في كل مرة كان أبو محمد يشق طريقه إلى داره بخطواته الكسولة المعتادة دائماً مكان يتوقف عند طرف الشارع ويرمق الصبية الذين يلعبون بالكرة فنشتعل أحلام يقظته فيعانق التمني ويحول تسلق عنفوان الشباب الذي ولى ويفتح ذاكرته على مصراعيها لتهب منها أحلام صغيرة تخمر عقله وترحل به إلى نسيان ذلك الشيب الذي كسا رأسه , والتجاعيد التي غزت جسده , ولكن مع الوقت ترجع الأمنية تجر أذيالها خائبة ومنهزمة كالعادة تبحر به مع الألم والحزن والحسرة إلى معاناته على فقدان زوجته وأولاده أثناء الحرب فيتجرع المرارة والكدر ويتمنى أن يرحل معهم .
عندما يدلف إلى داره القديمة ذو الأربع غرف يتوسطه ساحة في الوسط زرع فيها بعض الشجيرات الصغيرة كان يعتني بها بشدة , يجد فيها السلوان وطرد الملل في وحدته فأن بصره دائماً ما يسدده مباشرة ألى صورة أولاده وزوجته المعلقة في غرفته التي أصابها التصدع والتشقق .
أنصت إلى طرق على باب داره فعرف على الفور من بالخارج فكبله الغيظ , واندفع الدم إلى وجهه , وأخذ يرسل عبارات السب والشتم هؤلاء الأوغاد المحتلين لا يتركونني وشاني .
أنت أيها العجوز مطلوب في دائرة الإسكان .
فتح الباب ليقابله تلك الصورة القبيحة التي لوثت شوارع القدس العتيقة
ــ ماذا تريدون هذه المرة ؟ !!!
قالها بغضب وشدة
ــ هناك في دائرة الإسكان سوف تعرف
شد ه الجنود بقوة ودفعوه إلى الأمام هيا تحرك
فقال: دعني أغلق باب داري
وفي الدائرة التي يعرفها غرفة غرفة من كثرة التردد عليها أجلس هنا أيها العجوز
منذ فترة وأنت لم تشرفنا قالها محدثه باستهزاء وتندر
أطبق العجوز رأسه , ثم رفعه وراح يلتقط أنفاسه , ويسدد بصره بحده إلى محدثه
ـ ماذا هذه المرة ؟
قالها وهو يبلع ريقه ويخفي توتره
ــ أنت منذ فترة طويلة تعيش لوحدك في دارك .
رد العجوز والاستغراب يرتسم على وجهه ماذا في ذلك ؟
ــ لا عليك
ــ كل ما في الأمر أن جارك يريد أن يقوم بعملية ترميم في داره المحاذي لدارك , ونريد منك أن تمنحه غرفتين حتى ينتهي من الترميم .
تجمد الدم في عروقه , ونزل الكلام عليه كالصاعقة ماذا تقول ؟
ــ سوف يدفع لك مقابل مادي طيلة فترة العمل في داره .
ــ إنني أرفض ذلك .
فأنا لا استطيع أن أتخلى عن شبر من داري الذي بناه جدي .
لا حولا ولا قوة إلا بالله
ــ احمد الله إننا لم نخرجك من دارك فهذه الأرض ملكنا
ــ أنتم قوة احتلال جئتم من الغرب والشرق وأنا وأجدادي وآبائي ولدنا هنا وتربينا هنا قالها بفخر
ــ أنت أشكنازي وهذا الذي بجانبك سفاردي
أما أنا فعربي على هذه الأرض منذ زمن طويل
ــ دعك من الماضي فنحن نعيش معا على هذه الارض ونريد زرع السلام والوئام بيننا وبينكم أيها العرب
ضحك العجوز وقال في نفسه ما أنتم إلا قوم لئام
ــ نعم أيها العجوز نريد السلام .
ــ أنني أرفض ثم وقف إنكم لن تحصلوا ولو على قطعة حجر من داري .
عليك بالامتثال .
خرج وهو يرد عليكم اللعنة أيها المحتلون المعتدون .
وفي أثناء عودته إلى داره قابله مجموعة من الصبية كانوا يرشقون جنود الاحتلال بالحجارة فأخذ يصيح
ويقول بصوت مرتفع : عليكم بهم قاوموا أيها الأبطال الشجعان
قبض عليه بتهمة المشاركة في المقاومة وأودع السجن وصودرت داره .