحفر الروائي في التراث السردي السيري وغير السيري ــ هل يكفي أن أذكّر برواية جمال الغيطاني (الزيني بركات)؟ ــ وهو ما بدا أيضاً في الدراما التلفزيونية وفي المسرح، لكن التكرار والاجترار وعماء التجريب في أحيان متكاثرة، كل ذلك قد عجّل بانسداد الطريق، وهو ما يتطلب ــ من بين ما يتطلب، اجتراح علاقة جديدة مع التراث السردي السيري، حيث تنادي سير الرازي وابن الهيثم والشعراني والحلاج والغزالي والمحاسني والسخاوي والسيوطي وابن الخطيب و...، وحيث ما زالت تنادي السير التي جري عليها اشتغال معاصر ما، كسيرة ابن حزم (طوق الحمامة) أو أسامة بن منقذ (الاعتبار) أو الأمير عبد الله آخر ملوك غرناطة أو ابن خلدون (التعريف بابن خلدون ورحلته شرقاً وغرباً)...
فوق هذه الطبقات السردية جاءت منذ القرن التاسع عشر طبقات متتالية مما كتب الشدياق ومحمد كردعلي والعقاد وطه حسين وأحمد أمين ومحمود كامل المحامي وسيد عويس ومحمود المسعدي و.. ومن عهد أقرب جاءت السرديات السيرية التي كتبها عزيز السيد جاسم وفدوي طوقان وفاطمة المرنيسي وأكرم الحوراني وخالد العظم و.. حتي شاع في مصر القول إننا في (مولد السيرة)، وكل ذلك من دون الإشارة إلي ما بلغته السيرة الروائية، وإلى ما بلغته السيرة التلفزيونية (هل يكفي التمثيل ببرنامج قناة الجزيرة: شاهد علي العصر)، وقد يأخذ الامتلاء والاعتزاز من يأخذان أمام هذا التراكم، لكن سؤال السردية السيرية بتطلع إلى أفق جديد، يستثمر ما أنجز في الأمس البعيد كما في الأمس القريب، كي يواجه التحدي بتجاوز ما أنجز، وببعض ذلك سيكون للرواية والدراما التلفزيونية، وللكتابة السيرية بعامة، كما للنقد، منعطف جديد.
المصدر
http://www.al-wed.com/pic-vb/239.gif
http://www.palintefada.com/upload/pic/beesssss.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://www.zmzm.net/images/bsmlah.gif
http://img176.imageshack.us/img176/4...noos9ktsx4.gif
"الترجمة الذاتية في الأدب العربي الحديث"
يحيى إبراهيم عبد الدايم
http://www.neelwafurat.com/images/lb...127/127425.gif
- الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع.
- تاريخ النشر: 01/01/1982
- 504 صفحة - الطبعة:1 - مجلدات: 1
الترجمة الذاتية أحد الفنون الأدبية الأصيلة التي عرضها أدبنا العربي منذ أزمان بعيدة لكنها لم تحظ بالدرس الكافي كما أهملت كنوع أدبي متميز ومنفرد بخصوصيته عن بقية الفنون الأدبية المعروفة أما الدراسات المتوفرة فهي تتسم بأنها غير متعمقة وتنحو منحى تاريخياً ولا تقدم فهماً واضحاً لفن الترجمة الذاتية، من هنا عكف الدكتور يحي إبراهيم عبد الدايم إلى وضع هذه الدراسة المعمقة التي أراد من خلالها أن يقف على مفهوم الترجمة الذاتية وعلى الملامح البارزة في بنائها.
فعرض في دراسته التي تتألف من أربعة أبواب إلى مدلول الترجمة الذاتية والمحاولات الأولى للترجمة الذاتية في العصر الحديث إذ خصص لها الباب الأول مؤكد أن الترجمة الذاتية الفنية ليست هي تلك التي يكتبها صاحبها على شكل مذكرات يعنى فيها بتصوير الأحداث التاريخية أكثر من عنايته بتصوير واقعه الذاتي، أما الباب الثاني فقد كرسه لمعالم الترجمة الذاتية في الأدب العمري الحديث.
في حين تناول في الباب الثالث الترجمة الذاتية في الإطار السياسي متخذاً من كتابات لطفي السيد وعبد العزيز فهمي وهيكل نماذجاً للدراسة، كما يعرض في الباب الرابع (للترجمة الذاتية في الإطار الفكري)، ويختار لذلك نماذج من العقاد في كتاب "أنا" وأحمد أمين، وميخائيل نعيمة، وطه حسين.
http://www.al-wed.com/pic-vb/239.gif
http://www.palintefada.com/upload/pic/beesssss.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://www.zmzm.net/images/bsmlah.gif
http://img176.imageshack.us/img176/4...noos9ktsx4.gif
"إبن خلدون .. سيرة ومسيرة"
يعد (ابن خلدون) عبقرية عربية متميزة، فقد كان عالمًا موسوعيًا متعدد المعارف والعلوم، وهو رائد مجدد في كثير من العلوم والفنون، فهو المؤسس الأول لعلم الاجتماع، وإمام ومجدد في علم التأيخ، وأحد رواد فن (الأتوبيوجرافيا) ـ فن الترجمة الذاتية ـ كما أنه أحد العلماء الراسخين في علم الحديث، وأحد فقهاء المالكية المعدودين، ومجدد في مجال الدراسات التربوية، وعلم النفس التربوي والتعليمي، كما كانت له إسهامات متميزة في التجديد في أسلوب الكتابة العربية.
نشأة (ابن خلدون) وشيوخه
ولد ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن خالد (خلدون) الحضرمي في تونس في غرة رمضان 732هـ، ونشأ في بيت علم ومجد عريق، فحفظ القرآن في وقت مبكر من طفولته، وقد كان أبوه هو معلمه الأول، كما درس على مشاهير علماء عصره، من علماء الأندلس الذين رحلوا إلى تونس بعدما ألم بها من الحوادث، فدرس القراءات وعلوم التفسير والحديث والفقه المالكي، والأصول والتوحيد، كما درس علوم اللغة من نحو وصرف وبلاغة وأدب، ودرس كذلك علوم المنطق والفلسفة والطبيعية والرياضيات، وكان في جميع تلك العلوم مثار إعجاب أساتذته وشيوخه
وباء الطاعون يعصف بشيوخ (ابن خلدون)، وعندما حدث وباء الطاعون الذي انتشر عام 749هـ وعصف بمعظم أنحاء العالم شرقًا وغربًا، كان لهذا الحادث أثر كبير في حياة (ابن خلدون)؛ فقد قضى على أبويه كما قضى على كثير من شيوخه الذين كان يتلقى عنهم العلم في (تونس)، أما من نجا منهم فقد هاجر إلى المغرب الأقصى سنة 750هـ فلم يعد هناك أحد يتلقى عنه العلم أو يتابع معه دراسته.
فاتجه إلى الوظائف العامة، وبدأ يسلك الطريق الذي سلكه أجداده من قبل، والتحق بوظيفة كتابية في بلاط بني مرين، ولكنها لم تكن لترضي طموحه، وعينه السلطان (أبو عنان) ـ ملك المغرب الأقصى ـ عضوًا في مجلسه العلمي بفاس، فأتيح له أن يعاود الدرس على أعلامها من العلماء والأدباء الذين نزحوا إليها من (تونس)، و(الأندلس)، و(بلاد المغرب).
في بلاط أبي سالم
ولكن سرعان ما انقلبت الأحوال بابن خلدون حينما بلغ السلطان (أبو عنان) أن (ابن خلدون) قد اتصل بأبي عبد الله محمد الحفصي ـ أمير (بجاية) المخلوع ـ وأنه دبر معه مؤامرة لاسترداد ملكه، فسجنه أبو عنان، وبرغم ما بذله ابن خلدون من شفاعة ورجاء فإن السلطان أعرض عنه، وظل (ابن خلدون) في سجنه نحو عامين حتى توفي السلطان سنة 759هـ.
ولما آل السلطان إلى (أبي سالم أبي الحسن) صار (ابن خلدون) ذا حظوة ومكانة عظيمة في ديوانه، فولاه السلطان كتابة سره والترسيل عنه، وسعى (ابن خلدون) إلى تحرير الرسائل من قيود السجع التي كانت سائدة في عصره، كما نظم الكثير من الشعر في تلك المرحلة التي تفتحت فيها شاعريته.
طموح ابن خلدون
وظل (ابن خلدون) في تلك الوظيفة لمدة عامين حتى ولاه السلطان (أبو سالم) خطة المظالم، فأظهر فيها من العدل والكفاية ما جعل شأنه يعظم حتى نَفَسَ عليه كثير من أقرانه ومعاصريه ما بلغه من شهرة ومكانة، وسعوا بالوشاية بينه وبين السلطان حتى تغير عليه.
فلما ثار رجال الدولة على السلطان أبي سالم وخلعوه، وولوا مكانه أخاه (تاشفين) بادر (ابن خلدون) إلى الانضمام إليه، فأقره على وظائفه وزاد له في رواتبه، ولكن طموح (ابن خلدون) كان أقوى من تلك الوظائف؛ فقرر السفر إلى (غرناطة) بالأندلس في أوائل سنة764هـ.
الفرار من جديد
وظل ابن خلدون في رغدة من العيش وسعة من الرزق والسلطان حتى اجتاح (أبو العباس أحمد) ـ صاحب (قسطنطينة) ـ مملكة ابن عمه الأمير (أبي عبد الله) وقتله واستولى على البلاد، فأقر (ابن خلدون) في منصب الحجابة حينا، ثم لم يلبث أن عزله منها.
مولد (المقدمة) في (قلعة ابن سلامة)
ترك ابن خلدون أسرته بفاس ورحل إلى الأندلس من جديد، فنزل في ضيافة سلطانها (ابن الأحمر) حينًا، ثم عاد إلى (المغرب) مرة أخرى، وقد عقد العزم على أن يترك شؤون السياسة، ويتفرغ للقراءة والتصنيف.
واتجه (ابن خلدون) بأسرته إلى أصدقائه من (بني عريف)، فأنزلوه بأحد قصورهم في (قلعة ابن سلامة) ـ بمقاطعة ـ(وهران) بالجزائر ـ وقضى (ابن خلدون) مع أهله في ذلك المكان القصي النائي نحو أربعة أعوام، نعم خلالها بالهدوء والاستقرار، وتمكن من تصنيف كتابه المعروف (كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر)، والذي صدره بمقدمته الشهيرة التي تناولت شؤون الاجتماع الإنساني وقوانينه، وقد فرغ (ابن خلدون) من تأليفه وهو في نحو الخامسة والأربعين بعد أن نضجت خبراته، واتسعت معارفه ومشاهداته.
ابن خلدون في مصر
وصل (ابن خلدون) إلى الإسكندرية في غرة شوال 784هـ فأقام بها شهرًا ليستعد لرحلة السفر إلى (مكة)، ثم قصد ـ بعد ذلك ـ إلى (القاهرة)، فأخذته تلك المدينة الساحرة بكل ما فيها من مظاهر الحضارة والعمران، وقد وصف (ابن خلدون) وقعها في نفسه وصفا رائعًا، فقال: (فرأيت حاضرة الدنيا، وبستان العالم، ومحشر الأمم، وكرسي الملك، تلوح القصور والأواوين في جوه، وتزهر الخوانك والمدارس بآفاقه، وتضيء البدور والكواكب من علمائه، وقد مثل بشاطئ بحر النيل نهر الجنة، ومدفع مياه السماء، يسقيهم النهل والعلل سيحه، ومررت في سكك المدينة تغص بزحام المارة، وأسواقها تزجر بالنعم)..
العودة إلى القضاء
وعندما عاد (ابن خلدون) إلى (مصر) سعى لاسترداد منصب قاضي القضاة، حتى نجح في مسعاه، ثم عزل منه بعد عام في رجب 804هـ، ولكنه عاد ليتولاه مرة أخرى في ذي الحجة 804هـ انتهت بوفاته في 26 من رمضان 808هـ عن عمر بلغ ستة وسبعين عامًا.
ابن خلدون .. مؤسس علم الاجتماع
يعد ابن خلدون المنشئ الأول لعلم الاجتماع، وتشهد مقدمته الشهيرة بريادته لهذا العلم، فقد عالج فيها ما يطلق عليه الآن (المظاهر الاجتماعية)ـ أو ما أطلق عليه هو (واقعات العمران البشري)، أو (أحوال الاجتماعي الإنساني).
وقد اعتمد ابن خلدون في بحوثه على ملاحظة ظواهر الاجتماع في الشعوب التي أتيح له الاحتكاك بها، والحياة بين أهلها، وتعقب تلك الظواهر في تاريخ هذه الشعوب نفسها في العصور السابقة.
وقد كان (ابن خلدون) ـ في بحوث مقدمته ـ سابقًا لعصره، وتأثر به عدد كبير من علماء الاجتماع الذين جاءوا من بعده مثل: الإيطالي (فيكو)، والألماني (ليسنغ)، والفرنسي (فولتير)، كما تأثر به العلامة الفرنسي الشهير (جان جاك روسو) والعلامة الإنكليزي (مالتس) والعلامة الفرنسي (أوغيست كانط).
ابن خلدون وعلم التأريخ
تبدو أصالة ابن خلدون وتجديده في علم التأريخ واضحة في كتابه الضخم (العبر وديوان المبتدأ والخبر) وتتجلى فيه منهجيته العلمية وعقليته الناقدة والواعية، حيث إنه يستقرئ الأحداث التأريخية، بطريقة عقلية علمية، فيحققها ويستبعد منها ما يتبين له اختلاقه أو تهافته.
أما التجديد الذي نهجه (ابن خلدون) فكان في تنظيم مؤلفه وفق منهج جديد يختلف كثيرًا عن الكتابات التأريخية التي سبقته، فهو لم ينسج على منوالها مرتبًا الأحداث والوقائع وفق السنين على تباعد الأقطار والبلدان، وإنما اتخذ نظامًا جديدًا أكثر دقة، فقد قسم مصنفه إلى عدة كتب، وجعل كل كتاب في عدة فصول متصلة، وتناول تاريخ كل دولة على حدة بشكل متكامل، وهو يتميز عن بعض المؤرخين الذين سبقوه إلى هذا المنهج كالواقدي، والبلاذري، وابن عبد الحكم، والمسعودي بالوضوح والدقة في الترتيب والتبويب، والبراعة في التنسيق والتنظيم والربط بين الأحداث. ولكن يؤخذ عليه أنه نقل روايات ضعيفة ليس لها سند موثوق به.
ابن خلدون رائد فن الترجمة الذاتية
كذلك فإن ابن خلدون يعد رائدًا لفن الترجمة الذاتية ـ الأوتوبيوغرافيا ـ ويعد كتابه (التعريف بابن خلدون ورحلته غربًا وشرقًا) ـ من المصادر الأولى لهذا الفن، وبرغم أنه قد سبقته عدة محاولات لفن الترجمة الذاتية مثل (ابن حجر العسقلاني) في كتابه (رفع الإصر عن قضاة مصر) ولسان الدين بن الخطيب في كتابه (الإحاطة في أخبار غرناطة)، وياقوت في كتابه (معجم الأدباء). فإنه تميز بأنه أول من كتب عن نفسه ترجمة مستفيضة فيها كثير من تفاصيل حياته وطفولته وشبابه إلى ما قبيل وفاته.
ابن خلدون شاعرًا
نظم ابن خلدون الشعر في صباه وشبابه وظل ينظمه حتى جاوز الخمسين من عمره، فتفرغ للعلم والتصنيف، ولم ينظم الشعر بعد ذلك إلا نادراً.
ويتفاوت شعر ابن خلدون في الجودة، فمنه ما يتميز بالعذوبة والجودة ودقة الألفاظ وسمو المعاني، مما يضعه في مصاف كبار الشعراء، وهو القليل من شعره، ومنه ما يعد من قبيل النظم المجرد من روح الشعر، ومنه ما يعد وسطًا بين كلا المذهبين، وهو الغالب على شعره.
وبعد، فلقد كان ابن خلدون مثالا للعالم المجتهد والباحث المتقن، والرائد المجدد في العديد من العلوم والفنون، وترك بصمات واضحة لا على حضارة وتاريخ الإسلام فحسب، وإنما على الحضارة الإنسانية عامة، وما تزال مصنفاته وأفكاره نبراسًا للباحثين والدارسين على مدى الأيام والعصور.
المصدر
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://www.zmzm.net/images/bsmlah.gif
http://img176.imageshack.us/img176/4...noos9ktsx4.gif
"حياتي"
الدكتور
أحمد أمين
http://www.neelwafurat.com/images/lb...158/158414.gif
- الناشر: المكتبة العصرية للطباعة والنشر.
- تاريخ النشر: 05/10/2007
- 208 صفحة - الطبعة:1 - مجلدات: 1
"حياتي" للدكتور أحمد أمين كتاب شيق يسرد حياة الدكتور أحمد أمين، يحكي قصة طفولة وصبا ورجولة وشيخوخة الكاتب من مدرسة "أم عباس" الابتدائية النموذجية التي أسستها إحدى أميرات القصر الملكي "أم الخديوي عباس"، إلى الأزهر ومدرسة القضاء وتنقله في مناصب القضاء والتدريس، وصولاً إلى الجامعة أستاذاً وعميداً في كلية الآداب. ويعرض الكتاب من خلال حياة المؤلف الفنية لتطور الحياة الاجتماعية والثقافية، وإلى حد ما السياسية، في مصر منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى أواسط القرن العشرين، والتجارب التي مر بها في مراحل حياته الفنية وأسفاره داخل مصر وخارجها، ومساهماته في العديد من المؤتمرات في أوروبا، وإطلاعه على حياة الكثير من شعوبها ومقارنة ما فيها من مدنية وعمران ورقي بما في مصر من أوضاع، ويتحدث أيضاً عن نشاطه الواسع.
http://www.neelwafurat.com/images/lb...n/84/84841.gif
- الناشر: دار الكتاب العربي.
- تاريخ النشر: 01/01/2005
- 303 صفحة - الطبعة:1 - مجلدات: 1
ليس أصعب من الكتابة حين يضطر المرء للكتابة عن نفسه، وفي هذا الكتاب العارض فيه والمعروض هو أحمد أمين الذي دون مذكراته اليومية في هذه الصفحات، التي شكل مجموعها خير مرجع لمن يدرس أحمد أمين كرائد من رواد الإصلاح والحركة الفكرية العربية الحديثة، ومنه يستشف الباحث أثر العوامل والظروف التي اجتمعت لتكون شخصية كاتب السيرة والتي شكلت سلوكه وأخلاقه.
بالإضافة إلى ذلك يعتبر الكتاب مرجعاً تاريخياً يؤرخ للنهضة المصرية الحديثة التي بدأت بوادرها في أواخر القرن التاسع عشر إذ يقف القارئ على دور الحركات الاجتماعية والسياسية التي واكبت مسيرة النهضة المصرية وعاصرها المؤلف.
http://www.al-wed.com/pic-vb/239.gif
http://www.palintefada.com/upload/pic/beesssss.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://www.zmzm.net/images/bsmlah.gif
http://img176.imageshack.us/img176/4...noos9ktsx4.gif
"الترجمة في أدبيات الإمام حسن البنا"
الدكتور
http://www.odabasham.net/images/jaber-komeha.jpg
جابر قميحة
يقصد بالترجمة –في إيجاز شديد- عرض حياة الشخصية. مع ملاحظة تنوع مناهج هذا العرض، وهي نوعان:
(1) الترجمة الذاتية أو الشخصية
AUTOBIOGRAPHY
وهي التي تتناول حياة الكاتب نفسه بقلمه، ويكشف بها عن ملامحه، وسيرورة هذه الحياة.
ويذهب بعض النقاد المحدثين إلى أن الترجمة الذاتية الفنية ليست هي التي يكتبها صاحبها على شكل "مذكرات" يعنى فيها بتصوير الأحداث التاريخية أكثر من عنايته بتصوير واقعه الذاتي، وليست هي التي تكتب على صورة "ذكريات" يعنى فيها صاحبها بتصوير البيئة والمجتمع والمشاهدات أكثر من عنايته بتصوير ذاته، وليست هي المكتوبة على شكل "يوميات" تبدو فيها الأحداث على نحو غير رتيب، وليست في آخر الأمر "اعترافات" يخرج فيها صاحبها على نهج الاعتراف الصحيح، وليست هي "الرواية الفنية" التي تعتمد في أحداثها ومواقفها على الحياة الخاصة لكاتبها.
فكل هذه الأشكال فيها ملامح الترجمة الذاتية، وليست هي؛ لأنها تفتقر إلى كثير من الأسس التي تعتمد عليها الترجمة الذاتية الفنية(1).
***
ولكن هذا الرأي – أو هذا التنظير - لا يخلو من التشدد، بل من الإجحاف والاعتساف:
- فمن حق كاتب الترجمة الذاتية أن يتخذ لها الشكل أو القالب الذى يراه ملائما، فيكتب ترجمته في شكل حكائي، أو في شكل مذكرات أو اعترافات.
- والناقد نفسه (الدكتور يحي إبراهيم) قد اعتبر "اعترافات القديس أوغسطين" أشهر التراجم الذاتية في العصور الوسطى، وهى تمثل في رأيه قمة الاعترافات، وقد حذا حذوها من كتب بعده..(2)
- واهتمام كاتب الترجمة الذاتية بالأحداث العامة، وتيارات البيئة لا يضعف من بناء الترجمة الذاتية .. فهذا الاهتمام يمثل بصدق مدى إحساس الكاتب بالجو الذي يعيش فيه، واستجابته له، أو تمرده عليه، أي يمثل موقفه من عصره بيئة وزمنا.
ومن يستطيع أن ينكر تلك الترجمة الذاتية التي سجلها أسامة بن منقذ في كتابه "الاعتبار" وهي مذكرات بديعة تصور لنا الفروسية العربية زمن الصليبيين، كما تصور حياة المسلمين لعصره،وحياة الصليبيين، وهو تصوير أمين دقيق(3).
ويتحدث أسامة عن أعدائه وأعداء المسلمين بروح الإنصاف والعدل، فيذكر ما لهم وما عليهم..(4)
- و"اعترفات جان جاك روسو" تعتبر من أشهر التراجم الذاتية، مع أن حظ البيئة والمجتمع ورجال الدين والكنيسة حظ وافر في كل صفحات هذه الاعترافات.
- وفكرة "الواقع الذاتي" التي ألمح إليها الكاتب بهذا التحديد الإنعزالي الحاد لا وجود لها إلا في الخيال: فالكاتب لا يمكن أن يصور ملامحه الذاتية، وخصائصه النفسية والعقلية والخلقية وقيمه التي يؤمن بها إلا في ظل البيئة التي يمثل هو نقطة سابحة في سمائها، أو نبتة ناجمة في أرضها، وخصوصا إذا كانت أحداث عصره من الوقائع المتوهجة الكبيرة التي غيرت مجرى التاريخ أو تركت بصماتها غائرة على صفحته.
- وليس المهم في الترجمة الذاتية أي الجانبين أغلب: تصوير الذات أم تصوير الأحداث والتيارات الاجتماعية وما شابهها، بل المهم أن يحدد الكاتب مكانه في زحمة هذه الأحداث، وتلك التيارات، ومدى تفاعله معها إقبالا واستجابة وانسجاما، أو معارضة وتمردا،بحيث تكون شخصيته هي نقطة الارتكاز، ثم لا يقاس حظ كاتب الترجمة وحظ البيئة قياسا كميا. بل ليُبحث في الترجمة عن الأبعاد والأعماق، ومدى إحساس الكاتب وصدقه فيما كتب.
***
(2) الترجمة الغيرية
BIOGRAPHY
وإذا كانت الترجمة الذاتية تمثل تاريخ كاتبها، فإن الترجمة الغيرية تصوير لتاريخ الآخرين، وقد عرفها بعض الكتاب - في صورتها المثلى بأنها "البحث عن الحقيقة في حياة إنسان فذ،والكشف عن مواهبه، وأسرار عبقريته من ظروف حياته التي عاشها، والأحداث التي واجهها في محيطه، والأثر الذى خلفه في جيله"(5)
والتعريف السابق قد يمثل المناهج الحديثة في كتابة التراجم الغيرية، أو بعضها على الأقل، ولكنه لا يتسع للمنهج التقليدى القديم في كتابة الترجمة الغيرية، وأعني به "المنهج السردي"، وهو ذلك المنهج الذي يعتمد على مجرد رصد الحقائق والأخبار عن المترجم له، دون البحث في الدلالات النفسية والعقلية، والخلقية، والاجتماعية لها.
فالمترجم هنا بمقام الجامع الراصد دون تدخل منه في الغالب(6).
والذى يهمنا في دراستنا هذه النوع الأول من التراجم أى: الترجمة الذاتية لأن كتاب الإمام الشهيد "مذكرات الدعوة والداعية" ينتسب في رأينا إلى هذا النوع بالمقاييس التي ذكرناها آنفا.
وفي الصفحات الآتية نعرض في إيجاز طبيعة التوجه الموضوعي وملامح المنهج في هذا الكتاب:
مذكرات الدعوة والداعية
كتب أبو الحسن الندوي في تقديمه لهذا الكتاب ".. ألفيته كتابا أساسيا، ومفتاحا رئيسيا لفهم دعوة الإمام الشهيد وشخصيه، وفيه يجد القارئ منابع قوته، ومصادر عظمته، وأسباب نجاحه واستحوازه على النفوس: وهي سلامة الفطرة، وصفاء النفس، وإشراق الروح، والغيرة على الدين، والتحرك للإسلام، والتوجع من استشراء الفساد، والاتصال الوثيق بالله تعالى، والحرص على العبادة، وشحن "بطارية القلب" بالذكر والدعاء والاستغفار، والخلوة في الأسحار، والاتصال المباشر بالشعب، وعامة الناس في مواضع اجتماعهم، ومراكز شغلهم وهوايتهم، والتدرج، ومراعاة الحكمة في الدعوة والتربية والنشاط الدائم، والعمل الدائب. وهذه الخلال كلها هي أركان دعوة إسلامية ربانية، وحركة دينية تهدف إلى أن تحدث في المجتمع ثورة إصلاحية بناءة، وتغير مجرى الحوادث والتاريخ.."(7)
وفي هذا الجزء من التقديم صورة نفسية مركزة للإمام الشهيد، والصلة الوثيقة بين شخصية الداعي وطبيعة الدعوة الإسلامية.
ومن عجب أن نرى الإمام الشهيد في صدر تقديمه يوصي الذين يعرضون للعمل العام، ويرون أنفسهم عرضة للاحتكاك بالحكومات ألا يحرصوا على الكتابة.
وهو يطرح هذا التوجيه بعد أن عثرت النيابة على مذكراته الخاصة سنة 1943، وقد لقى من المحقق عنتا وإرهاقا في غير جدوى ولا طائل ولا موجب إلا تحميل الألفاظ غير ما تحمل، واستنباط النتائج التي لا تؤدي إليها المقدمات بحجة أن هذه هي مهمة النيابة العمومية باعتبارها سلطة اتهام(ثمانية).
وقد ضاعت معظم هذه المذكرات المكتوبة. فأعاد كتابة مذكراته التي بين أيدينا اعتمادا على الذاكرة، وقد رأينا أنه كان يتمتع بقوة في الحفظ نادرة الشبيه.
***
وفي هذه الترجمة الذاتية تتعدد المحاور والتلاحم بين العناصر الموضوعية الآتية:
1- التصوير الذاتي، وعرض مشاعره ورؤيته الخاصة للوقائع والأحداث والشخصيات.
2- مسيرة الدعوة من بدايتها في الإسماعيلية والانتقال إلى القاهرة، ونشرها في عدد كبير من المدن والقرى المصرية، وجهود رجالها، وما تعرضوا له من مؤامرات ومحن.
3- موقف الإخوان من الأحداث، ومن قضية فلسطين وقضايا العالم الإسلامي.
4- عرض نظام الجماعة، ومجالسها، ولوائحها، ووجوه نشاطها الدعوي، والثقافي، والتربوي.
***
وفي كل المواقف والأحداث والوقائع يرى القارئ للإمام الشهيد حضورا قويا، ومعايشة صادقة، يستوي في ذلك ما كبر منها وما صغر.
وفي ما يزيد على ثلاثمائة صفحة يعرض الإمام الشهيد الأحداث بطريقة عفوية مرسلة، ابتداء من التحاقه بمدرسة الرشاد الدينية، وقد استغرقت هذه الفترة من عمره من الثامنة إلى الثانية عشرة، وبعدها التحاقه بالمدرسة الإعدادية، ثم مدرسة المعلمين الأولية بدمنهور، واندماجه في الطريقة الحصافية، واشتراكه في الحركة الوطنية سنة 1919.
ثم التحاقه بدار العلوم، وتخرجه فيها سنة 1927، وتعيينه مدرسا في الإسماعيلية. وتكوينه أول شعبة للإخوان من ستة أشخاص.
وبعدها اتسعت جهود الإمام الشهيد، وبارك الله قدرته في نشر الدعوة في الإسماعيلية، وخارجها مثل : أبو صير، وبورسعيد، ومدن البحر الصغير.
وبعد مجهودات صادقة في نشر الدعوة انتقل الإمام إلى القاهرة لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل الدعوة قبل الحرب العالمية الثانية.
***
وفي تفصيل مطرد يعرض الإمام أنواع نشاط الإخوان في هذه الفترة التي استغرقت سبع سنين، وانتظم الأنواع الآتية:
1- المحاضرات والدروس في الدور والمساجد، وتأسيس درس الثلاثاء
2- إصدار رسالة المرشد العام عددين فقط، ثم مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية أولا وثانيا، وفي أثناء ذلك مجلة النذير لسنتين من أول عهدها.
3- إصدار عدد من الرسائل والنشرات.
4- إنشاء الشعب في القاهرة، زيادة شعب الأقاليم، ونشر الشعب في الخارج.
5- تنظيم التشكيلات الكشفية والرياضية.
6- تركيز الدعوة في الجامعة والمدارس، وإنشاء قسم الطلاب، والانتفاع بجهود الأزهر الشريف: علمائه وطلابه.
7- إقامة عدة مؤتمرات دورية للإخوان في القاهرة والأقاليم.
8- المساهمة في إحياء الاحتفالات الإسلامية، والذكريات المجيدة في القاهرة والأقاليم كذلك.
9- المساهمة في مناصرة القضايا الإسلامية الوطنية، وبخاصة قضية فلسطين.
10- تناول الناحية الإصلاحية السياسية والاجتماعية بالبيان والإيضاح والتوجيه، وكتابة المذكرات والمقالات والرسائل بهذا الخصوص.
11- المساهمة في الحركات الإسلامية، كحركة مقاومة التبشير، وحركة تشجيع التعليم الديني.
12- مهاجمة الحكومات المقصرة إسلاميا، ومهاجمة الحزبية والدعوة –في وضوح- إلى المنهاج الإسلامي، وتأليف اللجان لدراسات فنية في هذه النواحي(9).
* * *
وقد أخذ الإخوان أنفسهم عمليا بهذا التخطيط، وخصوصا ما عرضه الإمام من جهود الإخوان في منطقتي المنزلة وبورسعيد في مقاومة التبشير(10).
وعرض الإمام نص العريضة التي رفعها مجلس الشورى العام للإخوان إلى الملك فؤاد لحماية الشعب من عدوان المبشرين الصارخ على عقائده وأبنائه، وفلذات كبده، بتكفيرهم وتشريدهم، وإخفائهم، وتزويجهم من غير أبناء دينهم...(11).
ويعرض الإمام النظام الإداري للجماعة، ونشاط الإخوان في الجامعة والمدارس العليا. ونماذج من مؤتمرات الإخوان في الأقاليم، ونموذجا من اجتماعات الجمعية العمومية للإخوان في الأقاليم. وقرارات مكتب الإرشاد ونظامه، وموقف الإخوان من الآخرين.
وعرض الإمام لجهود الإخوان لنشر الدعوة في الأقطار الشقيقة، وزيارة مجموعة من الإخوان إلى دمشق وبيروت.
ولأول مرة نقرأ في المذكرات تاريخا يوميا (يوميات) لزيارة الإمام للصعيد سنة 1354(12).
وصور الإمام موقف الإخوان من قضية فلسطين، وكثيرا من لوائح وتنظيمات الإخوان المالية والإدارية. ومظاهر النشاط الأسبوعي والرحلات، ومعسكرات الصيف.
وعرض نص المذكرة الطويلة التي رفعها إلى رئيس الحكومة على ماهر باشا في شعبان 1358- أكتوبر 1939 (أي بعد قيام الحرب العالمية الثانية بأيام) شارحا رأى الإخوان في موقف مصر الدولي، ورأيهم في الإصلاح الداخلي(13).
***
وقد رأينا أن الإمام الشهيد –وهو مرشد جماعة، وحامل رسالة- يعطي اهتماما كبيرا للوقائع والأمور العامة، ومسيرة الجماعة ونظامها، ومواقفها من الحكام والقضايا. وهو خط يمثل محورا أو جزءا من المنهج.
ولكن هذا الاهتمام لم يكن على حساب عرض الوقائع الخاصة، والرؤى الذاتية. ومن هذه الوقائع واقعة الرؤيا الصالحة التي رآها ليلة امتحان النحو والصرف(14).
وحادثة زميله في الدراسة والسكن، وقد كان يحقد عليه تفوقه في الدراسة، مما دفعه إلى أن يصب على وجهه وعنقه وهو نائم زجاجة من صبغة اليود المركزة، ولكن الله مكنه من التغلب على الأخطار بغسل الوجه(15).
ويتحدث عن صداقته لأحمد السكري، وفتحه دكانا لتصليح الساعات في مدينة المحمودية في العطلة الصيفية، والهدف الأساسي من ذلك هو قضاء العطلة مع صديقه الحميم أحمد السكري. وأثناء ذلك كان –كما قال- يجد سعادتين في هذه الحياة: سعادة الاعتماد على النفس، والكسب من عمل اليد، وسعادة الاجتماع بالأخ أحمد أفندي (السكري)، وقضاء الوقت معه، ومع (الطريقة) الحصافية، وقضاء ليالي هذه الإجازة معهم يذكرون الله، ويتذاكرون العلم في المسجد تارة، وفي المنازل تارة، وفي الخلوات بظاهر البلد تارة أخرى(16).
ويقدم صورة طريفة للمنزل الذى استأجر دوره العلوي وبعض زملائه في الإسماعيلية، واستؤجر دوره الأوسط مجتمعا لمجموعة من المسيحيين، اتخذوا منه ناديا وكنيسة، ودوره الأسفل مجتمعا لمجموعة من اليهود، اتخذوا منه ناديا وكنيسة، وكان مع زملائه يقيمون الصلاة، ويتخذون هذا المسكن مصلى، فكأنما كان هذا المنزل يمثل الأديان الثلاثة(17).
وفي تضاعيف المذكرات نلتقي كثيرا من آراء الإمام الشهيد ونظراته الخاصة البناءة في شتى الأوضاع والمجالات، مثال ذلك ما كتبه عن آليات نهضة الأمة ومرتكزاتها، وأهمها "التربية"، فتربّى الأمة أولا، وتفهم حقوقها تماما، وتتعلم الوسائل التى تنال بها هذه الحقوق، وتربى على الإيمان بها، ويبث في نفسها هذا الإيمان بقوة.. أي تدرس منهاج تهضتها درسا نظريا وعمليا وروحيا(ثمانية عشر).
كما يرى أنه لا نهوض لأمة بغير خلق، فإذا استطاعت الأمة أن تتشبع بروح الجهاد والتضحية، وكبح جماح النفوس والشهوات أمكنها أن تنجح، بمعنى أن الأمة إذا استطاعت أن تتحرر من قيود المطالب النفسية، والكمالات الحيوية أمكنها أن تتحرر من كل شيء، فليكن حجر الزاوية إصلاح خلق الأمة(19).
وهو إذا عرض الذاتي الخاص فلينطلق منه إلى العام لاستخلاص ما ينفع ويفيد في مجال الدعوة والمجتمع، مع إخضاع الرؤية الخاصة للتجريب العملي، ومن أشهر الوقائع في هذا المقام ما عرضه على إخوانه من الدعوة في المقاهي، وعارضه إخوانه بمقولة: إن أصحاب القهاوي لا يسمحون بذلك، ويعارضون فيه، لأنه يعطل أشغالهم، وإن جمهور الجالسين على هذه المقاهي قوم منصرفون إلى ما هم فيه. وليس أثقل عليهم من الوعظ، فكيف نتحدث في الدين والأخلاق لقوم لا يفكرون إلا في هذا اللهو الذي انصرفوا إليه؟
يقول الإمام: وكنت أخالفهم في هذه النظرة، وأعتقد أن هذا الجمهور أكثر استعدادا لسماع العظات من أي جمهور أخر حتى جمهور المسجد نفسه، لأن هذا شيء طريف وجديد عليه، والعبرة بحسن اختيار الموضوع، فلا نتعرض لما يجرح شعورهم، وبطريقة العرض فنعرض بأسلوب شائق جذاب، وبالوقت فلا نطيل عليهم القول.
ولما طال بنا الجدل حول هذا الموضوع قلت لهم: ولم لا تكون التجربة هي الحد الفاصل في الأمر؟ فقبلوا ذلك، وخرجنا، فبدأنا بالقهاوي الواقعة بميدان صلاح الدين، وأولها السيدة عائشة، ومنها إلى القهاوي المنتشرة في أحياء طولون إلى أن وصلنا من طريق الجبل إلى شارع سلامة والسيدة زينب، وأظنني ألقيت في هذه الليلة أكثر من عشرين خطبة تستغرق الواحدة منها ما بين خمس دقائق إلى عشر.
ولقد كان شعور السامعين عجيبا، وكانوا ينصتون في إصغاء، ويستمعون في شوق، وكان أصحاب المقاهي ينظرون بغرابة أول القول، ثم يطلبون المزيد بعد ذلك، وكان هؤلاء يقْسمون –بعد الخطبة- أننا لابد أن نشرب شيئا، أو نطلب طلبات، فكنا نعتذر لهم بضيق الوقت، وبأننا نذرنا هذا الوقت لله، فلا نريد أن نضيعه في شيء. وكان هذا المعنى يؤثر في أنفسهم كثيرا، ولا عجب فإن الله لم يرسل نبيا، ولا رسولا إلا كان شعاره الأول ﴿ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ﴾ لما لهذه الناحية العفيفة من أثر جميل في نفوس المدعوين(20).
***
ونقرأ في المذكرات ما ينم على قدرة فائقة على تعمق الشخصيات وفهم أبعادها ومناحيها، وأثرها في نفسه وتوجهه، ومن ذلك ما كتبه عن أحمد الشرقاوي الهوريني الذى لم يره إلا مرة واحدة. وعن الشيخ صاوي دراز، رحمهما الله(21)
***
وأسلوب الإمام هو الأسلوب العفوي المرسل المباشر، فتقديم الفكرة هو شاغله الأول، ولكن المذكرات لا تخلو من قطع تتسم بالتوهج العاطفي والجمال الفني، ونكتفي هنا بسطور مما كتبه الإمام الشهيد عن إخوان البلاح.
"... لقد أدركوا قيمة أنفسهم، وعرفوا سمو وظيفتهم في الحياة، وقدروا فضل إنسانيتهم، فنزع من قلوبهم الخوف والذل والضعف والوهن، واعتزوا بالإيمان بالله. فلم تأسرهم المطامع التافهة، ولم تقيدهم الشهوات الحقيرة وصار أحدهم يقف أمام رئيسه عالي الرأس في أدب، شامخ الأنف في وقار.."(22)
***
وأخيرا نشير إلى أن الاستطراد (23) يكثر في المذكرات، وقد يرجع ذلك إلى أن الإمام البنا اعتمد – بصفة أساسية - على ما ذكرته في استعادة الأحداث والوقائع وتسجيلها. ومن ذلك عودته إلى حديثه عن الدعوة في البحر الصغير ص144، بعد أن تحدث عنها حديثا وافيا ص132.
***
والخلاصة أن هذه المذكرات يصدق عليها وصف "الترجمة الذاتية". وقد رأينا أنها تمثل معرضا لكثير من جوانب حياة الإمام الشهيد، ومبادئ الدعوة. وملامحها ومسيرتها، وجهود دعاة الإخوان، مما يجعل منها مصدرا أساسيا للدعوة والداعية.
المصدر
http://www.al-wed.com/pic-vb/239.gif
http://www.palintefada.com/upload/pic/beesssss.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
بحثا عن مواضعات السيرة الذاتية
تقديم:
لم تحظ السيرة الذاتية بالاهتمام نفسه الذي أولاه الباحثون والنقاد العرب في مجال التخييل للرواية، فبعد انشغال جيل من النقاد (على نحو شوقي ضيف، وإبراهيم عبد الدائم، ومحمد عبد الغني حسن، وعبد العزيز شرف) بالتدليل على وجود الشكل السير - ذاتي في التراث العربي، والتمثيل والتعريف بعينات منه، ورصد نشأته وتطوره عبر التاريخ، أكَبَّ الجيل الموالي على معالجة مكوناته ومستوياته النصية ومواضعاته الجنسية (générique) بطرائق ومفاهيم ومنطلقات ورؤيات جديدة. وينتسب عبد القادر الشاوي إلى هذا الجيل، وما يسترعي الانتباه أنه لا ينظر فقط للسيرة الذاتية ، بل يحين بعض قواعد لعبها في ممارسته التخييلية (كان وأخواتها(1986)، ثم دليل العنفوان(1989)، باب تازة (1994) الساحة الشرفية (1999).
وبعد أن خصص دراسة منوغرافية للزاوية (الذات والسيرة 1996)، أصدر مؤخرا مؤلفا يستوعب ثمانية نصوص سير - ذاتية متفاوتة في زمنيتها، وإن كانت متباينة في مرجعياتها، فإن المعايير الأدبية والجنسية المعتمد عليها أعادت الاعتبار إلى " أدبيتها"، وكشفت عما تتضمنه من قو اسم مشتركة، ويتكون الكتاب (الكتابة والوجود) (1)- بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة-من قسمين رئيسيين : وسم عبد القادر الشاوي القسم الأول بعنوان: السيرة الذاتية، الفقيه أو شخصية الاسم العلم، وتعرض فيه إلى أربعة نصوص أنتجت بين 1860 و1942 لكل من أبي الربيع سليمان الحوات ( ثمرة أنسي في التعريف بنفسي)،والتهامي الوزاني(الزاوية)، ومحمد المختار السوسي(الإلغيات)، ومحمد الجزولي (ذكريات من ربيع الحياة) ؛ ثم عنون القسم الثاني بالسيرة الذاتية، المثقف العصري وشخصية الأنا ، وعالج فيه نصوصا لكتاب محدثين، صدرت ما بين 1957 و1993 : في الطفولة لعبد المجيد بنجلون ، وسبعة أبواب لعبد الكريم غلاب ، وزمن الأخطاء لمحمد شكري ، ورجوع إلى الطفولة لليلي أبو زيد.
سنتعامل مع المؤلف في تزامنيته للتعريف بمحتوياته ، ثم نبدي بعض الملاحظات عليه .
1-حدُّ السيرة الذاتية :
يرتد ميخائيل باختين بالشكل السير-ذاتي إلى العصور القديمة، وهو لم يكن مدرجا كعمل أدبي مكتوب ، وإنما كان فعلا شفهيا مدنيا وسياسيا لتمجيد إنسان واقعي، وإعطائه الاعتبار العمومي المستحق. ولم ينظر إليه بوصفه وثيقة شخصية حميمية مرتبطة بتاريخ الفرد وسوابقه، وإنما كان يعد وثيقة للوعي العائلي والسلالي وبوتقة لنقل التقاليد العائلية والأبوية من جيل إلى آخر؛ وبذلك ظل محافظا على طابعه السير ذاتي العمومي والتاريخي والوطني. ويفهم من هذا الكلام ، أن السيرة الذاتية باعتبرها جنسا مرتبطا بالوعي الفردي ووجوده ، لم يكتب لها الوجود في العصور القديمة. وهذا ما يعترض عليه البعض ، بدعوى حفول التراث الإنساني بطبقة من النصوص يمكن- بحكم مستوياتها الداخلية وهويتها النصية- أن تدرج وتجنس في إطار السيرة الذاتية.
وإلى جانب اختلاف النقاد في تحديد الحقبة التاريخية التي نشأت فيها السيرة الذاتية، فهم يتباينون فيما بينهم حول إبراز الشروط التي تحكمت في كينونتها. يؤطر باختين بروز الوعي السير ذاتي (أو السيري) داخل الساحة العمومية( الأكوار) التي جعلت صورة الإنسان مكشوفة إلى درجة لم يكن هناك فرق جذري بين الموقف من الحياة (السيرة) والحياة الشخصية( السيرة الذاتية). ويعزو جورج ماي ظهور السيرة الذاتية إلى نضج الشروط الثقافية والتاريخية ( الفردانية الأوروبية ، والثقافة المسيحية) التي حدثت في القرن الثامن عشر. ويشترط جورج كوسدوروف توفر شروط الوعي بالذات، وتحقق ثورة فكرية تحفز الإنسان أن يستعظم شخصيته. ويتناول فليب لوجون الجنس السير ذاتي بوصفه مؤسسة اجتماعية مقرونة بصعود الطبقة البورجوزاية، ومشرعة على تَنظُّــرات القراء وتوقعاتهم، ومراهنة على تعاقدهم ( الميثاق السير ذاتي)، وقد كرس جهده لتبيان ديمومته واستقلاله ، ثم عقلنة نمطه المعياري.
وبعد جرد جملة من التصورات حول السيرة الذاتية، يخلص عبد القادر الشاوي إلى صعوبة الاتفاق على منظور متقارب . ومرد ذلك إلى تباين الخلفيات المعرفية ، وتضارب الآراء حول الموضاعات التي يمكن أن تسم الجنس السير ذاتي ، وتميزه عن باقي الأجناس الأدبية.
من بين ما ترتب على المثاقفة اهتمام النقاد العرب بالسيرة الذاتية. ورغم قلة المراجع عنها ، فقد اختلفت مقارباتها وخلفياتها في ثلاث نقاط: أولاها إشكالية السيرة الذاتية من حيث القدم والوجود ، ولا خلاف أن الجنس ضارب بجذوره في الثقافة العربية الإسلامية؛ وثالثتها الاعتماد على تاريخ الأدب للتدليل على النقطة السالفة؛ وثالثتها الإقرار النهائي بوجود السيرة الذاتية في الأدب العربي دون إعطائها حدا معياريا. ويدلي عبدالقادر بدلوه معتبرا أن السيرة الذاتية بالمغرب ظهرت بالمغرب في نهاية القرن الثامن عشر، واقترنت نهاية القرن الثامن عشر بالفهرسة باعتبارها ضربا من التأليف يذكر فيها المؤلف شيوخه وما قرأ عليهم من كتب وأسانيد. لكن تواتر النصوص التي يمكن أن تدرج في الخانة السير ذاتية، تزامن مع بروز الظاهرة الأدبية وتوطد ظاهرة المثاقفة إبان مرحلة التناقض الوطني ( المغرب/ المعمر). وفي هذا الصدد استنتج خمسة أشكال متمايزة لمفهوم الكتابة السير ذاتية ، وهي: السيرة الروائية الشطارية، والسيرة الروائية، والسيرة الذهنية، والسيرة الذاتية، ونصوص غفل غير مجنسة. « وربما كان القاسم المشترك بين السير الممثلة لذلك، هو تعبيرها عن التجربة الشخصية للمؤلف (تاريخ الأنا) باصطناع ضمير الأنا المتكلم في غالب الأحيان ( مع وجود نصوص لم تتقيد بهذا المحدد)، واستثمارها للماضي الحياتي في تعبيره عن التطور النفسي والذهني والاجتماعي الذي يتخذه مسار الحياة الفردية بين الطفولة والكهولة، أو ما بعد هذه، وتشغيل الذاكرة كحافظة للوقائع المروية » ص29.
2-التمفصلات الكبرى للمؤلف:
يجمع القسم الأول نصوصا - على ما بينها من اختلاف- تنزع هويتها إلى رصد الكينونة الفردية في تطورها الفكري.
أ- إن نص ثمرة أنسي للتعريف بنفسي لأبي الربيع سليمان الحوات(1747-1816) يعبر عن نضج يقيني وكشف عن الحقيقة، ويصدر عن مقصديته ألا وهي حفز الفقهاء والمتأدبين للكتابة عن تجاربهم الشخصية والفكرية. ويتكون النص من اتنين وثلاثين عنصرا، ويتسلسل في وحدة موضوعاتية ترصد حياة الكاتب/السارد من بداية التعلم والتكوين إلى مرحلة النضج. ويتشخص الميثاق السير ذاتي في المؤلف بواسطة تطابق السارد والمؤلف والشخصية ، وهيمنة ضمير المتكلم ، وحضور الاسم الحقيقي للمؤلف متخذا في النص شكلين مترابطين : كدال على الفقيه الذي أخذ من العلم الديني أتمه ، ثم كدال على المتأدب القارض للشعر والمتبحر في البلاغة.
ب-يعرف التهامي الوزاني في الزاوية بسيرورته الشخصية (الذات)، وبتاريخ الأشراف الحراقيين بتطوان (التاريخ) سواء اعتمادا على الرواية الشخصية أو المشاهدة العيانية. ويتضمن النص ثلاثة محاور تمثل مجتمعة مراحل متعاقبة : الشغف بالتصوف، الرغبة في طلب شيخ التربية، ولوج عالم التصوف. وتلعب البيئة دورا أساسيا في توجيه منزلة التهامي الوزاني في مجال الفقه. ومن بين الشخوص التي لعبت دورا كبيرا في تكوينه وإنضاجه، نذكر في المقام الأول الجدة ( غرس التربية الصوفية الأخلاقية)،ثم الحكاك (التوجيه في طلب العلم) ، ثم القادري( المساعدة في تخطي الأزمة النفسية)، ثم الريسوني( الإرشاد إلى الزاوية الحراقية)، ثم غيلان (الوساطة بالشيخ). وتعتمد الزاوية على ضمير المتكلم، وتحيل إلى شخصية المؤلف، وتقوم على زمنين : زمن التذكر الذي يجمع شتات الحياة الفردية ، وزمن الكتابة الذي يوازن بين التحول والنظام.
ج-كتب المختار السوسي الإلغيات لما كان منفيا في إليغ، وهو يتضمن عينات سير ذاتية دالة ( المولد، واختيار الاسم، والتكوين، والتجربة الصوفية، والانخراط في العمل الوطني، وتأسيس جمعية ثقافية (الحماسة)، والتدريس). وإن كان المختار السوسي يتمتع بقوة الحافظة والاستذكار، فقد كان يعترف بأنه منخرم الذاكرة ، وسريع النسيان. "والواقع أن استراتجية الذاكرة في التذكر تصبح، على هذا الأساس، طريقة في الكتابة السير ذاتية، وأسلوبا في تقديم المعطيات الدالة التي يؤثث بها المؤلف نصه، مع اختيار المسوغات المناسبة(التقديم والتأخير، الانتقاء..) التي تمكنه من ذلك على الوجه الإخباري المناسب. هناك محو مفترض، ولكنه ليس خيانة أدبية، بل لحظة مبطنة بالشعور الآني الذي يستدعي الذكريات، فيختار منها (أو قد تتوالى عليه باختيارها الطوعي) ما يخدم المقصدية التي توخاها في الإبلاغ"ص95.
د-عمد محمد الجزولي في ذكريات من ربيع الحياة إلى استذكار ما جادت به قريحته من قصائد وقطع شعرية لإنقاذها من الإهمال والضياع. ويجمع الكتاب بين دفتيه مستويات تعبيرية مختلفة ، ويزاوج بين تجربتين مختلفتين على مستوى الكتابة: إثبات النص ، ثم تحقيقه. وبين عبد القادر الشاوي الموضوعات التي استأثرت بشعره، واستخرج منها الصور المهيمنة (صورة الأتراك ، ثم صورة كمال أتاتورك، ثم صورة فرنسا)، والعينات السير ذاتية( الذهاب إلى العرائش، والعودة إلى الرباط، والتعرف على أبي شعيب الدكالي وطرائقه التعليمية ( الوعظ، والإرشاد، والخطابة)).
وجاء القسم الثاني تتمة للقسم الأول ، وتميز عنه بكون المؤلفون - على وجه العموم- مطلعين على ما حصل من تراكم في مجال الأجناس الأدبية، وواعين بالتحولات التي طرأت على مفهوم الكتابة بما فيه مفهوم السيرة الذاتية.
أ-يختلف نص في الطفولة لعبد المجيد بنجلون عن كثير من النصوص بكونه يتغافل عن الإشارة إلى الكينونة الأولى، وهو يتكون من فضاءين أساسيين ( المغرب وانجلترا) يستقطبان تجارب وعادات متناقضة ويحيلان إلى وحدتين مركزيتين(الطفولة/ الشباب)، ويفضيان إلى النهاية المقررة (السفر إلى القاهرة). وإن كان السارد/ المؤلف يحرص على استعادة أطوار من حياته، وملامح من هويته الشخصية، فهو يغذيها بالشروط المحيط به وبالزمن التنبئي (كوسدورف).
ب- قرئ نص سبعة أبواب لعبد الكريم غلاب في البداية بوصفه رواية. وما زاد في هذا اللبس هو أن الطبعة الأولى صدرت مجردة من أية إشارة تجنيسية ، ثم أن ظهر الغلاف تضمن إحالة إلى "الذكريات". ويعيد عبدالقادر الشاوي تجنيس النص ضمن النصوص السير ذاتية مستندا إلى وجود وقائع موثقة ، و يدعمها ببرغماتية إسم العلم وتواتر ضمير المتكلم . ويتناول النص فترة عصيبة من حياة صاحبه ، تدور أساسا حول موضوعتين : الاعتقال باعتباره قيمة رمزية ، ثم مراحل التكوين في بعدها النضالي.
ج- يحلل عبد القادر الشاوي عنوان الرجوع إلى الطفولة لليلى أبي زيد مبينا علاقته بمضامين النص ومستوياته الداخلية ، ثم يفكك صور الطفولة، ويبين علاقة الساردة بالمحيط الخاص (الأم والأب والمعتقل ، وتكون الأنا في نطاق أسري مضطرب) والعالم الخارجي . و هكذا ينهض الميثاق التلفظي على إبراز علاقة الساردة بالمعطيات التاريخية ( النضال السياسي للأب، والسجن، والمرحلة التاريخية) وعلاقة المؤلفة بالملفوظ ( عقد مسافة ما بينها وبين الماضي ، وجعل شخصيتها جديرة بالاعتبار).
3-ما بعد القراءة :
بعد الفراغ من قراءة النص يمكن أن نبدي عليه الملاحظات التالية:
أ- لقد تعامل عبد القادر الشاوي مع كل مؤلف في تزامنيته لاستخلاص مستوياته الداخلية وتعليل علاقته بالشروط المقامية والتلفظية. وهذا ما جعل المتن عبارة، في الوقت نفسه، عن أعقّة محافظة على فرادتها وأصالتها، ومتداخلة فيما بينها بقواسم مشتركة. وإن كانت معضلة التجنيس تحتم على الباحث أن يتعامل مع مفردات المتن في شموليتها لا ستنباط القوانين والضوابط المتحكمة فيه، واستخلاص نموذجه البنائي؛ فإن عبد القادر الشاوي ظل وفيا لممارسته النقدية. وهذا ما حفزه على التعامل مع كل مؤلف على حدة لاستشفاف دلالته واستجلاء مميزاته. وهناك باحثون آخرون ( نذكر منهم سوزان روبان سليمان S.R.SULEIMAN وسعيد يقطين)(2)حاولوا المزاوجة بين الممارسة النقدية (إصدار التأويلات المناسبة) والممارسة الشعرية ( استنباط القوانين المجردة)، وهو ما حتم عليهم التعامل مع مفردات المتن بوصفها نصا واحدا محددا بمتغيراته وثوابته الخاصة به. إن الإستراتيجية النقدية التي تبناها عبد القادر الشاوي لم تترك له مجالا رحبا لبيان ما يجمع بين مكونات المتن ( قديمها وحديثها)، وتبرير إلحاق بعض النصوص ( على غرار الفهرسة) بالمجال السير ذاتي. فقد اكتفى بترديد قواسم مشتركة عامة ( المحكي الذاتي، ضمير المتكلم ،برغماتية إسم المؤلف، الميثاق التلفظي..) دون التوغل في المواضعات الجنسية والمستويات القاعدية التي تجعل منها نصا واحدا متميزا عن كيانات نصية وخطابية أخرى.
إن الإستراتيجية المنطلق منها، دفعت الشاوي للتنقيب على نصوص متقاربة في هويتها النصية ، والإكْباب عليها بالنقد والتحليل لا ستنتاج ما تحفل به من سمات فنية ودلالية. ورغم خلو أغلبها من التعيين الجنسي الملائم الذي يمكن اعتماده كمؤشر على القراءة الممكنة، فإن عبد القادر الشاوي -ببصيرته النقدية ووعيه بمعضلة الأجناس الأدبية- أعاد تجنيسها مبينا ما يوحدها ويجمعها في إطار جنس أدبي محدد ، ثم اشتغل عليها بمفاهيم متجانسة في مرجعياتها النقدية والمعرفية.
ب-لقد أدرج عبد القادر الشاوي ضمن المجال السير ذاتي نصوصا متباينة في مرجعياتها ( الاعترافات، الفهرسة، الذكريات). وإن كانت تتقاطع مع السيرة الذاتية في بعض السمات، فهي تنفرد بمميزات خاصة. فالاعترافات في الثقافة العربية الإسلامية تستدعي التوبة إلى الله ، والذكريات تستجمع وقائع واقعية، والفهرسة توثق الأصول العلمية للمترجم له قبل الإجازة. وبما أن المتن المعتمد عليه يتوفر على متغيرات ، فإن الأمر كان يقتضي في إطار عملية إعادة التجنيس أن يعين الجنس الأعلى ، ثم تحدد الأصناف التابعة له. وما يسوغ لعبد القادر الشاوي ضم نصوص متباينة في مرجعياتها ( التاريخ، التصوف ، الأسانيد) هو اضطلاع الكاتب بحكاية حياته الشخصية. وهذا بالضبط هو ما وجد فيه فليب لوجون ضالته، فأرغمه على العدول عن التعريف الذي سبق أن منحه للسيرة الذاتية في كتابه الميثاق السير ذاتي (3) ، والاستئناس بتعريف فابرو Vapereau الذي أورده في المعجم العام للآداب 1976 " السيرة الذاتية هي أي عمل أدبي أو رواية أو شعر أو دراسة فلسفية يسعى من خلاله المؤلف، بقصد مضمر أو صريح، إلى حكاية حياته، وعرض أفكاره، وتشخيص إحساساته" (4). وإن كان هذا يبرر إعادة الاعتبار إلى نصوص كانت إلى حد قريب مبعدة من مملكة الأدب، فهو يحتم طريقة جديدة للتعامل معها لتحديد أدبيتها وجنسيتها.
ج-ظل عبد القادر الشاوي - في معظم تحاليله- مشدودا إلى الميثاق السيرذاتي على الرغم من تراجع فليب لوجون عنه للحيثيثين التاليتين: أولاهما تتعلق بدور التلقي في إعادة تجنيس المؤلفات ، وثانيتهما تهم حفول الكتابة السيرذاتية بالعوالم التخييلية.
د-ركز عبد القادر الشاوي في تحاليله بشكل كبير على الجانب الموضوعاتي، إذ تتبع أطوار السارد/المؤلف وطقوس مروره، وأبرز القضايا التي تستأثر باهتمامه، وبين ما تستضمره كتابته من صور ورموز. وبالمقابل خصص حيزا للمستويات الفنية التي تحفل بها النصوص السير ذاتية. ومن بين هذه المستويات نذكر على سبيل المثال : البنية الزمنية، والميثاق التلفظي، وبنية الضمير، وإسم العلم، والشخوص المرجعية ، والمنولوج، والصيغة. وهذا ما يبين أن عبد القادر الشاوي ظل وفيا للطريقة التي حلل بها فليب لوجون النص أو الفضاء السيرذاتي. وقد استطاع عبد القادر الشاوي - بحكم تجربته النقدية- أن يذوب المناهج المعتمدة ، ويطبع التحاليل بشخصيته ورؤيته النقديتين ، ويخلصها من المفاهيم المعتاصة ésotériques ضمانا للتجاوب مع دائرة أوسع من القراء المفترضين. ولم يظل وفيا للمحايثة البنيوية ، بل أشرع النص على ميثاق القراءة وآفاق التلفظ والتداول ومكتسبات التحليل المؤسساتي."من وجهة نظر التحليل المؤسساتي فإنه لا وجود للأدب في حد ذاته، بل هناك ممارسات خاصة، منفردة، تشتغل على اللغة والمتخيل، وأن وحدتهما لا تتحقق إلا على مستوى وظيفتهما واندراجهما في البنية المجتمعية"191.
خاتمة :
تعتبر عملية التجنيس من أعقد المعضلات التي يعاني منها الحقل الأدبي، وذلك بحكم صعوبة وضع حدود قارة بين الأجناس الأدبية ، أو الحسم في تبويب النصوص داخل خانات جنسية ثابتة. وفي جميع الأحوال يتعذر -حسب وجهة نظر كلوينسكي Glowinski- إيجاد نمذجة كونية ، وحتى في حالة وجودها فهي ستكون تعميمية وتخطيطية ، بحيث لن تقدم الشيء الكثير عن الأجناس وخصائصها وكيفية اشتغالها. وإن تضارب الآراء حول التجنيس ، أغنى نظريات الأدب بتصورات وتصنيفات ونمذجات متباينة في خلفياتها النظرية ومنطلقاتها الابستمولوجية (النظرية المعيارية ، والجوهرانية الأرسطية ، والجوهرانية التاريخانية...الخ).
وعليه ، يبدو بحث الناقد عبد القادر الشاوي مغامرة محمودة لتجنيس نصوص غفل من أي تعيين جنسي، وإعادة تجنيس بعضها على إثر التغيرات التي طرأت على مفهوم الأدب ، وفي ضوء زاوية النظر المنطلق منها لمعالجة وتفكيك البنيات الداخلية، وتعليل علائقها بالمؤسسات الاجتماعية والقراءات الممكنة. ويعتبر هذا البحث من الأبحاث القليلة التي قاربت عينات من النصوص السير ذاتية بالمغرب، والتي بإمكانها - بحكم صرامتها وجديتها- أن تثير الحوار والنقاش لتدارك الأسئلة المعلقة والمؤجلة، وتناول مسألة التجنيس في أبعادها المعقدة والمتشابكة، وإعادة الاعتبار إلى نصوص بواسطة المفاهيم والأدوات التي تناسب طبيعتها ووظيفتها.
***
هوامش:
1- صدر هذا الكتاب عن : أفريقيا الشرق، ط1، 2000 (191ص).
2-أنظر إلى تجنيس سعيد يقطين للسيرة الشعبية ضمن الكلام العربي( أو السرد بوصفه الاسم الجامع (الجنس) لمختلف أنواع الكلام):
ا-الكلام والخبر مقدمة للسرد العربي، ط1، المركز الثقافي العربي،1997.
ب- قال الراوي البنيات الحكائية في السيرة الشعبية، ط1، المركز الثقافي العربي، 1997.
أنظر كذلك إلى العمل الذي أنجزته سوزان روبان سليمان عن عينات من روايات الأطروحة:
Le roman à thèse ou l’autorité fictive ,
PUF, 1983.
3- استند فليب لوجون في تعريفه الأولي للسيرة الذاتية ( 1975،ص14) على معجم لاروس (1866) الذي يعتبرها " حياة شخص اضطلع هو نفسه بكتابتها".
4-PH. Lejeune , Moi aussi, Seiul , 1986, p18.
المصدر
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة