حملَتْ سِفاحًا, فانزلقتْ تتخبط في مهاوي الخطيئة بعد رفضه الزواج بها:
- ما يدريني بأن الجنين مني ..لستُ الرجل الوحيد في العالم ..
-ولكنك الوحيد الذي أحبه..
-لاأثق بمن تعطي نفسها لحبيب إن أفل الحبُّ بينهما أعطتها لآخر..
وتاهت في شوارع مدينة ما في دولة ما من قارةٍ ما..إلى أن ألقي القبض عليها مع مجموعة من الداعرات, فأودعت السجن رهينة الإصلاح الاجتماعي, وبذرة الحرام تكبر في رحمها يومًا بعد يوم , فتزداد همًا إثر همٍ,وكرهًا إثر كره لكلِّ البشر, تنتابها بين الحين والآخر نوبات هستيرية عندما تعصف بها حقيقةُ ما هي فيه ..لماذا ؟ومتى؟ وهل من خلاص؟
وعندما تعجز عن فتح نافذة للأمل تصرخ كمجنونة , أو تتصارع مع إحدى نزيلات السجن لأتفه الأسباب، وأحيانًا دون سبب..
حاولت الانتحار , فلم تمت ,فبكت بحرقة, ومرة أخرى قلعت بعضا من رموشها انتقامًا من نفسها,فخلَّف انتقامُها منها صورة ًمرعِبة لبعض وقت زادتها شراسة ,وحقدًا .. ذات مساء ضربت رأسها بالحائط ,فظهرت في جبينها ندبة كبيرة ظلت آثارها تؤلمها طويلا,وعندما جلست أمام السيدة التي طلبت الانفراد بها بعد أن تفحصت السجينات الحوامل ,أحست بشيء من طمأنينة رغم تخوّفها من العرض المقدم لها من قبل الغريبة..لم تعدها بشيء في لقائهما الأول ...أجَّلته بعض وقت ,فما زالت تحتاج لكثيرٍ من الشجاعة وقوة الإرادة قبل أن تقول نعم ,وهي الآن أضعف الناس بهذا الشأن خلقًا.. قالت إحداهن : ستنتشلك من السجن والتشرد.. وجدتك عسلية العين بنية الشعر.. أنتِ جميلة ,وهي ثرية..
تكورت حول نفسها ذات مساء.. ركبت هواجسَها ..أعطتها الأمان ,فانطلقت بها كيفما اتفق ..عبَرَ خاطرَها بعينيه السوداوين الواسعتين ..اخترقتْهما..غرقت فيهما ..كادت تختنق ..بل هي تختنق ,والذكريات تجرفها إلى الأعماق النازفة
-لماذا يا ابن ال....؟
-الرخيص يزهد به الناس..
تدفقت الدموع من مقلتيها ساخنة ..غزيرة ..
-وغد..ابن حرام
-لاتتصلي بي ثانية ..
تمازج الكره بالحزن بالغضب ، فبكت بضعف لم يكن يسيطر عليها عندما كانت تتحدى أهلها بممارسة الحرية دون قيد, مغمضة عينيْ بصيرتها عن أعراف أصولها العربية ..بكت وطيف والدها ينظر إليها من بعيد كسير القلب .. من عمق ألمها أحست بشيء في بطنها يشبه الرفيف ..سقط قلبها في قدميها.. كادت تفقده فيهما بلحظة شعورٍ غريب ما عرفته من قبل ..اعتدلت في جلستها, فاستعادت قلبها من هوَّته بهدوءٍ عجيب ,ويدُها تبحث عن هاتفٍ باغتها قبل لحظات ثمَّ تاه في أحشائها..كتمت أنفاسها علَّها تسمع همسة ،أو تحس بحركة..لكنها فشلت بالقبض عليها ,ونجحت بتذوق بعض هناء..
طويل أشقر عيناه تلمعان بزرقةٍ صافية كقط بري..أحست برجفة عندما صافحها,وتأكد لها شعور الخوف منه عندما حاول التحرش بها بغياب زوجته سوزان عن المنزل ,تلك الشقراء الجميلة التي أخرجتها من السجن بكفالة مالية على أن تبيع لها مافي بطنها بعد الولادة ويسجل باسمها ,وتختفي من حياتهما إلى الأبد.. وافقت على شروط العقد الذي ستوقعه معها عند محامي السيدة الخاص, بعد أن تستعيد قواها الجسدية ,والنفسية , كي يكون العقد موقعًا ,وهي بكامل قواها العقلية، والدها رفض تسجيل الجنين باسمه عندما نزلت به صاعقة النَّبأ ،وصرخت أمها فلتذهب وما تحمله في أحشائها إلى الجحيم..لكن سوزان كانت كريمة معها ، حاولت احتواءها وخطيئتها فهيَّأت لها كل أسباب الراحة ..غرفة واسعة تطل على حديقة المنزل ..تستطيع من خلال الشرفة أن ترى سوزان ،وجون ،وهما يتسابقان في المسبح ,تغريها السعادة تلك بغبطة المضيفة لها ،ومنها أيضًا كانت تشاهد في أوقات الراحة توم سائق جون ، وتينا الأفريقية خادمة سوزان ،في أوضاعٍ تزعجها.. ذات مرة تشاجرت مع تينا عندما رأتها تقبل توم ..حاولت نصحها بداية ، فانتهى الحوار بشجارٍ جعل توم يحاول مضايقتها أكثر من مرة , فأنَّبته السيدة سوزان ,وطلبت من الحامل عدم التدخل بشؤون غيرها،وراحت تصطحبها دوريًا إلى عيادة الطبيب الذي كلفته بالإشراف على صحتها والجنين ..
بدأت الراحة في هذا البيت الفخم تخدر أحزانها, وتعيد تماسك نفسها يومًا بعد يوم ،فلم تعد تعر المضايقات الأخرى أهمية ..ومرة بعد مرة بدأت تسعد بذكريات الماضي في بيت أهلها رغم كآبة العيش فيه بين أبوين متنافري المودة..سيطرة الوالدة ،جعلت من والدها قزمًا لاحول له ولاقوة,فقص شاربه الذي جاء به من مسقط رأسه ،ولبس السروال القصير ، والجينز، وراح يحضر حفلات النادي الذي انتسب إليه ،فاكتسب محبة من حوله من العرب، وبعض الأجانب من مختلف الجنسيات ،ولكنه لم يستطع أن يحمي أولاده من قبضة الحرية الحديدية هناك ، فانقطع حبل الثقة بينه وبينهم ،وراح كل واحد منهم يعيش كما يحلو له يحميهم تخطيهم السن القانونية لوصاية الأهل عليهم ..تألم كثيرًا عندما انقطعت عنه أخبار ابنته ،وتمنى لو تعود إليه كيفما كانت ..وعندما وقفت بباب بيته هاربة من فيلا سوزان ، وهي تحمل في بطنها بذرة الحرام ،وقف مذهولا وعيناها تستجديان منه العفو والمغفرة ،ووقفت مذهولة وهي ترى شاربه الكثَّ يزينُ وجهه المتعب.
بقلم
بنت البحر
يكفيكم فخرًا فأحمد منكم ***وكفى به نسبًا لعزِّ المؤمن