-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://img141.imageshack.us/img141/8740/15lv.gif
http://www.25q8.com/vb/uploaded/wrdaa.gif
عرف العرب السيرة الذاتية أيها الباحث!
http://www.ofouq.com/today/images/pi...hd_alassad.jpg
قرأت في مطلع مقالة نشرتها "أفق" (10 أبريل 2005) تحت عنوان:
"مع فاروق مواسي ... أحمد دحبور"
هذا التمهيد: "من المرات النادرة التي سيصعب على السلفيين كما أرجح أن يواصلوا المكابرة فيها، هي هذه التي تقول إن العرب لم يعرفوا أدب السيرة الذاتية قبل القرن العشرين، ولعلنا سنمضي عقودا ً في القرن الراحل حتى نحصل على كتاب نوعي مثل "الأيام" لطه حسين، وليس ذلك لتقصير لدى العرب وإنما لأن هذا النوع من الأدب هو جديد نسبياً على الساحات العالمية".
لا أظن أن كاتب هذا الكلام بذل جهدا في بحث أمر السيرة الذاتية عند العرب فخرج بهذه النتيجة، وأغلب الظن أنه تلقط هذا الكلام من هنا أو هناك، وأطلقه باستخفاف كامل، أي بلا إحساس بالمسؤولية، ودون أن يكلف نفسه حتى ذكر مصدر هذا الكلام، ولكي لا يمر سالماً هذا الحكم الذي أعتبره هراءً، أود فقط تقديم هذه المعلومات:
1- نشرت دار الساقي اللندنية في العام 1998 كتابا من إعداد روبن أوستل و اد دي مور وستيفان وايلد كان عنوانه "كتابة الذات: السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث"، وفي هذا الكتاب استقصاء لهذا النوع الأدبي مع خلفية جيدة في الموروث منه.
2- أصدرت مطبعة جامعة كاليفورنيا في العام 2001 أكثر الكتب أهمية في دراسة السيرة الذاتية في التراث العربي شارك فيه تسعة باحثين وأعده للنشر دوايت ف. رينولدز، وصدر تحت عنوان "تفسير الذات: السيرة الذاتية في التراث الأدبي العربي"، وتضمن هذا الكتاب 140 نصا (بين القرن التاسع الميلادي والقرن التاسع عشر) اكتشفها الباحثون، بعضها معروف وبعضها مجهول، ناهيك عما ذكروه من عناوين وردت بأسمائها في كتب التراجم والمعاجم ولم يعرف حتى الآن إن كانت فقدت أم هي موجودة بين أكداس المخطوطات العربية المنتشرة في شتى البقاع، وهي مخططوطات يصل عددها على أقل تقدير المليون مخطوطة.
الللافت للنظر أن جلال الدين السيوطي المتوفى في العام 1485 ميلادية أورد في مقدمة سيرته الذاتية "التحدث بنعمة الله" أسماء من سبقوه في كتابة سيرهم الذاتية من أمثال عبد الغافر الفارسي (ت 1134) والكاتب الأصفهاني (ت 1201) والقاضي عمارة اليماني (ت 1175) وياقوت الحموي (ت 1229) ولسان الدين الخطيب (ت 1374) والمتصوف أبو شامة المتوفى سنة ألف ومائتين وثمانية وستين، وتقي الدين الفارسي (ت 1429) وابن حجر (ت 1429) والإمام أبو حيان (ت1342).
ولمزيد من المعلومات، حلل هؤلاء الباحثون 140 سيرة ذاتية في القسم الأول توصلوا إليها بعد بحث متواصل منذ العام 1992، وفي القسم الثاني ترجموا إلى الإنجليزية مختارات (30 سيرة) نموذجية، وذكروا أن عددا آخر من هذا النوع الأدبي تم اكتشافه بعد إعداد هذا الكتاب.
3- ليس صحيحا ما ذكره صاحب التمهيد من أن "هذا النوع من الأدب هو جديد نسبيا على الساحات العالمية"، فقد عرف على صعيد الآداب العالمية منذ العصر اليوناني، فالروماني، فالمسيحي، ولكن المصطلح ذاته "أدب السيرة الذاتية" هو وليد أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وحتى كمصطلح لا يعد جديدا، ما تفصلنا عنه ثلاثة قرون.
في ضوء هذا لا أعتقد أن الأمر يتعلق بسلفي أو غير سلفي ، بل بوقائع تاريخية لا تثبت صحتها إلا بالبحث ، لا بالتخيل والرغبة والهوى والتلقط .
محمد الأسعد
شاعر وروائي فلسطيني مقيم في الكويت
المصدر
حياكم الله
http://www.w6w.net/album/35/w6w20050...21b61726a0.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://img141.imageshack.us/img141/8740/15lv.gif
http://www.25q8.com/vb/uploaded/wrdaa.gif
الدكتور الحيدري يقدم:
السيرة الذاتية في الأدب السعودي
تمثل السيرة الذاتية جنساً إشكالياً في الكتابة الأدبية التوثيقية .. تتراجع إشكاليته حالما يفصح عن خيط لجنس ما ينتظمه .. كأن تكون سيرة روائية مثلاً، وقد مثّلت السيرة الذاتية منجزاً أدبياً لدى مختلف الثقافات واللغات .. وحضرت في الأدب العربي .. حضوراً متفاوتاً ومتعدداً تشرح ذلك العديد من المؤلفات والكتابات التي رصدت حركة هذا الفن عربياً، لقد مثّلت السيرة الذاتية حضوراً ملحوظاً في الأدب السعودي وهو حضور متفاوت تاريخياً واقليمياً.. وتجنيساً.. وقد صاحب هذا الحضور غياب واضح لمؤلف يرصد ويوثق مسيرة هذا الفن وأربابه وتوجهاته.
ولعل كتاب الدكتور عبد الله الحيدري "السيرة الذاتية في الأدب السعودي"، الذي صدر مؤخراً في طبعته الثانية يسعى إلى سد تلك الثغرة التوثيقية والرصدية والبحثية للسيرة الذاتية في الأدب السعودي ...
الكتاب في أصله أطروحة تقدم بها الدكتور الحيدري إبان دراسته العليا للحصول على درجة الماجستير في الأدب العربي من كلية اللغة العربية بجامعة الإمام بالرياض، وقد صدر الكتاب بتقديم للشيخ حمد الجاسر رحمه الله.
استهل الكتاب بتمهيد عن مفهوم السيرة الذاتية والفرق بينها وبين السيرة الغيرية ذلك الفرق الذي استوعبه النقد الحديث انطلاقاً من استيعابه التفرقة بين المصطلحين الغربيين المركبين مزجياً فحاكاهما لفظاً وقال: السيرة الغيرية Biography، والسيرة الذاتية Autobiography وفي التمهيد تناول مفصّل لمصطلح السيرة الذاتية وتطوره والموازنة بين السيرة أو الترجمة الذاتية وما إذا كان هناك سيرة ذاتية شعرية والسيرة الذاتية بين الرواية والمقالة .. والأشكال المتفرعة عن السيرة الذاتية كالاعترافات والذكريات والمذكرات واليوميات واللامذكرات أو الفوجا الذاتية، وعرض الباحث في تعريفه للسيرة الذاتية لتعريفات سابقة كما لدى ابراهيم السامرائي وعبدالله الحقيل وشوقي المعاملي ويحيى عبدالدايم .. وقد خلص الدكتور الحيدري إلى أننا يجب أن ننظر إلى أنواع وأشكال السيرة الذاتية: الاعترافات، والذكريات، والمذكرات، واليوميات .. من فن السيرة الذاتية على أن موقعها: "هو موقع عناصر المادة الخام من المنتج النهائي الذي يحويها، بوصفها من مكونات بنيته ولكنه يختلف عنها بل يسمو عنها والدليل أن الدارس - أياً كانت لغته - يمكن أن يقول: فن السيرة الذاتية .. ولكنه لا يمكن أن يقول: فن المذكرات أو فن اليوميات - على سبيل المثال - دون أن تنقصه الدقة في الاصطلاح، وإذن فهناك تلازم وتبعية بين الشجرة الأم: (السيرة الذاتية) وأغصانها: الاعترافات، والذكريات، والمذكرات، واليوميات.
درس الكتاب مجموعة من الأعمال السيرية هي: أبو زامل/ أيامي لأحمد السباعي، 46 يوماً في المستشفى، أيام في المستشفى لمحمد عمر توفيق، هذه حياتي/ أشخاص في حياتي لحسن حمد كتبي، مذكرات طالب سابق/ مذكرات طالب لحسن نصيف، ذكريات طفل وديع لعبد العزيز الربيع، سيرة شعرية لغازي القصيبي، رحلة الثلاثين عاماً لزاهر الألمعي، ذكريات العهود الثلاثة لمحمد حسن زيدان، تباريح التباريح لأبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهري، رحلة العمر لمحمد عبد الحميد مرداد، حياتي مع الجوع والحب والحرب لعزيز ضياء، مذكراتي خلال قرن من الأحداث لخليل الروّاف، مذكرات وذكريات من حياتي لعبدالكريم الجهيمان، عبدالله بلخير يتذكر، من سوانح الذكريات لحمد الجاسر، من حياتي لمحمد بن سعد بن حسين بالإضافة إلى كتب أخرى، وقد توفر للباحث من بعض هذه الكتب نسخاً منسية وأجزاء جديدة لم يتوافر عليها الباحثون ولا الدارسون فيما قبل.
- الفصل الأول من الكتاب: النشأة والتطور، وفيه بحث للبدايات التي يرى بأنها تعود إلى 1433هـ، وتحدد بخمسة عشر سطراً لمحمد سرور الصبان يترجم بها لنفسه، وهي الفترة التي اسماها المؤلف بالبدايات في حين حدد نهايتها بالعام 1373هـ.
وتكاد تنحصر بواكير السيرة الذاتية في الأدب السعودي في الترجمات الذاتية الموجزة التي يكتبها الأديب عن نفسه والمقالات الذاتية والشخصية ومحاولات تدوين لذكريات مطولة ومما يشار إليه في مرحلة البدايات كتاب أحمد عبد الغفور عطار "بين السجن والمنفى" الذي بدأ تأليفه 1356هـ، ومقالة أحمد جمال التي كتبها 1362هـ.
ومما تناوله المؤلف في هذا القسم: أدباؤنا بين ظهور مصطلح السيرة ودقة الاستخدام وأبرز دوافع تلك الكتابات، ولماذا لم تواكب السيرة الأجناس الأخرى في النشوء واهتمام صحافة المؤسسات بفن المقابلات واثر ذلك.
وفي حديثه عن: مراحل كتابة السيرة الذاتية، أثبت المؤلف عنوانا لطيفاً: لماذا نتعوذ من الأنا؟.. بحث فيه هذه الظاهرة لدى العديد من الكتاب المؤلفين .. متناولاً ظاهرة تجاهل النقاد للسيرة الذاتية، وقد حصر المؤلف اتجاهات السيرة الذاتية في الأدب السعودي بالاستفادة من شكل القصة وحبكتها التقليدية والاتجاه المقالي من مقدمة وعرض وخاتمة والاتجاه الروائي والاستفادة من النهج الأكاديمي في البحث والتحام السيرة الذاتية بالغيرية ورواية السيرة أو الترجمة الذاتية، وواصل المؤلف هذا الجزء متناولاً ريادة عبد القدوس الأنصاري في قصة حياتي وابن دريس، وترجمته الموجزة لنفسه والمقالة الذاتية لدى كتاب الرسائل الأدبية، ومصطلحات السيرة في مراحل ما بعد البدايات، وأهم مراحل كتابة السيرة الذاتية، والمرأة وفن معالجة السيرة الذاتية.
في الجزء الثالث من هذا الفصل: السيرة الفنية .. نقرأ حصراً لقوالب السيرة الذاتية يشمل في القالب الروائي والتفسيري التحليلي والقالب الذي يجمع بين التحليل والتصوير بالإضافة إلى بحث التداخل بين السيرة الذاتية مع الرواية من خلال أعمال مثل أبو زامل للسباعي وذكريات طفل وديع لعبد العزيز الربيع وسيرة شعرية للقصيبي، وحياتي مع الجوع والحب والحرب لعزيز ضياء.
* الفصل الثاني: موضوعات السيرة الذاتية .. وأول ما طالعنا منها: الموضوعات التاريخية كما لدى أحمد السباعي، وخليل الرواف، ومحمد حسين زيدان، وعزيز ضياء، وعبد الله بلخير، وحمد الجاسر.
ثم الموضوعات السياسية والتي تتمحور في القضية الفلسطينية وقضايا الوحدة العربية وتظهر الموضوعات السياسية في السير الذاتية المحلية كما لدى محمد حسين زيدان، وأبوعبد الرحمن، والقصيبي، وزاهر الألمعي، ومحمد عمر توفيق، وخليل الرواف، وبلخير.
أما الموضوعات الاجتماعية فقد تكثف الاهتمام بها لعدة أسباب من أبرزها ان الفترة الزمنية التي يتحدث عنها الكتاب تكاد تقترب من قرن من الزمان وهي مدة ليست بالقصيرة وتشكل مرحلة حساسة وحاسمة في تاريخ الجزيرة العربية، وكذلك وجود اختلاف ملحوظ في العادات والتقاليد المتبعة في مناطق المملكة واختفاء المجتمع التقليدي والفارق بين مجتمع الأمس البعيد وغير البعيد واليوم وكان تناول هؤلاء الكتّاب يأخذ بعدين: بعد الحنين إلى الماضي وبعد بيان الأوضاع الأمنية والاقتصادية الصحية التي كان يعاني منها إنسان هذه الأرض في فترات سابقة، ويمكن ملاحظة الموضوعات الاجتماعية في السيرة الذاتية المحلية في كتابات أحمد السباعي، ومحمد حسين زيدان، وعبد العزيز الربيع، وعبد الحميد مرداد، وعزيز ضياء، وحمد الجاسر، وزاهر الألمعي، ومحمد عمر توفيق، وعبد الكريم الجهيمان، ومحمد بن سعد بن حسين، والقصيبي.
أما الموضوعات الفكرية فإن ما عني به السيريون في هذا الجانب متقارب جداً .. إذ يشمل حديثاً عن الكتاتيب وندرة المكتبات وبعض مظاهر الحوار الفكري الذي كان سائداً آنذاك .. ويمكن ملاحظة الموضوعات الفكرية في أعمال سيرية لدى أدباء مثل حمد الجاسر، وحسن كتبي، وزيدان، والسباعي، والقصيبي، وابن عقيل.
*الفصل الثالث: الخصائص الفنية .. وفيه حديث الباعث الفني خلف الكتابة والذي قد يكون بهدف الدفاع عن النفس أو بدافع فني محض أو لخدمة الباحثين والدارسين بالإضافة إلى بواعث أخرى.
وفي حديث عن "شخصية الكاتب" عرّف المؤلف بالشخصية وتناولها من خلال نماذج كأحمد السباعي وحمد الجاسر وابن عقيل ومحمد عمر توفيق وزيدان والربيع وكتبي والجهيمان والمرداد وابن حسين والقصيبي وتأتي كثير من السير ذات البعد القصصي في طريقتين.. السرد القصصي والعرض والتحليل .. أما السرد القصصي فيمكن ملاحظتها في كتابات السباعي وضياء وأما العرض فنلحظه لدى الربيع ومرداد وابن عقيل ..
ومن النقاط الفنية التي تخضع للملاحظة في السيرة الذاتية ظاهرة التكلف والاعتدال والصدق وتجهز الذاكرة والمستويات الزمنية وصورة المكان، ومن الظواهر الفنية التي يمكن بحثها في السير الذاتية الظاهرة اللغوية والأسلوبية وقد ناقش المؤلف في هذا المبحث العامية عند عزيز ضياء والضمائر الأكثر شيوعاً في لغة السيرة وفي الظواهر الأسلوبية بحث استخدام الفعل المضارع وافعال الكينونة والتصغير وإثارة الأسئلة والازدواج والتكرار .. كل ذلك من خلال نماذج كتاب كابن عقيل والجهيمان وغيرهما.
الفصل الرابع والأخير حوى موازنة بين كتاب السيرة الذاتية في المملكة وغيرهم في الأقطار العربية، وسارت الموازنة في مضمارين هما: المضمون .. وفيه ضمت الموازنة اعمالاً عربية لطه حسين وخليل الهنداوي وغيرهم، وقد وازن المؤلف هنا بين ابن حسين وطه حسين وضياء والهنداوي.
وفي الشكل .. وتناول فيه فلسفة الكتاب السعوديين في اختيار العناوين واستخدام الضمائر والألفاظ والتراكيب والأسلوب وبحث ظاهرة التصغير وبعض الأخطاء الشائعة والجوانب الجمالية.
الكتاب يمثل أبرز وأهم وأول توثيق مر به هذا الفن .. فن السيرة الذاتية في الأدب السعودي .. وقد جاء الكتاب في 808 صفحات من القطع الكبير.
المصدر
حياكم الله
http://www.w6w.net/album/35/w6w20050...21b61726a0.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://img141.imageshack.us/img141/8740/15lv.gif
http://www.25q8.com/vb/uploaded/wrdaa.gif
"مع فاروق مواسي ... أحمد دحبور"
من المرات النادرة التي سيصعب على السلفيين، كما أرجح، أن يواصلوا المكابرة فيها، هي هذه التي تقول أن العرب لم يعرفوا أدب السيرة الذاتية قبل القرن العشرين. ولعلنا سنمضي عقودًا في القرن الراحل حتى نحصل على كتاب نوعي مثل "الأيام" لطه حسين . وليس ذلك لتقصير لدى العرب، وإنما لأن هذا النوع من الأدب هو جديد نسبيًا على الساحات العالمية.
وبغض النظر عما يمكن أن يستنتجه المعنيون والفضوليون، فإن أول سيرة ذاتية تعبر الحدود، وتصبح تحت تصرف مثقفي العالم جميعًا، وهي اعترافات العالم السويسري - المظنون خطأ أنه فرنسي - جان جاك روسو، في القرن الثامن عشر. ولست في معرض تأريخ أدب السيرة الذاتية. بطبيعة الحال، ولكنني أنوه باعترافات روسو من حيث الذيوع والشيوع.
ضمن هذا الاعتبار، تستطيع الشريحة الفلسطينية من الجسد الثقافي العربي أن تسجل نقاطًا نوعية، وحتى عددية، في هذا المضمار، ولعلي - من غير عناء - قادر على استذكار اثني عشر كتابًا فلسطينيًا شهدها القرن العشرون في السيرة الذاتية هي " كذا أنا يا دنيا" للمقدسي خليل السكاكيني و"البئر الأولى" و "شارع الأميرات" للتلحمي جبرا إبراهيم جبرا، "وأيام الصبا" لليافي د.يوسف هيكل، و "غربة الراعي" لابن عين غزال د.إحسان عباس، و "خارج المكان" للمقدسي إدوار سعيد، و "الجمر والرماد" و "صور الماضي" لليافي د.هشام شرابي، و"ظل الغيمة" للريناوي حنا أبي حنا، و "شجرة المعرفه" لابن البعنة حنا إبراهيم ، و "دروب المنفى" لابن المسمية فيصل حوراني. ولا أستطيع إلا أن أتوقف باهتمام خاص عند كتاب "بلدي وأهلي أنا" للمعلم ذا النون الجراح - وليس في الاسم خطأ، فهو يصر على أن يكون اسمه مبنيًا هكذا على الفتح، وبالألف طبعًا- ولا أدري كيف فات صاحب "الأسوار" الأخ يعقوب حجازي، أن يعيد طباعة هذا السفر النفيس الذي يعد مفخرة لمدينته العريقة عكا، ولفلسطين بل العرب جميعًا. ومرة ثانية، ليس هذا تأريخًا حصريًا ولكنه ما أتت عليه الذاكرة من غير تنقيب. ويلاحظ أنني لم أبحث في مذكرات السياسيين والشخصيات العامة، بل قصدت ذلك النوع من السيرة الذاتية الذي يحتضنه الأدب بالمعنى الواسع للكلمة. كما أنني لم أتوقف عند النصوص النوعية التي تفيد من السيرة الشخصية لتجني استخلاصات أوسع مثل "يوميات الحزن العادي" للشاعر محمود درويش مثلاً ، كذلك "الضوء الأزرق" و "سأكون بين اللوز" للراحل حسين البرغوثي.
في هذا الإطار، يأتي كتاب د. فاروق مواسي "أقواس من سيرتي الذاتية" الذي صدر هذا العام. وقد كتبه بعد بلوغه الستين عامًا مشيرًا إلى ذلك ببيت الشعر الذي يتصدر الكتاب:
فقد وفيتها ستين حولاً ونادتني ورائي : هل أمام؟ ...
http://www.ofouq.com/b-covers/aqwas-moasi.jpg
لماذا السيرة؟
بعد أن صدر د.مواسي كتابه ببيت الشعر الذي يشير الى بلوغه الستين من عمره المديد ، رأى أن يوضح سبب إقدامه على كتابه هذه الأقواس من سيرته الذاتية ، وبشيء من حيرة العالم المتواضع ، لم يشأ أن يطلق في وجوهنا بيقينه الجازم الصارم، فكتب:
" ربما هي إمتاع ومؤانسة، أو مشاركة وجدانية ، أو مراجعة أخيرة لكتابة الفصول قبل أن تدبر الحياة" أما أنها إمتاع ومؤانسة ، فالأمر يعنينا من جانبين: الأول أن في كل سرد – فما بالك بالسيرة الشخصية – قدرًا من هذا الإمتاع والمؤانسة ، إذ كان لدى كاتبه فضلاً عن تجربته العصامية التي تبعث عن الإعجاب والتقدير. والجانب الثاني هو ما يدل عليه هذا التعبير بحد ذاته : "الإمتاع والمؤانسة" ، فهو يحيلنا طبعا إلى أبي حيان التوحيدي، في إشارة من د.مواسي إلى استغراقه في التراث ، وهو المتحمس للحديث إلى درجة إقرار الشعر الجديد في المدارس . وبهذا تكون الصورة واضحة، فالرجل هو ابن عصره بكل ما يمليه من معطيات تملي بدورها ضرورة الأخد بكل جديد، من غير أن يغيب عنه لحظة واحدة أنه لا يؤسس على فراغ، بل هو سليل تراث عريق. وتزداد أهمية هذا الموضوع عندما نتذكر – وهل يمكن أن ننسى؟ – أنه ينتمي إلى فريق من الشعب العربي الفلسطيني كانت قضية عمره – ولا تزال – هي الهوية وصيانة الهوية والدخول عن جدارة، في عمق روح العصر. وأما المشاركة الوجدانية فإن ما يعنينا منها هو هوية المخاطب. وإذا كان الخطاب الأدبي يفترض بداهة وجود مرسل ومرسل إليه ، فإن المرسل إليه هو القارئ العربي في حال المشاركة الوجدانية. ولما كانت طباعة هذه السيرة ، على المستوى الإجرائي، محكومة بقارئ محكوم برقعة جغرافية محددة – هي التي تم الاصطلاح عليها بالخط الأخضر – فإن الجور التاريخي السياسي حرم هذا النوع من الكتابة من وصوله إلى الساحة العربية الأوسع فضاء وفرصًا. وفي يقيني أنه كان من واجب د.مواسي وزملائه أن يتصرفوا كما لو أن الرسالة ستصل إلى العرب جميعًا – وهي واصلة إليهم لا محالة – وكان هذا يقتضي توسعًا في فتح ملف سنوات الطفولة التي شهدت بدايات النكبة، لا سيما وأن القليل الذي كتبه د.مواسي في هذا الشأن يغري بكتابة الكثير.
وأما "المراجعة الأخيرة" فهي بيت القصيد على المستوى الأدبي . ولا يتاح كل يوم للكاتب أو الشاعر أن يراجع تاريخه وتجربته على الورق. ولهذا تساءلت عن منهج د. فاروق مواسي في النقد. وعن رؤيته التفصيلية للشعر، وعن موقفه الشعري من العالم. وما زلت أنتظر.
بقيت ملاحظة أخيرة، وهي ضرورة الاعتراف للدكتور فاروق مواسي ، من خلال هذه السيرة ومن مجمل مشروعه الأدبي، بأنه مثقف جاد، محب بمعنى أنه لا يبخل بالشهادة الطيبة على من يرى أنه يستحقها . إلا أن الصفة الأهم في رأيي هي أنه قلق ، والقلق هو المحرك الحقيقي للإبداع الذي لا يعترف بالاستقرار ، بل ينشد البحث حتى اللحظة الأخيرة ، عن المعرفة والحقيقة. ومع ذلك فقد يبدو د. مواسي مطمئنًا أحيانًا إلى نتائج تحتاج إلى التمحيص، كإشارته إلى قصيدته الرائدة في الموت وفلسفة الموت التي سبقت جدارية محمود درويش – من حيث العمر الزمني، فقصيدته مكتوبة في وقت أسبق. والواقع أن سؤال الموت قديم جدًا في الشعر العربي، ويائية مالك بن الريب أشهر من أن يشار إليها. – وكذلك دالية المعري بطبيعة الحال: غير مجد في ملتي واعتقادي – كذلك مجموعات السياب الثلاث – وقد درسه د. مواسي –وهي "المعبد الغريق" و "منزل الأقنان" و "إقبال"، إضافة إلى قصائد أمل دنقل في مرحلة السرطان.. ويطول البحث في هذا المقام..
ويبقى في النهاية أن كتاب "أقواس من سيرتي الذاتية" للشاعر د.فاروق مواسي، كتاب ممتع، شائق مليء بالفائدة، ويشع بذكاء القلب على ما تعتوره من نقاط تحتاج إلى المراجعة، وهذا شأن الأعمال الجادة منذ أن كان الأدب.
المصدر
حياكم الله
http://www.w6w.net/album/35/w6w20050...21b61726a0.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://img141.imageshack.us/img141/8740/15lv.gif
http://www.25q8.com/vb/uploaded/wrdaa.gif
باحث يجرد القصيبي من فن الرواية بملتقى النص
الخميس 19 ربيع الأول 1429هـ الموافق 27 مارس
2008م العدد (2736)
http://www.alwatan.com.sa/news/image...cul.p17.n4.jpg
جانب من الجلسة الأولى ويظهر فيها آل مريع والمساعد وبكر
جدة
محمود تراوري
هيمنت شخصية غازي القصيبي ومنجزه الكتابي أمس على جلسات ملتقى قراءة النص الذي ينظمه أدبي جدة حاليا، وأشعلت روايته (شقة الحرية) الجدل من جديد بين باحثي الملتقى، وتداول السؤال المطروح منذ بداية التسعينيات الميلادية زمن صدور العمل (هل فؤاد الطارف) هو نفسه القصيبي؟
وتتابعت مثل هذه التساؤلات عقب إلقاء إبراهيم مضواح الألمعي بحثه المعنون بـ (التقاطعات بين بطل شقة الحرية وكاتبها) تناول من خلالها ما تضمنته السيرة الشعرية للقصيبي وكتاباته منطلقا من محور إمكانية سرد السيرة الذاتية في شكل روائي وتشابه الأحداث التي عاشها البطل مع الأحداث التي تضمنتها كتابات سيرية أخرى للقصيبي، قبل أن يتساءل هل رواية "شقة الحرية" سيرة ذاتية لكاتبها؟ غير أن الدكتور سلطان القحطاني طرح ـ وبكل ثقة ـ رأيا نفى فيه صفة الرواية أو السيرة الذاتية عن كل ما كتبه القصيبي، مضيفا إليه تركي الحمد، واصفا ما كتباه بـ"ذكريات".
وقال القحطاني في ورقته (التماس الفني بين السيرة والرواية): إنه لا يوجد في الأدب السعودي أي كتابة يمكن أن يطلق عليها سيرة ذاتية، عدا عملين هما (حياتي بين الحب والجوع والحرب) لعزيز ضياء، و(حكاية الفتى مفتاح) لعبد الفتاح أبو مدين، وما سوى ذلك لا يعدو كونه مذكرات وذكريات خاصة، وأضاف القحطاني أن السيرة لا يمكن أن تكون رواية، ولا الرواية أن تكون سيرة.
وشهدت الجلسة الأولى التي أدارها رئيس نادي الباحة الأدبي أحمد المساعد تناولا لمفهوم التلقي الذي طرحه الدكتور أيمن بكر من خلال ورقة حملت عنوان (شذرات السيرة: بحث من منظور التلقي) ذكر فيها أنه من زاوية التحليل السردي هناك سمتان تميزان شذرات السيرة الذاتية، من حيث هي حالة من التمثيل للوقائع الحقيقية في حياة الشخص، وهما اعتماد السيرة الذاتية على الانتقائية والتأويل.
وقال إنه اجتهد في تحليل بعض السياقات التي تتواجد فيها شذرات السيرة من خلال كتب الرحلات ممثلة في كتاب (من ذكريات مسافر) لمحمد عمر توفيق، ومقالات صحفية لعبد الله المطيري وعبد الله العلمي، والإعلانات التجارية ذات السمت السردي، وتعرضت ورقة أمل التميمي (مفهوم السيرة الذاتية المعاصرة في الأدب الإعلامي المرئي) لانتقادات كثيرة وأخذ عليها معظم المعلقين عدم وضوح الفكرة، حيث قال الدكتور حسن الحازمي "إنها تكلمت عن الحضور الإعلامي للأدب والثقافة بشكل يتنافى مع ما كان يجب أن تطرح الورقة، وتمنى لو أنها قارنت بين السيرة المرئية والمكتوبة، وهو ما ذهب إليه الدكتور عبد الله الحامد متفقا، ومشيرا إلى ما سماه (أدب الرحلة التلفزيوني) الذي رأى أنه يحقق التناغم بين الشفاهي والصورة.
كما أثارت الجلسة الأولى تساؤلات عن مصطلح (الكنتية) الذي طرحه أحمد آل مريع في ورقة قال إنها تهدف إلى مقاربة أوليات الممارسة الشفهية لإنتاج خطاب السيرة الذاتية وتلقيه من خلال تفكيك (كنت، كنتي، كنتية، كنتني، كان)، وطالب الدكتور حامد الباحث بضبط مصطلح الكنتية بين ما هو شفاهي وكتابي، وأخذت سهام القحطاني على الباحث عدم توضيح المصطلح.
وفي الوقت الذي نفى فيه الدكتور عاطف بهجات صفة الأدب عن السيرة الذاتية، تناول الدكتور عادل الدرغامي في ورقة (تجنيس السيرة الذاتية) التداخل والتصنيف بين السيرة الذاتية بوصفها جنسا أدنى، والرواية بوصفها جنسا أعلى، متطرقا لمحاولات عديدة من نقاد غربيين قال إنهم سعوا لتخليص جنس السيرة الذاتية من الشوائب، واصلا إلى أن السيرة تظل جنسا إشكاليا مقارنة بالرواية بوصفها جنسا أدبيا مستقرا ومتعاليا، ويختتم الملتقى جلساته اليوم الخميس بثلاث جلسات، وعرض مسرحي يقدمه فرع جمعية الثقافة والفنون بجدة.
المصدرحياكم الله
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
***
البرنامج
الثانية و30 بعد الزوال: استقبال المشاركين.
الثالثة و15 بعد الزوال: الجلسة الافتتاحية.
رئيس الجلسة: الأستاذ حسن نجمي
- كلمة السيد مدير مؤسسة صندوق الإيداع والتدبير.
- كلمة السيدة ليلى الشاوني مديرة دار النشرالفـنـك.
- كلمة الأستاذ عبد الحميد عقار رئيس اتحاد كتاب المغرب.
15و30 فيلم وثائقي حول مسار عبد القادر الشاوي
15و45 الجلسة الأولى: عبد القادر الشاوي: روائيا
رئيس الجلسة: الأستاذ عبد الفتاح الحجمري
"تنويعات على التخييل الذاتي في روايات عبد القادر الشاوي"
الأستاذ محمد برادة
"عبد القادر الشاوي: بين النقد والرواية"
الأستاذ كونصالو فرنانديس
"قراءة جديدة في رواية باب تازة"
الأستاذ إبراهيم الخطيب
"عبد القادر الشاوي: شاهدا ومبدعا"
الأستاذ نجيب العوفي
16و45 مناقشة.
17و15 إستراحة.
17و30 الجلسة الثانية: عبد القادر الشاوي .. السياسة والصحافة
رئيسة الجلسة: الأستاذة فاطنة البيه.
"عبد القادر الشاوي كقارئ للخطاب السلفي"
الأستاذ إدريس بنسعيد، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بالرباط
"عبد القادر الشاوي وتجربة اليسار الجديد: قراءة في كتاب/ وثيقة"
الأستاذ محمد الساسي، أستاذ القانون الخاص بكلية الحقوق بالرباط.
"الصحافي كما يراه عبد القادر الشاوي في رواية باب تازة"
الأستاذ العربي المساري، كاتب وصحفي.
"عبد القادر الشاوي صحفيا: تنوع الشخص، تنوع التجربة"
الأستاذ عبد الوهاب الرامي، أستاذ بمعهد الصحافة بالرباط.
18و30 مناقشة.
19و00 الجلسة الختامية.
كلمة الأستاذ عـبـد القـادر الشـاوي
المصدر
حياكم الله
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
حاورته: لطيفة لبصير*
عن موقع كيكا
www.kikah.com
عبد القادر الشاوي باحث وروائي مغربي، له عدة مؤلفات في مجالات فكرية، سياسية وأدبية مختلفة، معتقل سياسي سابق، جسدت كتاباته العديد من تناقضات المجتمع المغربي وأحلام جيله، صدر له في الرواية "كان وأخواتها"1986،"دليل العنفوان" 1989،"باب تازة" 1994، الساحة الشرفية" 1999 التي حصلت على جائزة المغرب للأدب، "دليل المدى" 2003،"من قال أنا؟" تخييل ذاتي 2006، كما أنجز العديد من الأبحاث والدراسات الأدبية نذكر منها "الذات والسيرة" 1996، التخلف والنهضة" 1998، "الكتابة والوجود،السيرة الذاتية في المغرب" 2000 ...
يعد عبد القادر الشاوي من المهتمين بالسيرة الذاتية، وقد هيمن هذا المدى على مسار كتابته الإبداعية، فالذات بالنسبة له تخييل وواقع في نفس الآن، تعمل الكتابة على السؤال في قضاياها.
هذا حوار مع الكاتب والروائي عبد القادر الشاوي:
لطيفة لبصير: تجسد كتاباتك الكثير من القلق والارتباك والحنق، إذ نشعر في كثير من الأحيان سخطك على واقع الذات المتكلمة التي يمثلها راويك، وسخطك على واقع كبير، ألا يمكن القول إنك تهدد بسقوط العديد من القيم والمبادىء التي آمنت بها سابقا؟
عبد القادر الشاوي: يمكن اعتبار الكتابة الأدبية لحظة تمرين قصوى للسيطرة على اللغة وعلى العالم المروي وعلى القارئ نفسه، وكذا على عملية التفاعل (مع المجال العام) التي ينشدها كل كاتب استوفى شروط الكتابة الأدبية التي لا تستقيم هذه بدونها. ومن الطبيعي أن نستنتج أن في ثنايا هذه العملية هناك أيضا عملية أخرى موازية للسيطرة على المواقف العامة المراد التعبير عنها بصورة واعية أو غير واعية.
ويخيل إلي أن الانخراط في هذه العملية الصعبة، عندما تتاح جميع الظروف المناسبة للقيام بذلك على الوجه التام، يحتاج إلى تركيز ذهني كبير، مثلما يحتاج إلى استعداد نفسي وعقلي يسهل الانصهار المطلوب في الأجواء التي تقتضيها المناسبة، مناسبة الكتابة الأدبية.
مرادي من ذلك أن أقول إن وعينا بالكتابة "الصافية" (الذي قد يكون وعيا قصديا نتوخى منه التعبير عن أفكارنا العقلية المنظمة) لا يتطابق باستمرار، من جهة، مع ما قد تمليه هذه الكتابة من اشتراطات وتأثيرات لغوية وذهنية ونفسية بحكم طبيعة الكتابة نفسها من حيث هي نظام لغوي، وكذا مع المواقف المدركة التي نود التعبير عنها لأنها تتأثر أيضا بالمناخات (من حيث هي سياقات للتعبير الأدبي والفني) التي نعبر عنها أو نتفاعل معها قصد التعبير عنها.
ومن هذه الزاوية لا أجد في الروايات التي نشرتها لحد الآن أي نمط من التعبير الصريح والواعي عن القضايا الخاصة، سياسية وإيديولوجية، التي انشغلت بها في فترات الكتابة، بل ولقد عشت في أتون ذلك باستمرار على نوع من التناقض المدمر بين تصوراتي السياسية (التي أحسبها يسارية) وبين "التناول" الذاتي الذي غالبا ما ألقى بي في سياقات متعارضة إلى هذا الحد أو ذاك مع بعض الاعتقادات التقليدية البديهية المترسبة في وجداني، هذا مع علمي، وتلك خصيصة نفسية ما انفكت تلازمني منذ سنوات، أنني أميل ما أكون إلى حالات السلب منه إلى حالات الإيجاب، وأشد ميلا إلى السخرية ذات الطبيعة السوداء التي لا تبقي (من حيث المعنى) على أي شيء كما على الذات أيضا ولا تضر، بل وأصارحك أنني لا أجد في الكتابة الأدبية التي أكتبها أي مبرر عقلي ولا منطقي لممارسة خلاف ذلك.
لطيفة لبصير: هذا يجعلني أستحضر المقولة الشهيرة لجان بلمين نويل إن الكتابة تقول أكثر من الكاتب، وقد يفاجأ الكاتب بأشياء صدرت عنه دون علم منه تكون الكتابة هي المسؤولة عنها وليس الكاتب، وهذا يدفعني إلى أن أبحث عن تبرير للتجنيس لديك، فأنت تترواح بين الرواية والسيرة الذاتية، وفي عمليك الأخيرين "دليل المدى" و"من قال أنا"، نجد تصنيفا أجناسيا هو التخييل الذاتي، هل هذا الانتقال مرده إلى ضرورة الكتابة التي تفرض ميثاقها، أم أنه يخضع هو الآخر إلى التطورات النظرية التي تعبر إلى التخييل الذاتي، باعتبار أن كل شيء حقيقي، وكل شيء يعاد صنعه؟
عبد القادر الشاوي: هناك تواز غير مدرك بين الكاتب (الذات، المستوى الثقافي والفكري، التفاعل الوجداني من حيث الرغبات والعواطف) وبين الكتابة (نظام تعاقدي ومعياري) يتراوح، في كثير من الأحيان، بين التناظر والتفاعل حسب الأوضاع والمقامات، وعندما أشرع في الكتابة الأدبية، على وجه التحديد، أجعل من نفسي في موقع من يريد استخدام النظام التعبيري (اللغة والبنيات الذهنية) كأداة لبلورة التصورات المفكر فيها أو العوالم المراد بناؤها أو الفضاءات المراد طرقها وتأثيتها، وتتأثر هذه العملية بوضعيتي الشخصية وبدرجة وعيي الثقافي وكفايتي اللغوية، كما أنها ترتبط بغير ذلك من التأثيرات الظرفية المصاحبة التي تتفاعل فيها بينها في محاولة لإحداث وبلوغ الغاية المنشودة من التعبير على درجات مختلفة من القوة أو الضعف، من السهولة أو الصعوبة ...
ولذلك فإن علاقة الكاتب بالكتابة لا تنبني على الدرجة أو الرتبة بل على الوظيفة، أي ماذا أريد من كتابتي الأدبية أن تقول عندما يكون في مبناها ومعناها، بناء على الشروط المصاحبة، ما يشكل القول ويصوغه، وإذا كان من الصحيح أن نتساءل، في بعض الأحيان، عن درجة الوعي التي يمكن أن تصاحب سؤالا من هذا النوع، وهل في صياغته ما يفيد العلم بالغاية المرجوة، فإننا مع ذلك نستطيع أن نتحكم بقدر معين في جعل الكتابة الأدبية صيغة من الصيغ الممكنة للتعبير عن المواقف التي نريد إبلاغها أو الإعلان عنها.
عندما تقول الكتابة الأدبية أكثر من الكاتب، فمعناه أننا في دائرة التأويل الذي يمكن أن يصطنعه القارئ المفترض لقراءة ما يًكتب ومن يَكتب، أما عندما يقول الكاتب ما يتوخاه من الكتابة، بالمعنى الذي شرحته في السابق، فمعناه أننا في دائرة الإبداع، ولا يمكن الحديث عن الإبداع في هذا المجال إلا من خلال الكتابة، مثلما لا يمكن الحديث عن اللوحة مثلا إلا من خلال التشكيل الفني الذي يكونها، هذا ما يدفعني إلى القول: إن على الكاتب أن يتوقع لا أن يكون ضحية للمفاجأة، مثلما عليه أن يكون مبدعا لا داعية.
من هنا أصل إلى مسألة التجنيس التي أراها، في الواقع، على صلة أكثر بطبيعة النصوص التي ننتجها عندما تطاوعنا الكتابة الأدبية لإنتاج نصوص جيدة تستحق القراءة والتأويل. أعني بذلك أن الطبيعة التجنيسية للنصوص مرهونة بطبقاتها من حيث هي بنيات ومقولات ومواثيق أكثر مما هي من وحي تنظير يرتبط بالمفهوم التاريخي للتراكم الذي تحققه النصوص عندما تستقل بنفسها كنصوص تعبيرية أدبية من نفس الطبيعة، مع الاعتراف، بطبيعة الحال، بأن التخييل الذاتي يستهويني أكثر لأنه يتيح لي إمكانية هائلة للتعبير الحر، وكذا لتشكيل عالم "مبتدع" يتوازى مع كثير من التصورات التي أكونها عن نفسي وعن العالم من حولي.
لطيفة لبصير: ما في ذلك شك أن التخييل يتيح إمكانات أكبر في صوغ الذات، وحتى في صنعها، لماذا أتحدث هنا عن الصنع، لأن اللغة تقدم خطابا آخر، بالرغم من أن الكاتب قد يشتغل على أحداث واقعية، ونعود لنصوصك، أنت تشتغل على الذاكرة، بشكل كبير جدا، وهي ذاكرة متصدعة، مكلومة وتتحدث كما رأيناها في "دليل العنفوان" أو"دليل المدى" مثلا، عن مراحل عبرت من العمر، وفضاءات عاش فيها الكاتب( الرباط، البيضاء...)، لكنه أعاد صياغتها أدبيا إذ أننا نجد الأحداث منسوجة، أو أنها تصنع نوعا من الكذب الصادق، خاصة ونحن نقرأ عملك الأخير"من قال أنا"، كنت كمن يهيىء قبره، حتى أن النص يبعث على الرهبة حين نجد أصدقاءك هم من يتحدثون عنك في المستقبل، طبعا من خلال تخييل صنعته أنت، وفقا لهذا الاعتبار، فإن زمن الماضي والمستقبل هما زمنان غير حقيقيين، لذا فان التخييل يعبر إليهما، ألا ترى معي أن التخييل هو أيضا حقيقة الكاتب، لأنه نابع منه ويدرج في مصاف استيهاماته؟
عبد القادر الشاوي: يمكن اعتبار التخييل الذاتي، كلون أدبي مستحدث، أحد صيغ التعبير الممكنة لتشكيل "صورة بيانية" مبتدعة عن الذات والمحيط. ويمكن اعتبار التخييل الذاتي، من هذه الزاوية، صيغة موازية تنتظم من خلال اللغة وفيها وبها لتجربة حياتنا الواقعية التي نود التعبير عنها على اطمئنان أو يقين خادع، لا يهم، بأننا نكاشف القارئ بحقائقنا الذاتية الخاصة، أما ما نقوم به كَكُتاب، في الواقع، فهو أننا نكتب ما نتوهمه، ونتوهم ما نكتبه. أضيف إلى ذلك أن التخييل الذاتي هو، بمعنى ما، العالم المنظور وقد تحول من خلال الصور البلاغية الإنشائية إلى مادة مشخصة، مبناه اللغة الأدبية وحياته اللغة الأدبية والتأويلات التي قد تتفرع عنه نابعة من اللغة الأدبية نفسها.
ومن المفهوم من هذه الزاوية أن علاقة التخييل الذاتي بالذاكرة ليست علاقة شرطية محكومة بالردود التي تقتضيها الأفعال، ولا تقوم على الاستجابة التلقائية أو الفورية النابعة من ضرورة ما، ولا أيضا على التواصل الذي قد يتحقق بصورة تلقائية من خلال التماس الدافع، في معظم الأحيان، إلى بلوغ التفاعل، بل إنها، إذا أحببنا، علاقة مركبة، أي أنها ترتبط بالذكريات، وكذا بالمفهوم الخاص الذي نسبغه أو نُعَرٍفُ به تلك الذكريات، أشرح ذلك قائلا: إن التخييل الذاتي يحاذي الاستيهام ويلاعبه بل ويتلاعب به أيضا، وسر ذلك أنه يجعل من لغة الكتابة أداة للاستعارة، والأمر كله ينبني على المفارقة الناتجة عن ذلك من حيث يصبح الاشتباه، في مطلق الأحوال، طريقة لتأويل المعاني المبثوثة في السرود. وعندما أتكلم عن ذاتي في هذه الحالة فإنني لا أنتج لغويا تلك الصورة التي أتخيلها عن نفسي فقط، بل وأقوم في نفس الآن باختيار مباني ومعاني تلك الصورة، من حيث زاوية النظر والمحمول الرمزي الذي قد يرتبط بها، على أنها الصورة الواقعية أو الحقيقية التي تشبهني أو تقاربني في الشبه، غايتي من ذلك، وأنا في أشد حالات اليقين اطمئنانا، بأنني أكتب عن ذاتي في انسجام لا ينازعني فيه شك.
أريد القول إن التخييل الذاتي، في حقيقة الأمر، يرتبط في الكتابة الأدبية باللغة وبالذاكرة وبالكتابة (الأدبية) هي ذاتها على نفس المستوى من الارتباط الذي به تتحقق الغاية من القول الأدبي، والبعد التخييلي في الكتابة هو الذي ينتج جميع الصور الاستيهامية التي تصدر عنها في علاقة بالذات، سواء أكانت هذه الذات كاتبة أم مكتوبة، وبطبيعة الحال فإن الأمر يختلف في الأجناس الأدبية الأخرى من حيث الميثاق ودرجة التبئير المتعلقة بالموضوع، في الرواية نشيد العالم الموضوعي، ونوهم القارئ على أنه العالم الممكن، أما في التخييل الذاتي فإننا نعيد تشييد العالم الذاتي على أنه الصورة المفترضة لوجودنا في الزمان.
في (من قال أنا) صورة مركبة للذات من خلال السرود التي تتناوب عليها الشخصيات، ولكنها سرود تتراكب دفعة واحدة لتقديم صورة متخيلة عن الشخصية المفترضة أو تلك التي يفترض القارئ بأنها تتماثل مع الشخصية الواقعية ذات الاسم المعين، هل يمكن أن نطمئن إلى شيء من ذلك عندما نعرف أن مبنى الحكاية أصلا لا يتطابق مع "المعرفة الواقعية/فيليب لوجون" التي نختزنها في أدمغتنا ومخيلاتنا عن الآخرين والوقائع؟ هذا هو السؤال الذي يقود إليه كل تخييل ذاتي.
لطيفة لبصير: لهذا السبب عمل فيليب لوجون على التجديد في السيرة الذاتية، ذلك أنه وجد أن كل الحيوات تتشابه، وعليه فإن التجديد يكون على مستوى نظام التركيب الذي يتيح إمكانات كبرى للتخييل، ولكن بالرغم من ذلك، فإن عوالمك السردية مبنية على محكيات سيرية ذاتية، وهنا لا أتحدث عن السيرة - الميثاق، ولكن عن عنصر تقني داخل العمل الأدبي، إذ أننا نجد معظم أعمالك الأدبية تحكي مسار الأنا، والأنا هنا ليس ضمير متكلم فقط، بل يمكن القول إن جلالة الأنا ليست سيدة بيتها الخاص ، فهي تبحث عن كل عوالم الهو داخل الذات وتسعى إلى نبشها والتشهير بها، وأعطي مثالا بروايتك "باب تازة"، فقد كنت منشغلا بتحقيق صحفي، ولكن بالرغم من ذلك تصعد حياة يومية مليئة بالقرف، الزوجة، والبنت التي تصرخ كل حين، والآلة الكاتبة، إذ كنا نسمع ضجيجا آخريخلق أدبا سيريا يدون سيرة الأنا بكل عوالمها الخفية، هذا يذكرني بروايات "غالب هلسا"، فقد كانت رواياته أيضا ضاجة بسرد حياته الخاصة، وأنت تعرف أن غالب هلسا عرف سجون المدن أكثر من عواصمها، هل يمكن القول إن عالم السجن كمحطة أساسية في حياتك لها عامل في استجماع حياة أخرى، هاربة ومنفلتة، تصوغها الكتابة، حتى أننا نشهد كل العوالم السرية(وهنا أتحدث عن لغات الجسد المتعددة بما فيها من شبق ومن رغبة محرمة) تصعد إلى السطح، مغلفة بحرير اللغة؟
عبد القادر الشاوي: يمكن اعتبار الكتابة الأدبية، وهو ما قد يفهم أيضا مما ذكرته سابقا، أداة لصوغ المعنى وبلورته بصورة مدركة في قالب جمالي تتوفر له، في الغالب، خصائص التعبير والبيان والفهم، ومع ذلك فإن الكتابة الأدبية هي، بالتعريف، إشكالية أو مركبة من حيث إنها بلاغية تتواصل فيها تواصلا حيا عدة مستويات (لغة، ذات، واقع) ترتبط باللغة وبالذات الكاتبة وقدرتها على التعبير اللغوي وبمجالات العالم الذي نتفاعل معه ونود التعبير عنه في آن. ويبدو لي أن الكتابة الأدبية، وهي تختلف من هذه الناحية عن غيرها، لا يمكن أن تتحرر من ذات كاتب (ت)ها، بل إنها، كما هو المؤكد، تتعالق مع أخص مناطق تلك الذات إيغالا في الغموض، فتصدر عنها صدور الماء عن نبع دفين لا ترى طبقاته الأرضية السميكة.
ينشأ العالم الأدبي (المحكي) في علاقته بالكتابة من قدرة الكاتب نفسه، وهي قدرة لغوية وتخييلية، على بناء الكون الرمزي الذي يحايث (كينونته) ووجوده الاجتماعي ضمن مختلف العلائق التي تحتويه وتكتنفه، لا يمكن أن نفترض كتابة أدبية سابقة على الذات، ولكننا يمكن أن نفترض وجود كتابة عليها.
الذات هي التي تفكر في الكتابة، وهي التي تؤطر سياقات التعبير العامة، وبالطبع فإن الكتابة الأدبية يمكن أن تفارق الذات كموضوع، ولكنها لا يمكن أن تتحرر منها ككيان، وتقديري أن الفرق بين الكُتاب بعامة بخصوص هذا الموضوع هو في الدرجة، درجة التحرر أو مفارقة الذات، لا في الاختيار، ولو قدمت مثلا من تجربتي الشخصية في الكتابة الأدبية لوجدت أن مختلف الأعمال الأدبية التي نشرتها لحد الآن تقوم أو تنبني على سرود ذاتية متباينة الأوضاع والحالات والمواقف والتصورات، فضلا عن الخطابات التي تبعثها نحو القارئ.
وأود أن أضيف إلى ذلك أن هذه التجربة لم تكن اختيارية، وأزيد على ذلك بأنني لم أخطط لها على أي نحو من أنحاء التخطيط الذي قد يفترضه أو يحاوله كاتب لمساره الأدبي، ومع هذا وذاك فإنها لم تكن عفوية أيضا، بل تلقائية لأن المشاعر الأولى التي داعبت مخيلتي وألحت علي في الكتابة كانت مرتبطة بالأوضاع الخاصة التي عايشتها واكتنفت حياتي الإنسانية والإبداعية في فترة ما من تطوري الأدبي والإنساني.
لقد كتبت بيدي وتفاعلت الكتابة مع أحاسيسي ومواقفي وتصوراتي ... وهذا هو المنطلق الذي أدافع عنه وأعتبره، في نفس الوقت، مرتبطا بالذات لصيقا بأوضاعها العامة مكتنفا لها متدافعا مع اندفاعاتها التي ترمي إلى التعبير عن الأحاسيس والرغبات والمواقف والأهواء على جميع الوجوه الممكنة، فلا يعمل الكاتب إلا على تنظيم المجال العام الذي ترسمه الكتابة الأدبية بالطرق الجمالية التي يختارها بناء على حساسيته الفنية واقتناعه الفكري.
لا يجب أن نتصور أن الكتابة عن الذات هي مجرد "إعكاس" مرآوي للأوضاع التي هي عليها ولمطلق الأحوال التي تنتابها، لأن الكتابة عن الذات هي، في نهاية المطاف، تضعيف للوجود المادي لتلك الذات بطريقة لغوية وتخييلية، وما تنتجه تلك الكتابة بهذه الطريقة وعلى هذا الصعيد هو، من باب التعريف، "مضاعفها الذهني"، كما أنه لا يمكن اعتبار "التذويت" استنساخا بل ابتداعا تتضافر له جميع المقومات التي تجعل من الإبتداع طريقة أخرى لبناء العالم الذاتي الموازي كما أشرت إلى ذلك مرارا.
لو تكلمت، مرة أخرى، عن تجربتي الشخصية أنطلاقا من الأعمال الأدبية التي نشرتها لحد الآن لقلت بعبارة صريحة: إن العالم الذاتي الذي تترجمه مختلف تلك الأعمال هو زاوية نظر وطريقة اشتغال ومجال كتابة. وأضيف إلى ذلك أنني أعتبر تجربتي الشخصية، من خلال جميع المعاناة التي كابدتها وخبرت أطوارها، سياقا للكتابة الأدبية المتحللة من جميع القيود المعنوية، مثلما أجد فيها ما يؤكد لي باستمرار بأن الذات، ذاتي، هي، على نحو من الأنحاء، مظهر آخر لوجودي المادي في المجتمع الذي تتقاطع فيه، بعيدا عن كل هندسة محكمة أو كيمياء مضبوطة، جميع العلاقات والأوضاع والمؤثرات الفاعلة وغير الفاعلة ... ويبدو أن السجن في تجربتي الشخصية، مرة ثالثة، وربما في تجارب غيري من الأفراد، ساهم بدور معين في تكوين النظرة العامة التي تسيطر على وعيي الكتابي في هذا المجال، مجال الكتابة الأدبية، أتكلم هنا، على وجه الاحتمال، عن الإكراهات العميقة التي قد يكون تشربها وجداني وترسبت في تكويني ثم سخرها قلمي، لست أدري.
لطيفة لبصير: نعم، السجن كعالم آخر يمكن أن يعمل على توجه نمط الكتابة اتجاه سرد الذات، وتجليها لغة أخرى كما ذكرت، ربما يكون اختيارك للبحث في السيرة الذاتية نابعا من نفس الهاجس، وهو الإيمان العميق بالذات وانكساراتها وخيباتها، أو أحلامها أيضا، ولكن دعني أقف قليلا عند عنوان الرواية الأخيرة "من قال أنا"، فقد كان عنوانا مثيرا جدا، إذ يمكن أن يقرأ قراءات متعددة، فإذا صغناه بالدارجة المغربية يصبح له معنى آخر، ولكن إذا قرأناه باللغة العربية الفصحى ففيه جدل كبير لأنا المتكلم الذي ينفي وجوده. في بعض الأحيان نقف كثيرا عند العنوان، ونتساءل لماذا هذا العنوان بالذات؟
إن توجهي إلى البحث الأكاديمي في السيرة الذاتية كما إلى الكتابة فيها قبل ذلك أراه في تجربتي، ولست في ذلك إلا حادسا لا متيقنا، وليد أمرين متداخلين: أولهما ذاتي صرف نابع من خصوصية بعض المعاناة الفكرية التي خبرتها أثناء فترة السجن، وأغلبها كان من وحي اهتمام عميق وأليم يوجبه الوجود في مكان مغلق وجودا قمعيا لا بديل فيه لأي اختيار ولا موجب فيه لأية حرية ولا قدرة فيه للقيام بأي تصرف ... فكان أن بذلت في سبيل تذليل الصعاب التي واجهتني على الصعيد الذاتي ما لا قبل لأي كان من غير السجناء على بذله طوعا (غالبا ما يُكْرَه السجناء على التكيف مع الأوضاع الاستثنائية المفروضة عليهم قياسا إلى تجاربهم السابقة في الحياة لا بحكم قساوة التجربة التي يكابدون ويلاتها فقط بل وكذلك بحكم قانون المعاناة الذي يكرسه السجن).
ومن المفهوم أن تجربتي في السجن، وهو أمر يدعوني باستمرار إلى ما يشبه الافتخار النرجسي، علمتني أن أجعل من ذاتي عنوان تجربتي وخبرتي في الحياة، أي أن أفهم تماما أنني في مجال مغلق، وفي تجاور حياتي مع الذوات الأخرى، وأن الطابع العام لجميع مظاهر الاحتكاك التي لا تقاوم بين الأفراد مردها إلى الأحكام المطلقة المبنية على أقيسة إيديولوجية (موضوعية؟) التي اعتادوا عليها في التعامل مع الآخرين.
أما الأمر الثاني فيعود إلى عنايتي الخاصة منذ فترة مبكرة من تجربتي الأدبية بالنقد الأدبي، وأعتبرني الآن، بعد أن لم أفلح لظروف شخصية من السهل إدراكها في أواخر السبعينيات من القرن الماضي في مواكبة التطورات الأدبية التي استجدت في ميدان نقد الرواية والقصة القصيرة ربما، قد انصرفت تلقائيا، في ارتباط مع بعض القراءات المؤثرة في تكويني ومعرفتي، إلى الاقتراب من السيرة الذاتية والاهتمام التدريجي بالعوالم التي بدأت تفتحها في وجهي (قراءة نصوص واستيعاب نظرية وتطبيق مفاهيم)، هذا فضلا عن أن الاهتمام بالسيرة الذاتية لم يكن مذكورا في الجامعة المغربية، على الأقل من خلال الأطاريح المسجلة أو المنجزة، إلا على نحو جزئي ... علما بأن الاهتمام بالسيرة الذاتية كجنس أدبي كان "محقرا" وليس لقراء العربية حوله إلا النزر اليسير من الأفكار المبهمة التي لا تنير المعاني ولا المواقف، بالإضافة إلى أن كثيرا من المنظومات الفكرية والإيديولوجية الغربية نفسها أشاعت من حولها كثيرا من الأحكام السلبية ... هذا مع العلم بأن الذين رفضوا السيرة الذاتية انتهوا إلى كتابتها أسرى طائعين بمعنى من المعاني (أشير بذلك إلى "بيير بورديو" آخرهم على سبيل المثال الذي يحضرني الآن فقط).
وتنويعا على هذا كله أريد أن أقول للجواب عن الشق الثاني من سؤالك: لو وقفت قليلا عند عنوان النص الذي نشرته قبل سنة تقريبا (من قال أنا) لوجدت فيه بوضوح شيئا كثيرا مما أتيت على ذكره، أو هكذا يبدو لي الأمر، يمكن لي، إذن، أن أقرأه على ثلاثة وجوه ممكنة: أولها بإضافة الاستفهام الاستنكاري يصبح تأكيدا ندركه بالتأويل: أنا الذي أقول أنا رغم استنكار المستنكرين؟ وأعقله (حرف مَنْ) أيضا، وهذا ثانيها، كتأكيد للقائل الذي يقول أنا بطبيعة الحال، إذ فيه تصريح يعود على القائل الغائب. أما الوجه الثالث المضمر فهو أن في العنوان ما لا يخفى من الإحالات الضمنية على الاعتقاد "الديني" الراجح لدى كثير من الأفراد بأن الأنا مرادف آخر للشيطان الذي يرجم، وهي في جميع الأحوال والأوضاع، قولا وسلوكا، محقرة مذمومة غير مستساغة عندما ينطق بها الناطق، وله أن يستعيذ بالله تعالى من قولها وسردها (تكاد أن تكون الأنا مسرود بدون سارد، أو ملفوظ بدون لافظ). ويظهر لي أن الاعتقادات الرائجة حول الأنا إن هي، في الواقع، إلا اعتقادات ثقافية تقليدية ترتبط ببنيات معينة على صعيد المجتمع، ولها في التاريخ العربي الإسلامي كثيرا من التصورات والأسانيد التي لا يستقيم فهمها إلا من خلال مفهوم الجماعة (أو البنية المماثلة) الانتربلوجي، لقد أردت القول، من خلال العنوان المشار إليه.
إن جلال الذات لا يكون إلا على قدر الحكاية التي تسردها في التجربة والحياة، وأن الأنا غير محايدة بطبيعة الحال، بل إنها محاذية لجميع المعاني التي ننتجها عن وجودنا الاجتماعي في الحياة والكتابة... وصدق بذلك شاهدا ما لا يحصى من النصوص القوية التي كُتبت على هديها الأسطوري منذ القرون الوسطى على الأقل، لأنها أرخت تأريخا نصيا موازيا للقلق والحيرة والسؤال الذي "ماكر" الأفراد ولاعبهم منذ أن كانوا أفرادا في العلاقة بذاتهم الشاكة (التهامي الوزاني) وبالكون الملغز (غوته) وبالخالق الجبار (القديس أغوستين).
* لطيفة لبصير
كاتبة مغربية
labsirlatifa@yahoo.fr
حياكم الله
http://www.w6w.net/album/35/w6w20050...21b61726a0.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://img141.imageshack.us/img141/8740/15lv.gif
http://www.25q8.com/vb/uploaded/wrdaa.gif
http://www.alhalem.net/images/okabi.jpg
أصغي إلى رمادي
حميد العقابي
الطبعة الأولى - 2002
تصميم الغلاف: أليسا زيلينوفا
دار الينابيع - دمشق
يثير كتاب حميد العقابي (أصغي رمادي) إشكالية لم تحل في الخطاب الأدبي رواية، سيرة، سيرة ذاتية، أم سيرة ذاتية روائية، وكلها مفاهيم مختلفة حينا، على مستوى الخطاب والتركيب والبناء، ومتداخلة على المستوى نفسه حينا آخر، وتتعقد هذه الاشكالية أكثر في الخطاب الأدبي العراقي الذي لم يعالج لا على مستوى علم نقد النص، ولا على مستوى القراءة الابداعية بوصفها اعادة صوغ وكتابة أخرى للمقروء، قضية السيرة الذاتية/ الروائية/ السيرة، بإستثناء ما عرف من"سير" الشخصيات العامة التي ترى في نفسها اهمية أو في حياتها أو في المرحلة التي عاشتها، وهذا النوع الاخير من السير، عراقيا، لا يدخل في نسيج الادب لأنه أقرب ما يكون الى التوثيق التاريخي، والاعترافات، وملفات المحاكم، وخطابات تبرئة الذمة، والحرص على مبدأ المطابقة بين الواقع وبين النص، بين الشخص الواقعي ـ السارد أو موضوع السيرة أو التاريخ ـ وبين الوقائع، وهذه السير هي أقرب الى خطابات التبرير منها الى محاولة اعادة صوغ هوية ذاتية جديدة كما هو الامر في جنس السيرة الذاتية/ أو السيرة الروائية، وهذان جنسان مختلفان ومتداخلان وفي بعض النصوص يصعب الفصل بينهما، و في نصوص اخرى يظهر التمايز واضحا، فليس العنوان أو القراءة أو العقيدة هي التي تحدد جنس الخطاب الادبي، بل الخطاب نفسه وتموضعه داخل علاقات اللغة والاسلوب. فالتجنيس ليس سابقا على النص، اي نص، بل هو ينبثق منه، وهذا هو خطأ يرتكبه النقد الايديولوجي الذي لا يقرأ النص من داخله، بل يقرأ أفكاره فيه، فهو مقبول اذا تطابقت هذه بتلك، ومرفوض اذا تنافرا، وهذه القراءة هي في الاساس قراءة دينية حرفية وثوقية وعظية، بتعيبر أدق: إنها ليست قراءة، بل هي اجترار مقولات عن الأدب وليس الأدب نفسه.
وموضوع السيرة الذاتية أثار ويثير جدلا متواصلا حول طبيعته كجنس أدبي منفصل أو متداخل مع أجناس أخرى، ولم يحسم هذا الجدل النقدي حتى في علوم النقد الأوروبية على اختلاف مذاهبها. وكتاب فليب لوجون (السيرة الذاتية ـ الميثاق والتاريخ الأدبي) يعد مرجعا في حقل النقد السيروي، رغم ان المؤلف نفسه لم يصل الى استنتاجات نهائية وحاسمة في هذا الصدد، وهذه هي طبيعة النص النقدي المفتوح، على عكس الخطاب النقدي العربي الذي يميل الى التحديد، والتمركز، والآراء الجازمة، ويمكن في هذا الصدد مراجعة كتاب (زمن الرواية) للناقد المصري جابر عصفور، وكتاب الروائي عبد الرحمن منيف(رحلة ضوء) ـ تمثيلا لا حصرا ـ كنماذج على طريقة تصور الكاتب العربي لموضوع السيرة الذاتية/ الروائية/ والخلط الحاصل بينهما، واللغة اليقينية، والجاهزة، والصارمة، وهي لغة قادمة من حقل الايديولوجيا لا حقل الادب، وربما يعد، حسب اطلاعنا، كتاب الناقد والروائي المغربي عبد القادر الشاوي (الكتابة والوجود ـ السيرة الذاتية في المغرب) استثناءً في دراسة السيرة الذاتية العربية، ومرجعية قيمة لدراستها، إضافة إلى كتابات الدكتور عبد الله إبراهيم في نقد وتفكيك الخطاب الروائي من خلال منهج ورؤية غير تلك التي اعتاد عليها النقد العراقي.
ومن الضروري هنا استعراض بعض الآراء النقدية في هذا الجنس الأدبي الملتبس قبل الدخول في نص العقابي، إن فليب لوجون في نصه المرجعي المذكور ينطلق من ان السيرة الذاتية (هي حكي استعادي نثري يقوم به شخص واقعي عن وجوده الخاص، وذلك عندما يركز على حياته الفردية) ويقر ان لفظة السيرة الذاتية أخذت في انكلترة في بداية القرن التاسع عشر، في حين اعادها باختين الى العصر الاغريقي في القرنين الثاني والرابع في مؤلف افلاطون(دفاعا عن سقراط) في حين جعل جورج ماي في كتابه(السيرة الذاتية) بداية القرن الثامن عشر نقطة انطلاق استنادا الى( اعترافات) القديس أوغستان، ويتواصل الجدل النقدي حول قضية التأسيس والشروط أيضا.
يرى الناقد فابيرو أن (السيرة الذاتية تترك مكانا واسعا للاستيهام، ومن يكتبها ليس ملزما البتة بأن يكون دقيقا حول الأحداث كما هو الشأن في المذكرات، أو أن يقول الحقيقة المطلقة كما هو الشأن في الاعترافات)، لكن لا خلاف بين فليب لوجون وفابيرو في ان المطابقة بين خطاب السيرة وبين الواقع لا وجود له، وهو تطور في موقف لوجون، واعتبر في كتابات لاحقة ان النص السيروي هو اعادة خلق لخطاب وزمان وذات وتاريخ مختلف عن تاريخ الراوي أو المؤلف أو السارد أو الشخصيات والحوادث، ويرى لوجون ان هناك خلطا قد حصل حتى بالنسبة له بين مفهومين متناقضين هما مفهوم التطابق ومفهوم المشابهة، ويقول جيرار جنيت حول المطابقة والمشابهة(إن علاقة الشخصية في النص، بالنموذج، هي بالتأكيد علاقة مطابقة أولا، لكنها وبالخصوص علاقة مشابهة) والمعني بالنموذج هو الواقع، فكيف يمكن لنص أن يشبه حياة؟ كما يتساءل لوجون.
ان المطابقة هي استعادة حرفية والمشابهة خلق، وان النظام المرجعي في الامر هو النص نفسه، دون احالات خارجية على النص، وتحميله منظومة قيم فكرية قادمة من حقول اخرى غير حقول الأدب، اي قادمة من خطابات اجتماعية وسياسية وفكرية، وحسب كوسدروف في كتابه (شروط وحدود السيرة الذاتية) فإن السيرة الذاتية (لا تستطيع اعادة بناء الماضي كما جرى، وهكذا تغدو السيرة الذاتية خلقا للأنا)، ويقول جيمس أولني(لم يعد من المهم في السيرة الذاتية صدقها ووفائها للماضي المعاش، بل دورها في البحث عن الهوية) وحسب الناقد ياكين في قضية السيرة الذاتية (إن المؤلف هو الذي يخلق نفسه، ويخلق معه أناه الذي ماكان له أن يوجد لولا النص).
السيرة الذاتية، حسب وجهات النظر هذه، لا توثق، بل تكتشف، ولا تبرر، بل تحاول استعادة هويتها الاصلية الضائعة في الماضي من خلال الخطاب السيروي، وهنا يكون النص ليس موازيا للحياة، او حياة مستعادة حرفيا، بل هو هوية أخرى، وحياة مغايرة، وذات تتشكل لا في الواقع، بل داخل النص، وداخل ذات الكاتب، المؤلف، السارد، وهذه الحياة الجديدة، أو (الذات النصية) لها عالمها الداخلي، وشبكة بناء، ومنظومات لغة، وزمن خاص هو زمن الخطاب وهو ليس زمن الحكاية، اي ان النص السيروي لا ينفتح على الماضي بكل مقوماته انفتاحا حرفيا، بل هو انفتاح على الذات الجديدة: اي الذات الكاتبة، ذات المؤلف، وهي تعيش في زمن يختلف عن زمن الذات المروي عنها، ويتقاطع معه، وذات النص لا تحيل الى ماقبل أو مابعد النص، بل تحيل الى زمن التخيل والرؤى وعلاقات اللغة وشروط البناء النصي، ووعي الراوي الجديد، ونظرته الى ذاته والى العالم الذي يتشكل معه وفيه.
وليس مهما في السيرة الذاتية/الروائية ضمير السارد أو الراوي أو المؤلف كي يحمل عنوان سيرة ذاتية، فلقد كتب كثيرون سيرتهم بضمير المخاطب أو الغائب: عربيا كتب الروائي المغربي محمد برادة سيرته (لعبة النسيان) كرواية بضمير الغائب واحيانا المخاطب، وكتب حنا مينا سيرته في ثلاثية (بقايا صور، الدقل، القطاف) على لسان أبطال آخرين، وضمّن نجيب محفوظ رواياته مساحات واسعة من سيرته الشخصية، وعلى الصعيد الغربي قال فلوبير عن روايته (مدام بوفاري) ان بوفاري هي انا، وكذلك جان بول سارتر في كتابه(الكلمات) الذي يروي قصة عائلة، وسيرة الروائي ميشيل بوتور(التغيير) المكتوبة بضمير المخاطب، ورواية جبرا إبراهيم جبرا(صيادون في شارع ضيق) رغم ميثاق القراءة الموجود على الغلاف والذي يشير الى انها رواية، لكنها تضمنت الكثير من حياة جبرا الشخصية.إن تاريخ الذات في السيرة الذاتية ليس في الماضي وحده، وزمن الكتابة ليس هو زمن السيرة، وفضاء السرد ليس هو فضاء الاحداث، وليس الزمن واحدا في السيرة، اي انه ليس الماضي فحسب، بل هو الحاضر، اي زمن الخطاب والمشفر، زمن الحكي. لذلك يكون الحكم تعسفيا وسطحيا على تاريخ سيرة من خلال ماضي السارد أو المؤلف أو وجهات نظره في احداث عاشها أولا، وتخيلها ثانيا، وقرر استعادتها ثالثا، وبناء هوية نصية مختلفة رابعا، فهذا النوع من الحكم يصلح في خطابات السياسة والاجتماع والتوثيق والتاريخ والفلسفة والردح والمحاكم ، لكنه تعسفي ومقحم ودخيل في نص جسدي يتشكل داخل علاقات اللغة، بعد ان تشكّل داخل علاقات القوى ومنظومات المجتمع والدولة والسياسة والعائلة. وليس هناك نص سيروي ذاتي مكتمل مادام قد دخل في علاقات الكتابة ومكونات الكلام وقوانين الخطاب،لأنه يستمر حتى بعد موت المؤلف، لأن هذا الموت لا يشمل السارد السيروي، واليوم نقرأ نصوصا كتبت على الحجر والواح البردي تعيش حية معنا، وتتحاور، ونختلف معها، بل أكثر حياة من نصوص معاصرة ولدت ميتة، والعقابي يشير في بداية السيرة إلى أنها (فصول من سيرة ذاتية) أي انها في طور التشكل مثل أناة الكاتب.
لا يمكن تجاوز هذه المقدمة عند الحديث عن السيرة الذاتية (أصغي الى رمادي) لحميد العقابي، فهذه المقدمة لا تضع هذا النص في مكانه كجنس أدبي خاص، بل غرضها توسيع دائرة القراءة والحوار في هذا النوع الجديد من الادب العراقي، وهو يأتي مباشرة بعد السيرة الذاتية الروائية لكاتب هذه السطور"الاعزل، وعزلة اورستا"، وهذا الادب يبدو كأنه رد فعل أدبي على خطابات السياسة واكتشاف الذات المغيبة تحت ركام الكلمات والسلطات والأوهام، وعلى اعترافات ومذكرات وسير أصحاب الشأن والحكم والاحزاب والمال ومالكي الحقيقة والثروة وابواب الدنيا والاخرة وحراس النوايا.
وعلى عكس تصور الكاتب سلام ابراهيم في تناوله هذا النص( المؤتمر.ع.305 .س 2002) حين جعل من سؤال الراوي في الطائرة من دمشق الى كوبنهاكن( هل اكتشفت نفسي؟ مالذي ابغيه؟..) مفتاحا جوهريا لقراءة نص العقابي، فإن مفاتيح النص لا توجد في هذا السؤال، بل في مكونات وعلاقات وشبكة بناء وأزمنة الخطاب ومحاولات تجديد الهوية عبر الجسد والكتابة، وليس في اسئلة منتقاة على مقاس مسبق. ولا توجد في النصوص مفاتيح دخول وخروج عامة، بل هناك قراءات واحتمالات وتأويلات وتفسيرات وشفرات وعلامات ورموز، فكل نص، حسب أمبرتو إيكو، يتحمل قراءات مختلفة ومتعددة، والقراءة الواحدة تغلق الباب، لأنها تملك المفاتيح الجوهرية، من أين ندخل إذن؟
قراءة سلام ابراهيم تصلح نموذجا لنوع النقد السائد في الساحة الثقافية العربية عامة، والعراقية خاصة، وهي قراءة ايديولوجية حرفية تتعامل مع النص الروائي/السيروي/القصصي/بناءً على مبدأ المطابقة لا على مبدأ المشابهة والاختلاف، وسنبرهن على ذلك بقراءات نقدية سابقة للكاتب سلام ابراهيم مع التمثيل بنصوص من كتاباته في محاولة لخلق تقاليد في الحوار النقدي. ماهي أساليب السرد السيروي التي اتبعها العقابي في بناء نصه؟.
*عقد القراءة الأول، وليس مفتاح الدخول، الذي يقترحه علينا العقابي هو العنوان (أصغي إلى رمادي)، وهو عنوان مراوغ وضبابي في الظاهر، ولكنه دال وشديد الوضوح من زاوية أخرى. إن كلمة (أصغي) من الكلمات السمعية، وكلمة(رماد) هي من كلمات النظر، وبديهي ان الرماد لا يترك صوتا.
فكيف يمكن الإصغاء إلى صوت الرماد؟ وبدون الدخول في لعبة تفسير المعنى، فليس هذا مجال هذه الدراسة ولا موضوعها ولا هو منهجنا، فإن ما اراد العنوان الايحاء به، والايحاء هو معنى المعنى حسب الجرجاني، أو ما عرف عند العرب بالتخيل، أو (نقيض التقرير) كما يرى غريماس، أو انه حسب رولان بارت(نسق سيميائي)، هو الاحالة الى ماضي الكاتب ومحاولة استعادته، وهذا من شروط السيرة الذاتية: استعادة ذات وصوغ أخرى من جديد داخل النص وعلى انقاضها.
*أما عقد القراءة الثاني، وهو عقد سيروي ايضا، فهو العنوان الفرعي (سيرة ذاتية) اي ان الكاتب يقول صراحة ويؤسس مع القارئ ميثاق قراءة على نحو واضح، رغم ان الكاتب يستعمل تقنيات من أنواع ادبية عديدة كالشعر والرواية.
*عقد القراءة الثالث هو الاهداء(الى ابنتي دجلة ونور) ولن نفهم دلالة هذا الاهداء ولا لغز هذه الاسماء الا عند التوغل في النص. يردد المؤلف عبر صفحات كثيرة هذه العبارة(ثلاثة اشياء لا تختفي من هذه المدينة: السدة، والسجن، والجدة شمعة).
إذا كانت السدة هي النهر (دجلة) واذا كانت الجدة شمعة هي النور(نور) فسيكون واضحا دلالة الاهداء وهو جزء بنيوي من النص كالعنوان الاول والثاني، اي ان السيرة تتجه نحو المستقبل، وليست استعادة للماضي أو الوقوف عند حدود المراثي.
لن الجأ الى تفسير وشرح هذا النص لأن هذه ليست من اختصاص هذه القراءة، ولا أملك مثل الزميل سلام ابراهيم مفاتيح الدخول الى نص لا ينفتح من سؤال أو قصيدة أو حادثة أو علاقة، بل سأحاول قراءة الكيفية التي قام بها المؤلف ببناء هذا النص، فالمهم هو التجربة الذاتية المستعادة والمصاغة صوغا فنيا، حسب تعبير الدكتور عبد الله إبراهيم في (السيرة الروائية وإشكالية التهجين السردي).
ويضيف الدكتور (السيرة الروائية هي "نوع" من السرد الكثيف الذي يتقابل فيه الراوي والروائي/ والتجربة الذاتية تشحن بالتخيل واعادة صوغ الوقائع واحتمالاتها، وكل وجوهها دون خوف من الوصف المحايد والبارد للتجربة/ ويقتضي الحديث عن السيرة الروائية الى اهمية التجربة الذاتية والمصاغة صوغا فنيا محضا يناسب متطلبات السرد والتخيل ومقتضياتها، ذلك ان المادة التي يفترض أن تكون حقيقية وأصلية، لا يمكن أن تحتفظ بذلك، فما أن تصبح موضوعا للسرد الا ويعاد انتاجها طبقا لشروط تختلف عن شروط تكونها قبل أن تندرج في السياق الفني، وعليه لا يمكن الحديث أبدا عن مطابقة وحرفية ومباشرة بين الوقائع التاريخية المتصلة بسيرة المؤلف الذاتية والوقائع المتصلة بسيرة الشخصية الرئيسية في النص/اننا يمكن ان نحيل على وقائع خارج نصية استنادا الى الاشارات المعترف بها كالتواريخ والوثائق والاحداث، لكن تلك الوقائع كُيّفت وانتجت، لتكون عناصر في نظام مغاير/ وذلك يفضي الى التأكيد أن أمر المطابقة الكاملة بين الوقائع النصية في السيرة الروائية مستبعد، ولا يفضي الى نتيجة مفيدة لكل من التاريخ والسيرة والرواية)، وقراءة الكاتب سلام ابراهيم هي قراءة مطابقة، اي قراءة ايديولوجية، لأنها تشرح ولا تفكك آليات انتاج الخطاب، وهذا المقال هو أيضا محاولة ليس لقراءة نص العقابي فحسب، بل محاولة لخلق نوع من الحوار النقدي مع نص أو نصوص سلام ابراهيم لأنها نصوص/ نص عام وشائع وقراءة عمومية ، والحوار النقدي لا يعني القدح ولا يتنافى مع الاحترام، بتعبير "ليونارد لانسكي" في "اشكالية المرجع" بل هو محاولة لتجاوز الحساسية والسمو بالفكر النقدي من الدوغمائية والانطباعية والتاريخية، والتمسك بالحوار المتعدد الاصوات انطلاقا من مبدأ الاختلاف ـ كما يقول الناقد المغربي محمد سويتري وهو يشرح مصطلح النقد الحواري الذي اطلقه "تودوروف".
إن سيرة العقابي الذاتية (أصغي الى رمادي) هي دعوة خفية لكي نصغي نحن ايضا إلى هذا الرماد، وما أكثر الرماد العراقي! ورغم أن عقد القراءة يشير صراحة الى أنه (سيرة ذاتية)، لكن أساليب الخطاب وعناصر البناء تتجاوز السيرة إلى تقنيات العمل الروائي وتستعير كثيرا من الرواية والشعر والسينما والاسطورة في محاولة فهم واستعادة ماضي النص، وهذا الماضي لا يخضع للادانة أو المدح كما يذهب دائما نقاد الايديولوجيا، بل هو مدعاة للفهم واقامة الحوار مع ذات/مجتمع/هوية/مغيبة، وهذا الحوار لا يعني اعادة الانسجام مع هذه المكونات، فهذا مستحيل ماديا، بل يعني اعادة بناء الذات وهذه المرة من خلال الكتابة.
إن الذات تنتمي الى عالم الطبيعة، والكتابة هي مفهوم ثقافي. فمع من يتصالح الكاتب؟ واذا كان الزميل سلام ابراهيم قد جزم بأن هذه الذات قد (دمرتها الطفولة والحرب) وهو عنوان مقالته، فكيف استطاع العقابي، المؤلف، من اعادة كتابة ذاته من جديد، وتشكيلها عبر النص ونسيج الخطاب؟. صحيح ان المؤلف في السيرة قد تعرض الى اشكال كثيرة من الهوان والتشرد والخوف والكبت والهروب المتكرر كأجيال أخرى، لكن ما ينفي فرضية الذات المحطمة هو فعل الكتابة، كتابة هذه السيرة الذاتية. إن الجسد هو الاخر مفهوم طبيعي كالذات، والكتابة هي فعل ثقافي، والمعادلة في هذا النص هي انتصار الكتابة، الثقافة، النص على بربرية المؤسسة: سلطة حاكمة، أو منظومة قيم، أو عناصر خوف وكبت وزجر من مصادر مختلفة. اي اننا أمام شهرزاد ذكورية تحكي لا لتنجو من الموت فحسب، بل من الذل، اي مرة اخرى النص في مواجهة السلطة بالمعنى الواسع للسلطة.
يروي العقابي حكايته الشخصية، لكنها في الخطاب لم تعد شخصية، كما أن أب المؤلف وعائلته ليست هي العائلة البيولوجية، بل هي في النص عائلة نصية ولغوية تحكمها شبكة مفاهيم لغوية وسردية وقواعد خطاب وتقنيات كتابة من جهة، وهي تشكل، من جهة أخرى، وضعية المؤلف الاجتماعية، لكن اعيد تشكيلها على صورة أخرى. هذه هي طبيعة الفن، والادب: ليس نسخا، بل خلقا.
ما قام به الكاتب سلام ابراهيم هو إعادة شرح النص وردد كلام المؤلف، اي اعاد العقابي الى الحالة التي حاول الهروب منها، ونجا من موت وشيك عدة مرات، وهذه هي متاعب القراءة الحرفية. إن شرح النص لا يشكل، في علم النقد نقدا، بل هو نسج على ذات النول. وقراءة سلام ابراهيم تتكرر في نصوص أخرى وبالأسلوب نفسه.
ففي عدد المؤتمر 308 كتب سلام ابراهيم تحت هذا العنوان ( قراءة لمرحلة من تاريخ العراق المعاصر) عن رواية (الغلامة) للكاتبة عالية ممدوح، والعنوان يحيل الى كتب التاريخ والوثائق والسياسة وليس الى حقل الأدب، لكن هذا هو مدخل الناقد، حيث يقول صراحة بتعبير واضح عن منهج نقدي معروف بأنه لن يركز على البناء الفني للنص، بل على مضمونه، ويكتب حرفيا (سأركز على مبنى النص الأصلي"نص عالية ممدوج" وليس في اطار اللعبة الفنية المعلنة).
وفي عدد المؤتمر 311 كتب سلام إبراهيم عن مجموعة قصصية للكاتب نعيم شريف اسمها(عن العالم السفلي) هذا العنوان المماثل (العراقي يحمل جرح الحرب في الوجدان والذاكرة، وكما هو مشغول بشرح نص العقابي، وعلى (مبنى النص) أي محتواه، كما في عالية ممدوح، فهو هنا ايضا مشغول بقضية المطابقة بين نصوص نعيم شريف وبين الوقائع مطابقة حرفية دون الانتباه الى ان تلك النصوص قد كيّفت وانتجت في نظام نصي مغاير. يكتب سلام ابراهيم:(يخلق الكاتب" نعيم شريف" في هذه الاقصوصة الجميلة معادلة عميقة عن الواقع العراقي المعاصر).إن مثل هذه المعادلة وفي أقصوصة لا توجد في اي نص في العالم، فماقيمة أن ينتج الادب معادلة أو مطابقة مع واقع شديد التغير، شديد الالتباس، واكثر مراوغة من اي نص، ومن اي سلطة نقدية أو سياسية أو غيرهما؟ وأين هو الاستقلال الذاتي للأدب عن الواقع اذا كان قادرا على تقديم(معادلة عميقة) عنه؟ مافائدة الادب في هذه الحالة اذا لم يكن كشفا، وفرادة، أو واقعا مختلفا عن الواقع الأصلي؟.
وسلام إبراهيم سواء كتب عن سيرة ذاتية للعقابي أو رواية لعالية ممدوح أو مجموعة قصصية لنعيم شريف فهو يستعمل المنهج النقدي الايديولوجي نفسه، وفي قراءة رابعة له لرواية (عراقيون أجناب) لفيصل عبد الحسن في جريدة صادرة في لندن تحدث عن شخصيات الرواية استنادا الى هويتهم السياسية، وليس كونهم مخلوقات روائية، فهو غير مهتم كما يقول صراحة (باللعبة الفنية)، اي كل ماله علاقة بأنظمة الخطاب الروائي وابنيته ونسيج طبقاته ولا الحفر في أعماق النص ككائن لغوي يعيش خارج الواقع ويتخطاه، بل يشغله أولا وأخيرا الانتماء السياسي أو العقائدي، فهو لا يتعرض مثلا لبطل (عراقيون أجناب) كشخصية روائية، بل يتحدث عنه كرفيق في الحزب، رغم ان هذه الشخصية العقائدية في هذه الرواية ممزقة البناء وتتحرك خارج النص ومقطعة الاوصال وغير مقنعة على المستوى البنائي، ولايشفع في عملية البناء الروائي قيم البطل وعقائده وهويته الاخلاقية، بل ان البناء الهش يسيء الى هذه القيم. هكذا تتم قراءة النص بمقاييس السياسة،وهذا تشريع معروف في النقد الادبي وفي غيره حيث يتم وضع اللغة الادبية، رواية، سيرة، او شعرا، على مستوى واحد مع قوانين الفكر والعقائد والأخلاق ولغة السياسة.
واختيار الكاتب سلام ابراهيم هنا مقصود لأنه أكثر النماذج وضوحا في هذا النوع من القراءات التي تتعامل مع الخطابات، رواية، قصة، سيرة، شخصية، من خارج منظومة الادب وعلم النص، ولا تفرق بين المتخيل والمعيش، وتؤمن بالمطابقة بينهما وهذا مستحيل في الفن، وبهذه الطريقة تعامل مع نص حميد العقابي وهو نص يفتح الجرح السري المغلق على المسكوت عنه والمؤجل والمخبوء والمهموس به والذي لا يقال الا عبر الكلمات المحجوبة والخائفة والمترددة.
النقد يتشكل مع القراءة وليس قبلها أو بعدها، انه كتابة ابداعية أخرى وليست شرحا، إن نص(أصغي الى رمادي) تأتي كتابته ونشره في ظروف تفتح وحرية غير تلك التي صنعت زمن الحكاية أو السيرة، وهذه هي وظيفة الكتابة الابداعية: التمرد على شروط جسد مهان، وسلطة وحشية، وقواعد كتابة مدجنة، وبناء مساحات في الزمان والمكان تصلح للعيش والحب والصداقة والنظافة والتأمل في مناخ الطمأنينة، ولا يبقى من الماضي إلا ذلك الرماد الذي هو خليط من البشاعة والتخلف والقسوة والهمجية والجمال والرغبة المستحيلة والأمل في مكان نظيف حسن الاضاءة، بتعبير أرنست همنغواي.
وبهذا المعنى فإن هذا الكتاب الذي يستأهل وقفة اطول، يتطلع صوب المستقبل، من خلال انتهاك اللغة، وتعرية قيم الخوف، وقهر المؤسسات، ومد البصر نحو دجلة ونور، حيث "السدة" باقية حتى اليوم، و"الجدة شمعة" باقية ايضا داخل الحكاية والذاكرة، ولم يبق إلا السجن الذي سيزول حتما من الحكاية والذاكرة والحياة إذا أصغينا جميعا إلى هذا الرماد العراقي المتكاثر.
المصدر
حياكم الله
http://www.w6w.net/album/35/w6w20050...21b61726a0.gif
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://ecx.images-amazon.com/images/...ZL._SS500_.jpg
Descriptions
Présentation de l'éditeur
Trente ans après la publication du Pacte autobiographique, Philippe Lejeune estime le moment venu de faire le point sur ses recherches pour marquer les scansions d'un travail passionné, noter les accords ou parfois les désaccords avec ce que furent ses convictions.
Loin de se limiter à l'autobiographie et aux chefs-d'œuvre de la littérature, l'auteur a élargi son champ: il passe en effet à l'analyse des journaux personnels et de toutes les formes repérables par lesquelles un sujet fait signe de sa présence à soi et aux autres
Ce retour sur soi lui permet d'éclairer le lecteur sur les raisons d'être de ses diverses étapes ou échappées ponctuelles sur les activités qui découlent de sa recherche, comme la création de l'Association pour l'autobiographie. Signes de vie est un essai autobiographique : usage de la première personne, retour réflexif, trajet personnel du chercheur
Biographie de l'auteur
Philippe Lejeune, membre de l'Institut universitaire de France, a enseigné à l'université Paris-Nord (Villetaneuse). Il est cofondateur de l'Association pour l'autobiographie (APA)
Il a publié notamment Le Pacte autobiographique. " Cher cahier... ". Le Moi des demoiselles, Les Brouillons de soi, " Cher écran... ", Un journal à soi
المصدر
http://www.w6w.net/album/35/w6w20050...21b61726a0.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
http://www.univ-bechar.dz/biblio/recherche/ddd.gif
aghanime@hotmail.com
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://ecx.images-amazon.com/images/...KL._SS500_.jpg
Présentation de l'éditeur
L'intime correspond étymologiquement à ce qui est le plus intérieur en soi, aux pensées les plus privées et aux désirs les plus secrets de l'écrivain comme de son lecteur. Interroger l'intimité en littérature relève de cette science des degrés qui, comme le rêvait Roland Barthes, indiquerait une éventuelle progression, historique ou personnelle, vers une connaissance toujours plus approfondie de soi
Une telle étude invite à suivre la permanence d'une conscience à travers le flot des modifications sensorielles et intellectuelles qui assaillent ensemble auteurs, narrateurs, personnages et lecteurs
Est-ce par le récit autobiographique et prétendument impartial de ce qu'il fut jadis, ou par l'évocation indifférente des grandes gestes historiques dont il fut l'acteur ou le témoin, que l'écrivain peut évoquer cette intimité fragile qui continue de le définir ? Est-ce, au contraire, par le détour du mensonge romanesque ou de la fiction poétique - si codifiée qu'on a peine à la croire originale - qu'il parvient à concéder sa part de vérité ? La mystification et les artifices ne sont-ils pas, au reste, autant de moyens obliques de révéler justement ce que la raison même ignore ? Cet ouvrage souhaite apporter des réponses à ces questions en commentant et en comparant, notamment dans leurs particularités énonciatives, ces diverses formes de littératures intimes que sont l'élégie, le journal, l'autobiographie, le roman épistolaire, les mémoires, et leurs avatars romanesques, essai et autofiction
Biographie de l'auteur
SÉBASTIEN HUBIER, agrégé de lettres modernes et maître de conférences en littérature comparée à l'université de Dijon, est l'auteur d'une thèse intitulée Les Anamorphoses d'Orphée. Structures, écritures et lecture littéraire du récit des quêtes de l'écrivain (D'Annunzio, Gide, Joyce, T. Mann, Rilke). Ses recherches portent notamment sur la représentation de l'écrivain et du lecteur dans les fictions européennes et nord-américaines de la fin du XIXe siècle à nos jours
المصدر
http://www.w6w.net/album/35/w6w20050...21b61726a0.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
http://www.univ-bechar.dz/biblio/recherche/ddd.gif
aghanime@hotmail.com
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://ecx.images-amazon.com/images/...PL._SS500_.jpg
Présentation de l'éditeur
Le mot "autofiction" est apparu dans les années quatre-vingts pour désigner des textes écrits à la limite du roman et de l'autobiographie. Il a séduit les éditeurs, les critiques, les enseignants, car il leur permettait de revaloriser une part considérable de la production littéraire. Les romans qu'on n'osait plus qualifier de personnels ou autobiographiques bénéficièrent ainsi d'une appellation nouvelle, de consonance moderne, mais aussi vague et indéterminée que les précédentes. Cet effet de mode n'a pas manqué d'aggraver la confusion qui régnait déjà sur cette frontière
Constatant qu'aucune étude n'avait été consacrée à ce problème depuis au moins quarante ans, l'auteur le reformule en adoptant une méthode pragmatique, c'est-à-dire en considérant le texte comme un vecteur de communication
Il propose d'abord de réserver 'autofiction' aux projections du moi dans des situations imaginaires, par analogie avec 'science-fiction'
Le concept de 'roman autobiographique' retrouve ainsi sa pertinence pour regrouper les textes, beaucoup plus nombreux, qui prétendent combiner deux contrats de narration apparemment incompatibles : la convention romanesque et le pacte autobiographique
Ces textes se caractérisent essentiellement par leur stratégie de l'ambiguïté. Ils distribuent des signes contradictoires de fiction et de confession qui requièrent un travail permanent de décodage
La définition du roman autobiographique, en tant que genre, passe donc par un inventaire des procédés qu'il emprunte au roman, à l'autobiographie et à d'autres genres
Philippe Gasparini entreprend cette tâche en suivant l'itinéraire du lecteur qui se demande: ´Est-il je?', c'est-à-dire: le héros et l'auteur sont-ils identifiables? quel est le degré de référentialité du récit
L'auteur vu par l'éditeur
Philippe GASPARINI naît en 1953 dans la région lyonnaise
A 9 ans il se casse le nez dans la cour d’une école de Saint-Etienne
A 19 ans il délaisse l’université pour plonger dans l’utopie des années soixante-dix: Indes, Ardèche, musiques, petits boulots, communautés, retour à la nature, toujours un livre à la main
A 29 ans il devient secrétaire de mairie dans deux petits villages de la Drôme
A 39 ans il reprend un cursus de lettres qui l’amène à étudier le personnage du père chez Driss Chraïbi, Albert Camus, Philip Roth, John Fante. Mais, lorsqu’il veut définir le genre des oeuvres qui l’intéressent, il découvre qu’aucune étude n’a été consacrée au roman autobiographique depuis 1930
Le voilà contraint de se mettre à la tâche. Après deux ans de recherches, il prend contact avec Philippe Lejeune, spécialiste incontesté de l’autobiographie, qui approuve sa méthode et l’encourage à continuer
A 49 ans il soutient la thèse dont ce livre est tiré
Aujourd’hui il poursuit ses investigations sur le roman autobiographique et l’autofiction à travers des textes de Chateaubriand, Vallès, Joyce, Gombrowicz, Kertész, ou encore Gao Xingjian. Il envisage en outre de développer un atelier sur les écritures du moi
Il s'écrit, il se publie, il se commente de plus en plus de romans métissés d'autobiographie. Confrontés à ces textes problématiques qui font désormais partie de notre culture, enseignants, étudiants et critiques manquaient d'outils d'analyse
En leur proposant un ensemble de critères relativement simples et maniables, ce livre, aussi allègre dans son écriture que rigoureux dans sa méthode, comble une lacune. Et il ouvre à coup sûr un champ de recherches prometteur
Principaux auteurs étudiés: Chateaubriand, Senancour, Constant, Musset, Dickens, Vallès, Loti, London, Hamsun, Joyce, Rilke, Proust, Colette, Céline, Istrati, Henry Miller, Mishima, Genet, Camus, Philip Roth, Henry Roth, Paul Auster, Duras, Nabokov, Aragon, Kenzaburô, Handke, Thomas Bernhard, Claude Simon, Modiano, Sollers, Doubrovsky
Fondements théoriques: Gérard Genette, Philippe Lejeune, Paul Ricoeur. Sur des questions précises: Aristote, Freud, Gusdorf, Jauss, Hamburger, Weinrich, Benveniste, Todorov, Eco, Lecarme, Schaeffer, etc
المصدر
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة
http://img141.imageshack.us/img141/8740/15lv.gif
http://www.25q8.com/vb/uploaded/wrdaa.gif
http://www.al-jazirah.com/culture/14112005/28.jpg
السيرة الذاتية
صورة من الصور الأدبية في إثراء الفكر والأدب
حمد بن ناصر الدخيّل
تمثل السيرة الذاتية جنساً من الكتابة الأدبية التوثيقية ولا تزال تمثل منجزاً أدبياً لدى مختلف الثقافات فكل شخص في هذه الحياة لا بد له من ذكريات في أي ناحيد من نواحيها العلمية والاجتماعية أو الفكرية أو السياسية .. هي حصيلة تجربة في الحياة التي لا تخلو من تجارب وعطاءات وعبر، وخاصة من بلغوا مرحلة الشيخوخة وتوقفوا عن العطاء وكان لهم دور مؤثر ومتميز .. ومن الخير إلا نبخس الناس أشياءهم والجزاء من الله.
إذ المذكرات أو السير الذاتية سجل للأحداث لأنها تتحدث عن تاريخ عصر من العصور وتصوير حقبة من الزمن مما يجعل في قراءتها متعة وفائدة لما تدل عليه من ملامح الحياة وما تحمله من أفكار وكشف لحقائق النفس بحيث يتجلى فيها صدق التعبير وتكون السير الذاتية فناً من أجمل فنون الأدب وأكثرها قبولاً ورواجاً وأصبحت فناً يزداد الاهتمام به في العصر الحاضر إذا يقبل عليه القراء إقبالاً شديداً، وهذا النوع من الفن لا يحتل مكانته وخاصة لدينا وفي العالم العربي قاطبة .. بينما نرى أدب السيرة الذاتية يتميز ويزدهر في الغرب وتحفل به دور النشر والصحافة والإعلام في البلدان الغربية ولقد حالت المعوقات النفسية دون ازدهار أدب السيرة الذاتية في الشرق بما ينطوي عليه من اعترافات صريحة.. أما ميخائيل نعيمة فيقرر في سيرته الذاتية (سبعون) إن حكاية ساعة واحدة من ساعات العمر أمر صعب فكيف يمكن حكاية سبعين سنة.
إن مجال السيرة الذاتية نوع من أنواع الأدب وتتميز بأن كاتبها يكشف عن خبايا نفسية ويعرض حياته وتربيته وأساليب تعامله وما اعترى حياته من تجارب وخبرات وذكريات وممارسات وما واجهه من متاعب وما صادفه من مواقف طريفة ومثيرة وكذا توضيح الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي لازمت مسيرة عمله بحيث يكون عرضة لتلك السيرة بالوضوح والصراحة التي تعينه أن يخرج من ذاته ويقف من نفسه موقفاً موضوعياً ولا يخشى مواجهة تلك الأشياء التي مرت في حياته مهما كانت صغيرة أو كبيرة فهي تعبير عن موقف كاتبها واتجاهه وما يدور في مجتمعه من أمور وقضايا، وتتباين السير الذاتية من فرد إلى آخر وبما تنطوي عليه من أفكار وتجارب وذكريات وأخلاق ومثل وعادات وغير ذلك مما يبرزها بشكل جلي.
ومن يستعرض التاريخ العربي الإسلامي يجده زاخراً بالسير الذاتية لعدد كبير من العلماء والأدباء والمفكرين والرحالة والساسة والأمراء وغيرهم حيث قاموا بتسجيل وسرد سيرهم وإبرازه في مؤلفاتهم وذلك في وصفهم لنشأتهم وتعليمهم وسلوكهم ورحلاتهم وما صادفوه من مشاق ومحن وما شاهدوه من آثار وبلاد وأحداث وما تركوه من عطاء وإنتاج ومؤلفات كالجاحظ وابن حزم والغزالي وابن خلدون وابن بطوطة وياقوت الحموي وابن فضلان والمقريزي وغيرهم.
كما نشر العقاد، وطه حسين، وأحمد أمين، والمازني، والزيات وغيرهم فصولاً عن سيرتهم الذاتية .. حيث تحدثوا ووصفوا ما جرى لهم وما أحاط بهم من ظروف وحوادث فسجلوا ذكرياتهم وسيرتهم العلمية والشخصية واهتماماتهم الفكرية ومشاهداتهم في البلدان التي زاروها.
إنها تجسيد لصورة الحياة والعصر الذي عاش فيه كل منهم وشكلت حياته وما تميز به من علم وفنون فكرية.
وفي العصر الحاضر ظهرت مجموعة من الكتب تتسم بالاعترافات والمذكرات واليوميات والرسائل وهي ترجمة لحياة كاتبيها وتصوير لعصرهم وإماطة اللثام عما كانت عليه حياتهم وتعاملهم مما قد لا يعرفه سواهم من أسرار حياتهم ووجهات نظرهم.. وتنطوي بعضها على تجربة وخبرة وفائدة وتجارب عاشها أصحابها وخاصة من كان لهم دور بارز ومؤثر في مجرى الأحداث.
وهناك مجموعة من الأباء السعوديين كتبوا سيرتهم الذاتية كأحمد السباعي، ومحمد عمر توفيق في كتابه هذه حياتي، وحسن كتبي أشخاص في حياتي، وحسن نصيف مذكرات طالب، وعبدالعزيز الربيع ذكريات، وغازي القصيبي سيرة شعرية، ورحلة الثلاثين عاماً لزاهر الألمعي، وذكريات العهود الثلاثة محمد زيدان، وسوانح الذكريات لحمد الجاسر، وتباريح التاريخ لأبي عبد الرحمن بن عقيل، ورحلة العمر لمحمد مرداد، وحياة من الجوع والحب والحرب عزيز ضياء، ومذكرات خلال قرن من الأحداث لخليل الرواف، ومذكرات في ذكريات من حياتي لعبد الكريم الجهيمان، ومن حياتي لمحمد بن سعد بن حسين وغيرهم من لا تحضرني أسماء تلك الكتب التي تشتمل على فن السيرة الذاتية في الأدب السعودي. وهكذا تظل السيرة الذاتية صورة من الصور التاريخية والأدبية لها أثرها في إثراء الفكر والأدب والمعرفة ويجد فيها القراء دروساً وعبرة وفائدة ومتعة.
المصدر
http://www.w6w.net/album/35/w6w20050...21b61726a0.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
http://www.univ-bechar.dz/biblio/recherche/ddd.gif
aghanime@hotmail.com
-
رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة