النقد العلمي لفرضيات التطور :
يبني التطوريون أسس ونتائج دراستهم على مجموعة من الطرق المعرفية التي " يظنون " أنها قطعية الدقة
ويصلون من خلال هذه الطرق إلى ما يسمونه بالحقائق المعرفية (لنظرية التطور)،
فهل وسائل المعرفة هذه قطعية الدقة حقًا ؟
سأذكر بعضًا من أدوات المعرفة المستخدمة من قبل التطوريين:
حساب عمر الأحافير
لحساب عمر الأحفورة بدقة يجب أن تتوفر الشروط التالية في المواد المُقاسة:
•عدم إضافة أو حذف جزء من المادة المتحللة الموجودة في الأحفورة.
•عدم حذف أو إضافة جزء من المادة الناتجة عن التحلل.
•التيقن من ثبات سرعة التحلل مهما اختلفت الظروف.
ونظرًا لاستحالة التأكد من هذه الشروط ، يمكننا التشكيك بعمر أية أحفورة !!!!!
أنظمة التصميم الحاسوبية
يستعين التطوريون بأنظمة الحاسوب في إعادة بناء هيكل الحيوان نتيجة عدم اكتمال هيكله الأحفوري،
وهذا يؤدي إلى استنتاجات قد تخالف الواقع.
نذكر مثلاً البناء الحاسوبي التشريحي لإنسان النياندرثالينسز حيث أظهر عدم قدرته على الكلام , لكن بإعادة البناء وباكتشاف أحافير كاملة تحتفظ بالعظم اللامي تبين أنه لا يختلف عنا شيئًا في قدرته على الكلام !!
مغالطات الدارونية الحديثة :
في بحر الدارونية الحديثة تظهر مغالطات في بعض الجوانب لا ينتبه إليها التطوريون،
مغالطة الدليل الدائري
افترض التطوريون انبثاق الأحياء من أصل واحد ، ثم قدموا ما يسمى بالـ"أدلة" ، ثم انتهوا إلى صحة الفرض!
إن معظم هذه الأدلة كالتماثل الجزيئي والوراثي والتشابه الجنيني تستند على علوم حديثة لم تكن معروفة عند ظهور نظرية التطور ، فما هي المشاهدات الـ"كثيرة" التي استدعت افتراض الأصل المشترك في ذلك الوقت ؟!!!
دليل التماثل Homology،
فالتماثل هو التشابه التشريحي بين نوعين نتيجة الأصل المشترك،
مثلاً عدد العظام الطرفية في الأطراف العليا عند الإنسان والوطواط والحوت خمسة (الأصابع) نتيجة انحدارهم من أصل مشترك،
وعدد عظام الجمجمة في الإنسان والشمبانزي متماثل لنفس السبب،
لكن يعرض التطوريون التماثل كدليل على التطور! وبالتالي وضعوا النتيجة في المقدمة !
مغالطة عدم التخطيء
إذا قال شخص: إذا لعب فريق (أ) مع فريق (ب) فسوف يربح أو يخسر أو يتعادل..
هل لهذه الجملة أية قيمة علمية ؟ طبعًا لا ، لأنه لا يمكن تخطئتها .
بالمثل فإن الدارونية الحديثة تحوي الكثير من هذه المغالطات في جوانبها ،
إن من أهم شروط التي تجعل النظرية علمية هو إمكانية تخطيئها Falsifiable،
وإلا صارت بديهية وليست نظرية عليمة.
مثال على عدم التخطيء:
التشابه التركيبي بين نوعين قد يكون نتيجة انحدارهما من أصل واحد أو من أصلين مختلفين.
وهذا ما غالطته الدارونية ،
إذ يقدم التطوريون مفهوم الـ"تناظر Analogy" " بجانب التماثل Homology،
فالتناظر هو التشابه في الخصائص بين نوعين بعيدين تطوريًا ،
بينما التماثل هو التشابه نتيجة الأصل المشترك ،
وللتفريق بينهما يتم الرجوع للأصل التطوري للتحقق (تعريف دائري آخر)، وبالتالي لا يمكن تخطيء دليل التماثل.
استحالة التجربة
إن افتراض تطور ديناصور الـ Pterosaurs مثلاً وقدرته على الطيران يجب أن تخضع للتجربة من أجل التحقق ، فكيف يمكننا التأكد من ذلك لنوع منقرض ؟
لا ننسى أيضًا أن التطور على المستوى الكبير macroevolution يحدث في اتجاه واحد فقط ، فلا يمكن أن نرجع طائرُا إلى سلفه السابق أو إلى ديناصور لنتأكد من صحة النظرية.
مغالطة التناقض
إن افتراض مركزية المورثات وأنانيتها في التحكم فينا يتناقض مع وعينا لذلك ومقدرتنا على "عدم الانصياع" للمورثات وتحكمنا بها الآن، فالبشر يختارون الانتحار أو عدم التزاوج والإنجاب.(أنظرMary Midgley التطور كديانة).
نقد الانتقاء الطبيعي
قبل أن أشرع بالنقد، أود توضيح أن "الانتقاء الطبيعي" يقع تحت تصنيف الـ"نظرية"، فهو ليس بفرضية ولا بقانون بل نظرية ابتكرها والاس وتبناها دارون من بعده وأسس عليها نظريته المعروفة ومن ثم تبنتها الدارونية الحديثة، وفي كثير من المراجع يوصف بـ"نظرية الانتقاء الطبيعي"،
ومما يؤكد كونه نظرية هو ظهور نظريات أخرى تفسر التطور بعيدًا عنه ، لذا فإنني سأنقد الانتقاء الطبيعي بالأسس التي تنقد فيها أي نظرية ، وسأشير إليها اختصارًا بلفظ "الانتقاء الطبيعي".
عدم التماسك
إن الشرط الأول لصحة النظرية هو تماسكها الداخلي والخارجي consistency، أي أن يشكل تعريفها وأفكارها وفلسفتها وحدة متناسقة فيما بينها وبين النظريات الأخرى المكملة لها،
إلا أن الطريف في الأمر أن تعريف الانتقاء الطبيعي -أساس الدارونية الحديثة- يتعرض لجدل واختلاف كبيرين بين التطوريين!
لنتصفح بعضًا من التعاريف المتاحة:
(( إن آلية التكيف adaptation تمثل الانتقاء الطبيعي، إنه يعمل على الحفاظ على قدر أكبر من الملاءمة على شكل معين من الحياة))
Gaylord Simpson 1967 p 219.
(( الانتقاء الطبيعي يبذل جهده لينتج برامج وتصرفات تضمن زيادة الكفاءة fitness))
Ernst Mayr 1976 p 365.
((الانتقاء الطبيعي لا يُعنى بالصراع من أجل البقاء، بل يُعنى بالتكاثر التفارقي differential reproduction))
أنظر Lewin, 1965, p 304.
((الانتقاء الطبيعي هو المؤسسة التي تقولب تشكل الأنواع للكائنات الحية species))
Wilson, Sociobiology, p 67.
وحديثًا،أعطى ولسن تعريفًا آخر للانتقاء الطبيعي بأنه ((البقاء والتكاثر التفارقيين))
Wislon 1987.
(( نظرية دارون لا تهتم بالحيوانات أنفسها، بل بنجاح تكاثرها reroductive success))
Russell Foster, 2004, p 163.
بينما يرى دوكن Dawkin أن الكائنات الحية عبارة عن روبوتات تتحكم بها مجموعة من المركبات الأنانية (المورثات) تمثل آلية التطور. Dawkin 1989 p 5، Endler 1992.
هذه فقط بعض التعريفات التي أتيحت لي، وكما نرى فإن تعريف الانتقاء الطبيعي يختلف كثيرًا من واحد لآخر،
فدارون ركز على أن التكيف هو محك الانتقاء،
ثم ضخم هكسلي (الملقب بكلب دارون Darwin's bulldog) معيار القوة،
ثم غيرت الدارونية الحديثة الفكرة كليةً عندما حذر ليونتن من تعريف هكسلي واستبدله بالتكاثر التفارقي،
وشتان بين البقاء والتكاثر، فقد يكون الحيوان متكيفًا مع بيئته لكنه عقيم، وبالتالي سيخطئ أحد التعريفين،
لذا قام ولسن بجمعهما سوية مع بقاء الغموض في التعريف،
ومن هنا تظهر أربعة أسس للانتقاء:
البقاء (التكيف)،
التكاثر التفارقي،
القوة،
إظهار الأنواع.
إن معيار التكيف Adaptation عند دارون معيار صحيح لا نختلف عليه ، مثلاً الرجل العجوز لا يصلح لأن يعمل حارسًا شخصيًا ، والجمل لا يصلح للعيش في القطبين ، والكائنات الحية تختلف في مدى ملاءمتها للظروف البيئية المحيطة ، ولا يصلح منها إلا الملائم ،
إلا أن دارون والتطوريين وسعوا هذه الفكرة وقاموا بحشو التنوع الحيوي فيها ، فما دخل الانتقاء الطبيعي بنشوء الأنواع !!!؟
================
من الأمثلة الأخرى على عدم تماسك النظرية،
هو الخلاف حول وحدة الانتقاء ، أي ما الذي ينتقيه الانتقاء الطبيعي، وأعني بذلك الانتقاء الجماعي group selection،
ففي عامنا هذا سيتم الاحتفال بالذكرى الأربعين لسجل الخلاف الطويل بين التطوريين في أهمية المجموعة في سير التطور،
ماير Mayr يرى أن العشائر -وليس الأفراد- هي الشكل الأقصى للتطور،
وواردر ألي Warder Allee يتبنى فكرة الـ"كائن الفائق superorganism" لـ Morton Wheeler من قبله
والتي تعتبر المجموعة كائنًا حيًا يتم انتقاؤه من بين المجموعات الأخرى،
بينما لويليامز هميلتون WilliamsHamilton رأي آخر في كتابه التكيف والانتقاء الطبيعي
حيث يرى أن الانتقاء على أي مستوى أعلى من الفرد هو انتقاء أبتر impotent !!
وايني إيدوارد Wynne Edwards أثبت أن الإيثار Altruism لا يمكن أن يظهر إلا إذا عمل الانتقاء الطبيعي على مستوى المجموعات،
لكن إيدوارد ويلسون Edward Wilson في كتابه Sociobiology يصف الإيثار بأنه "المشكلة الأساسية في علم الاجتماع الحيوي" !!
وأنه لتفسيره نحتاج إلى نظريات يصفها بأنها "فوق طبيعية" كالانتقاء الجماعي وانتقاء الأقارب KinSelection،
وأخيرًا يأتي دوكن بأفكاره المتطرفة ويهاجم الانتقاء الجماعي بشدة ويقيد الانتقاء الطبيعي بمستوى المورثات فقط!
ومن الخلافات بين التطوريين أيضًا :
الجدل بين المدرستين التدريجية Gradualism والمحايدة Neutralism في تفسير الانفجار الكامبري لظهور الأنواع،
فالمدرسة الأولى الممثلة للدارونية لا تنفك في نقد الثانية بسبب نجاحها في تقديم تفسير للانفجار الكامبري بعيدًا عن الانتقاء الطبيعي.
أما بالنسبة للتماسك الخارجي، فسأضرب مثالاً واحدًا يوضح تناقض الانتقاء الطبيعي مع غيره، ألا وهو الانتقاء الجنسي،
فمثال الطاووس الذي عرضه دارون سيؤدي إلى اصطدام بين النظريتين،
فالأولى تفترض أن ريش الطاووس الضخم سيعيقه عن الحركة والقنص والهرب وبالتالي عدم ملاءمته ومن ثم عدم انتقائه،
بينما يرى الانتقاء الجنسي أن ريش الطاووس عامل جذب مهم للتكاثر وبالتالي البقاء والتكاثر!!
فكيف نوفق بين النظريتين؟ طبعًا لا يمكننا ذلك إلا بانتظار النتيجة ومن ثم توفيق ذلك مع مقدمة الافتراض للنظرية.
عدم التنبؤ
يقول كامبل: (( إن الجدل حول نظرية التطور على أنها مجرد "نظرية" أمر مغالط، إن ما يسميه العامة بالنظرية إنما يصنف تحت الـ"فرضية"،
بينما نظرية الانتقاء الطبيعي لدارون مثلها مثل نظرية الجاذبية لنيوتن تشمل العديد من الحقائق التي تفسر الظواهر من حولنا ))
Campbell, Biology, p 426.
لا أدري ما مدى تفاؤل كامبل وباقي التطوريين عندما يتلفظون بمثل هذه الكلمات!!
يقول دارون في كتابه أصل الأنواع ص 318( لا أؤمن بقانون ثابت للتطور ))،
ويزيد في صفحة 348: (( لا أؤمن بقانون لتطور ضروري ))،
ويقول دوبزانسكي: (( الانتقاء الطبيعي لا هدف له، ولا بصيرة، ولا نوايا )) , p 377.
شتان ما بين نظرية كالنسبية لآينشتاين تعطينا شرحًا وتوقعًا لمسار الأجرام،
وبين نظرية التطور التي تقوم على انتقاء طبيعي عاجز عن تقديم توقع لما سيحدث بعد دقيقة !
ففي نفس الوقت الذي يحشو فيه التطوريون فكرة "الميل التطوري evolutionary trends" في محاولة لتفسير التنوع الكلاديستيكي للأنواع ،
يشددون على أن هذا الميل لا يعني وجود هدف للتطور يتيح لنا التوقع ولا يتناقض مع ظهور أنواع تخالف ذلك الميل!
إن هذه العبثية في التوقع تعري التطور من مصداقيته كنظرية كما تؤدي إلى الفكرة التالية أيضًا،
وتجدر الإشارة إلى أن عدم وجود قانون لسير التطور لا يعني أنه ينفي "الغائية" فقط، بل ينفي التوقع أيضًا.
استحالة تخطيئه
نذكر بأن إمكانية تخطيء النظرية شرط أساسي لصحتها falsifiability، وإلا صارت بديهية لا يمكن إثباتها ولا نفيها.
إن نفي التوقع عن الانتقاء الطبيعي يوقعه في هذه الحفرة، فالتطوريون يحشون ظهور الأنواع تحت مسؤولية الانتقاء الطبيعي،
وهذه الأنواع مختلفة في خصائصها،
فتارة نرى أن التطور يميل نحو تضخيم الحجم،
فالحصان تطور من حيوان بحجم الكلب،
بينما في الهومو فلورسنس HOMOFLORESIENSES كان الميل نحو تقزيم الحجم،
وفي جميع الأحوال لا مشكلة لأن الطبيعة تنتقي بلا هدف ولا قانون ثابت،
وبالتالي يمكن حشو أية ظاهرة بلا مشاكل ولا يمكننا الاعتراض عليها!! وعادة يجري توفيق الظاهرة مع نظرية التطور بعد حدوثها.
مثال آخر:
لنرجع إلى مثال المباراة، الفريق (أ) إما سيفوز أو يخسر أو يتعادل.
ماذا سيحدث للمورث "أ" بعد مليون سنة؟
إما يسود،
أو يندثر،
أو يبقى...
وبكل ظرافة يقدم التطوريون أنواعًا للانتقاء الطبيعي!!!
الانتقاء الاتجاهي Directional selection
الانتقاء المعرقل Disruptive selection
الانتقاء الموازن Balancing selection
فهل يمكننا التحقق من صحة النظرية؟!!! طبعًا لا !!
لأنه يمكن افتراض حدوث أي ظرف أدى إلى عمل أحد هذه الانتقاءات!! وبالتالي فالنظرية صحيحة دائمًا!!
مثال ثان
الانتقاء الطبيعي يعمل على فترات زمنية مختلفة..
مشاهدة 1/ السجل الأحفوري يدل على وجود أحقاب من السكون التطوري،
التفسير: الانتقاء الطبيعي يحتاج لفترات زمنية طويلة للعمل.
مشاهدة 2/ الانفجار الكامبري (ظهور أنواع معقدة كثيرة فجأة)
التفسير: يمكن للانتقاء الطبيعي أن يعمل في زمن قصير فينتج أنواعًا خلال آلاف السنين فقط.
مخالفة المبدأ الأوكامي:
(يعتمد المبدأ على أن شرح أي ظاهرة يجب أن يقوم على أقل عدد من الفرضيات. يتم ذلك بترك أي فرضية لا تؤثر أو تشرح الظاهرة أو النظرية)
عند مقارنة الأشكال الدقيقة من الكائنات الحية (كالبكتيريا) مع الأشكال المعقدة (كالشمبانزي)،
نجد أن كليهما يمثلان فلسفة الانتقاء الطبيعي (السعي للبقاء، التكاثر... إلخ)،
وبالتالي فإنه حسب مبدأ أوكام Occam’s Razor كان يجب انتقاء الشكل الأبسط لأنه حقق الوصف المطلوب بأقل المتطلبات،
إلا أن الانتقاء الطبيعي ناقض مبدأ أوكام وانتقى الشكل الأعقد!!
الحشوية
وهي تعني التعريف الدائري الذي يقدمه الانتقاء الطبيعي في فلسفته، فالطبيعة تنتقي الـ"أكفأ"
لأنه كان أقدرًا على التكيف (حسب دارون)
أو أقدرًا على التكاثر التفارقي (حسب الدارونية الحديثة)، ب
ينما كان قادرًا على التكيف أو التكاثر التفارقي لأنه كان الأكفأ!
بهذا التعريف الناقص للأكفأ فقد سقط الانتقاء الطبيعي في مشكلة الحشوية Tautology لعدم تبيانه سبب الكفاءة
ولماذا كان هذا الكائن أقدر على التكاثر التفارقي أكثر من غيره.
شح المشاهدات
كثيرًا ما نسمع مقولة "إن التطور يحدث حولنا"، مما يعني زخمًا في المشاهدات،
إلا أنه عند عرض هذه المشاهدات فلن نرى إلا القليل القليل، مثل سيادة العث الأسود بعد الثورة الصناعية أو مثال تغير منقار طائر البرقش اللذان لا يخلو كتاب أو موقع تطوري من ذكرهما،
فهل هذه الأمثلة البسيطة تكفي لدعم نظرية تفترض تفسير تطور ونشوء الأنواع الهائلة من الكائنات الحية !!؟
هل يصح أن نعمم على الـ"كل" ما نشاهده على الـ"بعض" القليل !!؟
إن الزمن الافتراضي للتطور يقف حائلاً أمام إمكانية اختبار النظرية من حيث المشاهدات observations،
كما أن فلسفة التطور في انبثاق الأحياء من أصل واحد فقط تعني مشاهدة واحدة فقط حسب تعريفها
لأنه لا توجد أنواع أخرى انبثقت من أسلافها لنقيس عليها، فما قيمة النظرية التي تفتقر إلى دليل المشاهدة !!؟
استحالة التجربة
إن كون "الطبيعة" هي الفاعلة في الانتقاء يضعها في مأزق طريف يجعل من التجربة أمرًا مستحيلاً، فحتى نختبر الانتقاء الطبيعي علينا أن نحضر الـ"طبيعة" إلى مختبر التجربة وألا نتدخل في عملها البتة وأن نعطي عامل الزمن الطويل حقه.. وهذا ما لا يمكن القيام به، لذا فإن طبيعة الانتقاء الطبيعي تحصر اختباره في المشاهدة فقط.
بهذه الأدلة التي قدمتها إلى الآن، لا يسعني إلى اقتباس قول فيلسوف العلم كارل بوبر Karl Popper
(( يجب أن تمتاز النظرية الجيدة بعدد من التوقعات التي يجمعها قانون يمكن تخطئته بالمشاهدة، وفي كل تجربة تتفق مع توقعات النظرية تزيد ثقتنا بها، لكن إذا ظهرت مشاهدة واحدة تختلف معها، علينا أن نقصي هذه النظرية أو نعدلها ))
Hawking, Brief history of time, p 7
هذه هي الدارونية الحديثة، تستند على الانتقاء الطبيعي الأعمى الذي لا يعطي توقعًا واحدًا، ولا تدعمه المشاهدات الكافية، ولا يمكن اختباره بتجربة واحدة، وهو مليء بالأفكار غير القابلة للتخطئة، وإذا أزلنا الغموض عن تعريفه وفلسفته، ظهرت المشاهدات الكثيرة التي تتناقض معه كما سنتناولها الآن، وهنا نتذكر قول كامبل والتطوريين بأن "التطور" نظرية لا تقل عن النظرية النسبية أو الكوانتية في مدى كونها علمية!
غموض وجوده
بعيدًا عن التعريفات الكثيرة والتفاصيل الطويلة للانتقاء الطبيعي والخلافات حول أهميته ووجوده من الأساس، فكما حشا التطوريون ظهور الأنواع في عمل الانتقاء الطبيعي، وبعد ملياري سنة من عمل الانتقاء الطبيعي، ألا يحق لنا أن نسأل:
ما هو الكائن الحي الأكثر كفاءة الذي قام الانتقاء الطبيعي بانتقائه؟
لننتظر الإجابة من التطوريين !!
عدم الحاجة إليه
لقد ظهرت في القرن الماضي بعض النظريات التي أعطت حلولاً وتفسيرات لمشاهدات التطور بنسق علمي يفوق الانتقاء الطبيعي ويزيحه إلى حيز الـ"زوائد" التي يقصها المبدأ الأوكامي.
نذكر مثلاً نظرية جولد "الاستقرارات المقاطَعَة Punctuated EquilibriumTheory" التي فسرت الانفجار الكامبري،
فالسجل الأحفوري يثبت ظهور الأنواع فجأة وليس بشكل تدريجي عن طريق الأشكال الوسطية،
مما حدا بالتطوريين القدامى إلى تبني نظرية "الأحافير غير المكتشفة"! لترقيع هذه العيوب،
من هنا جاء جولد بنظريته التي فسرت هذا التنوع المفاجئ.
طبعًا قام التطوريون بدَرْوَنَة نظريته حتى تتماشى مع الدارونية الحديثة ، متغاضين عن أن الانتقاء الطبيعي صار زائدًا لا حاجة له ،
فقد فسر جولد ظهور الأنواع مرتكزًا على الانجراف الوراثي genetic drift والاستيلاد الداخليInbreeding فقط دون الحاجة إلى الانتقاء الطبيعي!
مما يستدعي مقص أوكام لإزالته حتى تصح النظرية !!
محمد الباحث